رواية سلطان الهوي قلب القمر3 الفصل الخامس 5بقلم شيما سعيد (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)
رواية سلطان الهوي قلب القمر3 الفصل الخامس 5بقلم شيما سعيد (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)
الفصل الخامس
موقف لا يحسد عليه يقف بين الاثنين لا يعلم إلى أي مكان سيصل، رفع رأسه بشموخ، السلطان بدر الحيرة والضعف ليس لهم مكان بحياته.
المذهل موقف شكران المبتسمة كأنها لم ترَ زوجها مع امرأة أخرى على فراشها.
أشارت برأسها إلى هيف بالخروج من الغرفة إلا أنه جذب كفها إليه يمنعها من الحركة، من البداية يشعر بلعبة غريبة وصمت فقط ليعلم من صاحبها.
وقف أمام شكران ومازال كفه يضم كف المرتجفة الخائفة.
نفذت طلب السلطانة دون تفكير أو وعي لا تعلم هدفها كل ما كان يهمها ألا يقترب أحد منه هو.
مشاعر مختلفة ما بين القهر والضعف، يده تدعمها لولا وجوده لسقطت على الأرض منهارة.
أصابع اليد الأخرى تكاد تقطع ثوبها من شدة تعلقها به.
اسنانها تجرد جلد شفتيها بقسوة، عقلها أخذها لنقطة مرعبة، طردها من القصر لأجل زوجته.
ألقى على شكران نظرات لأول مرة تراها بعينيه، إلا أنها حاولت الصمود إلى النهاية.
أخفت توترها بابتسامة ليس لها مصدر، دقات قلبها ترتفع، ريقها تخلى عنها وجف.
تقدمت خطوة إلى الأمام مقتربة منه إلا أنه منعها بكلمة صارمة:
– مكانك.
تجمدت قدماها لتخفض رأسها إليه، عاد بنظره إلى شبه المنهارة بجواره، رفع أطراف أصابعه وأدخل خصلتها الشاردة من حجابها، دموعها حائل لرؤية عينيها الزرقاء، خيط بسيط يسقط من أنفها مع بعض الدماء على شفتيها.
نزل بأصابعه على وجهها يزيل ما عليه محررا شفتيها.
زفر بضيق صدر مردفًا:
– اخرحي من هنا.
ألف معنى واحد فقط طردها من قصره كعقاب على قهر زوجته، قبضته عليها اختفت، تخلى عنها مثلما تخلت عنه بوقت من الأوقات.
رفعت عينيها إليه تبحث عن حبه لها تعاتبه بكلمات صامتة، أبعد وجهه عنها لتخرج من الجناح مكسورة مهزومة بحرب لم تكن قادتها من حال الأساس.
على اختفاء رنة كعبها فتح عينيه واستعاد قوته يعترف بكل صراحة وجودها يضعفه.
– سامعك.
هدوءه موتر لها، أخطأت تعلم، إلا أنها لا تستحق العقاب.
فركت بيديها وأخرجت زفرة عالية تعبر عن مدى القشعريرة المصابة بأنحائها.
ثانية والثانية تقف بلا صوت تجمع بعقلها أي جملة مفيدة تحاول بها إثبات حسن نيتها.
مل من الانتظار صارخًا بغضب:
– انطقي.
انتفضت بقوة على أثر صوته، سقطت الدموع منها بخوف مردفة:
– آسفة، عارفة إني غلطت، بس فعلا آسفة أنت جوزي حقي، عرفت إنك فضلت عندها ساعة في الاسطبل، عرفت إنها رجعت مرة تانية بعد ما الكل ارتاح ممنه، عشان كدة عملت كدة عايزة أعرف هتقرب منها ولا لا، هي سابتك وهربت زمان، الغدر بيجري في دمها زي أهلها، مش لايقة عليك، مادام رجعت يبقى أكيد ناوي تتجوزها مش كدة؟
جذبها من عنقها واضعًا إياها تحت قبضته هامسًا بفحيح:
– ليه خلتيها تدخل الجناح هنا يا شكران، وبعدين دخلتي أنتي، عايز أسمع ردك من غير كذب، الكذاب عندي عقابه الموت.
ازرق وجهها، وصلت إلى حافة الاختناق، وضعت يدها على يده تخفف من ضغطه عليها مردفة:
– كنت عايزة أعرف هتقرب منها وتعمل علاقة ولا أنت عندك مشكلة مع الكل، دخلت عشان أشوفك في حضنها، عشان أطردها برة قصري تاخد اللي أنت عايزه منها والنار اللي جواك ترتاح.
نطرها بعيدًا عنه ليصطدم ظهرها بباب الجناح، لا يصدق تفكيرها، غضبه منها جعله لا يري أمامه شيء إلا أنه التمس لها ألف عذر على فعلتها قائلًا:
– اللي حصل ده هعتبر أنه ملوش وجود، بس من اللحظة دي لحد ما أقرر، أنا مش عايزك معايا في نفس الجناح لو فعلًا عايزة أنسى وأبدأ معاكي من جديد.
عادت إلى الغرفة تغلق على نفسها بابها بطاقة لم يتبقى منها سوى القليل، الحب مؤلم مرهق لأقصى درجة من درجات القسوة.
عادت برأسها إلى سنواتٍ طويلة مضت بيوم علمت به أنها أصبحت فتاة ناضجة.
أول لقاء بينها وبينه حتى لو لم يرَها أو يعلم بوجودها على قيد الحياة.
تتعلق بذراع والدتها تقودها إلى قصر السلطان لترى مصطفى للمرة الأولى بحياتها.
سمعت عنه الكثير ورسمت له ألف صورة بعقلها مزين ببحر من القوة والرجولة، حكاية قبل النوم تحكيها والدتها لها عن الشاطر مصطفى الذي سيأتي لإنقاذ حياتها من والدها الظالم.
جلست على العشب تحت إحدى الأشجار بجوار والدتها بلهفة مشتاقة تنتظر خروجه على أحر من الجمر.
ساعة إلا بضعة دقائق خرج أميرها بطلته الخاطفة للأنفاس.
رجل طويل يتميز بخصلات حمراء قصيرة، وجهه رغم سيطرة الملامح الغير مألوفة مثل البشرة ناصعة البياض والعيون الزرقاء إلا أنه مفعمٌ بالرجولة.
تعلقت أنفاسها بقفصها الصدري، اتسعت عيناها بانبهار، وسامته تخطت مراحل تخيلاتها بكثير.
تحشرج صوتها مشيرة إليه:
– هو ده الشاطر مصطفى يا ماما؟!
أومأت لها الأخرى بعيونٍ يفيض منها الندم، هذا كان حبيبها، سندها، ومصدر قوتها.
خديجة العوض الوحيد الذي تقدر على تقديمه إليه.
يستحقها وتستحقه، الاثنين بحاجة ليد تعيد لهما الروح.
بابتسامة بلهاء وحماس طفلة مراهقة مشاعرها تبدأ تنبت أردفت خديجة:
– دة حلو أوي يا ماما أجمل من القصص بتاعتك بكتير، هو دة اللي هيبقى جوزي.
معتقدات فتَّحت عينيها على الحياة وجدتها أمامها لتقع بحب رجل لا يراها.
عادت مرة أخرى لواقعها تفكر، أهي تحبه بالفعل أم ما يعبث بقلبها مجرد أوهام وطلاسم مبهمة.
دلف إلى الغرفة متى وكيف لا تعلم، تشعر فقط بعناق حار يضمها من الخلف.
دفن وجهه بعنقها، شرودها سمح له بالاقتراب ليحدث بينهم اتصال روحي حاد.
وجودها معه لذيذ، ابتسامتها أكثر متعة، رائحتها تشعره بأنه مازال على قيد الحياة، همس إليها بصوتٍ حائر:
– إحساس قربي منك جديد عليا، حاجة بتقولي أقرب أكتر لأني معاكي انتي وبس هرتاح، انتي عارفة إني أكبر منك بأربع عشرة سنة، فرق كبير أوي يا خديجة، بس كأني ابنك وأنتي أمي برتاح معاكي ونفسي بس أشوفك، تفتكري دة معناه إيه؟!
دارت بوجهها تقف أمامه تقرأ الصدق بعينيه تتمنى أن يكون ما وصل إليها حقيقة، ارتجف فكها متوترة، خائفة، تائهة ببحرٍ تخشى الغرق بداخله.
عيونه عاجزة مثل عينيها، لذلك أردفت بتذبذب:
– اللي أنت حاسس بيه ده مالوش إلا معنى واحد وتقريبًا مستحيل يكون حقيقي لأنك…
قاطعها واضعًا إصبعه على شفتيها مردفًا بنبرة متلهفة:
– المعنى اللي وصل ليكي إيه؟!
خفضت رأسها أرضًا، أصابتها حُمرة الخجل، تحديقه بها ولهفته ترفرف بعض الفراشات بمعدتها.
– ممكن تكون بتحبني؟!
سؤال هي لم تجيبه، بل وضعت سؤالًا عجز كلٌ منهما عن جوابه.
هل هذه المشاعر حب أم مجرد تعويض وتعود على ملامح حبيبته التي تحملها جعلته يشعر بمتعة الانتصار؟!
رفع وجهها إليه، قرأ أفكارها، ربما أفكاره متشابهة لها بنسبة كبيرة، ابتسم لها بصفاء قائلًا:
– مش عارف ده حب، ولا له اسم تاني، إيه رأيك لو نجرب إنه حب ونشوف هنوصل لفين في النهاية؟!
تجربة مثل هذه مخيفة تضع بينهما عراقيل فوق ما لديهما، إلا أنها ستخوضها مثل الحرب والنهاية تتركها لوقتها.
لطالما تمنى الاستمتاع بوقته والشعور بالدفء العائلي، وها هي أتت إليه الفرصة على طبق من ذهب.
أومأت برأسها لتنير وجهه بسعادة خالصة ليردف بجدية:
– قوليها عايز أسمعها منك.
– موافقة.
جمع حروف الكلمة بصعوبة بالغة من حركة شفتيها لا أكثر، خجولة وهذا يزيدها جمالًا وحُسنًا، أصبحت فتنة تأخذه إلى أبعد الحدود، نظر بعينيها قائلًا:
– طيب روحي اتوضي عشان نبدأ مع بعض حياتنا كزوج وزوجة برضا ربنا.
انتهت الصلاة لتغلق عينيها هاربة من أي اتصال بصري يجمع بينهما بهذة اللحظة.
ابتسم عليها بمرح ثم حملها إلى الفراش يبدأ معها أول خطوات طريقهما المغلق.
بدمعات ساخنة أخذت تودع المكان حولها للمرة الأخيرة، لكل ركن هنا لها ذكرى مميزة تكفيها العيش من أجلها باقي عمرها.
ألقت نظرة أخيرة على وجودها ثم أغلقت الباب خلفها، أمنيتها فقط الدخول إلى غرفة طفولتها.
مثل اللصة تدور حولها خائفة ليجدها أحد بالغرفة التي حرمها السلطان على الجميع، فتحت الباب بهدوء حذر ثم دلفت سريعًا مغلقة إياه خلفها.
سقطت دموعها أكثر بتلقائية، كل شيء على بصمة كفها.
رائحة الطفولة المهلكة بكل زاوية، على هذه الأريكة ارتدت حجابها، موضع السجادة المفرودة بأرضية الغرفة تعلمت الصلاة وحفظ القرآن تحت إشرافه.
سنوات ممتعة لذيذة تسير أمام عينيها لو بيدها لجعلت الزمن يتوقف عند موقف عين تعيش معه قليلًا.
أزالت قطراتها الملتهبة بأطراف أناملها متذكرة كيف سمعت كلمات إحدى الخادمات مثل الحمقاء، “ستموت إذا ظلت بالقصر، هي ابنة الأعداء قُتلت عائلتها على يده ويد السلطان والده”.
طفلة صغيرة ترى العالم كله بعينه، تدور بدائرة من صنعه، تفاجأت بالحقيقة، خافت، تمنت لو تقدر على كرهه إلا أنها لم تستطِع فعلها حتى الآن.
عقلها توقف، تفكيرها انحصر بنقطة اللا رجعة لتتركه وتهرب منه إليه.
صورة طفولية تجمعها به بوقت بدأت مشاعرها تتجه إليه وتراه حبيب، ليس فقط والد وصديق.
لماذا أعطى لها الإذن بالذهاب ببساطة؟! لمَ لمْ يدافع عن حقه بها؟!
– كنت فاكر وقتها إنك عندك حق، زي ما أنتي كنتى طفلة أنا كمان كنت طفل، مشيتي وقلبي معاكي، رسمت لسنين عمرنا حاجات كتيرة حلوة مفيش حاجة واحدة عشناها سوا يا قمر.
للحظة انتفض جسدها برعب حقيقي من فكرة وجوده يقف أمامها.
ارتخت قوتها وألقت بنفسها على فراشها الصغير مصدر أمانها الكبير.
لا تتذكر ملامح عائلتها أو كيف كانوا، فقط ذاكرتها متعلقة بكيف كان هو.
لازالت ترى الذنب الأكبر بفراقها عنه، هو، عن أي طفل يتحدث.
تجرأت أخيرًا وعادت هيف التي تعرفها مردفه بنبرة مزيج من السخرية والعتب:
– طفل عن أي طفل بتتكلم يا مولاي؟! تقصد الأمير بدر اللي حارب في عمر 8 سنين ولا تقصد حفظك للقرآن كامل وفهمك للطب والتاريخ وعلوم الطبيعية، بتحاول تكذب عليا ولا على نفسك، جلالتك سبتني أمشي لأنك عايز ده، كان في إيدك تشرح ليا الحقيقة وأنا زي العادة هسمعك وأصدقك كمان، دلوقتي للمرة التانية بتتخلي عني بس معاك حق زمان كنت حقي من الزمن ودلوقتي حقها هي، همشي زي ما جلالتك أمرت.
أخرسها بوضع أصابعه الخمس على شفتيها يمنعها من إكمال حديثها.
ها هي أيضا للمرة الثانية تفضل الهروب من البقاء بجواره تدافع عن حقها به، تختار دائمًا الدرب الأسفل وتسير به دون النظر للجريح خلفها.
من بين أسنانه أردف:
– اسكتي، تعرفي تسكتي، برضو عايزة تهربي وتبني بيني وبينك سور جديد، مفيش هروب ولا خروج من القصر ده يا هيف، سامعة، اعتبري نفسك في سجن لحد ما أموت ابقى اخرجي منه براحتك، و الجناح دة زي ما خرجتي منه قبل كدة بإرادة منك و دخلتيه برضو بإرادة منك، الخروج بأمر مني أنا لما أشوف إنك تستحقي تشوفي النور.
سعيدة راضية لا يفرق معها عقابه أو ضوء الشمس المهددة بعدم رؤيته، تمسك بها منعها من الرحيل وهذا كافٍ جدًا لترتاح روحها ويشغل قلبها بنيران الأشواق من جديد.
أومأت له بابتسامة اعتادت على خطف أنفاسه من بين حنايا صدره.
ابتعد عنها، وجوده معها بهذه الغرفة خطأ كبير سيقع به كلّا منهما.
فتح باب الجناح ليسمع صوتها الهامس ينطق حروف اسمه بتقطع:
– بدر.
ثبت بمكانه لعدة ثواني مبتلعًا ريقه بأعجوبة ثم دار بوجهه لها.
أعطت لشفتيها بعض الطراوة بلسانها مردفة:
– بحبك حتى وأنا متأكدة إنك بقيت ملك غيري، السلطانة شكران بتحبك أوي على فكرة.
– عارف بس أعمل إيه في قلب مربوط بشخص واحد ومفيش مكان لاتنين.
____ شيما سعيد _______
أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة
تكملة الرواية من هناااااااا
التعليقات