التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الثلاثون 30بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة الشروق للروايات)



رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل الثلاثون 30بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة الشروق للروايات)

الفصل الثلاثون من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم

#شارع_خطاب

بقلم #fatma_taha_sultan

____________

اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.

_____________________

“و أحب كونك في الجوار؛ 

‏مهما ابتعدت تظل دومًا جانبي..

‏طيفًا،

‏خيالًا،

‏فكرةً..

‏روحًا، تعيش بداخلي”

#مقتبسة

أضيء حين أحادثك ، ولم أجد وصفاً أدق لما يحدُث حينها.

#مقتبسة

– ثمة جراح لا ترى بالعين، لكنها تظل تنزف في القلب إلى الأبد.

– جبران خليل جبران .

__________________

ركل مجدي الطاولة البلاستيكية التي كانت تتواجد أمامهم وهو يصيح بجنون:

-زهران فين ياض أنتَ وهو…..

من الخلف جاء زهران وخلفه الصبي يحمل أرجيلته هاتفًا بنبرة جهورية:

-مين الجحش اللي بيسأل عني وبيجحش كده؟!!.

هل كان من المنطقي صمت نضال!!

أم خضوع دياب بعد تلك التصرفات حينما تناثرت محتويات الطاولة عليهما!!

ما حدث هو أن…

 دياب لكم الشاب الذي جاء وركض من السيارة التي كانت تأتي خلف سيارة مجدي حينما أقترب من نضال يرغب بالاطاحة به لأنه  أمسك مجدي من ياقة قميصه وسدد له عدة لكمات خلف بعضها هو الأخر………..

مما تسبب جميع من يقف في شارع خطاب حولهم في تلك اللحظات..

صاح نضال بنبرة غاضبة وهو ينظر في أعين مجدي مباشرة:

-لما تيجي لغايت عندنا، وتيجي تتكلم قصادي وتسأل عن أبويا تتكلم عدل لأن ساعتها مش هحترم أن راجل كبير والاحترام مينفعش لـراجل *** زيك.

مازال نضال يتذكر من وسط حديث تلك الفتاة التي لا يتقبل وجودها قولها بأنه كان يقوم بسجنها بل تطاول عليها أكثر من مرة حتى أنه صفعها من أجل أن تصمت وتتوقف عن الصراخ…

ثم تحدث بنبرة واضحة:

-ولما تيجي يا روح امك في مشكلة في منطقتنا اعرف أن الاربع رجالة اللي جايبهم هيضربوا قبلك..

لم يقترب الرجال التي كانت تقف في الخلف بجوار وفاء الكبيرة “شقيقة مجدي” حينما شاهدوا لكمة دياب للرجل التي أطاحته أرضًا…

غير العاملين بالجزارة الذين خرجوا من الداخل حاملين الآلات الحادة دون أن يطلب منهم أحد….ومن دون أن يفهم أي شخص منهم ما يحدث لكن كل ما يعرفونه بأنه لا يجب عليها ترك المعلم زهران وولده بمفردهما…

تحدث زهران بتوتر وخوف حقيقي ليس من أجل شيء أكثر من أن يتورط ابنه نضال أو صديقه في مشكلة:

-خلاص يا نضال سيبه وأنا هتكلم معاه بالطريقة اللي يفهمها..

لم يتركه نضال إلا بعد أن لكمه مرة أخرى وعاد يجلس بجوار صديقه دياب بينما زهران أخرج جميع العاملين من الجزارة وجلس في الداخل مع مجدي ووفاء شقيقته فقط والباب مغلق عليهم…

بعدما قام العمال بوضع اللحوم المعلقة كلها في الثلاجة…..

لم ينسِ زهران في وسط هذا كله….

أرجيلته التي تقوم بتهدئه أعصابه حسب وصفه…

-ما شاء الله ريحتكم لسه **** زي ما هي..

كانت وفاء تضع الثلج على وجه شقيقها بعدما أتى به أحد الشباب بناءًا على طلب زهران، أما مجدي الذي تحفز في جلسته هاتفًا بغضب:

-احترم نفسك يا زهران…

أردف زهران ساخرًا:

-والله وطلع ليك صوت يا واد يا مجدي طول عمرك زي النسوان صوتك ناعم ومكنش بيتسمع بقيت جحش قد الدنيا كده امته…

نهض مجدي من مكانه هاتفًا بغضب بعدما دفع شقيقته عنه:

-واضح أنك مش عايز تتكلم ولا تحل بنتي فين يا زهران…..

نهض زهران بعدما ألقى خرطوم الأرجيلة على الطاولة هاتفًا بنبرة جادة:

-بنتك؟ هو أنتَ خلفت ولا إيه يا مجدي محدش قالي يعني..

صاح مجدي بجنون:

 -متسعبطش يا زهران البت مختفية بقالها أسبوع وأكتر وأكيد جت على هنا.

هتف زهران ببرود ونظراته كانت مفعمة بالسخرية:

-أنتَ بتكلم المعلم زهران خطاب اللي ميعرفش حاجة اسمها استعباط، بس أنا هريحك أصل خد بالك يا واد يا مجدي يا اللي متسواش في سوق الرجالة حاجة، لو كنت سألت السؤال بطريقة صح وقولت فين بنتك اللي خبيناها عنك السنين دي كلها كنت قولتلك يا واد يا مجدي بنتي في بيت أبوها…

أردفت وفاء بنبرة متوترة رغم أنها هي من ساعدت وفاء “ابنة ميرفت” في الهروب رُبما كانت تمر بصحوة ضمير لا تعرف…لكنها في كل الأحوال لا تريد أن تكون الفاعلة في نظر شقيقها:

-يا زهران، ميرفت كانت بتقول أي كلام و……

قاطعها زهران بشراسة:

-أنتِ بالذات تخرسي خالص علشان أنتِ أساس المصايب كلها ومش عايز أسمع صوتك أحسن ليكي…

ثم نظر ناحية مجدي هاتفًا بتهكم:

-والله أنا لو عليا كنت قتلتك هنا بس نعمل إيه حظك بقا ربك خلقني راجل بحب الحياة ومش شايف أنك تستاهل اضيع اللي باقي من عمري عليك في السجن علشان *** زيك، وفي نفس الوقت خايف على ابني وصاحبه اللي عندهم استعداد متخرجش من هنا حي…

ابتلع زهران ريقه ثم أسترسل حديثه مستهزئًا:

-وبعدين يا مجدي يوم ما تيجي تتخانق في منطقة مش منطقتك وتحديدًا جاي في شارع خطاب ولـ عيلة خطاب كان المفروض تكلف نفسك عن كده بدل ما جايب أربع ولا خمس رجالة واحد فيهم دياب أداله قلم حضن الأسفلت…

صاح مجدي بغضب واضح وهو يمسك بكيس الثلج يضعه على وجهه الذي أصبح يجمع العديد من الألوان:

-بقولك إيه يا زهران، أنتَ طول عمرك راجل كتير الكلام وأنا مش ناقص رغيك، أنا عايز البت بدل ما والله أروح ابلغ عنك واقول أنك حابس بنتي في بيتك..

تحدث زهران بعدما أخذ نفس من أرجيلته حينما ألتقط الخرطوم مرة أخرى:

-وماله نروح القسم يا سلام يلا ده أنا نفسي والله وبالمرة البت وفاء تطلع نتائج التحاليل اللي معاها اللي تثبت إني ابوها مش أنتَ مهي هي دلوقتي معاها تحليل يثبت إني أبوها وتحليل تاني يثبت أنك أنتَ مش أبوها..

ابتلع ريقه ثم استرسل الحديث متهكمًا:

-وبالمرة تحكي هناك اللي امها قالته ليها ومين زور وعمل كل ده، أصل خد بالك ميرفت اتكلت على الله مش هيطلعوها من التُربة لا مؤاخذة عشان تتحاسب لا، مش هيكون في غيرك أنتَ والقرشانة أختك اللي جنبك دي.. 

لاح الذعر على وجه وفاء والخوف الحقيقي…

أما مجدي التزم الصمت يحاول التفكير في أي شيء قد يجعل موقفه قوي وتحدث أخيرًا:

-البت ترجع يا زهران دي مش بنتك ومتعرفش عنها حاجة من أساسه دي بنتي وأنا اللي ربيتها…

قاطعه زهران بنبرة ساخرة:

-دي بنتي أنا اللي خبيتوها عني مش بنتك ولا أنتَ بتكدب الكدبة وتصدقها؟، قُصر الكلام يا مجدي بنتي مش هتخرج من بيت أبوها ولو عندك حاجة اعملها، وبعدين عشت طول عمرك على قفا ميرفت وأكيد قلبتها ولما فاقت كان متأخر وكتبت الحاجة لبنتها، لكن أكيد كنت لاحق نفسك وعامل من وراها خميرة حلوة.

تحدث مجدي متوعدًا:

-أنا استحالة أسيب البت واسيب كل حاجة بعد العمر ده كله يا زهران…

غمغم زهران واضعًا قدم فوق الأخرى ثم سحب نفس من أرجيلته:

-أقعد أقولك أخر كلام عندي…

جلس مجدي بينما وفاء ظلت واقفة تشعر بالقلق من نظرات زهران….

هتف زهران بنبرة جادة:

-دلوقتي أنتَ اتجوزت ميرفت بعد ما خلفت وأنا عرفت ده يعني مخلفتش وهي مراتك، فأنتم مزورين قد الدنيا ومسجلين البت متأخر وأنا عندي استعداد أجيب بدل المحامي ألف علشان احبسكم بس زي ما قولتلك حظك إني بحب الحياة ومبحبش وجع الدماغ..

غمغم مجدي بعدم فهم وهو يعقد حاجبيه:

-أنا مش فاهم حاجة منك اختصر يا زهران…

تمتم زهران بنبرة هادئة:

-بُص يا مجدي أنتَ تستاهل الحرق بجاز وسخ بس أنا مش عايز عيالي يدخلوا في الموضوع مش علشان خايف منك لا علشان خايف عليك فعلشان كده أنا هكون راجل عادل معاك..

تحدثت وفاء هنا بعدم استيعاب:

-يعني إيه مش فاهمين؟.

وضح زهران ما يريده بنبرة جادة ما يقوله:

-هديكم حق ربنا اللي محدش فيكم يعرفه؛ هخلي بنتي تكتب حقك من ميرفت الورث اللي كان المفروض تاخده الطبيعي وكده أنا كارمكم على الآخر أصل محدش فيكم يقنعني أن البت تهمكم أنتم كلاب فلوس وكل اللي شاغلكم بس أنكم طلعتوا من المولد بلا حمص…

هتف مجدي بنبرة مترددة تحت نظرات شقيقته:

-اديني مهلة أفكر واوزنها..

تحدث زهران بلا مبالاة:

-براحتك فكر مع نفسك بس ده مش هيتم في كل الأحوال إلا لما بنتي يكتب في بطاقتها وشهادة ميلادها تكون على اسمي لأني سألت المحامي وقالي على الإجراءات وأي بني أدم فيكم هيحاول يعطل الموضوع أو يعمل اي حاجة أقسم بالله العلي العظيم هتشوفوا وش محدش فيكم خياله جابه من زهران خطاب…..

ابتلع زهران ريقه ثم أسترسل حديثه:

-اديني رقمك علشان ابقى اكلمك واشوفك وصلت لأيه، وياريت تتكلوا على الله ده يا بخت من زار وخفف يعني، وخد الرجالة اللي أنتَ جايبها دي، جسم على الفاضي شافوا اللي جايبهم بيضرب وواحد بس فيهم اللي اتحرك واتسك على قفاه، بس يمكن مكنتش دفعت ليهم ما أصل أنا عارفك البخل بيجري في دمك….

بعد دقائق…

رحل مجدي وشقيقته والرجال…

ثم عاد الجميع إلى عمله…

فدخل نضال إلى أبيه هاتفًا بغضب وشذر ويتبعه دياب:

-ليه سيبتهم يمشوا؟..

تمتم زهران بنبرة هادئة:

-حاول تتعلم مني حاجة يا نضال مهما اللي قدامك عمل فيك ومعاك مش دايما الضرب والخناق بيجيب نتيجة لازم تطلع كسبان ومريح دماغك، متقلقش الموضوع هيتحل أهم حاجة محدش يحكي للبت وفاء حاجة دلوقتي انا لما افضى كده وارتب دماغي هقولها أنهم جم….

تحدث دياب بنبرة مرحة وساخرة في الوقت ذاته تحت نظرات نضال المشتعلة:

-الله عليك يا عم زهران مدرسة والله محتاج تعمل كورسات للناس…

نظر له نضال بغضب هو الأخر مما جعل دياب يحاول تعديل كلماته:

-لا يعني مش أوي يا عم زهران مش كل حاجة برضو الواحد يكون فيها كده عنده لا مبالاة..

قال زهران ساخرًا:

-ولا لامبالاة ولا غيره ملكوش دعوة بيا أنتم مش كان وراكم مشوار أصلا متأجل بقاله كام يوم اتصلوا بالراجل وروحوا شوفوا مصالحكم…

______________

خرجت إيناس من المستشفى وجلست في الحديقة بعدما اعطتها الفتاة راحة لمدة نصف ساعة حتى تتناول شيئًا وتكون هي أنهت ما تفعله من شغل إضافي ليس لها علاقة به…

جلست إيناس على المقاعد المتواجدة في الحديقة وعقدت ساعديها تحاول الشعور بأي شيء مختلف…

هل هي سعيدة بعملها؟!.

هي ممتنة بأنها قد أخذت فرصة كهذه…

لكنهل في ذات الوقت خائفة لن تنكر أو ليس الخوف بمعناه الصحيح بقدر ما هو رهبة…

هي تعمل لأول مرة في حياتها..

يتملكها شعور رهبة الطفل في أول أيامه الدراسية….

هي لأول مرة تحتك بهذا الكم من الناس والتي يجب أن يكون لديها في الغالب رد على أسئلتهم مهما كانت طويلة وغريبة…

وأن يكون لديها من الصبر ما يكفي حتى يجعلها تتحمل أساليب مختلفة من ردود الناس….

منذ سنوات..

 و “عمرو” يكبحها عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي كان من الممكن أن يمر شهر كامل ولا ترى الشارع فيه، إلا لو استعطف عليها وجعلها تذهب إلى عائلتها، وفي الغالب تخدم والدته التي كانت من الممكن أن تأتي يوميًا وهي عليها استقبالها دون النطق بحرف….

متحملة جميع كلماتها وتعليقاتها السخيفة دون أن تشتكي لأنها لو اشتكت تعلم ما ينتظرها…

كان دائم الشك بها..

لذلك كان يمنعها حتى من شراء طلبات المنزل..

ولو تحدثت مع أي رجل صيانة بطريقة عملية بحتة يصرخ ويقوم باستخدام يده التي كانت الحل الأول بالنسبة له…

 يتهمها في شرفها بسبب واهي أو بدون سبب من الأساس دون أن يرف له جفن…

ثم يأتي في المساء ويأخذها بين أحضانه مخبرًا أياها بأنه يغار عليها وهي عليها أن تتحمل غيرته الطبيعية كونه رجل شرقيًا، كانت تتخذ موقف مرة، وتتشاجر مع مرة؛ ثم تصمت في النهاية من أجل رغبتها في ألا تكون حِمل إضافي على عائلتها هي وأطفالها..

انتفضت مرة واحدة في جلستها بسبب تلك الذكريات السيئة التي داهمتها مرة واحدة…

 ليذهب عمرو إلى الجحيم!!

لا ينقصها سوى أن يظل عالقًا في رأسها…

مازالت لا تدرك بأن المرأة قد تنسى ملامح الرجل الذي مر في حياتها، وتنسى اسمه إذا أرادت، تُنهي كل شيء كان بينهما….

 لكنها لا تنسى مقدار الإساءة والمهانة الفظيعة التي تعرضت لها.

قررت في النهاية أن تصمت جميع خلايا عقلها وأخرجت شطيرة صنعتها لها والدتها في الصباح ثم وضعتها في حقيبتها وكأنها طفلة صغيرة ذاهبة إلى الروضة أخذت تتناولها فهي لم تتناول شيء منذ الصباح…

سمعت صوت هاتفها يعلن عن اتصال ما فأخرجته من الحقيبة بسرعة رهيبة لأنها كانت تظن بأن صاحبة المكالمة هي الفتاة التي تعمل بالداخل وتريدها الآن، فهي تبادلت معها الأرقام منذ إتيانها…

لكنها وجدت رقمًا غريبًا فأجابت..

-ألو..

أتاها صوت رجل غريب لا تعرفه:

-الو، معايا مدام إيناس؟!..

تمتمت إيناس باستغراب:

-أيوة أنا مين حضرتك؟!.

رد عليها الرجل بنبرة هادئة وسريعة:

-محسوبك محمود ياست الكل…

غمغمت إيناس بعدم فهم وهي تسأله:

-محمود مين مش فاهمة؟..

خرجت منه ضحكة رجولية مميزة ثم أخبرها:

-محمود صاحب عمرو جوزك….قصدي طليقك لامؤاخذة……

صاحت إيناس مستنكرة ما يحدث:

-وأنتَ جيبت رقمي منين وازاي تكلمني من أساسه؟؟؟..

تمتم محمود بنبرة لينة:

-حقك عليا والله، أنا قصدي خير بس اسمعيني للآخر ياست الكل، أنا محمود صاحب عمرو وبصراحة هو عايزني أحل ما بينكم محدش من أهله بيحاول يحل وأنا عارف اللي فيها يعني، اه هو مش راجل عدل بس يعني مفيش مانع تحاولي علشان العيال..

رمشت إيناس بعيناها مستنكرة جرائته وهي حتى الآن لا تدرك كيف يجعل عمرو أحد أصدقائه يحدثها!!

وهو أخبرها بنفسه بأنه قد نسى أمر الرجوع وما بينهما الأطفال فقط، إذن هو كاذب!!..

أردفت إيناس بنبرة جادة إلى أقصى حد:

-اسمعني كويس في الكلمتين اللي هقولهم ده يا أستاذ محمد..

-اسمي محمود ياست الكل..

ثم كررها مرة أخرى حتى لا تنساه:

-محسوبك محمود.

ردت عليه إيناس بقوة:

-مفرقتش؛ أنا وعمرو اطلقنا ومفيش بينا غير العيال، ومش هرجعله مهما حصل، وحتى لو كان عايز يرجع أو يزق حد يرجعنا معندناش ستات بتتكلم في المواضيع دي، الرجالة بتروح تكلم الرجالة، وبرضو أنا مش هرجعله…

قاطعها محمود بعتاب طفيف:

-وليه بس الطريقة دي يا أبلة ده أنا بقولك جاي أحل..

-لا تحل ولا تربط ولا تتصل بيا تاني، مع السلامة…

أغلقت الهاتف في وجهه ثم قامت بحظره وقد تلون وجهها باللون الأحمر القاني بسبب غضبها الواضح……………

كيف يعطي رقمها إلى صديق له؟؟

إذا كان يريد الصلح التي لا تريده هي بالمناسبة ألا يوجد شخص في عيلته يتواصل معها أو مع عائلتها ووقتها كان يأخذ رده وهو الرفض..

أو حتى كان ليتحدث هو..

هل انقطع لسانه؟

______________

في المقر الرئيسي لشركات والدها…

كانت تدور حوله تلازمه كـظله، أثناء حديثه مع العاملين والمسؤولين وأثناء سيره…

أول شيء فعلته اليوم حينما انتهى يومها الجامعي هو أنها أتت إلى هنا بعدما اتصلت به وأخبرها عن مكانه..

أخيرًا بعد فترة طويلة من اتباعه ولجا الاثنان إلى مكتب والدها الفخم، وجلس محمد على المقعد الخاص به…

وقفت ريناد بجواره هنا غمغم محمد بعدم فهم:

-ماشية ورايا رايحة جاية خيلتيني، في حاجة ولا إيه مهوا مش من عادتك يعني تيجي هنا أنا مش فاكر أخر مرة جيتي هنا كان امته؟.

كان يتحدث بجدية…

منذ دخولها الجامعة السابقة كان يتمنى أن تأتي وتعمل معه؛ تتعرف على إرثها الحقيقي فيما بعد….

حتى يطمئن قلبه عليها لكنها كانت ترفض باستمرار فهي لا تجد حياة العمل مناسبة لها أبدًا  كانت تفضل السهرات والسفر بدلًا من هذا الملل..

غمغمت ريناد بتردد ولكنها مجبرة:

-في موضوع حابة أتكلم معاك فيه ومش قادرة استنى لبكرا لما تيجي عند نينا بهية عايزة أتكلم النهاردة ولازم تقتنع.

تحدث محمد بشكٍ وهو يناظرها:

-موضوع إيه دا؟!

أردفت ريناد موضحة وهي تخبره بعدما استندت بظهرها على المكتب ومازالت تقف بجواره:

-بُص قبل ما تتعصب عليا أنا هتكلم في نفس موضوع إني اعمل فيديوهات للـ..

قاطعها محمد بنبرة جادة وهو يعيد لها ما قاله في الهاتف:

-أنا قولت لا، الفيديوهات دي أخرها تتسلي بيها، لكن مش شغل تشتغليه؟ ليه بتحبي تعصبيني وتكرري اسئلتك من تاني وأنتِ عارفة أن المحايلة مش هتجيب معايا سكة؟..

غمغمت ريناد محاولة الدفاع عما أتت من أجله:

-أكيد لو نفس الموضوع أنا مكنتش جيت لأني عارفة ردك، أنا جاية أتكلم في موضوع تاني خالص وقلبي بيقولي أنك مش هترفضه يعني..

ضيق محمد عيناه هاتفِا بفضول رغم معرفته أن مواضيع ريناد لن تروق له في الغالب:

– موضوع إيه ده؟.

أردفت ريناد بتوضيح بسيط:

-الموضوع إنه مش هيكون شغل لا أنا هساعد الناس اللي عاملة مشاريع صغيرة سواء في بيتها تو برا يعني مش هروح أماكن لحد ولا حاجة، يعني أنا عندي مشاهدات عالية وكل شوية بتعلى، إيه المشكلة لما الناس والستات بالأخص اللي عاملة مشاريع في البيت أساعدهم؟ وأعمل فيديوهات واخلي الناس تعرفهم ومن وأنا في البيت من غير ما اتحرك من مكاني…

ابتلعت ريقها ثم عادت توضح له أكثر:

-ومش هاخد فلوس أنا بس هساعدهم أنهم يتعرفوا في حد بيعمل الفكرة دي وأنا عايزة أعملها نفسي أحس إني مفيدة في حياة حد وأن في ايدي اساعد حد، أنا مش هاخد فلوس ولا هفضل اروح واجي أماكن كله من وأنا في البيت..

حاول التفكير في كلامها…

لمس تغييرًا بسيطًا…

لم تكن ريناد في السابق تفكر في مساعدة أي شخص..

حتى أنها كانت شخصية اتكالية من الدرجة الأولى حتى مع النساء التي كانت تعمل في منزلهما كانت تترك الطبق التي تتناول فيه في أي مكان مثل الفراش لأنها كانت ترى بأن هناك من ينظف خلفها ويأخذ نقودًا من أجل هذا إذا هذا من عمله، لما تكلف ذاتها أي مجهود حتى لو كان بسيطًا؟.

كوب الماء البعيد عنها وموضوع على طاولة بعيدة قليلًا كانت تطلب من أحد أن يأتي به…

تمتم محمد مخبرًا أياها موافقته وفي الوقت ذاته يحذرها:

-ماشي معنديش مشكلة، بس يكون بحدود مش عمال على بطال، يعني ميبقاش يومك كله الموضوع ده، ولو حسيت أنك برضو اخدتيه حجة علشان اوافق على الموضوع اللي رفضته ساعتها همنعك من الفيديوهات دي خالص، وأهم حاجة ميقصرش الموضوع على دراستك…

ابتلع ريقه وهو يخبرها بأمر جديدًا لأول مرة يطرحه عليها أو بمعنى أصح يفرضه عليها فهو لا يقوم بأخذ رأيها:

-واعملي حسابك لما تخلصي الترم ده هتنزلي هنا الشغل تعرفي الدنيا ماشية ازاي حتى لو مش حابة الشغل هنا مش مشكلة بس على الأقل تكوني عرفتي الدنيا ماشية ازاي….

كانت ترغب في الرفض لكنها هزت رأسها بإيجاب حتى لا يغضب عليها بعدما وافق على أمر تلك المقاطع..

________________

ولجت رانيا إلى المستشفى…

أخذت تلقي التحية على العاملين حتى أنها مرت من الاستقبال وألقت التحية على أحدى الفتيات التي تعمل فيه….

-ازيك يا شيرين..

ردت عليها شيرين بلباقة:

-الحمدلله يا مدام رانيا، حضرتك عاملة إيه؟!.

غمغمت رانيا بنبرة هادئة وهي تلقي نظرة على الفتيات التي تجلس بجوار شيرين:

-هي يمنى مشيت ولا إيه؟!.

انقطعت يمنى عن الاتصال بها وبسبب تغيير هاتف رانيا ضاع رقم يمنى من بين عدة أرقام قد اختفت…

أردفت شيرين بتلقائية:

-اه اتجوزت بقا والمشوار هيكون بعيد عليها علشان كده مشيت بقالها اسبوع وشوية او اسبوعين كمان..

تحدثت رانيا بنبرة هادئة رغم انزعاجها لكنها لم تحاول أن تظهره:

-تمام ماشي، أنا رايحة أقابل دكتور جواد أشوفك وأنا ماشية يا شيري باي…

ابتسمت له شيرين بإيجاب فرحلت رانيا بينما الأولى عقبت بانزعاج حقيقي ناظرة ناحية إيناس:

-يخربيت دم أمك مش عارفة كان متحملك ازاي دكتور جواد ولا اي بني أدم متحملك ازاي…

رفعت إيناس رأسها عن الحاسوب الذي يتواجد أمامها والتي كانت تعطيه تركيزها بالكامل من أجل الملف التي طلبت منها شيرين مراجعته، حتى أنها لم تسمع ما قالت لكنها شعرت بأنها تفوهت بشيء:

-بتقولي حاجة يا شيرين؟.

غمغمت شيرين ساخرة وهي تخبرها:

-هو اأتِ قاعدة في حتة تانية يا إيناس؟ مش شايفة اللزجة اللي لسه معديه دي..

أردفت إيناس بجدية:

-مشوفتش حاجة..

أشارت شيرين بيدها دون أن تلفت الانتباة:

-اهي واقفة عند الاسانسير لابسة بلوزة نبيتي..

نظرت إيناس إلى حيث أشارت شيرين ورأتها فقالت بعدم فهم:

-مين دي؟! وعملت إيه مش فاهمة أنا مكنتش مركزة معاكم خالص. 

قامت شيرين بتحريك المقعد لتقترب من مقعد إيناس:

-دي مدام رانيا طليقة دكتور جواد عز الدين وبنت عمه..

عقدت إيناس حاجبيها فهي سمعت عنها العديد من الأحاديث من قِبل أحلام…لكنها لا تفهم ما يحدث الآن……..

أردفت إيناس بنبرة جادة:

-طب وأنتِ مضايقة منها ليه ولا مالك بيها أصلا؟.

قالت شيرين بجدية نبرة حانقة:

-علشان ست بايخة، كل شوية تيجي تنط للراجل، والبت يمنى اللي مشيت وفي دكتورة نسا هنا صاحبتها أوي كلهم كانوا بينقلوا ليها تحركات الدكتور، بصراحة دكتور جواد راجل جنتل وطيب معرفش ليه حظه مهبب في الستات اللي بيعرفها.

ثم أسترسلت حديثها بثرثرة واضحة:

-كان برضو هيتجوز تاني عليها، دكتورة أحلام متختلفش في حاجة عن بواخة مراته الأولانية…

قاطعتها إيناس بانزعاج من ذكر أحلام:

-خلاص يا شيرين بطلي كلام لو حد سمعك….

قاطعتها تلك المرة شيرين وهي تخبرها:

-ياستي هو أنا بحكي حكايات غريبة؟ دي المستشفى كلها كانت عارفة علاقته بالدكتورة دي بس الحمدلله غارت في داهية مكنتش بطيقها…

أحلام الصديقة التي لم تعد كذلك ويبدو أنها لم تكن صديقة لها فقط عقلها كان من يهيأ لها تلك الصورة…

لم تندهش منها حينما لم تحاول الحديث معها..

كيف لها أن تنتظر منها شيئًا وهي فتاة قامت بسرقة أخيها..

أي وفاء كانت تنتظره منه؟!

أردفت إيناس مختصرة:

-ملهوش لزوم يا شيرين أنا مبحبش أتكلم على حد معرفهوش، كل ده نميمة وغيبة وبعدين احنا مالنا احنا شغالين هنا وخلاص..محدش عارف ظروف الناس احنا بنحكم من اللي شايفينه من برا وكل ده ميخصناش.

ضيقت شيرين عيناها هاتفة بعدم فهم:

-هو احنا لما منتكلمش على الرايح والجاي هتكون فين المتعة والتشويق؟ بقولك إيه شكلنا مش هنعمر مع بعض ده البت يمنى الخباثة وعصفورة رانيا كانت أرحم منك…

“داخل مكتب جواد”

هتف جواد وهو يخبر مساعدته الشخصية:

-مش عايز مدام رانيا تدخل لو جت تقوليلها إني مش هنا أو عندي عملية مفهوم؟.

هزت الفتاة الجديدة رأسها بإيجاب:

-تمام يا دكتور.

هو قام بتغيير الفتاة السابقة التي كانت تعتبر جندي من جنود رانيا الكثيرة جدًا ويصعب عدها…

كان يتوقع إتيان رانيا بسبب اتصالاتها المتكررة به منذ ليلة أمس بعد مدة انقطعت فيها عن الاتيان وتوقفت فيها أخبارها…

كان الباب مفتوحًا…

فولجت رانيا منه ببسمة واسعة مرسومة على ثغرها وشفتيها المنفوخة أثر الإجراءات التجميلية التي تجريها….

-مساء الخير يا جواد..

زفر جواد بضيقٍ محاولًا تمالك نفسه قدر المستطاع:

-طب روحي أنتِ يا نيرة دلوقتي واقفلي الباب وراكي..

-تمام يا دكتور..

قالتها الفتاة قبل أن ترحل وتغلق الباب خلفها كما طلب منها…

تحدث جواد بنبرة غاضبة حقًا وهو ينهض من مكانه:

-إيه اللي جابك يا رانيا؟.

قالت رانيا بعتاب واضح:

-ده اللي ربنا قدرك عليه تقوله بعد الفترة دي كلها مشوفتش وشي فيها..

قال جواد بنبرة جادة وهو يخبرها:

-كانت أحلى فترة في حياتي والله، ممكن أفهم إيه اللي جاب جنابك لغايت هنا، مهوا مش معقول كل مرة هزعق واقولك متجيش مش عايز اشوف وشك والله أنا عامل حساب كرامتك اللي ببعترها أكتر منك..

تمتمت رانيا بانفعال شديد:

-كل ده علشان جيت أسلم عليك لا أكتر ولا أقل.

-متسلميش يا رانيا مش عايزك تسلمي ولا تتعبي نفسك شيليني من دماغك، ولو يا ستي بتعدي صدفة سبحان الله من طريق المستشفى غيريه وريحيني…شوفي طريق غيره..

ثم صاح حقًا تلك المرة:

-ده ناقص اعمل بانر قدام المستشفى اقول ممنوع دخول رانيا واحط صورتك واسمك بالبونت العريض.

سألته رانيا بغضب حقيقي:

-للدرجة دي بتكرهني؟

رد عليها جواد بتوضيح:

-لما بشوفك دمي بيفور يا رانيا، ده اللي عملتيه عمرك كله كوم واللي عملتيه من بعد وفاة بابا ده بقا في كوم تاني لوحده، ياريت تحسي إني فعلا بتنرفز لما بشوفك.

تمتمت رانيا بنبرة جنونية:

-والله مفيش فايدة فيك فعلا، كل مرة بقول هيعقل لكن مفيش فايدة أنا همشي أحسن.

غمغم جواد ساخرًا منها:

-خلاص ريحي دماغك مني مدام مفيش فايدة فيا.

أنهى حديثه وهي نظرت له بغيظٍ كبير ثم رحلت تحاول التفكير في أي شيء جديد كانت حمقاء بل أكثر من حمقاء حينما طلبت الطلاق منه…

_______________

يقوم دياب بتوجيه الكاميرا على كل ركن في المكان بعدما اتصل بصديقهما “طارق” “فيديو كول”…

أما نضال كان مع الرجال في الخارج مودعًا أياهم تحديدًا صاحب المكان السابق..

تحدث طارق عبر الهاتف:

-الصورة منغمشة شوية..

رد عليه دياب بنبرة هادئة ومتوقعة:

-هتلاقي النت متنيل متقلقش عمومًا أنا صورت فيديو وصور كتير هبعتهالك على الواتس هتكون اوضح كتير عن كده.

تمتم طارق وهو يهز رأسه موافقًا:

-ماشي مش مشكلة، المهم نضال فين؟.

تحدث دياب متذمرًا:

-والله معرفش غطس بقاله ساعة المفروض راح يوصلهم هتلاقيه بيرغي برا معاهم..

أتاه صوت طارق من الهاتف:

-طيب هو ليه مطنشني ومش عايزني ابعتله الفلوس؟! أنا مش فاهمه..

رد دياب عليه بصراحة مطلقة دون مراوغة:

-هو مش عايز يأخد منك فلوس علشان أنتَ مش هتكون موجود علشان تمضي وهدير مينفعش تمضي لأنها صغيرة، مفيش حاجة هتضمن حقك فهو منتظر على الأقل يبدأ الشغل وساعتها تتأكد أن الدنيا وتدخل معانا بقلب جامد..

غمغم طارق بضيقٍ واضح:

-أنا مش مخونكم يا دياب؛ أنا واثق فيكم أكتر من اللي من دمي حتى لو اختي عملت معايا كده ده مش معناه إني هخونكم، أو اخَون نضال…

أردف دياب مختصرًا:

-والله مش عارف بقا ابقى كلمه في الموضوع ده لوحدكم كده بليل..بس ياريت مطلعنيش فتان في الأخر….

جاءه صوت طارق وهو يخبره بعدما اختفت صورته:

-ماشي، الناس اللي شغالة معايا جم اهو، هقفل دلوقتي وهبقى اكلمكم بليل، يلا سلام..

هتف دياب قبل أن يغلق المكالمة:

-سلام…

أخذ دياب يسير في المكان يفحصه تلك المرة بعينه هو ومن أجل نفسه بدلًا من تصويره للغير…

يراه بأعين قلقة من الخطوة الجديدة..

هي أخر نقود معه تقريبًا…

ترك فقط جزء بسيط إذا احتاجت والدته أي شيء وباقي المصاريف والجلسات هو يأتي بها من خلال عمله في مشويات خطاب ومن أجره في التوكتوك، غير معاش والده…

يتمنى أن تكون تلك الخطوة تستحق المخاطرة…

يتمنى التوفيق…

هو لأول مرة يُخاطر بفعل شيء كهذا….

جاء نضال من خلفه هاتفًا بنبرة هادئة:

-إيه قفلت مع طارق؟.

رد عليه دياب بهدوء:

-اه قفل وراه شغل وهيكلمنا بليل، يلا بقا احنا اتأخرنا وأنا ورايا مشوار وفي حاجات عايز اروح اجيبها.

تمتم نضال بابتسامة صافية:

-ماشي يلا نمشي، وأنا كلمت عمومًا الناس هتيجي تشتغل من بكرا وزي ما أنتَ شايف المكان مش محتاج تعديلات كتير زي أي مكان تاني ودي من ضمن الحاجات اللي لفتت نظري أنه مش هنحتاج نصرف كتير فيه، أنا متفائل يعني…

ابتسم له دياب محاولًا الحديث بطاقة إيجابية استمدها من صديقه:

-خير ان شاء الله يا نضال ربنا يعمل لينا كل خير.

_______________

عند عودتها من العمل أخذت تصنع الطعام….

أما سلامة ذهب لتصليح شيء في سيارته لذلك كان لديها مساحة من الوقت من أجل أن تصنع الطعام وهي تتبع أحدى الوصفات التي أخذتها ودونتها في دفترها من والدتها من أجل أن تصنع طاجن بزلاء بالجزر واللحم، وأرز بالشعرية…سلطة خضراء..

أثناء قيامها بوضع الطماطم في الخلاط الكهربائي صدع صوت الجرس، هناك زائر على ما يبدو!!

لو كان سلامة لما كلف نفسه عناء الضغط على زر الجرس كان لـيستخدم مفتاحه…

تركت كل شيء تفعله وخرجت من المطبخ..

وجدت إسدال الصلاة الخاص بها موضوع على أحد المقاعد فأخذته وأرتدته بسرعة كبيرة ثم توجهت صوب باب الشقة وقامت بفتحه لتجد أمامها زهران….

وجدت أمامه الأرجيلة الخاصة به فتحدثت باستغراب:

-في إيه يا عم زهران؟!.

رد زهران عليها بابتسامة حنونة إلى أبعد حد:

-جرا إيه بس يا بنتي يعني مش ترحبي بأبوكي؟..

شعرت جهاد بالحرج فولج زهران هو وأرجيلته بعدما ابتعدت عن الطريق هاتفة:

-لا طبعًا اتفضل يا عم زهران…

دخل زهران وجلس على أقرب مقعد من الباب بينما جاءت جهاد وجلست على الأريكة متمتمة:

-في حاجة يا عم زهران ولا إيه أصلي بعمل الأكل وسلامة قال نص ساعة وجاي بالكتير ويدوبك لازم الحق اخلص الاكل علشان متحصلش مشكلة..

غمغم زهران بنبرة جادة:

-لا متخافيش أنا مش هطول عليكي يا بنتي..

ثم صاح بقوة وهو يخبرها بعدما سحب نفس من أرجيلته قبل أن ينطفئ الفحم بالتأكيد هنا لا يتواجد أدوات قد تساعده:

-وبعدين مين ده اللي يعمل مشكلة وأنا هنا؟! وبعدين أنا بهدلته لما عرفت أنه اتخانق معاكي هو جايبك هنا تطبخي وبس ولا إيه انشفي كده…

تحدثت جهاد بتردد:

-والله يا عم زهران، أنتَ بتسخني عليه أكتر من سلمى اختى.

غمغم زهران بنبرة هادئة بعدما أخذ نفس من الأرجيلة:

-يا بنتي أنا عايز مصحلتك أنا هنا من أجل حقوق النسوان، أو بلاش النسوان نخليها المرأة علشان تكون حاجة فخمة كده زيي..

صمت لبضعة ثواني ثم قال بجدية شديدة وهو يخبرها:

-مش ده الموضوع اللي أنا طالع علشانه يا بنتي..

أردفت جهاد بعدم فهم وهي ترفع أحدى حاجبيها:

-يا عم زهران من ساعة ما طلعت وأنا والله نفسي أفهم إيه هو اللي حضرتك طالع علشانه، أنا شخصية فضولية ونفسي تدخل على الموضوع علطول.

تمتم زهران بحنان فائق الحدود وبمسكنة:

-عايزك تقربي من البت وفاء ويارب ما تكسفيني، مع إني مكرهش قد اسم وفاء بس منه لله اللي كان السبب….

ابتلع ريقه ثم حاول أن يسترسل حديثه بجدية ويترك أمر الاسم لوقتٍ لاحق:

-المهم يا جهاد أنتِ قدها في السن غير انتصار برضو، يعني لو قعدتي معاها شوية واخدتي بحسها بدل ما هي لوحدها وأنتِ عارفة الظروف اللي فيها وهي ازاي قلقانة من موضوع ولاد الـ*** دول وبعد اللي حصل امبارح…

كان يسترسل حديثه بتأثر شديد لأول مرة تراه:

-البت بتبات لوحدها تحت وأكيد هي لسه مش واخدة عليا أنا ونضال علشان تقعد معانا، طول النهار حابسة نفسها وفي حواجز كتير وأنا مش عارف اتكلم معاها أوي.

غمغمت جهاد بنبرة مترددة:

-بس يعني هتطفل عليها؟..

رد عليها زهران ببساطة:

-أكيد لا وبعدين يعني لولا أن سامية ايدك منها والقبر كنت قولتلها تعمل كده بس أنتِ عارفة سامية مش بنت سبعة بنت تسعة، وهتقعد تقرفني غير أنها اتجوزت وبعيد لكن هنا أنتِ قريبة منها..

ثم حاول أن يبذل مجهودًا أكبر في اقناعها:

– وبعدين مين قالك ده هيكون تطفل مش يمكن هي مستنية منك خطوة تقربي منها وترتاح معاكي في الكلام أنتم بنات زي بعض ومن سن بعض..

نظرت له جهاد باستغراب، لأول مرة تلمس جانب أخر من زهران، هو لحوحًا ومُحبًا من أجل أولاده، حتى من أجل فتاة رأها في مدة تقل عن شهر، بينما هي وشقيقتها تخلى والدهما عنهما في أهم فترة في حياتهما…

تمتم زهران بعدم فهم حينما لاحظ شرودها:

-روحتي فين يا بنتي؟.

ردت جهاد بعد تنهيدة خرجت منها:

-معاك يا عم زهران، حاضر من عنيا هحاول متقلقش…

قاطع حديثهما سلامة الذي ولج من الباب يصيح وهو يحمل بعض الأكياس البلاستيكية:

-أنتِ يا جهاد هانم سايبة الباب مفتوح علشان تلمي القطط تاني يعني ولا إيه؟! المرة دي تدخل هي وعيالها صح؟!

ثم اندهش حينما ولج وأغلق الباب خلفه ليجد والده بالداخل:

-بابا..

رد زهران عليه ساخرًا:

-لا ماما…وبعدين أنتَ لسه خايف من القطة عيب والله.

أخذ سلامة يحرك أنفه بطريقة استكشافية ليغمغم:

-استنى بس يا بابا أنا مش شامم ريحة أكل…

قالت جهاد بتوتر:

-أنا كنت بعمل الأكل وجه عم زهران و أنـ

قاطعها زهران بانزعاج لا يقبل أن تثبت التهمة عليه:

-أنا يا بنتي عملت إيه بس؟! أنا مستنى ابني علشان واحشني وقولتلك اعملي الاكل وبطلي تاخدي الموضوع حجة لازم جوزك يرجع يلاقي لقمة يأكلها….

أتسعت أعين جهاد هاتفة بعدم تصديق:

-والله يا عم زهران أنا مبقتش عارفة حضرتك مع مين..

نهض زهران وحمل أرجيلته هاتفًا بنبرة جادة لا تتكرر كثيرًا:

-هو أنا كده طول ما أتتِ عايشة معايا يا بنتي مش هتعرفي أنا فين ومع مين؛ يلا اسيبكم أنا بقا….

غمغم سلامة بعدم فهم:

– كنت عايزني في إيه؟

تمتم زهران ببساطة وهو ينظر إلى سلامة:

-أبدًا مكنتش عايزك أنتَ، أنا كنت بطلب من جهاد بنتي حبيبتي أنها تنزل وتقعد مع اختها شوية..

تحدث سلامة بغباء واضح وهو يضيق عينه:

-وهي سلمى بتعمل إيه تحت هنا؟!.

قال زهران وهو يهز رأسه بفقدان أمل:

-مفيش فايدة، مفيش فايدة فيك يا ابني..

أردفت جهاد موضحة إلى زوجها بعدما نهضت ووقفت بجواره:

-قصده على اختك يا سلامة، وفاء..

تمتم زهران بغضب حقيقي:

-أنا لازم قبل ما أحل الموضوع مع أبوها نشوف صرفة واغير اسمها كل ما اسمع اسمها دمي بيفور…

بدأ سلامة يُدرك الأمر فأعتذر من أبيه هاتفًا:

-معلش يا بابا أنا كده لما مبأكلش مخي بيقفل ويتخن.

عقب زهران:

-حتى وانتَ واكل يا سلامة بتكون نفس الدماغ الخربانة مفرقتش كتير يا ابني..

رحل زهران…

بينما أشار سلامة ناحية المطبخ هاتفًا بجدية:

-يلا ياستي، يلا أبوس ايدك اكليني…

ثم غمغم متحسرًا:

-الواحد مش عارف يقول لأبوه أقعد كُل معايا وامسك فيه لأننا لسه بنجرب وبعدين ده واخد على أكل مشويات خطاب وأكل نضال يعني هنقل من نفسنا لو قعدناه.  

صاحت جهاد وهي تخلع الإسدال عنها:

-أقعد كده أحبط فيا…

هتف سلامة وهو يضرب كفًا على كفٍ بنبرة جادة:

-لا ولا أحبطك ولا غيره، أنا هدخل أخد دش وأغير هدومي وهقعد وهديكي وقتك ومش هستعجلك حتى لو كلنا الفجر بس ياريت في الأخر نأكل حاجة عدلة يعني…..

______________

ذهبت إلى العمل بجسدها أما عقلها كان في مكان أخر…..

 لم يكن لديها طاقة أبدًا…

 برغم وجودها في المكان اعتذرت عن “كلاس” والآخر أعطته إلى صديقتها…

كان من الممكن ألا تأتِ اليوم من أساسه لكنها أبت ذلك لأنها تعرف بأن والدتها تقرأ حالتها وتعرف ما يحدث معها بمجرد رؤيتها جالسة أمامها بهذه الحالة سوف تطرح العديد من الاسئلة عليها….

وهي لا تحب النقاش طويلًا في مشاعرها أو مشاكلها هي عكس جهاد؛ لا تدري حقًا هل هذا لأنها محبة للخصوصية أم تخجل من أن تظهر إضطرابها الواضح في أي مشكلة تحدث تحديدًا الشيء الجديد عليها حياتها العاطفية فـ مشاركة هذا القسم تختلف عن أي قسم أخر بالنسبة لها….خالها فقط استثناء في بعض الأوقات…..

على الأقل هنا حتى لو سألها شخص عما يتواجد بها لن يصر عليها كما تفعل والدتها…

مر يومين أو رُبما ثلاثة بعد شجارهم في السينما ولم يتصل بها أو يرسل رسالة واحدة حتى، صدقًا كانت ترغب في أن يرسل لها حتى لو كان يغضب منها ويثور عليها وهي سوف ترد عليه بالمثل لكن على الأقل كان ليتواجد بينهما حديث…

بدلًا من هذا التجاهل المُريب من قِبله وهي لم تختلف عنه، هي تمسك هاتفها أكثر من عشرة مرات خلال اليوم تستعد لكتابة رسالة ثم تمسحها، تستعد للاتصال به ثم تتراجع، ترددت عشرات المرات من أن تفعل……

أمسكت هاتفها وهي تجلس في أحد الأركان في أحدى الغرف الفارغة الآن لا يتواجد بها أية دروس، وأخذت تقلب في الصور التي تتواجد بحوذتها؛ ابتسمت رغم أن أغلب الصور الخاصة بخطبتهما غريبة كلاهما ينظر في اتجاة أخر تحديدًا هي….

لكنه كان وسيم..

وسيم جدًا…

لا تدري هل هو وسيم حقًا أم أن عيناها هي من تجعله جميلًا إلى هذا الحد؟ رُبما لأن جمال من أمامنا في بعض الأحيان قد يكون صورة كونها ذهننا أكثر مما هي عليه في الحقيقة…

كانت اشبة بفتاة مراهقة تراقب صور الشاب الذي تعجب به؛ لكن لا هي مراهقة ولا هو مجرد شاب…

هو زوجها…..

من وسط شرودها في أحد الصور الذي كان مبتسمًا فيها، وجدته يتصل بها…..

ارتعشت يدها وهي تقرأ اسمه بصوتٍ مسموع وكأنها تؤكد لنفسها حقيقة اتصاله…..

-نـضـال….

ابتلعت ريقها وعقدت حاجبيها مقررة بأنها لن تجب على اتصاله، لكن ذهب قرارها إلى الجحيم وهي تقوم بالإجابة عليه بصوتِ خافت خرج منها بصعوبة عكس صوت سلمى الواضح والحاد دومًا دون سبب:

-ألو.

أتاها صوته بدى مترددًا نوعًا ما:

-ألو، ازيك يا سلمى؟ إيه أخبارك…

ردت عليه سلمى وهي تعقد حاجبيها تلك المرة ليست بحدة بقدر ما هي عدم فهم:

-أنا الحمدلله كويسة..

ثم سألته بعفوية وتلقائية:

-أنتَ عامل إيه؟!.

تحدث نضال بنبرة عادية:

-بخير الحمدلله، إيه الدنيا خلصتي الشغل ولا لسه؟

هل هو يتشاجر معها وعقلها وأذنيها يسمعان ويترجمان الحديث بشكل أخر؟!

ما يحدث غير طبيعي هو يتحدث وكأن الحديث بينهما لم ينقطع..

كأنه لم يحدث شجار من الأساس…

ردت عليه سلمى بهدوء مستمرة على ذات الوتيرة:

-اه في الشغل لسه قدامي شوية بس قربت أمشي يعني.

تمتم نضال بنبرة هادئة:

-ماشي أنا في مشوار كده هخلص وهعدي عليكي متمشيش.

ردت عليه بتلقائية:

-ماشي.

الوصول إلى هنا كان شيئًا غريبًا بالنسبة إلى نضال…

يبدو أن سلمى مختلفة عن أي أمرأة سمع عنها…

هو يعرف بأن المرأة تغضب حينما يتشاجر معها الرجل ثم يعود ويتعامل معها بشكل طبيعي وكأنه لم يحدث شيء….

 وقتها يسمع بأن الشجار يكبر أكثر لأن المرأة تظن بأن هذا عدم تقدير إلى مشاعرها؛ رُبما سلبية ويصفها بعض النساء بأن الرجل لا يستطيع المواجهة لذلك يزول غضبه ويعود للحديث بهدوء متجنبًا فتح الشجار..

تمتم نضال بتردد من فتح هذا الموضوع لكنه لم يتحمل الصمت:

-أنا مش اسف على اللي عملته…لكني بعتذر على اليومين اللي فاتوا إني متصلتش بيكي….مش بتجاهلك على قد ما أنا مكنتش عايز نتخانق أكتر…كنت عايز أكلمك لما نكون أحنا الاتنين بقينا أهدى…

حاولت قول أي شيء:

-اه معاك حق.

أسترسل نضال حديثه موضحًا بنبرة لينة:

-أنا واخد بالي أننا مش متفقين وده مش علشان احنا مختلفين عن بعض لا أحنا بنمتلك نفس الطباع وده عامل قفلة زي ما بيقولوا لأننا لسه بنتعرف على بعض من الأول خالص وده طبيعي لغايت ما نوصل لنقطة محايدة أو أرض مشتركة….أنا مش عايز أخسرك ولا عايز يكون يومي من غيرك…ولا شايف ان في خناقة مهما حصل تخلينا نشيل من بعض..

لم يجد منها رد صريح وهنا غمغم نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:

-سلمي أنتِ سمعاني ولا أنا بكلم نفسي؟.

قالت سلمى بتردد:

-سمعاك طبعًا يا نضال.

ليعترف بأن بعض الأوقات لها طريقة مميزة في نطق اسمه لا تمر مرور الكرام عليه…

-طب مفيش أي رد على اللي أنا بقوله؟.

ردت عليه سلمى باختصار وكلمات مبطنة بعض الشيء تصل معاني يفهمها من لديه فطنة:

-أنتَ قولت اللي أنا عايزة أقوله…

كررت كلماته وهي تقول بنبرة خجولة خافتة وصلت له بصعوبة بالغة:

-أنا مش عايزة أخسرك يا نضال..

أستعملت عبارته…

لا ترغب في فقدانه…

 هو بالنسبة لها ليس مجرد مكسب أو خسارة، هي مشاعر تجاهد فيها وتنتدر معرفة من سوف ينتصر فيها؟

هل المنتصر مشاعر مكبوتة بداخلها ناقمة على كل شيء أم مشاعر أخرى جميلة وملونة كانت تجاهه هو فقط؟؟

 هو اللون الذي في حياتها ودخل ليحارب سواد الماضي وعبقه…..

أما هو تعلم فن الحديث من أجلها في السابق لم يكن لديه الطاقة من أجل تحمل أمور الفتيات…

لكن وُجدت الطاقة بداخله على الأغلب..

لم تكتفِ بهذا وهي تخبره بصراحة مطلقة:

-من ساعة ما اتخانقنا وأنا كل يوم بمسك الفون وبفكر إني اتصل بيك بس كنت برجع في اللحظة الأخيرة ويمكن لو مكنتش اتصلت بيا دلوقتي كنت كلمتك أنا لما روحت…

اعجبته كلماتها لكن لم يعجبه أبدًا ترددها تجاهه لكنه يحاول أن يكون صبورًا كما لم يكن من قبل وأن يصل إلى أعمق نقطة بداخلها، يومًا ما سوف تصبح سلمى كتابًا مفتوحًا أمامه ليس بفطنته تلك المرة لكن هي من سوف تفتح الكتاب بذاتها، وتجعله يقرأ صفحاتها عن صدر رحب..

عقب نضال تعقيب مرح على كلماتها:

-كده أنا أحسن منك وقدرت أتغلب على غضبي وزعلي منك…..

ثم أسترسل حديثه بكبرياء طفيف لكن كلماته لمستها بشكل كبير جدًا:

-وأنا مش سهل عليا إني اتصل واعمل كده بس أنتِ كسرتي القاعدة، بس مش كل مرة هكسر القاعدة ساعات هحب أشوف أنا غالي عندك قد إيه وهتحاولي تطايبي بخاطري ولا لا..

ردت عليه باختصار وتوتر وهي تحك عنقها:

-أنا عمري ما هكون عايزة أنك تزعل مني يا نضال..

ليتها تستطيع رؤية ابتسامته وهو يخبرها:

-خلاص حصل خير، قوليلي هتخلصي امته علشان اجيلك..

-يعني قدامي نص ساعة كده.

_______________

في مساء اليوم التالي…

-تعالى يا واد يا سلامة عايزك في موضوع مهم جدا.

كان نداء زهران هو ما جعل سلامة يخبر جهاد بأن تصعد إلى شقتها وأنه سوف يأتي خلفها…

بالفعل ولج سلامة إلى شقة والده ثم جلس بجواره على الأريكة بينما نضال كان يجلس في القطعة الأخرى من الصالة يقوم بمشاهدة أحد الأفلام على هاتفه..

تحدث سلامة بقلق واضح وقد أتى في ظنه بأن الرجل الذي يُدعى مجدي قد أتى مرة أخرى:

-إيه يا بابا قلقتني حصل حاجة تاني؟..

غمغم زهران بعدما لاحت علامات التأثر على وجهه:

-اللي حصل لأبوك مش شوية يا سلامة، ابوك اتهان..

صاح سلامة باستنكار شديد:

-لا عاش ولا كان اللي يهينك يا بابا، قولي بس مين داس ليك على طرف…

تمتم زهران بتأثر واضح بعدما سحب نفس من أرجيلته:

-بعد ما كنت في الدور الألف وبعد سنين من الشقى واللعب النهاردة بفتح لقيتني في الدور الأول معرفش ازاي بقا اتصرف وشوف إيه اللي حصل..

تنهد سلامة وتنفس الصعداء فهو ظن بأن هناك شيء قد حدث لذلك عقب بنبرة جادة:

-يا بابا والله حرام عليك افتكرت في حاجة بجد…

صاح زهران باستهجان وغضب عظيم:

-هو اللي أنا فيه ده شوية يا سلامة؟! بقولك من الألف بقيت واحد..

تمتم سلامة بسخرية لاذعة:

-صح هو كل اللي احنا فيه عادي لكن أبوك يا نضال من ليفل الف لـ  واحد هي دي المشكلة الوحيدة اللي بتقابله…

هتف زهران بغضب حقيقي غير مفتعل:

-يعني أنا مخلف اتنين شُحطه ومحدش فيكم عارف يشوف ليا إيه اللي حصل علشان يحصل معايا كده؟.

جاء نضال الذي كان يسمع حديثهم بالرغم من اندماجه مع الفيلم السينمائي لكنه أغلقه وقام بتأجيله حتى يراه في الليل هاتفًا بتصحيح بسيط:

-لا متقولش اتنين، دول ثلاثة شكلك نسيت اللي تحت ومش عارفين نعمل إيه ولا اللي الـ *** مجدي ده هيعمل إيه..

أجاب عليه زهران بأريحية شديدة:

-لا منستش طبعًا هو حد ينسى بنته حبيبته الوحيدة أنا بس محبش أقول تلاتة علشان بتتقمصوا…

رأى سلامة بأن الأجواء على وشك الاشتعال لذلك غمغم مقتحمًا الأجواء:

-سيبكوا من ده كله في حاجة عايز أقولها ليكم..

تمتم نضال بتهكم شديد وهو يمرر يده بين خصلاته الفحمية:

-اه أنا عارف مواضيعكم وحاجاتكم المهمة دي.

قال سلامة مدافعًا عن نفسه حتى لا يتم وضعه في ذات الخانة مع والده:

-لا هقول حاجة بجد..

صاح زهران باستنكار:

– طب ما تقول يا ابني هو احنا هنتحايل عليك…

ثم أدرك شيئًا ما هاتفًا:

-هو أنتَ صحيح كنت فين كل ده جيتوا متأخر من الشغل يعني، وجهاد طلعت علطول مقالتش حتى السلام عليكم هو أنتم متخانقين ولا إيه؟.

رد عليه سلامة وهو يخبره:

-لا احنا  كنا عند الدكتورة.

انتظر نضال وزهران تفسيرًا ما..

ولم يبخل عليهما سلامة وأخبرهم بنبرة واضحة مخرجًا ما يتواجد في جوفه:

-جهاد حامل…

ابتسم نضال وكان أول من بارك له:

-ألف مبروك يا سلامة، ربنا يارب يجيبه بالسلامة….

ثم تحدث بنبرة مرحة بعض الشيء:

-يارب بس ميطلش زي ابوه ولا جده. 

تمتم سلامة ساخرًا وبنبرة مستفزة:

-ولا زي عمه يطلع زي اي حد غيرنا بقا يشوف له عيلة تانية…

تحدث زهران أخيرًا والبسمة احتلت ثغره بعدما تجاوز صدمته:

-ألف مبروك يا سلامة؛ ألف مبروك يا رافع رأس أبوك، مع أن مكنتش متوقع أن يجي منك بس…

غمغم سلامة بعصبية وخجل طفيف:

-هو إيه اللي مكنتش متوقع يجي مني ده إيه اللي حضرتك بتقوله ده؟…

ثم وجه حديثه إلى نضال هاتفًا بسخرية:

-ما تقول حاجة يا نضال لأبوك…

رد عليه نضال متهكمًا:

-دلوقتي بقا قول يا نضال؛ وبعدين احنا برضو مش عارفين ننسى القطة واللي حصل…

نهض سلامة مرفوعًا الرأس:

-أنا طالع لمراتي و ابني أو بنتي اللي مستنيني فوق علشان كفايا تهزيق لغايت كده أول مرة وأخر مرة اجي اقولكم حاجة..

ضحك نضال مغمغمًا بجدية شديدة:

-أنتَ بالذات يا سلامة استحالة متقولش أي حاجة لسانك يأكلك فيها أصلا..

…بعد مرور ربع ساعة…

كانت جهاد على الفراش، أسفل الغطاء والدموع متجمعة في عيناها، ولج سلامة إلى الغرفة لكنه توجه صوب الخزانة من أجل أن يخرج ملابس منزلية لنفسه وسألها بعفوية وهو يوليها ظهره بينما يديه تعبث في الخزانة:

-اتصلتي بسلمى وطنط قولتليهم؟.

ردت عليه جهاد بكلمات مقتضبة ومختصرة:

-اتصلت بيهم وكلمت سلمى بس قفلت من غير ما أقولها حاجة..

أقترب منها سلامة متحدثًا بعدم فهم:

-ليه؟…

انهمرت دموعها بشكل مُريب لم يفهمه وهي تخبره:

-اتكسفت أقولهم، هو أنتَ قولت ليهم تحت؟.

تمتم سلامة باستغراب من حالتها تلك:

-أيوة قولتلهم عادي..لو مكسوفة هاتي أقولهم أنا..

صاحت جهاد وهي تعاتبه بطريقة اذهلته:

-ازاي؟! جبت البجاحة دي منين..ازاي متكسفتش..

رد عليها سلامة بنبرة ساخرة:

-بجاحة إيه؟! وبعدين اتكسف ليه هو أنا ممسوك في شقة؟ أنا متجوز ومراتي حامل إيه الشيء المحرج في كده؟..

أردفت جهاد بتردد:

-معرفش هو موضوع كله محرج.

مسح سلامة دموعها بأنامله هاتفًا:

-طيب بطلي عياط وهبل يا جهاد بقا علشان العملية مش ناقصة، وبقولك إيه؟ ما تيجي نطلب أكل أنا جعان…..

حاولت مسح دموعها بعدما أنزل يده هاتفة بعدم اقتناع:

-ماشي.

كرر سلامة كلمات الطبيب:

-أهم حاجة يا جهاد الراحة؛ وفكك من الشغل بقا نروح نخلص الدنيا علشان ترتاحي اهم حاجة الراحة زي ما قال علشان أنتِ لسه في الأول…

-ماشي..

جذبها إلى أحضانه لتعانقه بحب محاولة أن تتوقف عن دموعها، رغم أن الأمر حدث سريعًا إلا أنها سعيدة رغمًا عن حرجها وبكائها الآن…

___________

في اليوم التالي…

صنعت جهاد الطعام مبكرًا اليوم…لأنها لا ترغب في تناول الطعام كل يوم من الخارج من أجل جنينها…

والغريبة أنه..

نال استحسانها واستحسان سلامة على غير العادة..

رُبما لأن كان لها وقتها ولم يكن معها في المنزل فتشعر بالتوتر…لأنها كانت أجازة مؤقتًا من العمل جتى تعرف ماذا سوف تفعل وتخبر عائلتها أولا….

 هبط سلامة مخبرًا أياها بأنه ذاهب من أجل أن يلتقي بأحد اصدقائه لذلك وجدت الفرصة سانحة بالفعل حتى تهبط وتجلس مع وفاء كما أراد منها زهران، لم ترغب في أن أول طلب يطلبه منها لا تفعله وتحديدًا حينما رأت لهفته الواضحة، ومن جانب أخر لديها فضول تجاة وفاء لذلك لم تجد أي عائق يمنعها من الهبوط والجلوس معها..

استقبلتها وفاء باستغراب بسبب شعورها في الأيام الأولى بنظرات جهاد المنزعجة تجاهها لكن سرعان ما جعلتها جهاد تعتادها فهي شخصية اجتماعية بالفطرة…

-بس ياستي النهاردة ربنا سترها معايا وعرفت أعمل مكرونة بالبشاميل، اينعم جيبت كيس البشاميل جاهز واللحمة ماما اللي معصجاها وبعتاها ليا، بس عملت..

قاطعتها وفاء بعفوية:

-أومال أنتِ عملتي إيه لما كل ده جاهز؟!

غمغمت جهاد تدافع عن نفسها ببراعة:

-رصيتها على بعضها وسلقت المكرونة وكمان خدي بالك أنا غير إني رصيتها سويتها، مش أي حد يسوي الحاجة مظبوط..

أردفت وفاء بعدما رسمت على وجهها ابتسامة رغمًا عنها يبدو أن جهاد شخصية يسعد المرء برفقتها عكس ما كانت تظن في البداية:

-معاكي حق.

قالت جهاد بمرح اثناء جلوسها على المقعد في الشرفة وأمامهما حلى “التراميسو” البارد التي صنعته وهبطت بيه وكانت بارعة في صنعه وماهرة لم تكن المرة الأولى بل كانت تصنعه دومًا لتتناوله مع سلمى:

-أنا من ساعة ما نزلت وأنا فاضحة نفسي وفاضحة جوزي من أول ما عرفنا بعض لغايت اللي حصل من ساعتين، وأنتِ متكلمتيش خالص، اتكلمي كده وسليني…

ثم سألتها وبدت كأنها أم تستجوب ابنتها وهي تنصب لها فخًا:

-مفيش حد في حياتك؟ ولا كان في حد، أصل أنا أحب اسمع قصص الحب أوى..

ردت عليها وفاء بجدية:

-أنا تقريبًا مخطوبة.

ضيقت جهاد عيناها متحدثة بعدم فهم وهي تردد جملتها:

-يعني إيه تقريبًا مخطوبة دي؟! تتصرف في أنهي بنك؛ يا مخطوبة يا لا ده اللي أنا أعرفه…

أردفت وفاء وهي تحك عنقها بتوتر ورغمًا عنها شعرت بالارتياح في الحديث مع جهاد في تلك النقطة:

-يعني خطوبتي غير أي خطوبة، وخطيبي غير أي راجل…

تمتمت جهاد ساخرة وهي تعقد ساعديها والفضول يلوح في الأفق:

-يعني إيه الكلام ده؟ أنا الفأر بدأ يلعب في عبي زي ما بيقولوا، إيه جو الفوازير والكلمات المتقاطعة ده؟ أحكي يابنتي أنا خلاص فضولي وصل السماء…

غمغمت وفاء بعد نفس طويل أخذته وهي تحاول التفسير لها:

-بصي انا اتخطبت لأنه من مجايب أبويا أو اللي كنت فاكراه ابويا، هو مغصبنيش بس أنا كنت خارجة من علاقة حب فاشلة وكانت خلاص هتبقى رسمي بس الغلط والحرام مبيكملش، المهم اتخطبت ليه قولت اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفهوش واللي يختاره أهلك أحسن لأن الأولاني مكنش على هواهم خالص رغم أنه كان جارنا من سنين..

عقبت جهاد على حديثها بعدم فهم:

-يعني هو قريبه؟.

هزت وفاء رأسها نافية وهي تخبرها:

-لا مش قريبه هو كان شريكه كانوا فاتحين كافية كبير أوي عندنا، وكان يعتبر سياحي كل اللي جاي مصايف أو جاي سياحة كان بيجي عليه، بس في النهاية مكملش فيه وأبويا خده منه واشترى نصيبه.

أردفت جهاد ساخرة:

-ياستي انا مالي بمواضيع الشغل، احكيلي عليه معاكي.

– أنا كنت وحشة معاه ومش ببل ريقه بكلمة كنت بحاول مغلطش غلطتي مع اللي قبله بس بصراحة هو كان حد غريب ممكن أقعد شهرين مشفهوش ويتصل بالعافية وكان بيختفي بشكل فظيع بس دايما كانوا يقولولي ده عادي علشان أنا من محافظة وهو من محافظة..غير أن أهله كانوا أغرب منه ومشوفتش إلا اخته..

أتسعت أعين جهاد بفضول كبير وبدأت تشعر بالرغبة في معرفة القصة كلها:

-وبعدين كملي…

أردفت وفاء بنبرة عادية:

-هو وقف معايا بصراحة وقت ما أمي كانت في بداية تعبها بس برضو كان بيختفي في النص ولما ماتت مجاش عزاني، ومن ساعتها وهو مختفي معرفش عنه حاجة حتى موبايله مقفول وأنا قلقانة عليه أو مش قلق بقدر إني مش فاهمة، ده أكتر وقت كنت محتاجاه فيه جنبي…..

غمغمت جهاد بنبرة جادة:

-الراجل اللي بيروح ويجي ده ملهوش إلا مبرر واحد يا حبيبتي..

سألتها وفاء بلهفة لعلها تجد عندها الرد:

-إيه هو؟!.

-ده متجوز ومخلف، أو تاجر مخدرات والحكومة بدور عليه مفيش حلول أخرى يا حبيبتي….

وكادت أن تسترسل حديثها لولا عيناها التي نظرت بها إلى الأسفل حينما سمعت صوت بوق السيارة وبعدها بثواني هبطت منها سامية؛ فنهضت من مكانها بحركة عفوية ولحقتها وفاء وهي تسألها:

-في إيه يا جهاد؟!

ردت عليها جهاد بتلقائية:

-سامية وجوزها جم.

سألتها وفاء بعدم فهم:

-سامية مين؟! 

-سامية بنت عمك، بنت طنط انتصار اللي كل شوية تجيلك صحصحي كده…

هبط من السيارة حمزة في الوقت نفسه وأغلق الباب خلفه بعدما رفع نظارته الشمسية ووضعها فوق رأسه هنا أتسعت أعين وفاء وتجمدت أطرافها تحاول أن تستوعب ما تراه!

كيف؟!!

ما الذي يفعله هنا؟!

هل عرف مكانها؟!

لا هذا احتمال بعيد..

ورغم أنها سمعت الإجابة من دقيقة تقريبًا إلا أنها ذهبت من عقلها وهي تسألها…

-مين اللي معاها ده؟!.

قالت جهاد وهي مازالت تنظر إلى الأسفل:

-سلامة السمع يا وفاء، بقولك بنت عمك وجوزها.

سألتها وفاء بنبرة جامدة:

-والله بجد؟ متجوزين بقالهم قد إيه؟!.

تمتمت جهاد بنبرة هادئة وهي تخبرها بثرثرة كعادتها:

-يعني بقالهم أسبوعين وشوية حاجة كده هما لسه عرسان جداد حتى معملوش فرح كتبوا الكتاب علطول……

قالت وفاء بنبرة باردة:

-أنا عايزة اروح اسلم عليهم…

نظرت لها جهاد بعدم فهم لتجدها تسترسل حديثها مبررة وهي تغتصب بسمة للظهور على شفتيها ليست في موضعها:

-عايزة أشوف بنت عمي…

-سيبك من بنت عمك سامية أنا صحيح مسألتكيش كل ده أنتِ خريجة إيه..

تحدثت وفاء والشياطين تتراقص أمام عيناها:

-في طب أسنان المفروض خلصت ثلاث سنين والرابعة امتحنت أول ترم ومكلمتش بسبب تعب ماما..

تمتمت جهاد بسعادة:

-بجد ما شاء الله…

قاطعتها وفاء بجدية وهي تخرج من الشرفة لتلحق بها جهاد بطريقة عفوية 

-انا رايحة اشوف سامية وجوزها…

بالفعل خرجت وفاء من الشقة بشكل جنوني متوجهه صوب شقة انتصار التي كانت تتواجد أمام الشفة التي تجلس فيها لم تسمع نداء جهاد ولم تتوقف…

فتح لها حمزة الباب بعد ثواني بسبب تواجد انتصار في المطبخ وسامية في المرحاض لذلك أخبرته انتصار بأن يفتح الباب بنفسه وهنا أصفر وجهه وشحب لونه وكأن الدماء هربت منه لا يدري ما الذي يراه….

تمتم حمزة بصوتٍ خافت قبل أن تأتي جهاد خلفها لا تدري ما الذي أصابها مرة واحدة:

-وفـــاء!!!!!!!!!!!!!!!!!

________يتبع________

 تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

  

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *