رواية وهم الرجوع الفصل الثاني 2 بقلم روما عيسى
رواية وهم الرجوع الجزء الثاني
رواية وهم الرجوع البارت الثاني
رواية وهم الرجوع الحلقة الثانية
الفصل الثاني – ليلة بلا نوم
أغلقت رحيل باب الغرفة خلفها ببطء، وكأنها تخشى أن يسمع يوسف ارتجاف أنفاسها. وقفت للحظة، تستند إلى الخشب البارد، عيناها شاخصتان في الفراغ، وداخلها عاصفة لا تهدأ.
كان قلبها ينبض بسرعة، وعقلها يرفض تصديق ما سمعته للتو. جلست على طرف السرير، عيناها مثبتتان على الظلام الممتد أمامها، بينما عقلها يعيد تكرار كلماته. هل كان يتحدث معها فعلاً بهذه اللهجة؟ هل كانت نبرة صوته تحمل حنينًا خفيًا؟ أم أنها تبالغ في تحليل الأمور؟
كيف حدث هذا؟ كيف تحوّل الأمان إلى شك؟
أصوات يوسف في المكالمة لا تزال تتردد في عقلها، نبرته الخافتة، تردده، وحتى طريقة نطقه لاسمها… “يارا”
ذلك الاسم وحده كان كفيلاً بأن يمزقها من الداخل.
مرت دقائق، أو ربما ساعات، وهي على هذه الحال، عقلها يغرق في دوامة لا تنتهي من الأسئلة. هل أخطأت في تفسير الأمور؟ هل كانت مجرد مكالمة عابرة؟ لكن الطريقة التي تحدث بها… لا، لم تكن مجرد مكالمة عادية.
في تلك اللحظة، سمعت صوت خطواته في الخارج، ثم فتح الباب ودخل.
كان يوسف يسير بهدوء، وكأنه لا يريد إيقاظها، لكن عينيه كانتا تحملان قلقًا خفيًا، وكأن شيئًا ما يشغله. اقترب من السرير، انحنى قليلًا، وألقى نظرة على رحيل، التي تظاهرت بالنوم. بقي يتأملها لثوانٍ، ثم تنهد وألقى بجسده على الجانب الآخر من السرير.
استلقى على ظهره، عينيه مثبتتان بالسقف، ثم مدّ يده إلى هاتفه مجددًا، تصفحه للحظات قبل أن يضعه على المنضدة بجانبه.
رحيل، التي كانت مستلقية على جانبها، ظهرها له، أدركت جيدًا أنه لم يكن مرتاحًا. وكأن ما كان يدور في عقلها يطارد يوسف أيضًا، لكن الفرق أن يوسف وحده يعرف الحقيقة… أما هي، فما زالت تبحث عنها.
مرت الدقائق ثقيلة، سكون تام يسيطر على الغرفة، قبل أن يغفو يوسف أخيرًا.
أما رحيل… فظلت مستيقظة فالنوم هجرها تمامًا. ظلت تحدق بالسقف، عقلها غارق في دوامة من الأسئلة. هل ما زال يحبها؟ هل يخفي عنها شيئًا؟ ولماذا تشعر أنه أصبح بعيدًا عنها؟ ظلت على هذه الحالة حتى بدأ نور الفجر يتسلل عبر الستائر، لتدرك أنها لم تغمض عينيها ولو للحظة .
مع بزوغ الفجر، نهضت رحيل من سريرها ببطء، وكأنها تحمل ثقل العالم فوق كتفيها. شعرت بجسدها مرهقًا، لكن عقلها كان مستيقظًا أكثر من أي وقت مضى.
سارت نحو المرآة، حدّقت في انعكاسها. كانت عيناها متعبتين، مليئتين بالأسئلة. هل هذه هي المرأة التي كانت تعيش في راحة وثقة قبل أيام؟ أين ذهبت تلك الطمأنينة التي كانت تشعر بها؟
مرّرت أصابعها على شعرها، أخذت نفسًا عميقًا،ومسحت وجهها بيديها، محاولة إخفاء التعب الذي يثقلها. قررت ألا تتسرع في المواجهة، بل تبحث أكثر عن الحقيقة. إن واجهته الآن، سينكر بسهولة، ولكن لو انتظرت وجمعت أدلة كافية، لن يستطيع حينها المراوغة ثم ابتعدت عن المرآة واتجهت إلى المطبخ.
سكبت لنفسها فنجان قهوة، جلست على الطاولة، وعندما دخل يوسف بعد لحظات، رفعت عينيها إليه.
كان يسير ببطء، يرتدي قميصه، وربطة عنقه في يده، لكنه لم يكن منتبهًا لها.
كان منشغلًا… بهاتفه.
جلس أمامها، أخذ رشفة من قهوته، وعيناه لا تزالان عالقتين على الشاشة.
“مشغول قوي كده الصبح بدري؟” قالتها رحيل، محاولة أن تُخفي مرارة كلماتها خلف نبرة هادئة.
رفع يوسف عينيه أخيرًا، وكأنه أدرك فجأة أنها أمامه. ابتسم بخفة، وأجاب: “شوية حاجات في الشغل، يومي هيكون طويل النهاردة.”
“آه… أكيد، الشغل.” ردّت، ثم ارتشفت من قهوتها، بينما كانت تراقب تعابير وجهه عن كثب.
كان هناك شيء في عينيه… شيء لم تفهمه.
أعاد يوسف هاتفه إلى جيبه، ثم نهض بسرعة. “أنا لازم أمشي، عندي اجتماع مهم.”
“إفطارك؟” سألته وهي ترفع حاجبها.
“مش هينفع، هاكل في المكتب.”
نظر إليها للحظة، وكأنه يريد قول شيء، لكنه اكتفى بابتسامة سريعة، ثم خرج.
بقيت رحيل في مكانها، أصابعها تدور حول حافة الفنجان، وهي تستمع لصدى خطواته وهو يغادر شاهدته وهو يخرج مسرعًا، وكأن البقاء معها صار عبئًا عليه. شعرت بوخزة في قلبها، لكنها حاولت تجاهلها. أمسكت بفنجان القهوة بين يديها، تفكر في كل ما حدث. لا، لن تتسرع هذه المرة.ستراقب، ستبحث، ستعرف كل شيء بنفسها… قبل أن تواجهه بالحقيقة.
لم تكن تعرف ماذا تفعل بعد، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا…
اليوم، لن تدع الأمر يمر مرور الكرام.
في مكتب يوسف
جلس يوسف في مكتبه بالشركة، يحاول التركيز على العمل، لكن عقله لم يكن هنا. كلماته مع يارا كانت لا تزال تتردد في ذهنه:
ماينفعش نفضل كده يا يوسف، لازم تاخد قرار.”
لماذا وافق على الحديث معها؟ لماذا لم يقطع الأمر تمامًا؟ أم أن هناك شيئًا في داخله لم ينتهِ بعد؟
تنهد بضيق، ثم التقط هاتفه وفتح المحادثة بينه وبين يارا. تردد لثانية قبل أن يكتب:
“يارا، لازم نتقابل و نتكلم بوضوح أكتر.”
أرسل الرسالة ثم أغلق الهاتف بسرعة، كأنه يخشى أن يراه أحد. لكن أكثر ما كان يخشاه… هو أن يرى نفسه.
زفر ببطء، ألقى الهاتف جانبًا، وأسند رأسه للخلف.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وهم الرجوع)
التعليقات