رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل التاسع
مزيفة
(سيف)
هل جربتم شعور ان تحبو احدهم يوماً ما بشدة؟ تبررو له اخطائه وتلتمسو له العذر؟ حاولتم اقناع انفسكم انه انسان جيد لأن قلبكم الاحمق سيرفض التخلي عنه وسيعذبكم ان ابتعدتم عن حبيبه. لذلك يجبركم ان تبيعو مبادئكم، تنسو قواعدكم، تتجاهلو عقلكم ومنطقيته لتتبعو قلبكم وحماقته، وفي النهاية ستضربكم صاعقة صدمة تجعلكم تكرهون انفسكم ومدى ضعفكم، لتكتشفو ان من احببتم بهذه المقدار لم يكن سوى شيء. مزيف!
وقفت في وسط مكتب ادهم لايمكن لعقلي ان يستوعب الكلام الذي نطقته حالياً. نعم انا من اخبرت ادهم، انا من قدمت له الاوراق، انا من عثرت على الحقيقة ووجدت الدليل القاطع. ولكن لما لايمكنني التصديق بحق السماء؟ لما لاازال اجد لها التبريرات والاعذار؟ مااعرفه الان اني اكرهها بشدة، أليس هذا مااردته؟ أليس هذا ماكنت اتوسل لقلبي ان يفعله؟ فلما اشعر به ينزف الان؟ لما اشعر بأنينه وصراخه؟
رفعت عيناي من فوق ارضية المكتب التي كنت احدق فيها بعمق سارح بخيالاتي لعوالم اخرى. نظرت نحو ادهم الذي يدور ثائراً في المكتب ذهاباً واياباً غضبه يمنعه حتى من الجلوس او السكون، اصبحت عيناه حمراء وهطلت حبيبات العرق بغزارة فوق جبينه وصدح صوت زفيره الثائر في الارجاء يكاد ان يمحي كل الاوكسجين الذي في الغرفة، واخيراً استدار مقبض الباب لنلتف كلانا اليه بترقب ونشاهد فريستنا تدخل منه، ميرنا!
لقد اتت للجحيم بقدميها دون ان تعلم. فما ان وردها اتصال ابيها بضرورة حضورها حتى جاءت مسرعة، دخلت وتجمدت فوراً في مكانها وهي تحدق بنا بأستغراب ثم قالت بتردد: م. ماذا هناك؟
عقد ادهم يديه خلف ظهره ونظر اليها بغضب يكاد ينقض عليها ويقتلها في مكانها وليس وكأنها ابنته الوحيدة! قال لها بهدوء مغلف بعصبية: تعالي لتجلسي…
واشار بذقنه نحو الكرسي الذي يقبع امام مكتبه فلم تملك جرأة الرفض وهي ترى كل هذا الغضب والاستياء الذي يسيطر على الاجواء. ولفضولها ايضاً لمعرفة ماذا يجري…
دخلت بخطوات مترددة وبطيئة وجلست على الكرسي فتقدم ابيها منها فوراً وقال وهو يجحظ بعينيه بقوة وقال بحدة: سأسألك لمرة واحدة فقط. وان تجرأتي وكذبتي. لا. بل اذا فكرتي مجرد تفكير ان تكذبي فسأجعلك تندمين بشدة ياميرنا ولن يهمني كونك ابنتي. هل فهمتي؟
ازدردت ريقها وادارت بصرها نحوي بتوتر وكأنها تستنجد بي ولكنها تفاجأت بنظرات الاستياء وعدم الاهتمام في عيناي وانا احدق بها بذلك الجمود. وفجأة انتفض جسدها بفزع على صرخة ابيها بها وانتزعت ابصارها مني لتعيدها نحو ابصاره.
هل فهمتي؟
أأ أجل.
مد يده واخذ الملف الذي بين يدي ورماه نحوها وهو يقترب منها خطوة اخرى وقال وهو يكز على اسنانه ويجحظ بعينيه اكثر:.
لقد اكتشف سيف ان لديكِ 200 موظف في متجركِ ولكنك تسحبين راتب ل300 موظف من خزينة الشركة، اريدكِ ان تفسري هذا الامر لي فوراً واريد ان اعرف اين يذهب ال100 راتب الاضافي الذي تأخدينه؟
فجأة اعتلى الاصفرار وجه ميرنا وهي تحدق به بصدمة عاجزة عن نطق حرف واحد فعاد ادهم لأفزاعها بصرخته القوية في وجهها وهو يقول:
تكلمي!
قامت بأرتباك من مكانها وقالت بتوتر وتلعثم:
ل لابد. لابد ان هناك خطأ ما.
فأجبتها انا فوراً بهدوء وبرود:
ليس هناك اي خطأ انسة ميرنا. لقد تحققت من الامر اكثر من مرة وتأكدت من خزينة شركتنا فوجدت انها تصدر لكِ راتب 300 موظف ولكن خزينة متجرك تستلم راتب 200 موظف فحسب. لذلك اخبرينا اين تأخذين ال100 راتب الاضافي؟
ثم تقدمت نحوها وانا ازيد من انقباض وجهي واستيائه وقلت:.
وربما بأمكانكِ ان تشرحي لنا ايضاً أمر تلك الورقة التي اخذتها من مكتب السيد ادهم في المنزل. لربما كان لها علاقة بهذا الامر ايضاً.
نظرت إلى ميرنا بعدم تصديق من قسوتي المفاجأة وحقارتي معها وتمتمت شفاهها من دون وعي:
انت، لماتفعل بي هذا؟
فأجبتها ببرود وقلبي لايزال متصلباً داخل سباته لم تتمكن اي شفقة من الانسياب اليه بأتجاهها:.
ليس امراً شخصياً انسة ميرنا، ولكني اخبرتك مسبقاً ان العمل هو الشيء الاهم بالنسبة لي.
قطع حديثنا مع بعضنا يد ادهم وهي تقبض على يدها بقسوة وهزها بعنف وهتف بها قائلاً:
لم نحضرك الى هنا كي تطرحي الاسئلة. انتِ عليكِ ان تجيبي فحسب.
سحبت يدها من يده وبعض الدموع هبطت من عينيها وهتفت به قائلة:
ليس لدي اي شيء لأقوله، فأنا لااعرف عما تتحدثان.
فأمسكها بقسوة مرة اخرى وهو يصرخ بها:.
بل تعرفين، اين تذهب اموال ال100 راتب شهرياً؟ هل تقومين بسرقتي؟ ابنتي انا تقوم بسرقتي؟، هل طلبتي اي شيء في يوم وحرمتكِ منه؟ كيف عساكِ ان تفعلي بي شيء كهذا؟
عند هذا الحد فقدت ميرنا اعصابها وهي تسمع هذه الكلمات من ابيها وسحبت يدها بعنف من يده وهتفت به بعدم تصديق:
أسرقك؟
ثم اشارت نحوي بسبابتها وهي تكمل صراخها وغضبها:
أهذا ماجعلك هو تصدقه عني؟، هل سيقنعك بطردي من عملي ايضاً كما اقنعك بطرد البقية؟
لاداعي ان يقنعني سيف بهذا، فأنتِ مطرودة اساساً من دون اي تردد او تفكير.
فتحت عيناها بصدمة وهي تقول: هكذا ببساطة؟ قبل ان تسمع مالدي. قبل ان تسمع اي توضيح او تفسير انت صدقته ببساطة وطردتني مسبقاً قبل حتى حضوري؟
الذي يسرقني لن ينال رحمتي وتساهلي.
فهتفت به هذه المرة بصوت اعلى:.
انا لم اسرقك يا ابي ولن اسرقك. أتعلم لماذا؟ لأن اموالك قذرة، لأنها ليست اموالك من الاساس، وانا لست مثلك ابداً، لن امد يدي لأخذ أموال شخص غيري حتى لو كان الشخص ابي.
وقبل ان تنطق ميرنا حرفاً اخر دوى صوت في المكان اسكتها فوراً. ولكنه افزع قلبي من سباته. جعله يصرخ بقوة، لقد كان صوت الصفعة الوحشية فوق خدها الرقيق! فتحت عيناي بصدمة وتسارعت انفاسي بغضب وشعرت بضربات قلبي تكاد تحطم قفصي الصدري لتخرج هاربة وتعانقها بقوة. لتحميها بين طياتها، كيف تجرأ وصفعها؟ انها حبيبتي انا، صغيرتي انا، كيف يجرؤ؟ اود الانقضاض على ادهم الان لأبرحه ضرباً حتى الممات لاسيما وانا اشاهد بعض الدماء تخرج من شفتها السفلية.
بقيت ميرنا متسمرة في مكانها مذهولة من دون اي حراك. لايزال وجهها مستديراً جانباً اثر الصفعة ولاتزال اصابعها فوق خدها غير مستوعبة ماحصل، ادارت رأسها ببطئ وصدمة نحو ابيها، ورغم الدموع التي بللت وجهها ألا انه لم تكن هناك اي نظرة للضعف داخل عينيها، فجأة تحولت نظراتها للبرود والقسوة وهي تحدق بداخل عيون ابيها، انزلت يدها ببطئ من خدها وتناولت حقيبتها اليدوية من فوق الكرسي ونظرت إلى نظرة حادة مطولاً قبل ان تتحرك قدماها وتترك المكتب بصمت دون ان تنطق بكلمة اخرى. نظرتها ادمت قلبي واشعلت روحي بالندم وانا اراها مليئة بخيبة الامل رغم حدتها…
عم السكون على المكتب للحظات قبل ان يقطعه ادهم بصوته الخشن:
سيف، من الان فصاعداً انت من ستدير شؤون المتجر…
عندها تسللت ابتسامة انتصار لثغري حاولت قدر المستطاع اخفائها، ميرنا هي البيدق الذي سأصل به لأنتقامي. واليوم انا حركت هذا البيدق خطوة واحدة لأصل لغايتي، والخطوة الاولى قد نجحت وحصلت على المتجر، نعم، المتجر هو مااردته من البداية، لهذا السبب بحثت خلف ميرنا لعلي اجد خطئاً يتسبب بطردها لأحل انا محلها فهو لن يثق بغيري بالتأكيد ليوليه ادارة المتجر. وقد نجحت خطتي بالفعل. ولم اصدق نفسي من فرط السعادة عندما اكتشفت امر ال100 راتب وعرفت انها نهاية ميرنا في المتجر، وبدايتي انا! شيئاً فشيئاً سأبدأ بتدمير امبراطوريتك ياادهم واحصل على كل شيء، لاسيما بعد ان اتزوج من ابنتك العزيزة ميرنا! عندها سأعلن نهاية مسرحيتك انت واسرتك، حتى ابنتك المزيفة سأجعلها تنضم لكم ولن اسعى لأبقائها في حياتي كما كنت اريد، فهي بالنهاية تحمل دمك وورثت صفاتك وصفات زوجتك، ان كانت اليوم قد سرقت اموال ابيها فغداً ستعود لسرقة اموالي. وانا لن اجعل اموالنا تسرق كل يوم بواسطة احد افراد اسرة ادهم، في الماضي ابيها سرق اموالنا. وفي المستقبل هي التي ستسرقنا، انا لن ابقي اي احد من عائلة ادهم حولنا، فكلهم مزيفون، طوال سنين جعلوني اعيش في الظلام، والان ولن امد يدي ليسحبوني الى النور. بل سأسحبهم معي ليعيشو الظلمة ذاتها. لأجعلهم يعرفو ماعانيته داخل هذه العتمة!.
التعليقات