التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثامن عشر

بسيارة كريم
تجلس بالمقعد الأمامي المجاور له ويبدو عليها الكثير من القلق الذي فشلت في إخفاءه، خفضت صوت الغناء وولت وجهها لعنده فقرأ الخوف على ملامحها، هدأ سرعة السيارة وقال بشكٍ:
-أي الوش ده! مالك تاني، أنا بدأت أقلق.
تأملت خلاء المكان عليهما فلم يبقى سواها معه ولا يوجد مفر، أدركت للتو صعوبة الأمر وتورطها فيه، فركت كفيها بتوتر وقالت:
-أحنا رايحين على بيتنا ؛ صح!

رد بارتياح: -أنا ماشي على 120 عشان نوصل. الود ودي نطير للبيت.
رفعت جفونها لعنده بتثاقل وغمغمت: -وهيتقفل علينا باب واحد وهنكون ف الشقة أنا وأنت وبس! يعني مفيش شمس ولا تميم ولا طاطا.
ثم انخفضت نبرتها برعب وأكملت: -مفيش حد غيرنا خالص!
أطلق ضحكة خفيفة وقال: -أنا وأنتِ وبس. يااه آخيرًا، أنا هطلع عينك على الخطوبة الناشفة دي ال قرفتيني فيها أنتِ وطاطا أفندي. أنا كيمو يتعمل فيا كده.

تراجعت بظهرها للوراء لتختبئ بالباب وقالت بخوف: -أيه يعني هتعمل أيه! كريم أنا بجد قلقانة وخايفة ومش عايزة اروح معاك ممكن ترجعني عند شمس وتميم. لالا أنا حقيقي مش قادرة.
صف سيارته جنبًا ثم دار لها كي يتمتص شحنات الخوف المنبعثة منها، مسك كفها المثلج وقال: -أنا بهزر! ليه ليه الخوف ده، أنا كريم مش بُعبع!
بللت حلقها فظهرت عروق رقبتها وقالت: -كريم ممكن تقول لي أحنا أول ما نروح هنعمل أيه بالظبط.

ارتسمت ضحكة خبيثه على محياه ثم قال بنبرة هادئة: -هنروح نتفرج ع شقتنا سوا، نتعشى قدام الفيلم ال هتختاريه، وبعدين ننام والصبح هنطلع الطيارة عشان الهاني مون.
تأرجحت عينيها بشكٍ: -يعني هنتعشى ونتفرج ع فيلم وبس كده، مفيش أي حاجة تاني!
رد بثبات يُحسد عليه يخالطه الخُبث ودهاء الرجال: -بس كده. أنتِ خايفة ليه؟ ومن أيه؟

نفضت غُبار القلق من فوق كفيها وتمتمت مؤكدة: -يعني مفيش أي حاجة تانية من بتاعت الشباب الوحشة!
كتم ضحكته بأعجوبة ولكن انعكس بريقها بلمعان عينيه: -ولا أي حاجة! اطمني خالص. أحنا اتنين صُحاب بيحبوا بعض عايشين في شقة واحدة عشان يضحكوا ويهزروا ويخرجوا سوا وبس كده!
تحمست بشغف طفولي: -طيب يالا سوق بسرعة عشان نوصل بيتنا في دماغي كام فيلم حكاية. مش هتبطل ضحك.

عاد كريم لقيادة سيارته وهو يغمغم في سره: -دا أنا هشوف أيام سودة مع المجنونة دي!
ب غُرفة عاصي.
عادت حياة لغُرفتها بعد ما اطمئنت على حال البنات وشدت الغطاء فوقهن وضبطت درجة برودة المبرد وطبعت قبلتها الليلية والسرية على جبين كل واحدة منهن. قفلت الباب بحذر ثم تقدمت ل عاصي النائم الذي يحضن ريان وغارقًا معه في سُباتهما. حملت صغيرها بعد طبعها قُبلة رقيقة على جبينه ثم وضعته بجوار أخيه في مهدهما.

وقفت أمام المرآة ورفعت شعرها على هيئة ذيل حُصان ونثرت القليل من العطر. ثم تدلت كفوفها لتحرر رباط خصرها الحريري وتنزع سترتها الطويلة ليظهر تحتها أنثى غاية في الجمال مرتدية سروالًا قصيرًا بنفس خامة ولون الرداء السماوي الطويل الذي يتناسب مع لوني عينيها، ويعلوه سترة قصيرة ذات حمالات رفيعة. تدلى كفها برفق على تفاصيل جسدها الأنثوي فائق الجمال خاصة بعد إجراءها للعديد من عمليات نحت القوام بعد الولادة.

فتحت أحد أدراج التسريحة وأخرجت خُلخالًا من الذهب الأبيض ولم تنس تلك الحُمرة الوردية التي برزت جمالها بشكلٍ أوضح. تحركت لركن القهوة الكائن بأحد زوايا الغُرفة وأحضرت فنجانًا لها وهي ترتدي سماعات هاتفها وتستمع ل ميادة الحناوي بصوت هادئ أنا بعشقك أنا.

فرغت من صُنع قوتها على نور القمر المكتمل والمتسلسل لغرفتهما من وراء الستار الذي يداعبه هواء الخريف. حملت فنجانها وتناولت دفترها وقلمها وتكروت على أحد المقاعد. فتمتمت ميادة لقلبها بإعتراف راق لها: -يا من ملك روحي بهواه، روحي بهواه
الأمر لك طول الحياة، طول الحياة
الماضي لك وبكرة لك وبعده لك
ارتشفت رشفة خفيفة من قهوتها وكتبت عنوانًا: – كن لي كما أهوى.

-عشتُ ليالٍ طويلة كل ما اتمناه هو أن أتعافى مما حفرته الأيام الصعبة فوق جسدي وبين ثنايا روحي. ركضت وركضت كثيرًا كي أجد مشفى لأثار تلك الجروح العميقة بداخلي. فشل البحر أن يُنسيني ما أبكاني ومن قتلني حية على شطيه، أين المفر من كل الذي حدث لي، حتى استسلمت وغمر اليأس حوافر يدي التي تشق الصخر متأملة في إيجاد الزهر بين شقوقه، كساني القنوط حتى قدمني قُربانًا للحب على كفوف يديك بعد ما ذوب ملوحة الماضي تمامًا، وها هنا كانت البداية مع ذلك الرجل المُحير للعقل والقلب! ذلك اللغز المستحيل الذي لم أتوقف عن طرحي لسؤالي المستمر عنه! من أنتَ؟ ولمَ أخصك البحر بتلك المهمة الصعبة! لماذا أنت تحديدًا،!

من أنتَ يا رجل!
ذلك العاصي الذي التقيت بعينيه في حقل النيران!
أم ذلك اللص الذي استغل غياب عقلي وسلبني لعالمه الخاص بدون إرادة مني؟
أم ذلك السجان الذي أسرني تحت عينيه!
أم ذلك الهش الذي يرمم فراغات قلبه بين يدي!
أم ذلك الطفل المتدلل الذي يعاندني ويجادلني دومًا!
أم ذلك الولد البكري لأمه والتي لا تستطيع معاقبته مهما فعل!
أم ذلك الرجل الحنون الذي لم يكف عن بث المشاعر الصادقة لروحي!

أم ذلك الأب ل ثلاثة فتيات وطفلين!
أم ذلك الزوج الرائع الذي أصل معه لسُحب العشق!
أم ذلك العصي عن الترويض والإرشاد ولا يفعل إلا ما يروق إليه!
أم ذلك المحبوب السري لروحي الذي سأقفل دفتري الآن وأذهب لعنده لإيجاد جوابي، كلا ؛ لإيجاد نفسي تحت سمائه!
رسيل المصري.
حياة العاصي…
أم تلك العاصية لحياة تأتي بدونك!

قفلت دفترها مع انتهاء الموسيقى ونزعت سماعات أذنها وسارت بقدمين أخمصيتان يزينهما خُلخالًا لا يزيدهما إلا إثارة. جلست على طرف الأريكة وأخذت تتأمل ملامحه النائمة، مررت أناملها فوق وجهها كأنها تبحث عن النور والحياة بين تفاصيله، انحنت لعِندهم أكثر وهي تُسقيهم بأنفاس حُبها المشتعلة حتى هممت بصوتٍ دافىء:
-حبيبي، قوم نام في السرير.

تمسك بمرفقي يدها الراسيان فوق صدره كي لا تهرب منه وقال بصوت مفعم بالنوم: -بس أنا مرتاح كده!
غمغمت: -بس أنا مش مرتاحة، ومش هعرف أنام ومكانك جمبي فاضي.
أفسح لها مكانًا بالأريكة كي تتوسد يديه وهو يحييا برائحة عِطرها وقُربها ويضمها أكثر فأكثر إليه ك أب يغلغل صغيرته لحضنه: -منمتيش ليه.
تسللت أناملها لتقاسيم صدره الصلب وقالت بصوت يملأه الشجن: -كُنت بفكر شوية.

ثم أكملت بنفس النبرة الخافتة تحت ضوء القمر المنعكس فوقهما كمن يروي أوجاعه لرفيق عمره:.

-تعرف أن أول كُل حاجة دايما تتسرق مني. زي مثلًا. فرحة فستان الفرحة ورهبة أول ليلة مع الشخص ال اختاره قلبي فرحة أول حضن وأول لمسة. فستان نوران النهاردة صحى جوايا مشاعر كتير أوي افتقدتها. وكمان فرحة أول ليلة معاك كنت مغيبة ومش فاكرة حاجة خالص منها. فرحة أول طفل لينا سابنا ومشي. فرحة وجودك معايا في ولادتي اتحرمت منها. حاسة في فراغات كتير جوايا، مش بتوجعني بس مش بتفارقني. أنت فاهم!

أردف بتلك النبرة الجياشة: -مش كفاية أنك أعظم حاجة حصلت في حياة شخص كان فاقد الحياة كلها!
قبلت أنامل يده التي ابتلت بماء حزنه ف رد لها القُبلة بعانق طويلٍ سكنت وآمنت بين ثنايا، غمغم بتلك النبرة الدافئة:
-قوليلي أيه ممكن يسعدك وأنا أعمله حالًا.
-أنا بخير، حبيت بس أفضفض معاك شوية. مش أحنا صُحاب!
-أنتِ حياتي كُلها.
مسح على شعرها الحريري وقال: -طيب منمتيش ليه!
-شربت قهوة وطيرت النوم.

عاتبها بنبرة حنونة: -حد يشرب قهوة بالليل!
بررت: -قولت أنت كمان شربت، فممكن نسهر سوا.
رد ممازحًا: -بس قهوتك غير قهوتي!
نظرت إليه باهتمام: -أزاي؟
تحمحم خافيًا جريمته ؛ وقال: -ولا حاجة. ومتبصليش بالعيون الحلوة عشان عشان بتوه في حلاوتهم وبعترف من قبل أول قلم.
-مش فاهمه حاجة، بس…
بادلته بابتسامه خفيفة وقالت: -في هدية ليك!
رد بدون تفكير: -ايه! حامل؟

ضربته برفق على صدره كي يتراجع عما يقوله: -بس بقا، أنا حرمت خلاص. ولادك علموني الأدب، حمل تاني مستحيل.
-أيه هي الهدية، أنا بحب الهدايا أوي خاصة لو منك.
انسحبت من حضنه بغنج فسقطت عيناه على قوامها المرسوم على يد رسام ماهر، اعتدل من نومته مغمغمًا: -مفيش نوم الليلة دي، شكلك ناوياها يابنت قنديل المصري.

فتحت الخزانة وأخرجت منها إطار متوسط الحجم وعادت إليه بخطوات هادئه، جلست بجواره ونزعت الغلاف الذي يُغطي الصورة المرسوم فظهرت صورة لأمه مرسومة بشكل أوضح أقرب للصورة القديمة التي لا تحمل إلا لونين ؛ الأبيض والأسود. تأرجحت عينيها بينه وبين تفاصيل الصورة وقالت:.

-لازم تحفظ ملامحها وتكون موجوده في حياتك حتى ولو ف صورة. لازم تحس بيك وبدعواتك ليها طول الوقت. ده أبسط حق ليها عن كل السنين ال فاتت. أيه رأيك نسافر سوا ونعمل عمرة باسمها. حاسة إننا محتاجين المكان ده أوي!
-ربنا يسهل.
ثم مالت برأسها على كتفه وسألته: -عجبتك؟

كان وحيدًا كإبهام اليد لا يُشارك بقية الأصبع في طرق أي باب حتى جاءت لعالمه وغزلت خيوطها حوله وبنت مدينة كاملة من البشر بداخل قلبه، معها أدرك عناء الوحدة ولذة الحياة المشتركة. تأمل تفاصيل المرآة الضاحكة التي يحمل الكثير من ملامحها. مرر أناملها فوق صورة أمه وقال شاردًا:.

-تعرفي أنا لقيت مبرر عن كل العلاقات اللي كنت بهرب لها. كُنت بدور على حضن الست دي وأنا غبي مش فاهم ولا عارف. يمكن لو كانت حضنتي لمرة واحدة ف العمر ما كنت عشت تايه كده.
مررت أناملها بين جدائل شعره وقالت بحب: -أنا معاك. وجمبك، ربنا يقدرني وأعوضك عن كل ده.
ثم سحبت الصورة ووضعتها جنبًا وأكلمت: -مش أنا حبيبتك وأختك ومامتك وبنتك وكل حاجة بالنسبة لك.

فلطفت الحوار بينهما مكملة: -ولو حابب أنا ممكن أبقى لك ست مُهرة دي كمان!
مهرة؟ وسعت منك حبتين دي.
تعمد إثارة استفزازها بمدحة لإمراة آخرى. تبدلت معالم وجهها بغضب يتقاذف من مقلتيها وهي تلكزه بعتب يخالطه الضحك:
-هي ست مهرة دي عملت أي أنا معرفتش أعمله؟ اتفضل اعترف كدا.
رفع حاجبه مستفهمًا: -أتكلم يعني والجنان مش هيضرب في وشي؟

هزت رأسها متقبلة الأمر: -اديتك الأمان. يلا احكي، مهرة دي كانت تعمل أيه أنا مش بعرف أعمله.
اعتدل في جلسته لتكون قبلته ومقبله مستندًا على ظهر الأريكة: -هي وغيرها عملوا كل حاجة تتخيليها إلا حاجة واحدة بس محدش عرف يعملها غيرك.
-حاجة أيه دي؟
-أني أحبك.
لم تنكر أثر وقوع الكلمة على قلبها ولكنها أبت التغاضي عن سؤالها وقالت: -مش هتثبت لا. عايزة أعرف طيب من حقي.
-يعني هتعملي ال كانت بتعمله؟

احتوت كفه وقالت بنبرة حنونة: -أنا قولت لك قبل كده وهكررها تاني. أنا مستعدة أكون لك أي شيء ممكن يسعدك.
داعب وجنتها بأنامله وقال: -ع فكرة أنا بهزر معاكِ وبنكشك ومستني عصبية وزعيق، مش متعود ع الهدوء والعقل ده.
-عشان أحنا دلوقت بنتكلم كاتنين صحاب، مش رجل ومراته. عشان لو بتعامل كمراتك كان زمانك تحت قاعد جمب تميم ومراد.

ثم بللت حلقها وأتبعت: -عاصي أنا متصالحة مع ماضيك جدا ومتقبلة كل أخطائك. ماليش حق ألومك عليها بس واجبي اوفر لك العالم ده معايا وبس. لاني حلالك ومش هسمح بخطوة ترجعك لورا، لا. أنا مستعدة اتعلم كل حاجة بس أنت تكون راضي ومبسوط.

داعب ركبتها العارية بإعجاب يتقاذف من عينيه وقال شاردًا: -ومين قال لك إني مش راضي ومش مبسوط! البصة الواحدة في العيون دي كفيلة ترد فيا الروح. انت مش مضطرة تبذلي مجهود علشان تعجبيني. لان أبسط ما فيكي مجنني.
-طيب استنى.
قالت جملتها وهي تركض أمامه كغزالة شاردة. احضرت شيء ما وعادت له بحماس مالت قليلا لمستوى اذنه ووضعت أحد طرفي السماعة بها والأخرى بأذنها. فسألها: -هتعملي ايه!

أخذت تقلب بسرعة في هاتفها وقالت بصوت خفيض: -ضوء القمر يجنن. وكنت قريت في أسطورة بتقول أي اتنين بيحبوا بعض لازم يرقصوا تحت ضوء القمر في ليلة تمامه والمطر عشان حبهم يزيد ومايفترقوش ابدا.
ثم شدته بشغف: -يلا نرقص. بس متعملش صوت عشان الولاد نايمين. خلي بالك لو صحيوا هتنيمهم أنت.
-أنت بتعرفي ترقصي أصلا!
-هو في ست متعرفش ترقص!
شرع صوت الموسيقى بآذانهم وقال بعتب: -ماشوفتش قبل كده يعني!

حكمت ربط حزام الرقص حول خصرها وقالت بدلال وهي تعانقه بحركة ذراعيها المتطايران ببراعة: -مرة ست عجوزة قالتلي. لما تحبي رجل متدلقيش عليه بكل ال عندك. حسسيه دايما أن عندك كل جديد بس بوقته وبكيفك.
-مش سهلة أنت!
-بتعلم منك!

-مش قادرة خلاص أنا أكلت اكل جمل.
أردفت نوران جملتها بصوت ضاحك بعد ما فرغت كل طاقتها بالأكل. نظر لها كريم وقال: -هنا وشفا. اجيب لك تاني؟
-لا تاني ايه! انا مش قادرة اتحرك من مكاني. اول مرة اكل كدا بجد.
مسح كفيه وفمه بالفوطة الصغيرة ثم قال بملامح يُخالطها الحزن المفتعل: -طيب اسيبك تاخدي راحتك في الشقة واقوم أنام!
-أحنا مش هنشوف فيلم الأول.
رد بيأس: -ماليش نفس بجد يا نوران وو.

قاطعته متسائلة باهتمام: -استنى بس. أحنا كنا بنهزر حصل ايه غيرك كده! أنا قولت حاجة زعلتك.
وثبت ببطء وهو يروي بدايات مسرحيته وقال بتوجس: -بصراحة في سر جيه الوقت تعرفيه.
نهض من مكانها بقلق: -كريم متقلقنيش؟ سر أيه؟ طيب احكي لي! أنا سامعة أهو.
طأطأ رأسه بأسف مبالغ فيه. وهمَ بالذهاب لغرفته وهو يتمتم: -بصراحة مش عارف أقولك أيه. بس.

وصل الثنائي لغرفة نومهما، جلس كريم ع طرف الفراش فجلس أمامه بجزع: -كريم هعيط. بجد أنت زعلان من أيه! مش بحب أشوف الوش ده. احكي لي طيب أنا بقيت مراتك يعني المفروض مش نخبي عن بعض حاجة.
أسبل عينيه مرددا بسره: – طيب كويس أنك لسه فاكرة إني جوزك يا بت ال
ثم تحمحم بخجل وقال: -مش عارف اجيبها لك أزاي! بس
-ممكن تتكلم على طول؟
فتح صورة لنتائج تحاليل على هاتفه وقال لها: -بصي على الصورة دي؟

-دي تحاليل؟ بس أنا مش فاهمة حاجة. ممكن ابعتها لشمس تقولنا فيها ايه.
هز رأسه باسف: -بس أنا عارف فيها أيه. نوران أنا الدكتور قال لي أن…
ثم فرك كفيه ببعضهما ومال على أذنها هامسًا ببعض الكلمات التي ختمتهم بشهقة عالية وهي تضع كفيها على فمها وبأعين جاحظة:
-يعني ايه؟
أكمل تمثيل مسرحيته: -يعني زي ما سمعتي. قال ل كده بالنص. وده السبب ال خلاني أجيب رقاصة الفرح.
تمتمت وهي تحت تأثير صدمتها: -يعني مش تغيظني؟

-لا خالص! الرقاصة جات لسبب سامي وعلاجي.
ربتت على كتفه وقالت: -خلاص متزعلش. عادي أصلا مش مهم الحاجات دي صح! أنا عمري ما هسيبك عشان سبب تافه زي ده. مضايقش نفسك!
برقت عيناه بصدمة إثر ادراكه للتو انه أمام طفلة بالفعل: مالها بنت المجنونة دي! مصيبة لو مش فاهمة أنا بتكلم عن أيه أصلا
ثم عاد إليها ليقول: -الفكرة إني عايز اتاكد من كلام الدكتور. هو قال لي كام حاجة كده أجربها فلو يعني.

ثم صمت لبرهة وقال: -متقلقيش مش هيحصل أي حاجة. غير وبس عشان اطمن.
تأرجحت عينيها بتردد: -أنا المفروض أعمل أي طيب عشان أساعدك؟ انا بجد مش عارفة. تحب أكلم شمس نأخد رأيها؟
بسره الله يفضحك ياشيخة! ماتسكتي بقا
مُدت يده لقفل إضاءة الأباجورة قائلا: -أنتٍ متعمليش حاجة خالص. أنا ال هعمل…

غُرفة عاصي…
بيقولولي توبي توبي توبي توبي
ازاي بس ازاي! تتوبي يا عيني ازاي؟

ما في شيء يُعادل جمال فكرة أن تضيء مع من تُحب في ليلة يشهد عليها القمر والمغنى وكأنك ملكت العالم بين راحتي يديك. شرعت صباح في شدو كلمات أغنيتها التي التفت حول خصر حياة كفراشة تغازل الزهر قبل أن تُقبلها. بين يديه أخذت تتمايل بتلك الحركات التي لا يتحملها رجل مثله يهوى دلال النساء. حتى عادت متمسكة بسترته القطنية بخفة وهي تتلوى ك تحت عينيه كسنابل القمح التي يُداعبها الهواء بل الهوى متناغمة مع كلمات الموسيقى. وتمتمت لعينيه معترفة بتنهيدة تشُق قلبها:.

-عاشقة وغلبانة والنبي! مقدرش أفوته والنبي.
دانا كُل حتة ف توبي، دايبة. دايبة ف هوا محبوبي.

كاد أن يُجيب على اعترافها بقُبلة مسروقة ولكنها أبت متغجنة وهي تلف وجهها عنه وتهز كتفيها بحركات دائرية مُغرية رست كفوفه فوق جناحيها المتمايلة ببراعة وأمهر من أعظم راقصة. تفاقمت حركاتها المفعمة بالأغواء عندما أحست باقتراب أنفاسه منها. فطارت خطوتين للأمام هاربة من حصار يديه وهي تبدل الأدوار لتواصل حركة كتفيها الجذابة والتي تعكس غنج ودلال أنثاه. أشارت له بسبابتها وبين مساف ذراعه وتمتمت: -عيني يا قلبي علينا انا وانت مساكين يا عيني.

مبقاش فاضل لينا غير دمعك يا عين.

أحدثت فتنة بقلبه جعلته يلامس أناملها ويديرها كالفراشة تحت عينيه لتقع فريسة بين يديه. لم تتوقف عن الرقص متدللة بحضنه متمردة على أوتار الهوى وهي تغازله بعينيها التي فاض منهما ضوء القمر المنعكس والحُب. رغم وقوعها تحت حصار يديه لم تُكف عن الترويض والمغازلة حتى فقد السيطرة على ذلك الجسد الأشبه بحوت يسبح في بحر تشويقه أكثر فأكثر. انتهى بها المطاف مستندة بذقنها على كتفه وهي تهمس لها بآخر كلمات الأغنية مع عناق مُغرٍ:.

-أزاي بس أزاي! تتوبي يا عيني ازاي!
نزع السماعة من أذنه كي يلتفت لتلك الهائمة بين يديه والتي أحدثت بجسده ثورة وانقلاب لا تؤدي إلا لتحرير جيوش الهوى بكامل قوتها. نزع أيضًا السماعة من أذنها وانحنى ليحملها بين يديه مُشيدًا بجمالها: -أيه الجمال ده كله!
تعلقت بعنقه وسألته بدلالٍ: -يعني عجبتك!
-جبارة! المواهب دي كانت فين من زمان!

وضعها برفق لتتوسط حوريته تخته بركبتين مثنية قليلًا، جلس أمامها وبدء فرد شعرها المُقيد وكأنه يُقدم طلبًا أن تفرد له قلبها. شرعت أصابعه تعزف على أوتار شعرها المنُسدل بأعين فاض منها الشوق تجلس أمامه بأنفاس هادئة وأعين تترقب مبادرته بأسمى درجات الحب التي تصعدها واحدة تلو الآخرى في هواه ولكن كساها التوتر قليلا في قضمها المستمر لشفتها السُفلية بنظرات تتأرجح ما بين الخجل والفتنة وغمغمت: -عاصي.
-أششش!

دفن تلك الهمهمات المليئة بالشجن تحت مظلة شعرها المنسدل موزعًا زهور حُبه حول عظام الترقوة. ألتف ذراعه حول خصرها فدبت قشعريرة خفيفة بكيانها وهي تهم بعناق حنون. بدأت يدها تتنقل مُعلنة خطواته المستقبلية وكأنه يفصح عن نواياه مقترحًا، ما رأيك أن نذهب ال لا زمان. ونتذق فاكهة الحُب النادرة. ونسير نحو الأبدية معًا إلى عُمق اللهفة وإلى عمق الحياة بل إلى أعمق أعماقك.

ضمته لصدرها المليء بالحب والحنين وهي تتراجع للوراء شيئًا فشيء كأنها تود الإعتذار عن جميع كلماتها ورواياتها وقصائدها التي عجزت عن وصف لحظة واحدة بقُربه الذي بات ل روحها كإدمان…
لن تدوم طويلا تلك اللحظات الجميلة حيث قطعها صوت بُكاء ريان الذي أخمد ثورة الحب وأشعل ثورة الغضب. تململت مفارقة يديه: -ده صوت ريان.
-ولا حركة. اثبتي مكانك وأنا هتصرف.

بخطوات مثقلة الغضب ذهب لابنه الباكي وقال له مُعاتبًا: -الحركة دي مفيش حد استجرى وعملها معايا! أنت أدها!
تمتمت حياة ناصحة وهو يحمله: -خلي بالك يا عاصي!
هنا نهض ركان من نومته هو الأخر باكيًا ؛ ألقى نظرة من النافذة فوجد مراد وتميم على حالتهم. هز رأسه وكأنه علم ما يجب فعله. عاد مرة أخرى لمهد صغيره وحمل ركان وقال بنبرة آمرة: -متتحركيش من هنا!
-عاصي الولاد! أنتَ رايح فين؟ خد تعالى هنا!

لم يُلبي ندائها بل غادر الغرفة بخطواته السريعة وهو يعاتب في أطفاله قائلًا: -دي مش مرجلة على فكرة. وأنا هعلمكم الأدب عشان الحركات دي متتعملش مع عاصي دويدار.
وصل للحديقة فتلقاه الاثنين بسخرية وضحك: -أهو اطرد هو وولاده، على الأقل أحنا اطردنا خفيف خفيف. ايه حصل للتاريخ؟

هتف مراد ساخرًا منه بشماتة: -بمناسبة التاريخ ببطليموس ال13. كان فاكر نفسه أذكي واحد هو وبيهرب نط ف الميه ب الدرع الحديد، ف غرق! وشرف جمب أخواته الأبطال.
ثم ضاقت عينيه لتميم وأتبع: -وطبعًا الكلام مش ع بطليموس خالص.
رد ممتعضًا: -لا يا خفيف منك له.
ثم رمى كل رضيع بيد واحد منهما وقال بنبرة يتطاير منها الغضب: -عقابًا ليكم هتقعدوا بالعيال دول كمان. عشان ترقصوا تاني. رقاصة يا خونة!

تميم بذهول: -عاصي! متهزرش. ولادك أشقية وو
حسم الأمر مردفًا قبل أن ينصرف: -ولا كلمة. أنا طالع أنام فوق ومش عايز دبة نملة. رضعوهم كمان ليكونوا جعانين. اتعاملوا المهم ملمحهمش فوق.
انفجرت حياة بالضحك وهي تُراقبهم من أعلى وتغمغم: -والله مجنون!

تمتم مراد معارضًا: -ياعم أنتَ. عاصي خد هنا انتَ نسيت عيالك! طيب هي الرقاصة دي مش مجايب يسري وتبعك! أنت تجيب وأحنا نتعاقب ليه! أحنا بنحاسب على مشاريب مش بتاعتنا وده مش عدل.
-طيب أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟
أردف كريم سؤاله الأخير بعد ما خرج من الحمام وفرغ من حمامه الدافئ، كانت تجلس على الأرض مستندة على السرير وهي تبكي كالأطفال، فأجابته:
-أنتَ ضحكت عليا ومطلعتش أد كلمتك معايا. أنا غلطانة إني وثقت فيك!

وقف أمام المرآة وهو يصفف شعره المبلل مرتديًا بنطالًا باللون الأسود فقط وهو يمازحها قائلًا: -بصراحة هبلك سهل عليا المهمة أوي. أيه يا نوري يا حبيبتي ليه النكد ده.
وثبت قائمة لتضربه على كتفه بعتب: -اتفضل كده رجعني زي الأول، صلح غلطتك يا استاذ!
-لا اله إلا الله!
ترك الفرشاة من يده وقال بضحك: -دي حاجة زي عود الكبريت. وبعدين ما أنا صلحت الغلطة بمصيبة أهو واتجوزتك! أعمل أيه تاني؟

عارضته بإصرارٍ وهي تخر باكية: -روحني. أنا عايزة أروح ؛ مستحيل أعيش مع واحد كذاب زيك!
مسح على رأسها بحنان زاخر ليهدأ من حالة الجنون التي أصابتها: -ولما أروحك هتقوليلهم أيه. حبيبتي مش عايز اصدمك وأقول لك أن كل الناس عارفة إحنا هنا ليه! استهدي بالله كده وتعالي نكمل موضوعنا!
-ايه!
-قصدي ننام ونعدي يومنا…
طأطأت وجهها بالأرض وانفجرت باكية جعلته يتمتم: -دي أيه الوقعة المهببة دي!

ثم أردف بملل: -طيب بتعيطي ليه تاني!
أجهشت بالبكاء وهي تشكو إليه: -عشان أنتَ وجعتني أوي…
-حقك عليا يا ستي. قوليلي أعمل أيه عشان أرضيكي!
شبح ابتسامة خفيفة بدّ على محياه وقال مسايسًا: -طيب بصي لي، أنتِ باصة في الأرض ليه!
هزت رأسها نافية وهي تتذكر تفاصيل شحيحة من لقاءهم بأول ليلة خاصة بعد تجردها من كافة المشاعر المعنوية والمادية: -لا مش هعرف أبص لك تاني بعد ال حصل.

أمسك بذقنها ليتأمل تلك الشفاة التي ترتجف من الخجل والحزن وقالت ممازحًا: -نحدد طيب عشان أعرف اتعامل، أنتِ موجوعة ولا مكسوفة!
-الاتنين مع بعض…
-طيب ما تيجي اصلح غلطتي.

غمر المكر أنظاره وهو يدنوها منه أكثر متأهبًا لجولة ثانية بمشاعر مختلفة كي يهدم جدران الحرج الذي يفصل بينهما في ليلة مثل هذه. رغم عنادها وتمردها وجنونها إلا أنها بين يديه تغلبها فطرة النساء ولهفة تذوق ثمار الشجرة المُحللة التي زينها القدر للقلوب المجتمعة في كنفه وحلاله بأرق واسمى تفاصيل المودة والرحمة التي خُلقنا عليها التي لا يختلف عليها اثنان…
صباحاً…

علي صوت زقزقة العصافير التي تملأ الكون والغُرفة وقلوبهما المرتوية من أنهار الحب حتى نبتت زهورًا. بصفعة حنونة من يدي ركان هبطت على وجه عاصي النائم فتراقصت جفونه وهو يسب في نفسن سرًا حتى تلاقي بتلك الضحكة البريئة التي ورثها من أمه، ف رد على مضضٍ: -طيب يا سيدي صباح النور.

مد أنظاره ل حياة النائمة على طرف السرير من الجهة الأخرى وتوأمهما اللذان يفرقان بين أجسادهما رغم تعانق القلوب. وجد ريان يلهو ويداعب قدميه الصغيرة بالهواء فارحًا ويغمغم بكثير من الضحكات ؛ فتمتم عاصي بحسرة: -أيوة يا بن المحظوظة ما أنت نايم في حضن مراتي! أرقص أرقص.

تسلق ركان صدر أبيه العاري وأخذ ي مازحه. ويلهو معه حيث كان يعيش تفاصيل الأبوة لأول مرة معهما. استيقظت حياة على صوت لعبهما بابتسامة واسعة وهي تردف بنبرتها المفعمة بالنوم: -صباح الخير.
ثم انضمت لهما وهي تزحف بكتفها وتقرب ريان إليهما وقالت متدللة وهي تستند على كتفه وشعرها كالستارة السوداء المفروشة ورائها: -العب مع الاتنين مع بعض. بلاش تركز مع واحد بس.

بدأت جولة لطيف من الضحكات بينهما وهما يُشاهدان تصرفات توأمها الجميل، صوت طرق الباب الخافت والذي يعلن هوية صاحبه. فتمتمت حياة بحماس: -دي خبطة تاليا…
ركضت بخفة ورشاقة لتفتح الباب حيث جثت على ركبتيها وعانقتهما بلهفة وهن يلقين تحية الصباح: -good morning mamy.

سيل من القُبلات المتدفقة كانت من نصيب ملامحهما وهي ترد لهم التحية بطريقتها المُعتادة، هتفت داليا بفرح وهي تتلوى ضاحكة بين ذراعي أمها: -النونو صحى. نلعب معاه بقا.

ركضن للداخل وارتمن على صدر أبيهما الذي انحصرت حياته في تلك الغُرفة المكونة من أربعة جدران وباقة مغرية من الورد كائنة في صورة امرأة فاتنة مثلها. قفلت الباب ثم عادت لوطنها الذي تنتمي إليه. أجواء من المرح ملأت المكان بجو ربيعي بعد أجواء قارسة مرت عليهما. بمنامتها القطنية القصيرة التي لا تصل لرُكبتيها شغلت موسيقى عالية ل بهاء سلطان (الدلع). جذبت البنات إليها وصعدت معهما على السرير وأخذت تراقصهن بفكاهة طفلة في جسد امرأة مثيرة للغاية وهي تُعلم بناته كيف يكون الرقص متدللة على أوتار إغوائه بدهاء إمراة ملكت مفاتيح رجلها بمهارة. وقف مستندًا على الحائط وهو يراقب ذلك المشهد المنعش للقلب بأعين ينفجر منها الإعجاب وهي تتدلل مع الفتيات الصغيرات اللواتي يجدن سعادتهما برفقتها. ولكن كانت عيناه لا تتزحزح عن تلك النحلة التي تحترف في لدغ قلبه.

انتهت الأغنية فارتمن الثلاثة على السرير يضحكن حيث أشادت تاليا بإعجاب: -بترقصي حلو أوي يامامي. أحنا نرقص كدا كل يوم.
‏عصفها ألفي خَريف و ما زالت تحمِل بستانًا مِن الورد في روحها. تتمايل بغنج في منتصف تختها وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة: -نرقص كل يوم. موافقة
ثم وثبت بخفة ودنت منه بغمزة عين خفيفة: -بقا عندك 3 رقاصات أهو. عشان لا تقولي مهرة ولا غيرها.
-أنا كفاية عليا واحدة وبس.

كاد أن يطوقها ولكنها تمردت بحذرٍ: -تؤ البنات موجودين.
ثم سحبته لركن القهوة: -تعالى نعمل قهوة مع بعض.
وقف الثنائي أمام ركن القهوة ذو الطراز الإيطالي وشرعت بإعداد فنجانين من القهوة أما عنه اكتفى بمراقبتها بأعين تأكلها أكلًا. أردفت بفضول مصحوبًا بابتسامة: -بردو ما جاوبتش ع سؤالي على فكرة.؟
-أي سؤال!
-مُهرة دي وأشكالها. أيه كان يعجبك فيها يعني! هنتكلم كصحاب. انسى أننا متجوزين.

عقد ذراعيه أمام صدره مبتسمًا: -مصممة أنتِ!
أصرت بإلحاح: -جدًا. فضول يا سيدي.
هز كتفيه مُجيبًا باختصار: -عادي. أنت بتدفع عشان واحدة تشوف شُغلها!
-بيأخدوا فلوس كتير!
أصدر إيماءة خافتة: -من2000ل5000 دولار ف الليلة.
برقت عينيها بذهول لا يختلف كثيرًا عن فوران القهوة خلفها: -ياخبر! معقول! لا بتهزر، حد بيدفع المبالغ دي أصلا!

مد يده كي يرفع وعاء القهوة من فوق النار وقال: -أنتِ فاكرة أيه! ده العادي، وال غاوي يدفع.
تخابثت متسائلة وهي تدور لتعد صُنع القهوة من جديد: -وكانت تستاهل المبالغ دي! يعني بصراحة مش شايفة فرق، ولا هو ف فرق. أنا بحاول استوعب بس!

شبح ابتسامة خفيفة رُسم على محياه وقال: -أنتِ عايزة توصلي لنقطة معينة وأنا هارشها بس مش هناولهالك. بس هختصرلك الموضوع. ده بزنيس زي عقد خدمة ومقابل. خالية من أي مجاملات أو مشاعر. بعض الرجالة بتلجألها لغرض معين مش هيقدروا يحققوه في بيتهم.
دارت باهتمام بعد ما سكبت القهوة بالكوب: -ده ليه إن شاء الله!
فكر لبرهة ثم قال بشكٍ: -يمكن عشان الحب والاحترام بيكون موجود بين الطرفين!

حملت فنجاني القهوة منحته واحد منهما وسار الاثنين لشُرفة الغُرفة تاركين صغارهم يلهون معًا وما جلست على المقعد الخشبي أردفت متعجبة: -بردو مش فاهمة، أيه ممكن يحتاجه الرجل من واحدة تانية غير مراته.

أخذ رشفة خفيفة من قهوته ثم وضعها على الطاولة، فنهضت واقفًا خلف سور الشُرفة يتفقد روعة الحديقة وقال بشرود: -بصي يا حياة، عالم الرجالة ده بسيط أوي، بس كله عك. في رجالة مش بتحب صورتها تتهز قدام شريكة حياته، فتضطر تلجأ للموضوع ده مادام مش هيأثر على استقرار بيته.
تركت ما بيدها ثم وقفت بمحاذاته قائلة بدلالٍ: -أنا مش فاهمة بس معنديش مانع لو أنتَ حابب كده. بس تديني 5000 دولار.

دار لعندها بأعين تحمل الرفض وهو ربت على كتفيها: -أولًا متهونيش عليا. ثانيا أنتِ أغلى كتير من إنك تحطي نفسك في مقارنة مع ناس زيهم.
-مش قصدي، عاصي أنا مراتك وأظن اني بمارس دور نكد الزوجة على أتم وجه. بس ساعات بحس إني عايزة أبقي صاحبتك أكتر وتفتح لي قلبك أكتر. وساعات كمان بحس أني لازم أبقي مامتك وأكسر دماغك الناشفة ال مش بتسمع كلامي دي. وبردو معنديش مانع ألعب دور أي ست أنتَ بتدور عليها.

بتهيدة حارة أتبع معترفًا: -أنتِ عارفة أني كُنت بدور عليك ف كُل الستات ال عرفتها دي! متخيلة ولا واحدة فيهم كانت تشبهك!
ثم عقد حاجبيه ممتعضًا بنبرة تحمل الهزار: -ممكن أعرف كُنتِ فين يا هانم طول السنين دي وأنا محتاس كده بدور عليكِ!
أحتوت كفوفه الخشنة برقتها وطالعت عيناه بحب مردفة: -كُنت قاعدة على البحر، بكتب عنك. لحد ما خدني ليك.

ما رقة ذلك الشعور وهو أن تطأ أقدامك حدائق الجنة فتدرك أنك آخيرًا وصلت لمكانك الصحيح بعدما قضيت نصف عمرك تركض في اتجاهاتٍ خاطئة ومُضلة. مال على مسامعها قائلًا بمزاح: -كده خلصنا الجزء النظري، ما تطرقي العيال دول بره، وتيجي أكملك الجزء العملي!
لمعت عينيها بحنين: -أنتَ شايف كده!
ألقى نظرة في ساعة يديه وهو يتمتم: -نشوف بس الساعة كام!
ثم خيم الاسى على ملامحه وقال: -للاسف يادوب نتحرك. مفيش وقت.
-على فين!

داعب خصلات شعرها بحنان وقال: -مشوار مهم جدًا مش هيتم غير بوجودك فلازم نخلصه. والساعة 12 الضهر هعرفك على أكبر سر ف حياة عاصي دويدار…

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *