رواية تعافيت بك الجزء الثاني للكاتبة شمس محمد الفصل الثاني والأربعون
أضحى العالم في عيني فقط أنا و أنتِ، يا من سرقتي قلبي و في روحي سكنتِ
أليف الروح ملفت ولو بين الحشود و كأن قلبيهما بينهما عهود، فالطبع تلك الحياةِ لن تسير إلا و رفيق الروح موجود، و أنتِ أليفة الروح وحدكِ من جعلتي القلب بسر حبكِ يبوح، وحدك من استأنس القلب بها، وحدك من دوات القلب المجروح.
وقف أحمد مشدوهًا مما رأى و هو يفكر فيما قد يكون بين شقيقته و عمار، و قبل أن يتهور و يفعل ما لم يُحمد عقباه قبض على كفه محاولًا التحكم في نفسه حتى يستطع أخذ الفعل المناسب، و حينها أغلق الهاتف ثم وضعه بجوارها كمان كان و حاول إيقاظها من النوم بهدوء لكن نبرته خرجت جامدة دون أن يعي لذلك، تزامنًا مع قوة هزته لها التي خرجت عنيفة إلى حدٍ ما، حتى صرخت هي عند استيقاظها وهي تقول بانفعالٍ بات واضحًا في نبرتها: إيه يا أحمد حد يصحي حد كدا؟ عاوز إيه دلوقتي طيب؟
حاول هو التحكم في نفسه و هو يقول بصوتٍ جاهد حتى يكون هادئًا: تعالي يا خلود يلا علشان نصلي الفجر، البيت كله صحي، قومي.
حركت رأسها موافقةً على مضضٍ ثم خرجت من الفراش، بينما هو تحرك من أمامها بعدما رمقها بتمعن محاولًا سبر أغوارها و حينما انتبهت هي لنظرته، تنحنح هو يُجلي حنجرته ثم رحل من أمامها، لكنه عزم الأمر في محادثاتها بالهدوء حتى يفهم ما يدور بينهما حتى تتصفح صوره بتلك الطريقة، بينما هي شعرت بالخوف لوهلةٍ من الزمن لكن ليس بسبب الصور و حساب عمار المفتوح في هاتفها، بينما بسببٍ أخر تود مسألة وليد عنه.
في غرفة خديجة ارتدت إسدال الصلاةِ بواسطة والدتها ثم جلست خلف ياسين على المقعد و هو أمامها يأم بها لصلاة الفجر، بينما والدها و شقيقها نزلا سويًا حتى يؤديا الصلاة في المسجد، أنهى ياسين الصلاة و بعد التحيات جذب المقعد يجلس مقابلًا لها عليه ثم مد يده يسحب كفها يقوم بالتسبيح عليه كعادته بعد نهاية صلاتهما سويًا حتى يقتسما الأجر والثواب معًا، بينما هي كعادتها نظرت له بعينيها الدامعتين تأثرًا من موقفه المعتاد، فوجدته يقبل رأسها بعد نهايته، ثم تحدث بنبرةٍ خافتة يحاول جاهدًا عدم إظهار تأثره: ألف سلامة عليكي يا خديجة، ربنا يقومك ليا بالسلامة و ميوجعش قلبي عليكي طول عمري.
ابتسمت له هي باتساعٍ فوجدته يربت بيده على رأسها ثم سألها بحذرٍ: لسه جسمك بيوجعك؟ أنا عارف إن دا شيء مؤكد بس وجعك زي الأول؟
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بصوتٍ حاولت جعله ثابتًا: لأ الحمد لله الدوا اللي خدته سكن الألم شوية، هو بس وجع راسي و ضلوعي وجعاني أوي
ربت كتفها بأسى وهو يقول بنفس الهدوء: الحمد لله على كل حال يا خديجة، ربنا يطمننا عليكي إن شاء الله، و حقك رجعلك كمان.
ردت عليه هي بحزنٍ ظهر في نبرتها و عينيها: بس أنا مكنتش عاوزاه يا ياسين بالطريقة دي، أنا طول عمري بسيب حقي و بتوكل على الله، اللي حصل منهم كان كتير أوي، و طردوهم كمان، أنا متكلمتش علشان محرجهمش بس العقاب كان كتير.
رد عليها هو بتعجبٍ: كان كتير! كل دا و لسه شايفة إنه كتير يا خديجة؟ منة دي مش حاولت تأذي أخوكي؟ و كانت بتتخانق مع خلود و بجحت في الكل و زقتك و كانت مستنية إنك مترجعيش؟ تفضل هنا ليه؟ علشان تعمل مصيبة تانية؟
ردت عليه بحنقٍ: الموضوع فيه حاجة غلط يا ياسين، سبب خناقتها مع خلود أنا معرفهوش و سلمى كانت مع خلود و اختفت فجأة و من ساعتها مش ظاهرة، أنا مش فاهمة في إيه بس الموضوع ميطمنش، و فوق كل دا العقاب كان كبير.
تحدث هو بضجرٍ منها: بطلي يا خديجة تدافعي عن الجاني و تخليه مجني عليه، أمها بنفسها جابت أخرها منها، طب اقولك على الكبيرة؟ منة دي ضربت أمها قبل كدا، عارفة يعني إيه مدت إيدها على أمها! يعني دي عملت حاجة من الكبائر، منة تستاهل أكتر من كدا بكتير، بس أنتِ اللي طيبة.
طالعته بدهشةٍ من حديثه فوجدته يضيف بتهكمٍ: مستغربة! دا شيء متوقع منها يا خديجة عادي، أمها شافت كتير بسببها، و أبوها مدلعها و علطول يقف في صف بنته، سالم لازم يتعاقب علشان يحافظ على الأمانة اللي عنده، دي أمانة في رقبته لحد ما تروح بيت جوزها، قوليلي مين يرضى ياخد أمانة زي دي و يعتمد عليها؟
نزل الحديث عليها كوقع الصاعقة فلم تتخيل هي أن تفعل منة ذلك الشيء في والدتها، فتحدثت هي بصوتٍ تائهٍ: أنا مش قادرة أصدق! تمد إيدها على مامتها؟ استغفر الله العظيم، و إزاي طنط وفاء ماخدتش رد فعل؟
رد عليها هو بقلة حيلة: هتعمل إيه يا خديجة؟ ساعتها جت عندنا و فضلت تعيط بسبب منة و جوزها اللي مأخدش رد فعل، قال إيه لسه صغيرة و المفروض تعاملها بعقل، دا غير إن وليد أكيد عارف حاجة، علشان وليد عمره ما يوصل لكدا غير لو فيه مصيبة
زفرت هي بقوةٍ فوجدته هو يمسك ذراعها الحر ثم ربت عليه وهو يقول مُقررًا: بلاش تخلي تأنيب الضمير يوهمك إنك ظالمة و أنتِ المجني عليها، و لسه هنشوف الموضوع فيه إيه؟
تنهدت هي بقلة حيلة فوجدت الباب يُطرق بواسطة والدها تزامنًا مع حديثه مُستأذنًا بالدخول لهما، فسمح له ياسين، دلف طه وهو يبتسم و معه في يده زجاجة العصير المفضل لديها وهو يقول بنبرةٍ مرحة: صباح العسل، جبتلك عصير البرتقان بالجزر اللي بتحبيه أهوه، اشربيه و شربي ياسين معاكي بقى علشان تاخدي العلاج و ترتاحي شوية.
ابتسمت هي بتفاجأ من فعل والدها، بينما ياسين ابتسم بسخريةٍ وهو يقول: و بتتريقي عليا علشان القصب باللبن؟ و أنتِ طلعتي غاوية ميكسات أهو، محدش أحسن من حد
ردت عليه تشاكسه: بقولك إيه أنتَ تغلط فيا عادي، إنما عند البرتقان بالجزر متتكلمش، تضربله تحية
رمش بأهدابه ببلاهةٍ فوجدها تضيف بنفس العناد: و مش هشربك منه برضه، هاته يا بابا و ابقى خليه يجيب لنفسه.
رد عليها هو مُسرعًا: لو بتحبيه أوي كدا أنا ممكن أجيب ليكي كل البرتقان بالجزر اللي في الدنيا، بس ترجعي تاني كويسة يا خديجة
ابتسمت هي بخجلٍ بسبب وجود والدها الذي طالعهما بحبٍ ممتزج بالتأثر، بينما ياسين حاول تغير الموقف بقوله المستفسر: هو أحمد فين و وليد؟
رد عليه طه بنبرةٍ هادئة من وجهه المبتسم: صلوا الفجر و طلعوا السطح سوا، و أنا روحت جبت العصير لخديجة و جيت.
أومأ له ياسين موافقًا بتفهمٍ، بينما طه جلس بقربها ثم قبل رأسها بحبٍ فوجدها تبتسم له، حينها طالعهما ياسين بفرحةٍ هو تلك المرة بسبب تطور علاقتهما و فرحتها البادية على وجهها.
فوق سطح البيت كان وليد جالسًا بمفرده بعدما تركه أحمد و توجه نحو شقتهم، و أبان جلوسه صعدت له سلمى بتوترٍ و خوفٍ، فوجدته يقول دون أن يلتفت لها: أخت عبلة بجد مفيش كلام، تعالي يا سلمى خايفة ليه؟
اقتربت تجلس بجانبه تفرك كفيها معًا و هي تقول بخوفٍ: منة مش هتعمل حاجة صح؟ هي كانت بتهددنا و خلاص، أنا خايفة يا وليد أوي، مرعوبة.
حرك رأسه يطالعها وهو يقول بنبرةٍ جامدة: أنتِ خايفة من إيه؟ هو أنتِ عملتي حاجة غلط أنتِ أو خلود؟ واحدة بتهدد و خلاص، و أنا ربيتها
ردت عليه هي بخوفٍ: يا وليد قالت هتخلي الولد يعمل لينا الصور و يروح السنتر يفضحنا هناك، دي مجنونة و ممكن تعملها، علشان خاطري اتصرف.
ابتسم لها هو يطمأنها وهو يقول بنبرةٍ هادئة: هي مش هتقدر تأذيكم طول ما أنا عايش، مشيرة و هي بتضربها أنا خدت التليفون و مسحت أي حاجة ممكن تخوفكم، بس الصور القديمة دي اتصورتوها إمتى؟
ردت عليه هي مسرعةً: و الله العظيم يا وليد لما كانت بتيجي تبات عندنا، كنا بنسهر عادي و نحط ميكب و نتفرج على مسلسل، بس متخيلتش إنها تهددني بالصور دي، أنا كنت هموت.
تحدث هو بحكمةٍ كعادته: و دا يعلمك إن مفيش أي حد تتصوري معاه و صورك تفضل معاه يا سلمى، عارف إنها من زمان و إنكم بنات و دماغكم متجيبش حاجة زي دي، بس الناس متضمنش أصلًا، دا أنا راجل أهوه و مأمن على صوري و صور مراتي، اتطمني كل حاجة اتمسحت و معهاش حاجة تهددكم بيها، بس مش محتاج أقولك خلي بالك يا سلمى على نفسك و ياريت تكوني حريصة شوية، مش أي حد ينفع يصاحبك و لا أي حد اتصور معاه براحتي، محدش مضمون أصلًا و نفوس الناس مرعبة، بس متخافيش أخوكي خد حقك و وعدك زي ماهو، زمانها دلوقتي قالبة الدنيا على الحاجة اللي ضاعت منه، اتطمني.
أبتسمت هي براحةٍ تخللت قسمات وجهها و هي تتنهد بعمقٍ و كأنها تتنفس لأول مرّة بالحياة، بينما هو أضاف من جديد: سلمى! أي حد يهددك بحاجة بعد كدا متبينيش خوفك قدامه، طول ما أنتِ معملتيش حاجة غلط، يبقى خلاص حطي صوابعك في عين التخين، و ياريت لو اتكررت تاني لقدر الله تختاري حد تقوليله يدافع عنك، أكيد هو هيعرف يتصرف صح لأن بطبعك التفكير هيشل حركتك و بالتالي هتتصرفي غلط.
ردت عليه هي بنبرةٍ باكية: أنا كنت محتارة و الله، لولا خلود كانت معايا كان زماني اغمى عليا من الخوف، متخيلتش إن اللي كانت بتبات معانا و تاكل من نفس أكلنا يجي يوم و تعمل كدا! و كمان تقول إنها هتبعت حد يشوه سمعتنا في السنتر؟ و فوق كل دا تضرب خديجة و عمتو مشيرة؟
ابتسم هو بسخريةٍ على تلك المدعوة منة التي تخطت جميع الخطوط الحمراء فوجد خلود تدلف السطح و حينما رأتهما ركضت إليهما بلهفةٍ و هي تقول بقلقٍ: ها يا وليد طمني، منة مش هتعمل حاجة بالصور اللي معاها و لا هتبعت حد السنتر صح؟ طمني أنا بموت من الخوف.
ابتسم بثقةٍ وهو يقول: قصدك الصور اللي كانت معاها، ثم إنك لازم تثقي فيا علشان منة لو فكرت تهوب بس ناحية واحدة فيكم أو أي حد في عيلة الرشيد أنا هدوس عليها و مش هيفرق معايا، متخافوش
تنفست خلود براحةٍ و هي تقول بهمسٍ: الحمد لله، الحمد لله يا رب، منها لله بنت وفاء، أنا أول مرة أعيط من سنين و أول مرة أخاف كدا، ربنا ياخدها.
زفر وليد بقوةٍ ثم رفع رأسه للسماء وهو يقول: أنا تعبت! خلاص يا دنيا مفيش غيري؟ همشي أصلح الكون و أربي اللي مترباش؟
ضحكت كلتاهما عليه و على طريقته بينما هو طالعهما بضجرٍ ثم تشدق بقلة حيلة: يلا يا حلوة منك ليها و روحوا ناموا النهار لسه بيطلع، متخافوش طول ما وليد معاكم، و الكلام دا ميطلعش لحد في العيلة مهما كان! مفهوم؟
وافقت كلتاهما ثم رحلتا من أمامه كلًا منهما تتوجه نحو شقتها، بينما أحمد بعد اطمئنانه على شقيقته صعد إلى وليد حتى يسأله على موضوع خلود، و بمجرد وقوع بصر وليد عليه نفخ وجنتيه ثم قال بسخريةٍ: يا دنيا هاتي كمان هاتي، تعالى يا أبو حميد خير على الصبح؟
جلس أحمد بجانبه بملامح وجه جامدة ثم سأله بنفس الثبات البادي عليه: عاوز أسألك حاجة يا وليد، بس تريحني و متخبيش عليا حاجة.
حرك وليد رأسه له بحذرٍ فوجده يقول: هو فيه حاجة بين خلود و عمار؟
حرك رأسه مستفسرًا تزامنًا مع قوله: خلود و عمار! لأ طبعًا ليه بتقول كدا يا أحمد؟
رد عليه هو مُردفًا بنفس الجمود: هو لما أدخل أصحي أختي وألاقيها فاتحة الإنستجرام بتاعه على صوره دا يبقى إيه يا وليد؟ رد عليا؟ دي حاجة طبيعية؟
تنهد وليد بقلة حيلة ثم تحدث مُردفًا بقوله: اسمع يا أحمد علشان مش هكرر كلامي تاني، خلود و عمار مفيش بينهم أي حاجة، الاتنين دي مش أخلاقهم و لا تربيتهم، بس خلود بنت في سن المراهقة و غصبٍ عنها مهما كانت ناضجة طبيعي إنها تتشد أو شخصية زي عمار دي تلفت نظرها، يعني ولد زيه مؤدب و ذوق و بيراعي ربنا في كل حاجة، و أظن شوفته ساعة موقفه مع البت و إخواتها؟ طبيعي إن خلود يجيلها فضول تعرف شخصيته أو معلومات عنه، أنا مش ببرر ليها إطلاقًا، بس الأحسن إنك تتكلم معاها كأنك أخ مصاحب أخته أحسن ما تكون قاضي بيحكم على الضحية بتاعته.
حرك أحمد رأسه موافقًا ثم سأله و كأنه انتبه لتوه: طب و عمار! أكيد مش بيفكر فيها؟ مش معقول نكون فاتحين بيتنا ليه و بنستأمنه و هو بيبص لبناتنا يا وليد!
زفر وليد بقوةٍ وهو يشعر بالضيق و الحيرةِ معًا، فوجد أحمد يقول مُقررًا: يبقى عمار بيفكر في خلود برضه؟ سكوتك ملهوش دليل عندي غير كدا.
طالعه وليد بثباتٍ بات واضحًا في نبرته و هيئته: هقولك علشان ميجيش يوم و تفتكر فيه إنك مُغَفل أو ترفض أي حاجة ممكن تكون بينهم، عمار بيحب خلود و حاسس بحاجة ناحيتها.
اتسعتا حدقتي أحمد بشدة حتى وصل لمرحلة الجحوظ فوجد وليد يضيف من جديد: اسمع يا أحمد، عمار متربي و بزيادة كمان بدليل إنه جه و حكالي على مشاعره ناحيتها، و غير كدا محاولش يكلمها و لا حاول يتخطى حدوده معاها، بالعكس دا كان بيعمل نفسه مش شايفها، و لسه عاوز يعتمد على نفسه و يعمل إسمه علشان يليق بيها، و أنا قولتله إنها لو نصيبه هتبقى ليه غصبٍ عن الدنيا كلها.
سأله أحمد بصوتٍ حاد: و خلود عارفة حاجة عن الموضوع دا؟ أنتَ قولتلها يا وليد؟
رد عليه نافيًا حديثه بقوله: لأ هي متعرفش لإن مفيش حاجة أصلًا، خلود لسه صغيرة و لسه في مرحلة النضج، مينفعش اشتتها بحاجة زي دي يا أحمد، أختك بمية راجل و عمرها ما تعمل حاجة غلط، خليك بس أنتَ مصاحبها.
رد عليه هو بتشتتٍ و تيه: أنا مش عارف هي مالها يا وليد، خلود أول مرة تعيط كدا في حضني، و عياطها مزعلني، و سلمى كمان اختفت فجأة و الاتنين مش عارف مالهم، و خديجة كفاية اللي حصلها يوجع قلبي عليها و يخليني أعيط بدل الدموع دم
ربت وليد على كتفه و هو يقول مُطئنًا له: كل حاجة و ليها أخر، مفيش فرح دايم و لا حزن مطول يا أحمد، متخافش على أخواتك دا ابتلاء من ربنا و هيعدي خلاص.
حرك رأسه موافقًا ثم ألقى برأسه على فخذ وليد الذي رفع ذراعه يربت عليه و كليهما يتقاسم الحزن مع الأخر.
بعد مرور بعض الوقت الذي أوشك على ساعاتٍ ارتدى ياسين حِلته العملية حتى يذهب إلى عمله بعد توسل خديجة له بالذهاب بعدما قرر هو البقاء بجوارها و مراعاتها لكنها أبت ذلك و أخذت منه وعدًا بالرحيل، كانت هي على الفراش تجلس و هي تراقبه بتعمن، فالتفت لها وهو يقول بسخريةٍ: أنا حاسس إنك فرحانة أني همشي مش عارف ليه؟ أنا مش هعرف أسيبك يا خديجة و أنتِ كدا، مش هركز و الله.
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة: يا سيدي مش فرحانة و لا حاجة، بس هتفضل تعمل إيه هنا؟ كلهم كمان شوية هيكونوا هنا، و محدش فيهم هيسبني
اقترب منها هو حتى جلس بجوارها ثم قال بصوتٍ حزين: أنا اللي مزعلني أني عارف إنك تعبانة و الالم صعب، أنا اتجبست مرة و أنا صغير و الوجع كان صعب فاكره، بس أنتِ مش عاوزة تتوجعي يا خديجة، و دا غلط.
ردت عليه هي بقلة حيلة: هعمل إيه طيب؟ متعودتش أتوجع يا ياسين، هستفاد إيه؟ أنا عمالة أهزر و أضحك معاكم اهو و لما بتوجع بنام، متخافش
تنهد هو بضيقٍ ثم اعتدل واقفًا وهو يقول بنبرةٍ هادئة: البنات هيجوا بليل يطمنوا عليكي و معاهم ماما و بابا، يونس عمال يعيط عاوز يجي هنا
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت: إيمان و سارة قالولي إنهم هيجوا يطمنوا عليا، مع أني شايفة ملوش لازمة تعبهم دا.
رمقها هو بغيظٍ وهو يقول: هو أنتِ ليه مش مقدرة قيمة نفسك عندنا؟ إحنا كلنا بنحبك و كلنا لو نقدر نشيل التعب عنك، بس أنتِ مش عارفة
ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ خافتة: عارفة يا ياسين، أنا بس اتفاجأت من رد فعلهم، و دفاعهم عني بالطريقة دي، دي حاجة أنا عمري ما جربتها
حرك رأسه بإيماءةٍ بسيطة ثم سألها بخبثٍ: قوليلي صحيح هي الدماغ بتاعة قبل الفجر دي كان نوعها إيه؟
انكمش ما بين حاجبيها و هي تسأله بتعجبٍ: دماغ! دماغ إيه دي؟ مش فاهمة بصراحة يا ياسين
حرك رأسه للخلف وهو يقول بنفس الخبث: يا بت! الكلام اللي كنتي بتقوليه قبل ما تنامي على كتفي؟ مش فكراه يعني؟
سألته هي بلهفةٍ: و الله أبدًا، قولي بقى قولت إيه؟ عكيت الدنيا صح؟
حاول جاهدًا كتم ضحكته وهو يقول: أوي بصراحة، قولتيلي بحبك يا ياسين، متسبنيش يا ياسين، خدني من هنا يا ياسين، عاوزة افضل معاك يا ياسين، و قول،.
توقف عن الحديث حينما تحدثت هي بسخريةٍ تحاكي طريقته: أنتَ كداب يا ياسين، علشان أنا حطيت راسي على كتفك و نمت، بطل كدب بقى يا أبو طويلة
رفع حاجبه وهو يقول مُكررًا كلمتها مرةً أخرى بغير تصديق: أبو طويلة! أنتِ خدتي عليا أوي يا خديجة، إحنا مكناش كدا، أنا عاوز أسمع حضرتك يا أستاذ ياسين حالًا
ردت عليه هي بحنقٍ: نعم! حضرتك؟ روح يا بابا شوف أنتَ رايح فين يلا، يلا يا كوكو هتتأخر.
اقترب منها وهو يقول بضيقٍ زائف: طب قسمًا بالله الوقعة مأثرة جامد، أنتِ مخك اترج يا خديجة
سألته هي ببلاهةٍ: اترج؟ تفتكر ممكن يكون كدا
ابتسم هو بسخريةٍ وهو يقول: افتكر؟ هو اترج فعلًا يا خديجة، أنا خايف لما تفوقي يغمى عليكي من اللي هتعرفيه
شهقت هي بخوفٍ فوجدته يقول ببراءةٍ زائفة: أنا بقول نتفاجأ كلنا سوا و نعمل نفسنا منعرفش إن مخك اترج، و أنا اقول يونس شبطان فيكي ليه؟، أتاريكم فيكم رَجة من بعض.
قال حديثه ثم انسحب من أمامها بينما هي نظرت في أثره ببلاهةٍ و هي تقول بتعجبٍ: هو قصده إيه؟ أنا مرجوجة فعلًا؟
أسفل البيت وقف كلًا من حسن و وليد مع بعضهما بعد رحيل ياسين و وداعه لهما، فتحدث الأول بنبرةٍ خافتة: خليك أنتَ هنا في البيت علشان زفتة الطين متعملش حاجة تاني و أنا و طارق و وئام مع بعض، بس أنتَ خليك هنا مع أحمد، يارتنا ما كنا لحقناها منهم يا شيخ
رد عليه وليد بضجرٍ منها: يا أخي ياريتها تموت و نخلص منها، بس هنقول إيه؟ نصيبنا إن جدي يرزعهم هنا و ياريتهم حتى محترمين البيت اللي هما فيه.
رد عليه حسن بحذرٍ: وليد! أنتَ أكيد مش هتعمل حاجة بالصور اللي معاك دي؟ بلاش خوفك على اللي منك يخليك تفتري عليها، هما هيمشوا صح؟
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف: متخافش يا حسن هيمشوا و يغورا من هنا، عم محمود مستحيل يسيبهم بعد اللي حصل لأن وجودها هيعمل مشاكل و إحنا مش ناقصين، هيروحوا يقعدوا في العبور، عندهم شقتين هناك، و قاعد هنا سفلقة.
تحدث حسن بتعجبٍ: العبور! سالم دا عنده شقتين في العبور؟ دا شكله غلبان يا بني
رد عليه وليد بتهكمٍ: غلبان أوي، يا بني دا ساكن هنا من غير فلوس و مدفعش حتى فلوس يقعد بيها، بس لما أمه طردته جاب مراته و عياله على هنا علشان أبوه كان صاحب جدي، و قاعد هنا علشان شغله
امتعض وجه حسن وهو يقول بقلة حيلة: هي الناس بقت لئيمة كدا ليه؟ حتى سالم دا طلع خبيث؟ و أنا اللي فاكره طيب؟
تحدث وليد بسخريةٍ: محدش طيب يا حسن أنتَ اللي عبيط
حرك رأسه موافقًا على مضضٍ إثر صدمته فيما سمعه، و بعدها نزل الشباب خلف بعضهم حتى يذهبون إلى عملهم، بينما وليد سحب نفسه من أمام الجميع ثم توجه نحو شقة سالم، فتحت له وفاء الباب فوجدته أمامها يقف بثباتٍ، طالعته هي بخجلٍ و هي تقول: اتفضل يا وليد، تعالي يا حبيبي
سألها هو بنبرةٍ هادئة: أنا متأسف أني جيت لحضرتك الصبح كدا، بس أنا عاوز حضرتك في كلمتين ضروري.
ردت عليه هي ترفع الحرج عنه: متقولش كدا يا حبيبي، دا بيتك يا وليد، اتفضل تعالى
حرك رأسه موافقًا ثم دلف خلفها، ثم جلس على أقرب مقعد قابله فوجدها تسأله بنبرةٍ حاولت جعلها ثابتة: تشرب إيه يا حبيبي؟ و لا أحضرلك تفطر؟
حرك رأسه نفيًا وهو يقول: مش عاوز حاجة متشكر لحضرتك، بس عاوز أشوف منة، قصدي الآنسة منة.
طالعته هي بريبةٍ فوجدته يضيف مُسرعًا في الحديث: متخافيش أنا مش طالع علشان حاجة و الله، أنا بس عاوز أتكلم معاها كلمتين ضروري و ممكن حضرتك تفضلي هنا تسمعيهم، أنا مش جاي في أذية حد.
حركت رأسها له موافقةٍ ثم تحركت من أمامه حتى تجلبها له، لكنه اندهش حينما سمع صوت صرخات والدتها و صوت صرخاتها هي الأخرى و كأن شجارًا يدور بينهما، ركض هو للداخل فوجدها تهدد والدها بالزجاجة التي تمسكها بيدها، وقف هو مثل الدرع يحمي وفاء بينما منة صرخت في وجهه و هي تقول: أطلع برة! غور من وشي بدل ما اضربك أنتَ بالإزازة، غور بقولك.
وقف هو بثباتٍ وهو يقول بنبرةٍ جامدة: اضربي، لو جدعة اضربي و وريني شطارتك، أنتِ واحدة بتهدد أمها، يبقى هتشيلي خاطري، بس أنا بقولك إني لحد أخر لحظة معاكي و أنا مختار أكون بني أدم، متخلنيش اقلب حيوان و أطلع جناني عليكي
ردت عليه هي بنفس الصراخ: مش خلاص خدت حقك؟ و هنمشي و نسيب البيت؟ طالع ليه مستعجل على الشقة؟ متخافش مش هناخد منها حيطة و إحنا ماشيين.
رد عليها هو بنفس الانفعال: بت! اتكلمي عدل معايا بدل ما أجيبك من شعرك، أنا ساكتلك على كل حاجة عملتيها، ضربتي خديجة و بسببك راقدة في السرير تحت في الوقت اللي المفروض تعيش فيه أحلى أيام عمرها، و رميتي بلاكي على أحمد اللي انقذك من ناس في الشارع، و هددتي سلمى و خلود إنك هتفضحيهم، و كمان بتبجحي في أمك! أنتِ إيه معدومة الضمير؟
ردت عليه هي بتهكمٍ: سيبتهولك أنتَ، أنا أصلًا مش هعيش مع حد منهم، أنا هروح عند صحابي أعيش عندهم، أنا بكرهكم و بكرهها.
بكت وفاء بقوةٍ و هي تحرك رأسها نفيًا مما تستمع إليه من ابنتها، بينما وليد رد عليها بنبرةٍ جامدة: و هما كمان بيكرهوكي، عارفة ليه؟ مفيش أب و أم في الدنيا يفرحوا إنك تكوني بنتهم، أنتِ عارفة اللي كنت هتعمليه في خلود و سلمى دا إسمه إيه؟ إسمه قذف محصنات، عارفة يعني إيه يعني بتفتري على ناس بالباطل عارفة عقابها إيه عند ربنا؟، عارفة أنتِ كل الأذى اللي بتتسببي فيه دا عقابه إيه في الدنيا و الآخرة؟ فوقي بدل ما عمرك يخلص قبل ما تلحقي تتصرفي، أنا ساكت و مش عاوز أعمل أي حاجة تزعلك و مكتفي بس بالضرب، بس لو جينا للحق أنتِ متستاهليش الرحمة، و أمك اللي أنتِ بتكرهيها دي أنا هاخدها عندنا، على الأقل إحنا بنحبها.
رمقته بشررٍ يتطاير من عينيها ثم ارتمت على الفراش و هي تزفر بضيقٍ، بينما هو التفت ثم اشار ل وفاء حتى تسبقه للخارج، خرجت من الغرفة و هي تبكي بقهرٍ لا تصدق افعال بنتها، لكن هذا هو المتوقع من سلبيتها في التربية و من تدليل أبيها لها، جلس وليد مقابلًا لها وهو يقول بخجلٍ من طريقته و حديثه: أنا مكانش قصدي كل دا يحصل، حقك عليا، بس أنا متوقعتش إنها تهددك و أنتِ والدتها، أنا عاوز أعرف هي مالها؟ ليه كدا؟
ردت عليه هي بأسى: تربيتها و دلع أبوها ليها، عاوزة فلوس خدي، هبات عند صحابي باتي، عاوزة اسافر، سافري، كل حاجة مُجابة و لو حاجة مجبنهاش تصرخ و تصوت و تفضحنا، أنا تعبت و جبت أخري منها، و منه علشان هو السبب، بس هعمل إيه؟
رد عليها هو بنبرةٍ جامدة: تعملي إيه؟ دي بنت و أنتِ أم يعني ليكي دور، كان ممكن تصاحبيها و كان ممكن تقفي جنبها و كان ممكن تنصحيها و كان ممكن تعاقبيها مرة و ترخي إيدك مرة، سلبيتك دي هتضيعها منك في يوم، عارفة يعني إيه بنتك تهدد بنات اصغر منها إنها هتفضحهم في المكان اللي بياخدوا الدروس فيه؟ عارفة يعني إيه تحدف واحدة من على السلم و كانت هتروح فيها؟ عارفة أني كان ممكن أسجنها علشان خديجة علاجها هيحتاج أكتر من 21 يوم علاج؟ بنتك اللي حصل كله ليها مكسرهاش، دي مكملة و عاوزة تمد إيدها عليكي، يعني سلبيتك في التربية غلط.
طالعته بخزيٌ من حديثه التي لم تستطع انكاره، ففتح زوجها الباب في تلك اللحظة و دلف الشقة و حينما وقع بصره على وليد تحدث بنبرةٍ جامدة: أنا ضربتها و كملت عليها إمبارح، و روحنا المستشفى بيها، و هنمشي و نسيب البيت، مطلوب حاجة تاني؟
رد عليه وليد بضجرٍ: أنتَ مش بتديني حسنة و لا أنا بشحت منك، دا حقي و أنتَ عارف كويس، لو هطلب منك حاجة يبقى أطلب منك تربي بنتك، اللي ماشية تفرم في الخلق و مش هاممها حاجة، بس الحق مش عليها، الحق عليك أنتَ اللي مش مربيها، أخرة دلعك فيها إيه؟ جاي دلوقتي تقولي اهو ماشيين؟ أنتَ عارف إن بنتك مينفعش تفضل هنا علشان مصايبها هتكتر، ياريت يا عم سالم و أنتَ فرحان ببنتك و علامها تربيها، علشان متوصلش للي إحنا فيه دا، و على فكرة كانت هتمد إيدها على أمها، خليك بقى مستني لحد ما يجي دورك.
تحدث سالم منفعلًا بضيق: تاني؟ مدت إيدها عليكي تاني يا وفاء؟
اتسعتا حدقتيه بقوةٍ وهو يقول بدهشةٍ: يعني أنتَ عارف إنها مدت إيدها عليها قبل كدا؟ أنتَ إيه يا عم سالم؟ التربية مش فلوس و بس، فين دورك كأب مجبر يصاحب بنته؟ فين دورك كأب المفروض يعدل طريقها و خطواتها؟ فين دورك إنك تخليها تقرب من ربنا علشان لما تقف قصاده تقوله إنك ربيت صح؟ خلي بالك أنتَ هتتحاسب عليها، و هتدفع الحساب دا مرة في الدنيا و في الآخرة، بنتك بتمد إيدها على أمها يعني عملت حاجة من الكبائر، عارف يعني إيه الكبائر؟
رمى بحديثه أمامهما ثم رحل في هدوء تاركهما خلفه يتحسرا على ابنتهما، بينما وفاء رمقته بغضبٍ و هي تقول بقهرٍ: حسبي الله و نعم الوكيل فيك و في أمك، شوف هتلم دا كله إزاي؟ أنا لو هما مكانوش مشونا من هنا، كنت أنا همشي علشان اللي الحلوة عملته، و ياريتها على خديجة و بس، دي مهددة سلمى و خلود إنها هتبعت حد من الصايعين بتوعها يروح يفضحهم، وريني دلعك فيها هيحل الموقف إزاي، دا أنا مكسوفة أفضل هنا تاني.
تحركت من أمامه بنفس الغضب بينما هو ارتمى على المقعد بقهرٍ بسبب فعلة ابنته بل و أفعالها الكاملة، لكن تلك النتيجة هو يستحقها، فمن الأساس كانت البذرة غير صالحة الذراعة، فكيف له يتوقع أن تثمر بالخير و هو من ساعد في غرس الشر؟
دلفت سلمى غرفة خديجة بخجلٍ منها بعدما اختفت بالأمس دون أن تطمئن عليها، فوجدت خديجة تقول بتهكمٍ زائف: يا أهلًا بالأستاذة سلمى! وشك ولا وش القمر يا حلوة؟ مستنية خبري علشان أشوفك يا سلمى؟
جلست بجانبها وهي تقول بخجلٍ: قلبك أبيض يا ديجا بقى، و الله كنت تعبانة و نمت شوية غصب عني، أنتِ عارفة غلاوتك عندي.
نظرت لها بتشككٍ و هي تقول: يا بت! تلاقيكي زوغتي منهم قبل ما حد يطلب منك حاجة، أخر حاجة فكراها إنك كنتي مع سلمى فوق السطح، روحتي فين بعدها يا سلمى؟
ردت عليها بتوترٍ: ها، آه، ساعتها نزلت علشان جالي مغص، و سيبتها مع الزفتة بس متخيلتش إن حاجة زي دي ممكن تحصل، المهم أنتِ طمنيني عليكي
ردت عليها مقررةً: طمنيني أنتِ عليكي، مالك يا سلمى شكلك مش كويس ليه؟ فيه حاجة مزعلاكي صح؟
بكت سلمى أمامها بقوةٍ من قوة ما تشعر به من خوفٍ رغم زواله، لكن القلق الذي يخيم على صدرها يشبه النيران في قوتها، بينما خديجة فتحت لها ذراعها حتى تحتضنها، بينما سلمى أجهشت في البكاء بقوةٍ أكثر، حتى تحدثت خديجة بسخريةٍ: يا سلمى إيدي مكسورة هطبطب عليكي إزاي دلوقتي؟ قولي يا بنتي مالك، بدل ما اضربك بالجبس و أخلص.
رفعت سلمى نفسها و هي تقول ببكاءٍ: كنت مخنوقة يا خديجة، أنا بكره منة أوي، و أنا عمري ما كرهت حد، بس هي غريبة و متتحبش، هددتني أنا و خلود إنها هتبعت واحد السنتر يفضحنا، و قالت إنها هتنزل صوري و أنا بشعري، أنا وعدت وليد إن محدش يعرف، بس أنا برتاح ليكي.
احتضنتها خديجة بذراعها الحر و الآن فقط فهمت سبب تحول وليد بتلك الطريقة، و الآن تيقنت أن منة لقت أقل عقاب تستحق الحصول عليه، و على الرغم من فضولها في معرفة التفاصيل، إلا أنها قررت ترك الموضوع و صرف التفكير به، بينما سلمى استكانت بين ذراعها و هي تشعر بالأمان بقربها، و في تلك اللحظة دلفت خلود لكنها تعجبت عند رؤيتها ل سلمى بقرب خديجة، و جلست على طرف الفراش و هي تقول بتعجبٍ: هي مالها! ما كانت داخلة كويسة، حصلك إيه يا سلمى.
ردت عليها سلمى بنبرةٍ خافتة: مصدعة و عندي درس كمان شوية، قولت أطمن على خديجة قبل ما أمشي
ردت عليها خلود بصوتها الطبيعي: ألف سلامة يا ستي، خديجة أنا هروح أنا و أحمد نجيب حاجات من تحت عاوزة حاجة؟ بابا كلمني و قالي أسألك لو عاوزة حاجة نجبهالك من تحت
ردت عليها بحيرةٍ من أمرها: مش عارفة يا خلود، مش عاوزة حاجة، أنا خدت الدوا و هنام خلاص، متتعبوش نفسكم.
حركت رأسها موافقةً ثم خرجت من الغرفة، بينما خديجة تحدثت تقول بنبرةٍ هادئة: بلاش تزعلي نفسك يا سلمى، منة دي مريضة و الله، خانت العِشرة اللي كانت بينكم، دي تحمدي ربنا إنها خرجت من حياتكم، و يارب تخرج من البيت كله، قبل ما أطلع و أعمل فيها اللي اتعمل فيا دا.
ابتعدت عنها سلمى و هي تقول بحنقٍ: اتنيلي يا خديجة، دا أنتِ عليه العوض و منه العوض فيكي، النص الشمال كله بقى بعافية، قال تطلعي قال، ياختي اتعدلي على السرير الأول
ضحكت خديجة عليها و هي تقول بحنقٍ طفيف: تصدقي أنا غلطانة! غوري من وشي يا سلمى، ماهو بسببكم
ردت عليها سلمى بأسى لأجلها: لو كنت أعرف إنها بنت مجانين كدا كنت وقفت مع خلود و مكنتش نزلت، دي بتقولي سرقت أحمد منها! سرقته إزاي.
ردت عليها خديجة بسخريةٍ: سرقتيه! هو جذمة و لا إيه؟ البت دي عبيطة رسمي
ضحكت سلمى عليها فوجدتها تحتضنها من جديد و هي تضحك معها هي الأخرى.
علي الطريق الرئيسي وقف أحمد برفقة شقيقته و هو يقول بنبرةٍ هادئة: خلود أنا عاوز أتكلم معاكي شوية، ممكن نقعد سوا في مكان
ردت عليه هي بمرحٍ كعادتها: فيه محل عصير هناك أهوه، هاتلي كوكتيل و أنا تحت أمرك.
زفر هو بقوةٍ ثم أشار لها حتى تسبقه نحو موضع اشارتها السابقة، حتى سبقته هي ثم جلست على المقعد و هو مقابلًا لها بعدما طلب المشروب، حتى سألته هي بضيقٍ: خير يا أحمد؟ هتقولي خلينا أخوات و لا هتقولي ماما شافت الشات؟
نفخ وجنتيه ثم قال بحنقٍ: لأ هقولك لمي نفسك بدل ما ألمك يا خلود، مش كل حاجة هزار كدا
تعجبت هي من طريقته فسألته بريبةٍ و حذرٍ: فيه إيه يا أحمد إيه اللي معصبك كدا؟ أنا عملت حاجة طيب.
تنهد هو بعمقٍ يحاول التحلي بالصبر و الثبات و هو يقول: خلود أنتِ فيه إيه بينك و بين عمار؟
طالعته بدهشةٍ بعينيها المتسعتين فوجدته يقول مُقررًا: أنا و أنتِ صحاب و مش عاوزك تخافي مني، بس أنا دخلت اصحيكي علشان تصلي الفجر يا خلود لقيتك حاضنة التليفون بس كان مفتوح على صور عمار على انستجرام! دا إسمه إيه؟
اذدردت لعابها بخوفٍ و أبان ذلك وضع العامل المشروب لهما على الطاولة ثم ابتعد مرةً أخرى، بينما شقيقها سألها بنبرةٍ أهدأ من السابق: ها يا خلود! فيه إيه بينك و بينه علشان تفتحي صوره كدا؟ و مش عاوزك تخبي عليا حاجة، أنا مش غبي علشان اتهور.
حاولت البحث عن صوتها الهارب حتى وجدته أخيرًا فقالت بصوتٍ خافت: هقولك و الله كل حاجة، أنا مفيش بيني و بينه أي حاجة يا أحمد، كل الحكاية بس أني امبارح اتكلمنا سوا و أنا اتفاجئت من كلامه و شخصيته و الله العظيم الفضول هو اللي حركني مش أكتر
سألها هو بنبرةٍ جامدة: اتكلمتوا إمتى؟ و قالك إيه يا خلود؟ و ليه مقولتيش ليا.
ردت عليه هي بخوفٍ: و الله العظيم كنت بعيط على السطح و هو طلع يدخل الكراسي و شافني بعيط و قالي قرآن و كلامه كان أكبر من سنه
تنهد هو بعمقٍ بعدما قامت بسرد كافة التفاصيل الخاصة بالأمس بينهما ثم قال بنبرةٍ هادئة: بصي يا خلود أنتِ صغيرة و لسه قدامك العمر طويل و الحياة أطول، ممكن تتشدي لحد و فجأة كل الانبهار دا يروح، أظن أنا مثال قدامك أهوه بسبب منة و شوفتي النتيجة إيه؟
عمار ميتقارنش بمنة يا أحمد! دي متجيش تُمن أدبه و أخلاقه.
فاجئته هي بحديثها المُدافع عن عمار بينما هو ابتسم بسخريةٍ و هو يقول: واضح فعلًا إن مفيش حاجة، دا أنتِ هتكليني علشانه يا خلود، أنا على العموم مش بقارن بينهم، بس بقولك على المُجمل، إن أنا اتشديت غلط، مش عاوزك تبقي زيي، عاوزك تحافظي على نفسك و على قلبك من أي حاجة ممكن تتعبه، أنتِ لسه صغيرة و لسه قدامك ثانوي و جامعة و حياة تانية بتأهلي نفسك ليها، اقفي على رجلك و انجحي في ثانوي و ادخلي جامعتك و لو على العلاقات فهي رزق و ربنا هيرزقك بيه، بلاش تضيعي الوقت في حاجات دا مش وقتها يا خلود، عاوزك تنجحي و يكون ليكي كيان و لو عمار دا نصيبك أصلًا، يبقى ربنا هيجمعكم سوا و من غير ما تعملي حاجة تغضب ربنا، أظن أنا مش محتاج أقولك إن مينفعش تشوفي صور ولاد لأنك محكومة بغض البصر زيك زي الرجالة بالظبط؟ أظن أنتِ عارفة.
حركت رأسها بخجلٍ منه فوجدته يضيف ببمسةٍ هادئة: أنا بحبك يا خلود و علطول بفتخر بيكي، و لسه فخور بيكي و بصراحتك معايا، بس وعد إنك هتركزي في مستقبلك و دراستك؟
ابتسمت له و هي تحرك رأسها موافقةً بإيماءةٍ بسيطة فوجدته يضيف بمرحٍ: بعدين ياختي لو عاوزة تشوفي صور، ابقي شوفي صوري على انستجرام، ماهي حلوة برضه و تستاهل إنك تشوفيها.
ابتسمت هي بخفةٍ وهي تقول بنبرةٍ طغى عليها الغلب: أنتَ طيب أوي يا أحمد، احمد ربنا إنك موقعتش مع منة
رد عليها هو بحكمةٍ في أمره: ربنا سبحانه و تعالى من حكمته يا خلود إنه بيبعد عننا الحاجة اللي هتأذينا، منة من الأول حبها كان هيظلمني، و لو كنت صممت أني بحبها كان زماني اتأذيت منها، مبقاش إنسان عاقل و بدعي ربنا يديم ستره عليا و يبعد عني الشر و أجي ازعل لما يبعد عن الناس المؤذية.
اتسعت بسمتها أكثر فوجدته يزفر بقوةٍ ثم أشار لها برأسه على العصير وهو يقول بنبرةٍ هادئة: اشربي العصير، قوليلي صحيح هي سلمى بتحب الكوكتيل و لا المانجا
بتحبك أنتَ
قالتها بلامبالاةٍ جعلته يضحك عليها بقوةٍ و هي الأخرى ضحكت معه.
يأتي على المرء أيامًا يشعر بها أن نفسه بات أصعب من نفس الغريق، و أيامًا أخرى يشعر بها أنه بخفة الفراشة، و بين ذلك و ذاك تمر فترة تَعلم يجب عليه الاستفادة منها حتى يستطع العيش فيما هو آتٍ، هكذا كان يفكر وليد في وسط النهار و هو في عيادة هناء ينتظر موعده المحدد للدخول، حتى ذكرت المساعدة إسمه و طلبت منه الدخول، فوقف هو حتى يستعد لذلك اللقاء المنتظر، ثم دلف العيادة و ملامح السخرية ترتسم على وجهه، بينما هي تحدثت بطريقةٍ عملية: منور يا أستاذ وليد، اتفضل اقعد هنا قدامي على المكتب.
رفع حاجبه و هو يقول ساخرًا: و دا إسمه إيه؟ تقتلي القتيل و تمشي في جنازته يا دكتورة؟
زفرت هي بقوةٍ ثم قالت بصوتٍ حاد: بقولك إيه! أنتَ هنا مريض و أنا الدكتورة اللي بعالجك، ياريت تقعد و تتفضل تسمعني مشكلتك
جلس على المقعد و هو يقول بنبرةٍ حاول جعلها ثابتة إلا أنها خرجت مشتتة و هو يقول: أنا بس جاي علشان أسألك ليه عملتي كدا؟ ليه اتوجعت بالطريقة دي و أنتِ عارفة إنها ممكن تجيب أجلي؟ المرة دي أنا اتعذبت.
ابتسمت له و هي تقول مُقررةً: دلوقتي أحسن من بعدين يا وليد، وجعك دلوقتي كان لازم يحصل، كان لازم تعترف إن وجعك صعب و إنك مش قادر تأمن ليهم، كان لازم تعترف إنك شايل كتير
سألها هو بنبرةٍ جامدة أشبه بالصراخ: و هو الحل إن الإنسان يتوجع بالطريقة دي! الحل أني ابقى زي الغريق و هو شايف كل الناس واقفة على الشط؟، أنا روحي كانت بتتسحب بالبطيء، جيش هزايم هاجمني و أنا واقف من غير سلاح.
ردت عليه هي مُسرعةً: يا وليد أنتَ فضلت تراكم و تركن في كل حاجة وجعتك، اهتمت بكل اللي حواليك و سبت نفسك للأيام و فاكر إنها هتداويك، فضلت تسكن في الجروح و فاكر إنك بتعالجها.
ابتسم هو بسخريةٍ تزامنًا مع قوله: و الحل إنك تتفقي مع عبلة عليا؟ الحل إنك تخليها تسيبني كدا؟ أنا عيشت عمري كله بوعد نفسي باليوم اللي هتكون معايا فيه، اتفاجأ بيها بتقولي إنها طاقتها خلصت و ورقتها عاوزاها؟ أنا حسيت ساعتها بأصعب إحساس في حياتي، و دماغي بس فيها جملة واحدة و هي كل دا كان ليه؟
أجابته هي بهدوء: يا وليد اللي حصل كان لازم يحصل لأن أي إنسان في الدنيا عبارة عن طاقة محدودة بيمشي بيها في حياته، عبلة كانت مستحيل تكمل معاك بطريقتك دي، عقلك بقى عمال يحط ليك إنذارات من الماضي علشان متسلمش قلبك ليها، و كمان كل مرة حاجة تحصل ليها علاقة بالثقة أنتَ تعمم الفكرة على الكل، أنا استغليت عبلة علشان اثبتلك إن اللي بتخاف منه كان لازم يحصل، دلوقتي أو بعدين، بس على الأقل دلوقتي أنتَ قادر تستوعبه، لكن قدام الله أعلم كانت نتايجه هتكون إيه؟
رد عليها هو بأسى: أنا عمري ما كنت اتخيل أني مجروح أوي كدا، أنا كنت فاكر أني مبحسش، بس طلعت بحس و بتوجع و طلعت جروحي كلها مفتوحة و لسه مقفلتش، بس عبلة فاجئتني برد فعلها
تدخلت هي تقطع حديثه بقولها: عبلة بصراحة ليها دور كبير في اللي حصل، هي اللي كلمتني و أنا قررت استغل شوية الطاقة دي إني أصلح الدنيا، و أظن النتيجة واضحة قدامي أهوه.
ابتسم بسخريةٍ و هو يقول: و كان ممكن النتيجة تكون عكسية و أطلق بجد، أنا مش فاهم واثقة كدا ليه؟
ردت عليه هي مؤكدةً: علشان أنا حفظاك يا وليد، مستحيل تستسلم للدنيا، طبعك إنك بتحارب بكل طاقتك، و عبلة بالنسبة ليك جايزة أنتَ بتحارب عليها، مش وليد الرشيد اللي يخسر
تنهد هو بقلة حيلة ثم قال بصوتٍ متألم: أنا فضلت أحارب الدنيا علشان مكونش شخص مؤذي، و اكتشفت في الأخر إن اللي اتأذى مني كانت نفسي.
ردت عليه هي مقررةٍ بحديثها: علشان دا الطبيعي لأي حد بيراضي الكل على حساب نفسه، النتيجة بتبقى تراكمات كتير مش ملاحق عليها، أنا كان لازم أخليك تتوجع يا وليد علشان تتأكد إنك مجروح، أنا مش عدوتك، أنا أكتر واحدة عاوزة مصلحتك، تعالى معايا و أنتَ هتشوف بنفسك.
قطب جبينه بتعجبٍ فوجدها تترك مكتبها ثم تحركت من أمامه و طلبت منه اللحاق بها، تحرك هو خلفها حتى خرج للحديقة الصغيرة الملتحقة بالعيادة، فوجدها هي تقف أمام طاولة صغيرة عليها بعض أدوات المطبخ، انكمش ما بين حاجبيه بحيرةٍ اتضحت في معالم وجهه، بينما هي أمسكت الكوب الفارغ و زجاجة المياه ثم أشارت له يتابعها، بينما هي سكبت المياه في الزجاجة حتى أخرها و استمرت في ذلك حتى تحدث هو بلهفةٍ بعدما وجد المياه تخرج من الكوب على الطاولة مباشرةً:.
يا دكتور! المياه غرقت الدنيا و خرجت من الكوباية، دا إيه دا؟
ابتسمت له هي ثم توقفت عن سكب المياه و هي تقول مقررةً: الله ينور عليك يا وليد، المياه غرقت الدنيا، هي طاقات البشر كدا، زي الكوباية دي، لما بتتملي على أخرها بتنفجر و تغرق الدنيا لو استمريت في إنك تملاها هي هتفضل تغرق الدنيا، هو أنتَ بقى عملت في نفسك كدا، مليتها فوق طاقتها لحد ما غرقت الدنيا جواك و بقيت مش ملاحق إنك توقف كل دا، لما أنا فضلت اصب المياه في الكوباية أنتَ نبهتني أني بغرق الدنيا، نفس اللي أنا عملته معاك و هو أني استغليت عبلة علشان تنبهك إنك بتغلط في حق نفسك و في حقها، و النتيجة كانت إنك هربت منهم كلهم علشان تركز مع جروحك، تلقائيًا عقلك صورلك إن وجودك و إستمرارك في المكان دا هيخليك تتوجع تاني، و الوجع كان على هيئة فراق عبلة، بس لما هربت و ركزت مع جروحك و حسيت إنك ليك يد في اللي عملته دا، رجعت تاني قوي و بتطالب بحقك فيها، قولي يا وليد هي عبلة متستاهلش طاقتك؟
تنهد هو بأسى ثم قال بصوتٍ أقرب للهمس: أنا للأسف لما هربت منهم كلهم، عرفت أني بظلمها زي ما بظلم نفسي، طول ما أنا بعيد عنها عمال أأنب نفسي على ظلمي ليها، عبلة عملت كتير يستاهل أني أنسى اللي حصل زمان، افتكرت لما عم محمد طلب اسيبها علشان كنت مدمن قصاد الكل و هي اتمسكت بيا و قالت إنها معندهاش اعتراض على حاجة زي دي، و لما زعلتها مني ساعة ما شكيت فيها بسبب موضوع مرات سليم، ساعتها هي سامحتني و مدخلتش حد بيننا، و لما فارس رجع و ساعتها كنت مزعلها برضه قالت قصاد الكل إنها مش زعلانة مني و أني مبزعلهاش، عبلة عملت كتير يخليني أخد خطوات علشانها، و عاوز مساعدتك ليا.
حركت رأسها موافقةً ثم أضافت: أنا معاك طول ما أنتَ عاوز تساعد نفسك، أهم حاجة أني أشوف محاولتك فعلًا يا وليد، متقلقش، أنا معاك علطول
أنهى وليد جلسته في العيادة النفسية مع الطبية ثم خرج منها لكنه تفاجأ حينما رأى عبلة تجلس في الخارج، اقترب منها يضرب الأرض بقدميه حتى وقف أمامها يسألها بدهشةٍ ممتزجة بصوتٍ حاد من وجودها: عبلة! بتعملي إيه هنا؟ و جيتي إزاي انطقي.
ردت عليه هي بخوفٍ: جيت علشانك و الله، قولت طالما مش هكون معاك في بداية الجلسة أبقى معاك في نهايتها علشان لو زعلت أو حاجة أكون معاك
زفر هو بقلة حيلة فوجدها تسأله بحذرٍ: أنتَ كويس صح؟ يعني مفيش حاجة مضيقاك يا وليد؟
تنهد هو بعمقٍ ثم حرك رأسه نفيًا فأضافت هي مستفسرةً من جديد: بجد مفيش حاجة مزعلاك؟ متأكد يعني لا يكون تهيؤات.
رد عليها هو بضجرٍ: ما خلاص هو أنا بقطع في هدومي يا عبلة و لا بعيط جنب الحيط؟ أنا كويس أهوه، يلا نمشي من هنا
شبكت ذراعها بذراعه و هي تبتسم بفرحةٍ، بينما هو ابتسم بيأسٍ منها ثم تحرك معها حتى وصلا خارج العيادة ثم ركبا السيارة معًا، فسألها هو مقررًا: ها جيتي ليه يا عبلة! خير و إزاي تنزلي و محدش يعرف؟ ماهو أكيد محدش عارف إن الأستاذة جاية عيادة دكتورة نفسية.
ردت عليه هي منفعلة في وجهه: لأ ماما عارفة و طارق، و أنا جيت علشانك و علشان أكون معاك، أنا خدت قرار أني هشاركك كل حاجة غصبٍ عن أهلك كلهم، لو مش عاجبك أخبط راسك في الحيط و برضه هفضل معاك زي خيالك
ضحك هو على طريقتها و حديثها المهتز الذي اثبت خوفها منه، فطالعته هي بقلة حيلة، حينها أوقف هو الضحكات ثم قال بهدوء: طب يا ستي تُشكري و جميلك دا فوق راسي يا عبلة، بس قوليلي البيت اخباره إيه؟
ردت عليه هي بنبرةٍ عادية: مش عارفة و الله بس خديجة كويسة الحمد لله و البنات معاها هناك، و منة الزفت لموا هدومهم و ماشيين من البيت خلاص، و فارس عمال يعيط، و عمتو مشيرة عملت رز بلبن علشان خديجة و جميلة قرأتلها قرآن و خلود جابت حلويات علشان،
بس! كفاية رغي أومال لو عارفة كنتي عملتي إيه؟ كل دا و مش عارفة؟
قاطعها هو صارخًا في وجهها بذلك الحديث بينما هي ضمت ذراعيها أمام صدرها ثم رمقته بحنقٍ، بينما هو زفر بقوةٍ ثم تحدث هو بهدوء: خلاص متزعليش مني، بس أنتِ وترتيني، بقيت مش ملاحق مين عمل إيه و فين؟
ابتسمت له و هي تقول بمرحٍ: مش زعلانة يا ليدو، المهم تعالى نجيب حلويات أو أي حاجة علشان صحاب ياسين جايين يطمنوا على خديجة، شوف هتجيب إيه؟
حرك رأسه موافقًا ثم قال بسخريةٍ: أنا بقول نجيب ليهم سوبيا.
في بيت آل الرشيد كانت خديجة في غرفتها فوجدت الباب يفتح بواسطة ياسين وهو يقول بمرحٍ: مساء الدلال على الغزال
ابتسمت هي بفرحةٍ عند رؤيتها له فوجدته يدلف الغرفة و في يده زجاجة عصير كبيرة الحجم تقريبًا 5 لتر، فسألته بدهشةٍ: إيه دا يا ياسين؟ إيه كل اللي في إيدك دا؟
رفع الزجاجة في يده وهو يقول بمرحٍ: دي أكبر حصيلة عصير برتقان بالجزر عند عم أبو حمادة، طلبتها منه مخصوص علشانك، و على ما خلصت شغل كان جهزه، طالما بتحبيه يا خديجة
ردت عليه هي بحبٍ ممتزج بالتأثر: و الله ما حصل، أنا بحبك أنتَ يا ابن الشيخ، أنا دلوقتي عاوزة أحضنك يا ياسين
اقترب منها يجلس بجوارها وهو يقول بنبرةٍ هادئة: طمنيني عليكي بس الأول يا خديجة، أحسن صح؟
ردت عليه هي بسخريةٍ: اللي يسمعك كدا يقول إنك متعرفش حاجة عني طول اليوم، أنتَ كل 5 دقايق تكلمني يا ياسين، أنتَ اشتغلت إزاي؟
ابتسم لها وهو يقول مفسرًا: اشتغلت عادي يعني، بس كل شوية اقلق و أكلمك، المهم إنك تكوني بخير و تريحي قلبي يا خديجة
ردت عليه هي بمرحٍ طفيف: بص لو عاوزني ارتاح أنا عاوزة أطلب منك طلب، بس مترفضش يا ياسين.
طالعها بحذرٍ فوجدها تقول بخجلٍ: عاوزة أطلع السطح يا ياسين، أنا مش مستحملة القعدة هنا، حاسة إني جبت أخري، عاوزة أشم هوا و كمان البنات كلهم هيتجمعوا كمان شوية مش عاوزة اقعد معاهم هنا، عاوزة أكون فوق و نشم نفسنا، علشان خاطري مترفضش طلبي.
في الأسفل كان حسن واقفًا في ردهة البيت و معه هدير بعدما جلبا أشياءًا من الخارج، و أبان وقوفهما في انتظار المصعد فتح بواسطة سالم و زوجته و معهما الحقائب، خرج هو أولًا ثم زوجته و كلًا منهما يبتسم باقتضابٍ ثم خرجا من البيت إلى السيارة و فجأة سحب المصعد للأعلى و نزلت منه ابنته التي وقفت ترمق هدير بضجرٍ فرفع حسن حاجبه لها، فوقفت منة تقول لها بتوعدٍ: إزيك يا هدير؟ إيه نسيتي صاحبتك و نسيتي إننا كنا صحاب في يوم؟
تجاهلتها هدير و هي تمسك في يد حسن فوجدت منة تقول بسخريةٍ: يا ترى بقى الأستاذ عارف بلاويكي زمان و لا فاكرك القطة المغمضة؟، هتلاقيكي ضاحكة عليه
أقترب منها حسن مندفعًا وهو يقول بنبرةٍ جامدة: لمي نفسك و اتكلمي عنها عدل، بدل ما أعرفك أنا إزاي تتكلمي مع الناس، و لا تحبي أعرف أبوكي مصايبك؟ لما تجيبي سيرة مراتي تتكلمي بأدب، بس صحيح أشكالك هتعرف الأدب إزاي؟
كانت هدير خلفه تبكي بقوةٍ من حديثها، بينما منة طالعته بسخريةٍ وهي تقول: و دا من إيه دا إن شاء الله؟ شكلك مخدوع أوي يا أستاذ
ابتسم هو بتهكمٍ وهو يقول: لأ مش مخدوع، هي اللي كانت عبيطة علشان مصاحبة واحدة زيك، بس لما جت الفرصة ليها مسكت فيها بإيدها و سنانها، الدور و الباقي على اللي هتدخل القبر كدا من غير فرص، و الله أعلم بأخرتها.
تحركت من أمامه فوجدت وليد و عبلة يدلفا البيت سويًا، حينها تحدثت بوقاحةٍ: أدينا هنغور من وشكم، ياكش يارب يتهد فوق دماغكم
شهقت عبلة بقوةٍ و هدير اتسعت عينيها، فوقفت منة تسأل وليد بتعجبٍ: إيه مش عاوز ترد؟ و لا مش عارف ترد؟
ابتسم هو بثقةٍ وهو يقول بطريقته المعتادة: لو أنا شايف كلام خارج من ناس محترمين ينفع يترد عليه هرد، لكن أنا شايف نَكش الكتاكيت للفراخ، و أنا مستني تخرجي من العِشة و أرد عليكي.
زفرت بقوةٍ ثم تحركت من أمامه فرفع حسن صوته قائلًا: يارتني كنت جبت قُلة أكسرها وراكي، بس أنا هطلع أجدع منك و هروح أحط فلوسها في جامع، أهييه حاجة تيجي خير من وراكي.
التفت لزوجته فوجدها لازالت تبكي كما هي، ترك الأشياء التي يحملها في يده ثم احتضنها و هو يقول بنبرةٍ هادئة: متعيطيش، أنا عارف إن أي حاجة حصلت زمان كانت ليها ظروف خاصة، أنا ليا دعوة بهدير مراتي اللي أنا بحبها و واثق إنها بتحارب علشان تثبت إنها اتغيرت و إنها بقت واحدة تانية تستاهل الحب.
اقترب منه وليد يقول و هي بين ذراعيه كما هي: سيبك منها يا هدير دي واحدة متخلفة و معندهاش دم، الحمد لله غارت من هنا، تروح بقى تتربى و تشوف أخرة تربيتها دي إيه، يا هتموت منتحرة يا هتبقى أخرتها على إيد واحد صايع، متزعليش نفسك يا هدير
ابتعدت عن حسن ثم مسحت دموعها، فوجدت عبلة تقف بجوارها ثم قالت بهدوء: إحنا هنفضل نحارب يا هدير لحد ما نرضى عن نفسنا، اللي فات كله راح خلاص، خلينا في اللي جاي بقى.
حركت رأسها موافقةً ثم ابتسمت لها، بينما حسن اقترب منها ثم قبل رأسها يُطمئنها بهدوء بعد بكائها.
بعد مرور بعض الوقت اجتمعت العائلة بأكملها مع أصدقاء ياسين و زوجاتهم فوق سطح البيت و معهم خديجة على ذراعها فارس و بجوارها يونس و زهرة و البقية حولهم و كانت الجلسة يسودها المرح و البهجة، حيث كان الشباب جميعهم في النصف الخلفي من سطح البيت على مقربةً من النساء و كذلك الفتيات في النصف الأول يتسامرون مع بعضهم، و عند جهة الرجال كانوا يلعبون سويًا لعبة تسمى الحكم و هي عبارة عن زجاجة تدور و كل من يأتي عليه الدور يوجه له الحُكم و هو يقوم بتلبيته، حتى أتى الدور على حسن يقوم بالحكم على خالد، صرخ الشباب مهللين، بينما حسن ابتسم بخبثٍ وهو يقول: أنا طيب و طلباتي مش كتير، عاوزك بس تقلد عامر، نفسي أشوف شخصية عامر لو خرجت منك يا خالد.
ضحك الجميع عليهما حتى النساء أيضًا، بينما عامر تحدث بفخرٍ: ميقدرش، عامر مفيش منه اتنين أصلًا، محدش هيجبني
رد عليه ياسر بسخريةٍ: بلاش! هيقلدك و شكلك يطلع وحش، بلاش ثقة زايدة
تدخل مرتضى يقول بضجرٍ طفيف: يلا ياض أنتَ وهو، قلد يا خالد
حمحم خالد بقوةٍ ثم قال بنفس طريقة عامر بعدما تمكن منها: هي الدنيا كدا خداعة، تفتكرها كومبو مليان برجر بالشيدر و أخرتها تبقى سندوتش بطاطس من أبو حيدر.
اتتشرت الضحكات عليه حتى هو أيضًا فتحدث عامر بتذمر مثل الأطفال: عبط و الله عبط، أنا مبتكلمش كدا و مبعملش كدا
رد عليه وئام بمرحٍ: بطل كدب، قلدك بالظبط و الله، حتى نفس كلامك اللي كله أكل
تدخل أحمد يقول بسخريةٍ: من نفس المطبخ يا عامر مروحناش بعيد يعني.
لوح لهما بذراعه، فقام ياسر بلف الزجاجة و حينها أتى الدور على طارق الذي ضرب رأسه بيده، فقال ياسر بنبرةٍ هادئة: أنا طيب و مش هتقل عليك، عاوزك بس تحكيلنا مصيبة عملتها و محدش يعرف عنها حاجة لحد دلوقتي
رد عليه بسخريةٍ: طب ما هما كدا هيعرفوا يا ذكي، هستفاد إيه بقى؟
رد عليه ببساطةٍ: هتستفاد إننا نضحك و نفرح، يلا أنا مقلق منك حاسس إنك كنت خاربها.
تنهد طارق بقلة حيلة ثم قال بخجلٍ: أول مرة اشتغلت في الدعاية كنت لسه بتعلم، كان فيه ورق المفروض يطبع رحمة و نور على واحد ميت، كانت شركة هي اللي عملاه، في نفس الوقت كان مطلوب دعوة فرح، أنا بغبائي بدلت الكلام، يعني الدعوة اتكتب عليها على روح المرحوم، و الصدقة اتكتب عليها جملة افراح، روحت استلفت فلوس من وئام و شيلت الليلة كلها على حسابي، و على ما أظن لو معلومة زي دي اتسربت عني، أنا هفلس و شغلي هيقفل.
ضحكوا عليه جميعًا فتحدث محمد يقول بسخريةٍ: يا فرحة أبوك بيك يا ابني، رافع راسي علطول و الله
تدخل وليد يقول بتهكمٍ: هيجيبوا من برة يعني؟ خليني ساكت أحسن
رد عليه محمد بتوترٍ: ايوا ياريت أنتَ تسكت خالص، أحسن لينا كلنا يعني، و شوفوا الدور على مين
تحدث طه بتخمين: تقريبًا الدور على رياض.
ابتسم رياض بثقةٍ ثم قام بتدوير الزجاجة و من سوء حظ ياسين أن الزجاجة توقفت عنده، فتحدث هو ساخرًا: يا فضيحتك يا ياسين، هتزف دلوقتي حالًا
رد عليه والده بخبثٍ: عيب يا واد، دا أنتَ حبيب بابا، هطلب منك طلب صغير
سأله بخوفٍ: إيه هو يا بابا؟ ربنا يسترها
رد عليه ببراءةٍ زائفة: تقوم زي الشاطر قدام الكل كدا تقف في النص و تقول كلمتين حلوين لخديجة، علشان نفسيتها حتى.
رد عليه ببلاهةٍ: كلمتين حلوين؟ هي اللي مسلطاك ولا إيه؟
رد عليه والده بضجرٍ: يلا يا ياسين، بدل ما أحكم بحاجات تانية، إحنا عند نسايبك
تدخل عامر يقول بسخريةٍ: لسه واخد بالك إننا عند نسايبه؟ دا إحنا بقينا مفضوحين
رد عليه رياض بسخريةٍ: بس أنتَ كمان، يلا يا ياسين قدام الكل و سمعنا كلمتين حلوين، أو غني شوف إيه يفرحها أكتر، أصل أنا نقطة ضعفي فرحة خديجة.
وقف ياسين على مضضٍ ثم وقف في المنتصف وهو يقول بنبرةٍ هادئة إلى حدٍ ما: خديجة! ممكن تركزي معايا علشان عاوز أقولك كلمتين مهمين قصاد الكل؟
طالعه الجميع بتعجبٍ ممتزج الريبة و الخوف، حتى خديجة نفسها، بينما هو ابتسم وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
خُلقت جميلة تَمُر أمام العَيْن فَيْنطقُ اللسانِ مُرددًا: سُبحانَ الله.
تلِك التي أَوقعتْ الفُؤاد بِسهام عَينيها و كَأن قَلبها ألقى? بِسحرهُ عَلى? قَلبي و أمّام بَصري رَماه، فَسبحانهُ ربي وَهبها لي و أنا عبدٌ فقيرٌ لَكن بِكرمك وَ عَطفكَ وَجد بِها غِناه، تِلك التي أتت ل ميتٌ مِثلي فَوجد بها الحياة، كُنت أنا الغريق في منتصف البحر و هي لي طوق النجاة، أنا من عاش طوال حياته مثل الشريد في الصحراء يشعر بالظمأ و يوم وجدتها كانت فرحتي مثل فرحة من وجد المياه، أنا كالنجم الشارد في لَيلي و هي نجمةٌ خُلقت له لتضيء سماه.
التعليقات