التخطي إلى المحتوى

 رواية غرام المغرور الفصل الحادي والثلاثون والثانى والثلاثون والثالث والثلاثون والرابع والثلاثون والخامس والثلاثون بقلم نسمه مالك كامله 


رواية غرام المغرور الفصل الحادي والثلاثون والثانى والثلاثون والثالث والثلاثون والرابع والثلاثون والخامس والثلاثون بقلم نسمه مالك كامله 

الفصل ال31..

غرام المغرور..

“إسراء”.. 

انهالت على صغيرتها تقبلها وتدغدغها، وتلاعبها وهي على ذراع زوجها متمتمه بغضب مصطنع ..

“بقي فالس وحشك وأنا لاء يا أستاذه إسراء.. دا أنا هعملك شاورما انهارده”.. 

لتتعالي ضحكات الصغيرة، وتختبئ منها داخل حضن “فارس” الذي يضمها بحنان، ويضحك هو الأخر بقوه.. 

“مامي شكلها كده غيرانه ولا أيه”.. 

قالها وهو يغمز لها في الخفاء بشقاوة.. 

احتقن وجهها بحمرة قاتمة، و نظرت له نظرتها التي تسحره، واسرعت بخفض وجهها بخجل هروباً من عينيه التي تطلع لها بنظرات عاشقه.. 

بينما “إلهام” عينيها تتأمل ابنتها التي أستعادة رونقها وإزداد وجهها إشراقاً.. تظهر على ملامحها الفرحة الغامرة.. ابتسامتها نابعة من قلبها تزين وجهها جعلت الراحة والاطمئنان يغلف قلب “إلهام” بعدما تأكدت أن الله رزق ابنتها بزوج يحبها بصدق وسيكون خير عوض لها عن ما رأته بحياتها.. 

“تعالي في حضني يا إسراء”.. 

قالتها “إلهام” وهي تفتح ذراعيها لها بلهفه.. لتهرول “إسراء” نحوها جثت على ركبتيها أمامها، وارتمت داخل حضنها وهي تقول بحب.. 

“واحشتيني أوي يا ماما والله”.. 

سار “فارس” نحو “خديجة” ومال عليها مقبلاً رأسها قبله طويله مغمغماً.. 

“واحشتيني يا ديجا.. عامله ايه طمنيني عليكي”.. 

ابتسمت له “خديجة” ابتسامتها الدافئة، واحابته بحنو.. 

“الحمد لله يا حبيبي.. أنا بخير طول ما انت كويس”.. 

ابتسم لها بفرحة ظاهرة بعينيه، ووجه نظره ل”إيمان” وتحدث بترحاب.. 

“أهلاً وسهلاً بيكي يا مدام إيمان”.. 

“أهلاً بحضرتك”.. غمغمت بها” إيمان”بخجل.. 

بينما “إلهام” منفصله عن الجميع حين ضمت ابنتها تربت على شعر” إسراء ” وظهرها برفق، وقبلت كتفها بعمق مردده.. 

“انتي أكتر يا ضنايا.. طمنيني عليكي عامله أيه يا حبيبتي”.. 

قبلت “إسراء” يديها مرات متتاليه متمتمه بمتنان.. 

“أنا في زحام من النعم بفضل رضاكي عليا يا أمي”..

ضمتها” إلهام” ثانياً، ونظرت ل”فارس” وتحدثت بابتسامة متسعه قائله.. 

“إزيك يا جوز بنتي”.. 

ضحك “فارس ” حين تفهم مخزي حديثها ونظرتها العابثه التي جعلت” إسراء” تخفي وجهها داخل صدر والدتها.. 

“الحمد لله يا حماتي.. أنا تمام التمام متقلقيش”.. 

وجهت” إسراء ” نظرها ل” إيمان ” وهبت واقفه واقتربت منها احتضنتها بقوة وهي تقول بفرحة حقيقية.. 

“يا حبيبتي يا إيمي..وأنا أقول الغردقة نورت مرة واحدة ليه كدة”..

ضمتها “إيمان” بحب أخوي صادق وهي تقول.. “منورة بيكي يا ست العرايس”.. 

نظرت” خديجة” ل” إلهام ” وغمزت لها مردفة بمرح.. 

“شوفتي يا لوما البنت النوتي ولا معبراني إزاي، ولا اللي شاف أحبابه نسي أصحابه يا مدام فارس؟! “.. 

ضحكت” إسراء ” بعلو صوتها ضحكتها التي تخطف أنفاس زوجها الواقف بجوار” خديجه” التي تحمل الصغير “محمود” على قدميها.. محاوطها بذراع، وحامل الصغيرة بذراعه الأخر، وعينيه على زوجته ينظر لها نظرتة المتيمة بها عشقاً.. 

” وأنا أقدر أستغني عنك يا أحلى ديجا في الدنيا”.. 

قالتها” إسراء “وهي تقترب منها، ومالت عليها احتضنها، وقبلت الصغير من وجنتيه لتدوي ضحكته المرحة التي تخطف القلب.. 

“يا حياتي عليك.. ماشاءالله يا إيمان زي السكر.. ربنا يباركلك فيه يا حبيبتي”.. 

آمنت “إيمان” على دعائها، ودعت لها من صميم قلبها قائله.. 

” ويباركلك في إسراء وعقبال ما ربنا يرزقك من فضله وتجبلها أخ ولا اخت قريب بإذن الله يا حبيبتي”.. 

اعتلت الدهشه ملامح الجميع حين جذب”فارس” زوجته من خصرها فجأة لداخل حضنه، ومال على جبهتها طبع قبله طوليه عليها بجرائته المعتادة، وتحدث بتمني شديد ظاهر بنبرة صوته..

“اللهم آمين يارب العالمين”..

نظرت لهما” إلهام “بابتسامة وأخذت تردد بعض الآيات القرآنيه بسرها.. أستكانت “إسراء” داخل حضن زوجها خاصةً، وأنه أصبح محاوطها هي وابنتها بذراعيه داخل صدره العريض يغمرهما بالأمان والحماية.. 

ساد الصمت للحظات قطعته “خديجة” حين هبت واقفة، وتحدثت بحماس قائله.. 

“ايه رأيكم ننزل نفطر على البحر؟”..

ضغطت “إلهام” على زر التحكم بكرسيها المتحرك متجهه نحو باب الغرفة وهي تقول بتأيد.. 

“ودي عايزه كلام يا خديجة يا أختي.. يله خلينا نلحق نقعد في الهوا شوية قبل ما الشمس تحمي علينا”.. 

لتسرع كلاً من “خديجة وإيمان” خلفها.. ليوقفهم صوت

“إسراء “تقول بلهفه.. 

” طيب استنوني هغير هدومي، واجي معاكم”.. 

رمقتها “إلهام” بنظرة ذات مخزي مغمغمه.. 

“خليكي أنتي مع جوزك”.. 

وجهت نظرها للصغيرة.. 

” بت يا قلب تيته تعالي معايا ياللا أنا ماشية باي”.. 

مدت يديها لها وتابعت بتعقل.. 

” هاتها يا ابني، وأبقى هات مراتك وتعالوا براحتكم”.. 

قبلها” فارس” بحب وسار بها نحو جدتها مردفاَ بنبرة حانية.. 

“إسراء روحي مع تيته، وديجا وأنا هجيب مامي، ونجي وراكم أوكي “.. 

” أوكي فالس”.. غمغمت بها الصغيرة ببرائه.. 

ليردف “فارس” ببعض كلمات بلغه الانجليزيه قام هو بتعليمهم بنفسه للصغيره التي أبهرته بذكائها.. 

..”Give Mami Kiss “

قالها “فارس” وهو يميل بها على زوجته، ويقربها من وجهها لتطبع الصغيرة قبله حانيه على وجنتي “إسراء”.. 

أنزلها “فارس” بحذر وهمت الصغيرة بالركض نحو جدتها ليوقفها هو حين فتح ذراعيه لها مردداً..

..”Give me a hug”

قفزت الصغيرة داخل حضنه تضمه بقوه استقبلها هو بحب أبوي صادق، وقبل جبهتها وهو يقول.. 

..”I love you, my girl” 

أذهلت الصغيرة والدتها.. بل جعلت العبرات تملأ عينيها حين إجابته قائله.. 

.. “I love you Dadi”

أنهت جملتها وطبعت قبله سريعه على وجنتيه، وفرت راكضة خلف نحو جدتها التي تنتظرها أمام باب الجناح.. 

تأكد “فارس” من ذهابهم، وأغلق الباب خلفهم، واستدار بلهفه يبحث عن زوجته.. لتعتلي ملامحه الدهشه حين وجدتها تقف تنظر له بابتسامة هادئه، وعبراتها تسيل على وجنتيها ببطء.. 

“مالك يا إسراء؟!”.. 

قالها، وهو يقطع المسافة بينه، وبينها بخطوتان، وانتشلها داخل حضنه يضمها.. بل يعتصرها بين ضلوعه.. 

“في حاجة زعلتك يا حبيبتي ؟!”.. 

حركت رأسها بالنفي، ودفنت نفسها داخل حضنه أكثر متمسكة به بكل قوتها، وتحدثت بتنهيدة قائله.. 

“مبسوطه وفرحانة أوي يا فارس، وقلبي بيتقبض لما بفرح أوي كدة”..

ضحكت وبكت بأن واحد وتابعت بأسف.. 

“بخاف يحصل حاجة تضيع فرحتي في لحظة”..

ربت” فارس “على ظهرها بكفيه صعوداً وهبوطاً وسار بها نحو أقرب اريكة جلس، وسحبها على قدميه..

أخذ نفس عميق، وتحدث بتعقل دون أن تنمحي ابتسامته المطمئنة عن ملامحه.. 

” اسمعي اللي هقولك عليه دلوقتي، وافهمي قصدي كويس يا إسراء”.. 

نظرت له بهتمام تحثه على استكمال حديثه.. 

” حبيبتي.. أنا عايزك تطمني، ومتخفيش من أي حاجة طول ما أنتي جوه حضني،وتأكدي أني دايماً جنبك، وفي ضهرك،و على أتم إستعداد أضحى بنفسي علشانك”.. 

فتحت فمها، وهمت بالحديث.. ليسرع هو بوضع ابهامه على شفتيها، وتابع بتحذير.. 

“بس أوعى انتي تغيبي عن عيني في أي لحظه يا إسراء، ولو في مرة أنا مش معاكي أوعى تبعدي عن الحرس اللي مكلفهم بحمايتك إلا لو مثلاً هتدخلي مكان خاص زي الحمام أو مكان حريمي هيفضل معاكي حارس على الباب هيخبط كل خمس دقايق وانتي تردي عليه بنفسك يا إسراء مرة بأسمك ومرة بأسمي ومرة باسم خديجة، ولو لقدر الله حسيتي بخطر تردي بأسم مارفيل.. فاهمه حبيبتي”.. 

حركت رأسها بالايجاب ليتابع هو.. 

” ولو وجهتك  أي مشكله أوعى تلجأي لحد غيري، ولا تسيبي حد غيرك يقولي لأن ساعتها هزعل منك أوي وأنا بتمني وبدعي لربنا دايماً من يوم ما امتلكتي قلبي إنك متشوفيش زعلي يا بيبي”.. 

صمت لبرهه يلتقط أنفاسه، ومال على وجهها لثم جانب شفتيها بلهفه مكملاً.. 

” أنا سترك وغطاكي زي ما بيقولوا، وأكتر واحد في الكون كله بيخاف عليكي.. فاهمني يا إسراء؟”.. 

مالت برأسها على كتفه تخفي توترها وقلقها الذي بدأ يظهر على ملامحها، وهمست بخفوت.. 

” اممم.. فاهمه اطمن”.. 

أطبقت جفنيها بقوة تكبح عبراتها، وبداخلها تتمني ان تخبرة بوجود تلك الوسيله، وأنها تريد التخلص منها، ولكن خوفها من غضبه جعل لسانها ينعقد ثانياً..صكت على أسنانها بغضب، وغيظ من نفسها، وحسمت أمرها ان اليوم ستتخلص منها مهما كلفها الأمر.. ستفعل اي شيء وكل شيء ولكن لن تظل تلك الوسيلة يوم اخر بجسدها.. 

شهقت بصوت خفيض حين هب واقفاً بها فجأة، وسار نحو حمام الجناح وهو يقول بشقاوة لا تخلو من وقاحته.. 

“تعالي بقي ناخد شاور سريع، وننزل نفطر مع الجماعة، والحق اخلص كل الشغل اللي عندي وارجعلك بدري علشان محضرلك سهرة تجنن”.. 

نظرت له نظرة هائمة به تخفي بها نظرة الاستحقار لنفسها..يتفنن لأسعادها بأفعاله معها التي تجعل قلبها يتراقص فرحاً.. بينما هي كانت تعد نفسها حتي لا تنجب منه عن عمد.. ولهذا هي غير قادرة على مواجهته واخباره بالحقيقه.. 

ابتلعت غصه مريره بجوفها وهمست بستحياء.. 

“ربنا يحفظك ليا، وميحرمنيش منك أبداً يا فارس 

أنزلها ببطء داخل حوض الأستحمام المملوء بالماء وسائل الأستحمام برائحة الفانيليا الرائعة، ويده تتخلص من ثيابهما، وجذبها داخل حضنه لصقها به.. هامسًا أمام شفتيها بأنفاسه الساخنه التي تلفح بشرتها تفقدها صوابها بين يديه.. 

” ولا يحرمني منك يا حياة فارس 

أنهى جملته، ومال على شفتيها يغمرها بفيض غرامه.. 

 ………………………….. 

.. داخل جناح بمبني اخر بنفس الفندق.. 

تجلس “ديمة” على الفراش بتعب وإرهاق شديد.. وجهها لم يشفي بعد من أثر لكمات عنيفه.. بل كافة جسدها يحاوطه الشاش الطبي يخفي جروحها الغائرة، وكسور معظم أضلاعها.. 

تبكي بنحيب،وتتحدث بغيظ وغضب شديد قائله.. 

“والله ما هعدي اللي عمله فيا دا بالساهل.. انا هعرف إزاي أحرق قلب فارس الدمنهوري على أغلى حاجة عنده”.. 

حرك “عباس” والدها رأسه بيأس من تصرفات وأفعال ابنته التي لا تروقه أبداً، وتحدث بنفاذ صبر قائلاً.. 

“انتى أيه يا بنتي.. عايزة توصلينا لفين تاني.. المرادي أنا قدرت اخرجك من قضية الزفت اللي بتتعطيه بأعجوبه بعد ما كنتي هتموتي من اللي عملوه فيكي في الحجز، وفارس طلع مش سهل ومأمن نفسه وشغله معانا تأمين عالي أوي، وهنخسر كتير لو فضينا الشراكة معاه، وأنا معنديش استعداد أخسر أكتر من اللي خسرته بسبب طيشك اللي جبرني أدفع ملايين لواحدة تشيل القضية بدالك”.. 

” يا بابي هو السبب في اللي حصل دا كله.. هو اللي بلغ عني ورماني في السجن علشان الحيوانه اللي اتجوزها وهو خطبني”.. 

صرخت بها” ديمة” بغضب حارق.. 

ابتسم لها والدها ابتسامة مصطنعه وهو يقول.. 

” الحيوانه اللي بتقولي عليها اتجوزها، وهو خطيبك.. أنا وأنتي عارفين انه كان عينه منها وعليها من قبل ما يفكر في أي نسب بنا، وانتى اللي ضغطي عليا وصممتي رأيك أننا نربط شغلنا معاه بخطوبته ليكي والراجل كان صريح، وقال دي هتبقي جوازة بزنس لو تمت كمان، وانتي وافقتي وقبلتي”.. 

خفضت رأسها بخزي من نفسها، وتحدثت بنبرة راجية.. 

” سبني لوحدي دلوقتي من فضلك يا بابي”.. 

تنهد” عباس “بتعب، وسار نحو الخارج بعدما رمقها بنظرة متفهمه، وتحدثت بتحذير قبل أن يغادر الجناح.. 

“أنا عندي اجتماع مهم مع فارس.. أوعى تعملي اي تصرف متهور احسنلك.. المرة دي لو فكرتي تعملي حاجة تاني تضر مكانتي او شغلي مع فارس الدمنهوري هحطك بنفسي في السجن يا ديمة، واخلص من قرفك”.. 

اعتلت ملامح” ديمة”ابتسامة شيطانيه، وامسكت هاتفها وبدأت تتفحصه بهتمام محدثه نفسها.. 

“على جثتي لو سبت الحيوانه دي تتهني بيك يا فارس”..

………………………….

..داخل شاطيء خاص.. 

حيث المياه الزرقاء الشفافه، والرمال البيضاء الناعمة،والهواء الرطب الذي ينعش الأبدان..

تجلس “إسراء” بعدما ودعت زوجها الذي تركها على مضض بعدما تناولوا الأفطار سوياً بجو لا يخلو من المرح، واتجه فارس أخيراً نحو عمله..

بينما ذهبت “خديجة وإيمان” مع الصغيران بمكان مخصص للهو.. 

بقت “إسراء” برفقة والدتها على طاولة موضوعه على حافة الشاطئ.. تتحدث ببوادر بكاء قائله.. 

“والله يا ماما حاولت أكتر من مرة اقوله بس مقدرتش خالص.. كأن لساني بيتعقد ومبعرفش انطق بحرف واحد”.. 

رمقتها “إلهام” بنظرة عاتبه وهي تقول.. 

“قولتلك بدل المرة كذا مرة يا بنتي يا تشيلي الوسيله دي يا إما تصارحي جوزك بوجودها، وانتي قولتيلي هسيبها علشان مستحيل أخلف من المغرور دا يا ماما”.. 

جاهدت” إسراء ” للتحكم بعبراتها، وبتنهيده حزينه قالت.. 

” مكنتش أعرف أنه هيخليني؟! “.. 

صمتت لبرهه، وخفضت رأسها بخجل مكمله.. 

” أعشقه مش بس أحبه “.. 

ربتت” إلهام ” على كتفها مردفه بتأيد.. 

” وهو يستاهل يا بنتي.. بلي بيعمله معاكي و معايا ومع بنتك، وحتي مع إيمان وجوزها، وخلاكي زي الوردة المفتحه بحبه واهتمامه بيكي.. يستاهل تحبيه وتحطيه تاج فوق رأسك ومتزعلهوش أبداً يا إسراء”.. 

أخذت” إسراء ” نفس عميق، وبلهفه قالت.. 

” علشان كده عايزه اخلص من الوسيله دي انهارده قبل بكرة وارتاح بقي بدل ما أنا مرعوبة ليعرف وتبقي كارثه وقتها.. أنتي متعرفيش هو ملهوف وهيتجنن على الخلفه أد أيه يا ماما..لهفته دي خلتني مستحيل اجبله سيرة الزفت اللي مركباه دا”.. 

ظهر القلق على وجه “إلهام” وتحدث بتساؤل قائله.. 

” طيب وانتي ناويه على أيه دلوقتي؟! “.. 

” هشلها انهارده طبعاً يا ماما”..غمغمت بها” إسراء ” بإصرار، ونفخت بضيق وتابعت بأسف.. 

” بس مش هينفع اطلب الدكتوره تجيلي الاوضه فوق تاني علشان فيه كاميرات ، وفارس طب عليا ساعتها وربنا سترها “.. 

“أمال هتعملي أيه يابنتي.. حيرتيني معاكي”.. 

قالتها” إلهام” بطيبه وخوف ظاهر على ملامحها من تفكير ابنتها المتهور.. 

“هسأل عن الدكتورة بتاعت النسا و اوديكي العيادة عندها يا أم إسراء “.. 

حجظت أعين “إلهام” وشهقت بعنف حين تابعت “إسراء” حديثها قائله ببراءة مصطنعه، وابتسامة تظهر جميع أسنانها.. 

“ما أنا هقول لأبو الفوارس حجي إن أنتي اللي هتكشفي يا لومتي يا حبيبتي”..

تملك الفزع من قلب” إلهام “دون معرفة السبب، وتحدثت بنبرة راجيه قائله.. 

” بلاش يا بنتي انا قلبي مش مطمن، و قولي لجوزك الحقيقه وهو يوديكي بنفسه للدكتورة بدل ما تكدبي عليه وتروحي من وراه”.. 

نظرت لها” إسراء ” بأعين تجمعت بها العبرات من جديد، وتحدثت بأسف قائله.. 

“والله ما هقدر يا ماما اقوله دا ممكن يطلقني فيها وعينه ترجع تتعبه تاني بعد ما صدقنا أنها بدأت تتحسن .. ساعديني علشان خاطري..فارس دلوقتي قالي انه في اجتماع مهم.. وخديجة مع إيمان ملهين في العيال.. دا انسب وقت نروح فيه ونرجع بسرعه.. هسأل على عيادة الدكتورة هي هنا مش برة الفندق اطمني”.. 

نظرت لها” إلهام ” قليلاً، وأطلقت زفرة نزقه من صدرها، وبستسلام قالت.. 

” أمري لله.. قومي خلينا نشوف أخرت فكرتك دي أيه.. رغم أن قلبي مش مطمن.. بس ربنا يستر”..

هبت” إسراء “واقفه وهي تقول بحماس رغم هلع وارتعاد قلبها.. 

” ان شاء الله هتعدي على خير يا ماما”.. 

أشارت للحرس الذين اتو على الفور وحملو “إلهام” بكرسيها المتحرك بعيداً عن الرمال حتي وصلو لممر خشبي وانزلوها عليه.. 

” على فين سيادتك”.. 

قالها إحدي الحرس بإحترام شديد.. 

توترت “إسراء” واجابته بتواضع قائله.. 

“عايزه أروح عيادات الكشف اللي هنا في الفندق من فضلك”.. 

“خير يا افندم.. تحبي اكلم فارس باشا؟!”.. 

أسرعت “إسراء” بتحريك رأسها بالنفي، وقد زاد توترها، ونظرت لوالدتها حتي تتحدث هي وتنقذها.. 

تنحنحت “إلهام” واجابته بهدوء قائله.. 

” لا يا ابني مافيش داعي تكلمه.. أنا بس حاسه بتعب بسيط كده وبنتي مصرة تطمن عليا مش أكتر.. فنوبك صواب فينا تودينا”.. 

” تحت أمركم طبعاً “.. 

قالها الحارس وهو يسير بجوارهما وخلفه أكثر من حارس آخر.. 

سارت “إسراء” بجوار والدتها بقلب ينبض بجنون وقدم ترتجف بشدة، وقد بدأت ملامحها بالشحوب من شدة خوفها.. 

حتي وصلوا داخل إحدي عيادات الفندق.. 

اقتربت” إسراء ” من فتاه تجلس على مكتب الإستقبال تأهبت واقفه فور دخول “إسراء” فمن لم يعرف زوجة فارس الدمنهوري التي أصبحت حديث الفندق بأكمله.. 

“أهلاً وسهلا يا هانم.. المكان نور والله”.. 

قالتها الفتاه بابتسامة واسعه.. 

بادلتها “إسراء” الابتسامة بأخرى باهته وتحدثت بهمس حتي لا بستمع لها الحرس الملازم لها.. 

“متشكرة حبيبتي.. من فضلك كنت عايزه دكتورة نسا.. اسمها سما أو سلمي تقريباً “.. 

وقفت الفتاه وهرولت نحوها وأشارت بأصابعها على إحدي الغرف وهي تقول.. 

“دكتورة سلمي وهي موجودة دلوقتي.. اتفضلي حضرتك معايا “..

طرقت الباب، وفتحته لها.. لتدفع “إسراء” كرسيي والدتها لداخل الغرفة حتي توقفت أمام مكتب

“سلمي” التي شحب وجهها وانقطعت أنفاسها فور رؤية “إسراء”.. 

ابتسمت لها الفتاه ابتسامة زائفه، ورمقتها بنظرة ذات مخزي وهي تقول.. 

“مدام فارس الدمنهوي سألت عليكي يا دكتورة سلمي”.. 

تعرقت جبهة” سلمي” التي انتفضت من مكانها، واقتربت من” إسراء ” بخطوات مرتجفه جعلتها اوشكت على السقوط أكثر من مرة حتي وقفت أمامها، ومدت يدها التي أصبحت ببرودة الثلج لها بالسلام.. 

“أهلاً وسهلاً يا فندم”.. 

صافحتها “إسراء” بيد لا تقل عن بردوة بل تزيد، وساد الصمت حين خطي الحارس ليؤمن المكان بنفسه ومن ثم سار للخارج مرة أخرى وهو يقول.. 

“أنا هستني قدام الباب بالظبط سيادتك واستأذنك كل 5دقايق هخبط وسيادتك تردي عليا بنفسك بالكلام اللي الباشا حفظه لمعاليكي”.. 

حركت “إسراء” رأسها بالايجاب، وانتظرت حتي انصرف وأغلق الباب خلفه.. 

تنقلت بنظرها بين “سلمي” وممرضة كانت برفقتها، والفتاه التي ما زالت واقفه تنتظر ان تسير للخارج هي الأخري.. 

” أنا المساعدة بتاعت الدكتورة يا فندم”.. 

قالتها الفتاه وهي تنظر للمرضة بابتسامة صفراء جعلتها تسير نحو الخارج على الفور.. 

اخذت “إسراء” نفس عميق، ونظرت ل “سلمي” وتحدثت بود قائله.. 

“أولاً انا حابة اعتذرلك على أسلوبي معاكي المرة اللي فاتت.. لما زقيتك وقتها وقولتلك روحي دلوقتي.. متزعليش مني حقك عليا”.. 

اعتلت ملامح “سلمي” الدهشه من تواضع وطيبة “إسراء” الزائدة… 

“يا خبر يا فندم حضرتك بتعتذريلي ليه بس.. حصل خير.. أنا مش زعلانه من حضرتك والله”.. 

“قالتلك مش زعلانه الحمد لله.. يله بقي يا إسراء يا بنتي.. خلصي خلينا نمشي”.. 

قالتها والدتها بقلق ظاهر على محياها، وقد انقبض قلبها من المكان بأكمله.. 

رمشت” إسراء” بأهدابها وبخجل قالت.. 

” حاضر يا ماما”.. نظرت للطبيبه.. 

” حضرتك فاكرة انا عايزة ايه من المرة اللي فاتت”.. 

ابتلعت الطبيبه غصة مريرة بجوفها وهي ترمق الفتاة الواقفه بنظرة خاطفه، وبأسف اجابتها.. 

” ايوة فاكرة يا فندم.. هشيل لحضرتك اللولب”.. 

نظرت لعينيه تستجديها وتتوسلها بنظراتها، وتابعت محدثه نفسها.. 

“أبوس أيدك أمشي.. أنا مجبورة اقتلك وإلا هيموتوا أبني”.. 

طرقات الحارس على الباب جعلت “إسراء” تقول بصوت عالِ نسبياً.. 

“خديجة”.. 

قالت “إلهام”.. بنفاذ صبر للطبيبه.. “ايوة يا بنتي.. خلصينا بسرعة الله لا يسيئك”.. 

جذبت ابنتها عليها وتابعت بهمس بأذنها.. 

“قدامكم خمس دقايق والجدع اللي برة هيخبط تاني.. لازم تردي عليه بصوتك الطبيعي يا إسراء وإلا ممكن يدخل ويلاقيكي أنتي اللي بتكشفي”.. 

انتبهت” إسراء” على حديث والدتها فنظرت للطبيبة وتحدث باستعجال.. 

” طيب ياللا يا دكتورة من فضلك”.. 

اقتربت الفتاة من” إسراء ” وتحدثت بعملية.. 

” اتفضلي خليني أساعدك تقلعي هدومك، وتطلعي على سرير الكشف”.. 

انصاعت” إسراء ” لحديثها، وسارت معها بخطوات مهروله.. وبأقصي ما لديها من سرعة خلعت ثيابها وتمدت علي الفراش أسفل غطاء قطني زهري اللون.. 

بينما الطبيبة سارت نحوهما بخطوات متثاقلة بعدما بطأت نبضات قلبها من شدة هلعها.. وقفت الفتاة على رأسها أثناء فحص” إسراء” وفور تخلصها من تلك الوسيلة.. أظهرت الفتاه سرنجة كانت تحتفظ بها بجيبها الخاص ورمقة الطبيبة بنظرة نارية حتي تأخذها منها.. 

أخذتها منها الطبيبه بيد مرتجفه ،واعين هبطت منها العبرات دون أرادتها وأستعدت بحقن “إسراء” بها..

لكنها انتفضت بهلع وسقطت من يدها حين 

 شهقت “إسراء” بفزع فجأة وتلاحقت أنفاسها وأصبحت تتنفس بصورة ملحوظة وصدرها بعلو ويهبط عندما وصلت لأنفها رائحة عطر زوجها الذي تحفظه عن ظهر قلب.. 

 شعرت بدوار عنيف يهاجمهما من شدة خوفها، ودون أرادتها نطقت اسم زوجها بقلبها قبل لسانها بصوت عالِ نسبياً أشبه بالصراخ .. 

“فااااااااارس”.. 

ليدوي صوت طلقات نارية وصوت “فارس” من بينهم يصرخ بجنون مردداً.. 

“مراتي فين يا ولاد ال***”.. 

لطمت “إلهام” خديها بعنف.. بينما “إسراء” تهاوي جسدها من شدة خوفها جعلها لم تتمكن من النهوض حتي لترتدي ثيابها.. 

اقتحم “فارس” الغرفة دون سابق إنظار كالثور الهائج ممسك سلاحة بيده.. يبحث عن زوجته بنظرات زائغة وهو يردد بصراخ كاد أن يدمر أحباله الصوتيه.. 

إسرااااااء”..

الفصل ال32.. 

 غرام المغرور..

تحذير!!.. 

يجب على كل زوجة أن تكون صريحة وواضحة بحياتها الزوجية..لا تخفي شيء يخص علاقتها الشخصية بشريك حياتها.. لتتجنب المخاطر والعواقب الوخيمة التي ستنتج إذا علم زوجها بما تخفيه عنه.. 

.. فلاش باااااااااااك.. 

كان “فارس” يجلس بالغرفة الخاصة بالاجتماعات منهمك في مباشرة أعماله الكثيفة حتي صدعت أصوات هواتفه معلنين عن وصول رسالة بأن واحد.. حتي اللاب الخاص به تلقي عليه أيضاً رسائل عبر المواقع الخاصة به على السوشيال ميديا.. 

عقد حاجبيه بدهشه، وأسرع بأمساك إحدي هواتفه يتفحصه بلهفه وقد زحف القلق لقلبه دون معرفة السبب.. بل تمكن الهلع منه حين رأي محتوي الرسالة.. 

“زوجتك بخطر.. يحاولون قتلها بعيادات فندقك أسرع لتتمكن من أنقاذها، وأحذر فهناك مجموعة من الرجال المسلحين داخل العيادات”.. 

سقط قلبه أرضاً، وتلاحقت أنفاسه حتي انه أوشك على الموت خنقاً حين خيل له أن ساحرته من الممكن يفقدها الآن وللأبد .. انتفض من مكانه فجأة وركض بأقصى سرعة لديه خلفه رجال الحراسه الخاصة به كل منهم حامل سلاحه الناري بيده .. 

فور وصوله لباب العيادات ظهر أكثر من رجل ملثم وبدأو يتبادلون إطلاق الطلقات النارية التي وصلت صداها لسمع إسراء عقب رائحة عطر زوجها التي اخبرتها بوجوده.. 

.. نهاية الفلاش بااااك.. 

حالة من الفزع والرعب سيطرت على قلب “الهام” والطبيبة والفتاة التي برفقتها حين اندفع “فارس” داخل غرفة الكشف بوجه يظهر عليه الغضب العارم.. ممسك سلاحه بيده، وهيئته تدل انه سيزهق روح من يفكر في إيقافه.. 

اما “إسراء” كانت بحالة يرثي لها بعدما أدركت حجم الكارثة التي أوقعت نفسها بها بسبب تهورها الذي جعلها ترتكب خطأ فادح من الممكن أن تخسر زوجها بسببه.. 

دار بعينيه بأنحاء الغرفة يبحث عنها كالمجنون.. حتي لمحها تتمد خلف ذلك الساتر تنظر له بأعين زائغه، ووجه شاحب من شدة خوفها.. 

“مدخلش حد من الحرس يا هاشم”.. 

قالها وهو يقطع المسافة بينه وبين زوجته بخطوتين، وبلحظة كان حاوطها بذراعيه لداخل حضنه بحماية مردداً بأنفاس منقطعه.. 

“إسراء.. إسراء عملوا فيكي أيه؟!”..

بدأ يتفحص كل أنش بها بلهفه، وقلب أوشك حقاً على التوقف من عنف دقاته.. تصلب جسده ، وحجظت عينيه بصدمة عندما وجدها بدون ثيابها الخاصة.. 

لهنا وجن جنونه أكثر وبلمح البصر كان قبض على عنق الطبيبه، والفتاه معاً بكلتا يديه، وتقدم بهما نحو إحدي الجدران دفعهما به بقسوه، ورفعهما سوياً من عنقهما حتي لم تعد قدميهما تلمس الأرض.. 

“عملتوا فيها يا ولاد ال***.. انطقي يا *** انتي وهي عملتوا اييييه في مراتي”.. 

بصعوبه بالغه حاولت الطبيبة تتحدث بضعف شديد، وهي تجاهد لأبعاد يده الطابقة بعنف على عنقها كادت أن تفقدها وعيها.. بل تسلب روحها.. 

“و والله االعظيم ممما عملت حاااجه ااانا ش شيلتلها اال وسيله بس”.. 

استجمعت” إسراء ” شتات نفسها وهي تري انه على وشك قتلهما.. فنهضت جالسه بوهن ساحبة الغطاء الزهري عليها جيداً، وببكاء صرخت قائله.. 

” فااارس سيبهم بالله عليك هيموتوا في أيدك .. أنا كويسة”..

فور سماع صوت معذبته.. تركهما على الفور ليسقطا أرضاً على ركبتهما ويسعلان بشدة كمحاولة منهما ليلتقطا أنفاسهما.. 

أقترب منها ثانياً واحتضن وجهها بين كفيه ونظر لعينيها نظرة متوسله وبأنفاس متهدجة همس قائلاً.. 

” انتي كويسه.. قوليلي عملوا فيكي حاجة”.. 

أمسك ثيابها الموضوعة جوارها على الفراش، وتابع وهو يبتلع لعابة بصعوبة.. 

“قلعوكي هدومك ليه؟!”.. 

“متخفش يا ابني مراتك هي اللي كانت بتكشف.. والله ما حد عمل فيها حاجة” .. 

كان هذا صوت “إلهام” التي تبكي هي الأخرى بنحيب.. 

بينما” إسراء ” أعتصر قلبها حين رأت كل هذا الكم من الرعب والفزع الظاهر بعينيه وعلي ملامحه وحتي بنبرة صوته..رفعت يدها تمسد على صدره بكف يدها المرتجفه بحركتها المفضله لديه، وبهمس متقطع من بين شهقاتها الحادة قالت.. 

” أهدي يا فارس أرجوك، وأطمن والله أنا كويسة “.. 

خطفها لصدره بعناق محموم يعتصرها بين ضلوعه.. يود حرفياً أن يخفيها داخل أبعد نقطه بأعماق قلبه.. إزداد نشيجها وبدأت تبكي بندم أكبر وجسدها ينتفض بشدة بين يديه.. مما جعل وتيرة غضبه تهدأ قليلاً، وبدأ يربت على رأسها، وكتفها وظهرها برفق مغمغماً بفيض من الحنان لا يظهر سوي لها وحدها فقط.. 

“هششش.. أهدي يا روحي.. أنا جنبك.. متخفيش”.. 

“عايزه أمشي من هنا.. وديني أوضتنا يا فارس أرجوك “.. 

همست بها وهي تندس داخل حضنه أكثر بعدما تفهمت انه لم يستوعب بعد الجملة التي قالتها له الطبيبة.. 

قبل جبهتها قبله طويله أكثر من مرة وهو يقول.. 

“حاضر.. هنروح أوضتنا “.. 

تناول ثيابها الموضوعه بجوارها على الفراش، وقام بتلبسها بنفسه حتي أنتهي، وحملها بين يديه واضعاً يد أسفل ركبتيها، والأخرى حول خصرها، وسار بها نحو الخارج وهو يقول بأمر موجه حديثه لأحدي حراسه.. 

“خدو الاتنين اللي جوه كمان”.. 

أنهي جملته، وسار بزوجته بخطوات واسعه أمام أعين حشد هائل من العاملين والنزلاء بالفندق.. 

…………………………. 

..بجناح ديمة.. 

كانت تتابع كل ما يحدث عبر هاتفها بأعين جاحظه ووجه انسحبت منه الدماء بل انسحبت الدماء من جميع أوردتها.. 

لتصعق حين رأت باب الجناح فُتح فجأة، وخطي للداخل مجموعة من الرجال المسلحة تقدم منها أحدهم وقام بحملها بكثير من العنف جعلها تصرخ بألم قائله.. 

“أنت مين يا حيوان.. نزلني احسنلك.. انت مش عارف أنا مين”.. 

حاولت الأفلات من يده ولكن جروحات جسدها منعتها واجبرتها على عدم الحركة.. اكتفت بالصراخ الهستيري بعدما أدركت أن عقاب “فارس” لها هذه المرة لن يكون بكسر إحدي ضلوعها كالمرة السابقة..

………………………….. 

.. بجناح فارس وساحرته.. 

كان بنتظارهم فريق طبي كامل استدعاه “فارس” خصيصاً حتي يقوم بفحص كامل ليطمئن على زوجته.. 

أنتهت أخر طبيبه من فحص “إسراء” تحت أعين “فارس” الجالس بجوارها يضمها لصدره بلهفه وقلق شديد، ونظرت الطبيبة ل “إسراء” المرتعبه وتحدثت بابتسامة.. 

“الحمدلله حضرتك كويسه جداً.. شوية التهابات بسيطة مكان الوسيلة مش أكتر”.. 

وسيلة؟!.. تلك الكلمة ثانياً.. هنا انتبه لها “فارس” الذي تحدث بتساؤل وهو يتنقل بنظره بين زوجته والطبيبة، وبداخلة يتمني أن يكون ظنه خاطئ.. 

“وسيلة أيه بالظبط؟!”.. 

“وسيلة منع الحمل يا فارس باشا.. المدام شكلها شلتها قريب”.. 

هكذا أجابته الطبيبه ببساطة وبدأت تكتب لها الدواء المناسب.. 

أطبق الصمت فجأة على الغرفة.. تسمّر “فارس” محله مصدومًا لبرهةٍ، وما لبث ونظر لزوجته التي تستجديه بعينيها أن يعطي لها فرصه واحدة ويستمع لها أولا قبل ان يطولها غضبه، وعقابه.. 

بينما كانت نظرة” فارس”مستنكرة.. متخاذلة.. أيعقل كانت  تستخدم وسيلة حتي تمنعها أن تحمل منه؟!.. 

“حمد لله على سلامة حضرتك.. تؤمرني بحاجة تاني يا فارس باشا”.. 

قالتها الطبيبة وهي تمد يدها بالورقة المدون عليها الدواء تعطيها له.. 

لم يأخذها منها “فارس”.. لم يستمع لها من الأساس.. نظره مصوب على زوجته بنظرات منذهله.. بعدما أصبح عقله غير قادر على الأستيعاب.. 

أبتعدت” إسراء ” بعينيها عن عينيه التي تحرقها بنظراته، ونظرت للطبيبه بابتسامة باهته، ومدت يدها أخذت منها الورقة متمتمه.. 

“شكراً..تقدري تتفضلي”.. 

لحظات و انصرف جميع من بالغرفة، وظلت وحدها برفقة زوجها.. 

انتفضت جالسه فجأة أمامه على ركبتيها، وبدأت تتحدث بهذيان من شدة فزعها.. 

“فارس.. أنا غلطانه.. أنا أسفة؟!”..

“مكنتيش عايزة تخلفي مني، وكلامي معاكي خلاكي تشفقي عليا، وتقرري لوحدك وبمزاجك تشيلي الوسيلة اللي بتستخدميها من ورايا؟!”.. 

هكذا قاطع حديثها بجملته التي قالها بهدوء منقطع النظير، ولكنه لا يبشر بالخير أبداً.. 

حركت رأسها بالنفي، وهمت بألقاء نفسها داخل حضنه تختبئ منه فيه كعادتها.. لكنها صرخت بهلع حين هب واقفاً فجأة، وسار نحو إحدي الارائك بالغرفة وبدأ يحطمها بقوة بكلتا يديه وحتي قدميه مردداً بنهيار.. 

“كلامي وتحذيري ليكي من زعلي وغضبي منك.. اللي قولتهولك هنا.. على الكنبة دي.. مسمعتيش منه حرف واحد.. رمتيه كله ورا ضهرك وأول ما خرجتي من الأوضة عملتي بدل الكارثة كوارث.. خلتك كنتي هترجعيلي جثه انهارده بسبب طيشك وتهورك”.. 

يلكم كل شيء تطوله يديه بعدما حطم الاريكة.. 

تحاول هي الوصول له بكافة الطرق، ولكنه كان يتعمد الابتعاد عنها.. لا يريد لمسها حتي لا يحطم عظامها هي الأخرى كما يفعل بالأثاث من حوله..فبرغم كل ما فعلته لن يتحمل صرخة ألم واحده منها.. 

صك على أسنانه بعنف، ورمقها بنظرة مستحقرة أدمت قلبها وتحدث بلهجة قاسية قائلاً.. 

“الوحدة اللي بتبقي مش عايزه تخلف من جوزها دي.. بتبقي مش طيقاه، ولا طايقة لمسته.. لكن أنتي يا بيبي بتبقي أكتر من مستمتعه وانتي بين ضلوعي، وبشوف في عيونك أنك عايزانى زيي ما أنا كنت ببقي عايزك ويمكن أكتر كمان”.. 

كلماته كانت جارحة لانوثتها، ولكنها تغاضت عنها ولم تفرق معها سوي كلمة واحدة.. كنت؟!.. ماذا يعني بها؟! هل أصبح لا يريدها؟!.. 

” تقصد أيه بكنت عايزني دي يا فارس؟! “.. 

ابتسم لها ابتسامة مصطنعه، وحرك رأسه بالايجاب وهو يقول.. 

” أيوه بالظبط اللي فهمتيه.. مش فارس الدمنهوري االي يسبب واحده على ذمته مكنتش عايزة تخلف منه”.. 

صمت للحظه وهم بمتابعة حديثه الذي سيكون من كلمة واحدة تصبح بها” إسراء” طليقته بعدها.. تفهمت هي مقصده، وما ينوي قوله لها.. فركضت عليه بكل ما أوتيت من سرعة ارتمت داخل حضنه ارتطمت بصدره، وأسرعت بوضع كف يدها على فمه تمنعه من قولها مردده بنحيب.. 

” لا يا فارس.. علشان خاطري متقولهاش”.. 

نظر لها نظرة يخبرها بها أن خاطرها لم يعد يهمه من الأساس.. فصرخت هي بتوسل قائله.. 

“طيب بلاش علشان خاطري انا.. علشان خاطر إسراء اللي بتحبك أكتر مني”..

لأول مرة يدفعها هو بعيداً عنه سقطت أرضاً بقوة أثر دفعته هذه.. ورمقها بنظرة يملؤها الألم ومن ثم أندفع نحو باب الجناح وهو يقول بأسف.. 

“لخاطر إسراء.. فاهمة لخاطرها.. بس من انهاردة مش عايز اشوف وشك قدامي ولا حتي صدفة”.. 

ركضت خلفه بهروله،ودفعت الباب الذي فتحه بجسدها أغلقته مرة أخرى وقفت أمامه مستنده بظهرها على الباب.. ممسكه بكلتا يديها المرتجفة بياقة قميصه.. تستمد منها القوة ولو قليلاً..

تسمر بمحله لبرهةٍ و هو يرمقها بنظراته المتأججة..

رفع يده وهم بدفعها بعيداً عنه، ولكنها أرتمت داخل حضنه بلهفه تضمه بكل قوتها متمتمه بصعوبة من بين شهقاتها..

“طيب اسمعني الأول يا فارس علشان خاطري؟!”..

“احسنلك تبعدي عن طريقي دلوقتي”..

قالها وهو يمسك زراعيها بين كفيه بعنف ألمها ولكنها تحاملت على نفسها، ورفعت وجهها الغارق بالدموع نظرت له نظرة رق لها قلبه المتيم بها..

مسح “فارس” على وجهه بعصبية و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، ثم قال بصوتٍ أجش..

” اختفي من قدامي حالاً  بدل ما ارتكب جريمة قتل يا إسراء هانم”..

كان الرعب واضحًا عليها لمرآى تعبير وجهه الغضوب..

عيناه تتسعان بغضب و تبرز عروقه بخطورة..شعرت حينها أن حديثه ليس مجرد تهديد لها، وأنه بالفعل على حافة فقدان السيطرة على غضبه وسيقبض على عنقها ولن يتركها إلا عندما تلفظ أنفاسها الاخيرة..

شحب وجهها و إزرقت شفاهها بلحظة، وإرتفع صوت نشيجها، وأطلقت شهقة عميقة مرة واحدة.. 

تحطم جمود “فارس” عندما رأي تطور حالتها إلى الإعياء الشديد، وتهاوت قدميها لم تعد قادره على حملها، وأوشكت على السقوط أرضاً، ولكن يديه القويه التي تمردت عليه والتفت حول خصرها جذبتها داخل حضنه ثانياً بلهفه فشل في أخفائها خاصةً حين همست ببطء وضعف شديد.. 

“وحياة ربنا يا فارس قلبي هيقف”..

حملها بذراع واحد من خصرها، ودار بعينيه في انحاء الغرفة يبحث عن إسدال الصلاة الخاص بها.. وجده على المشجب الخشبي.. هروله نحوه ،وقام بتلبسها إياه على عجل، ولف حجابها بأحكام، وحملها ثانياً وسار بها لخارج الجناح حتي وصل لغرفة “خديجة” التي كانت تجلس برفقتها “إلهام” الباكية، و”ايمان” الباكيه لبكائها أيضاً.. 

فتح الباب دون سابق إنظار جعلهن يشهقن بفزع، واندفع بزوجته نحو الفراش وضعها عليه متمتماً بنفاذ صبر.. 

“خلي الهانم عندك يا خديجة”.. 

قالها وهو يسير للخارج.. أسرعت “إسراء” بالركض خلفه.. لكنها تيبست مكانها حين نظر لها مكملاً بتهديد وهو يشير لباب الجناح.. 

“تخرجي من الباب دا هتكوني طالق مني يا إسراء”.. 

نهي جملته سار للخارج بخطواته الغاضبه.. 

“فارس استني يا حبيبي”.. 

أردفت بها “خديجة” ببكاء وهي تركض خلفه كمحاولة منها للحاق به..لكنه تابع سيره دون توقف حتي اختفى عن عينيها داخل المصعد.. أسرعت هي بخطوتها أكثر لعلها تصل إليه قبل أن ينغلق الباب لتتعثر قدميها بسبب حذائها ذات الكعب العالي مما أدى للتواء كاحلها جعلها تشهق بألم، وكادت أن تسقط أرضاً بقوة.. 

لكن يد عريضه ألتفت حول خصرها بلهفه منعتها من السقوط.. رفعت وجهها الغارق بالعبرات ببطء لتتقابل عينيها بأعين “هاشم” ترمقها بنظرة لم تستطيع تفسيرها.. هل هي خوف.. لهفه.. أم شفقة؟!.. 

“أنتي كويسه.. رجلك جرالها حاجة؟! “.. 

قالها بصوته الرجولي ذو البحة المميزة.. 

توردت وجنتي “خديجة” بحمرة الخجل، وحبست أنفاسها حين اقتحمت رائحة عطرة حواسها، وأسرعت بالابتعاد عنه لكنها شعرت بألم حاد بقدمها جعلها تأن بوجع.. 

لم يفكر “هاشم” مرتين وهو يميل بجزعه عليها قليلاً، وحملها بين يديه ، وسار بها متجهه نحو جناحها مرة أخرى وهو يقول بثقه.. 

“متخفيش علي فارس.. هو محتاج يكون لوحده شويه علشان يقدر يهدي”..

لم تنطق “خديجة” بحرف واحد.. فحمله لها وقربه منها لهذا الحد كان كفيل بفقدها النطق، والحركة.. 

……………………………… 

.. دلف “فارس” داخل المصعد بخطوات مهروله.. لا يرى أمامه من شدة إنفعالاته المتضاربة.. أنفاسه متلاحقة.. عروقه بارزة وعينيه متسعة على أخرها من شدة غضبه العارم جعلت هيئته المزريه تبدو أكثر رعباً،وكأنه انفض للتو من عراك أودي فيه بحياة أحدهم..

هو بالفعل كذلك لقد أستمع لشق قلب ساحرته بعدما القي على سمعها حديثه السام الذي تعمد جرحها به كما فعلت هي وضربته برجولته بمقتل.. فما أصعب ذلك الشعور على الرجل حين يكتشف أن زوجته لا تريد أن تنجب منه.. رباه هذا أسوء وأقسي شعور شعر به في حياته على الإطلاق..

ضغط على زر بلوحة المعدنيه بجانب المصعد.. بل لكمه بكل قوته بعنف.. انغلق الباب،وبدأ المصعد بالهبوط..وهو بالداخل مستند بجبهته على المرآه يلكمها بكلتا يديه بكل ما أوتي من قوة حتي انه حطمها وتناثرت أجزاءها أسفل قدميه بعدما تسببت بالكثير من الجروح بيديه بدأت تنزف بغزراه..

لكنه لم يشعر بها فجرح قلبه أقوى وأكبر..وصل المصعد وقبل أن يفتح الباب كان ضغط على أزراره ثانياً قاصداً الطابق الأخير..

هدأت موجة غضبه قليلاً وهو يتابع الشاشة الصغيره التي تظهر أرقام الطوابق.. حتي توقف المصعد مرة أخرى بالطابق الذي لم يخطر بباله للحظة انه يصعد إليه..

الطابق الأخير الذي جهز به جناح خاص لتقيم به المرأه  الوحيده التي كانت تسعي لقتله رغم أنها وبكل أسف والدته..

بعد كل ما فعلت لم يستطيع تركها بعيداً عن عينيه وقام بأحضارها دون أن يخبر اي أحد عن وجودها هنا حتي خديجة..

سار بالممر الطويل بخطي ثابته بين رجال الحراسه الواقفين علي الجنبين.. متجه نحو جناحها..

وقف لبرهه أمام الباب يلتقط أنفاسه، ومن ثم فتحه بحرص، وخطي للداخل.. ليتأهب جميع العاملات في المكان، معظمهم طبيبات وممرضات..

جحظت أعينهم حين رأوا تعابير وجهه الغضوب، وهيئته التي لا تبشر بالخير أبداً، وبرغم هذا تحدث بهدوء لا يليق بحالته أثار دهشتهم أكثر ..

“ايه الأخبار؟”..

أجابته أحدهن على الفور..

“مش هكدب على حضرتك يا فارس باشا.. مارفيل هانم حالتها صعبة جداً ومش راضية تستجيب للعلاج، وللأسف هتاخد وقت كبير على ما تتحسن”..

حرك رأسه لها بالايجاب وهو يقترب من الغرفه التي ترقد بها مارفيل..أخذ نفس عميق وخطي للداخل بخطوات متثاقلة..

وقعت عينيه عليها.. تغص بنومٍ أشبه بالغيبوبة على الفراش بجسد هزيل يظهر عليه التعب والاجهاد الشديد.. وجهها شاحب للغاية، وحول عينيها هالات سوداء بعدما فقدت الكثير من الوزن خلال الأسبوعين الذي خضعت بهم للعلاج بالأجبار حتي أعلنت أستسلامها..

رفع يده التي لم تتوقف عن النزيف، وأشار للمشرفات على حالتها بالأنصراف..فنسحبوا للخارج واحدة تلو الأخرى..

ظل واقفاً بمكانه يراقبها بحالة من الجمود.. ملامحه خالية من المشاعر.. سار نحو المقعد المجاور لفراشها وجلس عليه بإرهاق.. مال بجسده قليلاً مستند بمرفقيه على ركبتيه يتأمل ملامحها للمرة الأولى بحياته متمتماً بابتسامة حزينة..

“مرحباً أمي.. نعم أنا هنا.. بجوارك،ومازلت أناديك أمي.. فإذا نسيتِ أنتِ بيوم أنني إبنك.. فأنا لن أنسي أنك أمي، وستظلي”..

صمت فجأة حين داهمته رغبه قوية بالبكاء.. بكاء؟! يا الله يبدو أن جروحات روحه وقلبه غائرة..

ليأتي إلى هنا ويبوح ويتحدث لها رغم انه على علم أنها لن تستمع لحديثه هذا،ولكن يريد أن يخرج ما بقلبه.. لم يعد يستطيع التحمل أكثر من ذلك..

نظر لها بنظرة يملؤها الألم والآسي..يسأل نفسه كيف يبدو عناقها؟! .. لم يتذكر انه عانقها أو فعلت هي العكس من قبل..

بماذا سيشعر إذا ضمته لها مرة واحدة فقط؟!..

يثق أنها لن تفعلها.. فهل يمكن أن يختلس هو ضمه منها أثناء نومها؟!..

يحتاج لضمتها بشدة فما يشعر به من ألالام الآن كافية بأن تسبب له أزمة قلبيه، ويسقط قتيل على أثارها في الحال.. 

دون أدراك منه أرتمي جوارها على الفراش، واضعاً رأسه على كتفها، وأمسك يديها برفق لفها حوله غالقاً عينيه بتعب حينها سمح لعبراته تنهمر على خديه دون بكاء..

غافلاً عن تلك الكاميرا التي تنقل كل ما يحدث بالغرفة لوالده الذي بدأ هو الأخر يبكي بنحيب بعدما تمزق قلبه لأشلاء حين أدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه بحق وحيده.. 

جاهد للسيطرة على شهقاته التي ارتفع نشيجها، ورفع سماعة الهاتف الموضوع أمامه على مكتبه الفخم.. تحدث بها بلهجه أمره.. 

“أخبر قائد الطائرة أن يستعد الآن للإقلاع.. سأعود لمصر اليوم”..

الفصل ال33..

غرام المغرور..

 

هم يضحك!!..

حالة من الذهول اعتلت ملامح  “إسراء” الباكية، وتوقفت عن البكاء للحظات حين رأت “هاشم” يدخل الجناح حامل “خديجة” على يديه..

بينما “إلهام” انبلجت أبتسامة عابثة على محياها الطيبة رغم أنها كانت تبكي لبكاء وحيدتها.. 

شهقت “إيمان” بخجل، وأسرعت بخفض رأسها لتخفي ابتسامتها هي الأخرى..

أما “خديجة” كانت بعالم أخر.. عالم لا يوجد به أحد سويها هي وهذا ال “هاشم” الذي حطم حصونها المنيعة، وجعل قلبها ينبض نبضة غريبة عليه كلياً، ولكنها راقت لها كثيراً ..

لم يتخلى “هاشم ” عن ملامحه الجدية.. الصارمة حتي وهو حاملها بين يديه بكل هذه اللهفه،ولكنه فشل في السيطرة على تلك الرجفة التي داهمت قلبه وجسده المتصلب عندما شعر بجسدها  يتوسط صدره..

“أنا هجيب الدكتورة حالاً”.. 

قالها “هاشم” وهو يقترب من إحدى الارائك ومال بها وضعها برفق، وسحب يديه من حولها ببطء زاد من توترها .. 

“دكتورة ليه؟.. مالك يا ديجا؟!”.. 

قالتها “إسراء” بنبرتها الباكية وهي تقترب منها حتي وقفت جوارها وبدأت تربت علي ظهرها بحنان بالغ .. 

” اطمني يا حبيبتي..دي حاجة بسيطة.. أنا بخير الحمد لله”.. 

أردفت بها “خديجة” بصوتها الرقيق، ومن ثم تابعت سريعاً موجهه حديثها ل “هاشم” الذي يسير نحو الخارج بخطوات مسرعه.. 

” مافيش داعي تجيب دكتورة.. أنا هبقي كويسه يا هاشم “.. 

هكذا أوقفته “خديجة” بصوت هامس يدل على شدة إحراجها.. 

أبتسم بتساع حين أستمع لحروف إسمه من بين شفتيها خاصةً انه هو من طلب منها تناديه بأسمه بدون الألقاب ..أخفي ابتسامته سريعاً، والتفت ينظر  لعينيها نظرة متفحصة وهو يقول بقلق خفي.. 

“متأكدة يا خديجة؟!”.. 

احتقن وجهها بحمرة قاتمة، وحركت رأسها له بالايجاب مدمدمة.. 

“اممم.. متأكدة”.. 

نظرته لها.. خجلها..تلك الهمسات بين حديثهما جعلت “إلهام” تتنقل بنظرها بينهما بابتسامة متسعة وتتحدث بثقة قائله.. 

“إحنا شكلنا هنبل الشربات قريب ولا أيه يا خديجة يا أختي “.. 

انتبه “هاشم” على حالته فتنحنح بحرج وسار للخارج بخطوات مهرولة وهو يقول.. 

” عن إذنكم.. أنا برة لو احتاجوا اي حاجة”.. 

انهي جملته واختفي عن أعينهم بغلق الباب خلفه.. 

“ايه اللي حصل يا ديجا، وفارس فين؟؟”..

قالتها” إسراء ” بصوت متحشرج بالبكاء.. 

تنهدت” خديجة” بتعب وهي تجيبها.. 

“جريت وراه علشان الحقة رجلي اتلوت وملحقتوش”..

هبطت “إسراء ” على ركبتيها أمامها، وهمت بأمساك قدمها لتفحصها.. فأسرعت “خديجة” بأبعادها.. 

 “وريني يا ديجا متتكسفيش مني ليكون رجلك حصلها حاجة”.. 

” دي حاجة بسيطة زي ما قولتلك.. أنا كويسة يا حبيبتي اطمني”.. 

أردفت بها” خديجة”وهي تساعدها على النهوض، وجذبتها تجلس بجوارها وتابعت بتساؤل.. 

“احكيلي بقي ايه اللي حصل علشان فارس يزعل منك كل الزعل ده؟!”.. 

هبطت دموع” إسراء ” بغزاره على وجنتيها وبتقطع همست.. 

“والله يا ديجا مكنتش أقصد ازعله، ولا أعرف أن كل دا هيحصل، وهو مشي وسبني هنا من غير ما يسمعني حتي؟!”..

أطلقت “إلهام” زفرة نزقة، وبتعقل قالت.. 

” يابنتي استهدي بالله وبلاش عياط.. الراجل دلوقتي غضبه متملك منه واي كلام وهو زهقان كده ممكن يزود المشكلة بينكم.. سبيه يهدي ويروق وأكيد هيجيلك وتتكلموا ويسمعك يا إسراء لأن واضح أن اللي حصل في العيادة وضرب النار اللي سمعناه بيقول أن الموضوع أكبر من اللي عملتيه، وشكلك وقعتينا في خطر وأنتي مش واخده بالك، وهو لحقنا اسم الله عليه جوز بنتي”.. 

تعالت شهقات” إسراء ” أكثر، وتحدثت بندم قائله.. 

“أنا أسفه يا ماما.. متزعليش مني علشان حطيتك في الموقف ده..انا عارفة أني غلطانة، وكنت المفروض أسمع كلامك وأصارح فارس بكل حاجة”..

نظرت ل” خديجة” وتابعت بنبرة متوسلة.. 

” كلميه خليه يجي يا ديجا علشان خاطري.. هو حلف عليا يمين مخرجش من الباب.. مش هعرف أخرج اروحله أنا..كلميه انتي قوليله إسراء بتقولك هي أسفة ومش هتزعلك تاني..خليه يجي علشان أراضيه لعنيه ترجع تتعبه تاني”.. 

أقتربت منها” إلهام ” بكرسيها المتحرك، وسحبتها عليها برفق، وضمتها لصدرها بحنو مرددة.. 

“كفاية عياط يا ضنايا عينك بقت زي كاسات الدم.. قولتلك جوزك هيهدي وهيجيلك.. كلنا بنغلط يا بنتي.. محدش معصوم من الغلط.. المهم نتعلم من غلطنا ده، ومتكررهوش تاني.. الصراحة بين الراجل ومراته بتريح وبتمنع المشاكل”..

أقتربت منها” إيمان ” هي أيضاً، وربتت على كتفها بحب قائله.. 

“خلاص يا إسراء.. كفاية عياط بقي يا حبيبتي ، وصلي على الحبيب كده في قلبك”..  

” خديجة”…” كلام ماما صح يا إسراء..اللي حصل حصل خلاص.. دلوقتي بقي لازم تهدي وتفكري لما فارس يجي هتحلي المشكله دي بينك وبينه إزاي”.. 

رفعت “إسراء” يدها وضعتها على موضع قلبها وهمست بلهفه.. ” يجي بس..يجي وأنا هصالحه وأبوس قلبه وعينه كمان”.. 

لكزتها” إلهام” برفق متمتمه بخجل.. 

” اختشي يابت.. بقيتي جريئة كدة أمتي؟! “.. 

ضحكت” خديجة” وهي تقول بمرح.. 

” لازم تتعلم الجرائة يا لوما.. مش مدام الباد بوي فارس الدمنهوري”.. 

ابتسمت لها “إسراء” ابتسامة باهته، وهبت واقفة وهي تقول بضعف.. 

” أنا هريح جنب بنتي شويه”.. 

سارت نحو الفراش النائمة عليه صغيرتها تمددت بجوارها، وضمتها لحضنها تستمد منها بعض القوة، وتقبلها بحب وأمتنان فلولها كانت أصبحت حاملة لقب مطلقة الآن.. 

” ربنا يهدي سرك، ويصلحلك حالك يا إسراء يابنتي”.. تمتمت بها “إلهام” بسرها، ونظرت ل” “خديجة” نظرة ماكرة وتحدثت بجدية مصطنعة قائله..

“طمنيني على رجلك يا خديجة يا أختي عاملة أيه دلوقتي؟”.. 

“اححم.. كويسة الحمد لله “.. غمغمت بها” خديجة” بخجل.. 

انبلجت أبتسامة متراقصة على ملامح” إلهام ” وهي تقول..

 ” طبعاً لازم تبقي كويسة بعد الشيلة الحلوة اللي شلهالك اسم النبي حارسة وصاينه هاشم أفندي”.. 

عضت” خديجة ” على شفتيها بخجل.. 

رمشت” إلهام ” بأهدابها أكثر من مرة، وتابعت ببرائه مزيفة..” إلا متعرفيش سي الأستاذ هاشم متجوز ولا عازب يا خديجة؟! “.. 

أجابتها “خديجة” بأسف،وكثير من الحماس.. 

“كان متجوز بس مراته وبنته وجوزها اتوفوا في حادثه،وهو عايش مع مامته وحفيدته بنوته صغيره عندها خمس سنين مامتها وبابها اتوفوا وهي مكملتش شهر حتي.. بعد موتهم استقال من شغلة.. كان شغال عميد في الشرطة.. وفتح شركة أمن خاصة بيه هو، ومش اي حد يطلع حرس معاه”..

“يا حول الله يارب.. دا حكايته حكاية سي هاشم دا.. بس انتي ماشاء الله عليكي.. عرفتي كل ده عنه إزاي بقي ديجا؟! “..

قالتها” إلهام ” وهي تضع أصابعها أسفل ذقنها..

ابتسمت لها” خديجة” ابتسامة تظهر مدي برائتها الطفولية..” هو اللي قالي يا إلهام، وصعب عليا أوى والله.. لدرجة كنت عايزة اطبطب عليه واقوله متزعلش نفسك بس اتكسفت”..

ضحكت” إلهام ” وهي تقول بثقة.. “لا مدام كنتي عايزة تطبطبي عليه واتكسفتي يبقي هنشرب الشربات قريب بإذن الله “..

………………………………..

..” فارس “..

اعتدل بجزعه على الفراش بجوار” مارفيل ” بدهشه من تصرفه الذي لم يخطر على باله بيوم.. أيعقل بعد كل ما تعرض له على يد تلك المرأه مازال يشعر بالاحتياج لها؟! ..

أبتسم بتهكم على حاله، وهب واقفاً وهو يتأوه بصوت خفيض، وسار بخطوات مجهدة متجه نحو الخارج.. ليوقفه صوت همس “مارفيل” تتحدث بضعف دون أن تفتح عينيها..

“أعلم أنني لم أكن في يوم أماً صالحة لك”..

إزداردت ريقها بصعوبه، وتابعت..

“ولكني كنت أبنه باره بوالدتي،ولم اعصي لها أمراً مهما فعلت معي من أخطاء، وما فعلته معها أحصده منك الآن فارس”..

أستدار ينظر لها بملامح جامدة، وتحدث بهدوء قائلاً..

“كوني مطمئنه أنا هنا لمساعدتك.. فأنتي ما زالتي وستظلي أمي.. فلا داعي لحديثك هذا.. أنا أعلم واجبي نحوك جيداً أمي”..

” إذاً فبلغ خديجة أنني مدينه لها بجزيل الشكر”..

همست بها بصوت أختنق بالبكاء، وأكملت وهي تفتح عينيها الذابلة بوهن، ونظرت له نظرة يملؤها الندم..

“فقد أحسنت تربيتك”..

انتهي البارت..

الفصل ال34.. 

 غرام المغرور.. 

حقاً فارس!!.. 

“فارس”.. 

إجتاحه شعور غريب بعدما غادر جناح “مارفيل” سكينه تعانق روحه جعلتها تنتعش.. إحساس عابق بالدفء في نظرتها له وحديثها معه.. لأول مرة يمكث معها لعدة ساعات.. تتحدث له خلالهم قليلاً دون أن يشعر منها بالنفور .. أسعده هذا كثيراً.. نظرة الندم بعينيها لمست شيئًا شديد الحساسية بداخله.. 

أيقن أنه كان يدخر مشاعر قوية يكنَّها لها حين داهمه إحساس من الأبوة تجاهها جعله يعاهد نفسه على البقاء دوماً بجوارها..فهذا واجبه نحوها..مهما فعلت به من أفاعيل لن تغتفر ستبقي رغماً عنه أمه بالأخير.. 

خرج من المصعد متجه نحو جناحه الخاص به هو وساحرته.. هم بفتح الباب ليوقفه صوت “هاشم” يتحدث بتساؤل وهو يتنقل بعينيه بين يديه المجروحتان.. 

“فارس أنت كويس؟!”.. 

حرك رأسه بالإيجاب مردداً.. 

“الحمد لله..انا تمام يا هاشم..قولي أنت أيه الأخبار؟!”.. 

تنهد “هاشم” وتحدث قائلاً.. 

“أنا مكلف مجموعة من رجالتنا يدور على ديمة.. بس للأسف هي اختفت من الفندق كله في نفس الوقت اللي كنا بنجري وراك فيه على العيادات..دا خلي أبوها يتأكد أن مش أحنا اللي ورا اختفائها وعمال يدور عليها زي المجنون ولسه موصلهاش، وغفران اتصل عليا وقالي انه حاول يكلمك أكتر من مرة وتليفونك مغلق.. كلمه علشان عايزك ضروري”.. 

“تمام.. هكلمه دلوقتي.. أكيد عرف بلي حصل، وبالنسبة للحقيرة ديمة أنا هعرف أوصلها، والليله مش بكرة كمان”.. 

قالها وهو يخرج هاتفه المغلق من جيب معطفه.. فتحه وطلب إحدي الأرقام ليأتيه صوت “غفران” يتحدث بقلق قائلاً .. 

” فارس أنت فين يا ابني كلمتك كتير.. طمني عليك”.. 

” أنا كويس يا غفران اطمن.. هاخد بس شاور علشان أفوق كده وهكلمك تاني”.. 

قالها” فارس” وهو يدلف لداخل الجناح.. 

“غفران”..بحدة.. “تكلمني أيه.. أنا في الغردقة من ساعتين يا بني آدم أنت.. الدنيا مقلوبة على بنت رئيس الوزراء اللي اختفت من الفندق عندك، وعندي أخبار مهمه ليك لازم أشوفك دلوقتي ضروري”.. 

“فارس”..” طيب هتجيلي ولا أجيلك أنا؟! “..

اجابه” غفران ” قائلاً.. “خليك عندك هجيلك أنا علشان معايا مفاجأة لهاشم.. يله سلام على ما نتقابل”.. 

أغلق” فارس” الهاتف ونظر ل” هاشم” قبل أن يغلق الباب مغمغماً.. 

” هاشم من فضلك عايزك تشرف بنفسك على الأكل اللي وصيت عليه للعمال”.. 

صمت لبرهه واتجه بعينيه لجناح “خديجة” التي تمكث به زوجته مكملاً.. 

“وخلي الحسابات تصرف لهم شهر مكافأة كمان”..

” هاشم” وهو يستعد للسير..” تمام يا فارس.. متشلش هم أنت”..سار خطوتين، وتوقف فجأة مكملاً..” على فكرة في مندوب جالك هنا معاه أوردر أون لاين أنا استلمته منه،والاوردر موجود عندك في الجناح”.. 

رفع “فارس” يده وضرب بها جبهته مردداً.. 

“أيوه أنا نسيت خالص أني طلبت أوردر لعيد ميلاد خديجة”.. 

انبلجت ابتسامة على وجه” هاشم” قمعها سريعاً، وتحدث بنبرته الصارمة قائلاً.. 

” كل سنه وهي طيبة”..

” فارس “.. بابتسامة.. “وأنت طيب يا هاشم.. اسبقني أنت علشان غفران جاي في الطريق وانا هغير واحصلك”.. 

انصرف “هاشم” من أمامه، وأغلق هو الباب مستند عليه بظهره، وبدأ يفتح أزرار قميصه واحد تلو الأخر بيد، وممسك بيده الأخرى هاتفه طلب إحدي الأرقام ليأتيه صوت”خديجة” تتحدث بلهفه قائله.. 

” فارس.. أنت فين يا حبيبي؟ “.. 

كانت” إسراء ” مستكينه بحضن والدتها..رأسها تتوسط صدرها، و “إلهام” تربت على شعرها بحنان بالغ.. اغلقت “إسراء” عينيها تمثل النوم.. بينما تنهمر عبراتها على وجنتيها بصمت.. منذ أكثر من 5ساعات هاتف زوجها مغلق، ولا تعلم عنه شيئاً.. 

” بسم الله الرحمن الرحيم.. فزعتيني يا بنتي”.. 

قالتها “إلهام” حين انتفضت “إسراء” من حضنها فجأة وهبت واقفة فور سماعها صوت” خديجة” تنطق بإسم زوجها.. 

هرولت تجاهها ووقفت أمامها تنظر لها بأعين متورمة من شدة البكاء وبهمس بالكاد يسمع قالت من بين شهقاتها.. 

“فارس كويس يا خديجة؟ “.. 

حركت “خديجة” رأسها بالايجاب لها، وسارت نحو باب الجناح بخطي حذرة حتي لا تؤذي كاحلها أكثر.. 

“أنا جيالك حاضر.. ثواني وابقي عندك”.. 

“هو فين يا خديجة.. طمنيني عليه أنا هتجنن والله”.. 

قالتها “إسراء” وهي تسير برفقتها حتي وصلت لباب الجناح، وتوقفت لتمنع سقوط يمين زوجها عليها.. 

فتحت “خديجة” الباب، وتحدثت بابتسامة مطمئنه.. 

“اطمني يا حبيبتي هو كويس.. لسه داخل اوضتكم حالاً،وقالي انه هيغير ويجلنا.. بس أنا هروحله واجيبه بنفسي لحد عندك كمان”.. 

بكت “إسراء ” وضحكت بأن واحد وتحدثت بنبرة راجية قائله.. “متخلهوش يمشي قبل ما اشوفه يا ديجا علشان خاطري”.. 

رفعت “خديجة” يدها ومسحت عبراتها بحنو مردده.. 

” حاضر يا حبيبتي.. بس أهدي وكفاية عياط بقي،واغسلي وشك كده، وانا هجبهولك واجي على طول”.. 

حركت” إسراء” رأسها بالايجاب، وانتظرت حتي اغلقت “خديجة” الباب، وركضت مسرعة نحو حمام الجناح مرددة بفرحة غامرة.. 

“هاخد دش سريع واجي.. ادعيلي من قلبك يا ماما”.. 

“إلهام” بحب.. “دعيالك يا ضنايا.. ربنا يهدي سرك، ويصلح حالك ويفرح قلبك يا إسراء يا بنت إلهام”.. 

أمنت” إيمان ” على دعائها، وهبت واقفه، وتحدثت بخجل.. “خالتي إلهام انا هاخد محمود واروح على اوضتي.. ميصحكش أفضل هنا لما جوزها يجي يرضيها”.. 

ابتسمت لها” إلهام” بامتنان قائله..” كلك زوق ومفهوميه يا بت يا إيمان”..

بادلتها” إيمان ” الابتسامة ونظرت للصغيرة “إسراء”..” تيجي معنا يا إسراء؟ “.. 

حركت الصغيرة رأسها بالنفي وتحدثت بوجه عابس قائلة.. 

” لا أنا مستنيه فالس”.. 

………………………………. 

.. بغرفة فارس.. 

كانت “خديجة” تجلس بجواره على إحدي الأرائك ممسكة يديه تتفحصها بنفسها وتقوم بتطهيرها.. 

“مراتك مبطلتش عياط من ساعة ما جبتها الأوضة عندي يا فارس”.. 

أردفت بها” خديجة ” بعتاب، وتنهدت براحة حين تأكدت ان جروح يده جميعها سطحية.. 

أطبق جفنيه حين شعر بقبضة قوية تعتصر قلبه بسبب بكاء ساحرته.. صك على أسنانها بعنف، وأطلق زفرة نزقة من صدره وهو يقول بجمود مصطنع.. 

“غلطت ولازم تتعاقب يا ديجا”..

ربتت” خديجة” على كتفه، وتحدثت بتعقل قائله.. 

“يا حبيبي اسمعها الأول.. أفهم منها وأعرف اللي حصل براحة.. متعاقبهاش من غير ما تسمعها.. انت كده بتظلمها، وبتوقع نفسك في غلط أنت كمان”.. 

نظر لها “فارس” قليلاً.. يتأمل ملامحها البريئه،وعينيها التي تفيض له بالحب والحنان.. 

” بتبصلي كده ليه يا فارس؟!”.. 

قالتها” خديجه” بنبرة متعجبه..

أبتسم لها” فارس” ابتسامة هادئه..رغم بريق العبرات التي ظهرت بعينيه جعلت” خديجة” تشهق بصوت خفيض، وأسرعت باحتضان وجهه بين كفيها، وبدأت تبكي بنحيب وتتحدث بلهفه قائله.. 

“فارس أيه الدموع اللي بتلمع في عيونك دي.. مالك يا حبيبي”.. 

أمسك “فارس “كلتا  يديها وضعهما فوق شفاهه ليلثمها مغمغمًا.. 

“كل سنة وانتي طيبة”.. 

صمت لوهله وتابع بامتنان وحب، واعتزاز شديد يظهر على ملامحه ونبرة صوته.. 

“يا أمي”.. 

أنهي جملته ومد يده لصندوق كبير من اللون الوردي بشريط حريري عريض من نفس اللون كان موضوع أمامه على الطاولة حمله، وأعطاه لها، وهو يجذب رأسها عليه ويطبع قبله مطولة فوق جبينها مكملاً.. 

“يا أحن وأطيب قلب في الكون كله”.. 

لم تتمالك “خديجة” نفسها من الفرحة، واجهشت بالبكاء وهي تتتقل بنظرها بينه، وبين هديته لها وتردد بعدم تصديق من بين شهقاتها.. 

“معقول يا فارس.. فاكر عيد ميلادي في وسط المشاكل اللي أنت فيها دي كلها؟!”.. 

“أنسى نفسي ومقدرش أنساكي ولا أنسى فضلك عليا يا أحلى ديجا”.. 

قالها وهو يمسح عبراتها بأنامله جعلتها تبكي بنحيب أكبر، ووضعت الصندوق على الطاولة مجدداً، وفتحت زراعيها له متمتمه بصعوبة.. 

” تعالي في حضني يا روح قلب ديجا”.. 

“طول عمرك وأنتي واخداني في حضنك يا خديجة.. المرادي أنا اللي هاخدك في حضني”.. 

قالها، وهو يضم رأسها لصدره ويربت على ظهرها بكف يده مغمغمًا.. “ربنا ميحرمنيش منك أبداً”.. 

“ولا يحرمني منك يا فارس”.. قالتها وهي تقبل كتفه، ورفعت عينيها الباكية ونظرت له بابتسامة مكملة..”كل مرة بتأكد ليِ ان عمري معاك مرحش هدر.. وإنك أغلى وأحلى حاجة طلعت بيها بالدنيا يا ابني”.. 

“فارس”.. “أنا اللي محظوظ بيكي وبوجودك في حياتي يا أغلى الناس”.. 

عبست بملامحها بغضب مصطنع، وابتعدت عنه متمتمه.. 

“لو فعلاً أنا غالية عندك صالح مراتك، وخدها هي في حضنك.. البنت هتتجن عليك و عيونها تعبتها من كتر العياط يا فارس”.. 

هبت واقفه، وسحبته من يده خلفها متجهه لخارج الجناح..” يله تعالي معايا خد مراتك ودي هتبقي فعلاً هديتي لما أشوفكم مبسوطين مع بعض يا حبيبي”.. 

“فارس “.. “هاجي معاكي بس خدي هديتك الأول، واعملي حسابك هعملك أحلى عيد ميلاد زي كل سنة.. بس لما اظبط الدنيا شوية”.. 

حملت “خديجة” هديتها على عجل، وسارت معه للخارج بابتسامة متسعة تدل على شدة فرحتها.. بينما هو يسير بخطوات متوتره بعدما ازدادت دقات ذلك القلب الراجف بين أركان الضلوع يصرخ بعشق تلك الساحرة.. 

 

رباه لم يمر سوي بضعة ساعات تضاعف بهم شوقة لها أضعاف مضاعفة.. يود أن يطوقها بين زراعيه ليطمئن قلبه الذي أرتعد و أوشك على التوقف من فزعه وهلعه وخوفه من فقدانها.. 

توقفت” خديجة” أمام الباب، وطرقت عليه بمرح مردده.. “افتحي يا إسراء.. فارس معايا”.. 

“ادخل يا فالس”..صرخت بها الصغيرة بفرحة غامرة،وهي تركض نحو باب الغرفة، وتحاول فتحه.. 

فتحت “خديجة” الباب، ودلفت أولاً،ومن ثم خطي “فارس” خلفها..لتقابله الصغيرة فاتحه زراعيها تحثه على حملها.. 

“أهلاً بحبيبتي”.. قالها وهو يميل بجزعه عليها، ويحملها بين يديه، ويعانقها بحب أبوي صادق،وعينيه تدور بانحاء الغرفة بحثاً عن زوجته.. انقطعت أنفاسه للحظه وبهتت ملامحه حين وجد الغرفة خاليه.. لا توجد بها غير الصغيرة و إلهام جدتها تنظر له بعتاب متمتمه.. 

“إسراء في الحمام يا ابني”.. 

تنهد براحه، واعطي الصغيرة ل “خديجة” وهو يقول.. 

“طيب أنا هروح أغير هدومي علشان عندي مشوار مهم.. خليها تحصلني على اوضتنا لما تخرج”.. 

“إلهام”.. بتساؤل.. “هتحصلك إزاي وأنت حالف عليها يمين متخرجش من باب الاوضة يا فارس يا ابني؟ .. كده لازم تخرج كفارة يمين الأول علشان بنتي تقدر تخرج وتجيلك”.. 

“خرجته طبعاً يا مدام إلهام.. اطمني”.. قالها وهو يستعد للسير بخطوات مجهده.. 

تهللت أسارير” إلهام ” وتحدثت بابتسامة قائله.. 

“رغم أن ليا عتاب عليك بس مش هتكلم معاك دلوقتي.. لينا كلام مع بعض لما تروق كده وتهدي وتتصافي مع مراتك.. ربنا يصلح حالكم ويملي حياتكم هنا وسعادة وميحرمكوش من بعض أبداً قادر ياكريم يارب”.. 

“اجي معاك يا فالس”.. قالتها الصغيرة التي تحملها “خديجة” ببوادر بكاء جعلته يلتفت لها، ويميل عليها قاصداً وجنتيها المملؤتين لثمهما بعمق وهو يقول..

“عيوني لعيوني”..نظر ل” خديجة” مكملاً.. 

” لبسيها يا خديجة على ما أجهز.. هاخدها معايا”.. 

أنهي جملته، وسار لخارج الجناح غالقاً الباب خلفه.. لتفتح “إسراء” باب الحمام الذي كانت تختبئ خلفه بعدما تأكدت من ذهاب زوجها، وخرجت بخطي مرتجفه خافضة رأسها وتتحدث ببكاء.. 

“خايفة أوي، ومش قادرة اوجهه يا ماما”.. 

انتفضت بفزع، وشهقت بصوت خفيض حين تحدثت”إلهام” فجأة بغضب، ونفاذ صبر قائله.. 

“بت أنتي بطلي خوفك اللي بيخليكي تعملي كوارث دا، وأمشي انجري من هنا روحي ورا جوزك.. متفقعيش مرارتي الوحيدة”.. 

“براحة عليها يا لوما”.. قالتها” خديجة” وهي تقترب من”إسراء ” وتربت على ظهرها بحنو مكملة.. 

“متخفيش من فارس يا إسراء.. فارس بيحبك أوي ومش هتهوني عليه يقسي عليكي أكتر من كده، كل اللي عمله معاكي دا على فكرة من خوفه عليكي والله.. خايف يطولك غضبه وقتها.. فجابك عندي هنا”.. 

أخذت” إسراء” نفس عميق، وسارت نحو الخارج وهي تقول.. “أنا عارفه يا ديجا..وواثقة من حبه ليا”.. 

……………………………   

داخل غرفة مظلمة .. خالية من الأثاث إلا من كرسيي صغير متهالك تجلس عليه “ديمة” مقيدة اليدين والقدمين تبكي بصمت،وجسدها يرتجف بقوة بعدما ظلت وقت طول تصرخ بلا توقف.. 

أصبح الهدوء يسود المكان بشكل يثير القلق..حتي تسلل ضوء خافت عبر النافذة الحديديه أضاء الغرفة من حولها.. ارتعد قلبها أكثر حين استمعت لأصوات أقدام تقترب من الغرفة.. 

فتُح الباب ودلف منه رجل بأواخر عقده الخامس قوي البنيه.. شديد الهيبه والوقار.. اقترب منها بخطوات هادئه حتي توقف أمامها مباشرةً.. 

رمقها بنظوة نارية، وتحدث بابتسامة مصطنعة تزين محياة التي مازالت وسيمة وتنبض بالحياة رغم تقدمه بالعمر.. 

“مرحباً ديمة”..

نظرت له “ديمة” بأعين زائغة، وابتلعت لعابها بصعوبة متمتمه بتساؤل.. 

“من أنت؟.. وماذا تريد مني؟!”..

صمتت لبرهه، وتابعت بنبرة تهديد .. 

“انا أحذرك.. أنت مختطف ابنة رئيس الوزراء”.. 

وضع يديه بجيب معطفه سرواله مغمغماً.. 

“امممم.. أعلم من تكوني ، ودعيني أخبرك أنا من أكون “.. 

صمت لوهلة وتابع بجملة جعلتها تطلع له بأعين جاحظة حين قال.. 

” أنا محمد الدمنهوري.. والد فارس الدمنهوري.. جئت من فرنسا خصيصاً لأعاقبك بنفسي على كل أفعالك الحمقاء بحق ابني، وزوجته”.. 

أنهي جملته، ونظر لإحدى رجاله مغمغماً بأمر.. 

” هيا ابدأ عملك”.. 

“اتركني.. أنا لم أفعل لهما أي شيء”.. 

قالتها” ديمة” بصراخ وهي تتحرك بهيستريه كمحاولة منها لفك قيدها.. حين رأت إحدي رجاله يحمل ماكينة حلاقة ويقترب منها قاصداً خصلات شعرها.. 

………………………………… 

.. داخل شاليه فخم على بعد خطوات من فندق فارس .. 

يمكث به” غفران ” وعائلته الصغيرة.. 

” عهد”.. تقف خلف زوجها عاقدة زراعيها أمام صدرها.. تتابعه وهو يهندم ثيابه ويمشط شعره الغزيز بعناية..، وتتحدث بغضب قائله.. 

“ممكن أعرف أنت سايبني و رايح فين دلوقتي..أنت قولتلي أننا جايين هنا في أجازة يا غفران”..

ترك الفرشاة من يده على منضدة الزينه، والتفت ينظر لها بابتسامة الدافئة مغمغماً.. 

“حبيبة قلبي عندي مشوار مهم.. هخلصه وارجعلك هوا.. وكمان انتي ناسية الأمانه.. مش لازم جدها يعرف أننا جبناها معانا”.. 

اقترب منها وحاوطها بذراعيه مقربها منه حد الالتصاق، واستند على جبهته بجبهتها وتابع بجدية مصطنعة.. “وبعدين أنا عايز اعترفلك بحاجة كدة”.. 

داعبت صدره بأصابعها الصغيره، وهمست بغنج.. 

” أعترف “.. 

لثم جانب شفتيها بلهفه مدمدماً.. 

” اممم.. الحقيقه أنا جاي هنا في مأمورية مهمة وشديدة أوي يا عهودة”.. 

ضحكت بدلال بعدما تفهمت مقصدة، وهمست بخجل قائله.. 

“ويا تري بقي أيه هي المأمورية دي يا حضرة المقدم”.. 

غمز لها بمكر، واعتلت ملامحه ابتسامة متراقصة وسار بكف يده على جسدها حتي توقف فوق بطنها مباشرةً.. مسد عليها بلمساته التي تبعثر مشاعرها.. 

” ناوي بأمرالله منرجعش غير وأنتي حامل مني تاني يا عهد”.. 

دست نفسها داخل حضنه،ودفنت وجهها بحنايا صدره وبستحياء همست.. 

“طيب هتروح مشوارك، ولا نبدأ المأمورية من دلوقتي؟”.. 

زاد من ضمها له مستنشق رائحتها باستمتاع وهو يقول.. “هروح وارجعلك على طول.. مش هتأخر عليكي” .. 

……………………………. 

“إسراء”..

رفعت يدها المرتجفة و طرقت على باب جناحهما الخاص.. لحظات وصدع صوته المزلزل لكيانها قائلاً بصرامة..

“أدخل”..

تسارعت دقات قلبها بجنون.. تلاحقت أنفاسها ،وأصبح صدرها يعلو ويهبط بوضوح.. فتحت الباب ببطء ودلفت للداخل بخطوات هادئة،وأغلقته خلفها..

وقفت لبرهه مكانها وجهها مقابل الباب تحاول السيطرة على أنفاسها المتهدجة.. أخذت نفس عميق واستدارت تبحث عنه بلهفه، أعين تصرخ من شدة الإشتياق..

احتقن وجهها بحمرة قاتمة عندما وقعت عينيها عليه.. 

كان “فارس” يقف أمام المرآه عاري الصدر ممسك منشفة قطنية يجفف بها خصلات شعره الغزيرة.. ومنشفه أخرى لف بها خصره بأحكام.. فكما يبدو أنه فرغ للتو من غُسلٍ كامل..

إزدارت لعابها بصعوبة من هيئته المثيرة التي تدفعها للإنهيار.. 

“هتفضلي واقفة عندك كتير؟!”..

قالها دون أن يستدير لها.. بينما عينيه تتابعها بشغف عبر المرآه..

انبلجت ابتسامة ماكرة على ملامح “إسراء” الرقيقة، وسارت نحوه بدلال وغنج حتي أصبحت خلفه مباشرةً.. يشعر بأنفاسها الملتهبه تلفح بشرته وهمستها ذات الحنين المتأوه.. 

“فارس.. لازم تسمعني.. عايزة أحكيلك”..

تسمر بمحله حين رفعت كلتا يديها ولفتها حوله تضمه لها بكل قوتها.. بينما تسللت يدها الصغيرة على عضلات بطنه السداسية حتي وصلت لصدره وربتت عليه بحركتها المعتادة جعلته يغلق عينيه بستمتاع بلمستها التي تذيب قلبه،وتفقده صوابه..

سيطر على مشاعره تجاهها بصعوبة.. رسم الجمود على ملامحه، والتفت لها ببطء، وتحدث ببعض الحدة قائلاً .. 

“احكي.. أنا سامعك”.. 

لم تبتعد هي عنه.. بل تمسكت به أكثر..

ملتفه بيدها حوله تضمه لها، واضعه رأسها على صدره.. انبلجت ابتسامة على ملامحه المرتعبه حين استمعت لدقات قلبه المتسارعة بفعل تأثيرها عليه.. 

رفعت رأسها ونظرت له نظرتها التي تسحره، وهمست ببوادر بكاء.. 

“والله العظيم يا فارس الوسيلة دي أنا كنت مركباها من بعد ما خلفت بنتي إسراء على طول”..

هبطت دمعه حارقة على وجنتيها، وتابعت بغصة مريرة.. 

“أنا بين يوم وليله لقيت نفسي أرملة، والدنيا ضاقت بيا أوي لدرجة أني كنت قربت اشحت اللقمة علشان اكل بنتي وأمي، وأنت قولتلي إنك كنت متابعني وعينك عليا دايماً صح يا فارس”.. 

لف يده حولها بحماية، وقربها منه، وهو يحرك رأسه بالايجاب، وعلامات الأسف والخزي ظاهرة على ملامحه حين داههمته ذكري أفعاله معها.. 

” مكنتش فايقه ولا فاكرة أروح لدكتورة وقتها تخلصني من الوسيلة دي.. لحد ما اتجوزتني”..

تمعنت النظر لعينيه ورفعت يديها عانقت وجهه بين كفيها.. “وقتها قولت أن عمري ما هحبك، ومستحيل يكون ليا ولاد منك”.. 

رأت الغضب يتملك من ملامحه لتسرع هي وتكمل بلهفه.. 

“بس أنت حققت المستحيل، ومش بس خلتني أحبك يا فارس”.. 

وقفت على أطراف أناملها، وهمست أمامه شفتيه.. 

“أنا بعشق كل حاجة فيك”.. 

ختمت جملتها بقبلات صغيرة توزعها بالتساوي بين شفتيه العلوية والسفليه.. 

كم راقته فعلتها هذه.. وجد نفسه يضمها.. بل يعتصرها بين أضلاعه، وبهمس خطر قال.. 

” كنتي هتروحي مني بعد ما صدقت لقيتك”..

اصطك على أسنانه بعنف، وترقرقت عينيه بالعبرات مكملاً بغصة يملؤها الآسي.. 

“لو كنت اتأخرت عليكي لحظة واحدة كانوا هيحرموني منك عمري كله يا إسراء، ودا كله بسبب تهورك واندفاعك اللي هيوقف قلبي في مرة من خوفي عليكي”.. 

“بعد الشر عليك يا حبيبي.. ربنا يجعل يومي قبل؟!”.. منعها بشفتيه من إكمال حديثها..

لف يديه حول خصرها رفعها داخل حضنه حتي لم تعد قدميها لمسة الأرض..عمق قبلته لها.. يقبلها بلهفه واشتياق عاشق مجنون.. مغرم بها غرام ليس له مثيل.. 

هبط بشفتيه ،ودفن وجهه بعنقها يلثمه بحرارة تاركاً عليه إحدى علاماته المميزة التي تستمر بالظهور لأيام.. 

تخدرت على أثرها جميع حواسها، لمسته لها تجعلها تغرق بأعماق بحر غرامة الذي يمنحها شعور من اللذة والإكتفاء الكامل.. 

طرقات متتالية على باب الجناح جعلته يبتعد عنها على مضض حين أستمع لصوت “هاشم” يصرخ بأسمه بجملة سقط قلبه ارضاً على أثرها.. 

“فارس.. والدتك طالبة تشوفك حالاً”..

الفصل ال35..

غرام المغرور..

عقاب مستمر!!..

كانت “إسراء” تنعم بقرب زوجها مستمتعة بالدفء بين ضلوعه.. حتي انها لم تنتبه لطرقات الباب المتكررة، ولا لصوت “هاشم” الذي يهتف بأسم زوجها..

غالقة عينيها.. منفصلة عن العالم أجمع، ومكتفيه بضمته لها، وضمتها له.. تود لو تختفي وتذوب بداخله.. ينهل هو من شهدها بلهفه واشتياق.. همهمت بإعتراض حين أبتعد عنها بشفتيه، وتنحنح كمحاولة منه لإيجاد صوته..

“دقايق وجاي يا هاشم”..

“هتروح فين.. خليك معايا.. أنت واحشتني أوي يا فارس

أردفت بها “إسراء” وهي تجذبه إليها مرة أخرى، وتبادر بتقبيله..

ليسرع “فارس” ويضع أنامله على شفتيها جعلها فتحت عينيها ببطء ونظرت له بتعجب حين لمحت ابتسامته الماكرة تزين محياه الوسيمة..

مسح على ثغرها بأصابعه.. وتحدث ببعض الحدة قائلاً..

” لسه عقابك منتهاش يا بيبي”..

غمز لها وسار من أمامها بخطي واسعة نحو غرفة ملابسه.. اختفي بداخلها وبدأ يرتدي ثيابه على عجل.. مكملاً بتأكيد ونبرة واعدة..

“العقاب مستمر يا إسراء هانم.. يلي مكنتيش عايزة تخلفي مني؟!”..

تسمرت “إسراء” محلها لبرهه.. تحاول لملمة مشاعرها التي بعثرها هو بلمسته وقبلاته التي أصبحت ألذ شيء بالنسبة لها..

أخذت نفس عميق تملئ به رئتيها وزفرته على مهل متمتمه..

“فارس أنا دايماً بحط نفسي مكان اللي قدامي، وتخيلت لو كنت أنت اللي عملت فيا كده.. مش هكدب عليك حسيت بوجع في قلبي وجرح جامد في كرمتي”..

صمتت للحظة حين داهمتها رغبة قوية في البكاء، وتابعت بنبرة راجية..

“وبعترفلك أن اللي عملته غلط في حقك”..

دلف “فارس” خارج غرفة الملابس بعدما ارتدي سروال من الجينز قاتم اللون، وقميص أبيض أزراره جميعها مفتوحة.. يغلق هو أكمامه،وحذاء رياضي من نفس لون القميص.. عينيه مثبته على زوجته يرمقها بنظرات جامدة..

بدلته هي نظراته هذه بنظرة حانية، وابتسامة هادئه، واقتربت منه وقفت أمامه، ومدت يدها تغلق أزرار قميصه واحد تلو الأخر متعمده لمس بشرته الساخنه بأناملها البارده..

“خليك معايا..عايزه أصالح فيك لحد ما ترضي عني، وأبوس قلبك وعيونك زي ما قولت لماما”..

مسدت على موضع قلبه بكفها،ومالت عليه قبلته قبله عميقه، ووقفت على أطراف أصابعها، وجذبت رأسه عليها قليلاً، وغمرت لحيته بقبله رقيقه صعوداً بوجنتيه حتي وصلت لعينيه، وقامت بتقبيلها كل واحدة على حدا..

” لما ارجعلك.. أبقى أشوف بنفسي”..

قالها بصوت أجش، وهو يبتعد عنها ويقف أمام المرآه.. هندم ثيابه.. ومشط شعره الحريري، وسار بخطي مسرعة للخارج..

فهمساتها وقبلتها له كادت أن تفقده صوابه.. يجاهد ليلجم نفسه عنها حتي لا ينقض عليها ويفترسها الآن..

………………………….

كان” هاشم” يقف على مقربة من جناح “فارس” ممسك هاتفه يطلب رقم حفيدته للمره التي لا يعلم عددها بوجهه يظهر عليه القلق..

“هاشم..في حاجة حصلت”..

قالتها “خديجة” بصوتها الرقيق، وهي تسير بتجاهه بخطوات هادئه ممسكة بيد “إسراء” الصغيرة بعدما قامت بتجهيزها كما طلب منها عزيزها.. حتي توقفت بجواره..

التفت لها ببطء، ونظر لها بابتسامة جذابه وهو يتأمل ملامحها البريئة.. ابتسامته ونظرته الجريئه لها خطفت أنفاسها.. توردت وجنتيها بحمرة الخجل وابتعدت بعينيها عنه سريعاً..

“كل سنة وانتي طيبة يا خديجة”..

قالها “هاشم” بصوته ذو البحة المميزة التي تجعل قلبها يرتجف بين ضلوعها..

عضت على شفتيها السفليه، وبهمس بالكاد يسمع من فرط خجلها قالت..

“ميرسيي يا هاشم.. وأنت طيب”..

اقترب منها خطوة، ومال على أذنها جعلها ترفع وجهها وتنظر له بأعين جاحظه حين وصل لسمعها حديثه يتحدث برزانته المثيرة قائلاً..

“خديجة انتي عجباني من أول لحظة وقعت عيني عليكي”..

رمشت بأهدابها أكثر من مرة، وابتلعت لعابها بصعوبة، وبتقطع تحدثت قائله..

” ه هااشم اييه اللي بتقوله دا؟!”..

“بقول اللي جوايا في الوقت المناسب”.. هكذا إجابها بمنتهي البساطة، وتابع بجدية مكملاً..

“أنا راجل مليش في اللف ولا الدوران.. ولا انا مراهق ولا عامل شعري استشوار يا ديجا” ..

تمعن النظر لعينيها الزائغه، وتابع بجملة جعلتها على وشك الإغماء حين قال..

” أنا هتجوزك علشان أعرف أحب فيكي براحتي”..

“جدووووو”.. صرخت بها حفيدة “هاشم” فور فتح باب المصعد.. خرجت منه خلفها” غفران” وصغيره”مالك” صاحب الثمانيه أعوام يمشي بوقار وهيبه مثل والده..

بينما ركضت الصغيرة نحو جدها بكل سرعتها فاتحة زراعيها..

هرول” هاشم” بخطوات مسرعة فاتح زراعيه هو الأخر لها ويضحك بصوته كله مردداً بتفاجئ..

“حبيبة قلب جدو”.. استدار نصف أستداره ونظر ل “خديجة” التي تسمرت مكانها بعد ما ألقاه على سمعها..

لتشهق “خديجة” بصوت خفيض حين نطق أسم حفيدته بابتسامة واسعة.. “ديجااااا”..

نعم أسم حفيدته “خديجة” على أسم المرأه الوحيدة التي جعلت قلبه يميل لها بعد رحيل زوجته.. يا لها من صدفة رائعة ..

كانت “خديجة” في حالة يرثي لها.. تنظر ل “هاشم” وحفيدته بابتسامة بلهاء..

“إزيك يا ديجا”..

قالها “غفران” بنبرة عابثة حين لمح نظرتها ل”هاشم”..

انتبهت “خديجة” لحالتها، ونظرت له بتوتر، وهمست بستحياء قائله..

“الحمد لله يا غفران.. أيه المفاجأه الحلوه دي.. جيتوا أمتي “..

قالتها وهي تميل على “مالك”وتقبله بحب.. بينما الصغير عيناه مثبته على تلك الفاتنة الصغيرة.. يتأملها بنظرات بريئة منذهلة لا تخلو من الإعجاب بجمالها الخلاب..

“لسه واصلين من شوية”.. غمغم بها “غفران” وهو يداعب وجنتي “إسراء” الصغيرة..

“أيه الجمال دا كله”.. أردف بها “مالك” وهو يقترب كالمغيب من “إسراء” التي تبتسم له بطفولة، وبدأ يمسد على خصلات شعرها الحريرية المنسدلة على وجهها وظهرها..

نظرت له “خديجة” بدهشه وتنقلت بنظرها لوالده الذي يبتسم بفخر على أفعال ذلك الشبل النابعة من هذا الأسد..

” أنتي أسمك؟ “.. غمغم بها “مالك” بتساؤل..

لتجيبه الصغيرة بقليل من الغرور..

“أسمى اسلاء”..

جحظت أعين الجميع حين جذبها “مالك” من رسغها عليه دون سابق إنظار وغمر وجنتيها بسيل من القبلات الطفولية مردداً بابتسامة واسعة..

“وأنا أسمى مالك المصري يا إسراء”..

ختم جملته وغمر وجنتيها ثانياً بقبلاته المتتاليه لحظة خروج “فارس” من جناجه..

تسمر بمحلة لبرهه حين وقعت عينيه على هذا النمس الصغير.. فنظر لوالده وتحدث بغضب مصطنع قائلاً..

“جراااا ايييه يا عم غفراااان أنت واقف منشكح على الأخر ليييه كده؟! .. ما تحوش ابنك عن البنت يا جدع”..

قالها وهو يقترب منه واحتضنه بترحاب مكملاً..

” حمدلله على السلامه يا صاحبي”..

سحبه “غفران” معه وسار نحو المصعد على عجل وهو يقول..

“مالك خليك هنا على ما أجيلك”..

” مش اجي معاك يا فالس؟!”.. قالتها الصغيرة بوجهه عابس..

” شوية وهاجي أخدك يا روح فارس”..

قالها أثناء سيره بجوار صديقه..

ليقبلها” مالك” من جديد وهو يقول بنبرة راجية..

” خليكي هنا معايا علشان نلعب سوا”..

ابتسمت له الصغيرة بحماس متمتمه..” أوكي”..

بينما انزل” هاشم”حفيدته وسار خلفهما هو الأخر وهو يقول..

” ديجا حبيبتي خليكي هنا.. شوية وراجعلك”..

نظر ل “خديجة” وتابع باستأذان.. “لو مش هيضيقك طبعاً “..

جثت” خديجة” على قدميها، وضمت الصغيرة لها بحنو متمتمه.. “لا مش هضايق أبداً..اطمن يا هاشم”..

..دلف فارس وغفران وخلفهما هاشم داخل المصعد.. ضغط” فارس ” على زر الصعود للطابق التي تمكث به والدته..

” والدك هو اللي ورا إختفاء ديمة”.. قالها” غفران” جعل

” فارس” ينظر له بصدمة، وانبلجت ابتسامة على ملامحه وتحدث بفرحة ظهرت على نبرة صوته..” وهو اللي بعتلي الرسايل علشان الحق مراتي”..

ربت “غفران” على كتفه، وتحدث بابتسامة حين شعر بفرحة صديقه.. “والدك وصل مصر انهاردة يا فارس”..

ختم جملته وصدع صوت المصعد يعلن عن وصوله للطابق المقصود..

.بخطوات مهرولة دلف “فارس” لخارج المصعد خلفه “غفران وهاشم”..

سار ” فارس” بالممر الطويل حتي وصل لجناح والدته الخاص واندفع نحو الداخل بلهفه..

بينما ظل “غفران” برقفة “هاشم” أمام باب الجناح..

كان هناك صوت شجار قوي،وتحطيم بلورات زجاجية ..

“ماذا أتى بك إلى هنا.. أغرب عن وجهي الآن، و إلا سأزهق روحك بيدي”..

صرخت بها “مارفيل” بصوت متعب محمل بالغضب، والغيظ الشديد..

“أيه اللي بيحصل دا”..

قالها “فارس” أثناء دفعه للعاملات والطبيبات القائمات على رعاية والدته..

تسمر مكانه وحجظت عيناه حين وقعت على والده..

” محمد الدمنهوري”.. يقف بشموخ ووجه محتقن بالدماء من شدة غضبه.. يرمق “مارفيل” بنظرات نارية، ولكنها ممزوجة بعشق دفين..

” بابا.. حضرتك هنا بجد؟!”..

أردف بها “فارس” بذهول، وهو يقترب ببطء حتي وقف أمامه ينظر له بفرحة فشل في اخفاءها..

“أجعله يذهب من هنا حالاً فارس، و إلا نهضت وركلت مؤخرته بقدمي”..

قالتها “مارفيل” بشراسة، وهي تجاهد حتي تغادر الفراش..

“نعم أنا هنا.. ابني”..

قالها “محمد” بابتسامة، واعتلت ملامحه اللامبالاه وتابع بستفزاز مقصود وهو يختلس النظر ل “مارفيل” التي تتحامل علي نفسها لتنهض من مكانها..

” وسأظل هنا برفقتك أنت و زوجتي مارفيل”..

لم يتمالك “فارس” نفسه وغلبته عطفته وحنينه له.. ففاجئه بعناق قوي مغمغماً.. “حمد على السلامه.. نورت بلدك يا أبو فارس”..

“دايماً تكون منورة بيك يا ابني”..

قالها “محمد” وهو يربت على ظهره، ويبادله عناقه بحب أبوي يظهره له لأول مرة..

ابتعدوا عن بعضهما سريعاً حين استمعا لصوت صرخة مكتومة بعدما افلتت يد” مارفيل” وكادت أن تسقط من فوق الفراش .. ليسرع “فارس” و “محمد” بنفس اللحظه نحوها..

لكنها أستندت على وحيدها، وهي ترمق” محمد” بنظرة حارقة متمتمه..

“إياك أن تفكر تلمسني”..

“اهدئي أمي..رجاءاً”..قالها “فارس” وهو يعدل وضعها، ويضع الوسائد خلف ظهرها..

“اجعله يذهب الآن فارس.. لم أعد اتحمل رؤيته، اختنق من عبقه، و أنفاسه.. لا أريد تنفس نفس الهواء الذي يتنفسه هو”..

“لن أذهب إلى أي مكان..سأظل هنا وأنتهى الأمر تقبليه وتعايشي معه”..

قالها “محمد” بهدوء خطر، وابتسامة مصطنعه تزين محياه..

“مارفيل”.. بإزدراء.. “لن يحدث محمد.. أنت ستغادر فوراً وتعود من حيث أتيت.. لم يعد لك أملاك هنا.. جميعها بأسم إبني وأنا أمه وأطردك منها.. هيا أرحل حالاً قبل أن اجعل العاملين هنا يلقون بك بالخارج”..

ضرب” محمد” الأرض بقدميه، وسار نحو إحدي المقاعد وجلس عليها بهنجعيه وتحدث بعناد قائلاً..

” لن أرحل مارفيل.. لن أرحل.. أنا أيضاً هنا بأملاك ابني..ثم أخبريني منذ متي تعترفي انكِ أمه.. منذ متي مارفيل؟! “..

” مارفيل”.. ببرود مريب.. ” أنا أمه رغماً عن أنفك، وسأظل انا الوحيدة التي منحته الحياة”..

نظرت ل “فارس” الذي يتنقل بعينيه بينهما بنظرات منذهله وتابعت ببكاء مصطنع..

” أخبره أنني أمك التي حملتك داخل أحشائها وتغذيت من دمائها يا فارس”..

تنهد “فارس” بحزن وبعد فهم تحدث قائلاً.. “ماذا حدث لكل هذا أمي؟ .. أنتم للمرة الأولى تتجمعان برفقتي”..

صمت لبرهه، وتابع بسعادة اعتلت ملامحه..

” لن أنكر ولكن اليوم أنا بغاية السعادة بوجودكما”..

.. بعد جملته هذه التي لمست قلوبهما.. بل ألمت روحهما ساد الصمت للحظات، وخفض “محمد” رأسه بخزي من أفعاله المشينه بحق وحيده الذي نجحت “خديجة” بجدارة في تربيته..

بينما “مارفيل” زمت شفتيها، وعبست بملامحها، وانفجرت بالحديث فجأة جعلتهما ينتفضا بفزع حين قالت..

“أنا اكرهك محمد،واكرهك فارس.. أنا إمرأه لا تحب الرجال نهائياً.. تلك المخلوقات الشمطاء الشنعاء كم أتمنى أن أخترع مبيدات رجاليه مثل المبيدات الحشريه وأقوم بتوزعها على الإناث.. بحيث إذا قام رجلها بأي فعل سيء لا يروقها تقوم بأبدته من الحياة بأكملها”..

صرخت بغيظ شديد، وصكت على أسنانها، وتابعت ببكاء طفولي موجهه حديثها ل” محمد” الذي ينظر لها بحاجبين مرفوعين..

” أريد أن ابيدك الآن أيها الرجل”..

نظرت ل” فارس” الذي يدلك جبهته بكف يده، ويرمقهما بابتسامة مصطنعه وتابعت بتحذير..

” إذا تركتني برفقته ستعود تجده جثة هامدة او العكس”..

تكملة الرواية من هناااااااا 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *