رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الثالث
مازالت عزة تجلس في عملها ومن آن لآخر تنظر إلى الساعة، لا تدرى لماذا تشعر بالتوتر، هل تريد أن تهرب من المكان قبل أن يعود حاتم من جديد؟
أم شعرت بجرم ما فعلته؟
وكأى مجرم يريد أن يغادر مكان جريمته، شعرت برغبة شديدة في رؤية بناتها، رغبة أكثر في رؤية عمر زوجها، ودت لو ألقت بنفسها الآن في أحضانه، تتحصن به، تعتذر له، فاقت من شرودها على جلوس مديحة زميلتها أمامها على المكتب.
مديحة: خلصى يا عزة الشغل اللى معاكى؟ قربنا نمشى.
عزة: حاضر.
مديحة: مالك؟ سرحانة في إيه؟
عزة: ما فيش.
مديحة وهي تغادر المكان: طب ركزى في شغلك.
عزة: طب أنا عايزة أما نخرج أمشى معاكى.
مديحة: رايحة فين؟
عزة: هأبيع الخاتم ده.
مديحة: تانى يا عزة؟ ده تالت خاتم تبيعيه السنة دى.
عزة: أعمل إيه؟ فلوس الدفتر خلصت وما بقاش إلا دفاتر البنات، وأبوهم وصى عليهم، مش هينفع أسحب منهم.
مديحة: طب ليه انتى حتى ما بقتيش تدخلى جمعيات وجوزك شغال؟
عزة: مرتبه يا دوب على قد لبسه وسجايره والايجار وبيدينى مبلغ بسيط ما بيكفيش حاجة.
مديحة: هو عارف إنك بتبيعى دهبك؟
عزة: مش عارفة، ساعات بأحس أنه عارف، وساعات بأحس أنه مش عارف.
مديحة: طب ما تقولى له.
عزة: لا، ليرجع يسافر تانى، أنا ما صدقت أنه قعد في وسطينا، البنات كبروا ومحتاجينه معايا.
مديحة: يا أختى ما يسافر، وبنات إيه اللى كبروا؟ دى أكبر واحدة عندك يا دوب دخلت المدرسة، ولما انتى بتبيعى في دهبك من دلوقتى هتعملى إيه أما يكبروا شوية؟ والا أما يتجوزوا؟
عزة: يكون ربنا خلق في قضاه رحمة، ويكون عمر كبر في شغله ومرتبه زاد.
مديحة: انتى حرة، بس يا ريت تقللى مصاريفك وتمشى على قدكوا.
عزة: والله بأعمل على قد ما أقدر، اديكى شايفة لبسى أهو بقالى سنين بألبس في هدوم الجواز، بس الدنيا غالية، المشكلة إنى لسة شغالة قريب ومرتبى صغير، وعمر معظم مرتبه بيروح مواصلات وعلى طلباته الشخصية.
مديحة: انتى غلطانة، ما كنتيش خلتيه بطل سفر إلا لما كنتوا عملوا لكوا قرش حلو، وعملتوه وديعة في البنك تعيشوا منها.
عزة: لو استنيت على ما ده يحصل هيكون العمر عدى، وأنا وبناته محرومين منه.
مديحة: انتى اللى بتحبيه ومش قادرة على بعده، يا عبيطة ده جنازة بتار ولا قعدة الراجل في الدار.
عزة: إلا عمر، عمرى ما أزهق من قعدته.
مديحة: طب يا أختى الحب مقطع بعضه.
عزة: حب؟ قولى عشق، ده أنا روحى فيه.
مديحة: وماله يا أختى حبيه، بس برضو حافظى على حاجتك، ما حدش عارف بكرة فيه إيه.
عزة: كل حاجة في الدنيا فدى عمر، أنا مش أبيع دهبى بس أنا أبيع عمرى كله وعمر يفضل معايا ومبسوط.
مديحة: بكرة تفتكرى كلامى ده وتندمى، الواحدة مالهاش الا قرشها.
ظلت عزة تتحدث عن عمر وحبها له وكأنها تتحصن بهذا الحب أمام ضعفها عند رؤية حاتم، أو تكفر عن خطيئتها في حق زوجها، الحق أنها لا تكذب، هي حقا تحب عمر، بل تعشقه، وعندما تقدم لطلب يدها لم تطلب منه شيئا، تزوجته على أثاث والدته أو ما تبقى منه، سافر لإحدى الدول للعمل بها لكنها لم تحتمل سفره أكثر من عامين، قضى أكثر من نصف العام الأول في البحث عن عمل، وباقى العام في التنقل بين الشركات المختلفة، حتى أستقر بأحدها، فقضى بها العام الثانى، عامين بلا انقطاع أو إجازة، كاد الشوق خلالهما أن يقتل عزة المحبة العاشقة لزوجها، وعند عودته أصرت على أن يظل معها حتى لو لم تجد ما تأكله، خصوصا بعد أن أنجبت أولى بناتها لوجى، تحملت بقاءه فترات طويلة بلا عمل، فعلت المستحيل لتدبر حياتها، عاشت على الكفاف بما كان يعطيها لها رغم قلته، وأخيرا وبعد سنوات من الحرمان والشقاء استقر زوجها في عمله، كما استطاعت هي الحصول على عقد عمل مؤقت بإحدى المصالح الحكومية بواسطة أحد أعضاء مجلس الشعب، كخدمة منه لأبناء دائرته، ظنت أن الدنيا ابتسمت لها وأنها ستهنأ بقلب زوجها الذي صارحها قبل زواجه منها بكل شئ عن الماضى وأقسم لها إنه انتهى، لكن هيهات هيهات.
انتهت حبيبة من تسميع كل السور التي طلبها منها والدها وكذلك عبد الله.
عبد الرحمن: برافو عليكوا يا حبايبى، بارك الله فيكم وجعلكم من أهل القرآن وحفظته.
أخذ عبد الرحمن منهما المصاحف ووضعها في المكتبه وأشأر لابنته قبل أن يستعد للخروج.
عبد الرحمن: ياللا يا حبيبتى افتحى التليفزيون اتفرجى على الكارتون على ما نرجع أنا وعبد الله، أنا نازل عشان ألحق أفتح المسجد وإذن للمغرب.
حبيبة: طب ما أجى معاك.
عبد الرحمن: هانت يا حبيبتى، قربوا يخلصوا مصلية الستات وهاخدك معايا كل يوم.
حبيبة بفرحة: بجد يا بابا؟
عبد الرحمن وهو يقبلها: بجد يا حبيبتى.
زميلة 1: في شيفت سهر النهاردة طبعا انتى فيه يا سميرة؟
سميرة: أيوه أي حاجة تبعدنى عن البيت انا فيها.
زميلة 2: طب ليه يا بنتى ده جوزك طيب؟
سميرة: ما بأطيقش قعدته.
زميلة 1: والله أنك مفترية، الرجل بيحبك ويحترمك، وعمره ما هانك ولا خانك، وبيعاملك بما يرضى الله، عايزة إيه تانى؟
سميرة: كفاية أنه اتفرض عليا.
زميلة 3: اتفرض عليكى وبقى نصيبك، ارضى بنصيبك واحمدى ربنا إنه طلع كويس.
سميرة: الحمد لله، بس أنا برضو مش قادرة أحبه، غصب عنى قلبى مش ملكى.
زميلة 1: اوعى يا سميرة تكونى بتفكرى في عمر، دى تبقى خيانة.
سميرة: لا بأفكر فيه ولا في غيره، قلبى خلاص اتقفل، عايشة بأكل وأشرب وأتنفس وخلاص.
زميلة 2: طب ليه يا بنت الناس؟ ما تفتحى قلبك لجوزك.
سميرة: حاولت وما قدرتش، غصب عنى، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، هو له عندى إنى ما أخونهوش.
زميلة 1: ربنا يهدى، الأيام كفيلة بكل حاجة.
سميرة: أيام إيه أنا بقالى 11 سنة متجوزاه.
زميلة 1: ولو، ممكن قلبك يتفتح له في لحظة، ربنا قادر على كل شيء.
سميرة: ما أظنش.
زميلة 3: طب اتصلى بجوزك عرفيه إنك هتتأخرى.
سميرة: لا بلاش، أنا هاقول له إنى اتأخرت في المواصلات.
زميلة 3: ليه كدة؟ ما كدة كدة ما بياخدش حاجة من مرتبك.
سميرة: مش عشان المرتب، ممكن ما يوافقش انى أسهر، لكن المواصلات دى حاجة غصب عني.
التعليقات