رواية العذراء والصعيدي الفصل الخامس والسادس بقلم نور الشامي (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)
رواية العذراء والصعيدي الفصل الخامس والسادس بقلم نور الشامي (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)
الفصل الخامس
العذراء والصعيدي
شهقت غيم بفزع وفتحت عينيها بسرعة ووجدت نفسها مستلقية على الفراش أنفاسها متقطعة وقلبها ينبض بعنف داخل صدرها.. كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت يتسلل من النافذة وصوت الرياح بالخارج يضرب النوافذ وكأنه يعكس العاصفة داخلها فـ وضعت يدها على قلبها تحاول تهدئة أنفاسها، لكن صوت الباب وهو يفتح ببطء جعل الرعب يتجدد في عروقها فجلست بسرعة وشهقت عندما رأت جارح يقف عند الباب ملامحه جامدة وعيناه معتمتان وهو ينظر إليها مرددا:
“مالكِ؟ بتصرخي ليه اكده.. في اي عاد
ابتلعت غيم ريقها بصعوبة قبل أن تهمس بصوت مرتجف:
أنا… كنت بحلم.. حلم وحش جوي
رفع جارح حاجبه واقترب منها قليلا ثم مال برأسه قائلاً بسخرية:
حلم؟ ولا ضميرك بدأ يأنبك؟”
تجمدت غيم في مكانها وهي تشعر أن كابوسها لم ينته… فـ زفر جارح بضيق وبحركة سريعة بدأ بفك أزرار قميصه وسحبه عن جسده ثم ألقاه بلا مبالاة على الكرسي القريب وتقدم نحو الفراش واستلقى بجوارها، بينما غيم تصلبت مكانها، عيناها تتسعان برعب وهي تراقبه دون أن تجرؤ على التفوه بحرف فـ أغلق عينيه وهو يتمتم بصوت متعب:
انا مش ناجص صداع… تعبان وهنااام ومش عايز حد يصحيني فاهمة؟”
بلعت غيم ريقها بصعوبة وهي تحاول أن تحافظ على مسافة بينهما لكن حتى مع ذلك شعرت بثقله القريب و بتنفسه المنتظم، وكأن وجوده وحده يملأ المكان بالخوف. ظلت مستيقظة لفترة تنظر إلى السقف محاولة استيعاب ما يحدث حتى غلبها الإرهاق وأغمضت عينيها بحذر غير قادرة على التخلص من التوتر الذي يحيط بها وفي الصباح استيقظت لتجد الفراش فارغا فـ ارتدت ملابسها بسرعة وخرجت من الغرفة وهي تتجول في أروقة القصر الواسع بتوتر حتى وصلت إلى المطبخ حيث وجدت الخدم يعملون بصمت.تقدمت بخطوات حذرة وقالت بابتسامة مرتبكة:
صباح الخير… ممكن أساعدكم؟
تبادل الخدم النظرات، قبل أن يجيب أحدهم بارتباك:
احنا… مش محتاجين مساعدة، بس شكرا يا ست غيم.. ارتاحي انتي مش عايزين نتعب حضرتك
تجاهلت غيم حديثهم وتقدمت أكثر، التقطت أول شيء وجدته أمامها وعندما أوشكت على استخدامه انطلقت صرخة حادة من لؤلؤ التي اردفت:
إنتي عايزة تجتلينا كلنا.. مالك انتي بالواكل… فاكره نفسك صاحبه البيت.. لع يا جبيبتي انتي تلزمي حدودك وتعرفي حجمك في البيت اهنيه فاهمه
حبست غيم أنفاسها ونظرات الخدم تجمدت عليها فاردفت بتوتر:
وانتي مالك.. انا اعمل ال يعجبني. مش من حقك تجوليلي اعمل اي ومعملش اي… انا مش صاحبه الدار وانتي ال صاحبه الدار جوي… انتي كمان ملكيش اي لازمه اهنيه ومش معني اني سكتالك تفتكري اني ضعيفه او خايفه منك.. لع يا حبيبتي.. الزمي حدودك معايا احسن و
لم تنهي غيم كلماتها وفجأه تلقت صفعه قويه علي وجهها من الجده التي اردفت بغضب;
انتي ازاي تتجرائي وتعلي صوتك علي لؤلؤ… فاكره نفسك صاحبه الدار بجد ولا اي… دا الخدم ال واجفين جدامك دول احسن منك… اعتذري فورا
تجمدت غيم مكانها بعد الصفعة، وضعت يدها على وجنتها بذهول، عيناها متسعتان من الصدمة ونظرات الخدم تلاحقها فـ تمتمت بصوت خافت:
انا آسفه
ضحكت لؤلؤ بسخرية وهي تضع يدها على خصرها مردده’
أهو كدا الكلام.. خليكي في حدودك فاهمة يا عذراء؟ مش انتي عذراء برده..اصل انا عارفه جارح كويس جوي مستحيل يلمس واحده رخيصه زيك.. الا جوليلي الصراحه يا غيم.. مين ال خونتي عصام الله يرحمه معاه
ضغطت غيم على أسنانها تمنع نفسها من الرد ثم استدارت بسرعة وغادرت المطبخ بخطوات متوترة تحاول كتم الغضب الذي يغلي داخلها ما إن خرجت حتى شهقت تأخذ نفسا عميقا وهي تبكي بشده حتي قاطعها صوته وهو يردد:
غيم.. انتي كويسه
نظرت غيم بصدمه وارتمت بين احضانه بلهفه مردده:
فريد… انت جيت انتي… ابوس يدك خرجني من اهنيه بالله عليك يا فريد
تنهد فريد بضيق وهو ينظر حوله، محاولًا استيعاب التوتر الذي يحيط بالمكان، لكن فجأة، دون أي إنذار، تلقى لكمة قوية من جارح جعلته يترنح للخلف و شهقت غيم بفزع وهي تندفع نحوه، لكن جارح كان أسرع، أمسكها من معصمها بعنف وسحبها إليه، عيناه تشتعلان بالغضب وهو يزمجر:
إنتي بتحضني مين عاد ؟! مين ده.. انتي اتجننتي يا بت انتي ولا اي بالظبط.. جايبه البجاحه دي كلها منين عاد
حاولت غيم التملص من قبضته وهي تصيح بغضب:
سيبني يا جارح.. ده فريد، ابن خالتي.. سيبني في حالي
لم يهتم جارح بكلماتها بل التفت نحو فريد الذي استعاد توازنه ومسح الدم عن زاوية فمه، عاقدًا حاجبيه بحدة.
إنت مجنون؟!
قالها فريد بصوت غاضب فرد جارح بغضب:
لو لمستها تاني، مش هتخرج من اهنيه سليم.. انا لا بتاع ابن خالتي ولا ابن عمتي.. انت محرم عليها وجو لعب العيال دا مش عندي.. لو هي متعوده علي اكده.. فـ لع
نظرت غيم إليه بذهول قبل أن تدفعه بقوة وهي تصرخ:
وانت مالك؟! مين إنت علشان تتحكم فيا؟! فريد زي أخويا وانا مش معتبراك جوزي اصلا.. بكرهك.. بكرهك انت واخوك ال ربنا لا يسامحه.. اخوك الخاين الكداب.. تعرف بجا هو يستاهل الحتل وانا مش ندمانه اني جتلته ولو جالي فرصه اني اجتله تاني هجتله واشرب من دمه كمان الوسخ و
لم تنهي غيم جملتها حتى شعرت بصفعة نارية تهوي على وجهها بقوة جعلتها تترنح للخلف وهي تضع يدها على وجنتها بذهول و جارح يقف أمامها عيناه تشتعلان بغضب أسود أنفاسه تتلاحق وكأنها خرجت عن سيطرته، بينما يده ما زالت معلقة في الهواء، وكأنه لم يصدق ما فعله للتو
إنتي تجننتي؟!
صرخ جارح بصوت اجتاح أرجاء الحديقة فارتعشت غيم لكنها تماسكت رفعت وجهها متحدية بغضب :
ايوه… مجنونة! ولو رجع بيا الزمن هعملها تاني وهنتجم منكم كلكم
أطبقت قبضة جارح بقوة وكأنه يحاول السيطره علي نفسه مرددا:
ادخلي جوه قبل ما يوحصل مصيبه.. جسما بالله انا ممكن اجتلك دلوجتي حالا
نظرت غيم اليه بغضب ولم تتحرك بل بقيت جامدة في مكانها تتنفس بسرعة، وعيناها تملؤهما الدموع والقهر. أما فريد، فكان يراقب المشهد بصمت… أنامله مشدودة بجانبه ثم فجأة اردف ببرود:
دا انتوا كلكم اكده بجا..عيله زباله..ما كنتوا تجولوا من الاول انكم عيله واطيه الا تكون انت كمان عاجز زي اخوك يا جارح…اصل انت عارف إنها مش طايقاك وعايزها غصب ودي حاجة مقرفه الصراحه.. يبجي عايز تخبي علي خيبه اخوك صوح
استدار إليه جارح ببطء وابتسامة ساخرة امتدت على شفتيه قبل أن يقول بصوت منخفض :
يخرب بيتك… بتتدخل ليه في ال ملكش فيه بس مبسوط بال هيوحصل دلوجتي ؟
وبدون مقدمات انهال عليه بلكمة أخرى جعلته يترنح للخلف لكن هذه المرة لم يقف فريد متلقيًا الضرب بل ردها له بقوة، ليبدأ العراك بينهما وسط شهقات غيم التي وقفت تحاول الفصل بينهما دون جدوى مردده بصراخ:
كفاية … كفايه بجا بالله عليكم.. فريد امشي… علشان خاطري امشي بالله عليكي يا فريد
نظر فريد إلى غيم التي كانت تبكي بضعف و قلبه يشتعل بالغضب لكنه زفر بقوة يحاول كبحه ثم استدار بصمت وغادر سريعا غير راغب في تعريضها لمزيد من الأذى أما جارح، فشد معصمها بقوة وسحبها خلفه إلى الطابق العلوي دون أن يمنحها فرصة للاعتراض، بينما هي تحاول التملص من قبضته دون جدوى وبمجرد أن دخل بها إلى الغرفة، أغلق الباب خلفه بقوة، واستدار إليها وعيناه تضيقان بحدة مرددا:
بجا انتي عذراء… وأخويا كان عاجز… صح؟ دا ال كنتي بتجوليه من شويه، صوح.. جولتيه جدام الدنيا كلها.. يعني ممكن يكون اي حد سمعه لع وانا ميهونش عليا ان مرتي الحلوه تبجي اكده
ارتجفت غيم بخوف وهي تتراجع للخلف لكن جارح لم يمنحها الفرصة، تقدم إليها بسرعة حتى التصقت بالحائط…و يده امتدت وأحكمت قبضتها على ذراعها وعيناه تلمعان ببرود قاتل وهو يتمتم بسخرية:
انا هعرفك ازاي تجولي الكلمه ال جولتيها دي علي اي حد من عيله الاسيوطي.. جسما بالله لهدفعك تمن كل ال عملته دا غالي جوي
القي جارح كلماته وهو يمسك بطرف قميصه وبدأ في فكه ببطء عيناه مثبتتان على غيم التي كانت ترتجف بشدة عيناها تتسعان برعب وهي تراه يقترب أكثر مردده’
جارح بالله عليك سيبني… ابوس يدك… جسما بالله انت ما فاهم حاجه والله.. سيبني بالله عليك.. يا عاالم حد يساعدني بالله عليكم
تجاهل جارح رجائها ومد يده وانتزع وشاحها بعنف، ثم أمسك بطرف فستانها ومزقه بقسوة وصرخاتها المرتجفة لم تردعه بل ازداد غضبه وهو يقول بسخرية:
هششش… لسه وفري الصراخ دا لبعدين
حاولت غيم دفعه بكل قوتها ودموعها تنهمر بغزارة وهي تتوسل إليه لكنه كان في عالم اخر وانقض عليها كوحش ثائر ينتقم من فريسته
في مكان آخر، بعيدا عن القصر وصراعاته، كان شفيق يجلس في غرفة شبه مظلمة داخل منزل قديم مهجور عينيه تلمعان بترقب وهو يحدق في الرجل الجالس أمامه مرددا:
لازم نكمل ال بدأناه… مفيش تراجع دلوجتي.. ال اتفاجنا عليه يتنفذ يا شفيق… واوعي حد يعرف انا مين…علشان هتبجي مصيبه.. لازم ابجي جمب عيله الاسيوطي من غير ما يعرفوا مين اكبر عدو عليهم
لكن شفيق لم يرد مباشرة، شرد للحظة وهو يتذكر تلك الليلة المشؤومة الليلة التي لم يكن فيها مقتل عصام كما بدا للجميع و عندما ضربته غيم بالسكين، لم يكن عصام قد فارق الحياة بعد. كان ما يزال يتنفس يتلوى من الألم وهو يضغط على الجرح الغائر في جسده بينما غيم، بعد أن رأت الدماء، تركته وركضت خارج الغرفة تلهث وتحاول إيجاد أي شخص يساعدها لم تكن تعلم أن هناك من يراقب كل شيء من الظل عندما دخل شفيق إلى الغرفة مره بعد لحظات نظر إلى عصام الذي كان يحدق به بعينين مرتجفتين محاولا التمسك بالحياة وقبل أن يستطيع التفوه بكلمة اقترب منه شفيق، ركع بجانبه و أمسك بسكين أخرى، وغرسها في قلبه دون تردد منهيًا حياته إلى الأبد
عاد إلى الحاضر وهو يسمع صوت الرجل الآخر يكرر عليه حديثه:
لازم نكمل وجارح لازم يدفع الثمن غالي جووي… تمن موت ابني.. ابني ال دفنته بأيدي بسببه… انا هدمر العيله دي كلها.. جسما بالله لهجتلهم واحد واحد لحد ما بنتي تظهر كمان… بنتي ال بجالها سنين مختفيه معرفش عنها حاجه هما دمروا حياتي
لكن شفيق هز رأسه بحدة، وقال بصوت متحجر:
انت مش فاهم يا بيه … جارح بيه اتجوز البنت دي.. مستحيل يسيب حد يلمسها.. هيجتلنا يا بيه قبل ما نلمسها.. مهما كان دي مرته
ابتسم الرجل الآخر بسخرية وهو يميل نحوه مردفا:
بجد.. طيب خلاص مدام انت خايف جوي اكده يبجي انا هتصرف… اسمها اي البنت دي
شفيق بتوتر:
غيم يا مسعود بيه… اسمها غيم
ابتسم مسعود بخبث وهو يردد اسمها
اما عند جارح كان يجلس على حافة السرير عاري الصدر، يمرر يده بين خصلات شعره بخفوت قبل أن يلتفت إليها. كانت غيم تجلس على طرف الفراش تغطي جسدها المرتجف بالملاءة وجهها شاحب ودموعها تنساب بصمت وجسدها يهتز من شهقاتها المكبوتة فـ نظر إليها مطولا وعيناه تتأملان ملامحها المصدومة ثم دون أن يشعر، اتسعت عيناه بصدمة خفية وهو يدرك الحقيقة… لقد كانت عذراء حقا لم تكن تكذب مثلنا توقع… فزم شفتيه بقوة وهو يتنفس بحدة وبداخله شعور غريب يتسلل إليه لكنه سرعان ما تداركه، وألقى عليها نظرة باردة قبل أن يقول بصوت حاد :
حتى لو كنتي مش بتكدبي في دي… مستحيل أصدج إن أخوي كان عاجز ومستحيل أسامحك إنك جتلتيه… عمري ما هسامحك وهنتجم منك… انا بكرهك يا غيم.. ودلوجتي خلتيني اكره نفسي كمان علشان لمستك ولمستك بالطريجه دي.. عمري ما كنت اتخيل اني اعمل اكده وبسببك خلتيني اقرف من نفسي
القي جارحكلماته وشد قميصه وسحبه بسرعة، ثم ارتداه دون أن ينظر إليها قبل أن يخرج من الغرفة بخطوات قوية تاركا إياها وحدها منهارة وسط دموعها فـ غطت وجهها بيديها وشهقاتها تخرج متقطعة، لم تصدق ما حدث… لم تصدق أنه أخذ منها كل شيء، ثم رحل كأنها لا تعني له شيئا.. فمسحت دموعها بسرعة ونهضت ز ارتدت ملابسها بارتجال وقررت لا يمكنها البقاء هنا لن تتحمل العيش في هذا المكان ولو ليوم آخر وبخطوات مسرعة خرجت من الغرفةو قلبها ينبض بعنف وهي تتجه نحو باب القصر لم تفكر و لم تتردد فقط أرادت الهروب بأي ثمن… لكن ما إن خطت خارج البوابة حتى تجمدت مكانها ويناها اتسعتا بصدمة عندما توقفت سيارة سوداء أمامها بسرعة قبل أن يفتح الباب فجأة ويخرج منها رجال مقنعون، أمسكوا بها بقوة قبل أن تصرخ ودفعوها إلى الداخل بسرعة فـ شهقت وحاولت المقاومة مرددا:
الحقووني..انتوا مين..يا ناس حد يساعدني..جاارح..جارح و
لم تنهي غيم كلماتها وسرعان ما أُغلق الباب وانطلقت السيارة بسرعة جنونية أما جارح الذي كان قد خرج من المنزل. فتجمد في مكانه وهو يرى المشهد أمامه وعروقه تنتفض بغضب زصوته يهدر بجنون وهو يركض نحو السيارة التي اختطفتها مرددا بصراخ:
غيييييم و
الفصل السادس
العذراء والصعيدي
وقف جارح في منتصف قاعة القصر، عروقه بارزة من شدة الغضب، عيناه تقدحان شررًا وهو يحدق في جدته ولؤلؤ صوته كان كزئير غاضب وهو يهدر:
ملكمش دعوة؟! إزاي تجولوا اكده؟! تتخطف ولا تموت وأنتو واجفين هنا بتتفرجوا.. دي مرتي يا حجه.. طيب لؤلؤ بتكره اي حد من زمان جوي… انتي بجا.. مش هامك ان مرتي اتخطفت
رفعت الجدة حاجبيها، وعلامات البرود واضحة على ملامحها، بينما لؤلؤ تراجعت خطوة للخلف، تحاول التهرب من نظراته الثاقبة واردفت الجده:
إحنا مش مسؤولين عنها… تموت ولا تولع متهمناش… هي ال جتلت حفيدي مطلوب مني اعملها اي عاد.. اروح ادور عليها ولا كانها عملت حاجه.. انا بكرها ولو اجدر ادوس علي رجبتها هعمل اكده اكده عادي ولاهيهمني بس
لم يحتمل جارح المزيد، فاستدار ليصب غضبه على الحراس الواقفين عند الباب مرددا :
وأنتو! إزاي حد يجدر يتسلل وياخدها من تحت عنيكم؟! إنتو موجودين اهنيه ليه؟ للزينة؟!”
تبادل الحراس النظرات في صمت، لا يجرؤ أحدهم على الرد، حتى قطع المشهد بدخول شاب طويل القامة، ملامحه تشبه جارح إلى حد ما، لكنه أكثر هدوءًا. كان فارس، ابن عمه، الذي تقدم بثقة قائلاً:
اهدى يا جارح، هنلاجيها انا وصلت اهه ومش راجع تاني خلاص
نظر إليه جارح بعينين محمرتين من الغضب، لكن كلماته حملت شيئا من الطمأنينة حتي دخل احدي الحراس مرددا بلهفه:
يا بيه عرفنا العربيه نزلت الست غيم فين وجيبنا المكان ومتأكدين انها موجوده هناك دلوجتي
جارح بلهفه:
يلا بسرعه خلينا نروح دلوجتي حالا. .. يلا يا فارس
القي جارح كلماته وذهب فنظرت لؤلؤ الي الجده بضيق ورددت:
هو في اي يا حجه.. هو بيحبهاا ولا اي عاد.. خلاص اكده هيفضل معاها يعني ولا اي… انتي عارفه اني بحبه مجدرش اعيش من غيره ووعدتيني اني هتجوزه.. بس بالنظام دا شكلي مستحيل اتجوزه
تنهدت الجده بضيق واردفت:
مستحيل يكمل معاها.. انا عارفه جارح زين.. جارح مش هيكمل مع ال جتلت اخوه.. انتي ناسيه انها جاتله ومش بس اكده كمان دي كانت عايزه تشوه سمعتنا وسمعه العيله كلها.. دي اتهمت عصام الله يرحمه انه عاجز.. مستحيل يحبها.. هو هيعذبها وبعدها يجتلها خالص.. فمتخافيش
القت الجده كلماتها بضيق وفي مكان اخر عند غيم كانت جالسة في الزاوية، يديها مكبلتان خلف ظهرها، جسدها يرتجف، وعيناها مغرورقتان بالدموع التي لم تعد تحاول كتمانها. الخوف كان ينهشها من الداخل، وكل ما يدور في عقلها هو كيف انتهى بها الحال هنا، وحدها، بلا حول ولا قوة.
ارتجفت حين سمعت صوت خطوات تقترب، زادت ضربات قلبها بعنف حتى شعرت أنها ستخرج من صدرها. دخل الرجل الغرفة، عيناه تتفرسان فيها بنظرة مقززة، وقبل أن تفكر في أي شيء، كان قد خطا نحوها فـ تراجعت غيم إلى الخلف حتى التصقت بالجدار البارد، أنفاسها تتلاحق، وعيناها تتسعان برعب وهي تراه يقترب أكثر. حاولت الهروب، لكن قبضته كانت أسرع، أمسك بها بخشونة فصرخت بغضب:
“سيبني! ابعد عني.. انت عايز مني إيه؟! يا عااالم حد يساعدني بالله عليكم.. سااعدوني
ضحك الرجل بسخرية وهو يقترب أكثر، صوته كان كريها وهو يهمس:
“هتوفري على نفسك التعب لو بطلتي العناد ده. في جميع الحالات انتي بتاعتي النهاردة، مستحيل اسيبك.. انتي ليا بس، عنادك ده بس هيخلي الموضوع أحلى!”
اقترب أكثر، ورفعت غيم يدها تدفعه لكنها كانت ضعيفة أمام قوته، وعندما كاد يمد يده إليها، دوى صوت انفجار عنيف، اهتزت الجدران، وانفتح الباب بعنف.
شهقت غيم بلهفة عندما رأت جارح يقف هناك، عيناه تشتعلان بالغضب، أنفاسه مضطربة، أشبه بوحش خرج لتوه من العاصفة. صوته جاء هادرًا، قاطعًا السكون:
“إبعد عنها يا ابن الـ*! جسما بالله ما أنا سايبك!”**
حاول الرجل أن يتراجع، لكن جارح لم يمنحه فرصة، وقبل أن يتمكن من سحب غيم كدرع، انطلقت رصاصة. شهقت غيم وهي تشعر بجسده يصطدم بها بقوة، لم تفهم ما حدث حتى رأت الدماء تلطخ قميصه الأبيض، فصرخت بفزع:
“جااااارح… حاسب!”
مدت يديها نحوه برعب، لكنه لم يسقط، ظل واقفًا، يحدق في الرجل الذي بدأ يتراجع بخوف. في اللحظة التالية، كان حراس جارح قد اقتحموا الغرفة وهم يصوبون أسلحتهم، فأردف جارح بصوت بارد لكنه محمل بالغضب القاتل:
“امسكوه… قبل ما أفقد أعصابي وأخلص عليه بنفسي.. بس جسما بالله، لـ هحليه يتمنى الموت ومش هيلاجيه! هعلمه إزاي يتجرأ ويلمس مرت جارح الأسيوطي!”
ألقى كلماته بصوت متحشرج بالألم لكنه لم يسمح لنفسه بالسقوط. نظرت إليه غيم، عيناها تملؤهما الدموع، تراه يتألم لكنه لا يظهر ضعفه. مد يده إليها، وعندما أمسكت بها، همس بصوت منخفض بالكاد تسمعه:
“إنتي كويسة؟”
هزت رأسها، دموعها تنهمر، لكنه لم يكن قادرًا على الثبات أكثر… شحب وجهه أكثر، انحنت ركبتاه، ثم سقط أمامها فجأة. شهقت غيم، ركعت بجانبه، وهتفت بصوت مختنق:
“جاااارح… اطلبوا الإسعاف بسرعة! جارح بيموت!!”
القت غيم كلماتها ببكاء وفي صباح يوم جديد وقفت غيم أمام غرفة العمليات، جسدها متصلب… قدماها لا تستطيعان حملها، ودموعها تنهمر دون توقف. لم تفهم أي شيء مما يجري و الأصوات حولها مشوشة و الأطباء والممرضات يركضون والأوامر تتطاير في الهواء والباب الكبير مغلق أمامها كأنه يفصلها عن الحياة فـ وضعت يدها على فمها تحاول كتم شهقاتها عيناها معلقتان بذلك الباب وكأنها تنتظر أن يخرج منه أحد يخبرها أنه بخير… أنه لم يمت.. أن كل هذا مجرد كابوس وستستيقظ منه قريبا:
لازم يكون بخير… مستحيل يموت…لع.. مستحيل يموت اكده… يارب.. يارب ساعده يارب
كانت تهمس بهذه الكلمات لنفسها كأنها تحاول تصديقها لكن الواقع كان أقسى من أن يطمئنها ولم تشعر بمرور الوقت حتى وجدت يدا تربت على كتفها واستدارت فوجدت والدتها أمامها و ملامحها يكسوها القلق، وبصوت متهدج اردفت :
غيم… لازم تيجي معانا حالا… مفيش وجت.. انا مش هسيبك اهنيه اكتر من اكده..كفايه بجا قله قيمه.. انتي هتيجي معايا
نظرت إليها غيم بعينين غارقتين بالدموع، تحاول استيعاب كلامها لكنها لم تجد أي معنى للهروب الآن و هزت رأسها برفض وهمست:
مش هسيبه… أنا السبب في ال حوصله… مش هبعد عنه دلوجتي وهو في الحاله دي و
لكن قبل أن تتمكن والدتها من الرد كان فارس قد ظهر فجأة، يقف أمامها بحزم عينيه تراقبانها بحدة وهو يقول بصرامة:
مش هتروحي في أي حتة… يا حجه.. بنتك دلوجتي مرت جارح… ومينفعش تتحرك من اهنيه غير بأذن جارح.. وطول ما جارح تعبان انا دلوجتي المسؤول عن كل حاجه.. فبلاش نزود المشاكل احسن كفايه ال بيوحصل
نظرت إليه غيم بارتباك ثم إلى والدتها التي بدت متوترة لكن فارس لم يسمح لها بأي فرصة للحركة. ألقى نظرة سريعة على ممر المستشفى وكأنه يتوقع وصول أحدهم. ولم تمر سوى لحظات حتى وصلت الجدة ومعها لؤلؤ، والغضب يشتعل في أعينهما فـ تقدمت الجدة نحو غيم وبدون أي مقدمات، رفعت يدها وصفعتها بقوة على وجهها جعلتها تتراجع خطوة للخلف بصدمة قبل أن تتبعها لؤلؤ بصفعة أخرى على الجانب الآخر وهي تصرخ:
كل ده بسببك! انتي نحس انتي سبب المصايب ال حوصلت لجارح.. جسما بالله ما هسيبك.. انا هجتلك وارتاح منك.. كفايه عليكي اكده بجا… انا هخلص منك
شهقت غيم ووضعت يدها على وجنتها وهي تشعر بحرارة الألم تنتشر في وجهها. عيناها الواسعتان تحملان الدهشة والرعب، لكن قبل أن ترد، كان فارس قد اندفع واقفا بينهن، يمنع أي محاولة أخرى للاعتداء عليها مرددا:
“كفاية! مش هسمح لحد يمد إيده عليها تاني.. انتي اصلا بتمدي ايدك عليها بصفتك اي يا لؤلؤ… انتي ناسبه نفسك ولا اي عاد… انتي كمانزعملتي مصايب كتير جوي واولهم مصيبتك مع شمس ال منعرفش راحت فين لحد دلوجتي… فـ الزمي حدودك احسن
نظرت إليه الجدة بحدة، لكن فارس لم يتحرك، ظل ثابتًا في مكانه يحمي غيم بجسده، وكأنها أصبحت تحت حمايته الآن وفي هذه اللحظة، انفتح باب غرفة العمليات قليلًا، وخرج منه طبيب، لتلتفت جميع الأنظار نحوه بترقب فأردف الطبيب:
الحمد لله الحاله مستقره وهو دلوجتي هيروح اوضه عاديه وشويه وهيفوق .. حمد لله علي سلامته
القي الطبيب كلماته وذهب فـ رفعت غيم يديها للسماء ودموعها لا تزال تنهمر، وهمست بخشوع:
الحمد لله… الحمد لله أنك نجيته يا رب… شكرا يا رب
القت غيم كلماتها وظلت بجواره طوال الليل عيناها لم تفارقه للحظة ممسكة بيده كأنها تخشى أن يرحل فجأة. وحين بدأ يتحرك قليلا شهقت واقتربت منه أكثر، حتى فتح عينيه ببطء و نظر إليها نظرة غامضة ثم سأل بصوت مبحوح:
إنتي كويسة؟
ابتسمت رغم الدموع وهتفت بهدوء:
أنا كويسة… بس إنت… أنا آسفة… كل ده حوصلك بسببي.. بس حسما بالله ما اعرف كل دا من اي زلا مين دول… انا والله ما ليا ذنب في ال حوصل
تغيرت ملامحه في لحظة ونظرة قاسية حلت محل الإرهاق مرددا:
انا معملتش اكده علشان بحبك… أنا انقذتك علشان أنا ال هعذبك بنفسي مش حد تاني
ابتلعت غيم ريقها بصعوبة، لكنها لم ترد عليه، فقط همست بهدوء:
“مش مهم… المهم إنك بخير وبس
القت غيم كلماتعا ثم تحركت لتعدل وسادته واقتربت منه أكثر حتى أصبح أنفاسها مختلطة بأنفاسه ونبضاتها تتسارع وعندما التقت عيناها بعينيه شعرت بحرارة وجهها فابتعدت بسرعة وهي تتهرب من نظراته قائلة بصوت مضطرب:
كنت بس بعدلك المخدة…علشان ترتاح وتجعد كويس
ظل جارح يحدق بها بصمت بينما هي لم تجرؤ على النظر إليه مرة أخرى وفي يوم جديد كان يقف جارح أمام المرآة عاري الصدر يحاول ارتداء قميصه لكنه لم يستطع بسبب إصابته فـ زم شفتيه بغيظ وعندما حاول رفع يده شعر بألم طفيف ودخلت غيم بتوتر وتوقفت للحظة وهي تراه بهذا القرب لتتدفق ذكريات الليلة التي غيرت كل شيء بينهما..الليله التي اقام معها علاقه بالغصب فـ ارتجفت دون إرادة لكن سرعان ما تماسكت وهمست:
اسمحلي… أساعدك؟!
لم يرد فقط سمح لها بالاقتراب فـ أخذت القميص منه، وبدأت في إلباسه بحذر وأطراف أصابعها تلامس بشرته دون قصد و أنفاسها اضطربت عندما شعرت بقربه الشديد وحين رفعت رأسها وجدت عينيه معلقتين بها للحظة وساد صمت ثقيل حتى شعرت بقلبها يضرب بقوة فتراجعت سريعا وهي تهمس بتوتر:
خلاص… اكده تمام خلصت
وقبل أن يرد جارح انفتح الباب فجأة ودخلت امرأة متوسطة العمر بملامح قوية وابتسامة واسعة و هتفت بسعادة:
ياااه يا جارح واحشتني يا ولد أخوي
هرعت نحوه تعانقه بقوة، بينما غيم وقفت في مكانها، تراقب المشهد بصمت وبعد فتره داخل مكتب جارح في احدي شركاته كان يجلس جارح خلف مكتبه وصابعه تدق سطح الخشب بإيقاع متزن بينما ملامحه جامدة كالصخر وأمامه وقف فارس يداه في جيبيه وعيناه تحملان شيئا من التردد قبل أن ينطق بنبرة هادئة:
غيم كانت خايفة عليك جوي وانت في العمليات… مكنتش عايزه تتحرك من جدام الباب لحظة واحده…. كانت زي الملهوفة بتبكي وبتدعي ربنا ينجيك.. مش عارف ليهزحاسس ان فيه سر في موضعها.. مش مقتنع انها ممكن تكون جتلت عصام بس يمكن احساسي غلط… هي بنفسها اععرفت انها جتلته
توقفت أصابع جارح عن الحركة لثانية عيناه ظلتا معلقتين بالأوراق أمامه لكنه لم يرفع رأسه بل اردف ببرود واضح:
خلينا في المهم… مين ممكن يكون خطفها؟
زفر فارس بضيق، لكنه أدرك أن هذا هو جارح لا يسمح لمشاعره بالظهور بسهولة لذا لم يعلق على تجاهله لموضوع غيم و هتف بجدية:
أكيد فيه حد ليع عدواة معانا… بس عداوه مش سهله ال يخليه يعمل اكده.. ال كانوا عايزين يعملوه انتجام بغل وحقد.. لو شمس ليها اهل كنت جولت ان اهلها بس مستحيل علشان هي ملهاش حد… تفتكر مين ممكن يكون جتلهع ودفنها في بيت عصام… اكيد مش عصام هو ميعملش اكده دا كان بيحبها جوي
رفع جارح عينيه أخيرًا نظراته كانت تحمل شيئا غامضًا قبل أن يهز رأسه موافقًا:
غيم مينفعش تعرف عن شمس حاجة دلوجتي حالا.. مينفعش تعرف انها كانت مرت عصام و
وقبل أن يضيف أي شيء آخر انفتح باب المكتب ودخلت السكرتيره وهي تحمل في يدها ظرفا مغلقا ومدّته نحو جارح واردفت:
نتايج التحاليل ال عملوها لحضرتك ومدام غيم وجت ما كنتوا في المستشفى وصلت.. اتفضل
أخذ جارح الظرف منها بلا تردد و فتحه ببطءوعيناه بدأت تتنقل بين السطور المكتوبة في البداية…. لم يظهر أي تغيير على ملامحه لكن فجأة اتسعت عيناه وقبضته شدت على الورقة حتى كادت تتجعد بين أصابعه ورفع رأسه ببطء وصوته خرج منخفضا لكنه مشحون بالغضب القاتل مرددا :
غيم… حامل وفي اربع شهور ازاي ومن مين..وازاي كانت بنت بنوت لما لمستها..يعني اي كلام اخوي كان صوح…جسما بالله لهجتلك يا غيم و
تكملة الرواية من هناااااااا
التعليقات