التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن

(ميرنا)
استيقظي ايتها القطة الكسولة!
شعرت بشيء ما يدغدغ انفي وهمسة تخترق مسامعي اعرف صاحبها جيداً ولكن عقلي يرفض ترك سباته ليتذكره من اجلي. ازدادت الدغدغة فوق انفي الى ان دفعتني للعطاس بوجه الجالس على مقربة مني.
اااه يالكِ من مقرفة!

قالتها الخالة روجينا وهي تقذفني بالوسادة التي قربها. انتفضت من نومي فزعة على اثر ضربتها التي شككت اني قد نلتها من مصارع درجة اولى، حدقت بوجه الخالة روجينا ذات ال32 عاماً بعدم استيعاب وانا ادعك عيناي بقوة لأبعد النوم عنهما، ماالذي تفعله هنا بحق السماء؟ متى حضرت؟ لماذا لم تعلمني بالامر؟ أهي موجودة فعلاً ام اني لازلت احلم؟ واول مااستوعب عقلي حضورها بالفعل ضحكت بسعادة كالبلهاء ورميت بنفسي عليها لأعانقها بقوة. ضحكت بدورها وهي تعانقني وتقول:.

اوه انظري كم كبرتي ياصغيرتي.
ابتعدت عنها قليلاً وانا اجعد وجهي بسخرية قائلة:
ماذا؟ نحن منذ شهر واحد فقط التقينا هل تغيرت خلال شهر؟
ضربتني بيدها فوق رأسي وهي تنهض من السرير وتقول:
مابالكِ لاتجعليني العب دور الخالة الصالحة لمدة خمس دقائق؟
وبالطبع غرقت بضحك قوي لم يكن له داعي لهذا الحد. ولكن ماذا افعل. في النهاية اكون بلهاء في كثير من الاحيان من فرط السعادة واضحك على ابسط الاشياء واكثرها تفاهة!
متى وصلتِ؟

رمقت ساعتها وهي تمط شفتيها ثم قالت:
مع الدراما التي حصلت للتو سيكون قد مضى على وجودي هنا خمس دقائق.
نظرت من باب الفضول لأعرف الساعة فوجدتها السادسة والنصف صباحاً، يا ويلي! أهي جادة؟ نظرت نحوها فاغرة فمي من الدهشة وانا اهتف بها:
السادسة والنصف؟ انتِ بالفعل اكثر الخالات جنوناً!
ضحكت وهي ترفع كتفيها وتنزلهما بعدم مبالاة ثم قالت:.

استيقظت في الرابعة صباحاً وقررت ان اتي لرؤيتك. لذلك قمت بحجز مقعد في الطائرة واتيت فوراً.
مدينتكم تبعد250/كم فقط عنا كنت تستطيعين الحضور بسيارتك.
هل انتِ حمقاء؟ لما سأفعل ذلك وانا بأمكاني القدوم اسرع في الطائرة.
وقبل ان اجيب سارت وهي تشير لي:
قومي ياكسولة فأنا اتضور جوعاً.

تبسمت وانا اراقبها تخرج من الغرفة لتنزل نحو الطابق السفلي، انا بالفعل اعشق الخالة روجينا. اشعر انها مقربة مني اكثر حتى من امي. في الحقيقة لو عدنا للواقع فحتى سديم اقرب إلى من امي! ولكن رغم هذا الخالة روجينا بها شيء مميز. فعلى الرغم ان اسرة امي اسرة ثرية وارستقراطية ألا ان افكار الخالة روجينا لاتشبههم كثيراً. لاسيما مع افكار امي، صحيح انها تشببهم في بعض الاشياء كأيمانها بالفوارق الطبقية ولكنها لم تجد هذا سبباً كي تتكبر على من هم ادنى منها طبقة. تبذر الاموال برفاهية ولكن دون ان تحرم محتاج منها. فلطالما كانت متبرعة دائمة للأعمال الخيرية، انها ببساطة تعيش حياتها بسعادة دون ان تكتسب هذه السعادة من تعاسة الاخرين. انها امرأة جميلة وانيقة ودائماً ماتحل لي مشاكلي وتنصحني بلطف دون ان تستخدم اساليب الجبر والحدة مثل امي!.

غسلت وجهي ونزلت بملابس النوم نحو الاسفل والتي كانت عبارة عن بيجاما زهرية مليئة بصور تويتي، فأنا اعشق هذا الكارتون بالمناسبة!
دخلت الى المطبخ لأجد الخالة روجينا قد اخرجت مسبقاً المواد التي ستستخدمهم في تحضير الفطار، جلست على الكرسي امامها وهي مشغولة بالتحضير فسألتني فوراً:
هل والديكِ هنا ام لا؟
لا، انهما في اجازة.
توقعت ذلك، وبالطبع لم يأخذاكِ معهما.
مططت شفتاي بملل وانا اقول:.

السيدة سلوى لاتريدني ان اعتاد على ترك العمل، فكما تعلمين لاتريد من العمل ان يتراجع وتنقص ثروتها الطائلة ان مات ابي.
ضحكت وضربتني بأصبعها برفق فوق انفي وهي تقول:
تكلمي بأدب عن والديكِ ياصغيرة!
ابعدت اصبعها عن وجهي وانا اقول:
يااللهي! كفو عن مناداتي هكذا!
كفو؟ ومن غيري يناديكِ هكذا؟
ومن دون ارادة مني وجدت ابتسامة دافئة وخجولة تحتل شفتاي وانا اجيبها بهدوء:
سيف!

ارتكزت بيديها فوق الطاولة التي تفصل بيننا وضيقت عيناها بتشكيك وتبسمت ابتسامة ماكرة وهي تقول:
هل انا مخطئة ام ان هناك امير في القصة!
اممم. نوعاً ما!
فتحت فمها بدهشة فوراً وهي تضربني بالملعقة وتقول:
ولم تقولي لي ياغبية؟
ضحكت وانا ابعد ملعقتها من فوق عضدي واقول:
ليس كما تتوقعين.
كيف ليس كما اتوقع؟
اعني، ليس حباً متبادلاً او ماشابه. بل. ليس حباً من الاساس. انا فقط معجبة به بعض الشيء.

تركت مابيدها فوراً وجلست على الكرسي المقابل لي وهي تقول بحماس:
قولي لي كل شيء من البداية وحتى هذه اللحظة وألا سأقتلكِ.
ضحكت على حماسها وانا اقول بأرتباك:
حسناً. اولاً، انه يعمل مع ابي في الشركة.
مطت شفتيها بملل وهي تقول بيأس:
من المستحيل ان توافق عليه والدتكِ.
انه. نائب ابي.
فبرقت عيناها بسعادة وهي تجيب:
بل بالتأكيد ستوافق عليه والدتكِ!
ثم فجأة قالت:
لحظة. نائب ابيكِ؟ كم عمره يافتاة؟.

لاتقلقي. وانا ظننت هذا ايضاً في البداية. اعتقدت انه لربما في الاربعين او الخمسين، ولكنه في ال28 فحسب من عمره. وابي يعتمد عليه بكل شيء.
أهو وسيم؟
تنهدت بهيام وانا اجيبها:
بل غاية في الوسامة، وله شخصية رائعة ومثيرة للأهتمام هي ماجذبتني اليه.
حسناً ياجولييت كيف يعني مثيرة للأهتمام؟.

انتِ تعرفين معاناتي مع الشباب وكيف الجميع يحاول التقرب مني لعله يحصل على ثروتي، لكن هذا الشاب مختلف، بل انه من الاساس كان بتضجور مني بادئ الامر كوني ميرنا اليوسفي والان اصبح لطيفاً معي كوني ميرنا فقط…
رغم اني لاافهم ولكن اكملي.
ضحكت وانا اقول:.

اعني انه ليس مهتم بمن اكون. سواء كنت ثرية ام لا. ابنة ادهم ام ابنة غيره، بل حتى لم يكن يتحذر بالكلام معي وكان يقول مايريده حتى وان اغضبني ذلك، وبشكل ما انا لااغضب منه خالتي. نعم قد اتشاجر معه في لحظتها واغضب. ولكن اكتشف في اعماقي اني لست غاضبة منه ولابأس ان قال هذا او فعل ذاك، تارة يكون ألطف شخص في العالم وتارة يكون وغد ولئيم، حتى عندما يساعدني لايساعدني بلطف وعندما يحدثني بلطف فأنه لايستخدم عبارات جميلة ونظرات حالمة. بل يعاملني ببرود ولكن بطريقة ما اشعر بمدى الدفئ واللطف في تصرفه…

توقفت عن الكلام وانا الاحظ تلك النظرة الغريبة والابتسامة الاغرب فوق وجه خالتي فقلت بتلعثم:
م. ماذا هناك؟
وتقولين مجرد اعجاب ياماكرة؟
ماذا؟
انتِ واقعة في حبه ياغبية، بل وواقعة بشدة ايضاً!

أأنا كذلك؟ عبارة خالتي جعلتني اضغط زر الايقاف المؤقت لجميع اعضاء جسدي واركز في نقطة وهمية اغوص بداخلها لأفكر بعمق. لأستوعب مايحصل، هل انا احبه بالفعل؟ بهذه السرعة؟ نعم كنت اعرف اني معجبة به. ولكن حب؟ أيعقل؟ انا لااعرف، لم اجرب هذا الشعور مسبقاً في حياتي، ولكنه شعور رائع!

لحظات حتى انتشلتني خالتي من شرودي وهي تصر على ان احكي لها كل شيء بخصوصه. وبالطبع لم ابخل عليها وبدأت حكايتي منذ اليوم الذي التقيت به الى اليوم الذي احتسينا فيه القهوة بعد خروجي من المستشفى ولم اغفل عن حدث واحد بل حتى انا تعجبت لنفسي كيف تذكرت تفاصيل صغيرة ودقيقة جعلتني اتأكد اني بالفعل مهتمة لأمره بشدة، بل بالفعل احبه!

قطع حديثنا صوت جرس الباب الداخلي للمنزل يرن في الارجاء وبما ان الخدم جميعهم لايزالو نائمين بسبب سفر والداي واخباري لهم اني سأستيقظ متأخرة لذلك لاداعي ليستيقظو مبكراً فكنت مضطرة ان اقوم انا لفتح الباب، بشعري المنثور، ببيجاما تويتي. بقطعة الخيار التي بيدي ونصفها الاخر بفمي، انا قد فتحت الباب! لاداعي ان اخبركم بمن كان الطارق فبالتأكيد انتم قد استنتجتم من يكون، ومن غيره الذي لاينفك حظي السيء يجمعني به باسوأ حالاتي؟ سيف!

بقي فتات الخيار داخل فمي اعجز عن مضغه من شدة الذهول، سيف؟ في السابعة صباحاً؟ أتمازحوني؟ ماخطب الناس هذا اليوم؟

كان يقف على عتبة الباب يقطب حاجبيه كالعادة ويستند بيديه فوق خاصرتيه ويقلب بصره في الارض بتلك الملامح المستائة منتظر انفتاح الباب. والذي توقعه ان تفتحه له سديم كالعادة وليس انا! رفع ابصاره إلى ووجهه لايزال متجهم بادئ الامر ولكن سرعان ماانفرجت ملامحه بدهشة وهو يراني اقف امامه بمنظر البلهاء هذا انظر اليه بذات الدهشة، فجأة وجدت ابتسامة صغيرة تحتل شفتاه حاول كتمها قدر المستطاع وهو يرمق مظهري بنظرة متفحصة من اخمص قدمي لقمة رأسي وعندما التقت ابصارنا قوس حاجبيه وقال ساخراً:.

بالله عليكِ؟ تويتي؟
اشتعل وجهي بأضواء رأس السنة كلها ولو كان رسم واحد لتويتي فوق البيجاما لقمت بتغطيته الان من شدة احراجي ولكن بيجامتي اللعينة مليئة بتلك الرسوم. والمصيبة الاكبر فمي مليء بالخيار، اختصار الامر حمقاء حاصلة على شهادة امتياز
من على الباب حبيبتي؟
وصلني صوت خالتي من الخلف جعل سيف ينزع ابصاره عني لينظر اليها، وقفت بجانبي وقالت وهي تقلب ابصارها ما بيني وبين سيف:
مرحباً.

ومن المفترض ان اكون لبقة الان واعرفهما لبعضهما ولكن صدقوني عجزت عن نطق حرف واحد وكل ماخرج من فمي هو حرف الهمزء فقط، اردت ان اقول جملة واحدة يتمكنا من فهمها ولكني فشلت ببراعة! واخيراً عذر سيف بلاهتي وقدم هو نفسه لخالتي قائلاً:
مرحباً، انا سيف منصور! نائب السيد ادهم.
وعند هذه اللحظة تبسمت خالتي المستفزة وقالت بضحكة:
اوه اذاً هذا من كنتِ تتحدثين عنه منذ ساعة!

يبدو ان البلاهة لدينا امر متوارث في العائلة! رفع سيف حاجبيه بدهشة وتبسم وهي يقلب ابصاره مابيني ومابين خالتي. أظنون ان خالتي توقفت عند هذا الحد؟ لاياجماعة، نحن عائلة ستصيبك بالشلل التام ان جلست معها لمدة خمس دقائق!.
نظرت خالتي نحوي بأبتسامة ماكرة دون ان تبالي بعيناي الجاحظتين بأتجاهها وصدمتي واكملت:
كانت تحدثني عن مدى اعجابها بك منذ قليل!

وعند هذه النقطة شككت ان سيف احد افراد عائلتنا. فهو اصبح مستفزاً ايضاً يشارك خالتي في اغاضتي وهو يضع يديه داخل جيوب بنطاله وينظر نحوي بذات ابتسامة خالتي ويقول لي بهدوء وبرود:
اوه حقاً؟
عند هذا الحد هتفت بهما كليهما وانا اشعر ان هناك حمم بركانية تتساقط من وجهي:
بالطبع لا!
ثم التفت نحو خالتي وانا اهتف بها بأحراج:
خالتي كفي عن هذا!
قهقهت خالتي ضاحكة وهي تلتفت نحو سيف وتقول:.

كنت امزح فقط يافتى لاتتفائل كثيراً!
ثم قالت فوراً:
قل لي هل تناولت فطارك ام لا؟
لا في الحقيقة، اتصل بي السيد ادهم من اجل احضار ملف من مكتب المنزل. سأخذه واذهب نحو الشركة لدي عمل ضروري.
بأمكان العمل ان يتأجل قليلاً تعال لتعد معنا الفطار وتشاركنا اياه.
فتح سيف فمه يريد ان يعترض ولكنه صمت فوراً عندما شاهد خالتي تستدير راحلة خاتمة بذلك النقاش والاعتراضات.

فتحت له الباب اكثر ليدخل وانا لاازال عاجزة عن ترتيب جملة مناسبة لأمحي بها حماقة خالتي التي اخبرته بها. اول مادخل قلت له فوراً بأرتباك:
خالتي لم تكن جادة فيما قالته، أنا. أنا لم اكن اتحدث عنك او ماشابه. هي فقط تحب هذا النوع من المزاح والمقالب.
عادت تلك الابتسامة المستفزة تظهر فوق شفتاه وضيق عيناه بمكر وهو يقول:
لقد فات الاوان ياصغيرة، لقد عرفت الحقيقة وانتهى الامر.
فهتفت به بخجل اكبر:.

عن اي حقيقة تتحدث انت ياهذا! اخبرتك انها تمزح.
لاياعزيزتي هذا الكلام لايؤثر بي، انا اعرف خالتك جيداً. جملتها الاولى دائماً هي الصحيحة والباقي كذب.
كتفت يداي امام صدري وانا اقول بأستهزاء:
اوه حقاً؟ تعرف خالتي؟ منذ متى؟
نظر نحو ساعته مدعياً التفكير ثم قال:
منذ خمس دقائق تقريباً ياصغيرة.
كف عن مناداتي بالصغيرة!
نظر نحو بيجامتي بسخرية ثم نظر نحوي باسماً:
أأنتِ جادة؟ هل ترين اني اظلمك بهذا اللقب يا تويتي؟

ثم تركني بمكاني احترق بغضبي واتجه نحو المطبخ وتلك الابتسامة الحقيرة لاتزال تعلو وجهه، اه يااللهي! لما على قلبي ان ينبض بهذا الجنون كلما نظر نحوي. كلما تبسم لي. او حتى تحدث معي، ماهذا الغباء الذي اقحمت نفسي به؟ انا حتى لااعرف اي شيء عنه فكيف عساي ان اعجب به لهذا الحد؟

بالطبع لم اتبعه الى المطبخ فوراً بل صعدت راكضة نحو غرفتي لأغير تويتي المستفز هذا بملابس اخرى تثبت له اني فتاة ناضجة وليس طفلة كما يلقبني، انا حقاً اشعر بالاستياء عندما يناديني بالصغيرة، فأن كان يراني صغيرة فهذا سيجعلني افقد الامل ان يعجب بي في يوم ما، اه ماهذه السخافة؟ انا اصغره بسنتين فحسب كيف يراني صغيرة؟

دخلت الى المطبخ بملابسي الناضجة فوقعت عيناي داخل عيون سيف الذي التفت إلى فور دخولي وحدق بملابسي من اعلى لأسفل. ولكن هذه المرة لم يمنحني الابتسامة التي منحني اياها قبل قليل. بل عاد ليشيح بصره عني بعدم اهتمام بأتجاه خالتي التي كانت تثرثر حول عدد وصفات الطعام التي تعرفها! اه. عدنا لأنفصام الشخصية مجدداً!.

دخلت بهدوء ووقفت بشكل مقابل له تفصل بيننا الطاولة المرمر الكبيرة التي تتوسط المطبخ ويقبع فوقها الطباخ، بدأت استمع لأحاديث خالتي معه وعيناي تخوناني بين لحظة واخرى لتسترقا نظرة اليه. وللعجب كنت اراه يمنحني نظرة خاطفة ايضاً سرعان مايقوم بأشاحتها فور التقاء ابصارنا، لحظة، هل ارى هنا بصيص اعجاب متبادل؟ لما نبدو مرتبكين ومتوترين بهذا الشكل؟ كلما اراه كنت امازحه بشأن اني اريد ان اصبح حبيبته او ان يعطيني رقمه او اتهمه انه معجب بي لأغيضه وابدأ بالضحك من ردة فعله، ولكن اليوم يكتنفنا شعور مختلف، وكأن كلانا متشوق لرؤية الاخر. وكأن هناك شحنات مميزة بدأت ابصار بعضنا ترسلها للأخر.

(سيف)
كانت هذه هي المرة الاولى التي ارى فيها ميرنا بهيئتها الطفولية مع تلك البيجاما اللطيفة، شعرت اني ارى مجدداً صديقة طفولتي. وحبيبتي! وكأنها مزقت صفحات الماضي لتخرج من بين سطوره بعناد وتجعلني افقد عقلي بالهيام بها…
بخجلها. بطفوليتها. بعنادها. بلسانها السليط، انا اعشقها بكل حالاتها، رغم ماارسمه في مخيلتي عنها من امور بشعة تجعلني احاول كرهها ولكني افشل في كل مرة، فكما يقال:.

(منطقيا: ً انا اكرهك.
عاطفياً: انا وبكل غباء احبك. )
هذا هو التفسير الوحيد لحالة اضطراب المشاعر التي تجتاحني بخصوص ميرنا والتي تجعلني لااتمكن من نسيانها ابداً…
عندما غيرت بيجامتها بتلك الملابس المعتادة التي ترتدتها شعرت شيء مايعتصر داخل صدري، ربما هو استياء، او ربما خيبة امل.! فعقلي لايريد ان يراها بمنظر الشابة الناضجة. اريدها ان تبقى طفلة، طفلتي المدللة! ياليتها تفهم هذا فحسب.

قطع انتباهي من كلام روجينا صوت رنين هاتف ميرنا الذي صدح في الاجواء، التفت اليها فوجدتها تنظر نحوي بأبتسامة ونظرات حالمة ويبدو انها لم تنتبه لرنين هاتفها ألا بعدما نظرت اليها واربكتها نظراتي لتشيح عينيها عني فتنتبه ان هاتفها يرن، اخرجته من جيبها ونظرت نحو اسم المتصل لتتغير ملامحها للجدية فوراً وتسارع الخطى خارج المطبخ ولكن اذناي التقطت صوتها وهي تجيب قبل ان تخرج من المطبخ نهائياً:
اهلاً سيد شهاب.

لتتفجر بداخلي كل ينابيع الفضول اود معرفة مايدور بينهما من حديث وتبعتها عيناي من دون ارادة مني الى ان اختفت نهائياً. وكأني اريد ان اشبع ناظراي منها قبل ان تختفي عني لدقائق لااراها فيها، لااعلم ماهذا السر الذي يجعل كل اشواقي تتفجر ماان اراها ولااريد ان ابتعد عنها للحظة بالرغم ان هناك ايام تمر على من دون ان التقي بها، فلما ياقلبي الغبي عندما تراها تتمسك بها هكذا كالطفل الابله؟
ميرنا فتاة جيدة.

التفت نحو روجينا فوجدتها تنظر إلى بأبتسامة ولكن مع نبرة جادة وهي تقول:
لذلك حذاري ان تؤذيها في يوماً ما او ان تجرح مشاعرها.
تبسمت بأرتباك وانا اقول:
لا لا. الامر ليس كما تظنين، ليس بيني وبينها اي علاقة حب او ماشابه. نحن فقط.
احتفظت بأبتسامتها وهي تقاطعني قائلة:
انا لست غبية سيد سيف. ولاحظت كيف تنظر اليها خلسة بين لحظة واخرى، ولست حمقاء كي لاافهم ماذا تحمل هذه النظرات خلفها، من الواضح انك معجب بها.

معجب بها؟ بل انا مجنون بها. اعشقها بكل مااملك من قوة. ياليتني امتلك خيار ان اصرخ بمشاعري هذه بأعلى صوتي، تخليت عن المنطق معها، اقتربت منها وانا اكرهها اريد ان اوقعها بشباك حبي دون ان اقع انا معها، ولكني فقدت السيطرة على كل شيء. ولااجد في الشباك الان سواي، وجدت نفسي اقع بغرامها مجدداً بكل حماقة ولايجدي نفعاً معي هروبي الدائم من هذه الحقيقة وانكارها!

انها مثل الملائكة ياسيد سيف، لاتزال نقية لاتعرف الغش والكذب، لذلك اتمنى ان تستغل هذه الصفة بحبها وليس بخداعها في يوم ما.
كالملائكة؟ هه. مضحك جداً، انا اعرف جيداً انها ليست ملاك على الاطلاق ولااحد يعرف حقيقتها كما اعرفها انا، ولكن حتى وان كانت شيطان انا سأستمر بحبها. وحتى وان كانت ملاك سأستمر بخطة انتقامي!
عن ماذا تتهامسان من ورائي؟

قالتها ميرنا بأبتسامة ممازحة وهي تدخل للمطبخ فقالت روجينا فوراً تبادلها المزاح:
لقد كان يخبرني انه يحبك.
كلانا نظرنا بدهشة نحو روجينا التي اخذت صحون الطعام وخرجت من المطبخ نحو الصالة تشرع بضحك خفي ثم نظرت نحو ميرنا فوجدتها تنظر إلى بمكر وهي تضيق عينيها بأبتسامة وتقول:
اوه حقاً؟
تبسمت وانا اشير بأتجاه خالتها:
تعرفين طبيعة مزاحها.
لا، مااعرفه ان جملتها الاولى دائماً هي الصحيحة، أليس هذا ماقلته لي؟

انا انسان كاذب. لاتصدقيني مرة اخرى.
ضحكت عزيزتي بقوة ثم هزت رأسها بيأس مني وهي تتجه نحو طاولة المرمر تلك لتأخذ بقية الصحون فسحبت الصحون من يدها فوراً وانا اقول:
سأحملهم بدلاً منكِ بدل ان توقعيهم تويتي!
فغرت فاهها فوراً بدهشة وكادت ان تهتف بي بغيظ ولكني تركتها وخرجت فوراً من المطبخ بالكاد اكتم ابتسامي، يااللهي كم احب غضبها الطفولي!

جلسنا لنتناول الفطور معاً ونحن نتبادل الاحاديث الطريفة والممتعة ألا ان قلبت روجينا الموازين قائلة:
سيف، هل التقينا انا وانت مسبقاً؟

رفعت إلى ميرنا رأسها دفعة واحدة وهي تحدق بي بعمق وجمود، جملة خالتها جعلتها تدرك انها لم تكن متوهمة في المرة السابقة عندما ظنت اننا التقينا مسبقاً، فالامر يكاد يكون الان اكثر من مجرد ظن! فملامحي مميزة منذ طفولتي والجميع كان يقول هذا والجميع يؤكدون اني كنت نسخة مطابقة من شكل ابي. لذلك بالتأكيد سيكون شكلي مألوفاً بالنسبة لهما، بل حتى ان ادهم سألني السؤال ذاته عندما التقيت به للمرة الاولى، تبسمت بصعوبة احاول اخفاء ارتباكي وقلت مدعياً الهدوء:.

ماخطبكم معي بالضبط؟ هل وجهي يحمل كل وجوه البشرية؟ كل شخص يراني يقول لي ان وجهاً يبدو مألوفاً له.
ارتخت ملامح ميرنا فجأة وكأنها قتلت فوراً جيوش الظنون والتخمينات التي انسابت لعقلها. ولكني متأكد ان ظنونها لم تأخذها نحو يوسف. فلو شكت بهذا الامر بنسبة15% فحسب لم تكن ستردد في سؤالي ابداً والتحقيق معي. فأنا اعرف ماالذي يعنيه يوسف لها، او ما -كان- يعنيه لها…

منذ ذلك اليوم اختلفت علاقتي قليلاً بميرنا وتقدمنا خطوة اخرى نحو الافضل، اصبحنا نلتقي بالصدفة احياناً كثيرة ولكننا لم نكن نجعل لقائنا يمر بسرعة بل نطيله بالحديث مع بعضنا اطول فترة ممكنة ونختار مواضيع عشوائية لايمكنها ان تعبر عما بداخلنا بالفعل، حتى اني قد اخذت رقم هاتفها واصبحنا نتبادل الرسائل النصية اوقات كثيرة وفي اليوم الذي لانتكلم به اشعر بالفراغ حقاً وان هناك شيئاً ماينقصني ولااشعر بالاكتمال ألا بعد ان اتحدث اليها. ولكن كلما تخيلت اليوم الذي ستكتشف فيه الحقيقة كلما شعرت بجبال تنهار بداخلي وقلبي يصرخ بي يتوسلني ان لاافعل هذا! ولكني لم استمع، كم كنت احمقاً!.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *