رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل السادس
تأوهت واضعة يدي فوق رأسي وأغمضت عيناي محاولة التحرك بصعوبة بسبب الألم الذي ينتابني في ظهري نتيجة دفعه إياي نحو الرفوف وقد أعاقني عن الحركة بسهولة! توقفت الكراتين والصناديق عن السقوط فنظرت إليه بحقد وغضب التقط أنفاسي، لم أكد أنهره على فعلته حتى التزمت الصمت أحدق إلى أنفه الذي ينزف!
هل سقط احد الصناديق الثقيلة مباشرة على أنفه!
راقبته بعيناي بإضطراب بينما اعتدل يجلس بوجه شديد الجمود وقد برزت عروق صدغيه، رفع يده ومسح دماء أنفه بظهر كف يده ينظر إلى الفراغ بأعين باهتة.!
وقف مترنحاً قليلاً حتى بقي شاخصاً في مكانه.
لمحته يطرف بعيناه بحركة سريعة ورجفة غريبة قد سرت في كِلا جفنيه، ابتلعت ريقي بصعوبة أحدق إلى تصلب فكه بشدة وأنفاسه السريعة حتى شهقت بذعر وقد تفاجأت بخطواته الواسعة نحوي!
أجفلت وأغمضت عيناي برعب انتظر يده التي ستهوي على وجهي او جسدي في أي لحظة!
ولكن.
بدى ان اندفاعه كان لغرض آخر!
نظرت إليه بترقب وارتياب أفتح عيناي بحذر وببطء شديد.
لأستوعب انه اوقف صندوق معدني من الوقوع فوق رأسي مباشرة!
نظرت إلى الصندوق المعدني الذي ألقاه بجانبي بقوة، عاودت أرفع رأسي نحوه لأراه قد القى على نظرة ازدراء وسخط ولوى شفته بإشمئزاز وفي عينيه الزمردية بريق مترع بالقهر: مجرد فتاة فاسدة، لا فكرة لديكِ كم أرغب في سحقك بكلتا يداي.
خرج صوته متهدجاً بشدة حتى علت نبرته بسخط أذهلني: أنا أنسحب تماماً.
ترنح بينما لا يزال واقفاً وهو يسير بخطى غير موزونة وبدت أنفاسه ثقيلة صعبة جداً!، بل ووقف وتمتم دون ان يستدير نحوي: سينتهي بكِ المطاف تعتذرين لي، ثقي بذلك.
ي.
ينسحب؟
مهلاً!
زمجرت بغضب وإندفاع: وكأنني سأترك خيار الإنسحاب لك! ثم هل قلت أعتذر لك؟ ياللثقة!
وقف مكانه لأقابل ظهره فوقفت بصعوبة أتأوه أمرر يدي على ظهري ولكنني سرعان ما تجاهلت ألمي معترضة: لقد طفح الكيل بي! لن أسمح لك أو لغيرك بالوقوف حائلاً بيني وبين طموحي، اكتفيت من محاولة ترميم ما تقومون بكسره في حياتي، وماذا إذا لو كنت تواجه عقدة تجاه النساء؟ هل غادرت روحك جسدك بعد تلك القبلة؟ هل فقدت جزءً من عقلك؟ هل قمت بتعذيبك يا ترى! كفاك مبالغة!
صرخت بخوف وذهول اعجز عن استيعاب قدمه التي دفع بها الرف بجانبي بقوة!
مال الرف كثيراً حتى ضرب طرفه العلوي الحائط الجانبي، استقرت قدمه على الرف وقد جف حلقي أنصت إلى نبرته الساخطة: اخرسي! متى ينوي فمك التوقف عن التلفظ بهذا الكم الهائل من التلوث والأنانية! أفيقي يا فتاة لم يولد الناس من حولك ليحاولو ارضائك أنتِ! أنّى لكِ طاقة كافية في احتمال هذا الظلام بداخلك!
انكفأ لونه بشدة ولا سيما عندما وقعت عيناه على كلتا عيناي مباشرة وأنزلقت لثواني معدودة نحو ثغري! حينها أعقب يزمجر كمن فقد حاسة السمع ويعجز عن استيعاب علو نبرته: ستلهثين خلف الناس لتلبية رغباتك واحتياجاتك وما ان تتحقق حتى تكشري عن أنيابك بكل جرأة وقاحة! هل هكذا تعيشين حياتك؟ ألا تشعرين بالخجل من نفسك ولو قليلاً! أنا أحذرك من إظهارو جهك أمامي مرة أخرى، بل لا يجب ان يكون هناك أي فرصة أخرى أراكِ فيها. وإلا فرغت غضبي بكِ ولن أبالي بالنتائج.
ارتجف كتفاي وجزيت على أسناني بحنق شديد في حين أبعد عيناه عني بحدة وانزل قدمه ليكور قبضته بقوة.
ارتجفت قبضته بوضوح وظل يكورها بقوة بالغة حتى ابيضت وبرزت عروقها! ه. هو لا ينوي ضربي؟
صحيح؟
شعرت بالخوف رغماً عني ومع ذلك بقيت واقفة أحدق إليه بترقب حتى همس ينظر إلى الفراغ: اعتذري.
اعتذر؟
اتسعت عيناي بغضب أنظر إلى جموده وصدره الذي يعلو وهبط بسرعة كما لو يحاول السيطرة على انفاسه اللاهثة المتلاحقة.
بطريقة ما.
لا يبدو بخير!
هل هذا الرجل على ما يرام حقاً؟
انتابني الإضطراب والتردد، ومع ذلك تمتمت بإستخفاف اعيد خصلات شعري المبعثر خلف اذني: اعتذر؟ ممن؟
رجل قبلتيه دون إذن مسبق. يحافظ على هدوءه ويحاول ألا يشوه وجهك في أقرب فرصة. لا زلت أحاول جاهداً تمالك أعصابي.
ما هذا؟
يحاول الظهور كرجل يحترم كوني امرأة مثلاً؟ رجل هادئ يجيد ضبط نفسه؟ من يظنه نفسه ليستكمل هذا الإدعاء بوقاحة! هو لن يمانع تهشيم رأسي حالاً فلماذا يصر على لعب دور الرجل الجيد الذي يحافظ على مبادئة؟
اعتذر له؟ هل يمازحني؟
كفاك ادعاءً للمثالية.
خرج صوتي مرتجفاً قبل أن أنظر إليه بحزم، بطريقة ما بدى وجهه متجهماً غريباً وشاحباً ما ان ساد الصمت في المكان! ومع انني رأيت شيء من التشتت والانكار في عينيه الا احد أوتار أعصابي انقطع وقد صرخت في وجهه بقهر: هل تحاول لعب دور الرجل المراعي الصبور الآن؟ ما الفرق بينك وبين باقي الرجال بحق الإله! جميعكم تشتركون بنظرة واحدة إياك ومحاولة إقناعي بكونك رجل يجيد تمالك نفسه في الوقت المناسب! ما الذي تنتظره تحديداً أنت لتتصرف على سجيتك وتنزع قناعك المتماسك؟ تواصل نعتي بأقبح الصفات ماذا عنك إذاً! إن كنت تعتقد أن العالم يتمحور حولك فأنت مخطئ! اخترتك لأجل العمل ولا أكثر من ذلك هل تسمع!
ضاقت عيناه ونظر إلى الفراغ للحظات مطولة! ارتجفت شفتيه وبدى يكبح شيئاً في داخله حتى انتابتني رغبة ملحة في ان. انهي الأمر وحسب! طرف ببطء والقى على نظرة جافة قبل أن يهمس بإشمئزاز: لن أهدر ثانية واحدة.
استدار مبتعداً فتحركت قدماي فوراً نحو الباب أمنعه من الخروج.
أسندت ظهري على الباب فزفر بغضب ورفع يمناه يضعها على جبينه مغمضاً عينيه.
جزيت على أسناني بوعيد: إياك وأن تجرؤ! أخبرتك لا خيار أمامك سوى العمل معي.!
أراهن أن كل من حولك تنتابهم رغبة مُلحة في رؤية لحظات الوداع معكِ. لا يعقل أنهم لم يبصروا هذا الكم الهائل من الفساد والتلوث الذي يسيطر على أفكارك. أواثقة أنه لا يوجد من تخلى عنكِ في وقت ما؟
تسمرت في مكاني أحدق إليه بعدم استيعاب.!
مضت الثواني ثقيلة بطيئة جداً.
يتخلون عني؟
ولكنني.
أنا من تخليت عن الجميع واخترت العزلة عوضاً عن الإستمرار في جرهم إلى الهاوية.!
تداول عقلي عشرات الصور والأفكار واللحظات.!
ازدحمت نفسي بعشرات المشاعر في الوقت آنه.
هل.
كان الناس من حولي من تخلو عني؟
ألم أكن من قررت تركهم خلفي؟
بقي صدى صوته يتردد في أذني!، جابت عيناي على وجهه المترع بالجفاء وهو ينظر بعيداً يسيطر على نفسه. ارتجفت شفتاي أرغب في الاعتراض على قوله!
ولكنني وجدت نفسي أهمس بتشتت وضياع: من تعتقد نفسك لتتحدث عني هكذا! ما الذي تعرفه أنت تحديداً؟ أ. أنت.! إلى مدى يعشق الرجال التظاهر بالشهامة والمثالية؟ ما هي قدرتك على الإستمرار بخوض هذا السيناريو البطولي اللطيف؟ رجل مثلك لن يمانع ضربي وإهانتي بكل قوته ومع ذلك تصر على الظهور بصورة الرجل المُحب للخير! ما الفرق بينك أو بينه؟ ما الفرق بينكما وبينهم جميعهم! من منكم لا يشبه الآخر حتى!
ما الذي. تهذين به! ابتعدي عن الباب حالاً!
همس بها بدهشة وقد بدى مذهولا جامداً فأكملت بسخط: تدعي أن هذه القبلة كسرت كرامتك بينما في الحقيقة لا تعني لك أي شيء البتة. تدعي أنك عزيز النفس ولكنك في أعماقك لا تمانع!، الرغبة في فرض قوتك وسيطرتك يجري في عروقك أنت أيضاً. محاولاتك الجاهدة للظهور كإنسان نقي لن تنطلي على أبداً. أنا. لست بحاجتك.
همست بكلماتي الأخيرة وكل حواسي تصبح أضعف وأكثر هشاشة.
استدردت اواجه الباب واستكملت كلماتي بجمود: لست بحاجة إليك أو إلى غيرك، افعل ما شئت، لا أريد العمل معك، لا تظهر نفسك أمامي مجدداً، سأحقق ما اريده بنفسي، أستطيع شق طريقي بمفردي. فلتختفي وحسب. اللعنة عليكم جميعاً.
دانيال:
ما ان خرجتْ وصفقتْ الباب خلفها حتى تنفستُ الصَعداء بقوة، اسندت يمناي على الباب أمامي وأرخيت جبيني عليه.
لا أتذكر لحظات مسبقة في حياتي عجزت فيها عن التنفس بسهولة كما يحدث الآن!
لو كان الأمر يقتصر على شعوري بضيق في التنفس لكان بسيطاً، ولكنني واللعنة لا أشعر أنني بخير!
جلستُ على الأرضية أسند ظهري للباب أغمض عيناي أحاول تهدئة نفسي قدر المستطاع.
هل كان الهواء ثقيلاً هكذا من قبل! الخفقات السريعة تسبب وخزات مؤلمة كذلك، ينتابني الصداع الشديد كما لو اتفقت الدماء على التوقف عن السير إلى رأسي.
مررت يدي على عيناي محاولا ضبط أعصابي، توقعت أي تصرف مجنون من هذه الفتاة ولكنها تجاوزت حدودها كثيراً، ما حدث للتو. فاق كل توقعاتي!
هل تملك أدنى فكرة حقاً عن مدى تهورها وجنونهاً! هل تستوعب ما فعلته حتى؟
ما حدث قبل قليل. لقد تجرأت و.
ضربت جبيني بقوة والإضطراب الشديد ينتابني.
مختلة.! لا يمكن أن تكون عاقلة. هذه الفتاة واللعنة ليست سوى كارثة متنقلة.
زفرت بغضب وتوتر أحاول جاهداً طرد المشهد من رأسي. ركلتُ أحد الصناديق بجانب قدمي بقوة.
لماذا أنا غاضب إلى هذا الحد تحديداً؟
لحظة.
هل أنا. غاضب الآن؟
هل ينتابني الغضب منها؟ أو من نفسي! هل أشعر بالحيرة تجاه الموقف برمته؟ ذهني مشتت. ولكنه يواصل رسم ذلك المشهد أمامي بإستمرار.!
لا أدري كيف كنت قادراً على الوقوف والخروج من المخزن حتى، كل ما أعرفه أن جوفي يكاد يحرق صدري، عدت إلى قسم التصوير بخطوات غير موزونة، وجهت ناظري إلى غرفة التبديل راغباً في تغيير ملابسي ومغادرة هذا المكان فوراً.
سمعتهم يتهامسون من حولي بنبرات احتيار واستغراب، تجاهلت الجميع وسرت بخطى واسعة، صفقت الباب خلفي وأسرعت بتغيير ملابسي، وما ان خرجت شعرت ببعض الاتزان لعدم رؤيتها في المكان، ولا يبدو انها كانت متواجدة أصلاً منذ ان عدت.
توقفتُ عن السير انظر إلى مسؤول الإضاءة الذي وقف أمامي يتساءل بحيرة: لماذا غيرت ملابسك! أين ستذهب؟
رمقته بجفاء وتجاوزته ولكنه عاود يستوقفني ليحيل عني الطرق، سيطر على الغضب وأمسكت بياقته أجز على أسنانسي بسخط: إن أردتَ الموت فجرؤ واستوقفني مجدداً.
جحظت عيناه بذهول وقد شهقت زميلته مصففة الشعر ترفع يديها مهدئة، تركته وأكملت طريقي لألمح تلك الشقراء المدعوة روز تنظر إلى بضياع وعدم فهم.
كتاليا:
القيت نظرة على هاتفي الذي لم يتوقف عن الرنين.
ثم أعدت ناظري إلى السقف بينما استلقي على ظهري على سريري بشرود.
يصعب استيعاب كل ما حدث.
فقدت أعصابي، ثم قبلته فجأة، ألقى بكلماته المسمومة وكأنه لم يقل شيئاً يلامس وتراً حساساً في داخلي، أنا حتى لا أدري كيف غادرت مقر العمل! لو علم الرئيس بهذا. سيغضب حتماً!
ما الذي يحدث لي تحديداً؟
ما الذي دفعني لكل هذا الإنفعال؟
أراهن أن كل من حولك تنتابهم رغبة مُلحة في رؤية لحظات الوداع معكِ. لا يعقل أنهم لم يبصروا هذا الكم الهائل من الفساد والتلوث الذي يسيطر على أفكارك. أواثقة أنه لا يوجد من تخلى عنكِ في وقت ما؟
تردد صوته المزعج في عقلي، شعرت بثقل وقع كلماته على عاتقي فزفرت أتقلب واحتضنت الوسادة بقوة استلقي على جانبي اتجاهل رنين هاتفي.
يستحق ما قمت به.
صحيح أنني تصرفت بجرأة ووقاحة ولكن. ولكنه أفقدني صبري!
ما خطبي؟ لماذا لا زلت أبرر تصرفاتي؟
تلك الفتاة. لا تزال على قيد الحياة في داخي.!
اعتقدت أنني امضيت في طريقي وتركتها خلفي. ولكنها أظهرت نفسها اليوم بكل صراحة ووضوح.
استمر في التبرير لنفسي، وأتجاهل حقيقة أنني قمت باستغلال نقطة ضعفه!
لقد عايرته بعقدته، رفضت الإعتذار، قمت باستغلال الموقف لصالحي، صرخت بوقاحة. أخبرته أنني لست بحاجة إليه!
شيء في داخلي يخنقني، يعتريني الضيق كلما تذكرت شحوب وجهه بوضوح.
ولكنني. لا زلت أسمع صوتاً في أذني يخبرني أنه يستحق كل ما فعلته به، بأنه مجرد رجل مكرر حاله كغيره ولا شيء جديد، ولو كان الأمربيده وسنحت له الفرصة فلن يتردد في إيساعي ضرباً.
أنا لا أفهم التناقض الذي ينتابني ويسيطر على أفكاري، هل هناك جزء مني يشعر بالنفور وجزء سعيد بوجود رجل أعلم أنه لن يجرؤ على الاقتراب مني؟ سعيدة لأنه لن يجرؤ ويحاول لمسي واهانتي؟ لن يستعرض قوته علي؟ ولن يعاملني. مثل كيس الملاكمة لتفريغ غضبه وطاقته بي؟
إن كان هذا حقاً ما ينتابني.
فأنا الأسوأ بلا شك.
دفنت وجهي في وسادتي بقوة، لا أصدق أنني قلت بكل بساطة أنني لست بحاجته! على من أكذب. مستقبلي متوقف عليه!
أكره نسختي القديمة، أمقتها وهي تحدق إلى من بعيد وتجلس في الزاوية تسخر مني شامتة بما آل الحال عليه.
لم يبدو بخير آنذاك، كانت أنفاسه ثقيلة جداً كما لو خرج من أعماق المحيط وعانى من ضغط المياه! ومع ذلك لم أتوقف عن زيادة الوضع سوءاً.
أعتقد أنني.
نادمة.
تسببت بكارثة لنفسي بعد أن تعدلت الأوضاع أخيراً.
من الضروري التراجع عما حدث مهما كلفني الثمن.!
ابعدت الوسادة عن وجهي عندما شعرت بوجود بينديكت الذي يهون على باقترابه مني ومداعبته ظهر كف يدي.
همست بصوت ضعيف مبحوح: انفجرت فجأة في وجهه. أفسدت الأمر بينديكت، كم أنا فظيعة. شعرت برغبة عارمة في أن أبدو قوية! لقد كان أنفه ينزف. لا يجب أن يترك أثراً ويفسد الدعاية الترويجية.
ظل ينبح كما لو كان يواسيني.
ابتسمت رغماً عني بإنهاك ووهن واعتدلت لأجلس على السرير، رفعت أناملي المرتجفة نحو شفتاي أمررها عليها ببطء.
عقدت حاجباي بإستنكار انصت إلى رنين الهاتف.
نظرت إلى هاتفي الذي كانت شاشته مطفئة، صحيح. نغمة الرنين هذه ليست لي!
اسرعت ادس يدي في جيبي وأخرج الهاتف.
لقد نسيت هاتفه بحوزتي!
كان اسم كارل يعلو الشاشة فتنهدت بعمق. تباً كيف نسيت اعادته إليه!
مهلاً.
لدي عذر مناسب لزيارته في منزله!
تعالى رنين هاتفي أيضاً فأصابني الصداع بسبب رنين كلاهما، روز لن تتوقف عن الإتصال بي. على اخبارها بأي عذر مناسب لاحقاً. وكأنني سأجرؤ على قول الحقيقة!
دانيال:
هل أنت واثق أنكَ نسيته في مقر المجلة؟ لا أحد يجيب على مكالماتي ماذا لو تم سرقته!
تساءل كارل الذي لم يتوقف عن محاولة الاتصال بهاتفي عندما اكتشفت أنني نسيته.
بقيت على حالي استلقي على سريري أحدق إلى السقف أشبك كلتا يداي خلف رأسي، فتمتم متسائلاً بحيرة يضع يده اليمنى على خصره: ما خطبك بحق الإله دان! لا تبدو على طبيعتك هل انت واثق أنك لست محموماً؟ وجهك متورد بشدة يا رجل! هل لديك ادنى فكرة حتى منذ متى تستلقي دون حركة؟ انه وقت العشاء!
اعترضت بنفاذ صبر: دعني وشأني كارل!
أضفت بلا حيلة: لست بخير، فقط. احتاج إلى بعض الوقت وحدي. عليك ان تعد العشاء تعلم أن أبي سيغضب ان تأخرت. إنها السابعة أسرع!
بقي ينظر إلى بتردد قبل ان يزفر: كما تريد، سأترك هاتفي عندك واصل الاتصال برقمك حتى يلفت انتباه أي شخص.
شعرت بالأسف لصراخي عليه لذا ما ان اقترب مني ووضع الهاتف بجانب رأسي تمتمتُ بإمتعاض: أحتاج إلى الطعام الذي تعده ليتحسن مزاجي.
ابتسم بهدوء وهمس بينما يتجه إلى الباب قبل ان يخرج: لا داعي للإعتذار.
أغلق الباب خلفه فأخذت شهيقاً عميقاً واعتدلت قليلاً امسك بهاتفه بتردد، أيكون هاتفي في غرفة تبديل المبلاس؟
لحظة!
لقد دسته في جيبها!
آه سحقاً! ما الحل؟ لا أنوي العودة إلى مقر المجلة مهما حدث!
زفرت بغضب و ابتعدت عن السرير، تحركت في الغرفة ذهاباً وإياباً أفكر في حل مناسب، وقفتُ بعدم استيعاب أمام المرآة المخدوش طرفها في الأعلى أحدق إلى وجهي!
كارل. محق! أبدو كرجل محموم بشدة! اللون الرسمي لوجهي كان أحمر صريح!، ما الذي أصابني بحق الإله؟ لا عجب انه اعتقد انني مريض!
اللعنة. كم أود لكمها!
علي أن أنسى ما حدث، من الأفضل تجاوز كل شيء! صحيح، سأخرج وأعيش يومي الطبيعي وحسب وبعدها سيعود الوضع إلى طبيعته.
أسرعت أخرج من الغرفة واتجهت إلى غرفة المعيشة، رأيت لاري يستلقي على الأرض على بطنه يحل فروضه المدرسية، بينما أبي يجلس على الأريكة يتابع التلفاز، لا بد وان كيفين في الغرفة يستكمل دروسه.
اتجهت إلى الأريكة ولم أكد اجلس حتى سمعت طرقات على باب المتجر بالأسفل!
سبقت أبي الذي كاد يقف ويلقي نظرة، اتجهت إلى النافذة المطلة على الشارع في الأسفل.
اتسعت عيناي بعدم تصديق أحاول استيعاب مدى جرأتها لتأتي وكأن شيئاً لم يكن.
إنها هي.
المجنونة سارقة القبلات!
من هناك؟
تساءل أبي فأجبته فوراً: يبدو أنه أحد الفتية الصغار سأرى ما يريده.
هرعت إلى الغرفة أولاً أبحث في الخزانة عن أي وشاح لعين وما ان وجدت وشاحاً أبيضاً حتى أسرعت الفه حول وجهي ولم أظهر سوى عيناي، إنه حل مؤقت لا يجب أن ترى مدى تأثري بذلك السخف، حينها لن تتردد في السخرية ومعايرتي! لا يجب أن أثير الشفقة مهما حدث.
هذه الفتاة.
عدو!
نزلت الدرج بعصبية وبحزم، اتجهت إلى باب المتجر الذي كان مظلماً بسبب إغلاقه وانتهاء ساعات العمل.
يمكنني رؤيتها من الباب الزجاجي ومن بين بعض صور الإعلانات، أدرت المفتاح وأحكمت قبضة يدي على أكرة الباب بتردد قبل أن أفتحه بجمود.
سأريها.
سأجعلها تعض على أصابعها من الندم! ستبكي وتتوسل إلي! ستعتذر وتعرف مكانتها جيداً قبل أن تتجرأ و.
اتسعت عيناي بدهشة أنظر إليها وقد انحنت وتساقط شعرها الأسود حول وجهها لتصرخ بصوت متهدج: أنا آسفة.
ب.
بهذه السرعة!
مباشرة؟
دون أي محاولة أو مجهود؟
عقدت حاجباي باستنكار شديد فقالت ولا تزال على حالها: كنت وقحة جداً، لم يكن لي الحق في التصرف بتلك الطريقة، أعلم أن ما فعلته كان إهانة في حقك. لقد تجاوزت حدودي كثيراً، لذا أعتذر وأرجو أن تسامحني على حماقتي واندفاعي.
بهذه السهولة؟ غير ممكن!
هل تعاني من خطب ما في عقلها!
هذا ما كنت أفكر به حين غدرت بإرخاء دفاعي واقتربت ممسكة بيدي اليمنى بكلتا يديها ونظرت إلى ترفع رأسها هامسة بصوت ضعيف: لست هنا لأقنعك بالعودة إلى العمل، أتيت لأعتذر عما بدر مني فقط.
أغمضت عيناي رغماً عني لشدة ارتباكي وانتزعت يدي أتراجع للخلف بغيظ: ولا زلتِ تجرئين على لمسي!
نفيت برأسها بأسى: لم يكن على التسرع، أنا فقط. اندفعت أكثر من اللازم! كنت عصبية بشكل غريب.
هذه الفتاة! يصعب منحها الثقة! ما الذي تفكر فيه تحديداً؟
وفري اعتذارك لنفسك، وأعيدي هاتفي إلي.
أخفضت عينيها الرمادية وهمست: لا.
لا؟
قطبت جبيني بشك: ما الذي تقصدينه! اليس معكِ أنتِ؟
سأعطيك إياه حين تقبل اعتذاري.
لم أسمع يوماً بقبول اعتذار بالإكراه! اعيدي هاتفي وغادري قبل أن.
لن أجبرك. ولكن. ماذا تريدني أن أفعل؟ أنا أعتذر لك بصدق دانيال. أعلم أنني مخطئة وأشعر بالغضب من نفسي.
تقدمت نحوي خطى صغيرة وحين رأتني أعود للوراء استوعبت الأمر وتوقفت مكانها هامسة: ما الذي يمكنني فعله لتقبل اعتذاري؟
لا يمكن! إنها تلح علي؟ ظننتها ستعتذر لمرة واحدة وبكل برود.
هذا غير متوقع!
أنا لا أدري إن كنت غاضب أو مستاء، ولكنني أعلم أن وجهي متورد وسأكون في ورطة سخيفة إن أدركت هذا! ت. تلك القبلة لا تتوقف عن إقتحام مخيلتي حتى الآن. كلما تذكرت ملمس شفتيها أشعر بتسارع غريب في نبضات قلبي، وخدر غير مألوف في جسدي. أنا في أوج حالاتي المستعصية الآن!
رفعت الوشاح جيداً على وجهي وأبقيت عيناي فقط، بدت وكأنها تداركت الأمر وتساءلت باستغراب وتردد: وشاح كهذا والرطوبة مرتفعة؟
أجبتها بإندفاع: أشعر بالبرد هل من اعتراض!
ستدفئ رأسك فقط؟
وجهي حساس جداً ولا أريد أن يتعرض لأي سوء، والآن. أريد هاتفي!
ماذا عن اعتذاري!
نظرت بعيداً بحزم: حتى وإن قبلت اعتذارك، هل ستعودين بالزمن لإلغاء ما فعلته مثلاً؟
تمتمت على مضض: ألا يمكنك نسيان الأمر؟
أنسى الأمر؟ ببساطة؟ قلبي يقيم حفلة والمدعوين فيها لا أحد منهم في وعيه. وتقول لي انسى الأمر ببساطة؟ يالوقاحة هذه الفتاة لم أعد أعلم كم سأصبر على جنونها!
آنسة كتاليا؟
قيلت بصوت أبي فاستدرت أنظر إليه خلفي وقد نزل للتو فقط، تقدم نحونا وقال بهدوء: قلتَ بأنه أحد الفتية الصغار.
أسرعت أوضح: هذا ما كان يبدو لي في الاعلى.
علق بعين ضيقة يرمقني بشك: نعيش فوق المحل مباشرة، لسنا في الطابق الخمسين لتخطئ.
وجدتها تتدخل لتحييه بلطفها المزيف: مساء الخير سيد هاريسون، لا بد وأن مجيئي في هذا الوقت قد أزعجكم.
قلتُ فوراً بجمود: أتت لتعيد هاتفي.
قلتها أوجه حديثي إلى أبي الذي كان يرمقني بإستنكار: لماذا تضع وشاحاً حول وجهك!
أضاف بحذر وشك: لا تخبرني أنك تورطت في شجار آخر وتهرب من الشرطة! متى ستكتفي بحق الإله من.
قاطعته بإمتعاض: لماذا سأتخفى في منزلي!
أردفت بلا حيلة واضعاً يدي على خصري بملل: كل ما في الأمر أنني أشعر بالبرد. والآن يا آنسة، أعيدي هاتفي من فضلك وعودي إلى منزلك. لقد طلبت هذا بلباقة قدر المستطاع لا ترغميني على التصرف بعنف.
طرفت ببطء ونظرت إلى حقيبتها، بدت منزعجة مترددة وفتحت فمها لتتفوه بشيء لولا صوت سعيد صغير: كارل يقول أن العشاء جاهز.
لم يكن سوى لاري الذي استوعب وجودها وبقي واقفاً في أعلى الدرج.
رفعت يدي مترقباً: كما سمعتِ، العشاء جاهز وعلينا تناول الطعام، أعيدي هاتفي وغادري بسرعة.
ولكنني تفاجأت بما قاله أبي مقترحاً عليها بهدوء: لما لا تتناولين معنا العشاء؟
نظرتُ إليه بدهشة وكذلك لاري الذي اتسعت عيناه بعدم تصديق!
أشرت له بيدي معترضاً وقلت بحزم: سيتأخر الوقت أبي. عليها أن تغادر إلى منزلها.
ولكنه تجاهلني واقترب منها، أغلق باب المحل ليدفع ظهرها برفق ويقول بجمود: إنها السابعة والربع فقط، كما لا بأس. ستوصلها أنت لاحقاً إلى منزلها.
هاه!
اعترضت بغضب: ما هذا! لا تقرر من تلقاء نفسك أنا لن أوصلها إلى أي مكان!
ولكنه ظل يتجاهلني فاسترقت هي النظرات نحوي بإضطراب وهي تمشي معه لتصعد.
لماذا لم تعارضه! لماذا لم ترفض؟
هل تحاول استغلال الأمر لصالحها! هذه الخبيثة.
اسرع لاري ينزل الدرج نحوي وامسك بطرف قميصي يرجوني: أرجوك داني أخرجها! لا يجب ان تبقى هذه القبيحة هنا! اطردها حالاً.
تكتفت بغيظ: واللعنة لماذا على الخروج لاحقاً لأوصلها!
– هل هذا ما يشغلك داني! طلب أبي منها الجلوس وتناول العشاء! علينا التصرف بسرعة.
لفت انتباهنا وجود ظل في الأعلى، لم يكن سوى كارل الذي ينزل الدرج بسرعة!
كان لا يزال ممسكاً بملعقة الطهي الكبيرة ويقترب منا حتى وقف بعدم تصديق يتساءل بشحوب: م. ما الذي تفعله تلك الآنسة هنا!
اعترضت بإنزعاج: خرجت من المطبخ بدلاً من اغلاق الباب في وجهها؟ كان عليك التصرف كارل!
نفي بلا حيلة: تفاجأت بوجودها في المطبخ! لماذا هي هنا تحديداً؟
تكتفتُ مغتاظاً: قصة طويلة، المهم الآن أن نخرجها!
امتلأ لاري بالغضب وقال يتحرك مبتعداً: أعلم جيداً كيف أرغمها على الخروج.
اسرع كارل يستوقفه ممسكاً به مؤنباً: كفاك سخفاً وكن أكثر أدباً!
زمجر لاري بغيظ: على مساعدتكما!
لويت شفتي بإنزعاج: وما الخدمة التي قد يقدمها طالب في الإبتدائية!
أجابني فوراً: سأخيفها. النساء يخشين الحشرات، لدي زجاجة مليئة بالحشرات سأفتحها تحت الطاولة قبل أن تبدء بتناول الطعام. أنا واثق أنها ستهرب.
هذا ما ينقصني الآن.
تنهد كارل ونفي برأسه معترضاً، داعب شعر لاري وقال: توقف عن هذه الأفكار السخيفة، لنصعد ونرى.
اتسعت عيناي بذهول: كارل! هل ستتناول العشاء معها حقاً؟
عقد حاجبيه: لا اريد هذا! ولكن. هربت من المطبخ فجأة وليس من اللباقة التصرف بهذه الطريقة كما تعلم! إنها ضيفة هنا في النهاية.
اقتربت منه اربت على كتفه وعلى رأسه بعدم تصديق: فلتذهب اللباقة إلى الجحيم ما الذي أصابك! هل تنوي ان تضيفها حتى؟ لا تستفزني بلطفك و أدبك كارل!
انا لا أحلق من فرط سعادتي ولكنني اخبرك أن تتوقف عن معاملتها بوقاحة وعدائية دان! لنتعاون. ربما ستشعر بثقل الأمر علينا وتغادر من تلقاء نفسها.
تغادر من تلقاء نفسها؟ هو لا يعلم أن هذه الفتاة ستفعل أي شيء لتحقق أهدافها!
عندما بقيت في مكاني مع لاري وصعد كارل الدرج، توقف عن الصعود واستدار الينا مشيراً إلينا بالملعقة بلا حيلة: هل ستتراكني وحدي بربكما! لنذهب معاً!
أجفلنا لنزول كيفين بسرعة حتى تجاوز كارل ونزل ليقف أمامي مباشرة يسألني بإستنكار: لماذا تلك المرأة هنا! قال لاري أن العشاء جاهز للتو ولكنه لم يخبرني أنكم تضيفون تلك المرأة!
زفرتُ بغضب وجذبت احد الكراسي لأجلس عليه، أشرت إليهم: اصعدوا جميعكم سأنتظر هنا.
كفاك سخفاً!
صاح الثلاثة بوقت واحد فاعترضت فوراً: إنه خطأ أبي! ما ذنبي أنا!
اقترب كيفين بجفاء: ذنبك أنك قبلت العمل معها لذا تحمل النتيجة وحدك!
رمقته بحدة: انصت. أنا حقاً متعب، توقف عن مجادلتي وإلا لكمتك على وجهك بقوة وكسرت نظارتك أو أدخلتها في عينك وجرحت قرنيتك.
قلّب عينيه وهمس بقهر: لن أتناول العشاء، أخبرو أبي أنني مُنهك وأرغب في النوم لأستيقظ باكراً وأدرس قبل الذهاب إلى المدرسة.
ما الذي تنتظرونه؟ العشاء جاهز! الكلام موجه إليك أيضاً. أيها الملثم الغامض.
صاح أبي بحزم أعلى الدرج يحدق إلينا جميعنا بوعيد.
همستُ بثقة أضيق عيناي: لا تقلقوا لن نتناول العشاء معها على طاولة واحدة. ولو على جثتي. حتى لو اضطررت لطردها بنفسي.
لماذا أجلس على هذا الكرسي تحديداً! لو كنت أعلم أن آخر الواصلين إلى المطبخ سيكون من يجلس بجوارها لسابقت الجميع!
كان على أن أدرس العدو جيداً وأرى ساحة الحرب بأدق تفاصيلها. ها هي ذا! تجلس بجانب أبي على يساره مباشرة، والكرسي المجاور لها شاغر!، كارل بجانب أبي على يمينه وبجواره كيفين ثم لاري.
نظرت إلى لاري وقلت بجمود: تحرك، سأجلس هنا.
اعترض يقوس شفتيه ويعقد حاجبيه: لقد جلست قبلك!
هددته بكلتا عيناي بسخط ووعيد فاشار إلي: أبي! انظر إليه.
تفاجأت بأبي يتجاهل الوضع محدثاً إياها بهدوء: أعد كارل العشاء، إنه الأمهر في الطهي بلا منازع.
رسمت بدورها ابتسامة في غاية اللطف والتزييف: هكذا إذاً! رائحته شهية بالفعل.
قالت كلماتها الأخيرة تنظر إلى كارل الذي أسرع يشيح ببصره فوراً.
اقتربت من لاري وهمست في أذنه بتهديد: ابتعد عن هذا الكرسي وإلا لقنتك درساً!
صرخ شاكياً: أبي دان يهددني!
احتدت عيناي بغضب حتى سمعت صوتها الأنثوي ذو النبرة المستاءة: أعتقد أنه. على الرحيل سيد هاريسون، استمتعوا بتناول العشاء أتيت فقط لأتحدث مع دانيال قليلاً.
اتسعت عيناي أنظر إلى الإحباط والإستياء الذي ارتسم على ملامحها وهي تقف! هذه المزيفة!
اشار أبي إليها ان تجلس بجفاء: اجلسي يا آنسة لا بأس، وانت.
نظر إلى بإنزعاج مردفاً مشيراً إلى الكرسي: توقف عن إثارة شفقتي أكثر واجلس، متى ستتوقف عن التسلط أيها البغيض! وما رأيك ان تنزع هذا الوشاح عن وجهك ما خطبك بحق الإله تبدو كمن يعاني من ورم في وجنته بسبب ضرسه!
سحقاً لهذه الفتاة!
أنا حقاً جائع ولا يمكنني مقاومة رائحة الطعام! ولكن. لا رغبة في الجلوس بجانبها حتى!
عاودت أنظر إلى لاري بتهديد ولكنه تجاهلني وشرع في تناول العشاء فاشتعلت غيظاً، سألقن الجميع درساً! بدءاً من كارل وانتهاء بهذا الصعلوك قليل التهذيب! منذ متى يتعدى على أوامري؟
لا بأس دانيال! إنه مجرد كرسي تخيل عدم وجودها وحسب.
ما ان سحبت الكرسي والصقته بكرسي لاري لأصنع مسافة بيني وبينها حتى تنهد كارل براحة شديدة وبدى كمن نجى من الموت بأعجوبة. وكذلك كيفين الذي ارتخت ملامحه بشدة وهو يدفع النظارة بسبابته نحو عينيه مرتاحاً!
لا بأس لقد ضحيت لأجلهم!
لا داعي للقلق. على أن أكون هادئاً، جامداً، جافاً ولا مبالياً مع هذه المزيفة.
عليها أن تفهم أنها لن تؤثر بي.
سيكون هذا صعب. ولكنه ليس مستحيل. كما انني اقرب الى لاري منها لذا. استطيع تجاوز الامر.!
نظرت إلى الأطباق الشهية وتجاهلت كل من حولي، سأتناول عشاءي بكل هدوء وأعود إلى غرفتي، لن أوصلها ولن أتعب نفسي، أنا لست مجبراً على هذا حتى وإن حاول أبي إرغامي.
إلى متى تنوي الجلوس ملثماً هكذا!
تمتم أبي يرمقني بنفاذ صبر، حينها قلت بهدوء: وجهي متورم.
ارتفع حاجبا كارل بإستغراب شديد وحدق إلى بشك واضح.
بينما ضاقت عينا أبي ينظر إلى لثواني قبل ان يتساءل: من يحين دوره في التنظيف غداً؟
أجابه كيفين ببرود: إنه دوري.
أومأ أبي بفهم وقال موجهاً قبل ان يرفع الملعقة نحو ثغره: لا تنسى تنظيف الغرفة العلوية.
تساءل كارل: ولكن الم نتفق أن نجعلها مخزن لمنتجات الحلاقة؟
عندما قال هذا نظرت المزيفة إليه بحيرة فأسرع كارل ينظر إلى طبقه بتوتر، بينما قال أبي بهدوء: سنستخدم المأرب لكافة المنتجات، لا تضع دراجتك في المنتصف في المرة القادمة.
قال كلماته الأخيرة يقصدني فأومأت بصمت.
لا زلت لا اشعر بالراحة مهما حاولت! رغم انني تركت مسافة بين الكرسي الخاص بي وبها ولكن. فكرة أنها تتشارك معي الطاولة نفسها يصعب تجاوزها.
هذا غريب. لماذا تلتزم الصمت على أي حال؟ ألن تقدم مشهداً حزيناً بنبرتها الدرامية السابقة؟
حاولت استراق نظرة بطرف عيني فوجدتها تتناول طعامها بصمت وبدى وكأن الطعام قد نال اعجابها بالفعل.
لحظة لحظة!
انها.
تتناول الحساء بإحدى ملاعق المنزل. هذا يعني أن من سيتناول الطعام بهذه الملعقة لاحقاً. س.! سحقا التنفس بات بطيء مجدداً، كما ان تلك السخونة الغريبة عادت إلى جسدي ووجهي مرة أخرى! لم أشعر بنفسي وأنا أنظر إلى الملعقة أحاول التركيز، وعندما استقرت في فمها ارتجفت قليلاً وأسرعت أبعد عيناي أحاول التركيز على الطعام أمامي. اللعنة على عقلي الذي يفكر بطريقة غريبة ما الذي دهاني!
مرت لحظات قليلة حتى اتسعت عيناي لرؤية يدها التي رفعت كأس الماء لتشرب منه. الكأس أيضاً!
عاودت تضعه على الطاولة فنظرت إلى الأثر الخفيف من ذلك الشيء الذي تضعه على شفتيها. لقد ترك أثراً على الكأس.
هذا سيء.
إنه لذيذ حقاً.
أثنت على كارل مبتسمة وهي تنظر إليه مردفة: هذا الحساء لذيذ، الخضار المسلوقة وهذا المرق الثقيل. أنت بارع بحق!
ظل كارل ينظر إلى طبقه وقد قال بلعثمة خفيفة: آه. شكراً جزيلاً.
اكتفى بذلك وهو يأكل وقد استشعرت الهالة المرتبكة التي تحيط به.
دانيال. مظهرك غبي ومستفز إلى أقصى درجة، إما أن تنزع هذا الوشاح أو أخنقك به حالاً.
بالطبع لم يكن سوى أبي.
تنهدت بإنزعاج وهمست: سأتناول عشائي لاحقاً.
وقفت بهدوء متمتماً: سأخرج للهرولة.
اللعنة أنا أتضور جوعاً!
تفاجأت بها تقف كذلك بسرعة وتنظر إلى أبي: أ. أنا أيضاً شبعت.
هاه!
رمقتها شزراً ولكنها قالت مبتسمة بمرح: العشاء كان لذيذاً حقاً، سأرد لكم هذا اللطف في وقت ما، لست بارعة في الطهي ولكنني سأفكر في طريقة ما. دانيال أعتقد أننا سنخرج معاً إذاً.
ماذا!
أخرج معها؟ ألا زالت مصرة!
بدى أن الفكرة راقت لأبي الذي أومأ بإستحسان: سيكون هذا لطفاً منكِ. حسناً آنسة كتاليا يبدو أن دانيال متفرغ الآن يمكنكما الحديث في الخارج. لاري أكمل عشاءك هيا.
لماذا يصر هكذا على منحها الفرص بكل أريحية للتحدث معي! هذا حقاً. يغضبني. إلى متى على رفض هذه العلقة!
هل استغل الفرصة لأنهي الامر تماماً؟ لا حل آخر أريد ضمان عدم رؤية وجهها مرة أخرى!
كتاليا:
إنه يحاول تجنبي بقدر الإمكان، لا يمكنني لومه بعد ما حدث، ولكنني لا زلت بحاجة إلى الحديث معه! أتيت والإصرار يملؤني، سوف اقنعه بالعودة مهما كانت الحيلة التي اتبعها معه.
كما سأكون لئيمة قليلاً لاستخدام هذه الحيلة ولكن. على استغلال.
أنوثتي.
بطريقة ملتوية!
صحيح أنه يتصرف بوقاحة وجنوح ولكن. قد أكون قادرة على التأثير على الجانب الغريزي منه! أعني أنه لا يمكن ألا يتأثر ولو قليلاً ببضع الحيل التي سأتبعها الآن!
شكراً جزيلاً على حسن استضافتي سيد هاريسون، كان العشاء لذيذاً جداً كارل، لا يمكنني التأخر أكثر سأتحدث مع دانيال في طريقنا.
قلت ذلك أودعهم قبل أن أسرع خلفه إذ تجاهلني وأكمل طريقه لينزل بخطى واسعة.!
لقد كان والده خير رفيق لي! وأعتقد أن بناء علاقة أكثر متانة معه سيكون لصالحي للتأثير على دانيال.
كنت ألحق به بخطوات سريعة! إذ ان خطواته كانت واسعة ويصعب مجاراته، مشيت بمحاذاته أحافظ على مسافة كافية، ومع كل الجهد الذي بذله في الاعتراض والجدال، إلا أنه يمشي الآن بصمت ويضع يديه في جيبه والغيظ يلمع في كلتا مقلتيه عاجز عن التوقف عن التمتمة بالكلام الخافت والشتائم المقتضبة.
رأى في طريقه علبة عصير فارغة معدنية، دفعها بقدمه بإنزعاج شديد فضربت حائط الزقاق المجاور.
ازدردت ريقي بصعوبة أختلس نحوه نظرة سريعة.
إنه غاضب. كيف عساني أتحدث إليه!
علي أن أستجمع قواي وأتفاهم معه، كما أن هاتفه لا يزال بحوزتي، لن أعيده حتى أنهي هذا الموضوع.
عاودت استرق النظرات إليه بطرف عيني، في اللحظة نفسها نظر إلى خلسة فأجفل ما ان تلاقت أعيننا ونفي فوراً بحزم فاجأني وهو يتلعثم: م. ماذا؟ أنا لم أكن أفكر في تلك القبلة لذا لا تحلقي بأفكارك بعيداً! ل. ليس وكأنني لا أستطيع طرد الأمر من رأسي.
هاه!؟
هذا الرجل. أشعر بالأسى لأجله! الخلايا المسؤولة عن الإتزان العقلي والتحفظ تكاد كون معدومة في عقله!
طرفت ببلاهة فاستوعب ما قاله واتسعت عينيه، إنه.
أحمق بمعنى الكلمة!
مضت لحظات ساد الصمت فيها وقد عاد التعبير المنزعج الغاضب إلى عينيه مجدداً.
متى ينوي ابعاد هذا الوشاح عن وجهه! إنه يثير الشكوك والاهتمام من حوله والجميع ينظر إليه!
همست بإسمه بهدوء فرمقني بطرف عينه بحقد، أجفلت قليلاً ولكنني قلت: بالطبع ستكون منزعج إلى هذا الحد لا أملك أدنى حق للإعتراض. لقد اعتذرت لك بشأن ما بدر مني. ألا زلت ترفض اعتذاري!
بدى أنه شعر برطوبة الطقس وتعرق وجهه فلقد أكمل طريقه وارخى الوشاح من على وجهه وأسرع في خطواته لأواجه ظهره.!
ما الذي تريدينه تحديداً؟
سألني دون أن يتوقف، حاولت ان أجاري سرعته بينما أكمل: لا أنوي العودة إلى العمل معكِ أنصحك ألا تتعبي نفسك بالمحاولة لذا اعيدي هاتفي وأكملي طريقك إلى منزلك.
سأخبرك، سأكون صريحة وواضحة معك دون مراوغة.
فتاة مزيفة مثلك قادرة على التحدث بصراحة إذاً؟
أزعجني ذلك بشدة. ولكنه لم يأتي بشيء خارق للطبيعة أو غير مألوف، أظهرت دون قصد جزء من الفساد في داخلي فكيف عساه يحتمل رؤية وجهي بعد ذلك! حسناً. إنه وقت تنفيذ الخطة!
بللت شفتي بلساني بتوتر وعندما عاد الهدوء إلى قلت مبتسمة بضمور: مع أنني أتيت إلى منزلك بنفسي لأعتذر إليك!
أردفت أنظر إليه وقد ابتعدت قليلاً إلى اليسار بسبب ثنائي كانا يمشيان أمامي متشابكان الأيدي بيننا: دانيال. لقد كان انفعالي في وقت خاطئ تماماً وعلى الشخص الخاطئ أيضاً، بصراحة. هناك بعض التراكمات في داخلي وكبتها أتى بنتيجة ما حدث اليوم، لذا بشأن كل ما قلته لك. وبشأن تلك القبلة المتهورة. من فضلك انسى كل شيء. لنبدء من جديد، أعلم أنني تصرفت بجرأة ووقاحة ولكنني. أعترف بحاجتي إليك!
توقف عن المشي ينظر إلى الأرض بصمت مُطبق.
سأفعل أي شيء. لأحقق ما أريده!
حينها أكملت راجية فوراً: مررت بالكثير في الفترة الأخيرة، واجهت وقتاً عصيباً وتأزم عملي لفترة! كنت مهددة بتسريحي من عملي في أي لحظة بسبب حادثة معينة، ولكنك ظهرت أمامي فجأة وانفرجت أساريري، أنا حقاً. تصرفت بعصبية معك بسبب شعوري بالضغط! من فضلك! انسى ما فعلته ولنبدء من جديد. لِنصنع نجاحنا معاً دانيال! لديك مستقبل باهر ثق بي.
ظل على حاله واقفاً في مكانه بصمت ومرر يده في شعره حالك السواد وهمس: هذا النوع من الناس. الذين لا يبالون ولا يترددون بالتعذر بأي شيء مهما تكررت أخطاءهم. يا فتاة أنتِ. صعبة جداً! لا طاقة لي في مجاراة شخصيتك لذا أخبركِ مجدداً أن تعيدي هاتفي وتكملي طريقك. أحاول جاهداً أن أتصرف بهدوء ولطف لذا لا تلعبي بأعصابي أكثر.
أعقب يكمل خطواته الواسعة التي بدت أبطئ قليلاً: تنظرين إلى مخاوف أو عُقد من حولك بإستخفاف، ولكنكِ لن تتقبلي ان يُساء إليكِ في المقابل، لن يبقى أي شخص إلى جوارك ان بقيتِ على ما أنتِ عليه.
كلماته. تضايقني!
هل حقاً لا ينوي التوقف عن القاء كلماته ثقيلة العيار؟، لا يجب أن أجادله! لا زلت بحاجة إليه. لا أريد افساد فرصتي.
حينها توقفت عن اللحاق به.
رسمت على ملامحي مشاعر الضيق والإستياء.
بقيت شاخصة في مكاني حتى توقفت بإستنكار على بعد مسافة يرمقني بنظرات سريعة متقطعة قبل ان يقول وهو يقف في مكانه: ماذا؟ استوعبتِ بشاعتكِ؟
هذا ال.!
كيف يمكنني الصبر عليه بحق الإله؟
جزيت على أسناني خفية أحاول مواساة نفسي قبل ان استكمل التظاهر بالضيق الشديد، أطرقت برأسي وأومأت مؤيدة: محق. أنا كائن بشع، ومع ذلك لا أمانع الاعتراف مرارا وتكرارا أنك الشخص الأنسب. أنك ظهرت أمامي لتنقذني من ورطتي. أنا. متمسكة بك.
لمحته يعقد حاجبيه فأسرعت أكمل أحدق إليه بجدية أستخدم الكلمات المؤثرة: دانيال أنا معجبة بمظهرك وأعلم جيداً أنك النموذج الأفضل للأعمال الجديدة التي سيتم طرحها! محق فيما قلته فأنا فتاة سيئة ولكن. طالما أنك وحدك من يعلم بهذا الآن.
بدى يطرف بعدم استيعاب لكلماتي الأولى فاستكملت بهدوء اقترب بضع خطوات صغيرة: إذاً احتفظ بسري بعيداً عن متناول الأيدي، دعني استكمل دوري كمصورة لطيفة محبة للآخرين! لا أريد لحقيقتي أن تظهر أمام شخص آخر. سواك!
فغر فمه بتفاجؤ وبقي متسمراً في مكانه تماماً.
بل ولم يشعر بالوشاح الذي استقر على عاتقيه حتى طرف بعينه ينظر بعيداً ويحك أنفه بحركة سريعة!
هل كان. وجهه متورداً بشدة منذ البداية؟ هل يبدو هكذا منذ. تلك اللحظة؟
رفع كلتا يديه يستوقفني بإندفاع: ص. صبراً يا فتاة صبراً، فمك المزيف يتلفظ بأمور يصعب استيعابها! هل هذا أمر يدعو لأن أحتفظ به سراً حتى! إن كان الأمر هكذا فعلى العالم بأسره ان يعلم بحقيقتك!
اعقب مضطربا: لا يوجد ما يرغمني على الاحتفاظ بحقيقتك لي وحدي وهل سأضحي لأجل العالم بنفسي؟ ثم. ع. عن أي اعجاب تتحدثين هل تفهمين حتى صعوبة التفوه بكلمات مماثلة! أنتِ حقاً. معتادة على كل هذا!
أضاف بإنزعاج فجأة: ليس هذا وحسب! يبدو أنكِ معتادة على تقبيل هذا وذاك. لا أصدق أنكِ تطالبينني بتخطي الأمر وكأنه لم يكن! لقد انتهكت مساحتي الخاصة بكل جرأة هل حقاً لا تدركين مدى.
أنا لست بحاجة إليك وحسب. أنتَ كذلك بحاجة إلي.
قلت كلماتي بجدية فتوقف عن الحديث ينظر إلى الشارع على يمينه بجمود يجوبه تشتت.
حينها أردفت: قبلت العمل معي لأجل المال. أراهن أنك لا زلت بحاجة إليه! ومن يعلم بقدر الأموال التي تحتاج إليها أنت او عائلتك؟ في النهاية كان المحرك الوحيد الذي دفعك لقبول العرض.
وما المشكلة! الجميع يعملون لأجل المال. بل يوجد من يلجئون إلى طرق غير شرعية للحصول عليه. لا تتحدثين عني وكأنني أعبد المال، توقفي عن محاولة شرائي بهذه الطريقة.
أنهى جملته بتهديد فاتسعت عيناي للحظة قبل أن أقول محاولة امتصاص غضبه: انا لم أرجو في حياتي شخص ما بهذا القدر يوماً، سأفعل أي شيء لأحصل على موافقتك. حكّم عقلك مجدداً دانيال. ألا يوجد أي سبب في نفسك. يحرضك على قبول العرض بجدية؟
بقيت عينيه الزمردية تحدق إلى الشارع والسيارات ملتزماً الصمت، وضع يديه في جيبه مستمراً في صمته الغريب الذي دام للحظات ثقيلة بطيئة.
هذا الرجل. حتماً سيندم يوماً ما على معاملتي بهذه الطريقة! لا أصدق أنني لازلت أرجوه مرارا وتكرارا، على أن أقنعه بالعودة الآن. وحين انتهي منه وأحقق مصلحتي سأريه وأجعله يدفع الثمن غالياً.
ترقبت رده بصبر وإضطراب أخفيته بملامحي المستاءة، لحظات حتى قال وعيناه لا تزال شاردة في الشارع: ما الذي كنتِ تعنينه مسبقاً. بلفت الإنتباه؟ كيف يكون ذلك ممكناً؟ وضحي اكثر.
عقدت حاجباي بإستغراب متمتمة: سيكون ذلك عن طريق. الدعايات التي ستنتشر في أرجاء البلاد! أنت الوجه الدعائي الأساسي للعبة، لذا ستتصدر صورك أي لوحة إعلانية!
أضفت ابحث بعيناي: أعني هذا حرفياً. مثلاً. انظر هناك!
أشرت بسبابتي إلى إحدى الحافلات الكبيرة للنقل العام التي كان يعتلي جانبها صورة ترويجية لإحدى الألعاب الخيالية من تصنيف المغامرات التشويقية: هل ترى تلك الحافلة هناك؟ إنها إحدى الدعايات التي عملت عليها مع الفريق، مجلتنا أصدرت هذا الإعلان ولا زال يحتل المرتبة الثالثة خلال الشهر الخامس على التوالي منذ صدور اللعبة! مهلاً هل ترى أؤلئك الفتية هناك؟
قصدت مجموعة من الصبية المراهقين اللذين يقفون أمام أحد محلات شراء أقراص العاب الفيديو وملحقاتها: أنظر إلى الدعاية المعلقة على المدخل هناك، فرانك زميلي من قام بتصوير ذلك الغلاف هناك! مجلتنا لا تعمل على الترويج فقط بل نساهم أيضاً في انتاج الألعاب اللوحية والإلكترونية. ان بدأت العمل معي فثق بأن صورك ستتصدر مواقع التواصل الإجتماعي برمتها أيضاً!
بقي يحدق إلى واجهة المحل وإلى حماس الصبية بوجه جامد.
أخرج يده من جيبه وتحرك بهدوء: أي طريق ستسلكين؟
تبعته بإستنكار شديد! هل. اقتنع بكلماتي أخيراً؟
أجبته بلطف: لنكمل سيرنا إلى الأمام، سنسلك الشارع ذلك في نهاية التقاطع.
يتصرف بغرابة! هادئ وغارق في أفكاره على عكس ما اعتده من تصرفات اندفاعية.!
ربما. لا يجب أن أسأله أكثر وإلا تغير مزاجه صحيح؟
أعتقد انه سيغضب ان واصلت الالحاح عليه! هل التزم الصمت؟
أسكن في إحدى شقق هذا المبنى.
أسرت إلى المبنى الذي أقطن فيه فوقف ينظر إليه بعدم اكتراث قبل ان يقول يمد يده بإقتضاب: هاتفي.؟
ادخلت يدي في جيبي ولكنني وقبل أن أخرج هاتفه أردت سؤاله والتأكد للمرة الأخيرة لأطمئن ولكنه سبقني القول بجفاء: فرصتك الأخيرة يا فتاة، سأقرر العودة من تلقاء نفسي! ولكنني سأحذرك للمرة الأخيرة. لا تقتربي ولا تلمسيني أو تتجرئي مجدداً! إن فعلتِ فأعدك أن.
قاطعته بسعادة: أعدك لن أقترب مجدداً!
أضفت أبتسم بمرح وسرور أناوله هاتفه: أنتَ حقاً منقذي، كنت أعلم أن قلبك ليس بهذا السوء! سأكون في انتظارك في موقع التصوير في تمام الساعة الثامنة لا تتأخر.
أسرعت في خطواتي والحماس يغمرني لأهرع إلى شقتي ولكنني سرعان ما عدت إليه أستوعب امراً غفلت عنه! سيطر على هاجس الحذر انظر من حولي اتأكد من عدم وجود باتريك في الأرجاء وقد سهوت تماماً عن أمره!
وجدته يقف في مكانه فاغراً فمه ويطرف بعدم استيعاب يحدق إلى الفراغ وقد ارتخت ملامحه تماماً.
ما ان انتبه لعودتي حتى انتفض في مكانه واسرع يستدير مغادراً فاستوقفته: مهلاً.
رمقني بنظرة سريعة واعاد ناظره للأمام، أخذت الوشاح لأسحبه من على كتفيه على حين غرة وقلت أعود أدراجي: أحتاجه مؤقتاً، سأعيده إليك غداً.
وضعت الوشاح على رأسي أخفي به هويتي قدر المستطاع وسرت بخطى واسعة إلى شقتي والراحة والإطمئنان اللذان يغمرانني لموافقته على العودة إلى العمل. يتعارضان مع القلق والحذر اللذان يسيطران على الآن.
خرجت من المصعد أتجه إلى قسم التصوير، تبقى من الوقت عشر دقائق على بدء الجلسة، إما أنني أتيت قبل دانيال أو أنه من وصل قبلي وينتظرني هناك.
نظرت إلى الساعة البيضاء حول معصمي أتأكد من الوقت مجددا. القيت نظرة على الكيس الورقي الذي أحمله أضع فيه وشاحه الذي استعرته بالأمس وأكملت طريقي بهدوء، وضعت يدي على الباب لأدفعه ولكنني توقفت لصوت ينادي بإسمي.
لم يكن سوى ديفيد الذي يبتسم بحيوية وقد القى التحية: صباح الخير أيتها الهاربة، الجميع يتحدث عما حدث في الأمس.
ضاقت عينيه وابتسم بمكر: كوني حذرة، كان يومه الأول فقط ولكنني اسمع تهامس الموظفين في كل مكان، تناولت فطوري للتو في قاعة الطعام في الطابق الثاني ولا أصدق الكم الهائل من الإشاعات المتداولة.
طرفت بعدم فهم: بشأن ماذا!
تكتف ولا يزال يبتسم حتى ضحك بخفوت مميلاً برأسه: لست واثقاً مما حدث، تخاصمت مع روز في الأمس لذا لم أسألها، ولكنني سمعت كلمات غريبة مثل. كتاليا تغار على العارض الجديد من الموظفات الأخريات، أو كتاليا أخذت العارض إلى مكان ما واختفى الإثنان معاً. شيء من هذا القبيل.
آه. سحقاً كم يعشقن نشر الإشاعات السخيفة.! لا بد وأنهن الموظفات الثلاثة من قسم المقالات!
هه. فقط لو يعلمن أنني تجرأت على تقبيله ونزف أنفه بسسبي في المخزن لما تحدثن هكذا.
تنهدت بلا حيلة: ديفيد. أنت تساهم في نشر الإشاعات أيضاً كن أكثر انتباها أرجوك.
اعترض بسرعة: بالطبع لا أساهم!
أقصد تصديقك لما يُقال.
ومن قال أنني سأصدق أمر كهذا! ذلك الشاب سريع الإشتعال والغضب من سيجرؤ على الإقتراب منه حتى! بالطبع لن يحدث بينكما أي شيء هو لن يتردد في قتلك، ثم كان يومه الأول فقط فما الذي سيحدث مثلاً.
أومأت إيجاباً أسايره بصمت ثم تجاوزت الموضوع متسائلة بإهتمام: حسناً ولماذا تخاصمت أنت وروز للمرة المئة؟
عقد حاجبيه بإنزعاج شديد ونظر بعينه الخضراء إلى بإقتضاب: لا تذكريني! لا أصدق أنني أعرض عليها الزواج مرة أخرى في الأمس ولا زالت تتهرب من السؤال بكل بساطة! كيف لي ألا اغضب بحق الإله لقد كنت ولا زلت جاداً ولطالما كنت كذلك فأين تكمن المشكلة!
أضاف بغيظ يسند ظهره على الحائط: فعلت المستحيل للتقرب إليها في البداية وعندما بدأنا المواعدة طلبت بنفسها أن أنتقل إلى شقتها للعيش معها، وفي كل مرة نتشاجر يتم طردي وأعود إلى شقتي. إن اتصلت لأراضيها غضبت، وإن لم أتصل تنهار باكية. أنا أيضاً لا يمكنني ضبط أعصابي في كل مرة!
تنهدت بلا حيلة أنظر إليه بإحباط منهكة من خلافاته الدائمة معها، وضع يديه في جيب بنطاله ينظر إلى الأرض هامساً بهدوء: أنا لن أتنازل هذه المرة. روز بطريقة ما. تتصرف أحياناً بغرابة، تارة أشعر أنها تحبني حقاً، وتارة أخرى تبدو كإمرأة تتهرب مني فجأة، هي حتى لم تتصل لتحاول التفاهم معي.
ديفيد. الجميع يعلم أن روز واقعة في حبك كما تحبها أنت.
أضفت محفزة أربت على كتفه: لا ترهق نفسك، سيكون كل شيء بخير وتتصالحا مثل كل مرة. كن صبوراً فقط.
ثم اقترحت بتفكير: ما رأيك بهذا. سأدّعي أنني أدعو الجميع على العشاء، وافيني في المطعم الجديد الذي تحدث عنه سايمون مسبقاً، وهناك ستضطران للحديث معاً، وبعدها اخرج برفقتها إلى أي مكان لتنهي كل شيء. فكرة بسيطة لكنها فعّالة.
من قال أنني أريد مصالحتها!
توقف عن المراوغة، دقيقة واحدة إضافية وستنهار على الأرض لتبكي كالأحمق.
قلّب عينيه بإنزعاج وأشار نحو الباب بذقنه: أسرعي الجميع في انتظارك. سأفكر في الأمر واعلمك بردي لاحقاً.
ابتسمت له مطمئنة ودخلت إلى قسم التصوير، دفعت الباب وأول ما رأيته هو تجمع الموظفات من أقسام أخرى في المكان!
ما الذي يحدث هنا؟ لماذا هذا التجمهر هنا تحديداً!
تقدمت ممسكة بالكيس الورقي وأنظر إليهم في حيرة من أمري، رأيت سارا ومِيا تقفان على مقربة منهم ولكن خلفهم، وضعت يدي على كتف مِيا بإستفسار: ما الأمر؟
نظرت إلى بمرح وأجابتني بابتسامتها الهادئة: صباح الخير كتاليا، آه. لقد سمعن بوجود عارض جديد جذاب وقادهم الفضول إلى هنا.
أردفت تضع سبابتها على فمها باستغراب: ولكن هذا غريب، لم أسمع صوته حتى الآن، ولا يمكنني الدخول من بينهن لأرى ما يحدث في المنتصف!
ه. هذا.
هذا سيء.
سيء جداً!
إما أنه سيفقد وعيه أو يهرب بلا عودة. على التصرف! لقد استنزفت طاقتي في رجاءه في الأمس!
سألتها بإنزعاج: ولكنه ليس أول عارض جذاب فلماذا كل هذا التجمهر بحق الإله.
سمعت ان اسمك دانيال. تبدو خجولاً على عكس مظهرك!
قالتها إحدى الموظفات من قسم المقالات بمرح فأيدتها زميلتها الأخرى بنبرة حالمة: كم هو لطيف!
قالت إحداهن بطريقة لحوحة: لماذا لا تتحدث إلينا! يا الهي من السهل إرباكه حقاً. ولكن معكن حق، هذا ما يجعله مميز ولطيف!
تباً! على التصرف حالاً.
نظرت إلى سارا وميا وتظاهرت بالدهشة أقول بصوت عالي جهوري مليء بالإستغراب: حقاً؟ الرئيس منزعج من اختفاء موظفات الأقسام الأخرى! تقولين بأنه غاضب ويتوعد بخصم مرتباتهن؟ لا بد وأنه يشتعل سخطاً!
سمعت شهقاتهن بذعر ثم تدافعن نحو الباب ليخرجن فوراً دون تردد.
فرغ المكان سوى من زملائي من طاقم التصوير فقط، نظرت إلى دانيال الذي كان ولا يزال يجلس على الكرسي بوجه شاحب ويضع يده على صدره يلهث بصعوبة.
وقفت أمامه متنهدة بعمق، ما ان انتبه لي حتى تفاجأت به يزمجر بإنهاك وعصبية: لماذا تأخرتِ بحق الإله! كنت على وشك الموت!، أنا أعترض على ما يحدث هنا. لن أحتمل هذا أكثر. نحن لم نتفق على حدوث هذا كله! أتيتُ في الوقت المحدد كما اتفقنا كيف تجرؤين على التأخر!
ك. كان عليك أن تنتظرني بدلاً من الدخول وحدك، لم اتأخر عن الوقت المحدد انت من وصلت مبكرا!
توقفي عن مجادلتي!
ابتلعت رغبتي في شتمه والرد عليه انظر اليه بتردد بسبب حالته هذه، كما لو خرج من شجار عنيف ويكاد يلفظ آخر أنفاسه حقاً.
رفع كلتا يديه ينظر إليهما وقال بوجه مرعوب: لا أصدق. ظلت إحداهن تمسك بيدي لأكثر من ثلاثة ثواني! وتلك الأخرى داعبت شعري كما لو كنت مجرد جرو صغير! لم أوافق على تحمل هذا الجحيم، لقد فاق الأمر حده الطبيعي.!
فغرت فاهي بينما أكمل وقد أغمض عينيه واعترض بتعب يعقد حاجبيه: لماذا يحدث كل هذا دفعة واحدة. أنا منهك حقاً!
أردف ينفي برأسه بلا حيلة وإنزعاج: أصوات النساء حادة إلى درجة مزعجة! أشعر أن رأسي سينشطر إلى نصفين. تباً. كما لو كان في عقلي مقطع صوتي لعمّال الحدادة يستخدمون الإزميل والسندان. هذا مزعج إلى حد الموت.
حسناً قد تكون أصوت النساء حادة ولكن. ليس إلى هذه الدرجة! فليكن. كيف ألوم أذنه التي اعتادت على الأصوات الخشنة!
قلت أنزل الحقيبة من على كتفي: إن أردت تجنب حدوث هذا مجدداً فاحرص على أن نصل في الوقت آنه.
بعدها استغرق دقائق معدودة ليعود إلى طبيعته وهدوئه، أحضرت له زجاجة ماء فاتر وقد ارتشف منها حتى أنهى الزجاجة.
تركته قليلاً ليستعيد مزاجه، بدأنا بتجهيز المكان والإضاءة، قمت بتجهيز الكاميرا والادوات اللازمة، أما زميلتي مِيا المسؤولة عن المكياج فكانت تجلس أمام الطاولة التي وضعت عليها المعدات وتنظر إلى دانيال بملل وشيء من الترقب، لا يمكنني لومها لا بد وأنها تفكر فيما سيحدث اليوم بعد الأعذار التي اختلقها في الأمس ليبعدها عنه.
بعد دقائق كان يجلس على أحد الكراسي القريبة من غرفة التبديل و يعبث بهاتفه وقد ارتدى الأزياء العسكرية مسبقاً، أما أنا فلقد انتهيت من كافة التجهيزات وها أنا ذا أجهز الحاسوب وقد فتحته وتركته.
شمرت أكمام قميصي الأبيض حتى مرفقاي، رفعت شعري لأجمره للأعلى ونظرت إلى الساعة اتأهب للبدء، تقدمت منه أسأله: هل أنت جاهز؟ إن كنت كذلك. فسأطلب من زميلتي أن تبدأ بوجهك وبعدها سنصفف شعرك.
لمعت مقلتيه الزمردية بالتردد الواضح ومع ذلك قال بهدوء قد يكون أخفى فيه عدم اتزانه: ل. لننهي الأمر بسرعة.
لايبدو مرتاحاً بعد!
كلا. سيفسد هذا العمل، ما الذي على فعله ليكون أكثر راحة هنا؟ إن لم يشعر بها فلن يعمل بالشكل المطلوب!
ما العمل؟
استغرقت في التفكير العميق حتى رأيته يقف ويسحب الكرسي معه ليجلس أمام طاولة عدة المكياج مبادراً من تلقاء نفسه بإمتعاض وإضطراب، وجهه لا يظهر ولو القليل من التأقلم أو الإسترخاء والرضوخ.
بدت زميلتي ميا مترددة كثيراً، فتنهدت بلا حيلة أنظر إليها وهي تجهز الفرشاة، استرقت بدورها نظرة نحوي ثم اقتربت منه فأخفض عينيه بسرعة، وعندما لامست يدها وجنته رفع يديه وقال بسرعة: مهلا.
ارتفع حاجبيها ثم عبست بيأس ونظرت إلى بترقب.
طرف بعينيه بحركة سريعة ثم قال بإندفاع: أحتاج إلى. دقيقة إضافية.
تنهدت ميا بلا حيلة وأومأت إيجاباً لتتراجع مبتعدة وتلهي نفسها بهاتفها بعيداً.!
لا مجال للعودة، لقد أقنعته وحاول في الأمس حتى رضخ أخيراً، لا أريد أن أفسد الأمر مجدداً، أعلم أن التعامل معه صعب جداً ولست صبورة بما يكفي ولكنني بحاجة إلى.
منحه شعور الإطمئنان في الوقت الحالي حتى اتمكن من التقاط الصور التي يجب ان تحقق سقف توقعاتي كما أريد. بل أكثر.
كان يهز قدمه بخفة ويطرف بهدوء كما لو يحاول استعادة انفاسه الطبيعية، لا حل آخر. على التدخل!
وقفت أمامه دون ان اقترب أكثر وقلت بهدوء: دانيال. لنعكس الأمر، سنبدء بتصفيف شعرك بدلاً من المكياج السينمائي.
لم يعلق وانما اكتفى بالتركيز على نفسه مستمراً في هز قدمه بخفة، قلصت المسافة قليلاً وقلت بصوت منخفض: خذ نفساً عميقاً! تخيل أنك أحد الزبائن في محل والدك، سيقوم السيد هاريسون بتصفيف شعرك. أغمض عيناك وتخيل هذا قدر المستطاع. انها مجرد تصفيفة سريعة لشعرك، لا يجب ان يكون منظماً دقيقاً كما تعتقد بل على العكس. سيكون فوضوياً ليبدو مظهرك عفوياً.
أخفض رأسه قليلاً ينصت إلى وقد استرخي جسده ببطء بالفعل فقلت مطمئنة: هيا، أنت على الكرسي في متجركم، موظف جديد لديكم سيبرهن لك أنه قادر على العمل معكم، دعه يعتني بشعرك. الأمر بسيط لا تعقده.
ابتعدت عنه فأغمض عينيه بهدوء، ومع أنه يهز قدميه ولا يبدو مرتاحاً، ولكنه يبذل جهده.
أنا مضطرة لكل هذا، أردت الحفاظ عليه ليعمل معي، فحري بي أن أصبر حتى يعتاد على الأمر.
ابتعدت عنه فأشرت لسارا أن تتقدم لتصفف شعره، وضعت سبابتي على فمي أشير لها ألا تتحدث.
لا أريد لصوتها الأنثوي أن يكسر حاجز تخيلاته الآن.
وهكذا بدأت بالعمل بصمت تام، أما هو. فعلى الأغلب لا يزال يجاهد نفسه!
تكتفت واقفة أحدق إليه للحظة قبل أن أشير لمسؤول الإضاءة ومساعده ان يتحدثا بصوت عالي ليسمع أصواتهم الرجالية ففعلوا ذلك فوراً.
كانت لحظات سريعة حاولت سارا أن تنتهي فيها لتبدء بعدها ميا باستخدام الفُرش لصنع له بعض الجروح والخدوش الوهمية. التي تبدو احترافية و واقعية جداً!
رجوتها بعيناي أن لا تطيل أكثر. بينما استمر زميلاي بالحديث بصوت عالي.
علينا أن نبدأ بالتصوير وإلا ضاع وقتنا كله. والوقت ليس بشيء قابل للعودة أو التعديل والتصحيح.
ها هي. وأخيراً انتهت!
ابتعدت عنه تتنهد وابتسمت لي ترفع إبهامها لإتمام المهمة بنجاح، بادلتها الإبتسامة بإمتنان فبدأت ترتب عدتها وتحزم الأمتعة، اقتربت من دانيال أمسك بالكاميرا وقلت مبتسمة: أنت الآن جاهز للتصوير.
انتظرت ردة فعله. ولكنه لم يتحرك!
ارتخت ملامحي واقتربت باستغراب: ما الأمر؟
لا يجيب!
ما خطبه؟
عقدت حاجباي ومررت يدي أمام وجهه ليفتح عيناه، ولكن.
مهلاً!
ارتفع حاجباي بحيرة شديدة و اتسعت عيناي لسماع أنفاسه المنتظمة!
نائم؟
يا الهي لا أصدق! ينام في وضعية كهذه. ماذا يكون؟ رجل عسكري يحافظ على وضعية جلوسه حتى أثناء غرقه في أعماق النوم؟ هل تقمص الدور قبل البدء به حتى!
هل هذه طريقته في الهرب من توتره؟
وقف في الموقع المحدد يترقب ما ينبغي عليه فعله، بدى ضجراً أو ربما يخفي تشتته وحسب، أمليت عليه ما يجب عليه فعله واستطردت لأوضح أكثر: احرص ان تميل بظهرك للأمام قليلاً وانت تجلس على المقعد الخشبي، ستثني إحدى قدميك إليك وتنظر إلى هذه المنطقة تحديداً هناك، حاول أن تنشط مخيلتك حتى لو كان موقع التصوير خالياً ولكنك ستبدو في النهاية تجلس على منحدر صخري وخلفك فوضى أطفال المختبرات.
كاد يرفع يده يمسح أثراً للمكياج السينمائي على وجنته فأسرعت انبهه: مهلاً! قد يكون مزعجاً قليلاً ولكن حاول ان تتجاهله، إنها الدماء المزيفة لا يمكننا مسحها او تخفيف أثرها الآن.
سمعته يتذمر بإنزعاج بصوت خافت: تواصلون ترديد موضوع أطفال المختبرات، لو كنت أحدهم فسأفعل ما يقومون به تستحقون أكثر من هذا.
لو كان جندياً في الواقع لطلبت منه أخذي في الأسر.
قالتها إحدى الموظفات خلفي فاستدرت بإستنكار.
مجدداً؟ إحدى موظفات قسم الصياغات والمقالات ومعها صديقتيها أيضاً، وقفتا تحدقان إليه بعيون حالمة ووجوه هائمة. لتهمس الأخرى بشرود ووجه متورد: كلما تذكرت كم كان خجولاً ولطيفاً. تنتابني رغبة عارمة في طلب رقم هاتفه، أنا لم أرى عارض يتصرف بهذه الطريقة من قبل!
تجاهلت حديثهما وأكملت التصوير، لحظات وقلت مبتعدة عن مكاني وأقف أمامه موجهة: حسناً الآن قف هناك فوق ذلك الدرج الخشبي الأخضر، أريدك أن تمسك بالخوذة العسكرية في يدك اليسرى، واليمنى ارفع بها ذلك السلاح هناك.
نظر حيث الأسلحة المختلفة وأشار بملل إلى أحدها: هذا؟
نفيت وكدت أوضح لولا وضح له زميلي مسؤول الإضاءة: لا. إنها تقصد سلاح القناص. انتظر سأجلبه لك.
أسرع ليحضره إليه ويناوله إياه.
أمسك دانيال به حيث كان القناص أطول مقارنة بالأسلحة الأخرى التي صورنا به، رفعه بالشكل المطلوب فقلت بسرعة: ابقى على هذه الوضعية لا تتحرك.
ركضت لأتجه إلى الكاميرا لأخذها من على الطاولة والتقط الصور من زوايا مختلفة لأسمع جملة الموظفة التي لا تزال تقف خلفي لتهمس بصوت منخفض تمازح صديقتها: أوه يا الهي. نعم أرجوك لن أمانع لو قمت بقنصي.
حسناً بدأت أنزعج من هذه التعليقات الفارغة!
تمالكت نفسي وتجاهلت أي ضوضاء قد تعكر صفو مزاجي.
مر الوقت منهكاً للجميع وقد أشارت الساعة إلى الثانية عشر.
بدى متعباً كذلك وهو يتأفف ويمرر يده خلف عنقه، نظرت إليه بهدوء ثم قلت بصوت عالي: حسناً جميعاً، لنأخذ استراحة الغداء، وسنكمل العمل بعدها. لا تتأخروا.
خرج زملائي جميعهم متجهين إلى الطابق الثاني حيث المطاعم هناك. أما أنا فنظرت إلى المكان الذي فرغ من الجميع سوى مني ومنه فقط، قلت بصوت مرح وابتسمت بإمتنان: عمل جيد دانيال. بل ممتاز بالنسبة لعارض مبتدئ. أحسنت صنعاً!
وضع يده على خصره وطرف ببطء قبل أن يتثاءب بتثاقل ينظر إلى هاتفه: لا زال هناك الكثير؟
نفيت مفكرة: ليس بعد، على أي حال لا تقلق سأنهي الأمر بسرعة. ولكنني حقاً أثني عليك اعتقدت أننا سنستغرق وقتاً أطول حتى تتضح لك التوجيهات أكثر!
رفع حاجبه الأيسر يرمقني باستغراب بنظرة سريعة ثم قلّب عينيه بإرتباك: ح. حسناً، يبدو أنني عارض بالفطرة هذا كل ما في الأمر.
يا للتواضع.
اتجهت إلى الحاسوب اللوحي على الطاولة وسألته بينما احني ظهري قليلاً أركز على الشاشة: ألن تذهب لتناول الغداء؟
أتضور جوعاً ولكن سحقاً فحتى لو أردت ذلك. الألغام والأفخاخ هنا في كل مكان.
ابتسمت بسخرية أرفع عيناي عن الشاشة نحوه: إحدى هذه الأفخاخ كانت خلفي طوال الجلسة، وبالكاد كنت أولي تركيزي للتصوير.
طرف بعدم فهم يعقد حاجبيه مفكراً: أثناء الجلسة!؟
زفرت بملل ثم ابتسمت بتهكم أجلس على الكرسي أكمل نقل الصور على الحاسوب: موظفات قسم المقالات هربن مجدداً إلى هنا، يبدو أن النظر إليك في جلسة التصوير كان أكثر أهمية من عملهن. كن حذراً، فدائماً ما يتم الهجوم على العارضين هنا. ولا سيما إن كانوا مشاهير ذوي أسماء معروفة.
ضاقت عينيه بإنزعاج شديد يلوي شفتيه بعدم رضى وهو يجلس: ولكنني لست كذلك.
ولكنك تتمتع بجاذبية المظهر. أيها الجندي الوسيم.
قلتها أغمز ممازحة فأجفل بإرتباك واعترض: يا للجرأة.
أضاف بتبرم وهو يعيد نظره إلى هاتفه: تبدين معتادة على التفوه بأمور مماثلة.
معتادة؟
عقدت حاجباي بإستنكار فتمتم بنبرة مترعة بالإزدراء الذي أزعجني: لن تحاولي التظاهر بالخجل ولو قليلاً.
لماذا يبدو لي وكأنه. يشير إلى ما حدث؟ هل يقصد القُبلة؟
يفترض أننا تجاوزنا ما حدث ونسينا الأمر! هل يريد أن أوسعه ضرباً؟
لا يجب أن أغضبه فأنا لا أدري إن كان ينوي إذلالي مرة أخرى كما حدث في الأمس. سأحاول بقدر الإمكان أن أتجنب هذا الأمر.
القيت عليه نظرة باردة واتجهت إلى الباب لأخرج، أتى سؤاله يستوقفني باستغراب: إلى أين تذهبين!
لم أجبه فنادى بغيظ: هيه أنتِ! لا تتجاهليني. هل ستتركينني هنا وحدي! ماذا لو دخل على فجأة فخ متحرك! كيف أتصرف؟ مهلاً ألا تسمعينني.!
أغلقت الباب خلفي وفي نيتي التوجه إلى الطابق الثاني لشراء الغداء.
سأشتري له طعاماً كذلك طالما لا يريد الخروج من هنا. هذا الأحمق، هل يريد البقاء حبيساً لعقدته هذه! إلى متى على مجاراته!
علي أن أسرع ليجد الوقت لتناول الطعام هو أيضاً. نزلت حيث وجهتي وقد كان الطابق الثاني مزدحماً نوعاً ما عدى من بعض الطاولات التي لا تزال شاغرة.
اتجهت إلى المقهى المقابل لي مباشرة لأشتري القهوة المثلجة التي اعتدت شربها ممزوجة بنكهة الكاراميل المُمَلح، أنا لا أدري إن كان يحب القهوة أيضاً. ولكنني سأطلب له كذلك. أخذت العلبة الكرتونية التي تحوي كوبا القهوة وطلبت كذلك كرات البطاطس المقرمشة وشرائح اللحم مع بعض الأمور الجانبية.
مشيت بصعوبة أحرص على ألا تتسخ ملابسي أو أسقط شيئاً من يدي.
عندما وصلت إلى قسم التصوير وقبل أن أدخل توقفت بإستغراب أنصت إلى رنين هاتفي، ولكنني لم أستطع اخراجه من جيبي فتجاهلت أمره مؤقتاً، دخلت لأجد دانيال لا يزال يعبث بهاتفه بإنهماك، لم يعد الآخرين بعد.
استنشق الهواء بعمق وقال بجدية: البطاطس المقرمشة. رائحتها تداعب قلبي! مهلاً. أشم رائحة شرائح اللحم أيضاً.!
ماذا يكون! مشعوذ؟
استغربت الأمر ورفعت الأكياس نحو أنفي أشم رائحة الطعام لأتأكد ما ان كانت قوية حقاً؟ هل هذا الرجل يتمتع بحاسة شم قوية مثل الجراء؟
كانت لحظات فقط حتى أخذ الطعام وبدأ بإفتراسه وأنهى معظم الكمية خلال فترة وجيزة!
كنت أجلس على الكرسي أنظر إلى شاشة الحاسوب تارة وإليه تارة بينما أحتسي القهوة المثلجة بحيرة، لا فرق بين حجم معدته ومعدة حوت.
استكمل انتقاده للمرة العاشرة يعقد حاجبيه بإستنكار: ينقصه الملح قليلاً، وهذه الصلصة لا تنسجم جيداً مع شريحة اللحم.
انزعجت لأعلق: اقترح ان تتناوله بصمت، حسناً فهمت أنت طاهٍ بارع، يا الهي.!
أشار نحوي بملعقته ممتعضاً: رائحته ليست بمثل مستوى مذاقه من الطبيعي أن يزعجني هذا.
وهل يوجد أمر أو موقف أو موضوع في هذا العالم لا يزعجه أصلاً؟ متى كان مزاجه هادئاً!
رن هاتفي فتذكرت أمر الإتصال، نظرت إلى الرقم الغير مسجل الذي يعتلي الشاشة لأتسمر في مكاني بجمود.
إنه رقمه!
باتريك.
لماذا يتصل مجدداً! ما الذي يريده هذه المرة؟
عضضت على شفتي بتوتر وتركت القهوة على الطاولة لأقف ممسكة بالهاتف بإضطراب، بينما انهى دانيال تناول طعامه والقى بالعلب والأكياس في سلة القمامة في زاوية القسم.
مررت يدي في شعري أخفف من روعي.
لا أظنه سيجرؤ على اظهار نفسه هنا في وقت كهذا! لماذا يتصل إذاً؟ ليس وكأنني سأجيب على المكالمة. لن أفعل!
بدأ الزملاء يعودون إلى القسم وقد انتهى وقت الإستراحة، بقيت أجلس اتجاهل اتصالاته حتى اكتمل عددنا واستئنفنا جلسة التصوير.
لم تتوقف يدي عن رجفتها وعدم اتزانها طوال الوقت! كنت مضطرة لإعادة معظم الصور. كما واستغرق دانيال وقتاً أطول لكل وضعية في التصوير بسبب اخطائي المتكررة.
عارض مبتدئ ولكنه بدى يبذل جهده وقد كان جاداً، بينما كان القلق يسيطر على بإستمرار ويفسد اتزاني وهدوئي.
زفرت بنفاذ صبر وإضطراب شديد وقلت بصوت عالي أوجه حديثي إلى الجميع: لنتوقف عند هذا الحد اليوم.
عقدت سارا حاجبيها: ما الأمر كتاليا! لم ننتهي بعد.!
أومأت بتفهم ومع ذلك اتجهت إلى الطاولة وقلت بعصبية: لا بأس سنستكمل التصوير غداً صباحاً، خطب ما في الكاميرا ولا يمكنني استكمال التصوير.
نظرت مِيا إلى بتركيز قبل ان تقترح: يمكننا الاستعانة بكاميرا فرانك أو.
أنا أيضاً احتاج إلى الراحة
تمتم دانيال بكلماته الموجزة وتحرك يبعثر شعره متجهاً إلى غرفة التبديل، لمحته يرمقني بنظرة سريعة هادئة ثم استكمل طريقه.
أسرعت أقول له منبهة: ذلك الكيس الورقي، إنه لك.
أخذه في طريقه بصمت ينظر إلى ما فيه قبل ان يدرك أنه وشاحه ثم دخل إلى غرفة التبديل.
استنكر الجميع من حولي ايقاف الجلسة المفاجئ ولكنهم التزموا الصمت وبدؤوا بترتيب العدة واغلاق الاضاءات، امسكت بهاتفي بأعصاب تالفة حيث عاد للرنين مجدداً.
علي المغادرة والتفكير بروية في شقتي.
كان هذا ما نويته بالفعل وقد وضعت حقيبتي على كتفي وخرجت من القسم، اسرعت بخطواتي الواسعة إلى المصعد وانعطفت في نهاية الممر ولم تكن سوى خطوات قليلة حتى وقفت شاخصة وقد هربت الدماء من عروقي.
نسيت كيفية التنفس! تراجعت للوراء بسرعة لأعود من حيث أتيت! لمحته يخرج من بين بعض الموظفين من المصعد.
أنا واثقة أنه هو!
هرولت نحو القسم ودفعت الباب لأدخل مجدداً، تجاهلت كل ما حولي مفكرة بالمكان الذي على الانتظار فيه فلا مجال للخروج من القسم مجدداً، ولم أجد سوى التحرك نحو غرفة تبديل الملابس فقد كان الباب الوحيد الذي رأيته أمامي ولا خيار آخر.
لحسن الحظ الزملاء كانوا مشغولين كل منهم بعمله ولا أظن أحدهم لمحني أو انتبه لعودتي. اتسعت عيناي أنظر إلى دانيال الذي انتهى من تغيير بنطاله ولكن لا يزال يرتدي القميص العسكري، لم يبدء بتغيير قميصه بعد! لقد نسيت أمر وجوده هنا.!
نظر إلى بعدم استيعاب وقد كنت كذلك أحدق إلى الوشاح الذي كان يمسكه ويرفعه ليستقر على أنفه!
ثواني فقط وحينها صاح مندفعاً وهو ينفي برأسه وينزله بسرعة: استنكرت فقط. رائحته! لم أكن. استنشقه وما شابه أردت التأكد من كونه نظيفاً لا أكثر! ماذا؟ انها الحقيقة لا تحدقي إلي!
تلعثم واشاح بناظره يدس الوشاح في الكيس بينما استدرت لأخرج فلا أظنني سأبقى مع دانيال هنا. هذا غير ممكن وستتعقد الأمور أكثر!
أدرت اكرة الباب لأخرج ولكنني سرعان ما أغلقته مجدداً ازدرد ريقي بصعوبة!
لقد دخل إلى القِسم.
لا يمكنني الخروج الآن!
عضضت على شفتاي بتوتر بينما اعترض دانيال خلفي: لا يجب أن تكوني هنا، فليكن. ابتعدي عن الباب أريد الخروج.
سيطرت الرجفة على فكي وأخذت نفساً عميقاً محاولة التفكير بتأني، إن أغلقت الباب بالمفتاح فسيثير هذا استغراب باتريك، إنه ذكي ويجيد تحليل الأمور، وإن تركته مفتوحاً فلن يتردد في الدخول وحينها سيكتشف وجودي هنا ولا يمكنني تخيل ما سيحدث بعد ذلك.
ما الحل!
التفتُ أستغرق في افكاري انظر للمكان من حولي، لا بد وأنه سيسأل عني، حتى وان كنت أعتقد ان لا أحد انتبه لوجودي ولكن هذا لا يزال غير كافي ولن أشعر بالإطمئنان.
عاود دانيال يستنكر وجودي ويسألني الابتعاد عن الباب، حدقت بتمعن إلى المكان وإلى الملابس المصممة والمعلقة على الجرار المعدني، ثم نظرت إلى مجموعة من الصناديق التي يتم الاحتفاظ فيها بالمكملات الخاصة بالأزياء والاكسسوارات والقبعات وما شابه.
القيت نظرة على الأريكة العريضة الموجودة وحينها. راودتني الفكرة التي قد تحميني مؤقتاً.
ولكنها.
ستؤذي دانيال من جديد!
وأنا بالطبع على المخاطرة.
اشرت لدانيال بجدية: انتظر لحظة واحدة.
رفع حاجبه الأيسر منزعجاً من القائي الأمر وبدى سيتذمر لولا انه ترقب بفضول وصبر ما أريده.
ومع ذلك زفر بتثاقل وعدم اكتراث: ما سر هذه التصرفات الغريبة، عطل في الكاميرا هاه؟ كان من الواضح أن الخطب بكِ أنتِ. والآن لماذا على الانتظار تحديداً؟ البقاء معكِ في مكان صغير صعب لذا سأغادر.
بدى صوته مضطرباً بالفعل ولم يعد يستطيع الاطالة في المكان أكثر.
حينها أخرجت من الصندوق شعر مستعار أشقر اللون، جمعت شعري جيداً، ثم وضعت الشعر المستعار فوقه والقيت بحقيبتي جانبا، اتجهت إلى دانيال الذي اضطرب لاقترابي منه واتسعت عينيه بعدم تصديق عندما امسكت بيده.
بدى مذهولاً وقد تخشب جسده تماماً، لا حل آخر أمامي، أنا مرغمة على التهور مجدداً!
سأعتذر إليه بصدق بعد ذلك. سأفعل ما يريده حقاً! ولكنني بحاجة ماسة إليه الآن.
تفاجأت بصوت خطوات تقترب من الباب.!
تسارعت أنفاس دانيال بوضوح عندما تفاجئ بي استلقي على الأريكة واسحبه نحوي بقوة لينحني فوقي اكراهاً، أعلم جيداً أن ما أفعله الآن حماقة وطيش. وأدرك أنه لا يبدو بخير ولا سيما وقد فغر فمه مذهولا بالكاد يطرف بعينيه وكلتا يديه تصلبتا يسند نفسه بهما.
نظرت إلى عينيه مباشرة وهمست بنبرة مطمئنة: لا تأخذ الأمر على محمل الجد. الأمر مجرد تظاهر وحسب! أنا حقاً.
ترددت بشدة عندما بدى لون وجهه قد انكفأ تماماً وتجمعت الدماء في رأسه وبرزت عروق عنقه.
ولكن ما ان شعرت بوجود شخص خلف الباب حتى استكملت كلماتي بصوت منخفض: آسفة.
جذبت وجهه نحوي وأبقيت شفتاي أمام شفتيه مباشرة دون أن أقبله. أريد فقط. أن يبدو الأمر مقنعاً أمام ذلك الوغد الهائج في الخارج!
انتفضت في مكاني بجزع وخوف وارتجفت يداي اللتان تحيطان بوجهه، عندما سمعت صوت الباب يُفتح.
اسمع صوت خفقات قلبي بكلتا أذناي بوضوح.
رجفة يدي يصعب السيطرة عليها.
أنفاسي سريعة تضرب وجهه مباشرة، والأسوأ. أشعر ببرودة أطرافي بشدة.
لا يزال هنا.
هو لم يكتشف الأمر. لا يمكن! الشعر الأشقر المستعار سيفي بالغرض فهو يبدو حقيقي إلى حد كبير!، متى سيخرج؟ عليه ان يعتقد أنه قاطع اثنان في مكانهما الخاص ولا مكان له هنا! يكاد قلبي يقفز من بين ضلوعي. لم يعد الأمر سهلاً علي.
سمعت صوت اغلاق الباب وخطواته التي ابتعدت.
خرج أخيراً!
جرت الدماء في عروقي من جديد، أغمضت عيناي بإنهاك والإطمئنان ينتابني.
كانت الراحة تسيطر علي.
قبل أن أعجز عن التنفس هذه المرة بسبب ثقل من وقع فوقي فجأة!
تأوهت محاولة ابعاده عني ولكن ثقل جسده لم يسمح لي بالتحرك ولو قليلاً، سحقاً ما الذي حدث له! ناديت بإسمه محاولة التخلص منه مرارا وتكرارا حتى انسحبت بصعوبة والقيت نفسي على الأرض.
نظرت إليه بتوتر ولم أرى منه ردة فعل واحدة!
إنه. لا يتحرك!
فقد وعيه؟
هل. تسببت بكارثة مجدداً؟
اعتدلت بسرعة ووقفت باضطراب وتردد، هل على الاقتراب منه حتى؟
ناديت بإسمه محاولة ايقاظه ولكنه لم يستجب!
ورطة في الخارج. و ورطة أخرى في الداخل! كيف من المفترض أن أتصرف الآن؟
التعليقات