التخطي إلى المحتوى

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل العاشر

وقفت أمام باب الغرفة بجمود وتسمرت في مكاني للحظة قبل أن التفت خلفي وأراه يقف أسفل الدرج، عقدت حاجباي بإنزعاج: أنا بالفعل متعبة! ما الذي تريده الآن؟ حسناً حسناً سأساعدك في التنظيف غداً أعدك!
تكتف وأسند كتفه على الحائط بجانبه يرفع قدمه اليمنى على الدرجة الأولى دون أن ينظر إلي.

لحظات من الترقب حتى تأففت ووضعت يدي على المقبض أنوي دخول الغرفة لولا ان قال بهدوء: هذه أنتِ مجدداً، تجيدين اختلاق الأعذار دون كلل أو ملل.
رمقته بهدوء أسايره: أعلم أنني تأخرت! وأعلم أنه من واجبي مساعدتك ولكنني لم انتبه للوقت كيف عساني أقنعك لتصدقني!

أنتِ. كيف تكونين موظفة محبوبة بينما كل ما تجيدين فعله هو التخفي خلف قناع اللطف المزيف! هل أصاب العمى العالم أجمع أم انني أجيد التنقيب والتعمق أكثر من اللازم! ثم الأمر ليس أنني غاضب بسبب مهام المنزل او أي سخف مماثل وإنما لامبالاتك والتعذر بأن هاتفك كان مغلقاً بينما لم أتوقف واللعنة عن الإتصال!

شعرت ببروز أحد عروق جبيني وانتباني الغيظ لأجز على أسناني: مزيفة مجدداً؟ متى ستتوقف عن نعتي بهذا! كيف من المفترض أن أعاملك لتتوقف عن اصرارك بمعاملتي بهذه الطريقة!

أردفت بشك وحذر: كن صريحاً معي، هل درست في كلوفيلي فقط؟ ألم ترتاد المدرسة التي ارتدتها أنا؟ إن كنت لا تعرفني حق المعرفة فلماذا تصر على التحقير من شأني كلما سنحت لك الفرصة! حتى وإن كنت بحاجة إليك في العمل ولكنني سأسمح لجنوني بالتحكم بي إن طفح الكيل!
إذاً تعترفين أنكِ قابلتِ من هم على معرفة تامة بحقيقتك!

علي الأقل لهم الحق في نعتي بأي صفة قد تنطبق على ولكن ما عذرك أنت! كل ما أردته هو تحقيق طموحي وحلمي بالعثور على الشخص المناسب ليروج لأحد اعمال المجلة ولا شيء أكثر من ذلك!
ضاقت عيناه وتجهم وجهه بإشمئزاز: العمل العمل العمل. هل تتمحور حياتك حول العمل؟ هل يُشعرك الانجاز في عملكِ بالرضا للتخفي بين ثنايا النجاحات التي تحققينها؟

اعترضت بغضب: ما مشكلتك معي دانيال! نعم كل ما يهمني هو العمل فقط أين تكمن المشكلة في ذلك امنحني ما هو أهم لعلي أوليه اهتمامي إذاً!
فقدت أعصابي ونزلت بضع درجات لأقول بحزم أحاول السيطرة على نبرة صوتي وقد بدأت الحروف تتبعثر دون قيود: يجمعني بك العمل، وسيبقيني معك السبب نفسه، طالما يمكنني العثور على سبيل لأصعد إلى الأعلى من خلال عملي فلن أتخلى عن وسيلتي!

لوى شفته ورمقني من رأسي إلى أخمص قدماي قبل ان يتمتم بإزدراء مشيحاً بوجهه: كما توقعت، كافة الجهود التي تتحدثين عنها لأجلكِ، ليست حتى للمجلة التي تتظاهرين بالإنتماء لها.

ابتسمت بحدة وقد نال السخط مني رغم حفاظي على نبرتي بصعوبة بالغة ليتهدج صوتي: أنتمي إليها؟ انتَ تتحدث عن مجلة برزت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ بعد التحاقي بها قبل بضعة أعوام، لم أستلم يوماً مهمة في المجلة لأتركها دون أن يلمع نجمها في كافة وسائل الأخبار! ثقة؟ نعم تنتابني ثقة وما المشكلة في ذلك؟ فحتى لو أصر السيد كوفمان على تذكيري بأن لعائلتي دور كبير في انتسابي للمجلة ولكنه يعلم جيداً أنهم بحاجتي أيضاً، بأنني لم أستغرق وقتاً طويلاً حتى قفزت من موقعي كمصورة مبتدئة إلى مصورة تنافس أفضل المصورين في البلاد! لماذا لا يحق لي الفخر بنفسي! لما لا وقد تعاملت مع أولى جلسات التصوير للكثير من العارضين المبتدئين ليسطع نجمهم حتى بات يلاحقهم معجبيهم في الأنحاء؟

أعقبت وقد غابت الصورة عن عيناي وأبصرت عشرات المشاهد المظلمة أمامي لأتحدث دون وعي وبقهر فشلت في الحفاظ عليه: كان بإمكانه ايقافي عن العمل بشكل كلي وقد كنت السبب الرئيسي فيما حدث للعارض الذي استبدلتك به ولكنه قرر منحي فرصة وادعى انه سيمهلني فترة مؤقتة لحين التصرف في حين كان يعلم أنه ليس مستعداً لإيقافي بشكل كلي! المجلة بحاجة إلى بقدر رغبتي في ابراز نفسي من خلالها. أخبرك بهذا مجدداً. أنا كائن لن تتصور مدى الظلام الكامن في داخلي لذا لا تعتقد أن كلماتك ستهز أوصالي وإلا أغرقتك في ظلامي! أصبح أسوأ فأسوأ كلما تم استفزازي لذا دعني أحافظ على نفسي المؤقتة أمام الجميع.

جمدت ملامحه بشدة وأخفض عينيه الزمردية للحظة قبل ان يرمقني بنظرة سريعة جافة: أشعر بالأسى تجاههم، هنيئاً لكِ، تفوقتِ على مفهوم الأنانية بحد ذاته، لا يسعنى سوى الشفقة عليكِ.
استدار مغادراً بجمود شديد ولكنني استوقفته بحزم: ما كان غرضك الحقيقي من استفزازي؟ انا لست بهذا الغباء، أخبرني ما الذي يدعوك لمحاولة اتلاف اعصابي منذ عودتي، أنت لا تبدو طبيعياً! وكأنك تصر على التنقيب عن أي سبب للشجار!

ساد الصمت المكان للحظات طويلة، كانت أنفاسي فيها سريعة ثقيلة.
بينما بدى هادئاً متزناً حتى وضع يده في جيبه واخرج هاتفه ليلتفت يرفعه وقد اعتلى ثغره ابتسامة هازئة جافة: أخبرتكِ أنكِ ستندمين.
عقدت حاجباي بإستنكار وعدم فهم أحدق إلى هاتفه قبل ان ألمح على شاشته أيقونة التسجيل الصوتي!

اتسعت عيناي بإدراك ونظرت إليه بدهشة فرفع حاجبه الأيسر بسخرية: أي نظرة قد تعتلي وجوه كل من قمتِ بإهانتهم في المجلة عندما ينصتوا إلى كلماتك المسمومة يا ترى. سيغرقون في ذهولهم من هول استعلائك وغرورك الذي تحاولين جاهدة تزييفه بابتسامتك اللطيفة. المجلة بحاجة إليكِ؟ حقاً؟ من الذي يستعد لفعل المستحيل ليتمسك بالطرف الآخر؟ لماذا تحبين لعب دور محور الكون بحق الإله!

أغمضت عيناي فوراً وقد ارتجف جفناي من شدة حنقي.!
أعقب متململاً بنبرة مستفزة دون ان ينظر إلى مباشرة: يصعب تصديق نظرتك الدونية تجاه من يعترفون بقدراتك ويرغبون في استثمار موهبتك، لا يمكنني استيعاب شخصيتك مهما حاولت. أياً يكن.
استدار وكأن شيئاً لم يكن فنزلت الدرج بسرعة اتبعه بحزم أحاول انتزاع الهاتف منه فرفعه عالياً وحذرني بتوتر أخفاه بنبرته المترعة بالوعيد: تجرأي واقتربي!

احكمت قبضة يدي وتوقف مكاني بعيدة عنه أحدق إليه بحقد لأهمس بتحذير واشمئزاز: أيها الوقح كيف تجرؤ! ما فعلته جريمة! من سمح لك بتسجيل أقوالي دون إذن مسبق؟ سأقاضيك حتماً أنزل يدك واعطني الهاتف وإلا!

ابتسم بلا مبالاة وأغلق هاتفه الذي لا يزال يمسكه ويرفعه بيده للأعلى وقال ببرود يغمض عينيه بتثاقل: أمثالك ممن لا يتوقفون عن لوي أذرعة الأخرين بحاجة إلى ان يتم معاملتهم بالمثل، لا تحلمي حتى بحذف التسجيل الصوتي فمن يعلم لربما أحتاجه مستقبلاً.
أعقب بمكر ينظر إلى السقف بتفكير: أو ربما يكون سبباً يوماً ما في نقلة نوعية في حياتك موجهاً إليكِ صفعة لتستفيقي بها.
أنتَ شيطان مدعي للبراءة!

من يتحدث عن الشياطين هنا! زعيمتهم المخضرمة؟ لا تقلقي لن أنافسك في ملعبك.
قالها بإستخفاف ثم أردف بإزدراء كاد يفقدني صوابي: ابتعدي.
كنت تستفزني عن عمد! كنت منذ البداية تحاول حياكة خطتك السخيفة لتسقطني في فوهة زلة لسان لا أعنيها حرفياً! دانيال أنت حقاً مجرد.

قاطعني يغمض عينيه بتثاقل و ملل: لن أتعاطف معكِ، لازال على الاستحمام لذا ابتعدي. آه صحيح غداً صباحاً ستتولين مهمة جمع الملابس كافة قبل خروجك للعمل، ثم تنظيف غرفة المعيشة والدرَج جيداً، لا تنسي ضبط المنبه لوقت مبكر.
قالها بسخرية وتنحى بحذر ليتجاوزني يمشي بطريقة جانبية.
بقيت في مكاني وتسمرت أحدق حيث كان يقف.
هذا. الوغد اللئيم!

قلت أمور كثيرة سيئة عن المجلة والسيد كوفمان، واللعنة لم أكن أقصد كلماتي حرفياً أردت فقط مجادلته والرد على استفزازه إياي! تباً له كيف يجرؤ؟ من يظن نفسه!
هذا الرجل. عقاب مُرسل إلى لألقن درساً على كل أفعالي.!
يعتقد أنني سأتجاوز ما فعله؟
سأسرق هاتفه مهما كانت العواقب وخيمة وأحذف هذا التسجيل اللعين! وان تعسر على الأمر فلا أمانع تهشيم هاتفه إلى قطع يستحيل جمعها.

صعدت بخطى غاضبة بشدة وعندما أدرت قبضة باب الغرفة استنكرت صعوبة فتح الباب بسهولة، تباً للباب أيضاً! سأخبر السيد هاريسون أن خطب ما في هذه الأكرة اللعينة. آه اشعر بالصداع من شدة الغيظ والسخط وارغب في تكسير كل ما حولي!

لم أستيقظ في وقت مبكر وحسب.
بل ورغم التعب الذي كنت اشعر فيه بالأمس إلا أن الغضب الذي يعتريني كان المحرك الوحيد لي لأستيقظ قبل رنين المنبه حتى.
أقسمت مئة مرة أنني سألجأ إلى عشرات الحيل حتى أتمكن من أخذ هاتفه مهما حدث.!
أسرعت أنزل أرتدي الخفين، وجدت السيد هاريسون يخرج من المطبخ فتوقفت فوراً ابتسم له بلطف: صباح الخير.

أومأ بهدوء وجمود وتجاهلني ليكمل طريقه ويخرج من غرفة المعيشة!، وقفت في مكاني للحظة قبل أن ألحق به متسائلة لأغراض وأسباب دفينة: هل أساعدك في تجهيز المحل سيد هاريسون؟
أجابني بينما ينزل الدرج وأتبعه: سأخرج لأشتري بعض المستلزمات للمحل، أخبري دانيال أن يفتتح المحل في الوقت المحدد قد أتأخر.
وقفت في منتصف الدرج بحيرة قبل ان أقول: حسناً إذاً.

أعقب بحزم يتجه إلى الباب: وأيقظي الاثنان الأصغر لئلا يتأخرا على المدرسة. لا تتسببوا بالأزعاج لكارل توقفوا عن الصخب والضجة ليرتاح حتى لا يزعجني لاحقاً بشأن عدم نيله قسط كافي من النوم تعلمون انه يعمل في المساء حتى وقت متأخر.
أضاف وقد فتح الباب ورمقني بحدة: لا تتأخري في العودة ليلاً وإن اضطررتِ اخبري أحدنا قبل ذلك. لن أكرر كلماتي مجدداً.
أجفلت لنبرة التهديد في صوته وأسرعت أقول: ف. فهمت.

أغلق الباب خلفه فتنفست الصعداء!
عمّ الهدوء المكان فصعدت مجدداً، وقفت في الممر حائرة أفكر بتركيز، هل أيقظ لاري وكيفين أولاً ثم استغل فرصة نوم دانيال وأخذ هاتفه؟

أم أيقظه أولاً وعندما يبتعد عن السرير اتسلل إلى الغرفة واتظاهر بأنني سأذهب لإيقاظ اخوته؟ لا. ربما على أن أنفذ الخطة التي تستدعي صبراً وتمهلاً أكثر، سأيقظهما، ثم أيقظه واطلب منه مساعدتي في التنظيف قبل خروجي إلى العمل في التاسعة. وبعدها سأنفذ خطوتي التالية وفقاً للمكان الذي أقوم بترتيبه وتنظيفه.

وهذا ما حدث إذ أنني اتجهت إلى غرفة كيفين ولاري، طرقت الباب ودخلت بهدوء واتجهت إلى النافذة لأفتحها وابعد الستائر لتتسلل اشعة الشمس إلى الغرفة وقلت بمرح ولطف: صباح الخير!
ما ان قلت ذلك حتى شهقت بإرتياب لاستفاقة كيفين وهو يجلس على السرير عاري الصدر يطرف بعينه بعدم استيعاب قبل ان ينتبه لي ويسرع بالإستلقاء مجدداً مندساً تحت غطاءه دون حركة.

نظرت إليه بهدوء ثم إلى لاري الذي يغط في نوم عميق بفوضوية وقميص بجامته قد ارتفع حتى عنقه.
اقتربت من سريره وحاولت ايقاظه بنبرة لطيفة: صباح الخير لاري، انه وقت التأهب للمدرسة، استيقظ!
تململ في نومه العميق بينما لمحت بطرف عيني كيفين يبحث بيده عن قميصه حتى أخذه من طرف السرير وسحبه تحت غطاءه ببطء مختبئاً أسفله ليرتديه قبل ان يتحرك بخطى سريعة إلى الحمام دون أن يستدير! تنهدت بلا حيلة واعدت ناظري إلى لاري.

ما الذي يرغمني على كل هذا العناء؟
لا يسعنى سوى الندم على اختيار هذا المنزل للجوء إليه في ظل هذه الظروف! ففي النهاية سيقوم السيد هاريسون بلومي وعتابي دون تردد بل وسيصرخ في وجهي ان تأخرا عن الذهاب إلى المدرسة.
تأففت بإنزعاج ولكنني سرعان ما استخدمت النبرة اللطيفة الهادئة: هيا لاري. استعد نشاطك استيقظ!

لم يستيقظ بسهولة فتململت مقتضبة قبل ان اجلس على السرير بجانبه واقتربت هامسة في أذنه: سأقبل وجنتك الممتلئة في غضون ثلاثة ثوانِ فقط.
وبالفعل انتظرت لثلاثة ثواني وانا أعد بصوت خافت قبل ان تستقر شفتاي على وجنته، وما ان فعلت حتى تعالى صراخه ليهز أرجاء المنزل.!

تكتفتُ بملل وعدم اهتمام أستمع إلى تعليماته وهو يشير إلى انواع المنظفات بينما اسند جذعي على طاولة المطبخ خلفي: وهذا يُستخدم لإزالة التصبغات، أما هذا فالغرض من استخدامه هو ازالة الأوساخ الجافة ولا تضعي سوى كمية بسيطة جداً، وهذا ي. هل تستمعين إلى بحق الإله؟

تساءل بكلماته الأخيرة بغضب عندما القيت نظرة على هاتفي، عقدت حاجباي بإنزعاج: يمكنني سماعك لا تصرخ! ثم هل ترى الوقت مناسباً لتشرح لي كل هذه التفاصيل الآن في الصباح الباكر؟
الصباح الباكر؟

تساءل بحدة ووضع يده اليمنى على خصره بنفاذ صبر يطرف بسرعة بكلتا عينيه الزمردية: عن أي صباح تتحدثين لقد كاد قلبي يتوقف بسبب صراخك أنتِ ولاري! توقفي عن فرض نفسك ان كنتِ تعلمين مسبقاً عن تصرفاته العدائية تجاهك! ها انا ذا أحذرك أنه لا شأن لي بأي ردة فعل قد تبدر منه انتقاماً منكِ، أراهن على أنه يجلس الآن في الفصل يخطط لكيفية نفيك من الوجود.

قلّبت عينياي بضجر: ها نحن ذا مجدداً في الموضوع نفسه! وما الذي فعلته! قبلت طفلاً لايقظه فلماذا يتصرف وكأنني قمت بتسميمه غدراً، فليكن شاكراً انه استيقظ بقبلة لطيفة مني!

سرت القشعريرة في جسده بوضوح وهو يغمض عينيه منزعجاً قبل أن يمرر يده في شعره بإمتعاض: كيف من المفترض أن أحتمل وجودك هنا تحديداً! تباً لنتوقف عن الصراخ والا استيقظ كارل لقد عاد متأخراً كعادته، أياً يكن. أمامكِ ساعة ونصف قبل خروجك إلى العمل، قومي بتنظيف غرفة المعيشة حسب التعلميات التي شرحتها، اغسلي الأطباق واياكِ وكسرها او التصرف بحماقة وان كسرتِ أحدها فاتركيه وشأنه وحسب. ولكن هذا لا يعني ان تقومي بكسرها هل تفهمينني؟ ولا تنسي الدرج، آه والملابس أيضاً.

هل يتم معاملتي مثل ساندريلا بحق الإله! لماذا كل هذه المهام فجأة؟ لويت شفتي بإنزعاج شديد دون ان اعلق فقال على عجالة بينما يخرج من المطبخ: على تجهيز المحل لقد تأخرت.
لاحقته بعيناي انظر إلى جيب بنطاله حيث يضع هاتفه.
لم أجد فرصة مناسبة بعد.!
علي التصرف.

تنهدت بتعب امسح عرق جبيني بظهر كف يدي، حدقت إلى الدرج الذي انتهيتُ من مسحه بالطريقة التي شرحها لي، هذا منهك جداً! أكثر مما تصورت. يدي تحرقني وأشعر بالحكة بسبب المنظفات.
خدشت طرف ظفري اللعين! عليّ تقليمه جيداً.
هذا حقاً ظلم.
كنت أقف في نهاية الدرج بالأسفل، التفت نحوه أرمقه بحقد بينما كان مشغولاً مع أحد الزبائن وهو يمضغ علكته ويضع السماعات في أذنه.

كيف لي أن أخذ هاتفه تحديداً؟ لن يطرف لي جفن حتى أنفذ هذا مهما كان الثمن.
انتبهت لرنين هاتفي فأسرعت اخرجه، إنها جانيت.
قبل ان اجيب عليها اتجهت نحوه ووقفت على مسافة منه لأقول ببرود: هيه أنت.
نزع احدى السماعات من أذنه دون ان ينظر إلى ليستكمل عمله، تمتمت بجفاء: جمعت الملابس وانتهيت من تنظيف غرفة المعيشة، الأطباق والدرج كذلك. اعتقد أنني انتهيت قبل الوقت حتى لذا يكفي. سأغادر الآن.

قلّب عينيه بلا اكتراث واشار لي بيده بلا مبالاة.
تأففت وانا أجيب على جانيت بينما أرمقه بحدة قبل ان استدير: مرحبا جانيت.
أتى صوتها بهدوئها المعتاد: صباح الخير، كتاليا يبدو أن موعد جلسة التصوير سيتم تأجيله قليلاً. سيكون في تمام العاشرة احرصي على عدم التأخر.
عقدت حاجباي مرددة: آه فهمت، لازال أمامي وقت إضافي إذاً.

اتجهت نحو الدرج وقلت لها بحيرة: إذاً سأذهب لرؤية بينديكت حتى يحين موعد جلسة التصوير، أرغب في الاطمئنان عليه.
لا بأس لديكِ متسع من الوقت، بالمناسبة سيتم نشر الأغلفة التسويقية اليوم، قد ترين صور العارض البديل دانيال في أنحاء البلاد بدءاً من اليوم.
ابتسمت بسعادة قبل أن يتجهم وجهي وانا القي عليه نظرة ممتعضة ولكنني تفاجأت به ينظر إلى يعقد حاجبيه بتركيز!

طرف بعينه مجفلاً عندما انتبه لي أحدق إليه واسرع يستكمل عمله يعيد السماعة إلى أذنه.
صعدت فوراً لأخذ حماماً سريعاً وأرتدي ملابسي، وها انا ذا أتأهب للخروج أرتدي حذاء الكعب الأسود العالي المماثل للون بنطالي. أجمرت شعري للأعلى بعشوائية ونزلت بينما أجيب على اتصال ديفيد: مرحباً؟
سمعته يتنهد بلا حيلة: كات. أحتاج إلى الحديث معكِ اليوم، الأمر لا يحتمل التأجيل.

وقفت في مكاني باستغراب: ماذا هناك! هل كل شيء على ما يرام؟
تغيرت نبرته إلى الإقتضاب الشديد: هناك ما يثير حيرتي. لم أتشاجر مع روز لا تقلقي، ولكن الموضوع متعلق بها، أحتاج إلى التحدث إليكِ. بعد انتهاء العمل الرسمي هل الوقت مناسب؟ أو انكِ قادمة في الطريق الى المجلة الآن؟ هل ترين الوقت مناسب؟

تمتمت بتفكير وانا انزل الدرج لأرى دانيال يتعبث بهاتفه وقد خرج الزبون: لا بأس إذاً لنلنتقي في مكان محدد، سأخرج الآن لرؤية بينديكت لذا سيكون من الصعب مناقشة الموضوع الآن، أرسل لي موقع المكان أو أننا سنغادر معاً؟
سيكون من الأسهل الذهاب معاً إذاً، أراكِ لاحقاً.
لا تبتئس، سيكون كل شيء على ما يرام.
قلتها بتحفيز فتنهد: سيتضح هذا. إلى اللقاء.
يبدو متضايقاً جداً! قال أنهما لم يتشاجرا. ما المشكلة إذاً؟

التقت عيناي بالأعين الزمردية الفضولية للحظة فتجاهلته وأكملت طريقي أنوي الخروج لولا ان استوقفني صوته: قفي عندك.
عقدت حاجباي باستنكار شديد والتفت نحوه: يوجد مصطلح يُدعى اللباقة هل سمعت عنه يوماً؟
أشار إلى بذقنه: لا يبدو أنكِ ذاهبة إلى العمل.
هاه؟
تكتف بحزم: يمكن للمدعو بينديكت أن ينتظر، إن كنتِ لن تتجهي إلى المجلة الآن فدعيني القي نظرة أولاً على ما قمتِ بتنظيفه وترتيبه.

نال الغضب مني لأنهره بنفاذ صبر: عفواً؟ لقد فعلت كل ما قلته فماذا تظن نفسك فاعل الآن بتقييم كل ما بذلت جهدي فيه؟
نظر إلى السقف بتفكير: سأنزع السماعة لتنصتي إلى الإيقاع الجميل الذي أستمع إليه.
نزع السماعة بالفعل ليتعالى تسجيلي الصوتي منذ الأمس فاتسعت عيناي بعدم تصديق أحدق إليه بغضب وحقد، هل يحاول ابتزازي الآن؟

أخفضت ناظري بسرعة أحاول تمالك نفسي والسيطرة على الرجفة التي انتابتني لتصطك أسناني ببعضها البعض.
ماذا قلتِ؟ سمعاً وطاعة؟ آه حسناً إذاً اتبعيني لنلقي نظرة.
استدار ليصعد فتابعته بأعين مستعارة من أسوأ السفاحين على مر التاريخ.
سوف.
أرتكب جريمة!
من يظن نفسه ليقوم بإذلالي وابتزازي؟
هذا التسجيل الصوتي اللعين.

كتمت غيظي بجهد بالغ وأخذت شهيقاً أحاول تهدئة نفسي ولكن أنفاسي ارتجفت جراء غضبي. سُحقاً يصعب تجاوز الأمر!
تبعته بخطى واسعة وعيناي لا تزال تتابعه بوعيد، مشيت خلفه ليدخل إلى المطبخ ويقيم الأطباق التي قمت بغسلها متمتماً وهو يعقد حاجبيه: رائحة المنظفات تفوح من الأطباق! لماذا أشعر أنكِ بالغتِ في استخدام كمية كبيرة من الغسول؟ ولماذا هذا الطبق لا يزال ملطخاً بالطعام؟ مهلاً ما هذا الخدش؟

اقتربت أنظر إلى الأطباق بحدة فابتعد تاركاً الطبق.
اخذت الطبق بغيظ: اذاً ضعه في المغسلة وقم بتنظيفه بنفسك! ثم هذا الخدش السبب في كسر طرف ظفري!
لوى شفته متمتماً: هل كان هذا الخدش موجوداً في الطبق مسبقاً يا ترى!
أنا لن أكذب بهذا الشأن لقد كان بالفعل في هذه الحالة توقف عن لومي!

استدار من حوله يقيم المكان ثم خرج إلى غرفة المعيشة، كانت تبدو لي نظيفة ومرتبة ومع ذلك استمر في تقييمه المستفز حتى اقترب من النافذة وتمتم يضع يده على خصره: لماذا هذا الغبار هنا؟ كان من المفترض ان تمسحي حواف النافذة جيداً!
ضاقت عيناي بجمود بينما أقترب منه وأقول بشك: هل يستحق هذا الغبار أن أتأخر عن الخروج؟ ما الذي تريده تحديداً؟ استفزازي مجدداً؟
أشار لي بتهديد: لا تقتربي!

وقفت وأخفضت رأسي: من السهل استفزازي، وهذا سيء جداً. قد أتصرف بجنون ان واصلت الاعيبك.
تمتم بسخرية: قومي بمسح حواف النافذة وكفاكِ مماطلة، ولكن قبل ذلك سألقي نظرة على الدرج.
تحرك ليخرج من غرفة المعيشة وما ان فعلت حتى ركلت بقدمي الأريكة بقهر شديد.! لا أصدق أنه يقوم بابتزازي بسهولة تامة! سوف أجن! خرجت بعصبية لأراه يقيم الدرج بل ويدقق النظر وهو ينحني مقرباً وجهه من كل درجة ينزلها!

عضضت على شفتي أحدق إلى هاتفه الذي وضعه في جيب بنطاله الجينز الداكن، سمعته يتمتم بعدم رضى: لماذا لم تمسحي الماء جيداً ماذا لو انزلق أحدنا هل ستتكفلين بالفوضى والأضرار الجانبية! امسحي هذه البقعة بسرعة.

اقتربت لأرى حيث يشير فنزل بضع درجات ليتيح لي المجال، وحينها اتسعت عيناي بعدم تصديق: بقعة لا ترى بالعين المجردة! لا يمكنك أن تكون جاداً لماذا تفعل هذا إلى متى تنوي إثارة أعصابي وغضبي! هل هذه البقعة السخيفة من شأنها الحاق الضرر بكم؟ هل أنتم قابلين للضرر حتى!
تحرك بثقة وقال: اتبعيني لأرى الملابس التي قمتِ بجمعها وفرزها.

مر بجانبي وهو يلتصق بالحائط فبقيت جامدة في مكاني، هذا الرجل يجيد قطع أوتار أعصابي بسهولة. والأسوأ أنه من السهل جداً أن أفقد اتزاني وهدوئي وقد أتصرف بطريقة لا يحمد عقباها.!، عندما تبعته إلى زاوية الممر حيث جمعت فيها الملابس كافة في السلال وبدء يقيم الوضع بدأت أفكر بكل جدية في وضع يدي في جيبه وسرقة هاتفه والهرب بأسرع ما لدي!

وبالفعل كان قد جثى ينظر إلى السلال ويتذمر: لماذا وضعتِ هذا القميص الداكن مع الملابس البيضاء؟ أخبرتكِ أن تفرزي الثياب وفقاً للألوان! ما الذي تجيدين فعله تحديداً!
سايرته بينما أحدق إلى جيبه: لم أنتبه.
أكمل تذمره بينما اقتربت خِلسة وعندما كدت أدخل يدي أجفلت لصوته الذي علا: وهذا البنطال لا يجب أن يكون مع هذه الأقمشة الخفيفة لقد سبق وقلت ذلك بالتفصيل!
لا بأس. تشجعي!
يمكنكِ فعلها!

اهربي بكل ما أوتيت من سرعة واطلقي العنان لنفسك لتسابقي الريح ما ان تسرقي هاتفه.!
افعليها. لا تسمحي له بالعثور على اي سبب ليبتزك أو يحركك كما يشاء!
تجمدت في مكاني بذهول ما ان أدخلت يدي في جيبه وأمسكت بهاتفه لينتابني الألم ليده التي أوقفتني بقوة! بدى مضطرباً مذهولاً ونظر إلى يده التي أمسكت بي وهمس بصوت متهدج: اتركي الهاتف. وابعدي يدك!
احتدت عيناي بتحدي: وان رفضت؟

إن تركتُ يدك. فاتركي هاتفي! واللعنة افعلي هذا وحسب.
قالها بتوتر وتلعثم وهو يشيح بوجهه فابتسمت بسخرية: ولكنني لا أنوي ترك الهاتف. ما الحل إذاً؟
تسارعت أنفاسه بوضوح وارتجفت انامله التي تحيط بيدي بقوة. قررت استغلال تشتته وحاول سحب الهاتف بكل قوتي ولكن واللعنة بالكاد حركت يدي! تأوهت بألم محاولة تخليص نفسي وسحب هاتفه: دعني أيها الأحمق.
صاح في وجهي بغضب وارتباك: دعيه! لا أريد إيذائك لذا دعيه واللعنة!

إذاً اتركني أنت بالفعل تؤذيني!
ابتعدي!
علي صنع فرصة! لذا بدلا من محاولة سحب الهاتف اضطررت لأقلص المسافة أكثر أدخل يدي في جيبه أكثر فاضطرب بشدة وترك يدي مُكرهاً ولكنني تفاجأت به يضع يده على جيبه بقوة ليوقفني عن محاولة تحريك يدي بل وأمسك بهاتفه من فوق جيبه بسهولة! تورد وجهه بوضوح وزمجر بسخط: كيف من المفترض أن أتصرف معكِ! أنتِ تتجاوزين حدودك بإستمرار!
ابتسمت بمكر: لم ترى الحدود الحقيقية بعد.

اتسعت عينيه بذهول عندما اقتربت منه وقلصت المسافة كثيراً أحدق إليه عن قرب أتعمد إثارة توتره ليرخي من قوته ولو قليلاً، بل وهمست بخبث بصوت خافت: لا بأس قد أخذ البنطال بالكامل إن كان الحل الوحيد لأخذ هاتفك اللعين.
نهرني بعدم تصديق وإحراج: هل جننتِ! تحلي بالأخلاق والمبادئ لقد فقدت عقلك بلا شك! سأضربك يا فتاة أقسم بأنني سأوسعك ضرباً مبرحاً!
غمزت له بتحدي: لا أظنه خيار متاح للوقت الحالي.
اتركي بنطالي!

حاولت بكل قوتي بينما كان اضطرابه يزداد أكثر فأكثر حتى صاح بي بغضب: قلت دعي بنطالي ما هذه الجرأة الفاسدة التي تتحلين بها سحقاً سوف أهشم رأسكِ لقد تماديتِ كثيراً!
استمرت محاولات كلانا حتى بدأت يدي تؤلمني ولكنني لم أستسلم حتى نال منه الإرتباك وتعرق جبينه وبرزت عروق عنقه بوضوح ولم تتوقف كلتا شفتيه عن رجفتها الطفيفة.
م ما الذي. تفعلانه بحق خالق الكون!
سؤال طُرح بصوت مترع بالذهول والدهشة.

أجفلت في مكاني ونظر كلانا حيث مصدر الصوت.
لأنظر إلى الأعين الزرقاء المتسعة حتى رفع صاحبها كف يده يضعه أمام فمه بإضطراب ثم أنزل يده ونفي برأسه ليعود أدراجه بسرعة!
ارتخت يدي فأسرع دانيال يبتعد مخلصاً نفسه وهو يلهث بصعوبة.
رمقني بقهر وتوتر ليتوعد وهو يزمجر: لقد أساء الفهم بلا شك! تباً لكِ أيتها المزيفة لقد نلت كفايتي من تصرفاتك!

أعقب يتحرك مبتعداً ممسكاً بهاتفه: كارل انتظر لقد اسأت الفهم! الأمر ليس كما تظن لقد كانت من بدأت بهذه المهزلة صدقني!
دخل خلفه الغرفة فتحركت أرتب شعري. لا بأس! إن فشلت هذه المرة فلا زال أمامي فرص أخرى أتخلص فيها من هاتفه تماماً. أوقعني في مصيدته اللئيمة وأستطيع تخليص نفسي بنفسي.
عندما مررت أمام غرفتهما سمعت كارل يقول بلا حيلة: توقف عن التبرير لقد كانت يدها على بنطالك دان فكيف أسأت الفهم كل شيء واضح!

سأكسر أسنانك واللعنة لا تستفزني أنت أيضاً! إنها إحدى محاولاتها المنحرفة لتحقيق أهدافها صدقني!
هذا يكفي. هل كان سيتفاقم الأمر لو لم أستيقظ وأشهد بنفسي ما يحدث بينكما!؟
هل تنصت إلى حتى؟ قلت لك أنها.
لا بأس في أن تتجاوز عقدتك ولكن. قفزت إلى مرحلة بعيدة جداً بهذه السرعة! هذا غير معقول!
سوف أقتلك دون تردد! استمع إلى ما أقوله هل ستخذل أخاك في لحظة تم استغلاله فيها؟

أغمضت عيناي بإنهاك وأكملت طريقي لأسمعها يتجادلان بينما أنزل، حركت يدي في الهواء أخفف من الألم الذي أشعر فيه بسبب قبضته.
أحمق. يدي تؤلمني!
عندما نزلت الدرج واتجهت إلى الباب توقفت في مكاني بإستنكار وارتياب وسألت نفسي إن كنتُ قد لمحت ظلاً لشخص ما امام الباب في الخارج؟
اقتربت من الباب بخطى هادئة بطيئة، يوجد الكثير من الصور والقصاصات على الباب ومع ذلك كان من السهل رؤية ظلاً لشخص ما أمامه.

أو أنني أبالغ في التفكير؟ لعله كان أحد المارة الذي يمشي بالقرب من المحل؟ وضعت يدي على المقبض قبل ان أديره لأفتحه، لم أجد شخصاً يقف في الخارج وما ان خطوت حتى انتبهت لصندوق صغير أسفل قدمي!
احترت أحدق إليه، وضعه شخص ما هنا؟ هدية؟ يبدو كذلك فالصندوق أنيق ومُغلف بعناية بورق تغليف بني.
عليه بطاقة صغيرة، جثيت لأجلس وأقرأ ما كُتب عليها ولكنني لم أجد سوى كلمة واحدة فقط.
دانيال .

هدية لأجل هذا الجانح؟ من الأحمق عديم الذوق الذي قد يرسل له هدية بحق الإله!
ابتسمت بإستخفاف واعدت البطاقة حيث كانت، حملت الصندوق وأدخلته لأضعه في المحل ثم خرجت ووجهتي إلى بينديكت.
دانيال:
لا أزال أجلس على الدرج وذهني شارد مشتت.
لا أتوقف عن التحديق إلى يدي.
ستفقدني هذه الفتاة عقلي!
الجرأة التي تتمتع بها يصعب استيعابها حقاً!
أحكمت قبضة يدي ثم أعدت فتحها لأحدق إلى أناملي بتوتر.

لقد. لمستُها.! قبضتها صغيرة. لطيفة. وملمسها ناعم!، كان الإضطراب والتشتت ينتابني آنذاك وأعتقد أنني أحكمت قبضتي على يدها بقوة! تباً هل كان عليها أن تتمادى إلى هذه الدرجة؟ ليس وكأنني سأقوم باستخدام التسجيل الصوتي إنه مجرد حيلة مؤقتة لأوقفها عند حدها كلما تمادت!
تنهدت بلا حيلة وحاولت جاهداً أن أعيد انفاسي المنتظمة العميقة إلى صدري. إنها مجنونة، وهذا واقع لا يقبل الشك فيه.
كانت قريبة جداً.
جداً.!

إلى درجة أنني رأيت تفاصيل ملامحها بدقة!
لا أشعر أنني بخير، خطب ما ينتابني وبدأت معدتي تتقلص، أشعر بالجوع فجأة.
تأففت ووقفتُ انزل الدرج عندما أدركت أنني لم أكنس الأرضية بعد قص شعر الزبون.
ولماذا كل هذه العجلة؟ كان من الواضح أنها لن تذهب إلى المجلة الآن! مِن المفترض أن تذهب لرؤية المدعو بينديكت في وقت لاحق! هل يستحق الأمر كل هذه العجلة حتى؟

عقدت حاجباي بإستغراب وقد انتبهت لصندوق بمغلف بني بجانب الباب في الزاوية، اقتربت منه وقد تفاجأت باسمي مكتوب على البطاقة المثبتة عليه!
هدية.
مجدداً؟
فتحتها فوراً ودون ترقب، طرفت بعيني بعدم استيعاب أحدق إلى زجاجة الماء الرياضية التي كانت في الصندوق وأيضاً لعلامة تجارية لمستلزمات الرياضة!
ما الذي.
يحدث!
من قام بوضعها؟ هل وضعها داخل المحل بكل جرأة؟ أم ماذا؟

ولماذا يحضر الهدايا؟ وهل سيكون هناك المزيد؟ كيف من المفترض أن أمسك بالشخص الذي يضعها! ينتابني الفضول الشديد. هذا ليس مقلب من شخص ما صحيح؟ لا أظن ذلك. لا يمكن أن يكون مقلباً. هذا المنتج باهظ الثمن!
أفقت من أفكاري لرؤية باب المحل يُفتح.
دخل الزبون يرسم على ثغره ابتسامة هادئة فتركت ما بيدي جانباً وأشرت له ان يدخل.

تحرك ليجلس على أحد الكراسي فتابعته بعيناي بإستنكار بينما أمضغ العلكة بحيرة، هذا الرجل. رأيته مؤخراً.
عندما جلس أدركت أنه الرجل الأشقر نفسه الذي لمحته في المجلة.
نظرت إليه بتثاقل فبادلني النظرات بحيرة قبل أن يبتسم بهدوء: أعتقد أنني سأرتب شعري وأقص أطرافه.
رمقته بجفاء: تعتقد؟

ارتخت ملامحه محافظاً على ابتسامته فقلت بإستخفاف: حدد ما تريده وكن واثقاً منذ البداية، إلا أن كنت لا تمانع ان نلتقي في مركز الشرطة لقد اعتدت على ذلك. أشعر بالملل على أي حال ولعل أفراد القِسم يفتقدونني هناك.
معك حق. حسناً سأقص أطراف شعري، من فضلك.
بدأت أفعل ما طلبه وقد حدقت إليه بتمعن. خطب ما غريب بشأنه، يصعب تحديده!

رفعت حاجبي الأيسر عندما بدأت أقص أطراف شعر غرته متمتماً بإستخفاف: لم تسمع يوماً بلصقة طبية؟ لستُ خبيراً ولكن من الواضح ان الجرح على جبينك قد تلوث.
نظر إلى بهدوء لثواني قبل أن يميء برأسه إيجاباً: لا بأس.
أضاف بكلمات بطيئة ينظر إلى وجهه في المرآة أمامه بهدوء: سيترك أثراً، لا أمانع النظر إلى هذا الجرح في كل مرة أرى فيها انعكاسي على المرآة.

أومأت بلا اكتراث لأقوم بقص أطراف شعره، ياللحماقة. هذا الجرح حديث العهد ولا أعتقد أنه اعتنى به جيداً حتى.
وضعت السماعة في اذني أستكمل عملي وقبل ان أشغل الموسيقى استوقفني متسائلاً باستغراب: ما نوع الخدمات التي تقدمونها في الطابق الثاني؟
النوم، الطعام، الاستحمام المجاني.
عفواً؟
اليس من الواضح أنه سكن يقع مباشرة فوق المحل! لا تسأل أسئلة غبية يا رجل واثبت لا تحرك رأسك لست مسؤول عن أي خصلة قد أفسدها بسببك.

ابتسم ممازحاً: على رسلك ظننت أنه يوجد المزيد من الخدمات في الطابق الثاني. تعيشون في الأعلى إذاً.
تجاهلت تعليقه وشغلت الموسيقى أستأنف ما أفعله.
لحظات ودخل زبون آخر كان كث اللحية وجلس لينتظر بينما يعبث بهاتفه. دقائق وانتهيت بعدها من قص أطراف شعره وسرحته لأرتبه جيداً وقد لمحته يحدق إلى من خلال المرآة ما ان وقفتُ خلفه.

ابتسم لي فتمتمتُ دون أن أوقف الموسيقى التي استمع إليها: هل كنت تعيش على هضبة السعادة قبل وصولك إلى هنا.!

لا أدري ما كان تعليقه لأنني لم أكلف نفسي عناء إيقاف الموسيقى، وقف يمرر يده في شعره عندما وقفتُ خلف الكرسي بترقب وأخبرته بالسعر، كان يخرج من محفظته الأوراق المالية فنزعت احدى السماعتين وقلت بملل: ان كان لديك الوقت الكافي للعناية بشعرك فاذهب إلى أقرب عيادة طبية وعالج هذا الجرح المزعج أعلى جبينك. سيترك أثراً في جميع الأحوال لا تجأش.
أومأ بتفهم: سأفعل.

نظر من حوله حتى تعلقت عيناه الخضراء على الدرج المؤدي إلى الأعلى لثواني ثم أخذ نفساً وعاد ليبتسم بهدوء: قد أكون زبوناً دائماً لديكم ابتداءً من اليوم.
طالما نجني ربحاً من مجيئك.
تحرك مبتعداً بينما اتجهت إلى الدُرج لأضعه النقود فيه، رأيته يمرر يده خلف عنقه قبل أن يخرج ثم استدار ينظر إلى ملوحاً: إلى اللقاء.
أشرت له بذقني: أغلق الباب فور خروجك لا أريد مطاردة الذباب في الأنحاء.

ابتسم الزبون الذي تحرك ليجلس على كرسي الحلاقة ينتظر دوره بينما استدار الأشقر ليخرج.

منذ ان عاد أبي حتى بدأت أرتب الأدوات التي قام بشرائها للمحل، ثم باشرت فوراً في اعداد الغداء وتجهيزه وما ان انتهيت حتى عدت إلى المحل وبدأت في المساعدة إلى أن حان وقت عودة كيفين ولاري إلى المنزل وها قد دخل الأخير مفعماً بالحماس بشدة وصاح بسعادة: أبي سيكون هناك رحلة مدرسية إلى المتحف الأحيائي للكائنات والأحافير قريباً!

أومأ له أبي وسايره: كُن مطيعاً حتى ذلك الوقت مع الجميع، وحافظ على مستواك الدراسي.
صعد كيفين إلى الأعلى بينما ابتسم لاري بسرور واقترب مني بينما أنظف الأرضية من الشعر الذي يتم قصه وحلاقته ليقول: لقد أراني زميلي صور للمتحف! يوجد الكثير من الحشرات المحنطة هناك!
ضاقت عيناي رغبة في اخافته: سأقوم بتحنيطك معهم إن رفضت الانتهاء من فروضك المدرسية في الوقت المحدد.
نهرني أبي بجمود: توقف عن ازعاجه.

عبس لاري للحظة ثم تساءل بإستيعاب: داني لم نخرج منذ فترة بدراجتك لنخرج اليوم! لا يوجد لدي أي فروض مدرسية!
رمقته بتفكير ثم تنهدت: لا بأس. هذا ان وجدت وقتاً كافياً فوالدنا رقيق القلب وكلني كافة مهام المنزل بسبب حماقتك وتهورك في أخذ اشياء الآخرين الخاصة.
عقد حاجبيه بعدم فهم واستغراب فأشرت إليه بتبرم: اياً يكن اذهب وغيّر ملابسك.

تلقى أبي مكالمة وأجاب عليها، حتى سمعته يقول بينما يعقد حاجبيه: نعم إنه أنا. الآن؟
نظرت إليه بترقب بينما أكمل بإيجاز: لا بأس سأكون هناك بعد قليل.
كتاليا:
اسندت ذقني على كفي أتناول الطعام بملل وانزعاج بينما أجلس مع جانيت وروز في قاعة الطعام ما ان حان وقت الاستراحة قبل استئناف جلسة التصوير التالية.
أعقبتُ بكلمات بطيئة ممتعضة: ثم حاولت اخذ هاتفه جاهدة ولم أفلح. لا أدري كيف أتصرف.

بدت روز غارقة في أفكارها لفترة طويلة بينما علقت جانيت بهدوء: لقد علم أنه من السهل استفزازك، أي شخص سيكتشف نقطة ضعف خصمه لن يتردد في استغلال المواقف لصالحه.
ضاقت عيناي منزعجة: ولكنني لست خصمه!

اعادت روز ظهرها للخلف تسنده على الكرسي متكتفة: لستِ خصمه ولكنكِ الآن مجرد عبء عليه! هذا ما فهمته من كل ما قلته، العارض البديل لا يبدو أنه يتقبل وجودك حتى الآن. ولكن. هل كان عليه أن يغضب ويلجأ إلى هذه الحيلة فقط لأنكِ تأخرتِ في العودة؟
أشرت إليها بغيظ: وخطأ من يكون برأيك! لو لم تثملي أنتِ والأحمق جاك لما تأخرت!

أقصد أنه كان من السهل تفريغ غضبه بطريقة أخرى لماذا كان جاداً بأنكِ ستندمين إن تأخرتِ! هذا الرجل يصعب فهمه رغم عفويته!
لويت شفتي بإنزعاج بينما تساءلت جانيت ببرود وهي ترتشف من العصير الطازج: كيف ستتصرفين الآن؟
رفعت كتفاي بخفة: لا أدري، سأحاول سرقة هاتفه وحذف ذلك التسجيل بشتى الطرق وان فشلت فسأكسره وحسب وأعوضه لاحقاً.

رمقتني بجفاء للحظة ثم أخذت العصير ووقفت: لا أدري متى ستكتفين من اللجوء إلى الخيارات الأسوأ دائماً.
جادلتها وقد اعتدلت في جلستي: ها أنتِ ذا مجدداً تقفين ضدي كلما مررت في وقت عصيب.
بقيت واقفة تحدق إلى بنظرات مطولة بعينها الخضراء الزيتونية خلف نظارتها قبل ان تقول: أنتِ من تصنعين الوقت العصيب لنفسك. أو لمن حولك.

جزيت على أسناني الاحقها بعيناي بينما تتحرك مبتعدة! انتابني الضيق والانزعاج فأسرعت روز تلوح بكلتا يديها مهدئة ومطمئنة: لا تنزعجي إنها عادتها في استخدام الردود القاسية كما تعلمين، لم تكن تقصد ازعاجك.
نظرت إلى روز بحدة: لقد كان يستفزني حتى اضطررت للرد عليه بكل عدائية وبأسوأ الكلمات التي لا أقصدها بشأن عملي فلماذا وقفت في صفه!

نفيت برأسها بلا حيلة: اهدئي كات.! والآن أخبريني هل تعتقدين أنه سيستخدم ذلك التسجيل الصوتي ضدك فعلاً؟
أشحت بوجهي بإمتعاض وتكتفتُ مفكرة: لست واثقة بعد، تصرفاته غير متوقعة. ولكن أياً يكن لا زال على حذف التسجيل ومحوه عن بكرة أبيه وإلا وقعت في مشاكل أنا في غنى عنها!
ابتسمت لي مطمئنة ثم قالت بجدية وعينيها البنية مترعة بالثقة: لا تقلقي. لا داعي للخوف كات، أعدكِ أن دانيال لن يستخدمه ضدك.

عبست بقلق: لماذا تتحدثين بثقة! ماذا لو حدث العكس؟
لن يحدث العكس، استمري في المحاولة، او انتظري وحافظي على هدوئك أمامه ولا تستفزيه حتى تتضح معالم شخصيته أكثر فأكثر ونفهم ما ان كان لا يمانع استخدامه ضدك لاحقاً.
أومأت بتردد فغيرت الموضوع لتسألني بإهتمام: كيف هو بينديكت الآن؟

أجبتها أمرر يدي بخفة على كتفي منزعجة من ألم طفيف: لقد تحسن، بدأ يتحرك قليلاً، قال الطبيب أنه يتعافى بسرعة وقد يكون قادراً على الخروج خلال أسبوعين.
ابتسمت براحة: جيد!
ثم نظرت إلى الساعة حول معصمها وقالت لتنهض: سأجهز ملابس جلسة التصوير التالية، سأسبقك.
ابتسمت لها بينما تغادر وما ان اختفت عن ناظري حتى تنهدت بعمق.

اهتز هاتفي إثر وصول إشعار، انشرحت أسارير صدري عندما رأيت تحديث المدونة فأسرعت لأقرأ مستجداتها.
هناك من قرروا البدء في رحلة اكتشاف الطريقة الأمثل للوصول إلى غاياتهم ليسعوا إليها بكل جهدهم.

أحدهم شد رحاله وخرج في رحلة عصيبة واجه فيها عقبات لا تعد ولا تحصى وقد وصل إلى وجهته في النهاية، والآخر خرج ولا يزال تائه يبحث عن نفسه في زحام رغباته وأهدافه المبعثرة. ووصل إلى وجهة لا تليق بغايته.! وأخير لا يزال يقف عند نقطة البداية ولا يدري أي خطوة يتخذ ليتحرك.
لم أكن أحدهم.
كنتُ الرّحالة الذي خرج وفقد غايته في منتصف الطريق. عاد أدراجه وكلتا يديه خاوية.
عاد من حيث أتى.

ينتظر رفيق دربه في رحلته. يُكمل سيره معه.
ويكمل نواقصه
تأملت الكلمات الأخيرة وسألت نفسي عن ما هية الرحلة التي قد أنوي خوضها.
أو عن غاياتي الحقيقية التي قد أكون مستعدة لأترك كل شيء خلفي وأمضي في طريقي لألتمسها على أرض الواقع.

لا أدري.! لدي رغبات كثيرة. وليست محددة! ومع ذلك أعلم أن ما يهمني الآن هو أن أكون أفضل وحسب، هل أنا النوع الثالث؟ لا أزال أقف عند نقطة البداية وأنتظر اكتشاف الخطوة الاولى الصحيحة حتى هذه اللحظة؟

بحثت بعيناي عن سيارة ديفيد حتى وجدته واسرعت أتجه إليه أنزل الدرج أمام مدخل المجلة، ركبت بجانبه وقلت ممازحة: السيد العاشق الحزين، لا تفكر في احتساء الشراب لتثمل أنا حقاً سأتجاهل أمرك واتركك خلفي إن فعلت هذا.
زفر بإنزعاج وهو يقود السيارة: من السهل إزعاجي الآن لذا توقفي. تناولتِ غداءك؟
أومأت إيجاباً: نعم لست جائعة.
إذاً لنجلس في المقهى المقابل للساحل.

عندما وصلنا حيث وجهتنا واستقر كلانا على الكرسي كنا قد اكتفينا بطلب عصائر فقط، لم يكن المكان مزدحماً وانما بضعة زوار هنا وهناك فقط، وضعت قدماً على الأخرى ونظرت إليه بترقب فقال بهدوء: لا أريد الإطالة في المقدمات، كتاليا أعتقد أن روز مقربة منكِ، هل التمست يوماً في حديثها.

صمت قليلاً بتردد واضح حتى تنهد ومرر يده في شعره الأسود بتوتر ثم ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه: هل تتحدث عن عائلتها معكِ أنتِ او جانيت؟
طرفت بحيرة: من النادر سماعها تتحدث بشأن عائلتها. اعتدنا هذا منذ ان تعرفنا عليها!

أومأ بتفهم: أعلم، ولكن. الأمر مختلف كات! أقصد. انظري إلى الأمر بتمعن أكثر، نحن نتواعد منذ سنتين تقريباً، اليس من المنطقي والبديهي ان تتحدث معي بشأن عائلتها أكثر! كلما حاولت جاهداً التقرب إليها أجد صداً غريباً. كنت أمنحها وقتها والأريحية التامة ولكنني. أحبها حقاً ولا يمكنني تجاوز حقيقة أنها تضع بيني وبينها الكثير من الحدود الغير معقولة!

أفهم ما تقوله. بصراحة لا أعلم شيئاً عن عائلتها ديفيد، سوى أن لها شقيقة تصغرها سناً بفارق بسيط، لا أحب التنقيب في تفاصيل لا تُذكر أمامي ولكنني أعلم جيداً ما تحاول قوله فالأمر مختلف بحكم طبيعة علاقتكما. الا زالت تتهرب من عرضك الزواج عليها؟

ارتخى جفنا عينيه وبدى يحدق إلى بضيق مكبوت وهو يجيبني: توقفتُ عن ذكر الأمر بعد شجارنا الأخير. لا أريد الضغط عليها او ازعاجها ولكنني. أتساءل إن كانت روز ترغب في البقاء معي. هل حقاً لا تعلمين إن كانت غير مهتمة بي كما كانت في البداية؟
أشعر بالأسى تجاه ديفيد!

الجميع يعلم انه وقع في حبها منذ الأسبوع الأول لها في المجلة، حاول جاهداً التقرب إليها ونجح في مواعدتها وقد كانت روز تتحدث كثيراً بشأنه ولكنها مؤخراً.
لم تعد تذكره كما كانت مسبقاً بالفعل.!
لا أدري كيف من المفترض أن أجيب على أسئلته!

ابتسمت له مطمئنة وفي النهاية قررت منحه المزيد من الأمل: توقف عن القلق، لو لم تكن روز مهتمة بك لما استمرت في مواعدتك، قد تحتاج إلى المزيد من الوقت لتصبر عليها لعلها تقرر البوح لك بحقائق متعلقة بها لازالت غامضة بالنسبة لك! لن أنسى كم كانت روز هائمة في حبك ولا تتوقف عن التحدث بشأنك في كل حين ولا تتوقف عن التذمر كلما تشاجرتما.

شردت عيناه في الفراغ ينظر إلى الساحل بجانبه، ثم همس بذهن ساهِ ومشتت: هل بقاء الطرف الآخر معنا. دليل كافِ على رغبته او اهتمامه؟
الجمني سؤاله لمهية ولكنني سرعان ما تداركت الأمر ومازحته: ما خطبك يا رجل تمالك نفسك! حاول تلطيف الأجواء معها أكثر، قم بالترتيب لموعد شاعري أو نزهة لطيفة كما كنتما تفعلان! حاول اكتشاف روز أكثر.!
حتى لو كانت تستمر في صدي؟

ديفيد. هل تغيرت مشاعرك نحوها بطريقة أو بأخرى؟ كن صريحاً معي من فضلك!
طرف بعينه ببطء شديد وتغيرت نبرته ليتهدج صوته: روز أهم شخص بالنسبة لي! لماذا قد أعرض الزواج على امرأة لا أحمل نحوها مشاعر كافية! لستُ مستعد لخسارتها أبداً! ولكنني أخشى أنها تفكر بي بأنني مجرد رجل تسرعت في مواعدته!

أعلم جيداً كم تحبها. ولكن يصعب تأكيد ما تسأل بشأنه من خلالي أنا! ومع ذلك أريد حقاً رؤيتكما معاً. ما الذي يمكنني فعله برأيك؟
سألته بجدية واهتمام فأغمض عينيه لثواني ثم نفي برأسه: لو كنت أعلم لما أخبرتك.

روز من السهل جداً ان تشعر بالغيرة عليك والجميع يعلم بذلك، كما أنها تقلق بشأنك ان اختفيت عن الأنظار، والأدهى انها تعمل جاهدة لتنال اعجابك. كلها معايير مهمة لتتأكد أنها تحبك حقاً، ولكن لازالت مسألة الزواج وتحفظها عن حياتها تثير استيائك. لا أدري حقاً ديفيد ما عليك فعله تحديداً! الأمر متروك لك في النهاية أنت من تواعدها. أخشى التدخل في علاقتكما لا أؤيد هذه الفكرة فماذا لو اقترحت حلولاً قد تؤدي إلى تفاقم الوضع؟

أعقبت بإمتعاض أبتسم بلا حيلة: جانيت محقة. ألجأ دائماً إلى الخيارات الأسوأ، لا أريد ان أكون سبباً في تعاسة أحدكم. لا أريد جلب المصائب لمن حولي. ولكن قد أسدي لك خدمة صغيرة آمل انها قد تساعدك!
ترقب قولي والإحباط واضح على ملامحه لأعقب كلماتي موضحة: إن كنا نعلم أنها تغار عليك، وتخاف عليك وتقلق دائماً وتحب ان تنال اعجباك فلا زال هناك أمامنا أمر لندفعها بالشعور به تجاهك.
أومأ مترقباً بتركيز شديد: تحدثي!

معالجة مخاوفها. إن كانت تخفيها وتتحفظ عليها بعيداً عنك أو عن الجميع.
عقد حاجبيه بإستنكار: مخاوفها؟
فكّر بالأمر بعمق! التفسير الوحيد لتصرفات روز قد يكون بسبب وجود مخاوف تحاول دفنها في مكان بعيد عن الأنظار وترفض البوح بشأنها! حاول اكتشاف مخاوفها التي قد تدفعها للتهرب من موضوع الزواج مثلاً! او مخاوفها التي ترغمها للتحفظ على شؤونها العائلية!
أعتقد أنني. أفهم ما تقولينه!

ابتسمت له مشجعة فأكمل بهدوء: قد يكون هذا صعباً جداً ولكنني متمسك بها. ولست مستعداً للتخلي عنها.
غمزت له ممازحة: لهذا أدعوك دائماً بالعاشق الهائم.

لم أستطع اقناع ديفيد بعودتي بسيارة أجرة وقد أصّر على أن يوصلني. أكمل تذمره بعدم اقتناع دون توقف ما ان توقف في إحدى الاشارات الحمراء: لذا لا زلت أعتقد أنه لا يجب أن تعيشي تحت سقف واحد مع منزل يعج الرجال! حتى لو كان دانيال لا يحب من النساء التقرب إليه ولكنه يبقى رجل! ماذا لو تحكمت به غريزته يوماً أو.
أخبرتك أنني حذرة ديفيد!
أعقبت ساخرة ممازحة: اقلق بشأنه هو.

تأفف نافياً برأسه: كم أنتِ عنيدة! ماذا لو اكتشفت عائلتك الأمر؟
سيتم التبرأ مني بلا شك.

رمقني بإنزعاج فابتسمت له قبل أن أدفع كتفه بقوة: حسناً توقف عن الخوض في هذا الأمر! والد دانيال يبدو رجل يُعتمد عليه وأشعر بالأمان لوجوده، بالمناسبة قال جاك أننا سنبدء تصوير الأغلفة التسويقية للعبة رهينة القرصان خلال بضعة أيام فقط وسيكون دانيال من يلعب الدور الرئيسي كما تعلم، ستكون روز معي طوال الوقت وقد نذهب إلى أحد الفنادق الساحلية أنا وكافة الطاقم لذا. حاول جاهداً أن تستغل الأمر بطريقة أو بأخرى، أن تلحق بها إلى هناك مثلاً بعد انتهاء ساعات عملك أو حتى أخذها من هناك قبل ان تعود معنا بحافلة المجلة.

أومأ بتفكير: سأقرر لاحقاً.
دقائق وأوصلني ديفيد حيث منزل السيد هاريسون، ترّجلت من سيارته وانا أساير نصائحه للمرة المئة حول العيش في منزل مليء بالرجال وهو يصف لي حركات دفاعية للمقاومة والدفاع عن النفس، وما ان تحركت نحو باب المحل حتى توقفت لأجيب على مكالمة واردة من ريتشارد، أجبت مبتسمة: مرحباً.
أهلاً كتاليا، لابد وانكِ انهيت عملكِ منذ وقت طويل؟
آه نعم كنت مع أحد زملائي للتو.
وصلتِ إلى المنزل؟
نعم.!

أتى صوته مستنكراً: أين؟ أقف أمام باب شقتك ولازلت في انتظارك!
تسمرت في مكاني ووقفت شاخصة.
يقف أمام شقتي؟ س. سحقاً!
ابتلعت ريقي بصعوبة وأسرعت أقول أخفي توتري جاهدة: لازلت لم أصعد بعد وصلت حيث العمارة ولكنني في المتجر أقوم بشراء بعض الحاجيات، قد أتأخر قليلاً هل يمكنك انتظاري في سيارتك؟
ساد الصمت للحظة قبل أن يقول متنهداً: لا بأس سأكون في انتظارك، اعتني بنفسك.

أنهيت المكالمة وفوراً بدأت أجري بأقصى سرعتي حتى أشرت لسيارة أجرة بأن تتوقف بسرعة، فقط لو لم يغادر ديفيد لطلبت منه أخذي في طريقه! طلبت من السائق أن يسرع وفي كل مرة يبطء من سرعته كنت أخبره بأن يستعجل فيرد على بنفاذ صبر بأن أتوقف عن القاء الأوامر عليه.
انتابني التوتر الشديد ولاسيما حين أدركت أنني لم أخذ مفتاح شقتي حتى وقد تركت النسخة في منزل السيد هاريسون!

لا وقت للعودة الآن سأتأخر وينتاب الاستغراب ريتشارد! يفترض أنه يعتقد أنني في المتجر الموجود أسفل العمارة مباشرة، لحظة! ماذا لو نزل وبحث عني هناك؟
ولكنني أخبرته أن ينتظرني في سيارته.
نفيت برأسي أحاول التخلص من أفكاري.
لحظات بطيئة بالنسبة حتى وصلت أخيراً إلى وجهتي، لمحت سيارة ريتشارد السوداء قد أوقفها بجانب الرصيف فقلت للسائق ان يتوقف عند الشارع المقابل، على فعل ذلك لئلا يلمحني.

نزلت بحذر من سيارة الأجرة وتحركت من بين المارة أتخفى حتى دخلت المتجر واشتريت أي شيء التقطته يدي بسرعة، وما ان خرجت ممسكة بالأكياس حتى اتجهت إلى سيارته.
حافظت على ابتسامتي وطرقت على نافذته قبل ان أفتح باب السيارة وأدخل.
هل تأخرت؟ آسفة لأنني أرغمتك على انتظاري.
لا يجب أن نصعد إلى شقتي فلقد نسيت المفتاح! على ان اجلس معه في سيارته إنه الحل الوحيد.

ابتسم لي ونزع نظارته الشمسية لينظر إلى بعينه البنية بدرجتها الفاتحة: هل يمكنكِ استيعاب الفترة التي مضت منذ آخر مرة رأيتك فيها بحق الإله؟
أومأت بأسى قبل أن أراوغه ممازحة: وها قد ارتفع معدل شهرتك بين قارئات كتاباتك منذ آخر مرة رأيتك فيها. كيف هي صغيرتك فيونا؟

أجابني ينظر إلى هاتفه: كانت تبكي قبل خروجي، أعتقد أنها تشعر بتوعك لذا ان استمر الأمر سأخذها إلى المشفى فور عودتي إلى المنزل. المهم الآن، هناك ما أريد التحدث معكِ بشأنه، لننزل ونتحدث في شقتك.
أسرعت أقترح مبتسمة: مللت الجلوس في شقتي بعد عودتي من العمل، هل نتنزه بسيارتك قليلاً؟ أو نتحدث في مكان آخر؟
ارتفع حاجبيه للحظة قبل ان يميل برأسه قليلاً وتمتم يحدق إلى بتمعن: لا بأس. ضعي حزام الأمان.

بدء يقود سيارته فتنفست الصعداء بخفة وأنا أضع حزام الأمان.
وبينما يقود نظرت إليه بتركيز قبل أن أقول أشد شعرة شيب بيضاء من رأسه مبتسمة: أخي الوقور رغم صغر سنه.
ابتسم بلا حيلة: لا تكوني فخورة لأنكِ الوحيدة التي لا تعاني من هذا الموضوع.
غمزت له: لست فخورة، على العكس إنها سمّة تميزك.
– لطالما كنتِ تزعجينني وتنادينني بالكهل منذ صغرك.

عبست وضربت كتفه بخفة: ولكنني نضجت الآن وأخبرك أن الخصلات البيضاء تميزك! لازلت شاباً كفاك سخفا.
لازالت هانا تضطر إلى صبغ شعرها لتخفي الخصلات البيضاء كذلك.
تجهمت والتزمت الصمت وقد انتابني الضيق فرمقني بطرف عينه قبل أن يغير الموضوع: لماذا تبدين أنحف عما سبق؟ ألا تتناولين طعامك جيداً؟
أتبع حمية.

عندما ساد الصمت السيارة والقى على نظرة عدم اقتناع تنهدت وتمتمت: تعلم أنني مررت في بعض المشاكل في العمل لذا فقدت شهيتي لفترة.
وهذا تحديداً ما أنوي الحديث بشأنه معكِ.
أعقب بنبرة مترعة بالعتاب والجدية: قلتِ أنك تبحثين عن عارض بديل بسبب تعرض العارض الأساسي لوعكة صحية. في حين أنكِ تخفين الحقيقة.
نال الإضطراب والخوف مني أنظر إلى الطريق بصمت تام!
هل. اكتشف الأمر؟

عقدت حاجباي بحيرة وتوتر شديد حتى أجفلت لقوله: قررتِ المضي قدماً بالإحتفاظ بكل شيء لنفسك، وتماديتِ حتى أخفيت حقيقة خروج باتريك من السجن، هل أنا مخطئ كات؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *