رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الحادي عشر
تسمرت عيناي على الطريق وقد بقيت أغوص في المقعد دون حركة راجية أنني بالغت في قلقي وأفكاري وما قاله ريتشارد للتو كان من وحي خيالي وحسب.!
القيت عليه نظرة مضطربة مشتتة وتفاجأت به قد أوقف سيارته في الإشارة الحمراء وتقطيبة صغيرة برزت بين حاجبيه وهو ينظر إلى الأمام بجدية: إلى متى كنتِ تنوين الإحتفاظ بالأمر سراً لنفسك؟
يعلم بأمر باتريك!
عضضت على شفتي وأحكمت امساك الأكياس بين يداي بقوة.
لا أريد توريطه! ليس مجدداً.
لا أريد.
عاهدت نفسي أن أتوقف عن جلب المصائب والكوارث إلى أفراد عائلتي وكل من حولي!
فتحت فمي لأنفي قوله بسرعة ولكنني توقفت ما ان نظر إلى بهدوء وعيناه البنية تلمع بحدة مترعة بالعتاب: خرج منذ الشهر الماضي، وما حدث في الحقيقة للعارض الأساسي كان التعرض للضرب على يده، خرج من السجن ويلاحقك بينما تلتزمين الصمت؟ هل فقدتِ عقلك!
جزيت على أسناني أحدق إليه بتشتت قبل ان أهمس متلعثمة: ر. رأيته مؤخراً فقط! لا شأن له بما حدث للعارض! أنت محق التزمت الصمت بشأن خروجه من السجن ولكن صدقني لقد.
كفاكِ كات، لم تتوقفي يوماً عن تعريض نفسك للمشاكل أو الخطر!
أعقب بلوم وقد احتد صوته يعذلني: هل فقدتِ ثقتكِ بنا؟ لم تقرري الخروج من منزل العائلة فقط ولكنكِ اعتقدتِ أنك سلكت طريقك الخاص ولا معنى لوجودنا في حياتك!
ريتشارد. لا تهول المسألة أنا قادرة على تحمل مسؤولية نفسي وقراراتي!
ضرب مقود السيارة بيده معصبية: لن يتركك وشأنك!
علا صوتي راجية: أستطيع تخطي الأمر وحدي! ابقى خارج الموضوع وحسب! أرجوك ريتشارد لا تتصرف كما يحلو لك واترك الأمور كما هي! أحتاج إلى حل مشاكلي بنفسي لا يجب أن اقحم أحدكم في شؤوني مهما حدث أو.
اتصل أبي بك ولكنكِ لم تجيبي على اتصاله! هل ستتفوهين بهذا الهراء متعذرة به أيضاً؟
اتسعت عيناي بإدراك: هل. يدرك أنني أجيب على اتصالاتك؟
ضاقت عينيه بغيظ وما ان فتحت الإشارة حتى حرك السيارة بإنزعاج شديد بوجه متجهم: سألني ما ان كنت أتواصل معكِ، أخبرته أنكِ بخير ولكن ربما انشغلتِ ولم تحظي بفرصة الرد على اتصاله. تعذرت لكِ بينما لدي يقين بشأن اصرارك على الترهات التي تستحوذ على عقلك.!
أغمضت عيناي بإنهاك قبل ان أعيد رأسي للوراء على المقعد هامسة: أرجوك. دعني أتخطى كل شيء بنفسي، أنا أرجوك.
فتحت عيناي ونظرت إلى الطريق بإستياء قد عبث بخوالجي وارغمني على السماح لرجفة طفيفة بالسيطرة على كتفاي.
ليس مجدداً. لا يجب أن أؤذي أحدهم مرة أخرة لنفس السبب وكأن شيئاً لم يكن.
عقدت حاجباي بإستنكار انظر من حولي، هذا الطريق لا يؤدي إلى أي مطاعم قريبة.
رددت بإرتياب واستيعاب: هل. تسلك طريق المنزل!؟
عندما لم يجب أسرعت اربت على ذراعه راجية بإصرار: توقف ريتشارد! لا أريد العودة إلى المنزل أرجوك، لست مستعدة للعودة بعد! ريتشارد أنصت إلي!
لم يستجب لمحاولاتي لذا خرج صوتي عالياً متهدجاً: تفاهمتُ مع باتريك.
صرخت بأكاذيبي راجية لأرغمه على محاولة منحي فرصة الحديث، القى على نظرة استنكار وعدم اقتناع حتى أوقف السيارة جانباً ونفي برأسه: ما الذي تقولينه! تحدثت إليه؟
أومأت بسرعة: كان غاضباً بالفعل. لم يتوقف عن لومي والتوعد لي ولكن. تمكنت من انهاء الموضوع معه! هددته بأبي مراراً وتكراراً وتوقف عن اظهار نفسه. ثق بي!
جادلني بغضب: أي هراء هذا؟ شخص مثل باتريك سيتوقف لمجرد أن يتم تهديده؟
باتريك ليس مستعداً للعودة إلى السجن مجدداً! يعلم أن أبي لن يسمح له بتخطي حدوده مجدداً!
نسيتِ كل ما فعله بهذه السرعة!
لم أنسى يوماً ما مررت به! توقف عن منحي شعور الذنب لم أعد أحتمل العيش في هذا الظلام أكثر، أريد تخطي الأمر هذا كل ما أرغب فيه، عاهدت نفسي أن أمحيه من حياتي لذا توقف!
صرخت بإنفعال وكلتا شفتاي ترتجفان بشدة لأردف بأعصاب تالفة وأنا أغمض عيناي بقوة وخفقات قلبي تصبح أكثر عنفاً نتيجة حنقي: لا يمكنني رؤية هانا الآن، لست مستعدة لمواجهتها هي أو باقي أفراد العائلة! لم اتأهب بعد لرؤية أبي. أستطيع مواجهة مشاكلي ومخاوفي بنفسي احتاج إلى هذه الفرصة بشدة أرجوك لا تفسد ما أحاول تخطيه جاهدة!
صدى صرخاتي تردد في عقلي.
ولكن تلاه هدوء وصمت مطبق في السيارة. على عكس الفوضى والزوبعة التي خلفتها صرخاتي في داخلي!
أنفاسي متلاحقة. تكاد الدموع تتجمع في كلتا عيناي. وجسدي لم يتوقف عن التهوين عن انفعالي برجفته الطفيفة.
انحنيت للأمام أخفي وجهي احتضن نفسي هامسة بضعف: دللني أبي كثيراً منذ صغري. لم يمنعني يوماً من أمر أشير إليه! كان يوليني كل اهتمامه ولم يخذلني يوماً. في حين خذلته وجلبت له مختلف أنواع المصائب التي انهكته الواحدة تلو الأخرى، لم تقم هانا يوماً بإيذائي ولكنني فعلت. كما لم تتفانى عن اهتمامك بي ريتشارد ولكنني في النهاية خذلتك كما خذلت الجميع لذا لا تصعب الأمر على ودعني أواجه ضعفي أنا أحاول بكل جهدي وأحتاج إلى الوقت حتى أظهر نفسي للجميع! وضعت هدف التغير للأفضل والعودة إلى المنزل لأقدم اعتذارا لائقاً ولكن. لازلت بعيدة عن غايتي! ستبعدني أكثر إن ارغمتني على المواجهة في حين لازلت أهرب من نفسي. أرجوك!
احتضنت نفسي بقوة أكبر ورجوته بصوت أعلى ومخنوق مترع بالخجل من نفسي: ساعدني. لا أريد العودة إلى الوراء مجدداً، باتريك ليس مجرد ماضي أحاول الهرب منه، لا يزال الحاضر يعتمد على قدرتي في تخطي وتصحيح أخطائي. واعتمادي على أبي لن يصحح مسار طريقي لذا ثق بي. إن كنت قلقاً بشأني فأعدك أن أطمئنك على كل يوم، أعدك أن أعتني بنفسي جيداً!
ساد السكون والصمت مجدداً، كان ثقيلاً جداً مليئاً بالتوتر والتضارب حتى كسره بصوته الهادئ ويده تربت على ظهري: أي طريق ستشقينه للأمام بينما يحوم باتريك حولك؟
طرفت ببطء وأنا أرفع رأسي قبل أن أجيبه بسؤالي: هل حقاً. لم تقم بلومي يوماً على ما حل بك أو بأعمالك بسبب علاقتي به؟
نظرت إليه بتمعن وإستياء، فأشاح بناظره للحظة قبل ان يقول بهدوء: مضى وقت طويل كات، انسي ما حدث إلى متى ستبقين عالقة هناك!
ابتسمت بضمور: أرأيت؟ جزء منك يرفض تخطي الأمر! لا زلت تلومني أنت أيضاً، بسبببي تم سرقة أعمالك التي اجتهدت لأجلها منذ وقت طويل، بسببي توترت علاقتك بأبي عندما أخبرك أنك أمضيت جُلّ وقتك وبذلت جهدك في التركيز على الكتابة أكثر من التركيز على عملك في المدينة الإعلامية.
أخفض ناظره قليلاً قبل أن يحدق إلى الشارع أمامه.
لحظات حتى تنهد بعمق ومرر يده في شعره المماثل للون عينيه وهمس: أنتِ صعبة. عنيدة ومن المستحيل اقناعك!
اعتدلت في مقعدي وزميت شفتي قبل ان أقول بجدية اعيد خصلات شعري خلف أذني: هل. يعلم أبي بشأن باتريك؟
بقي يحدق إلى الشارع وهو يتمتم: لن يخفى عنه أمراً مماثل.
أضاف بهدوء: وما سيّره لتركك وشأنك رغم اخفاؤك للأمر عنه. قد يكون السبب نفسه الذي سيرغمه على اتخاذ خطوة في الأيام القادمة.
عقدت حاجباي بحيرة ولكنني سرعان ما سألته: هل. سترغمني على العودة إلى المنزل؟
نظر إلى بتركيز قبل ان يرفع يده أمام وجهي فطرفت بإستنكار حتى تأوهت ما ان دفع جبيني يضربني بسبابته. أخذ نفساً عميقاً ثم زفره وقال: طفلة مغفلة.
حدقت إليه أرسم ابتسامة مضمرة وربت على كتفه بخفة قبل ان أضربه: عدتَ إلى دور الرجل الحكيم مجدداً، تكبرني بستة أعوام وحسب لا تنجرف كثيراً خلف الخصلات البيضاء التي تمنحك مظهراً وقوراً.
رطب شفتيه بلسانه ونظر من خلال النافذة قبل ان يحرك السيارة متسائلاً بجدية: كم مرة التقيتِ به؟
فكرت في جوابي وتأنيت قبل أن أقول: مرة في المجلة، ومرة أخرى لأتفاهم معه بشأن ما حدث.
ضاقت عينيه وهو يركز على الطريق: مرتين؟ وما الذي آل إليه الأمر في المرة الثانية؟
لم يكن من السهل التحاور معه، أخبرته أن أبي سيعيده إلى السجن ولن يكون هذا صعباً عليه. كما أنني تقدمت ببلاغ للشرطة بشأنه لذا لم يظهر نفسه مجدداً منذ ذلك الحين.
لم يتوقف لساني عن حياكة الأكاذيب. ولم يتوقف عقلي عن نسج الاحتمالات الواردة إن علم ريتشارد بالحقيقة.
علي فعل هذا.
سأتصرف وحدي، يمكنني تخطي الأمر ومعالجة مشاكلي. يمكنني هذا ولو لمرة واحدة!
ينتابني الخجل من نفسي. ومن عائلتي بقدر اشتياقي ورغبتي فعلياً في العودة إلى المنزل ولكنني لن أجرؤ. أشعر بالأسف. ولكنني مرغمة! هذه المرة. على حمايتهم!
ما الذي سيضمن لي بقائك أمنة في ظل وجوده؟
أجبته بجدية: سأخبرك فور حاجتي إلى وجودك أو تدخل أبي. سأفعل!
تصلب فكه: ولكنك لم تفعلي عندما أظهر نفسه في المجلة.
لن يكون هناك مرة قادمة. وإن حدث فلن أتردد في اعلامكما!
ماذا عن خيار العودة إلى المنزل؟ هل لازلت سأجد الجواب والرفض نفسه؟
فقط إلى حين معالجة بعض الأمور. سأعود. أعدك!
لانت ملامحه ولكنه أبدى عدم رضاه ما ان التزم الصمت ولم يعلق.
سلك ريتشارد طريق العودة إلى شقتي وأثناء ذلك كنا نتحدث بشأن أمور مختلفة نبتعد تماماً عن ذكر أمر باتريك قدر الإمكان.
أوقف السيارة أمام العمارة فابتسمت بينما أخذ الأكياس واتأهب للنزول.
كتاليا.
نادى بإسمي بهدوء فنظرت إليه بترقب، حدق إلى بتمعن وقد رفع يده نحوي لتتعلق في الهواء قليلاً يستمر في النظر إلى قبل أن يربت على رأسي ببطء.
هل من الممكن أن يتحول الحب إلى كراهية بالفعل؟
ارتخت ملامحي بشدة أبادله النظرات بصمت.
هو. لا يشك في أنني أكره باتريك الآن صحيح؟ لماذا قد يسألني هذا السؤال؟
طرفت بعدم فهم متمتمة: أنت تعلم جيداً أنني. أكرهه!
أومأ متمتماً: هل يشترط بالحب أن يتحول إلى كراهية فقط في حال تعرض أحد الطرفين إلى الكسر؟
نظر إلى كلتا عيناي بهدوء مردفاً وهو ينزل يده ببطء: ليس شرطاً كافياً. هناك أشخاص لم يتعلموا بعد آلية ان يكنوا الحب ويحتفظوا به جيداً. يبحثون عن سبب او زلة ليحولوه إلى كراهية. وربما ليست مجرد كراهية! فقد تكون الكراهية شعور يحركهم منذ البداية. ليس الجميع يتحول إلى الأسوأ كات. هناك من هو سيء منذ البداية بلا مبرر! تذكري هذا جيداً.
تاهت عيناي في ملامحه الهادئة وهو يعقب مبتسماً بهدوء: أحياناً عدم وجود مبرر. هو سبب بحد ذاته.
همست بإسمه بتشتت فغمز لي وأشار بذقنه نحو المبنى: أبلغيني فور وصولك إلى شقتك. ستكون عادتك منذ الآن فصاعداً. اتفقنا؟
تأملته لثواني قبل ان أبتسم براحة.
أومأت وفتحت الباب لأخرج: سأفعل.
خطواتي في العودة إلى منزل السيد هاريسون كانت بطيئة.
فمنذ ان تأكدت من مغادرة ريتشارد نزلت مجدداً وخرجت من المبنى لأبتعد عن المكان ولم أتوقف عن التلفت من حولي.
لا أنكر أن ريتشارد كان محقاً في كلماته أو في قلقه ولكن كان على الكذب واللجوء إلى هذه المراوغات! سمحت لباتريك بأن يدخل حياتي وسأكون وحدي من تخرجه. سأتحمل هذه المسؤولية مهما كلفني الثمن.
وصلت حيث وجهتي ودخلت إلى المحل، وما ان اغلقت الباب خلفي حتى وقفت في مكاني بحيرة وارتياب.
ما هذه الضجة؟
وقفت أركز في مصدر الأصوات ولم أستغرق بضع ثواني حتى زفرت بملل.
هناك من يتشاجر في الأعلى!
تحركت بلا اكتراث لأصعد ولكن سرعان ما تحول خطواتي الغير مكترثة إلى سرعة أجاري فيها الريح وقد استوعبت أنني أسمع صوت دانيال الغاضب! هذا المتهور لا يجب ان يخوض أي شجار ويلوث سجله أكثر أو حتى يعرض وجهه لأي سوء ولو خدش صغير!
وقفت في مكاني بعدم استيعاب أحدق إلى ما يحدث أمامي.
الجميع هنا؟
كارل ودانيال يحيلان بين. السيد هاريسون وكيفين؟
لاري يقف أمامهم عابساً بقلق وضيق.
ما خطبهم!
بقيت في مكاني بعدم فهم وقد أجفلت لصراخ السيد هاريسون على كيفين محاولاً ابعاد دانيال الذي يمسكه: بدلاً من الاعتذار عن سلوكك لم تتوقف عن الإتيان بالمبررات والأعذار! هل كنت ستستكمل فعلتك لو لم أذهب بنفسي إلى مدرستك؟
احتد صوت كيفين الذي اعتدت تحدثه بنبرة باردة هادئة: لازلت لا أفهم أين يكمن الخطأ الذي ارتكبته! من حقي تسخير قدراتي فأين تكمن المشكلة في مساعدة الآخرين بمقابل!
اشتعل والده غضباً محاولاً ابعاد دانيال مجدداً: ستفقدني عقلي! تكذب بشأن ذهابك إلى المكتبة العامة للدراسة بينما تقوم بتدريس زملائك مقابل المال؟ ولازلت لا تفهم أين تكمن المشكلة؟ تأخذ النقود من الطلاب مستغلاً رغبتهم في تخطي الاختبارات؟ تجمع المال بحق الإله لأجل جامعة أخبرتك مسبقاً أنك لن تلتحق بها؟
طرفت بإرتياب ما ان أعقب بسخط أخافني: اغرب عن وجهي دانيال وإلا! دعني ألقنه درساً لا تقف أمام وجهي!
تدخل كارل محاولا تهدأة الوضع: أبي على رسلك! كيفين اعتذر واللعنة واخبره انك لن تكرر هذا السخف مجدداً!
تفاجأت بكفين قد اشتعل غضباً: اعتذر؟ لقد طلبوا مني مساعدتهم ولكنني رفضت! اقترحوا ان يقدموا المال مقابل ان امنحهم ولو القليل من وقتي فلماذا كل هذا التهويل للموضوع؟ لماذا لا يحق لي الدراسة في الجامعة التي أرغب في الإلتحاق بها؟
أردف بإنفعال أرغمني على احكام قبضتي على الأكياس بين يداي: لمن أبذل جهدي في الدراسة؟ لماذا أهدر وقتي وبالكاد أحظى بوقت للإسترخاء! لماذا اتكفل بمهام المنزل بينما يتسكع من هم في مثل عمري في الأرجاء! هل أمضي وقتي في الدراسة طوال الوقت لينتهي بي الأمر في مهنة لن تقدم لي ولو القليل مقابل الجهد الذي بذلته؟
احتدت عينا دانيال وصاح به بحزم دون ان يترك السيد هاريسون: كفاك تطاولاً! هل تشير إلى عملي أنا وكارل في مهن بعيدة عن دراستنا؟ لست وحدك من يبذل جهده! ولست وحدك من أمضى وقته في تقديم كل ما يمكنه فعله! فكر ملياً بقولك قبل ان يتحرك فمك المهذار!
جادله كيفين بجفاء: لا تتحدث وكأن تفهم ما يعنيه أن يمضي المرء كل ثانية من وقته يفكر في كيفية تحقيق طموحه!
أطبق فمك كيفين وإلا هشمت فكك! فلتنهي الأمر وتعتذر عن بذاءتك مع أبي وحسب!
لم أرتكب خطأً!
رد عليه بعناد بينما همس لاري بحزن وتوتر: كيفين. أبي غاضب! توقف.
تجاهله كيفين وأعقب يحدق إلى كارل بحزم: وأنت؟ تخرجت بمعدل عالي لتعمل كموظف استقبال في فندق لعين يرتاده كبار الشخصيات بينما ستبقى أنت في موقعك هذا؟
جمدت ملامح كارل ونهره بهدوء: تعقّل، لا تبدء بالثرثرة لمجرد انزعاجك، لنتوقف عند هذا الحد لقد تماديت، لنخرج قليلاً ونتحدث في الخارج.
ولكن السيد هاريسون زمجر بوعيد: ستعيد الأموال الى كافة زملاءك، لن تأخذ فلساً واحداً من طلاب في مثل عمرك أو تستغل حاجتهم.
لوى كيفين شفته بقهر واضح وهو يجادله بحدة: وبسبب من برأيك كانوا يتخطون الاختبارات؟ بسبب من كانوا يفلحون في تجاوز البرامج التدريبية الصعبة! منعتني من توقيع طلب المنحة الدراسية إلى الولايات المتحدة ولكنك لن تمنعني من الذهاب إلى هناك بمجهودي ومالي!
أعتقد أن الأمر. يسوء أكثر فأكثر!
ربما على ان اعود ادراجي ريثما يهدأ الوضع.
لن أتدخل.
لن أفعل، لا أهتم بأمرهم الخاص.
ثم ليس وكأنني سأستطيع تجاوزهم لأصعد إلى الأعلى فماذا لو فرغ أحدهم غضبهم بي فجأة لمجرد مروري بجانبه؟
جمدت في مكاني بذهول لصوت دانيال المترع بالوعيد: كلمة أخرى وأقسم بأنني سألكمك! أكره النظرة الدونية التي تلقيها على من حولك معتقداً دائماً أنك الأفضل والأجدر بالثناء!
رمقه كيفين ببرود وبدى وكأنه يتعمد استفزازه: هذا ما تجيد فعله دانيال، تفريغ طاقتك بمن حولك. بينما كنت عاجزاً عن ايقاف مختلف الكوارث التي حلت على القرية بسبب من ترك العائلة، وما النتيجة الآن؟
أعقب ينظر إلى السيد هاريسون موجهاً كلماته البطيئة إليه: النتيجة كما هو واضح الآن! أنت تكره فكرة أن يترك أحدنا المنزل خشية أننا سنختفي الواحد تلو الآخر، الستُ محقاً؟
نهره كارل بغضب يمسك بياقته: توقف!
ارتخت ملامح السيد هاريسون وهو يحدق إلى كيفين بجمود شديد حتى همس بصوت خشن محذر: تجرأ وتحدث في هذا الموضوع مجدداً.
ضاقت عينا كيفين وبدى لي وكأنه قد توتر للحظة ليطبق فمه!
عقدت حاجباي بإستنكار ولكنني سرعان ما رفعت يدي بتلقائية نحو ثغري بدهشة ما ان ترك دانيال السيد هاريسون واستدار نحو كيفين، أبعد كارل عنه بعنف وأمسك بياقته بقوة يسحبه إليه!
طرف كارل بدهشة قبل ان يحاول ابعاد دانيال عن كيفين ولكن الأخير ابتسم بإستفزاز: ماذا؟ هل لمست وتراً حساساً بذكر أمره؟
تحرك السيد هاريسون يرغب في الاقتراب منهما ولكن كارل أحال بينهم وأمسك بوالده يبعده بقوة! أشعر. بالإضطراب الشديد!
علي المغادرة فوراً. ولكنني لازلت أقف حائرة!
ما خطب دانيال بحق الإله.! هل هو. على ما يرام؟ شفتيه ترتجفان بشدة. وقبضته التي تمسك بياقة كيفين. غير ثابته على الإطلاق!
ثواني فقط وقال وقد وصلت الرجفة إلى صوته: كُنتَ أحد أكثر مَن طالبوا برحيله فلا تذكر أمره وكأن شيئاً لم يكن. توقف كيفين لا يمكنني كبح نفسي. سأمزق وجهك!
تحدث كيفين بنبرة جافة: لا زلت تدافع عن مجرم. أمر متوقع منك.
بل وابتسم معقباً قوله بابتسامة متهكمة: مجرد مشتت، لا تعلم ما الذي تريده، تدافع عن مجرم دون اكتراث بما اقترفته يداه، تكره النظرة الطموحة للأمور وتقف ضد رغبتي في أن أسلك طريقي الخاص وقد اجتهدت بكل ما أملك، والأدهى أنكَ.
شعرت بالتوجس ما ان اظلمت عينا دانيال الزمردية واختفى بريقها كما لو كان لا يبصر وجه كيفين! والأخير أكمل كلماته المستفزة عمداً: تأثرت علاقتك بكيدمان بسببه. وخسرت الكثير من الفرص، نُبذتَ من القرية وفي النهاية. لا تمانع الدفاع عنه. أنتَ لا تختلف عنه دان. ستحاول حمايته مهما كانت الأخطاء التي يقترفها! لا أفهمك. ولن أفهمك مهما حاولت. ولكنك تثير أعصابي وحنقي.
أكمل كلماته المستفزة وقد أتلف اعصاب السيد هاريسون الذي دفع كارل عنه ولكن الأخير تدارك الأمر بسرعة وعاود يمسك به محاولا ابعاده، انتابتني هاجس حذر أرغمني على ترك الاكياس وقد كنت محقة!
اقتربت منهما فوراً ودون تردد.
ما ان شعرت بأن هذا المتهور سيرتكب حماقة!
وما أن دفع كيفين بقوة ليرتطم ظهره بالحائط خلفه حتى تدخلت بينهما وانا أدرك جيداً ان كلاهما ينوينا بلا شك. لكم بعضهما البعض!
لن أسمح بأن يمس وجههُ أي سوء! لن يحدث هذا ولو على جثتي. حتى لو عنى ذلك اللجوء إلى أسوأ الطرق المتاحة! أو تلقي تلك اللكمة بالنيابة عنه حتى!
قامتي واللعنة لن تسعفني! كلاهما يفوقانني قامة وكان هذا سببي في القفز بينهما بينما أصرخ: توقفا!
وكما توقعت.
قبضة كيفين هوت على جبيني وقد كنت أحاول منعه من ضرب دانيال، بينما الآخر هوت قبضته على رأسي من الخلف وكان هذا آخر ما أتذكر حدوثه! ألم فظيع في جمجمتي كما لو قد شُجت رأسي وانفلقت إلى أجزاء صغيرة. ودوار شديد جعل الرؤية تغيب عن كلتا عيناي وتهاوى جسدي بعدم اتزان وقد أخفقت كل الأصوات في اختراق مسامعي!
كارل:.
انتابني الذهول أحدق إلى الآنسة كتاليا التي لا أدري من أين ظهرت وقد تدخلت بينهما في الوقت الذي كانا ينويان فيه استخدام قبضتهما!
كدت أنهرها لتتوقف لولا ان حدث كل شيء بسرعة وهي تقفز بينهما! هل.
تحاول حماية دانيال تحديداً؟ لقد هوت قبضة كيفين على جبينها بينما الآخر قبضته قد استقرت خلف رأسها مباشرة! اللعنة هذا غير متوقع.!
تركتُ أبي فوراً وقد انتابه القلق كذلك يحدق إليها بعدم تصديق، بدت بالكاد تتوازن وهي تغمض عينيها لتترنح، اقتربت منهما محاولاً التصرف وما أن كاد جسدها يلامس الأرض مرتطماً بها حتى تحركت يدي دانيال تلتقطها فوراً.
تنفست الصعداء قبل ان أقول بتوتر وغضب: سحقاً لتهوركما أنتما الإثنان ما الذي حدث لكما!
طرف كيفين بإرتياب ينظر إلى قبضته بدهشة ثم قال يعقد حاجبيه بإضطراب: ل. لقد. لكمتها بقوة، هل ستكون بخير؟
نظرت إلى دانيال الذي منعها من السقوط ولكنني لاحظت ارتجاف أنامله بشدة وقد وضعها أرضاً برفق ثم أبعد يديه فوراً ونظر إلينا بعصبية: فقدت وعيها!
جثى أبي بجانبها وزمجر بغضب: ابتعدوا أيها الحمقى!
رفعها على حجره محاولاً إيقاظها يبعد شعرها المتناثر عن وجهها، عض دانيال على طرف شفته بقوة ونظر من حوله بإضطراب واضح قبل ان يتساءل: هل هي بخير؟ لنأخذها إلى المشفى! لنسرع!
تمتم لاري بدهشة يقترب من أبي محدقاً إليها: هل. قُضي عليها؟
ابتعد كيفين عن مكانه ونظر إلى دانيال الذي بدى غريباً وهو يطرف بعينه بسرعة وعاود يقول لأبي بإنزعاج: أبي! ما الذي تنتظره؟ ماذا لو أصابها مكروه!
رمقه أبي بحدة: إن كنت قلقاً بسبب حماقتك فاحملها إلى المشفى إذاً!
جادله دانيال بنفاذ صبر: سأرافقك إلى المشفى لنتحرك لا وقت نهدره!
لا تحور كلماتي! اطبق فمك ان كنت لن تتصرف!
عاود أبي ينظر إليها يربت على وجنتها بخفة حتى سمعناها تتأوه بخفة وقد بدأت تعقد حاجبيها دون أن تفتح عينيها.
هذه الفتاة مجنونة متهورة! هل كان عليها القفز بينهما؟ ما كان هدفها؟ حماية دانيال فقط! لأجل هذا تهورت دون تفكير بالعواقب؟
حملها أبي بين يديه وقال بجمود: سأضعها على الأريكة، ليحضر أحدكم مكعبات ثلج بسرعة ومرهم مسكن للألم. تحركوا!
كان دانيال أول من تحرك فوراً إلى المطبخ، لا بد وأنه سيحضر مكعبات الثلج، على احضار مسكن الألم بسرعة لأتصرف أيضاً، وهذا ما حدث فقد أسرعنا ووجدنا أبي قد وضعها على الأريكة مستمراً في التربيت على وجنتها بخفة.
وقف دانيال بجانب الأريكة ودفع الطاولة بجانبها ليضع عليها وعاء وضع فيه مكعبات الثلج، نظر من حوله بإضطراب حتى اتجه نحو المطبخ مجدداً وعاد ممسكاً بمناشف صغيرة جديدة غمسها في الوعاء بسرعة وقال لأبي بأنفاس متقطعة: استفاقت؟ لا زال علينا اخذها للمشفى اليس كذلك؟
وضعت على الطاولة مسكن الألم وبقيت واقفاً بلا حيلة لأرمق كيفين الواقف خلفي بعتاب ولوم.
أشاح بوجهه ببطء وأسرع يخرج من غرفة المعيشة بصمت.
لقد تمادى كثيراً بكلماته الجارحة وهو يدرك أن أبي يرفض رفضاً قاطعاً الخوض في هذا الموضوع. كما لم يلتمس أهمية ان يراعي شعوره! كم أود عتابه ونهره ولكنه ليس الوقت المناسب.
لفت انتباهي صوت الآنسة كتاليا التي تأوهت مجدداً وبدأت تتحرك قليلاً، أجفلت لاندفاع دانيال الذي جلس فوق الطاولة ونادى بعصبية: أنتِ! يمكنكِ سماعي؟ افيقي حالاً!
ربت على كتفه مهدئاً: لكمتما رأسها لذا أخفض صوتك، ستسمع الأصوات أضعاف درجتها وسيكون هذا مزعجاً.
وضع أبي على جبينها المنشفة المغموسة بمكعبات الثلج ثم أخذ المسكن من على الطاولة مجففاً جبينها من الماء البارد قبل ان يضع المسكن يرفع شعرها عن جبينها.
لمحت قدم دانيال التي لا يتوقف عن دكها بالأرض بحركة سريعة بخفة، حدقت إليه لأجد كلتا عيناه تتفقدها بترقب ونفاذ صبر.
كانت لحظات حتى بدأت تفتح كلتا عينيها بتثاقل و ببطء أخيراً. تنهد أبي براحة وكذلك تنفست الصعداء. في حين أغمض دانيال عينيه يعقد حاجبيه قبل ان أتفاجئ به يقف متوعداً: كيفين الوغد. سأبرحه ضرباً دون توقف!
تداركت الأمر أسحب ذراعه بقوة ارغمه على الجلوس مجدداً على الطاولة وقلت بجمود: ومن برأيك ضرب رأسها من الخلف؟ انت أيضاً تتحمل مسؤولية ما حدث! اهدئ. سأذهب للتحدث معه، حافظ على هدوءك لا نريد شجار آخر توقفا عن التصرف بصبيانية.
رمقني بحدة فتركت يده وخرجت من غرفة المعيشة لأقصد غرفة كيفين ولاري، وهناك وجدتهما حيث كان لاري يجلس على السرير عابساً بينما كيفين يحدق إلى هاتفه بشرود وما ان لمحني حتى قلّب عينيه وتمتم: لست في مزاج يسمح لي بسماع محاضرتك الآن. اغرب عن وجهي كارل!
عبس لاري ليعلق: كارل هل يعتني أبي وداني بتلك المشعوذة! لقد سحرت الجميع وترغمكم على العناية بها! متى ستخرج من منزلنا؟ مضى وقت طويل على رؤية دانيال يتصرف بتوتر وخوف. أنا. أكرهها!
ابتسمت له بلا حيلة واقتربت منه لأجلس على السرير بجانبه، انحنيت للأمام قليلاً أستند على مرفقاي: لا تقلق لا أحد سيسرق مكان لاري الصغير مثير المتاعب، هي فقط بحاجة إلى ان يتم العناية بها الآن كما انها أفاقت تقريباً ولا دعي لهذا العبوس، ان أردت ان يوليك داني أو أبي اهتمامهما فكن مطيعاً دائماً.
أعقبت أنظر إلى كيفين بهدوء: رافقني لنتحدث في الخارج.
رمقني بطرف عينه: لا أريد.
أخفضت ناظري ووقفتُ مبتعداً عن سرير لاري لأردد كلماتي مجدداً فعقد حاجبيه بإنزعاج: دعوني وشأني لا أريد التحدث! لقد قلت كل ما لدي ولكن من منكم سينصت إلي!
أجبته فوراً: هناك ما أفسدته للتو. وسترممه اليوم، تحرك.
شددت على كلماتي الأخيرة بجمود فجز على أسنانه بقهر وتحرك بعصبية وهو يخرج من الغرفة فتبعته.
دانيال:.
وكأن الهواء بات يدخل إلى صدري بوفرة وسهولة بعد ان شعرت بانقطاعه! وأخيراً تطرف بعينيها ببطء تحدق إلى السقف، بقيت واقفاً أمام الأريكة أنظر إليها بترقب، وما ان حركت مقلتيها ووقعت على حتى أجفلت في مكاني وأشحت بوجهة بسرعة.
سألها أبي بهدوء: أنتِ بخير؟
ثواني قليلة حتى أجابته بصوت خافت: نعم.
أردفت بما جعل الدهشة تعتريني: دانيال. هل أصاب وجهك أي سوء؟
وجهي! هل. العمل كل ما تفكر فيه؟ هل خُلقت لتهتم بالعمل فقط! ماذا تكون هذه الفتاة تحديداً؟
لويت شفتي بغيظ وتكتفت ارمقها بحزم: تدخلتِ بيننا خشية على عملك؟ ما مقدار الغباء في رأسك بحق الإله! هل تحاولين الإنتحار؟
زفر أبي بإنهاك ووقف يمرر يده خلف عنقه مشيراً إلى بإنزعاج: سأضع لها الطعام، ابقى هنا.
لم أعلق على قوله وانما أشحت بوجهي بإمتعاض شديد بينما اعتدلت هي لتجلس ببطء على الأريكة تمرر يدها على رأسها متأوهة.
اختلست نحوها نظرة بطرف عيني ثم ابعدت ناظري مجدداً.
رفعت يدي أنظر إلى أناملي بتشتت وتخبط.
مجدداً. لقد لمستها مجدداً دون تردد. جسدي يتحرك بتلقائية ودون تفكير مسبق. إنها حقاً مثيرة للمتاعب والإزعاج!
محق.
همست بتلك الكلمة فعقدت حاجباي بعدم فهم القي عليها نظرة عدم فهم سريعة ثم أطرقت برأسي فأعقبت: كل ما يهمني هو عملي فقط، لا يجب أن يمسك سوء وإلا تأثر عملي.
أومأت بلا اكتراث أحاول تجاوز الأمر، ثم وضعت يداي في جيبي وتمتمت أنظر إلى مكعبات الثلج في الوعاء: هل. ترغبين في مراجعة المشفى؟
نفيت برأسها ببطء: لا بأس لا داعي لذلك. كما لست جائعة، سأصعد إلى الغرفة لأرتاح.
بالكاد وقفت تترنح فقلت بجدية: تناولي طعامك، لن يتركك أبي وشأنك. سيغضب حتماً!
خرج أبي من المطبخ ملتقطاً كلماتي الأخيرة فنظر إليها بحزم: إلى أين؟ أنهي هذا الطبق أولاً!
بدت ستعترض لولا ان قال بصوت جهوري: ماذا؟ ماذا قلتِ؟
اتسعت عينيها متمتمة: ل. لم أقل شيء!
زفرتُ بلا حيلة حتى انتبهت لظل صغير عند مدخل غرفة المعيشة، ولم يكن سوى لاري الذي يقف في الممر يسند رأسه على طرف المدخل مظهراً نصف جسده ينظر إلى بعبوس وضيق قبل ان يرمقها بإنزعاج شديد ويغادر.
رمقتها بنظرة أخيرة فرأيتها قد بدأت تتناول طعامها بينما جلس أبي على الأريكة المجاورة، خرجت خلف لاري وتبعته إلى الغرفة وقد كان على وشك العودة إلى سريره حتى انتبه لدخولي وراءه.
طرف بعينه البنية الواسعة قبل ان يزم شفتيه ويلتزم الصمت ملقياً بجسده على السرير.
اسندت جسدي بكتفي على الباب مغلقاً إياه وتكتفت بهدوء: ما خطبك؟
التزم الصمت وبقي مستلقياً حتى ادار ظهره نحوي فتنهدت بعمق: منزعج من وجودها؟ لست وحدك الذي يرغب في رحيلها كما تعلم.
أتى صوته ممتعضاً مستاءً: أنت لم تعد تهتم بي.
ابتسمت بسخرية وابتعدت عن الباب، اقتربت من سريره ورفعت غطاءه على جسده بقوة أمنعه من الحركة فتأوه ليصيح بي: لا أريد رؤيتك!
هل تشعر بالغيرة؟ بالوحدة؟ لا يمكنك أن تكون جاداً.!
لقد كنتَ قلقاً عليها! كان عليك ان تتركها تسقط أرضاً لماذا ساعدتها؟ قلت بأنك لا تطيق وجودها ولكنك تتصرف عكس ذلك!
حاول التحرر من غطاءه بصعوبة فمنعته وقلت: اتركها تسقط أرضاً؟ الم نتفق ان نفعل ما نريد ولكن دون ايذائها جسدياً؟ لاري. هي لن تطيل البقاء هنا لذا لا تقلق أيها المغفل. استخدم عقلك قليلاً وإلا ضربتك بقوة.
كان عليك تركها وشأنها! لم يكن عليك التدخل! أنا اكره هذه الفتاة. إنها تحاول سرقتك!
زفرت بإستخفاف وتركت الغطاء فحرر يديه وقال معترضاً: تستحق تلك اللكمة! انه جزاؤها. لقد قبلتني قبل الذهاب إلى المدرسة! لم أتوقف عن غسل وجهي في كل حين إنها تحاول خداعي أنها أعلم هذا جيداً.
نظرت إليه بملل ثم اشرت إليه بذقني: سيغضب منك أبي ان تصرفت بحماقة. لا تفعل ما يحلو لك هل تسمعني؟
تجهم بشدة وبدى يفكر ملياً بالانتقام بوضوح، ضربت رأسه بخفة وبعثرت شعره بقوة لأتساءل: أين المعتوه كيفين؟
خرج مع كارل.
هكذا إذاً.
من الجيد أنه أخرجه معه، أنا سيء جداً في تهدئة الأوضاع!
ولكن صدقاً. أًصابني الجنون لقوله.
لا أحد سيفهم.
لا كارل أو كيفين. أو حتى أبي.
كنت أفكر ما إن كان على مصارحة أبي بشأن رغبتي في البحث عنه، ولكنني سأتراجع للوقت الحالي بعد شجاره مع كيفين. ليس الوقت المناسب على الإطلاق.
ومع ذلك سأنتظر تلك اللحظة التي آمل أن تغزو الصور التسويقية التي التقطتها مع المجلة أرجاء العاصمة، عليه أن يلمح وجهي ويدرك أنني لن أتركه وشأنه.
بأن لا شيء قد انتهى برحيله.
لم أعد أفهم. إلى متى على التمسك بمن لا يتردد في إيذاء من حوله. ما الذي.
أريده حقاً!
ما الذي أحاول فعله؟
كارل:
أبعدت ناظري عن الشارع خلفي ونظرت إلى الأمام حيث الحديقة الصغيرة التابعة للحي و التي يتواجد فيها بضعة أطفال هنا وهناك.
لم ينبس ببنت شفة بعد، أريده أن يهدأ قبل التحدث إليه. استمر في تحديقه إلى الألعاب والأطفال بوجه متجهم وهو يجلس بجانبي على اللعبة الحديدية للأطفال منخفضة المستوى، تنهدت بعمق وكسرت الصمت: هل كنت ستصارحه بالأمر لو لم يكتشف الأمر من إدارة المدرسة؟
استمر ينظر إلى الأمام بجمود قبل ان يتمتم: لم أكن أنوي اخبار أحدكم. ولم أتوقع أن يكتشف الموضوع مبكراً.
وها قد اكتشفه. ولكنك في النهاية لم تقصر في الرد عليه بفظاظة، تماديت كثيراً وقد لجأت إلى كلمات قاسية. بينما تعلم جيداً كم يكون الأمر حساس عندما تذكر فرداً من العائلة لم يعد له وجود بيننا.
ضاقت عينيه وهمس بحدة: يصبح الأمر دائماً شديد الحساسية عندما يتعلق به، لماذا يقيس الأحداث السابقة بالقادمة؟ ما ذنبي أنا في كل هذا! أريد الدراسة في جامعة مرموقة وأحقق طموحي لماذا عليه أن يربط مصيري به!
نهرته بهدوء: بغض النظر كيفين. لم يكن عليك اخذ المال من الطلاب من فصلك أو من الفصول المجاورة انت لست رجل أعمال يمارس تجارته الخاصة! هل تعلم ما يعنيه استغلالك لحاجتهم بمقابل مادي؟ لماذا تتصرف وكأنك مدرس خصوصي بحق الإله!
اعترض بإنزعاج: ما الخطأ في ان يأخذ المرء مادة ملموسة مقابل جهد إضافي!
الخطأ أنك تستغلهم! انهم مجرد طلاب تلك ليست أموالهم الخاصة وحتى لو كانت كذلك فهي من مصروفهم الخاص لماذا لا تنظر إلى الأمور من ناحية أكثر عمقاً.! على أي حال حدث ما حدث لا وقت للتنقيب في الأمر أكثر، عليك أن تعتذر من أبي ودانيال.
اتسعت عينيه برفض: سأعتذر لأبي ولكنني لن أفعل هذا لدان! انه يستحق ذلك! لماذا على الاعتذار إليه؟
ضاقت عيناي بحدة وقد حذرته: لا تُماطِل، لقد كنتَ تحاول استفزازه.
علا صوته وهو يقفز من على الحديد ووقف مواجهاً لي بحزم: لا تتحيز له كارل! لطالما كان يدافع عن.
قاطعته بجفاء: ولأنه أكثر من دافع عنه فهو أكثر من يواجه صعوبة في تقبل رحيله وأكثر من يرغب في تلقينه درساً أيضاً! توقفا انتما الإثنان فأحدكما يذكر أمره وكأن شيئاً لم يكن والآخر يرغب في اعادة المياه الى مجاريها بينما تتجاهلان حقيقة أن أبي أكثر من ينفطر قلبه واللعنة متى ستنضج كيفين وتتحدث بمراعاة أكبر؟
حدق إلى بغيظ وتشتت قبل أن ينظر إلى الأطفال خلفه بإنزعاج ثم عاود النظر إلي: ماذا عني!
تنهدت بعمق ونزلت من على اللعبة مقترباً منه بهدوء، ربت على كتفه وتمتمت مطمئناً: يوماً ما ستفهم لماذا يرفض أبي منحتك الدراسية، أخبرك مجدداً ألا تنظر إلى الأمور من زاوية واحدة فقط.
إن كنتَ تفهم فلماذا لا تخبرني بوضوح!
لست أفهم كما لست واثقاً كيفين. ولكنني اعتدت التماس الأعذار لقرارات أبي.
أعقبت ادفع كتفه أرغمه على التحرك: لنعد. صحيح لا تنسى الاعتذار إلى الآنسة كتاليا أيضاً.
زفر مقتضباً وهو يتذمر: هي من تدخلت بيننا فجأة.
كن شاكراً لتدخلها، فلو فقد ذلك المجنون سريع الإشتعال أعصابه لكنتُ الآن أحاورك وأنتَ على فراش الموت.
مشيت بجانبه وعيناي تحدق إلى الشارع بشرود. أبحث بين تساؤلاتي عن الإجابة الأدق.
ما الذي تحاول فعله دانيال من خلال عملك مع الآنسة كتاليا.!
لم تكن لتقبل بسهولة.
ما الذي يحركك حقاً!
أرجو أن ما أفكر به. بعيد عن الواقع.
كتاليا:
أشعر بالصداع منذ الأمس. الكدمة على جبيني كبيرة وواضحة، سأكون مضطرة لإبقاء شعري على جبيني حتى تختفي تماماً.
القيت نظرة أخيرة على وجهي في المرآة وانا أرتب شعري ثم خرجت من الغرفة وقد استنكرت مجدداً قبضة الباب التي يصعب ادارتها بسهولة، نسيت اخبار السيد هاريسون بأمرها.
خرجت من الغرفة وقبل أن أصل إلى منتصف الدرج توقفت بإستغراب انظر إلى من يقف في نهايته يرتدي زيه المدرسي واضعاً كلتا يديه خلف ظهره.
ضاقت عيناي بحذر ولاسيما عندما ابتسم بلطف ومرح.
تمتمت بشك: صباح الخير.
أجابني بمرح وحبور: صباح الخير آنسة كتاليا.
ما خطبه! يبدو مريباً بلطفه المبالغ فيه! ما الذي يخطط له هذا الطفل؟
حدقت إليه بترقب ونظرت أسفل قدمي لعله وضع حبلاً لأتعثر ولكنني لم أجد ما يثير الشك حتى قال يخرج ما خلف ظهره: لقد كان لدي واجب مدرسي في الأمس ولكن لم يتسنى الوقت لي لأطلعك عليه. أخبرنا المعلم ان نرسم لوحة تعبر عن الكائنات الدقيقة وأردتُ أن أطلعك عليها.
هاه!
بقيت في مكاني بإستنكار وحيرة فاقترب يناولني الرسمة، ترددت قبل ان التقط الورقة أحدق إلى الرسمة وسايرته: الرسمة لطيفة.
أعقبت بحيرة انظر إلى الألوان التي استخدمها: ما نوع هذه الألوان لماذا تلمع بشدة؟
ابتسم بمرح: اجتهدت للبحث عن ادوات للرسم في كافة أرجاء المنزل، المهم ان الرسمة أعجبتك صحيح؟
أومأت بإرتياب: أعجبتني.
لقد قيّمها المعلم يمكنك الإحتفاظ بها.
قال ذلك وأسرع يعود أدراجه وخمنت انه قد سبق وتناول فطوره وسيغادر إلى المدرسة برفقة كيفين.
بقيت في مكاني حائرة انظر إلى الرسمة حتى سيطر على هاجس أرغمني على رفعها نحو أنفي لأشمها بإستغراب، هذه الرائحة.
نظرت بإستيعاب إلى الرسمة وبدأت المسها حتى تفاجأت بالألوان تترك أثراً على أناملي!
تسارعت خفقات قلبي وصعدت إلى غرفتي مجدداً أبحث في خزانتي عن عدة المكياج الخاصة بي فوراً.
وكما توقعت!
صرخت بإنفعال وغضب وأسرعت أخرج من الغرفة لأنزل كالوحش الهائج باحثة عنه فوجدته يتبع كيفين لينزلان الدرج فلحقت به، أسرع ينزل مبتسماً بخبث فجريت خلفه بينما التصق كيفين بالحائط مبتعداً عني.
صرخت مشيرة إليه: توقف مكانك!
رأيته يتجه فوراً إلى دانيال الذي يقوم بتنظيف المحل ينظر إلينا ببلاهة واستغراب، اختبئ خلفه وقال مشيراً إلي: داني انها تعاملني بقسوة!
أتى صوت خلفي في الأعلى: لماذا الصراخ انسة كتاليا؟
التفت أنظر إلى السيد هاريسون وصرخت بإنفعال دون قول شيء فاتسعت عينيه بدهشة.
استكملت صرخاتي ونطقت بحقد: عدة المكياج الخاصة بي! هل تملك أيها الشيطان أدنى فكرة كم كانت تكلفة كل جزء منها بحق الإله! قف مكانك ولا تتحرك.
نزلت أنوي ارتكاب جريمتي فبقي يختبئ خلف دانيال الذي اضطرب وهدئني مشيراً لي للتوقف: مهلاً توقفي مكانك! انتظري سأسلمك إياه ولكن توقفي!
بل وتحرك ليقف خلف كرسي الحلاقة ليحيل بيني وبينه.
صاح به لاري بعبوس: لا تتخلى عني ببساطة!
جادله دانيال بغضب: ابتعد عني أيها الأحمق وسلم نفسك وحسب! تباً، توقفي عن التقدم أكثر.
نزل السيد هاريسون وأمسك بمرفقي يوقفني مهدئاً بحزم: ما الذي يحدث وضحي!
أجبته بصوت مخنوق: هذه الرسمة! قام بتلوينها بعدة المكياج الخاصة بي. لن أتجاوز هذا!
عقد حاجبيه ونظر إلى لاري: هل هذا صحيح؟
مط شفتيه بحزن متمسكاً بدانيال بقوة: اعتقدت انها عدة رسم! أردت ان أهديها الرسمة أبي.
هذا الكاذب المخادع!
اردت الاقتراب منه ولكن عاد السيد هاريسون يمسكني بقوة وقال بحزم: هل أنت أحمق؟ لماذا استخدمت حاجياتها الخاصة من الأساس! ستفقدني عقلي لاري متى ستتوقف عن جلب المشاكل!
ضربه دانيال على رأسه فعبس وأغرورقت عيناه بالدموع بينما أردف السيد هاريسون يسألني بجدية: كم تكلفتها! سأعوضك عنها؟
نفيت فوراً: لست بحاجة إلى تعويضي سيد هاريسون، دعني أشفي غليلي وحسب.
تلقيتِ لكمتين في الأمس لا يجب أن تتهوري مجدداً دعيه وشأنه، أخبريني من فضلك كم تكلفتها.
جزيت على أسناني بعناد أحدق إلى لاري: لا أريد تعويضاً، إن أمسكتُ بك سأقضي عليك هل تسمع؟
صاح برعب مشيراً إلي: هل رأيتم! إنها حقيقتها أخبرتكم انها تدعي اللطف والطيبة! أبي انها تحاول التخلص مني.
نهره والده بغضب: أطبق فمك!
أردف يحدثني بجدية: سأقوم باعفائك من مسألة تولي مهام المنزل لمدة أسبوع مع دانيال، اعتبريه تعويضاً لكِ.
ارتخت ملامحي ونظرت إليه اطرف بحيرة.
لن يعاقبني برفقته؟ لن أضطر للتنظيف؟ لن أخدش اظافري او تذبل يدي بسبب المنظفات؟
هذا.
تعويض مناسب!
غمرتني السعادة البالغة ولكنني حافظت على هدوئي والتزمت الصمت في حين اتسعت عينا دانيال بعدم تصديق.
بل وأشار إلى معترضاً: هذا ظلم! هل هذا يعني أنني سأنظف كافة ارجاء المنزل وحدي حتى نهاية الأسبوع!
أومأ والده بجفاء: أمر محزن صحيح؟ ولكن لا تقلق سيساعدك لاري.
تسمر لاري وانزلقت يده ليترك قميص دانيال يحدق إلى السيد هاريسون بتفاجؤ ثم تبادل النظرات مع دانيال الذي زفر بغيظ حتى أكمل والده كلماته بجمود: أنت مُعاقب لاري وممنوع من الذهاب إلى الرحلة المدرسية.
شحب وجهه وصاح بذهول: الرحلة!
هذا آخر ما لدي، حتى تتصرف بأدب وتتوقف عن إزعاج الآخرين.
رمقه دانيال بلا حيلة يضرب كتفه بخفة: أحمق.
بقي لاري في مكانه شاخصاً بعدم استيعاب بينما صعد السيد هاريسون إلى الأعلى، تكتفت وابتسمت أحدق إليه بظفر وانتصار فحدق إلى بالكاد يطرف بعينيه للحظات قبل أن.
ينفجر صوت بكاؤه العالي وصرخاته المنفعلة في أرجاء المنزل حتى استيقظ كارل ليطل علينا من أعلى الدرج يعقد حاجبيه وينظر إلى لاري قبل أن يزفر بنفاذ صبر ويعود إلى الغرفة يستكمل نومه!
جدول عملي اليوم يبدأ في العاشرة وأمامي وقت طويل حتى أخرج للعمل.
لذا كنت أجلس في غرفة المعيشة استلقي على الأريكة على جانبي أمضي وقتي في الاطلاع على الصفحات المختلفة عبر وسائل التواصل الإجتماعي حتى بقيت أحدق إلى الصفحة الخاصة بالمجلة في أحد التطبيقات أتأمل صورة الغلاف الخاصة بدانيال والتي تم اطلاقها رسمياً عبر مختلف القنوات الاجتماعية.
ابتسمت أقوم بتكبير الصورة أكثر أتأمل تفاصيلها.
الجندي الذي وكأن الزي الذي يرتديه صنع لأجله خصيصاً.
لا يمكنني كبح شعوري بالفخر الشديد! بدأت القي نظرة على التعليقات أسفل المنشور الترويجي وكما توقعت فلقد حصد الكثير من الإعجابات، الفتية والهاويين يتسائلون عن تفاصيل اللعبة بينما الفتيات يتسائلون عن هوية العارض واسمه الحقيقي وصفحته الرسمية وطوله وفصيلة دمه وباقي التفاصيل.
تنقلت إلى القنوات الأخرى وأمضيت وقتي في قراءة تعليقاتهم حول المنشورات الترويجية المختلفة ومع كل تعليق كان معدل حماسي يزداد حتى جلست على الأريكة واعتدلت لأقوم بدعم واعادة نشر التعليقات المُحفزة والإيجابية.
أتساءل عن ردة فعله الآن لو أطلعته على كل هذا.
عزمت أمري وخرجت من غرفة المعيشة باحثة عنه، سألت السيد هاريسون الذي يعمل في المحل مع أحد الزبائن فأخبرني أنه في المرأب بل وقال لي أنه سيخرج بعد لحظات لمراجعة موضوع كيفين مع إدارة المدرسة وسيغلق المحل لحين عودته وأخبرني بأن أخطر دانيال بالأمر فأومأت واتجهت إلى هناك، وجدته يضع سماعته في أذنه ويقوم بوضع الملابس في الغسالة ويدندن بصوته العميق الخشن إيقاعاً موسيقياً فلويت شفتي منزعجة من صوته.
مهلاً!
لم ينتبه لوجودي بعد.
لابد وأن هاتفه في جيبه!
بحثت بعيناي بحذر ولم أجد هاتفه حوله لذا أيقنت أنه في جيبه، إنها فرصتي!
التفت خلفي وقررت إغلاق الباب لئلا ينتبه السيد هاريسون، استغربت أمر الصندوق الثقيل الذي تم وضعه لتثبيت باب المرأب لذا دفعته بصعوبة وبحذر وأغلقته بالمفتاح الذي كان صدئ و حركته غير انسيابية.
نظرت إليه وقد كان يقوم بفرز الملابس وصوته يعلو مدندناً ثم أدخل دفعة جديدة من الملابس في الغسالة واستقام واقفاً يستكمل ما يقوم به فاقتربت منه بخطوات بطيئة، رفعت يدي لأدخلها في جيبه وما ان كدت أفعل ذلك حتى أجفلت ما ان جثى على ركبته يرغب في رفع بعض الجوارب فاستقرت يدي على شعره!
انتفض في مكانه والتفت برأسه فوراً وما ان وقعت عيناه على حتى شهق بتفاجؤ ونزع سماعته ملتصقاً بالغسالة خلفه: ما الذي تفعلينه هنا بحق خالق الجحيم!
زفرت بلا حيلة وقلّبت عيناي بإحباط، لماذا يقف الحظ حليفه دائماً؟
أجبته بملل: لا شيء. أراد السيد هاريسون ان يعلمك بخروجه إلى مدرسة كيفين.
ضاقت عينيه بحذر وشك: تطوعت للمجيء بنفسك لقول هذا! وكأنني سأصدقك!
أشار لي بانزعاج: اخرجي ودعيني أستكمل ما اقوم به!
ابتسمت بلا اكتراث واستدرت لأعود أدراجي، لا بأس الفرص لا تنتهي طالما أحاول. عاجلاً أو آجلاً سأحصل على هاتفه.
أدرت قبضة الباب ولكنني وقفت باستغراب عندما لم أستطع فتح الباب بل وبالكاد تحركت القبضة بين يدي، التفت إليه بحيرة: لماذا لا يفتح؟
ضرب جبينه وتذمر: لماذا دفعتِ الصندوق!
هاه!
أشار إلى الصندوق وقال يعاتبني بإمتعاض: الباب يحتاج إلى استبدال القفل الخاص به لهذا وضعت الصندوق لئلا يغلقه أي أحمق ولكنكِ فعلتِ!
ارتفع حاجباي ونظرت إلى الباب للحظة ثم رمقته بتساؤل: لا يمكنني فتحه؟
أشار لي بإنزعاج ان ابتعد عن الباب ففعلت وتركته ليقترب منه، أدار القبضة مرارا وتكرارا دون جدوى فبدأ يطرق الباب وقال بصوت عالي: أبي. افتح الباب من الخارج.
ترددت قبل ان أقول بهدوء: أخبرتك أنه. سيخرج لمراجعة موضوع كيفين في المدرسة، وبأنه سيغلق المحل لحين عودته. لربما خرج بالفعل!
ساد الصمت المطبق المكان وبقي شاخصاً في المكان دون حركة.
فزميت شفتي وترقبت قوله حتى القى على نظرة سريعة ثم ركل الباب بقدمه: الموت أرحم لي على أن أعلق معكِ في مكان واحد! إن كنت أحمقاً أؤمن بتناسخ الأراوح فسأقول وبلا أي تردد أو تفكير. أنني كنت كاهن نبيل في حياتي السابقة أو حتى رجل عُرِف بحسن تصرفاته وأخلاقه السوية إضافة إلى حكمته. لذا حتى موقف كهذا لن يُفسد مبادئي مهما كانت صعوبة الوضع الذي أمر فيه.
هاه!
ما هذا فجأة؟
عقد حاجبيه وقال بإستيعاب: صحيح. كارل! أرجو انه لم يترك هاتفه على الوضع الصامت.
أسرع يتصل به مترقباً رده وقد حاول مراراً وتكراراً فقلت له بلا اكتراث: لا بد وأنه نائم.
أصمتي أنتِ!
تأملت المكان من حولي وتساءلت بينما احاول فتح الباب الاخر الخلفي: ماذا عن هذا الباب؟
اجاب مقتضباً: أغلقه دائما، لا افتحه سوى عندما اخرج الدراجة. المفتاح في الأعلى!
زفرت وترقبت بلا حيلة بينما استمر يتصل في كارل، المكان صغير جداً وبصراحة خانق! يوجد بعض الصناديق وخزانة معدنية يبدو ان السيد هاريسون يضع فيها بعض مستلزمات المحل، دراجة دانيال في الزاوية والغسالة في الزاوية الأخرى، المكان حار وأرغب في الخروج أيضاً.
رفعت عيناي إلى النافذة الصغيرة في الأعلى والتي كانت مغلقة وقلت له مشيرة إليها: افتحها إلى حين استجابة كارل لمكالمتك.
عقد حاجبيه ونظر حيث أشير ليتحرك ويرفع يده، وما ان فتحها حتى زفر وارخى جذعه على الغسالة خلفه متذمراً: ابقي مكانك هناك حتى نخرج. لماذا أبعدت الصندوق في المقام الأول! فقط لتخبريني بما أراد أبي قوله؟ أنتِ. هل كنتِ تخططين مجدداً للتصرف بحماقة؟
ضاقت عينيه بشك: لأجل الهاتف؟
ابتسمت ببرود: ومن يسيّرني للتصرف بهذه الطريقة برأيك؟
زفر وقلّب عينيه بنفاذ صبر دون أن يعلق. نظرت إلى دراجته ومازحته: قم بكسر الباب بدراجتك.
وفري رغبتك في القاء الطرف لوقت لاحق.
تنهدت بعمق وجلست على أحد الصناديق أعبث بهاتفي واترقب، لم يتسجب كارل لإتصالاته لذا بدء يتصل بالسيد هاريسون ليطلب منه العودة إلى المنزل ولكنه لم يستجب كذلك!
مررت يدي على رأسي عندما عاود الصداع ينتابني ثم انهمكت في النظر إلى الشاشة، تقدم هو نحو الباب وجثى يحاول التعامل مع القبضة حتى بدأ يديرها لتدور في مكانها و.
سقطت على الأرض!
لقد زاد الأمرسوءاً هذا المتهور عديم الصبر!
أمسك القبضة ينظر إليها بلا حيلة قبل ان يمرر يده في شعره ووقف بإضطراب واضح وهو يتجاوز النظر نحوي متذمراً بخفوت: لماذا لا يشعر كارل بحاجتي إليه ويستيقظ!
علقت ارفع كلتا قدماي على الصندوق اضمها إلي: تمارس التخاطر الذهني؟ كفاك سخفاً!
ما رأيكِ بأن تصمتي مجدداً؟
سيعود السيد هاريسون لنرجو ألا يتأخر وحسب لربما يكون مشغول ولم يجد وقتاً للإجابة على اتصالك! لماذا لا تقوم بكسر الباب تصرف افعل شيئاً! آه لا مهلاً لا تفعل. لا يجب أن يصاب كتفك أخشى ان يؤثر هذا على أداؤك أثناء التصوير، وتلك النافذة في الأعلى صغيرة جداً لا يمكنني العبور من خلالها.
أخفض ناظره يعاود الإتصال بكارل مجدداً وبينما يفعل ذلك سألني دون أن ينظر إلي: أنتِ. بخير اليوم؟ أواثقة أنه لا داعي لذهابك إلى المشفى؟ لا تحاولي القاء التهمة على لاحقاً إن أصابك مكروه.
أومأتُ بتبرم: ينتابني الصداع منذ الأمس، ولكنني لن أفقد الذاكرة مثلاً. أتساءل إن كنتَ ستتعلم ضبط أعصابك يوماً!
علي العالم أن يدرك أنه لا داعي لإستفزازي.
نفيت برأسي بلا حيلة بينما زفر ودس هاتفه في جيبه متمتماً: كارل الأحمق. يغط في نوم عميق بينما أخاه في حاجة ماسة إليه! أي شقيق هذا!
راقبته بعيناي للحظات حتى سألته بتثاقل: هل البقاء معي في مكان واحد مزعج ومنهك إلى هذا الحد؟
هل يصعب تصديق هذا؟
لن ألتهمك. كما لن أقترب لذا اهدئ!
تجاهل تعليقي وكذلك التزمت الصمت بدوري وقد مرت دقائق حتى قال بهدوء دون ان ينظر إلي: راجعي المشفى، حتى لو شعرتِ بأنكِ على ما يرام. ضربتُ رأسك بقوة وقد يؤدي هذا الى ارتجاج طفيف. لا تتجاهلي الأمر!
رفعت عيناي عن شاشة هاتفي أحدق إليه بنظرات مطولة، اسندت يمناي أسفل ذقني بينما لا أزال أضم قدماي إلى وقلت: تجيد أحياناً لفت الانتباه بكلماتك لا بمظهرك فقط. يمكنكَ التصرف بلطف إذاً!
طرف بعينه بتوتر ينظر بعيداً بينما يحك أنفه: اللعنة على حين فكرت في إسداء نصيحة لكِ، انسي الأمر.
إنها التاسعة ولا زال السيد هاريسون لم يعد بعد!
مللت الانتظار، وكذلك نفذ صبره ولم أمانع ان يحاول كسر الباب فأنا شخصياً لم أعد احتمل البقاء هنا.
سألته بإنهاك ابعد قميصي بحركة سريعة عن جسدي لأبرد على نفسي جراء شعوري بالحر: هل مدرسة كيفين بعيدة؟ ولماذا لم يستجب والدك لمكالماتك بعد! لا يجب أن أتأخر عن العمل!
بدأ يدفع الباب بكتفه محاولاً كسره مراراً وتكراراً فابتعدت عن الصناديق أقف بترقب حتى كسره بالفعل!
زفر يمرر يده على كتفه قبل ان يدفع الباب وخرج ليقول: سيفقد أبي وعيه حتماً لرؤية الباب.
تمتمت ببرود بينما أخرج: كنتُ من أغلقت الباب لذا سأتكفل بالأمر. سأتأهب للعمل.
مضى الوقت سريعاً بل وأنني ومنذ ان عدت من العمل لم يتوقف لاري عن النظر إلى بعينيه المتوردة والمنتفخة جراء عدم توقفه عن البكاء منذ الصباح!
هذا الطفل يخطط بلا شك لقتلي.
أشعر بأنني في خطر حتمي!
ابتلعت ريقي رغماً عني وألهيت نفسي بتناول طعام العشاء مع الجميع على الطاولة في حين لم تتوقف عيناه عن متابعتي بوعيد! اللعنة هذا الطفل يخيفني.
ما الذي يجول في عقله الآن بعد ان عوقب بمنعه من الرحلة المدرسية؟ ماذا لو ملأ الغرفة العلوية بالحشرات! أو قام بدسها بين ملابسي؟ وماذا لو فعل ما هو أسوأ؟
هل. على تدارك الأمر قبل أن ينفذ أفكاره المجنونة؟
فهو لم يتوقف عن محاولة اقناع السيد هاريسون بتغيير عقابه منذ أن عاد من مدرسته، ولكن الصمت والجمود كان ولا يزال رد السيد هاريسون عليه.
نظرت إلى دانيال الذي يتناول طعامه وقد انهى طبقه بالكامل وبدأ بطبقه الثاني، هذا الرجل يتمتع بشهية خارقة بالفعل!
وقف السيد هاريسون وقال بهدوء: لاري. اذهب مع كيفين لشراء مستلزمات المطبخ التي كتبها دانيال في الورقة، ولا تتأخرا بالعودة.
هل اعتبرها فرصة؟
لربما على ان احسن علاقتي بهذا الشيطان ليتوقف عن محاولة الظفر بي فلا أدري ما ينوي عليه!
عقد كيفين حاجبيه وقال بهدوء: لا يمكنني الخروج الآن لا زال لدي بعض المراجعات الضرورية.
رمقه والده بحدة: وهل هذه المراجعات لك وحدك هذه المرة؟ لا تنسى انك وقعت تعهداً!
امتعض كيفين بوضوح: لقد اعتذرت لك! ظننت أن الأمر قد انتهى!
تدخل دانيال بملل: سأرافق لاري.
ابتسم لاري برضى ولكنني أسرعت أقول فوراً: هل يمكنني مرافقته؟
نظر الجميع إلى بإستغراب بينما تفاجئ لاري يحدق إلى بعدم استيعاب قبل ان يرفض بحقد: لا أريدك ابقي بعيدة عني!
وقفت بسرعة واتجهت إلى السيد هاريسون مشيرة له ان يقترب مني لأحدثه في غرفة المعيشة فتبعني بإستنكار، حينها همست له بجدية: سيد هاريسون أعتقد أنني بحاجة إلى هذه الفرصة، علاقتي بلاري سيئة و. ربما يمكنني استغلال الأمر لأتقرب إليه واتعرف عليه أكثر الا تؤيدني؟
ضاقت عينيه مفكراً: لا بأس ولكن. لاري ليس طفلاً سهلاً من يدري ما قد يقوم به عندما يكون بعيداً عن عيناي!
نفيت برأسي: لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام! سأذهب معه ولكن اقنعه بذلك. لا داعي لأن يذهب دانيال إنه يقوم بمهام المنزل منذ الصباح الباكر.
فكر قليلاً قبل ان يؤيدني: حسناً. لا بأس إذاً، كوني حذرة. وانتبهي له أيضاً!
أعقب بجدية: ولا داعي للتكفل بأمر الباب سأصلحه في الغد. قومي بالتعويض عنه بتحسين علاقتك بلاري!
ولكن ما حدث للباب كان بسببي على أن.
قلت ما لدي.
انهى الأمر بجمود فأومأت بلا حيلة و بهدوء وأسرعت إلى الأعلى لأحضر حقيبتي وغيرت ملابسي لأرتدي أخرى صيفية قصيرة مريحة وخُفين مناسبان للتبضع السريع وعدت لأسمع صوت لاري الذي يعترض وما ان رآني في غرفة المعيشة حتى أشار نحوي بعصبية: إنها تحاول اختطافي أبي! قد أخرج ولا أعود.
قلّبت عيناي بتبرم في حين قال والده: أنت معاقب في كل الأحوال لا ترغمني على فرض عقاب إضافي!
زم شفتيه بقوة يمنع نفسه من البكاء قبل أن يتحرك بغضب ويسبقني بالنزول فتبعته بسرعة.
مشيت بخطى هادئة ومتزنة أضع الحاجيات اللازمة المكتوبة في الورقة داخل عربة التسوق، واجهت صعوبة في معرفة الكثير من الأشياء المكتوب لذا كنت أضطر لسؤال العاملين بين الحين والآخر.
تجاهلت مؤقتاً وجود من يتمعن النظر إلى ويلاحقني في كل مكان. فور خروجنا من هنا سأتحدث معه وأحاول تلطيف الأجواء معه لأتمكن من العيش بسلام خلال الأيام القادمة!
ليس وكأنه لا يتمنى قتلي ووضعي في هذه العربة والتخلص مني في منطقة نائية، قد يكون صغيراً ولكنه يمتلك أفكار مريبة لشيطان خُتم في يشم حافظت عليه إحدى الحضارات القديمة.
نظرت من فوق كتفي للخلف أختلس إليه نظرة فوجدت عيناه تحدق إلى عيناي مباشرة وهو يضع كلتا يديه في جيبه.
ابتسم لي بشر وأسرع في خطاه يمشي بجانبي، تجاهلته والتقطت العلبة من الرف لأضعها في العربة ليهمس بصوت كفحيح الأفعى: أنا لن أسامحك! بسببكِ سيمنعني أبي من الرحلة التي انتظرتها طويلاً!
زفرت أقلب عيناي ولكنني تمالكت نفسي أسايره: سنتحدث في هذا الشأن فور انتهائنا من التبضع.
أضفت بتثاقل: لم يبقى سوى بعض الأشياء من قسم الخضار، بالمناسبة سأدفع من مالي الخاص خذ هذه النقود وأعدها إلى السيد هاريسون.
اتنزعها من يدي بعد ان كنت أناوله إياها بهدوء! وقال بحزم واستفزاز: آه نعم بالطبع ستدفعين من مالك الخاص فأنت من بذرت حاجيات المنزل، أبي ليس مضطراً لدفع أي فلس لأجل فرد إضافي.
ثم تفاجأت به يدفع العربة بقوة نحو أحد الرفوف ويبتسم بخبث، تحركت قدمي بسرعة ولم أنتظر للحظة، أمسكتها لأوقفها قبل فوات الأوان والتفت نحوه بغضب: ما الذي تحاول فعله! قد يميل هذا الرف على الذي يليه والآخر هل فقدت عقلك!
أومأ ببرود وقد تكتفت يرمقني بعين لا مبالية: بالطبع أعلم حجم الضرر.
أحكمت قبضتي على يد العربة بغيض شديد وحذرته بصوت عالي: الزم حدودك قبل أن أريك لوني الحقيقي!
رفع كتفيه بإستهزاء: وما الجديد؟ الجميع يعلم أنكِ مزيفة.
نفيت برأسي بمكر: ولكنك لا تعلم بحقيقة تواجد جانب يطمح إلى ارتكاب سلسلة جرائم يكون أولى ضحاياها طفل مزعج يظن نفسه قادر على الظفر بي. أن تنفرد بي لا يعني أنك ستقدر علي.
زمجر بغيض: أنا لست طفلاً. انتبهي إلى لسانك أيتها المشعوذة.
تجاهلته وأكملت طريقي أنظر إلى الملاحظات في الورقة وأقرأ ما ينبغي على شراؤه، اتجهت إلى الرف الآخر في الجهة الثانية، أخذت المعلبات والتفت لأضعها في العربة ولكنني لم أجدها، لمحته يهرب بها وقد اختفى فوراً عن ناظري، ركضت ممسكة بالمعلبات لأتبعه وأضعها في العربة ولكن سحقاً. إنه سريع!
مضت دقائق حتى لمحته يمسك بالعربة مختبئاً بحذر وينظر إلى الجهة الأخرى من الرف دون ان ينتبه لي، مشيت بخطى ثابتة حتى شهق بذعر ما ان رميت بالمعلبات في العربة بحزم، أمسكت بقميصه بقوة وقلت بصوت خافت امنعه من الهرب: أنا لا أمازحك أيها الصغير لذا لا تدفعني إلى إرتكاب أفعال ترغمك على البكاء كالمغفل هل تسمع! أنا لست بحاجة إلى اللجوء لوالدك يمكنني التصرف بشأنك وحدي.
أعقبت بوعيد: كن أكثر لباقة.
القى على نظرة حقد وتوعد فتجاوزته فوراً وأكملت البحث عن الرف المطلوب محاولة تهدئة نفسي بالتنفس بعمق. كنت مصرة على مرافقته ولكنني الآن بالكاد أحافظ على هدوئي!
نظرت إلى يميني حيث الخضراوات والفواكه، أخذت الكيس الأبيض لأضع الجزر والبطاطا وما إلى ذلك ولكنني شهقت بخفة حين شعرت بشيء يدفعني من الخلف على مؤخرتي بقوة فتقدمت للأمام رغماً عني وانحنيت نحو سلال الخضار محاولة التوازن، سمعت ضحكات مستمتعة خافتة فجزيت على أسناني وارتجفت شفتاي من شدة الحنق.
هل دفعني بإحدى العربات؟ رمقته بتهديد فأكمل طريقه يدفع العربة الفارغة التي استعان بها لأجل مهمته فقط!
صبراً يا كتاليا ستنتهين الآن من التسوق وتبدئين في خطتك لمحاولة كسب وده نحوك، اطمسي رغبتك في ابتكار عقاب أسوأ من منعه من رحلته المدرسية! اكبحي جمام غضبك قدر المستطاع.
صدقاً وجود مخلوق مثله في هذا العالم خطر وغير آمن من الأساس!
بللت شفتاي بلساني واتكأت على العربة بملل أنتظر دوري في صف لم يكن طويلاً، فلا يزال أمامي امرأة ورجل سينتهي دوره الآن.
بحثت من حولي عن هذا الشيطان ولكنني لم أجده، فليكن سيعود عاجلاً أم أجلاً.
بعد لحظات حان دوري أخيراً فبدأت أضع المشتريات على طاولة المحاسبة ولكنني تسمرت في مكاني بدهشة واستيعاب أحدق إلى الكم الهائل من الحاجيات والمشتريات التي تم وضعها في العربة دون علمي!
امتلأت تماماً بل وهناك أمور لا فائدة منها!
شخص واحد فقط سيفعل هذا لينال مني، سيضع كل شيء تقع عيناه عليه ليشعر بنخوة الإنتصار وحسب!
اللعنة.
ابتسمت بمسايرة للمحاسب وقلت بهدوء: عذراً انتظر قليلاً يوجد أشياء إضافية زائدة هنا.
أسرعت ابعد هذه الأشياء وأحاول انتزاع المشتريات الأساسية من أسفلها بصعوبة وأضعها على الطاولة، بدى الموظف ضجراً بعض الشيء ومستعجلاً، انتبهت للطابور الطويل خلفي فحاولت أن أسرع أكثر وكم كان هذا مرهقاً!
حين انتهيت أخيراً ودفعت الثمن، تحركت ممسكة بالأكياس التي كانت خمسة، اثنان في يمناي وثلاثة في يدي الأخرى، أحكمت قبضتي على الأكياس بإنزعاج باحثة عنه بعيناي، عليه أن يساعدني ويحمل عني كيساً واحداً على الأقل إنها ثقيلة!
سأوسعه ضرباً بدلاً من التودد إليه!
وقفت في مكاني أنظر إلى المكان للمرة الأخيرة لعلني ألمحه قبل أن أكمل طريقي بشكل عكسي أنظر في الارجاء باحثة عنه بعيناي، إلا أنني أجفلت بذعر حين تعالى صوت صفارة الإنذار فور وصولي إلى باب الخروج!
طرفت بعدم استيعاب انظر إلى الحراس اللذين تقدموا نحوي على عجالة ويشيرون إلى بأيديهم أن أتوقف في مكاني، بدأ الناس من حولي يحملقون بي ويتهامسون بإستغراب وإرتياب حتى لمحته يضحك بخفوت ويبتسم بشر مطلق واقفاً خلف أحد الأعمدة ويراقبني بمكر وانتصار.!
التعليقات