التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث عشر

خفايا
(سيف)
أتلعمون مايحصل ان احببتم احدهم بشدة؟ ستعيشوه، نعم، ستفعلون. ستعرفون عنه اكثر مماتعرفون عن انفسكم. ستدركون مايحب ومايكره. ستعرفون كل عاداته وطباعه، وستحفظون كل حركاته و ردة فعله!

ومن عساها غيرها التي احفظ كل شيء عنها؟ تلك التي تقف امامنا الان وتحدق بنا بنظرات اعرف مغزاها جيداً، فطوال سنين مراقبتي لها ادركت عدة اشياء عن حبيبتي، من ضمنها نظرات عينيها ومعانيها، ولميرنا نظرة واضحة جداً عندما تشك بأمر ما. هي تقوم بتضييق عينيها وتدير رأسها للجانب قليلاً وتركز في المشكوك به من دون ازاحة بصرها، كما تركز بوجه امي الان!

اخفضت امي رأسها فوراً وهي تدعي انشغالها بلبس نظارتها تحاول تشويش ملامحها عن نظرات ميرنا والتفتت إلى لتقول بنبرة حافظت عليها قدر المستطاع متماسكة: – نلتقي لاحقاً سيد سيف!
ولكن نبرتي خرجت متلعثمة وانا اجيبها: – ح. حسناً!
وتخطتها امي وذهبت بخطوات سريعة وعينا ميرنا تتبعها بصمت.
– ألم ترحلي؟

نعم. جملتي غبية ووقحة، ولكنها الجملة الوحيدة التي خطرت على بالي الان وانا احاول ايجاد اي عذر فقط لأبعد عينيها عن امي كي لاتتذكرها!
نظرت إلى ميرنا ورفعت حاجبها الايمن بحدة، وهذه نظرة ثانية تقوم بها عندما تريد ان تعبر عن غضب مكتوم…
حدقت داخل عيناي قليلاً ولايزال التشكيك متشبث بعيناها ثم واخيراً قالت: – لقد نسيت ان اخذ منك حقيبة ملابسي!
وقبل ان اجيب بشيء اكملت فوراً: – من كانت تلك المرأة؟

انه السؤال الذي ترجيت بشدة ان تتجاهله ولاتسأله، ولكن هيهات ان تفعل ذلك. فهي سيدة الفضول الاولى ان انتابها الشك!
ادعيت عدم المبالاة وانا اجيبها: – انها احدى المستثمرات في شركتنا. كنا نتحدث بخصوص العمل
نظرت نحوي من اخمص قدمي لقمة رأسي قبل ان تقول: – وهل من عاداتك ان تعقد اجتماعات العمل بملابسك المنزلية؟ بل وداخل شقتك؟
حسناً. انا اعترف، اولاً هي شديدة الملاحظة. وثانياً انا فاشل في الكذب ان ارتبكت!

بللت شفتاي بلساني وكأني احاول تضييع الوقت ولأمد نفسي بالبرود الذي اعتادت رؤيته مني وان لاتلاحظ ارتباكي ويزيد شكها، اخذت نفساً سريعاً ادعي تململي من تحقيقها معي ثم قلت بتضايق: – لقد زارتني فجأة من دون علم مسبق لذلك لم اجد سبب لتغيير ملابسي!
كتفت يديها الى صدرها وهي تقول: – وبماذا تناقشتم بالضبط بهذا الاجتماع السري لدرجة انك طردتني ولم تسمح لي حتى بالدخول؟
– انا لم اطردك!
– اجل. صرفتني بلباقة اعتذر!

– اخبرتك اننا كنا نتناقش بخصوص العمل لذلك وقت زيارتك لم يكن مناسباً.
تقدمت خطوتين نحوي وهي تقول بتشكيك:
– وهل يعلم ادهم اليوسفي ياترى بأنك تلتقي بمستثمريه سراً؟
تبسمت بأستفزاز وانا اضع يداي داخل جيوب بيجامتي بينما اقول:
– الى ما تلميحن بالضبط؟
رفعت كتفيها وانزلتهما بعدم اهتمام وهي تقول:
– الى ذات ماكنت تلمح له عندما وجدتني في مكتب ابي المنزلي بداية لقائنا!

لم اعلق، اكتفيت بأبتسامة صغيرة وانا احدق داخل عينيها، احبها بالفعل عندما تتقمص شخصية المحقق. بينما هي في الحقيقة الغبية الوحيدة داخل هذا العالم المحتال! النقية الوحيدة من بيننا جميعاً، انا. امي. سلوى. ادهم! جميعنا في الجهة المظلمة، وهي الوحيدة التي لاتزال تؤمن انه لايزال هناك بعض النور. الوحيدة التي يستغفلها الجميع ويتجاهلها، الوحيدة التي لايبالي بها احد او يهتم، ولكني اخشى ان يأتي اليوم الذي ستتحول فيه ل وحش مثلنا، لاتبالي بمعاناة غيرها ولن تسعى سوى لسعادتها، فمن المستحيل ان تعيش مع ناس مناقضين لها وتبقى كما هي!

– سيف انا اتحدث اليك!
استعدت انتباهي وقلت لها فوراً:
– عفواً؟
فقوست حاجبيها بدهشة وهي تقول:
– أأنت جاد؟ انا اتحدث اليك منذ ساعة وانت صامت!
تأفأفت بضيق مدعياً الاستياء كي اجعلها تترك هذا الموضوع وانا اقول لها:
– ميرنا! انا متعب واريد ان احظى بالراحة، ليس لدي مزاج كي استمع لتحقيقك معي. ان اردتي ان توصلي مارأيته للسيد ادهم فأفعلي فأنا لم اقم بشيء خاطئ والسيد ادهم يعلم بزيارتها واسبابها!

وهنا كان الوتر الحساس الذي خدش كبريائها فقالت لي بتكبر رغم احمرار وجهها من اسلوبي معها، لااعلم أهو احمرار خجل ام غضب. ولكن مايهم انها غيرت اتجاه دفة الحديث وهي تقول:
– لست هنا لأخوض معك الاحاديث. انا اريد حقيبتي فحسب. انها في صندوق سيارتك!
اخرجت مفتاح سيارتي من جيبي ورميته بأتجاهها وقلت:
– خذي وخلصيني!
امسكت المفاتيح بيدها وعصرتهم بغضب وهي ترفع سبابتها امام وجهي وتقول بسخط:.

– لست انا من تعاملها بهذا الاسلوب ياسيف، واياك واستغلال مشاعري، فأنا اصبح قاسية جداً مع من احبهم ان قررت تجاهل مشاعري لهم!
واستدارت راحلة ماان انهت جملتها، بينما انا اطلقت سراح ابتسامتي المكتومة، فأنا اعرف جيداً انها ليست من هذا النوع ابداً، لذلك فعلت ذلك كي اراضيها، فعلت ماذا؟ انتظرو قليلاً!

تركت الباب مفتوحاً واتجهت نحو الصالة لأجلس هناك، خمس دقائق لااكثر واقتحمت ميرنا شقتي مجدداً، نظرت لها بطرف عيني فوجدتها عبارة عن قطعة نار ملتهبة من الغضب وهي تهتف بي:
– اين حقيبتي يا سيف!
قمت من مكاني وقلت لها ببرائة:
– ألم تقولي انها في صندوق سيارتي؟
– ليس الوقت المناسب على الاطلاق لظرافتك!
تبسمت بأستفاز وانا اتقدم خطوات بطيئة بأتجاهها واقول:
– بل اظنه الوقت المناسب!

كلما اقتربت خطوة عادت هي مثلها نحو الخلف وتقول لي مدعية التماسك:
– انا جادة ياسيف، اعطيني حقيبتي اريد ان اذهب!
– وهل تريني امسكها؟
– انت بالتأكيد قد وضعتها في مكان ما!
– لااذكر. ربما نسيتها في مكان ما.
– لقد شاهدتك بنفسي تضعها في الصندوق!

واخيراً اوقف خطواتها الجدار فأقتربت منها ولم تعد تفصلنا سوى خطوة واحدة عن بعضنا ورفعت يداي لأستند بهما على الجدار بجانب وجهها فأصبحت هي محصورة بين ذراعي. ليتحول غضبها فوراً الى توتر وارتباك على هيئتها ونبرتها بينما تقولي بتلعثم:
– أ. أنت. م. ماالذي تفعله؟ هلا ابتعدت من. فضلك؟
تبسمت وانا اقول بهدوء:
– وان لم افعل؟
لتعيد جسدها اكثر بأتجاه الجدار تكاد تخترقه لتدخل به هاربة مني بينما تقول:.

– انا جادة ياسيف!
– انتِ جادة اليوم اكثر من اللازم!
وبقيت احدق داخل عينيها من دون اي ملل. بل واي ملل سأشعر به وهي التي امامي، حبيبتي الاولى والوحيدة والاخيرة. طفلتي العنيدة، اعشق اصغر تفاصيلها، احفظ ابسط عاداتها، احبها بجنون لايحمل اي عقل بداخله، حب اكتمه عن الجميع وحتى عن المقربين مني، حب انكره حتى مع نفسي. احاول تزييف حقيقة انا واثق منها، حقيقة انني اعشقها بقوة ولن اتمكن يوماً من نسيانها!

شاهدت بعض حبات اللؤلؤ تصطف فوق جبينها من التوتر وانفاسها تضطرب من الارتباك واصابعها اللاتي تقبضهم بقوة يرتجفن من دون ارادة منها، قلبت ابصاري داخل ابصارها المضطربة، نسيت كل مايدور حولي، نسيت امر خطتنا وامر نصائح امي، كل ما يوجد داخل عقلي الان هو وقوفها امامي فقط، وكأننا وحدنا في هذا العالم.

رفعت يدي ببطئ وابعدت عن وجهها خصلة شعر منتفضة من بين خصلات شعرها المرتبة، لمست خدها الناعم بظهر اصبعي وقلت بصدق من دون ارادة مني:
– انا اسف، لايمكنني سوى ان اكون حقيراً معكِ!
سكن جسدها فوراً وكأنه مصدوم ايضاً معها من كلماتي وثبتت ابصارها داخل ابصاري غير مستوعبة مااقوله لها، وفجأة ابعدت يداي واطلقت سراح جسدها من سجنه وانا استدير عائداً بأتجاه الصالة بينما اقول:
– حقيبتك ستجديها اول ماتدخلين غرفتي!

@@@@@@@@@@@@@@@@@@
(ميرنا)
اتمنى بشدة لو كان بيتهوفن حي. كان سيصنع اجمل سمفونية من ضربات قلبي المجنونة، اشعر ان الارض ثابتة وانا من ادور حول نفسي، لاشيء واضح سواه، وليس هناك اكثر تشوشاً من رأسي. ولااضطراباً اكثر من انفاسي، انا بالفعل ميرنا في ارض العجائب في هذه اللحظة!

تحرك جسدي من جموده وتحركت خطوات غير ثابتة بأتجاه غرفته القابعة في اخر الممر والتي يمكنني تمييزها بسهولة من بابها المفتوح، هل من الممكن ان يثمل احدهم فقط من قرب شخص ما؟ فأنا بالتأكيد لست بوعي في هذه اللحظة ولااملك ادنى سيطرة على جسدي. اشعر به يطفو فوق كتلة ماء وهمية تحركني يميناً ويساراً…

ودخلت الى غرفته، الى صومعته، الى مكانه الخاص. حيث عطره المميز ينتشر في الارجاء. حيث فرشاة شعره ملقاة فوق منضدة التزيين. حيث كل شيء مرتب بشكل مثالي اكثر حتى من غرفتي، حسناً في الماضي كنت اجد غرفتي مرتبة. ولكن بمقارنتها مع غرفته فسأكون فوضوية جداً!.

كانت حقيبتي امامي مباشرة ولكني كنت مأخوذة بكل شيء حولي، وكأني احاول استكشاف دواخل هذا الغامض الذي لااعرف عنه شيء، منفصم الشخصية ذاك الذي سيدفعني للجنون قريباً بسبب تناقضاته!
– لاتسرقي شيئاً!
كانت عبارته المستفزة مافية لتعيد لي نشاطي العقلي فزفرت بضيق وسحب الحقيبة بعنف وخرجت بسرعة من غرفته ثم من منزله بشكل نهائي دون ان ابالي بألقاء تحية الوداع عليه!

استقللت تاكسي بادئ الامر نحو الفندق كي احضر سيارتي ثم استقلتها لأقود بسرعتي الجنونية، لا. لست تحت تأثير سيف وذلك الارتباك الذي يسببه لي، بل كنت تحت تأثير الشك وعدم الاستيعاب لأي شيء…
اخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بمنقذتي في امور كهذه، دانة!
– اهلاً بك انسة ميرنا، مجدداً!
تبسمت على عبارتها الاخيرة التي غيرت نبرتها فيها للضحكة…
– اعلم اني ازعجتك كثيراً معي عزيزتي، ولكني بالفعل احتاج مساعدتك!

– لابأس انستي، بماذا اخدمك هذه المرة؟
– اريد اسماء جميع المستثمرات في شركة ابي!
– النساء؟
– اجل!
– اظن ان عددهم لايتجاوز العشرة، انتظري قليلاً وسأرسل لكي الاسماء في رسالة نصية!
– حسناً. اشكرك كثيراً.
– على الرحب والسعة انستي!

اوقفت السيارة بجانب الطريق لحين تصلني الرسالة، انا اريد بشدة معرفة تلك المرأة التي كانت برفقة سيف، شكلها انا رأيته سابقاً، تبدو مألوفة جداً، انا اعرفها، انها تشبه احدهم، ولكن لااذكر من!.
هل جربتم شعور مماثل؟ ان ترو احدهم وتقسمو انكم تعرفوه، ولكنكم لاتتذكرون من هو؟ حسناً انا اجرب هذا الشعور الان!

انتشلني من شرودي بعد دقائق صوت نغمة هاتفي تعلن عن وصول رسالة جديدة! فتحتها بلهفة لأجد جميع اسماء المستثمرات، اعتلت ابتسامة ارتياح زاوية فمي وانا اقوم بأعادة ارسال الرسالة نحو السيد شهاب. انتظرت لحين وصول الرسالة وقمت بالاتصال به فوراً.
– مرحباً انسة ميرنا!
– اهلاً سيد شهاب، هل من جديد؟
– نوعاً ما بدأت اقترب مما نريد…
زينت ابتسامة سعادة عريضة تقاسيم وجهي وانا اتنفس بأرتياح ثم قلت:
– هذا مذهل!

ثم اردفت فوراً:
– لقد وصلتك رسالة مني قبل ثواني!
– اجل رأيتها.
– جيد! انهن المستثمرات في شركة ابي.
– هل تريدين تحقيق بخصوصهم؟
– لا. في الحقيقة لست مهتمة بتفاصيلهم الشخصية.
– اذاً؟
– احتاج صورة لكل واحدة منهم، واريدها صورة واضحة وحديثة!
– امنحيني ثلاثة ايام وستكون صورهم الشخصية لديكِ!
– حسناً، شكراً لك!
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
(ومضة من الماضي)
حدق يوسف بحدة داخل عينا سلوى بينما يضع الخدم الحقائب في صندوق السيارة.

كانت نرمين تملك عكس نظرات ابنها لسلوى، كانت نظرة باردة، فهي لاتزال تحتفظ بعزة نفسها ومن المستحيل ان تتنازل وتتوسل لسلوى او حتى لأدهم الذي كان يقف عند الباب الداخلي للمنزل اعلى السلم، كانت تسيطر عليه ملامح الالم وقلة الحيلة. ولكنه رغم ذلك قد خضع لكلام زوجته وهي تحرضه على طرد ابن اخيه وامه من المنزل بدل ان يكبر يوسف ويطالب بأشياء ليست من حقه، عليه ان يتربى في الفقر كي لايمتلك القوة والسلطة الكافية ليسلب مالايجوز له استرداده!

– لاتظني ان الامر انتهى عند هذا الحد ياسلوى!
قالتها نرمين بهدوء وثقة فرفعت سلوى زاوية فمها بأبتسامة ساخرة بينما تجيب:
– اجل، بالنسبة لكِ من المستحيل ان ينتهي وانتِ تعيشين داخل هذه التعاسة، ولكن بالنسبة لي قد انتهت ايام مجدك وبدأت ايامي انا لأكون سيدة هذا القصر!
تبسمت نرمين بأستفزاز وهي تقول بأستحقار لسلوى:
– اذاً هذا هو كل ما في الامر وراء طردك لنا؟ الغيرة؟

وهنا عزفت نرمين فوق وتر حساس جداً بالنسبة لسلوى فصرخت الاخرى بوجهها بغيظ:
– هل لاتزالين تصدقين نفسك يانرمين؟ انتِ لم تعودي تلك السيدة الارستقراطية، لذلك استيقظي من احلامك الوردية وانظري لواقعك. لم تعودي شيء يستحق حتى ان اغار منه!
حافظت نرمين على ابتسامتها الرصينة وهي تتقدم خطوتين ثابتين بأتجاهها وقالت بثقة:.

– نعم هذا صحيح، لقد دارت بنا عجلة الزمن لتجعلني انا اعيش في الاحياء الفقيرة وانفى من قصري. وانتِ تحتلي مكاني!
وتعمدت ان تنطق كلمة انتِ بأستصغار قبل ان تكمل بأبتسامة لاتحمل اي شك او قلق خلفها:
– لكن لاتنسي يا عزيزتي سلوى اننا نتحدث هنا عن عجلة الزمن، والعجلة ليس من صفاتها ان تتوقف عن الحركة، ومثلما دارت بي سيأتي اليوم الذي تدير بكِ.
ثم اختفت ابتسامتها فوراً واكملت بغيظ مكتوم:.

– وانا من سأحرص على ان اديرها بكِ صدقيني!.

واستدارت راحلة مع ابنها من دون تعليق اخر. او حتى ان تستمع لبقية تعليق سلوى المليء بغيضها وتوعدها، رحلت لتبدأ من يومها خطة انتقامها، تلك الخطة التي تصر على تنفيذها في كل يوم يمر عليها داخل الاحياء الفقيرة، في كل يوم تقارن فيه ما كانو عليه ومااصبحو به! في كل ليلة قضتها ساهرة تعمل لوقت متأخر في الخياطة او الحياكة فقط من اجل توفير مصاريف ابنها ودراسته، في كل ليلة حرمت نفسها من العشاء كي توفر الطعام لأبنها الوحيد، كلها عوامل ايقظت الجانب المظلم داخل روحها والتي ظنت انها لاتملكه عندما كانت تنتمي لتلك الطبقة الراقية، لتلك الايام الخوالي التي ستستعيدها بالتأكيد من بين براثن سلوى بعد ان سلبتها منهما!

@@@@@@@@@@@@@@@@@@
(ميرنا)
ماهي مساوئ انتمائك للطبقة الراقية؟، اخبروني اولاً بفوائدها وسأتمكن من تصنيف مساؤها حسب رغبتكم انتم، فبالنسبة لي هي عبارة عن مساوئ…

قبل يومين قرأت مقالاً اضحكني بالفعل على صفحة الانترنيت، لقد تم اختيار منزلنا المرتبة الثالثة من اجمل المنازل في المدينة والمرتبة الثامنة على نطاق الدولة، ليس المقال مااضحكني بل احدى التعليقات لفتاة ساذجة تحسد اصحاب القصر على حياتهم وبالتأكيد ان ميرنا اليوسفي محظوظة بعائلة وقصر خيالي كهذا، ولااحد منهم يدرك ان المكان الوحيد الذي اعيش فيه حرفياً داخل هذا القصر هو غرفتي فقط، وباقي ارجائه امر عليها مرور الكرام في خروجي ودخولي من المنزل، انا لدي ثقة تامة ان خدمنا يستمتعون بجمالية المنزل اكثر منا، فهم متواجدين فيه اكثر حتى من تواجدنا!.

اكره بالفعل تلك المقالات التي يتم نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي عن رجال الاعمال الاثرياء وعائلاتهم، فالجميع ينظرون لنا من منظور عدسة التصوير، لايرون سوى صورة، لايعيشون معنا. لايعرفون احزاننا. افراحنا. مساؤنا. حسناتنا. هم ببساطة يبدأون بأنتقادنا حسب الصورة الموجودة لديهم…

ذات مرة تم نشر صورتي على احدى صفحات التواصل الاجتماعي وانا اخرج من المتجر الذي اتبضع منه في العادة من اجل ملجأ الايتام، وكعادتي كنت محملة بالكثير من الاكياس، احد الاشخاص الذي تعرف على شكلي قام بألتقاط صورة لي ووضعها بجانب صورة طفل فقير وكتب هكذا يعيش الاثرياء حياتهم. وهكذا هم اطفالنا، ما ادمى قلبي ليس وهم يشوهون سمعتي ويتهموني بالتبذير، بل ماقتلني هو نشرهم صورة بعد ثلاثة ايام فقط للسيدة نجلاء تقدم معونات للفقراء، تريدون ان تعرفو ماالذي اغضبني؟، لأنه من بين جميع الاثرياء الذين اعرفهم فالسيدة نجلاء هي اسوأهم، كانت اقسى مايكون مع خدمها، ولطالما اعتادت على اهانة المتسوولين الذي يمدون يدهم لها في الطرقات. وكانت ذات اسلوب متعالي ومتكبر مع كل من هو ادنى طبقة منها، مع كل هذه الصفات فقد تم نشر صورتها في المجلات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وهي تقدم المساعدات الفقراء تحت عدسات المصورين ليكتبو عنها افضل مقالة ويشيدون بمدى تواضعها وكرمها، بينما هي كانت من الاشخاص الذين لن يتبرعو بورقة نقدية واحدة ان لم يكن هناك تصوير او حفل تبرعات لتتفاخر بثرائها امام بقية اعضاء المجتمع الراقي، لذلك يبدو لي ان الناس بدأو يعيشون داخل عالم مزيف، لايرون سوى ماتريد منهم الصورة رؤيته!.

هل ادركتم لما اكره عالم المجتمع الراقي الان؟، هل عرفتم لما اشعر بالاختناق الدائم من حياتي هذه؟.
تشوش في الرؤيا وغثيان منعني من اكمال تصفحي في حاسوبي الشخصي، اغلقت شاشته وفركت صدغي بأطراف اصابعي، ولكن الدوار في تزايد!

زفرت بتضايق واتجهت نحو علبة دوائي التي تركتها في الحمام منذ الامس، اخذت قرص واحد ودفعته الى جوفي عن طريق مياه الصنبور التي احنيت جسدي لأرتشفها، رفعت رأسي بأتجاه المرآة التي امامي لأرتعب من منظر انفي النازف، من دون حتى ان انتبه! احسست بطعم المعدن في فمي فبصقت في المغسلة فوراً لأجد لعابي احمر بدل كونه شفاف!.

سحبت خصلات شعري بأصابعي بقوة نحو الخلف وانا ابكي بهستيريا، مددت يداي المرتجفة بأتجاه الصنبور وفتحته لأخره لأغسل تلك الدماء التي ملأت نصف وجهي وبعض اطراف المغسلة…

فركت وجهي بقوة. وكأنها لعنة اريد التخلص منها، وكأني ان مسحتها بقوة فلن ينزف مجدداً، ان اوقفت نزيف انفي فستبدأ بقع النزيف الداخلي تظهر في ارجاء جسدي. لاتمنحني الفرصة لأحظى ببعض الطمأنينة! احياناً بالفعل اتسائل، هل الرب يعاقبني انا على خطيئة ابي وامي بحق يوسف وامه؟ ولكن مااعرفه ان الرب عادل وليس مثلنا نحن البشر، وانه لايعاقب الابرياء من الذنب ويترك المذنبين الحقيقين، اذاً فلما يحصل معي كل هذا؟

عدت نحو سريري وارتميت فوقه احدق بالسقف بألم، انا بالفعل تعيسة!
طرقات فوق باب غرفتي زادت من انقباض وجهي. فأنا اميز الطارق جيداً، ربما من نقراتها السريعة فوق خشب الباب السبب. او ربما بسبب طقطقة كعبها فوق السلم الذي وصلني صوته على بعد امتار من غرفتي!

بقيت صامتة فهي بكل الحالات ستدخل ولن تنتظر اذني، وبالفعل هذا ماحصل، فتحت الباب ودلفت فلم اكلف نفسي النظر اليها او النهوض، جلست على الكرسي المجاور لسريري وقالت بينما تضع ساق فوق اخرى:
– مضت ثلاثة ايام على عودتك للمنزل. ولكنك الى الان تحبسين نفسك بين جدرانها ولاتخرجي كما في الماضي بل وحتى لاتشاركينا الطعام وتصرين على تناوله هنا بمفردك، ألم تنتهي فترة عكوفك في صومعة العبادة هذه؟

نظرت بطرف عيني نحو جملتها الاخيرة الساخرة ثم اعدت عيوني الباردة بأتجاه السقف من دون تعليق، سمعت زفير تضايقها بوضوح شديد ثم اردفت فوراً:
– مارأيك ان نذهب للتبضع؟
فأجبتها بعدم اهتمام:
– التبضع يحسن من مزاجك انتِ. وليس مزاجي. لذلك اذهبي بمفردك، لست مهتمة!
فقالت بسخط فوراً:
– لمرة واحدة تصرفي معي كوالدتك وافعلي كما تفعل بقية الفتيات مع ذويهم!

ومن دون توقعها او توقعي وجدت نفسي انهض من استلقائي واقف وانا انظر اليها كمفترس وجد طريدته وصرخت بها:
– عندما تلعبين دور الام معي سألعب معكِ دور الابنة!
فنهضت هي الاخرى من مجلسها لتهتف بي:
– ألم تقدري ابداً سنوات اعتنائي بكِ كأبنة؟ حبي لكِ؟ اهتمامي بكِ؟، ألا يرضيكِ اي شيء اقوم به؟
دمعت عيناي وانا اجيب بتألم:
– اجل، ك أبنة، ولكني لن اكون ابنتك ابداً. أليس كذلك؟

بقيت تحدق بي بجمود رغم الالتماع الذي شاهدته يكسو عيناها سيدفعها للبكاء قريباً. ولكنها تحاول جاهدة ابقاء دموعها حيث هم، فهي تريد ان تبقى سلوى القوية مهما حصل.
اقتربت منها خطوتين وانا اهتف بها ببكاء هستيري بينما انقر بسبابتي بقوة فوق صدري اشير لنفسي بينما اتحدث:.

– أتعلمين كم احتجتك في حياتي؟ أتعلمين كم مرة بكيت فيها لأني افتقدك؟ انا لم اعرف أم سواكِ في هذه الحياة، وانتِ لم تحظي بطفلة غيري، ألم يكن بأمكانك ان تحبيني كما لو كنت ابنتك؟ كان عمري شهر واحد فحسب، لم اكن سأعرف لو انك كذبتي علي…
ثم اكملت بصوت مرتجف:
– ياليتك قد كذبتي!
فصرخت بي وهي تسمح لبضع دمعات بالافلات من عينيها:
– اخبرتك ان لاتتحدثي بهذا الامر مجدداً!

اقتربت منها اكثر وانا اكمل بذات بكائي الهستيري:
– انا لم اعرفها، لم اراها، ولاحتى اتذكرها، فلما تستمرين بجعلي انتمي لها؟ انا لااعرف سواكِ انتِ، ولم اطمح بأم سواكِ انتِ، ألايمكنك في يوم ان تتقبليني!
امسكتني من يدي وهي تصرخ بوجهي بقوة رغم الدموع التي ارجفت صوتها:
– لقد ربيتك، لقد غذيتك، احببتك كأبنتي. لم اصرخ بوجهك يوماً في طفولتك. لم احرمك مما تتمنيه.
فدفعت يدها عني لأهتف بها:
– ولكنك حرمتني منك انتِ!

بقيت تحدق بي بذهول فأكملت انا بصوت اشد ضعفاً:
– وكل ماكنت احتاج اليه هو انتِ!
خلال 26 سنة، هذه هي المرة الاولى التي انطق فيها كلام كهذا، لذلك انا اعذر هذه الصدمة التي تعتريها وهي تحدق بي!

اكتفيت بما قلته وجففت دموعي بأطراف اكمامي وسحبت هاتفي ومفاتيح سيارتي من فوق المنضدة لأخرج من المنزل بشكل نهائي، هل كنت اقود بسرعة جنونية في الماضي؟ اذاً لااعرف الصفة التي اطلقها على قيادتي الان، اختصار الامر اني كدت ان اتسبب لنفسي بحادث مرتين!.

اتجهت الى مكان لم ازوره منذ خمس سنوات، اوقفت سيارتي بشكل قوي فأرتد جسدي للأمام قليلاً، اطفأت المحرك وبقيت ثابتة في مكاني من دون حركة، لاابصر شيئاً بوضوح بسبب تلك الدموع اللعينة التي لاتكف عن الهطول!
ادرت بصري ببطئ واعتصرت قبضة قوية قلبي وانا اقرأ اسمها!

سحبت هاتفي من المقعد المجاور لي. ولااعلم لما فعلت ذلك ولكني اتصلت له على اية حال، رنة. رنتين، ثلاث، ولايرد. ولم اكف! اتصلت به مرة اخرى. والنتيجة ذاتها!
اعدت الاتصال بسكرتيرة الاستعلامات التي ردت على بعد الرنة الاولى:
– معكم استعلامات شركة السيد ادهم اليوسفي. بما اخدمكم!
– جيهان انا ميرنا، صليني بمكتب السيد سيف.
– اهلاً انسة ميرنا، ثواني وسيتم ايصالك!

وبالفعل ماهي ألا ثواني حتى تحول الاتصال من مكتب الاستعلامات الى مكتب سيف وردت على سكرتيرته بعملية:
– مكتب السيد سيف منصور!
– صليني بالسيد سيف!
– اعتذر انستي انه داخل اجتماع. بأمكانك اعطائي اسمك وسأ.
وقبل ان تكمل قاطعته بحدة، فليس لدي اي مزاج للتحمل في هذه اللحظة:
– معكِ ميرنا اليوسيفي!
وتحولت فوراً نبرة السكرتيرة من البرود الانثوي الى الجدية العملية وهي تجيبني:.

– اوه اسفة انستي، انتظري دقيقة فقط بينما ادخل عليه للأجتماع واعلمه بأتصالك!
بقيت انتظر بشوق ممزوج بألم انتظر صوته ليهترق طبلة اذني كي يفجر دموعي بشكل اقوى، لااعلم سبب هذه الرغبة الشديدة بالتحدث اليه ولكني وجدت نفسي احتاج اليه فقط!
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
(سيف)
لكل شيء استثناء. ولكل قاعدة استثناء. ولكل قانون استثناء، واسثنائي الوحيد في كل الحالات هي ميرنا! لااقبل حتى النقاش بها!

كنت في خضم اجتماع مهم مع اعضاء مجلس الادارة الذي اوكل لي ادهم ترأسه بدلاً منه. ومن المعروف عني اني اصبح جدياً لأبعد الحدود في كل شيء يخص العمل ولااتقبل التهاون به بأي شكل ولاحتى مسموح لأي احد تلقي اي اتصال او التعذر بأمر طارئ للخروج من اجتماع بهذه الاهمية ولاحتى انا سمحت لنفسي بفعل شيء كهذا لذلك كنت دائماً اضع هاتفي على وضعية الصامت واتركه في جيبي دون ان اعلم او اهتم بمن يتصل، ولكن وكما قلت لكم فلكل شيء استثناء!

رمقت سكرتيرتي بعدم رضا وانا اشاهدها تقتحم غرفة الاجتماعات لتقاطع علينا سلسلة النقاشات غير المتناهية، لم اكن قد استنتجت بعد سبب قدومها ولكني خمنت انه اياً كان ماجأتني به فسأرفض مناقشته الان وسأؤجل الحديث معها بخصوصه لاحقاً واعود لأكمل اجتماعي…
نظرت لها بطرف عيني وهي تقف بجانب كرسي لتبدأ بالتحدث بلباقة وتوجس:
– اعتذر عن المقاطعة سيد سيف ولكن لديك اتصال ضروري.

اصبحت نظرتي اكثر حدة لأنها قاطعت على اجتماعي من اجل مكالمة هاتفية وقلت بنبرة جافة:
– اخبرتك ان تؤجلي كل المكالمات لما بعد الاجتماع!
– انها الانسة ميرنا اليوسفي سيدي!
أتذكرون حاجباي الملتحمة؟ لم تعودا كذلك.
وجهي المنقبض، ارتخى فجأة.
قبضتي المشدودة، انبسطت في الحال…
وقلبي الاحمق الميت، نبض بجنون فجأة وكأنه فزع على صوت انفجار قوي نفض عنه غبار البرود الذي يدعيه!

رفعت اليها رأسي فوراً ونهضت من مكاني واخرجت هاتفي من جيبي في الحال فرأيت عدد المكالمات الفائتة منها، نظرت نحو البقية وانا اقول بأستعجال:
– سنؤجل الاجتماع لوقت لاحق يا سادة!
وكانت هذه هي المرة الاولى التي افعل فيها شيئاً كهذا!
خرجت من غرفة الاجتماعات واتجهت نحو مكتب السكرتيرة وتحديداً بأتجاه الهاتف!

انا لااعلم ماالذي تريده مني ميرنا بالضبط. وربما ستخبرني بشيء سريع وتختم المكالمة. وربما ستستسفر مني على شيء ما لن يستغرق سوى ثواني، ولكن بكل الحالات كان على انهاء الاجتماع، فمن المستحيل ان اسمع صوتها ويتبقى لدي العقل والذهن الصافي كي اركز في العمل!.
رفعت السماعة الموضوعة جانباً وانا اقول بلهفة:
– ميرنا؟

ليصل صوتها الضعيف وهو ينادي اسمي ويدمي قلبي وانا ادرك ان حبيبتي تبكي! شعرت بهذا العالم الواسع من حولي يضيق ويكتم لي انفاسي فتحول صوتي الجاف والثابت الذي كنت اتحدث به للسكرتيرة قبل قليل الى نبرة مهتزة وضعيفة وانا اسألها بقلق:
– هل انتِ بخير حبيبتي؟
ليجيبني صوتها المليء بغصة الحزن:
– انا اسفة ان كنت سأؤخرك عن عملك، ولكني احتاج اليك سيف!

اي عمل هذا الذي سيشغلني عن حبيبتي؟ بل واي شيء في الدنيا قد يكون اهم من حبيبتي؟ بالنسبة لي هي مرتبة اولى ووحيدة، لايوجد اي مراتب من بعدها. انها الشيء الاساسي في حياتي وكل شيء اخر هو دون ذلك!.
– اين انتِ؟
– انا. انا في المقبرة!
قطبت حاجباي بأستغراب وانا اسألها:
– ماالذي تفعلينه هناك؟
– سيف؟

اغمضت عيناي وكأني استمع لسمفونية عذبة، مااجمل صوتها، ماارقه. مااعذبه، هل هو جميل بهذا الشكل أم لأني اعشقها بهذا الجنون فأني اعشق اصغر تفاصيلها؟
– اجل حبيبتي؟
– في المقبرة هناك شجرة زيتون واحدة. أيمكنك ان تأتي اليها؟!
وعرفت المكان فوراً ماان قالت هذه الجملة، فشجرة الزيتون هذه موجودة بجوار قبر ابي فنحن من زرعناها هناك، ولكن ليس هذا ماكان يشغلني، بل مايشغلني، ماالذي قد تفعله ميرنا هناك؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *