التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الحادي عشر

(ميرنا).

يُقال ان وقعتم في الحب ستتخلون عن المنطق. ستنسون الزمن، ستطوف حولكم دائماً فراشات تشعرون بها ولكن لاتروها! سترون الشمس مشرقة في عتمة الليل! وكل شيء بسيط وتافه سترونه عظيم ورائع! ابسط كلمة جميلة ستجعلكم تفكرون فيها لساعات وساعات وانتم تتخيلون كيف نطقها. واين نطقها. ومتى نطقها. وكلما تخيلتم ذلك كلما نبض قلبكم بنفس القوة وكأنكم تسمعوها لتوكم! وستضيق انفاسكم، ولكن لاتقلقو، هذا هو الاختناق الوحيد الذي ستشعرون انكم تتنفسون فيه بالفعل! ستشعرون بالهواء يملأ رئتيكم رغم ان رئتيكم متعطلة عن العمل من شدة التوتر!.

حسناً، ربما لن يفهمني اكثركم، فلن يفهمني سوى من جرب هذا الجنون والتناقض!

كانت اروع ليلة عشتها في حياتي كلها، كان سيف رائع بشكل مثير للدهشة! نسيت الوقت. نسيت العالم من حولي. نسيت كل كلامه الذي اذاني به. نسيت كل تعامله البارد معي، انا مشغولة الان في عالم عينيه الساحرتين. انا تائهة بكلماته الدافئة رغم بساطتها، ضائعة بأبتسامته التي تصر على جعله اكثر وسامة! يااللهي. هل من المعقول ان يقع احدهم في الحب بهذه السرعة وبهذه الطريقة المجنونة؟، اعطوني مئة صفحة فارغة سأملأها لكم بالثرثرة. اعطوني عشر قصص لأرأها وابُدي لكم فيها رأي بشكل دقيق. اعطوني الف ديوان شعري وسأنقده لكم بطريقة ادبية عالية المهارة، ولكن لاتسألوني كيف اشعر في هذه اللحظة!.

سأعجز بشدة وستخونني كلماتي ان طلبتم مني ان اصف جزء من سعادتي الان! كيف اشعر؟ لااعلم! انا مجرد اطفو فوق غيمة مملؤة بالسحر تجعل قلبي يرفرف والابتسامة لاتختفي عن شفتاي، انها المرة الاولى في حياتي بعد سنين طويلة التي اشعر فيها بهذا القدر من السعادة والارتياح!
هل انتِ معنا على الارض؟

جذبتني جملة سيف المرحة هذه من شرودي وانا احدق به بكل هذه البلاهة! هل انا في هذه الارض؟ نعم انا معك. ولكن ليس في هذا العالم، بل في دنيا العجائب، اظن ان القصة يجب ان يسموها ميرنا في بلاد العجائب وليس أليس في بلاد العجائب.
نظرت له بأبتسامة دافئة وقلت بهدوء وبعيون تائهة داخل عيونه: انا سعيدة جداً! اتمنى لو ان الزمن يتوقف عند هذه اللحظة!

حسناً. اعرف بما تفكرون عني. ولكني اصبح مجنونة في بعض الاحيان، في بعض الاحيان؟ لا في الحقيقة في كثير من الاحيان! هذه هي طبيعتي ماذا عساني ان افعل! انا فتاة ذات مشاعر صريحة واقول فوراً مااشعر وافكر به!
بقيت انا وسيف نحدق داخل عيون بعضنا لثواني. ولااعلم لما كلما قلت كلاماً مشابهاً لهذا كلما شاهدت هذا المقدار من الالم يكسو عيناه للحظة ثم سرعان مايخفيه بأبتسامته، مهما تعمقت بعالمه فلايمكنني فهمه ابداً!

مد يده وقبض على اصابعي بين اصابعه بلطف وقال:
بأمكاننا ان نجعل كل الايام تشبه هذه اللحظة!
حركت رأسي بيأس وانا اقول:
هذا مستحيل! ربما لن تكون لي ساعات سعادة سوى معك، فما ان اعود نحو منزلي حتى اعود نحو سجني وجحيمي!
فقال لي ممازحاً ليغيظني:
هل تحاولين ان تثيري شفقتي وتخدعيني لأطلب يدكِ للزواج وابعدكِ عن منزلكِ؟
فسحبت يدي فوراً وانا اضربه فوق يده واقول:.

يالك من شخص سخيف. ولكني انا المخطئة اني اتحدث الى مستفز مثلك!
اوه حقاً؟ هل تستطيعين عدم التحدث إلى مجدداً؟
فعدت لأحدق هذه المرة ايضاً بعينيه بعمق ثم قلت: لا، لااظن اني استطيع!
ثم اردفت فوراً بأبتسامة حالمة: هل هذا طبيعي؟
ماهو؟
ان نقع في الغرام بهذه السهولة وبهذه السرعة؟

تبسم بدوره وهو يجيبني: بل انه الشيء الوحيد الذي من المنطقي ان نقع به بهذه السهولة! انه الشيء الوحيد الذي يقتحم حياتنا من دون ان يطرق باباً. ولكن رغم هذا يكون اكثر مانرحب به ونرفض ان يخرج من حياتنا!
وفي هذه الاثناء قطع تواصلنا البصري مجدداً انفتاح باب المصعد ليدخل النادل يحمل الينا التحلية…

وضعها امامنا وخرج فأنزلت ابصاري لأرى طبق التحلية ومايحتويه. ولكني لم اراه! فجأة شعرت بضباب كثيف يقطع الطريق على بصري. دقات قلبي تتزايد وغثيان شديد سيدفعني لطرح كل العشاء خارج معدتي!
حاولت التماسك قليلاً وتحملت الغثيان. حاولت ادعاء قوة كانت مسلوبة من الاساس مني! انا احتاج الى الدواء. ولكن اللعنة الدواء في الفندق ونسيت ان اخذه قبل خروجي! تباً. لايمكنني ان اصدق ان حظي بأمكانه ان يصبح سيئاً هكذا!

كلما حاولت التماسك اكثر كلما شعرت بحالتي تسوء بشكل متزايد لم استطع السيطرة عليه!
بقيت احدق داخل الصحن والغرفة كلها تدور من حولي! يااللهي ارجوك. ليس الان. وليس معه! لااريده ان يراني بتلك الحالة. لااريده ان يرى مرضي!
ميرنا؟ أأنتِ بخير؟
رفعت بصري اليه وبصعوبة رسمت ابتسامة فوق ثغري رغم اني لاارى وجهه بوضوح وقلت وانا افشل في اخراج صوتي متماسكاً:
أ. أجل. انه دوار بسيط فحسب!

فجأة شيء ما دافئ انساب على فمي وفكي دفع سيف ان يقوم من مكانه بسرعة ويخطو بأتجاهي ليرفع وجهي اليه، كان انفي ينزف الدم بقوة! وهذه هي احدى اعراض تدهور حالتي! سحبت وجهي من بين يديه وهو يحاول ان يوقف النزيف ومسحت الدم بعبث عن وجهي مما لطخ جزء من خدي وفمي وحاولت ان اقوم ولكن سيف امسكني من اكتافي ليعيدني الى الجلوس فأستجاب جسدي له بسرعة من شدة ضعفي وتعبي!
مابه انفكِ؟

فأجبته بينما يدي لاتزال فوق انفي الذي لايزال مستمر بالنزيف:
لابأس، احياناً ينزف اذا ارتفع ضغظ الدم لدي. لابأس ليست مشكلة.
فأحاط وجهي بين يديه ورفعه بأتجاهه مرة اخرى وهو يقول بقلق:
وجهكِ شاحب جداً. ماالذي حصل لكِ فجأة؟
فوضعت يداي فوق يداه وبدل ان ابعدهما وجدتهما يستكينان هناك فوق كفيه الدافئة!
قلت له احاول بصعوبة رسم ابتسامة فوق ثغري:
لاتقلق. صدقني انه شيء عادي يحصل لي دائماً!

ماذا تعنين بعادي؟ تبدين متعبة جداً!
ثم فجأة وجدته يميل رأسي قليلاً للجانب وهتف فوراً بقلق اشد وهو يشاهد رقبتي من الجانب:
ماهذا بحق السماء؟
يااللهي! ليس هذا ايضاً! بالتأكيد هو قد شاهد احدى تلك البقع الحمراء التي تظهر لي تحت الجلد بسبب النزيف الداخلي!
عندها لم اتحمل البقاء اكثر فمرضي يتعبني وسيف يمزق قلبي بكلماته وقلقه ذاك!
فقمت من مكاني فوراً وانا اقول:
سأذهب للحمام كي اغسل وجهي وسأصبح بخير عندها.

سأرافقكِ الى هناك.
فهتفت به فوراً بخوف:
لا! لن اتأخر.
وقبل ان اترك له فرصة الاعتراض والاصرار اكثر سحبت حقيبتي واتجهت الى المصعد لأفتحه بأستعجال وادخل اليه اخفي جسدي المنهك بداخله! ولكن بالطبع وجهتي لم تكن للحمام كما اخبرته، بل الهرب من المطعم نهائياً قبل ان يراني بهذه الحالة! فلااريد ان اكون تلك الفتاة المريضة المثيرة للشفقة بنظره!

ماان اخفاني المصعد بداخله حتى انزلقت بظهري على جداره لأجلس ارضاً فلم يعد لدي اي قدرة على الوقوف اكثر لاسيما وانا اعجز عن التنفس لدرجة شعرت اني سأموت من الاختناق وليس من مرضي!
سحبت هاتفي من حقيبتي فوراً ودخلت على قائمة الطورائ والتي لم تكن تحوي سوى رقم واحد، زيد!
ميرنا؟
اول ماوصلني صوته المستغرب حتى تفجرت دموعي المرعوبة من حالتي التي تتدهور بهذا الشكل لأول مرة. فقلت بنبرة مرتجفة من وسط بكائي:.

زيد! زيد انا لست بخير!
فأرتفع صوته وهو يهتف بي بقلق:
أين انتِ؟ سأرسل لكِ الاسعاف في الحال!
فأعترضت فوراً:
لا! لااريد ان اجذب انظار احد ارجوك. لااريد من احد ان يراني، سأستقل تاكسي واتي. اتصل بأحمد ليحضر قبلي!
حسناً حسناً عزيزتي تعالي بسرعة فحسب…
ثم اردف فوراً:
صفي لي حالتكِ. الى مدى هي سيئة؟
نظرت نحو تلك البقع في يدي وانا اقول بخوف ودموعي تزداد:.

سيئة جداً يازيد. ارجوك. انا لااعرف. ولكن انها المرة الاولى التي يحصل لي شيء كهذا! تلك البقع تظهر بسرعة وجسدي يضعف اكثر. والدوار، انه فظيع هذه المرة!
حسناً اهدئي فقط وكل شيء سيكون بخير. لقد استقللت سيارتي وانا اتجه الان نحو المستشفى وبالتأكيد سأصل قبلكِ لذلك لاتقلقي عندما تصلين سيكون كل شيء جاهز وستكونين بخير.
انا خائفة يازيد. خائفة جداً!

اهدأي ياصغيرتي ستكونين بخير انا اعدك فقط تعالي الى المستشفى بأسرع وقت.
اغلقت الهاتف وقمت بصعوبة من الارض وانا استند على كل شيء بجانبي لأسند جسدي وانا اخرج الى الشارع…
لم اقف على جانب الطريق وارفع يدي ليتوقف تاكسي ربما لن يتوقف! بل اعترضت طريق احدى السيارات وانا اوقفه جبراً. فحالتي لن تتحمل ان اقف على قدماي اكثر! اول ماتوقف ركبت في الكرسي الخلفي وقلت له بأنفاس لاهثة من الانهاك:.

الى المستشفى في شرق المدينة. ارجوك!
ماان رأى حالتي واثار تلك الدماء فوق وجهي حتى انطلق بأسرع مايمكن بأتجاه المستشفى!
فقال لي بينما ينظر إلى من خلال المرآة:
انستي؟ المستشفى في الجهة الشرقية قد تطول المسافة اليها. مارأيك ان اخذك نحو احدى المستشفيات القريبة من هذا المطعم؟
فأشرت له برأسي ب لا وانا اقول:
طبيبي هناك!
فأومئ موافقاً من دون ان يعلق بشيء او يطيل النقاش وهو يرى حالتي!

اسندت رأسي فوق النافذة بتعب ودمعة متألمة تهطل ببطئ من عيني تسحب روحي معها كلما نزلت اكثر وانا افكر بذلك الذي لايزال ينتظر عودتي! افكر بهذه الليلة التي ظننتها مثالية لأجدها في النهاية تتحول الى كابوس! كابوس لااعرف نهايته بعد!
اغمضت عيناي وانا اشعر بكل عضلة في جسدي مفصولة عن مجاورتها، اشعر بتعب شديد وكأني كنت اخوض اعمال شاقة وانفاسي تضيق اكثر وكأني كنت اركض سباق الالف متر!
انستي؟ لقد وصلنا!

فتحت عيناي بعد مرور نصف ساعة من انطلاقنا من المطعم على عبارة سائق التاكسي وهو يلتفت إلى بخوف يتفحص ملامح وجهي بتركيز ليتأكد من اني لاازال حية!

لااعرف كيف تذكرت الامر ولكني دفعت له اجرته من حسن الحظ. بل وربما حتى اكثر من اجرته فقد اخرجت الورقة النقدية من دون ان انظر اليها واعطيتها لها وانا افتح الباب من فوري وانزل بجسد محدب لايمكنني ان استقيم به وخطوات مرتجفة لايمكنني ان اجعلها ثابتة! فوجدت زيد ومجموعة من الممرضين ينتظروني عند الباب. ماان رآني زيد حتى اسرع إلى يتبعه الممرضين بالسرير المتحرك الذي اسندوني ورفعوني لأنام فوقه وانا لايمكنني ان ارى اي شيء بوضوح او ان اركز بالكلمات التي كان زيد يهتفها لي!

لااعلم ماجرى بعدها، اخر شيء اتذكره هو تلك الحقنة التي تغرزها الممرضة في يدي لتسحبني نحو عالم الغيبوبة الذي لم اصحو منه ألابعد ساعات!

فتحت عيناي بتثاقل ليقع فوق سقف ابيض مملوئ بمصابيح صغيرة داخل مربع فضي، انها الغرفة المعتادة التي قضيت فيها ليالي سابقة في المستشفى! اغمضتهما مجدداً بتعب وفتحتهما بصعوبة عندما شعرت بدخول احدهم، حركت رأسي وجسدي لأتنشط قليلاً وافتح عيناي بشكل كامل.
حبيبتي؟ هل انتِ بخير؟
فتحت عيناي وادرتهما نحو يساري لتلتقي ابصاري بعيون هيلين المكسوة بالخوف والقلق، تبسمت بصعوبة وانا اقول لها بخفوت وضعف:.

هل احضرتي مايا؟
ضحكت وهي تقبلني من جبيني وتقول:
انها الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يامجنونة! مايا في ارض الاحلام الان. لقد تركتها في منزل امي.
قطبت حاجباي بأستغراب وانا اعيد كلمتها بتشديد:
الثالثة؟
اجل، انتِ منذ ساعات تغطين بالنوم!
يااللهي! كل هذا الوقت فاقدة لوعي؟ سيف! آاااه، تباً لحظي السيء. تباً لمرضي! تباً لحياتي التعيسة التي لاتجعلني اعيش سعادتي للحظة الاخيرة!

وعدت مرة اخرى لأجهش ببكاء مرير وانا ارى كيف انتهى الامر بأروع ليلة في حياتي!
ضمت هيلين رأسي الى صدرها بعطف وهي تقول:
ششش. اهدأي حبيبتي، لاشيء يستحق دموعكِ الغالية هذه!
رفعت يداي بضعف وتشبثت بظهرها بقوة اضم نفسي اليها اكثر لأبثها شكواي والآمي وانا اقول بنحيب:.

لااريد ان ابقى مريضة بعد الان ياهيلين! انا متعبة جداً! لاتوجد سعادة تستمر معي اكثر من ساعات قليلة ثم تهرب مني! لما على ان اكون مريضة هكذا؟ هل انا انسانة سيئة كي تعاقبني الحياة بهذه الطريقة؟
فضمتني هيلين اليها اكثر وهي تجيبني:
لاتقولي هذا ياصغيرتي. انتِ اروع فتاة عرفتها طوال حياتي، وستتعالجين من مرضكِ وستصبحين افضل صدقيني!

لااعلم كم قضيت من الوقت وانا ابكي بين يدا هيلين ولكنه كان الوقت الكافي ليجعلني اهدأ قليلاً وتخمد دموعي بعض النيران التي تحرق روحي!
بعد ان استكنت قليلاً عن البكاء حتى لاحظت الامر وانا ارفع رأسي اليها واسألها:
ماالذي تفعلينه انتِ في المستشفى؟
تبسمت بحنان وهي تجيبني بينما تملس على شعري:.

لقد كنت بجوار زيد عندما اتصلتي به. وحسبما اخبرني انكِ منذ ايام لستِ في منزلكِ وايضاً لااحد يعرف بمرضكِ سوانا. لذلك كيف عساي ان اعرف ان حالتكِ متدهورة واترككِ هنا بمفردكِ؟
وفجأة اخترقنا صوت زيد وهو يفتح الباب ويقول:
ما كل هذا الدلال ايتها المحظوظة؟ لقد بدأت اغار منكِ ياميرنا!
ضحكنا كلانا بينما تقدم بأتجاهنا ثم قال بينما يمسح فوق شعري برفق:
كيف حالك الان عزيزتي؟
تبسمت له بأمتنان وانا اقول:
افضل بكثير!

ثم اردفت فوراً:
انا حقاً لااعرف كيف اشكركما! انتما اروع صديقان حصلت عليهما طوال حياتي؟
فقال زيد ممازحاً يحاول اغاظتي كالعادة:
اي بأعتبار انكِ تملكين سبعين واحد غيرنا؟ بالطبع سنكون الاروع فأنتي لم تعرفي غيرنا!
فضربته هيلين فوق قدمه بقدمها بينما قلت انا:
اسحب كلامي، هيلين هي فقط الرائعة. فأنت اسوأ صديق واسوأ طبيب عرفته طوال حياتي كلها!
ضربني برفق فوق جبيني بأصبعه وهو يقول:.

هكذا اذاً؟ اذاً فلتتلقي علاجكِ عند هيلين من الان فصاعداً ايتها المتحاذقة!
وفجأة وجدت نفسي انسى تلك الدموع الذي ذرفتها قبل دقائق وابدلهما مزاحهما وضحكهم. فهما بالفعل اروع صديقين حصلت عليهما في حياتي. من بعد يوسف طبعاً!
ولكن مهما ضحكت. ومهما انشغلت. لايمكنني ان انسى ذلك الذي تركته وهربت وكأني سندريلا قد سمعت دقات الساعة الثانية عشر!

بالطبع قد قضيت ليلتي كلها في المستشفى الى ان استقرت حالتي قليلاً واصبحت افضل حتى سمح لي زيد بالخروج!
دخلت الى غرفتي في الفندق واخرجت هاتفي من حقيبتي بعدم مبالاة كنت متوقعة ان اجد مكالمة فائتة واحدة من سيف، وليس97 مكالمة و10 رسائل!

فتحت فمي بدهشة لايمكنني كبحها! حسناً ضميري يؤنبني لأني اقلقته على ولكن قلبي يحلق نحو اعالي سموات السعادة بسبب هذه الفكرة، انه قلق علي. انه يخاف علي، سموني كما شئتم. سموني انانية او مجنونة. ولكن لايمكنني نفي سعادتي ابداً!.

(سيف)
كيف تتوقعون ان تكون حالتي؟ انها اسوأ حالة شعرت بها طوال حياتي! لم انم منذ ليلة البارحة بل وحتى لم اغير ملابسي!

اصبت بالجنون التام عندما طلبت من احدى النادلات ان تبحث لي عنها داخل حمامات النساء ولم تجدها! شعرت بقلبي ينقبض فجأة واتصلت برأفت فوراً وطلبت منه ان يراقب لي الفندق ويخبرني فور عودتها وانا رجعت نحو القاعة حيث كنا نجلس وانتظرتها على اكوام من التوتر والقلق لعلها تعود. لعل النادلة لم تبحث جيداً داخل الحمام. لعلها. بخير! فبعد مارأيته من حالتها الف فكرة سيئة قد غزت عقلي بقوة!

انتظرت على نار ولم استطع حتى الجلوس! انتظرت. وانتظرت، وانتظرت، وحلت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وميرنا لم تعد ولم ترد على اتصالاتي!
عندها تيقنت انها لن تعود نحو المطعم ولاجدوى من انتظاري. وادركت ان شيء ماقد حصل لها، ولكن اين عساي اذهب لأبحث عنها؟ هي من الاستحالة ان تذهب نحو منزلها ورأفت أكد لي انها لم تعد نحو الفندق، اين بحق السماء قد تكون ذهبت؟

خرجت من المطعم وبحثت في كل مكان يخطر على بالي وبحثت في كل المستشفيات القريبة من المطعم والتي قد تقصدهم ان ارادت الذهاب نحو المستشفى فهن الاقرب. ولكني لم اجدها!
بقيت اجوب الشوارع بسيارتي لااعرف الى اين اذهب او ماالجدوى من قيادة السيارة هكذا بشكل عشوائي. ولكني قدتها فحسب!

كلما تخيلت منظر تلك البقع الغريبة بجانب رقبتها ونزيف انفها بذلك الشكل كلما انقبض قلبي بقوة وضغطت على البنزين على اكثر، كلما تيقنت ان واقع بغرامها بشدة!.

لم اعد نحو شقتي ألا بعد ان اصبحت الساعة الخامسة صباحاً! دخلت ورميت المفاتيح بأهمال فوق المنضدة مثلما رميت جسدي المنهك على الاريكة! ظننت ان النوم لن يقارب جفناي من شدة الضوضاء التي تحتل عقلي. ولكن جسدي كان له رأي اخر، وكأني من شدة التعب لم اعد املك السيطرة على باقي اجزاء جسدي!
فتحت جفناي بقوة على صوت رنين هاتفي والتقطته فوراً من فوق المنضدة لأجيب فوراً:
رأفت؟
سيف، لقد عادت لتوها نحو الفندق!

لم ارمق ساعتي بل رمقت النافذة بنظرة سريعة لأشاهد الشمس ترتفع في السماء. اين كانت طوال الليل تلك التي ستصيبني بالجنون قريباً؟
اغلقت هاتفي فوراً لأضعه في جيبي ثم التقطت المفاتيح وخرجت من الشقة بأستعجال لأقود سيارتي بسرعة نحو الفندق!
لااعلم كم لزمني من الوقت لأصل ولكنه كان رقماً قياسياً مع تلك السرعة المجنونة!

استقللت المصعد ليأخذني نحو غرفتها وقلبي المتلهف يكاد يكسر عظام صدري من ضرباته القوية ويسبقني الى غرفتها كي يراها!
انقبضت معدتي بشكل اكبر عندما فُتح باب المصعد وتسابقت اقدامي مع الهواء لتوصلني نحو غرفتها!
وقفت امام بابها وانا بالكاد التقط انفاسي ومن دون ان انتظر لثانية اخرى طرقته فوراً!

لم تتأخر كثيراً حتى اطل وجهها البهي على وهي تفتح الباب بيد وتسند بيدها الاخرى المنشفة البيضاء الصغيرة فوق شعرها لتجففه. فمن قطرات الماء التي تتساقط من اطراف شعرها كان واضحاً انها كانت تستحم وقد انتهت لتوها!
استكانت يدها فوق شعرها وهي تحمل المنشفة من دون حراك وفتح عينيها بدهشة غير متوقعة رؤيتي امامها!

كانت فرحتي برؤيتها بخير كافية جداً لتزيل كل الرعب عن قلبي، ولكنها لم تكن كافية لتمحي غضبي لتركها لي بهذه الحالة!
قطبت حاجباي بأستياء وقالت فوراً من دون مقدمات:
اين كنتِ؟
تلعثمت الحروف فوق مخارج صوتها ولم تعطيني اجابة شافية فقاطعت جملتها التي من دون فائدة من الاساس وانا اقول بأنفعال ولااعرف كيف حافظت على نبرة صوتي منخفضة مع هذا القدر الهائل من الغضب:.

أتعلمين اني بحثت عنكِ طوال الليل؟ أتعلمين كم انتظرتكِ في المطعم؟، اين كنتِ بحق السماء؟ ولما قد.
اسفة!

قاطعت هتافي بها فوراً بجملتها الهادئة تلك التي حملت خلفها دموع ندم وهي تحدق بي، اردت ان اكمل صراخي، اردت ان افرغ غضبي. ولكني اصبت بالشلل المفاجئ وسكنت امام تلك الدموع التي اخرستني! ولم يكن هذا فقط بل اخمدت كل براكين غضبي وهي تتقدم نحوي بخطوات ضعيفة وتمد يديها ببطئ لتلفهما حول ظهري وتكمل بكائها بين يدي! دموع اخترقت قلبي جعلتني اتناسى كل تعبي. كل غضبي! واعلن مسامحتي لها فوراً وانا اضمها إلى بهدوء وامسح على شعرها المبلل برفق!

فسمعتها تقول من وسط نحيبها:
سيف؟ أيمكنك ان لاتسألني اي شيء؟ أيمكنك ان تنسى ماحصل البارحة فحسب ارجوك؟
ششش صغيرتي. لابأس، المهم انكِ بخير!
ثم ابعدت رأسها برفق عن صدري واحطت وجهها بين راحتا يدي وانا اقول بأبتسامة:
ولكن بشرط.
مسحت دموعها مثل الاطفال واجابتني بأبتسامة متحمسة:
سأطيع اي شيء.
غيري ملابسكِ وانزلي لتقابليني في الاسفل لنتناول الفطار معاً. ولكن ان هربتي هذه المرة ايضاً سأقتلكِ!

ضحكت وهي تومئ لي موافقة بلهفة:
حاضر! 10دقائق وسأنزل!
حسناً، سأنتظركِ في قاعة استقبال الفندق.
حسناً.
ثم تركتني ودخلت بسرعة نحو الغرفة تتبعها هالة من السعادة واللهفة، انها تماماً مثل الاطفال، كيف عساي ان اخدع طفلة نقية كهذه واجرحهها من دون رحمة؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *