رواية جرح الماضي للكاتبة رؤى جمال الفصل الأول
بعض الكوابيس تكون من الماضي، نعم من ذلك الماضي المؤلم ذو العقليةُ الغير ناضجةُ بالكاملِ، فلا تدعها تتحكم بك.
ماذا عن لقائنا الأول، أسوف يكون مليء بالعتابِ يا صغيرتي أم أنكِ ستحتضيني؟
في إحدى شوارع مدن الإسكندريةُ المليئة بأُناس يحملون بين دهاليز عقولهم كل المشاكل التي قد تخيل يومًا بعقلك.
اختلفت صفاتهم ومشاكلهم وتفكيرهم كل شيء اختلفا إلا الألم.
داخل ذلك المبنى بالشقة الثانية كانت تعلو الصرخات من إحدى الغرف.
: ليه ليه سيبتنى و تصرخ بألم وكأنها أصيبت بخنجر حُبك قتلني وقتل قلبي كانت تهمس بتلك الكلمات ليعلو صريخها بألمٍ مجددًا ليه قبل فرحي تسيبني، عملتلك إيه! كانت همسة خافتة تلاها كالسابق صرخةٍ بصوتٍ متعب.
أتت إحدى صديقاتها من الخارج تتدعى ألماس: نوور نور فوقي دا كابوس، نور يا حبيبتي فوقي.
فاقت تلك النور بأنفاسي متقطعة أثر ذاك الكابوس لتنطق بتقطع وهي تحتضن رفيقتها: نفس الكابوس، مش بيسيبني في حالي يا ألماس، أنا بتعذب وحاسه في نار جوايا كل ما أفتكر اللي حصلي، آااه لو تعرفي إللي حاسة بيه دلوقتي!
ابتسمت ألماس بحزنٍ لتذكرها الماضي وهمست لذاتها وهي تُمسد على خصلاتها: حاسة بيكي، حاسة بيكي يا نور.
قطعت تلك اللحظة دخول صديقتهم الثالثة من الحمام بملابس الحمام روب الاستحمام وهناك منشفة على خصلاتها بطريقة عشوائية.
هتفت تقضب حاجبيها بعدم فهم لما يحدث متمتمة: مالك يا نور، خير.
ابتسمت نور نافية برأسها وهي تنهض عن الفراش: لا يا سندريلا ولا حاجة.
تركتهم نور ورحلت لتنظر تلك الفتاة وتُدعى نورسين لألماسة قائلة: مالها دي! بقى دي جزاتي عشان أول ما سمعت صوتها خرجت جري.
صادقة يا حبيبتي.
قالتها ساخرة وهي تترجل للخارج.
مالهم دولا كانوا عايزني أخرج بدون ما أنشف شعري ولا إيه؟!
استنكرت حديثهم وأفعالهم وخرجت لغرفتها ليأتي لمسامعها حديث ألماس: لو هتنزلي الأتيلية فبسرعة عشان مش عايزة أتأخر على المدرسة أول يوم.
في مكانٍ آخر يبتعد بمسافاتٍ شاهقة عن مباني الاسكندرية وازدحامها وبإحدى مناطق القصور لدى رجال الأعمال خاصة قصر الأسيوطي.
كانت تجلس طفلة بردهة المنزل بالزي الخاص بالمدرسة على إحدى الكنبات تغني بالانجليزية إحدى الأغاني الخاصة بالأطفال بحماس شديد.
كانت على أتم الاستعداد وبغاية الفرح أنها وبعد قليل ستكن بالمدرسة لتختلط بالأطفال بسنها وتكون صداقات…
بعد مدة قليلة رأت والدها يهبط درجات السلم الداخلي بكامل أناقته وكبريائه وخلفه زوجته.
ركضت إلى والدها هاتفة بسعادة فلم تره ليلة أمس لتأخره: بابا، وحشتني جدًا.
هتفت بالأخيرة بعدما التقطها يضمها لجسده بحنان هاتفًّا بنبرةٍ حانية أصبحت منذ مدة لا تظهر إلا لها: حبيبة بابا، جاهزة يا حبيبتي للمدرسة.
في غاية الاستعداد يا باشا والسعادة.
ابتسم مقبلًا وجنتها ثم هتف بنبر حزينة: آسف يا حبيبتي مش هعرف أجي أوصلك.
ابتسمت بهدوء ثم أمائت قائلة: مفيش مشكلة أنا عارفة إن حضرتك عندك شغل.
طبعت قبلة على وجنته و ودعته لتخرج للخارج تنتظر بالسيارة.
متخفش عليها يا آسر أنا هوصلها بنفسي.
قالتها زوجته بدلالٍ مقتربة منه ليبتعد تلك الخطوان التي اقتربتهم هي قائلًا ببرود وجمود: متأكد من ده لأنه مش بمزاجك، بل أمر إنك توصليها وتهتمي بيها.
ثم أردف بضيق اطلعي يلا عشان البنت ما تنتظرش كتير.
أماءت ببعض من الضيق بسبب أسلوبه، يعاملها هكذا يوميًا وما زالت تأمل التغيير!
تحركت للخارج وقبل خروجها ناداها لتلتفت إليه مبتسمة فهي تحبه!
خير يا آسر.
أردف بذات البرود ونبرة بدت وقحة بالنسبة لها فما شأنه هو إن كان يعاملها كراعية لطفلته فقط وليست زوجته!
لبسك، يوسع ويطول شوية أنتِ مرات آسر الأسيوطي مش رقاصة في شارع الهرم.
جعظت عيناها من وقاحته في الحديث أما هو فاتجه حيث مكتبه كي يستعد كليًا للخروج.
دبدبت بقدماها بالأرض بضيق شديد ظنته سيقول أي شيء لطيف ويذوب ذاك الجليد عن قلبه، لكن كيف وهذا آسر المليء بالمفاجئاتٍ.
هبطت ألماس من تلك السيارة المشتركة بينها هي والفتيات ثم ودعتهم قبل الدخول.
استدارت كي تتدخّل ولكن قاطع سيرها صوت من الخلف، نظرت وكانت سيارات كثيرة كالأسطول لتولي ظهرها متجهة للداخل وهي تُتمتم: أكيد بنت أثرى أثرياء الكون ولازم نشيلها على راسنا.
أنهت حديثها بضحكة ساخرة وبخفوت.
هبط الحراس وأحاطو بالسيارات ينتظرون الإشارة كي يفتحوا الباب وهناك بعض الطلاب المتحمسين لرؤية الطالب أو الطالبة صاحب ذاك الأسطول.
أردفت شيري بتعالي ونبرة متكبرة بعض الشيء: ألماسة متتكلميش مع حد جوه غير ولاد عصام أو حد من ولاد أصحاب بابا.
عقدت حاجبيها بعدم فهم سائلة: ليه؟!
عشان في ناس كتير داخلين بمنح وفي ناس في الثانوي أيتام وغيره.
هتفت بتلك الكلمات لتضح رؤية للناس على حسب الطبقة الاجتماعية.
إيه اللي أنتِ بتقوليه ده! بابا قالي أصاحب أي حد براحتي.
أردفت بغضب طفيف وضيق من حديث تلك السيدة.
على فكرة أنتِ مش بتسمعي الكلام وأنا هقول لآسر
قالتها بضيق شديد من ألماسة وحديثها.
على فكرة أنا بسمع كلام بابي بس ودادة فطيمة، يالا مع السلامة.
ألماسة استني.
أوقفتها قبل أن تهبط.
استدارت ألماسة بعدما كادت تفتح الباب لتهبط مردفة: نعم؟
استني لما الحرس يفتحوا الباب.
قالتها بذات النبرة المتعجرفة ليصلها إيماء ألماسة تُجاريها بالحديث ثم فتحت الباى وهبطت.
جن جنون شيري تنظر لها بغضب ثم طرقت على زجاج السيارة؛ ليفتح الحارس الباب.
هبطت شيري هاتفة بضيق: ألماسة أنتِ قليلة الأدب.
لم يستطع لسانها الصمت لتهتف قبل أن تركض للداخل: أهو أنتِ.
صُدمت وجعظت عيناها من تلك الوقحة تُقسم أنها صورة مصغرة من والدتها الوقحة.
وبمحراب المدرسة كانت تسير ألماس لمكتبها بهدوء وهي تحلم بذاك اليوم التي ترى فيه صغيرتها.
يا الله كم طال اللقاء وزاد الشوق لها!
اصطدمت بها إحدى الطالبات لتلتفت لها…
وبإحدى أقسام الشرطة عامةً وبمكتب نور خاصةً.
كان صراخها وغضبها يملء المكان هاتفة بذالك المجرم: بالأدب كده، أعترف عشان أنا خلقي ضيق وعصبية وأعتقد إنك مش هتستحمل تاني، ف، بالأدب كده قول مين رئيس المنظمة دي؟!
هتف الآخر بتلعثم وخوف من بطشها فقد طاله بالفعل: والله، والله ما أعرفه و لا أعرف جنابك بتتكلمي عن أنهي منظمة!
أنا راجل على قد حالي!
مشت معه على مجرى الحديث قائلة: تمام، أفرض أنا صدقتك، أفرض يعني، كنت بتعمل إيه هناك وبعدين أي عن أنهي منظمة دي هو في كتير و لا إيه.
هتفت الأخيرة بصراخ لينتفض متلعثمًا: كنت، كنت، بعمل إيه!
نطقت بغضب فلا يوجد لديها وقت، وليست من النوع الصبور كي تتحمله: ها انطق بالذوق!
قطع هذا الحديث طرقات على الباب لتأذن للطارق بالدخول.
وما كان إلا العسكري يُخبرها باستدعاء اللواء لها…
بعد عدة دقائق كانت بمكتب اللواء بعدما أمرت بعودة ذالك المتهم لغرفة الحجز.
أقسم أنها ليست فتاة كأي فتاة
فكيف لفتاة أنت تصبح بتلك القوة
لا يعلم بأن الفتاة عندما يقسى عليها الزمن تقدر على رهب أقوى الرجال…
التفتت ألماس لتلك الطالبة وكانت ألماسة التي كانت تركض خوفًا من شيري.
ابتسمت ألماس تُهدأ تلك الصغيرة من لهثها أثر الركض: براحة يا جميل، أنتِ كويسة؟!
كانت تستند بيداها على قدمها تلتقط أنفاسها ثم ابتسمت قائلة وهي ترفع وجهها لتلك المعلمة: أسفة يا مس مأخدتش بالي.
لا يا حبيبتي مفيش مشكلة، خدي بالك عشان متقعيش.
أردفت بهدوء وابتسامة.
شكرًا يا مس.
أردفت بهدوء لتذهب ألماس وتبدأ ألماسة بالبحث عن أولاد عصام أخو شيري زوجة أبيها…
وجدت هذان الفتيان بإحدى الأركان ومن الواضح أنهم تكاثرو على أحدهم ويضربوه…
بس، بس يا تامر بس يا نادر، ليه كده!
مش عيب لما تضربوا حد؟
هتفت ألماسة بحدة تليق بها كطفلة ليبتعد هؤلاء الأطفال عن زميلهم وتساعده ألماسة في الوقوف وتنظيف ثيابه.
أردف بابتسامة وثقة وكأنه لم يكن متمرمغًا بالتراب منذ دقيقة: شكرًا جدًا،.
اكتفت بابتسامة قاطعها عجرفت تامر كعمته قائلًا: ملكش دعوة بيها يلا.
كاد أن يجيب ذاك الطفل الواضحِ على ملامحه الكثير من الشغب ولكنه يمتلك الكثير من الأشياء التي ستجعله في المستقبل وسيم وبكل تأكيد.
أوقفته ألماسة مجيبة بحدة قبل أن تأخذ ذلك الصديق الجديد لرحلتها: عيب يا تامر كده! عن اذنكم.
عودةً للقسم وبمكتب اللواء عامر هتف بعد دخولها:
أهلًا يا سيادة النقيب،
أدت التحية بابتسامة مردفة: أهلًا يا سيادة اللواء،
أشار لها بالجلوس، لتجلس ثم تسأل مباشرةً: خير في حاجة؟
المتهم،
هتف بها لتعقد حاجبيها بعدم فهم فيُكمل:
وصلتي معاه لحاجة؟
هزت رأسها نافية وهي تقول: كان لسه بيعترف بس حضرتك متقلقش،.
ابتسم فهو يعلم أنها ذات كفاءة عالية ثم أردف: بكرة إن شاء الله هيجي نقيبين جداد قسم الشرطة هنا هيشتغلوا معاكي على القضية الجديدة.
دُهشت ولم تدم دهشتها كثيرًا حتى أفصحت عنها قائلة: ليه يا فندم، أنا قصرت في حاجة؟!
نفى مفسرًا لها مقصده: لا يا نور، بس المهمة دي صعبة، ولازم حد يشتغل معاكي عليها.
تمام يا فندم اللي تشوفه،
انصرفت بضيق ليبدأ عقلها بالتفكير، وما كان إلا بالماضي المؤلم، ذاك الذي لا يُفارقها…
قررت الرحيل للمنزل فلملمت أشيائها ورحلت لمجهولٍ…
لنذهب سريعًا لصديقتنا الثالثة، وبإحدى الأتيلات المشهورة بالأسكندرية:
كانت تقف شاردة الذهن، ليدخل زبون ما فأفاقت وانتبهت له قائلة بعملية: اتفضل يا فندم.
أجاب ذلك الزبون بوقاحة: دا أنتِ إللي فندم يا قمر.
إيه؟!
هتفتها بدهشة وعدم فهم لحديثه.
لا و لا حاجة
قالها بلا مبالاة.
أماءت بهدوء قائلة آه فكرت،.
أردف بخفوت سمعته: سلمتك من الأه، وبعدين أنتِ متفكريش أنتِ تسيبيلي أنا التفكير، و وجع الدماغ، و ليكي أنتِ الراحة.
أردفت بخفوت لذاتها: لو كان الأتيلية بتاعي كنت طردتك وفرجت عليك أمة لا إله إلا الله.
ثم حمحت قائلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، حضرتك عايز حاجة ولا فاضي وبتستخف دمك.
ضحكت يشيح تلك الوقاحة جانبًا قائلًا: لا عايز إن شاء الله،
اتفضل،
أعادت سؤالها بعملية.
أردف بابتسامة قائلًا: أي حاجة على ذوقك.
أماءت قائلة حاضر،
ثم بخفوتٍ لذاتها قالت
متربتش بس ضحكتك حلوة، إحم اتلمي يا نونو.
بتقولي حاجة يا قمر؟
سألها بابتسامة مجددًا.
أفاقت تلك الحمقاء قائلة: لا ولا حاجة.
سألها وهو يدور بعيناه بالمكان يبحث عن ما أتى لأجله: اسمك إيه؟
لطافة وأنت؟
قالتها ساخرة ليردف بذات الحماقة:
سخافة.
ضحكت ساخرة ثم انقلبت للجمود والثبات: اتفضل فوق،
ضحك بدهشة وصدمة قائلًا بسؤال: هه أنتِ عندك انفصام؟
اصطحبته للطابق الثاني، و وسط انشغالها بعرض الفساتين عليه كان هو بعالمٍ آخر ليلمس يداها دون قصدٍ…
أزالت يدها سريعًا وشهقت بصدمة ثم رفعت يداها ناوية على صفعه…
التعليقات