التخطي إلى المحتوى

حكاية فاطمة كامله وحصريه 


حكاية فاطمة كامله وحصريه 

 “فيروز” صاحبتي من عشرة رمضان وهي بتحاول تظبط يوم نتجمع فيه كلنا كبنات ونروح المزرعة بتاعة باباها نقضي يومين هناك ونفطر سوا ونسترجع ذكريات ثانوي والجامعة وفعلًا أخيرًا عرفنا نعمل كده وروحنا. 

من أول دخولي البيت وأنا جوايا إحساس غريب، لكني كنت متجاهلاه تمامًا ومش قادرة أتكلم  عنه خصوصًا قدام “ماهيتاب” صاحبة “روز” اللي إحنا ما نعرفهاش، واللي كلنا اتفاجئنا بيها أول ما وصلنا المزرعة، لأنها من البلد أساسًا. 

 كنا واصلين قبل الفطار بساعتين، يعني يدوب على ما فضينا الشنط وخلصنا كان المغرب أذن، صلينا وفطرنا وقعدنا مع بعض نهزر شوية لحد ما العشا أذنت وصلينا.. و”فيروز” قالت لنا:

  – يلا  تعالوا نقعد في الجنينة ونسهر للفجر وبعدين نصلي ونام. 

  

معرفش ليه لقيت عينيا تلقائي بتبص لـ “ماهيتاب” اللي كانت متحمسة أكتر واحدة فينا، لكني لقيت نفسي ومن غير أي إرادة مني بقولها: 

  – معلش يا “روز” أنا مرهقة جدًا ومحتاجة أريح ساعتين، روحوا انتوا وأنا هبقى  أحصلكم بعدين. 

  

هزت راسها بموافقة وهي بتقولي: 

  – ماشي يا “فاطمة”.. بس ما تتأخريش علينا، إحنا مش جايين نقضيها نوم. 

ابتسمت وأنا بقولها: 

  – ساعتين بس عشان أفوق معاكم.

 

 والكل  سابني خرج، وأنا طلعت أوضتي اللي مجرد ما دخلتها لقيت في وشي شاب في نص العشرينات تقريبًا مطـ*ـعون بسـ*ـكينة في قلبه، وعينيه مليانة غضب. 

أخدت نفس قوي وقفلت الباب  ورايا وأنا بقوله: 

  –  أهلًا.. اسمك إيه؟ 

  

= “رزق”. 

– مين اللي عمل فيك كده؟ 

=خطيبتي… “ماهيتاب”. 

ضيقت عيني باستغراب وأنا بقوله: 

  – “ماهيتاب” صاحبة “فيروز”. 

  

اتضاعف الغضب في عينيه وهو بيقولي: 

  – هي.

  

سحبت كرسي وقعدت وأنا ببصله بتركيز قوي وبقوله: 

  – إزاي؟ 

  

=ازاي إيه؟!  .. إزاي اتخانت؟.. إزاي اتغدر بيا؟.. إزاي اتضر*بت في مقـ*ـتل؟ 

لأول مرة من يوم ما زارتني أول روح أقابل فيهم روح غضبانة وثائرة، أول مرة ما شوفش نظرة حزن وخذلان في عيون زائر ، أول مرة أشوف و*حش كا*سر محبو*س جوه قفص، ولأول مرة أكون خايفة من اللي جاي، بلعت ريقي بهدوء وأنا بقوله: 

  – ابدأ من أي نقطة فيهم، أنا سامعاك. 

  

=يبقا من البداية بقا..  من أول ما كنت طالب في آخر سنة في كلية زراعة واتعرفت على بنت في سنة أولى، من أول ما خطـ*ـفت قلبي بابتسامتها.. من أول ما حبيبتها وشوفتها الوحيدة في العالم اللي تستاهل قلب مافرطتش في دقاته لأي بنت قبلها.. شوفتها بالعالم كله، حلمت معاها وبيها، حافظت عليها أكتر من رو*حي..  كنت شايفها جوهرة لازم تتصان، مجرد ما اعترفت لها بحبي ولقيت عندها القبول دخلت البيت من بابه. 

حروفه كانت حادة، وكلماته كانت غضبانة رغم إنه بيتكلم عن مشاعر حب نقية كملها: 

  – دفعت كل قرش كنت محوشه عشان أجيب لها شبكة زي صاحابتها، عشان تتباهى بيها زي ما كانت بتحكيلي عن فلانة وفلانة.. اشتغلت واشتغلت عشان أديها مصروف أسبوعي محترم تصرف منه. 

  

هزيت راسي باستغراب قوي وأنا بقوله: 

  – وإنت مالك إنت بمصروفها؟!..  إنت خطيبها مش جوزها يعني؟ 

  

= كنت واخد عهد على نفسي إني أسعدها بكل الطرق، حتى لو قومت بدور مش دوري، المهم إني أشوفها سعيدة، والحاجات دي كانت أكتر حاجة بتسعدها في الدنيا. 

ابتسمت بسخرية وأنا بقوله: 

  – وده ما لفتش نظرك لأي حاجة؟! 

  

= كنت واخد بالي،  بس برضه كنت بقول مش هتبقى إنت والظروف عليها يا واد، دي بتشتغل وطالع عينها عشان تكمل دراستها اللي أبوها رفع ايده عن مصاريفها وقالها كفاية عليا أخواتك الصغيرين.. وكنت عارف إنها واخدة الدراسة عشان تصطاد عريس كويس. 

نطقت باستغراب: 

  – إنت غريب قوي!.. يعني عارف عنها كل ده و كملت عادي؟ 

  

= قولتلك كنت بحبها،  والقلوب مفيش لنا عليها سلطان. 

ابتسمت بسخرية وأنا بقوله: 

  – مين قال كده؟!.. العقل يقدر يتحكم في القلب بكل سهولة، بس تعرف؟.. أنا فهمت دلوقتي إيه سبب كل الغضب اللي في عينيك ده.

  

 =  لو فاكراني ضعيف واستسلمت لقلبي يبقى ما تعرفيش حاجة.. أنا مجرد ما اتخرجت جيت اشتغلت هنا في المزرعة،  وبكرم ربنا ثم شطارتي ومجهودي المحاصيل اتضاعفت، والإيراد زاد، ودكتور “مصطفى” قرر يديني بيت في أول المزرعة اتجوز فيه، وجهزهولي كمان، كنت فرحان قوي إن ربنا يسرها لنا بالشكل ده، وجريت عليها أبشرها  بس لقيتها  بترميلي الشبكة وبتقولي مش عايزة أكمل. 

سألته بصدمة: 

  – ليه؟! 

  

= لحظتها ما كنتش أعرف السبب،  ولا كنت عايز أعرفه، أخدت حاجتي من سكات ومشيت من غير ما أنطق حرف، ولا كان فارق معايا حتى أعرف السبب، رضيت بقضاء ربنا وجريت على أمي اترميت في حضنها وأنا بسكت صوت قلبي اللي بيتكسر ميت حتة جوايا، الوحيدة اللي كان مسموح لي أنهار قدامها، والوحيدة اللي كنت برجع من عندها قوي وصالب طولي..  وفعلًا حطيت كل همي في الشغل ، وكنت ببات في المزرعة بالأسابيع  والشهور لحد ما دكتور “مصطفى” قالي يا ابنى خد أجازة وأخرج مع أصحابك، رفه عن نفسك. 

– معاه حق طبعًا. 

ابتسم بسخرية وهو بيقولي: 

-فعلًا معاه حق، كان لازم أكمل أجازتي مع أصحابي مش  أقطعها وأرجع المرزعة عشان ألاقي الدكتور الفاضل مع اللي كانت خطيبتي في البيت اللي المفروض كنا هنتجوز بيه. 

برقت بصدمة وأنا بتنفض من مكاني وبقوله: 

  – إنت أكيد مجنون، دكتور “مصطفى”  راجل محترم، أنا أعرفه من سنين.  

  

=الكل فاكر كده. 

  – إنت بتقول إيه؟!..  ده حتى خيالي عمره ما يفكر إنه متجوزها . 

  

كمل بسخرية أكتر: 

  – أنا بقا خيالي قالي إنه اتجوزها، لولا إنه  طلع يجرى ورايا ويترجاني ما اتكلمش، وإنها نز*وة، وهي اللي فضلت تجري وراه عشان يعبرها.. وقفت مصد*وم  قدامهم وأنا بفتكر كل حاجة حلوة عملتها عشانها، بفتكر المستقبل اللي كنت برسمه عشانها.. بفتكر أمي اللي عيطت عشاني. 

  

وهنا نبرة صوته كملت بغضب قوي: 

  – هنا قررت أمشي وأسيبهم لبعض، بس مجرد ما خرجت لقيتها بتجري ورايا في وسط الغيطان وبتنادي عليا وهي بتعيط، وقفت وبصيت لها بقر*ف وأنا مش طايق أبص في وشها، لكن دموعها في لحظة خدعتني،  وخلت قلبي يضعف قدامها ويآمن ليها، وهي قرت كل ده في عينيا، وفي لحظة لقيتها بتد*ب  سكـ*ـينة في قلبي وهي بتقولي: 

  -ما ينفعش تعيش وتفضـ*ـحنا. 

ولقيته جاي وراها بوشه الحقيقي اللي قادر يخبيه عن كل الناس للحظة دي..  كانوا بيتفرجوا عليا وأنا بمو*ت  بتلذ*ذ،  لحد ما رو*حي خرجت ووقفت تتفرج عليهم وهما بيتفقوا إزاي ينقلوا جثتي على أول الطريق بره المزرعة، وإزاي اتخلصوا من السـ*ـكينة اللي دفنـ*ـوها في الترعة، اتفرجت إزاي استقبل خبر وفا*تي،  وإزاي عيط بدموع قدام الكل، وإزاي اعتذر لأمي إنه قصر في حمايتي. 

كنت بسمعه وأنا في حالة ذهول، كأنه بيتكلم عن راجل تاني غير دكتور “مصطفى” أبو صاحبة عمري لحد ما في لحظة لقيته بيقولي: 

  – روحي حوش المواشي بسرعة. 

  

واختفى بعدها، وفعلًا فتحت الباب ونزلت أجري على اسطابل المواشي، عشان ألاقي قدامي دكتور “مصطفى” ماسك المسدس وموجهه لدماغ “ماهيتاب” وبيشتمها بأبشع الألفاظ وهو بيقولها: 

  – إنتي فاكرة لما تدخلي المزرعة مع بنتي هتهدديني وتخليني أرجعلك.. فوقي..  ده أشطر وأجمل منك ما قدروش  يعملوا معايا حاجة. 

 

  وفي اللحظة دي لقيت “فيروز” وبقية البنات واقفين جنبي وأنا مش عارفة جم إزاي، لحد ما لقيتها بتقوله: 

  – بابا!.. إزاي كده؟!.. دا أنا لما سمعت صوتك وإحنا معديين كدبت وداني.. بس قولي إزاي أكدب عينيا؟ 

  

بصلها أبوها بصدمة وهو بيقولها: 

  – أنتي فاهمة غلط يا “زور”..  دي هي اللي بتحاول معايا، وعايزة توصلي عن طريقك. 

  

هزت “ماهيتاب”  راسها بنفي وهي بتقولها: 

  – كداب.. إحنا نعرف بعض من سنتين،  وهو اللي خلاني أسيب “زرق” قبل الفرح بأسبوع،  وهو كمان اللي قالي لو فضل عايش  بعد ما شافنا سوا هيفضحنا، عشان كده خلاني أجري وراه وأقتـ*ـله،  وبعدين نقل الجـ*ـثة بره المزرعة.. أبوكي مش زي ما انتي فاكرة يا “فيروز”.. أبوكي أحقر بني آدم في الدنـ.. 

الر*صا*صة  اللي طلعت من مسد*س “مصطفى”  وسكنت دماغها هي اللي قطعت كلامها، عشان الكل يصرخ في حالة هيستريا وهما شايفنها واقعة على الأرض ميـ*ـتة  و”مصطفى” بيقرب من بنته زي المجنون وبيقولها: 

  – ما تصدقيهاش يا “زور”.. دي كدابة.. أبوكي  راجل نضيف زي ما عرفتيه كل العمر ده. 

  

 كنت غيرهم في اللحظة دي، وعينيا متعلقة بعيون “رزق” اللي لأول مرة أشوف دموعه سايلة وهو بيبصلي بحزن قوي قبل ما يختفي من قدامي، عشان أطلع التليفون وأتصل بالشرطة أبلغ عن جر*يمة القـ*ـتل اللي حصلت قدامنا كلنا. 

تمت 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *