رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الرابع عشر
(سيف)
قدت سيارتي بيداي، راقبت الطريق بعيناي. دعست على البنزين بقدماي، كلها اشياء تنتمي لجسدي، ولكن جسدي مبعثر. لااعرف كيف يتحرك. ولاكيف يستجيب لأرادتي، انه يقوم بعملية تلقائية فحسب، فما انا متأكد منه انه لايستجيب لأي من اوامر عقلي. فعقلي لايرسل له اي اوامر، انه ليس متصل بجسدي من الاساس!
عندما اؤذي ميرنا بتصرفاتي وجفائي معها استمتع بذلك، بل انا ادمن غضبها الطفولي. ورغم عدم تحملي في كثير من الاحيان ولكني ادرك جيداً ان تجاهلي لها هو الطريقة الوحيدة التي تجعلها تقع في غرامي اكثر. فأنا الشاب الوحيد -حسب نظريتها- الذي لم يبالي بها، لذلك ما من خيار اخر سوى التجاهل، ولكن. ليس في اي وقت، لايمكنني تجاهلها وهي تبكي، لايمكنني تجاهلها وهي وحيدة وحزينة، سأترك كل شيء لأكون لها فقط. سأضحي بأي شيء كي احميها، حتى مني!.
وصلت إلى حيث وصفت لي، قرب شجرة الزيتون الوحيدة التي في المقبرة، حيث قبر ابي!
دعوني اكون صادقاً، راودني احساس بنسبة75% انها قادمة هنا لتزوره، ورغم عدم تصديقي لفكرة كهذه ألا اني لم استبعدها، فلربما ارادت شخص ما تثرثر لها مصاعبها، ولن تجد غير الموتى مستمعين جيدين!.
ولكن كل شكوكي تبعثرت مع الريح عندما التقطتها عيناي تجلس على مقربة من قبر ابي، ليس امام قبره، انما امام قبر اخر يبعد عنه بضع مترات!
هل لنا ميت اخر في العائلة لااتذكره؟ في هذه اللحظة انا بالفعل لااعرف شيء!
نزلت من سيارتي واتجهت اليها حيث كانت تكور جسدها وتضم اجزائه بعضه لأخر وترفع ركبتيها لصدرها وهي تحدق في القبر القابع امامها، مررت من جوار قبر ابي وقبضة قوية تعصر لي قلبي وانا اتجاهله كلياً من دون حتى ان املك الحق في استراق نظرة سريعة اليه حتى لااجلب الشك!
– ميرنا!
انطلقت نبرتي المهتزة الهادئة وانا اجلس على احدى ركبتي واثني الاخرى بجوارها، لكنها لم تستجب لي ولم تلتفت. استمرت تحدق بالقبر بصمت وعيون باردة رغم دموعها الثقيلة!
رفعت يدي ومسحت على خصلات شعرها الناعمة وقلت مرة اخرى:
– حبيبتي؟
وهذه المرة ارتمست ابتسامة مرارة على زاوية فمها وهي تغمض عينيها بألم ثم نظرت نحوي وقالت:
– أأنت صادق بقولها؟
اعادت ابصارها نحو شاهد القبر وهي تكمل:
– لااظن ان هناك احد احبني غيرها!
وهنا فقط تذكرت القبر المجهول الذي نجلس قربه والذي لم اعرف قاطنه بعد!
نظرت حيث كانت تنظر فقرأت اسم لم اسمع به من قبل، ياسمين سلمان، عصرت ذاكرتي بقوة، ولكن لافائدة، لم اتذكر!
– أتريد ان تعرفها؟.
وكأنها استطاعت ان تستمع للتشوش الذي غزا عقلي في لحظتها وحاولت مساعدتي.
نظرت لها من دون تعليق ولكن عيناي كانت كافية لتترجم لها رغبتي في المعرفة!.
– هذه، امي!
هل جربتم في يوم ان تلفو حول انفسكم؟ تلفو. وتلفو. وتلفو، وتتوقفو فجأة! كل ماحولك سيكون مشوش، وكل شيء سيعاني من عدم الثبات. لن تتمكن من السيطرة على توازن اقدامك وجسدك، وكأن الارض تميل بك. والهواء يجري عكسك، في الحقيقة كل شيء حيث هو، ولكن انت الوحيد الغير متوازن، هذا ما كنت انا عليه!.
طرفت بعيناي عدة مرات احاول برمجة عقلي على استقبال بقية الحروف التي تنطلق من بين شفتيها والتخلص من هذا الصم المفاجئ الذي اصابني، تأتأ فمي بحروف متقطعة كطفل تعلم الكلام للتو، واخيراً استطعت تكوين جملة تامة وانا اسألها:
– بماذا. تهذين انتِ؟
فبالتأكيد هذه الفتاة ليست بوعيها. اما انها تدمن المخدرات سراً من دون علمي. او انها فقدت عقلها. لايوجد اي تفسير ثالث منطقي لهذا الكلام السخيف!
– انه امر غريب. أليس كذلك؟
ثم نظرت نحوي وعيناها تحمل شيء من الحسرة وهي تكمل:
– وانا ايضاً لم استطع ان استوعب عندما اخبرتني سلوى بالامر، ولكن انا كنت معذورة، فعمري لم يكن قد تجاوز العاشرة عندما عرفت!
حسناً. على مايبدو ان هذه الفتاة تتكلم بجدية!
– لحظة. انا لايمكنني فهم شيء، بالتأكيد هناك شيء ما خاطئ!
رفعت كتفيها وانزلتهما وهي تقول ببساطة من وسط ابتسامتها المريرة ودمعاتها الضعيفة:.
– وانا قلت هذا ايضاً لأمي، وبقيت انكر هذه الحقيقة لسنوات، حتى بعد ان اكدت لي الخالة روجينا صحة كلام اختها لم اصدق، ولكن تحليل الDNA الذي اجريته في التاسعة عشر اثبت لي صحة كلامها وخيب لي كل ظنوني…
اعادت بصرها نحو القبر وهي تكمل:.
– اكتشفت اني وسط هذه العائلة الكبيرة، انا وحيدة! الوحيد المتبقي من اسرتي هو ابي الذي لايتذكرني ألا نادراً ويوسف الذي لااعرف مكانه، لن اكذب عليك، ربما لهذا السبب انا ابحث عن يوسف الان، فهو اخر ماتبقى لي!
– أهذه لعبة ما ياميرنا؟
نظرت لي بخيبة امل ممزوجة بغضب وهي تقول: – أهذه هي الصورة الوحيدة التي تراني بها؟ ألا تراني سوى بهيئة المخادعة الكاذبة؟
– ليس هذا ماقصدته ولكن، ماتقوليه امر يصعب تقبله وتصديقه!
فقالت بحزم:
– ولكنه حقيقي، انا لست ابنة سلوى، تلك المرأة لاتكون امي، ولاتريد ان تكون كذلك!
اغرقت رأسها بين ركبتيها وهي تكمل نحيبها:
– يا ليتها لم تخبرني، ياليتها استمرت بالكذب!
لن اكذب واقول اني صدقت كل ماقالته. فالى الان لم استوعب. لست اكذبها. ولكن لايمكنني استيعاب ماتقول. ولكن رغم هذا لم اعلق بشيء، ببساطة سحبتها إلى لأضمها بين ذراعي. لأحميها من هذه العاصفة البشرية التي تؤذيها، لتقوم بذرف باقي دموعها هناك فوق صدري!
هل انا مصدوم؟ حسناً ان لم تكونو تمتلكو كلمة اكبر من هذه لتعبرو عن حالتي فحسناً انا مصدوم، بل وبشدة ايضاً! لو كانت مجرد حبيبة فلابأس. مجرد صديقة ايضاً لابأس. ولكن ان تكون ابنة عمي وحبيبتي في الوقت ذاته بل واراقبها طوال سنوات دون ان اعرف معلومة مهمة كهذه، فحينها الامر لايمكن ان يكون لابأس على الاطلاق. مااعرفه ان ميرنا لاتكذب. ولكن ما تقوله صعب على تقبله!
(ميرنا)
في حالات اخرى. وسنين ماضية. كنت سأحتاج قرص مهدئ وكوب قهوة ساخن وسرير دافئ لأتخلص من هذا الشعور المريع الذي يجتاحني، لم اكن اتوقع ان يتم صياغة الثلاثة بشيء واحد فقط، سيف!
تجمدت تلك الدموع داخل مقلتاي فوراً. واغتال قلقي اطمئنان غريب ينبأني ان كل شيء سيكون بخير. وان لاشيء يستحق البكاء من اجله. المي غير كبير. ومصيبتي ليست بتلك العظمة. فجأة تحولت لأنسانة قنوعة وعاقلة بين يديه ارضخ لقدري. يا لعجائب الحب الغريبة!.
لحظات وشعرت بأصابعه تتسلل بهدوء مابين خصلات شعري ليغزوهن بدفئ يده التي تستكين فوق قمة رأسي وسمعت همسه القريب من اذني:
– دعينا نخرج من هنا!
نظرت له وكفكفت دموعي بأصابعي الى ان توهج خدي وقلت:
– اسفة لأحضارك كل هذه المسافة!
تلمس خدي برقة بأطراف اصابعه وكأنه يخاف لمسي. او يخشى ايذائي بتلك الاصابع اللطيفة. وقال لي بأبتسامة:
– لاتعرفين كم يعني لي اتصالك بي من دون البقية وانتِ في حالة كهذه!
تبسمت بدوري وانا اجيبه:
– لاتتفائل كثيراً ايها الاحمق. لو كنت املك اصدقاء حقيقيون لأتصلت بهم بدلاً منك!
عصر انفي بين اصابعه وقال:.
– اذاً انا مجرد صديق انسة ميرنا؟
ضربت يده لأبعدها بعد ان احمّر انفي وقلت:
– كف عن التركيز بكل كلمة!
– في الحقيقة حاولت، وفشلت!
غرقت بتلك العيون العميقة، سحرتني تلك النبرة الدافئة، اضاعتني كلماته في ارض العجائب…
سحب عيناه بأرتباك من عيناي وكأنه ندم على ماقاله ونهض واقفاً وهو يوقفني معه ويقول:
– دعينا نذهب لنتناول كوب قهوة معاً!
حسناً، نجح في تغيير الموضوع هذا الابله، ان بدأ بأنتقادي فلا تكفيه الساعات وحين يبدأ بالتحدث برومانسية فأنه يستخسر الثلاث ثواني في الكلام، لقد وقعت بحب احمق بارد بالفعل!
سايرته في ما طلبه وركبت سيارتي للنطلق، ولكن بالطبع انا من اخترت المقهى الذي سنقصده. لم اترك له السيطرة التامة، نوعاً ما!
وصلت نحو المقهى المفضل لدي وحجزنا طاولة قرب النافذة. واعتقد اني قد بينت ًمسبقاً سبب عشقي للجلوس قرب النافذة!
راقبت بعيون حالمة تلك السحب الرمادية التي تعانقت مع بعضها في مساحات متفرقة من السماء. احببت بشدة مشاهدة تمايل اجذاع الاشجار على نسمات الهواء كراقصة فرعونية محترفة، العالم في ضجيج صامت اعشقه، ولكن مااعشقه اكثر هو تلك النظرة التي تطلي عيون سيف وهو يراقبني سراً. احب ذلك الارتباك الذي يغزوه وهو يبعد عيناه عني عندما امسكه بالجرم المشهود وهو يراقبني، وربما هذا سبب عشقي له. فهو الوحيد الذي يمنحني نظرات الحب سراً ولايسعى لجذب اهتمامي بكلمات معسولة ونظرات مزيفة…
تبسمت فور ان اشاح بصره عني نحو النافذة وقلت له ساخرة:
– أتعلم، لن تخسر شيء ان استمرت عيناك تراقبني ان راقبتك عيناي!
اجابني من غير ان يشيح بصره عن النافذة:
– لااعرف عما تتحدثين!
– اجل. صحيح!
كانت نبرتي المستهزئة كافية لتجعله يدرك عدم تصديقي له. ولكنه رغم هذا لم يعلق، سيقتلني بروده!
ثواني واحضر النادل طلبيتنا والتي هي فنجانين من القهوة فقط، ارتشفت اول رشفة من الكوب بهناء قبل ان يقطع على الثانية رنين هاتفي، رفعته لينبض قلبي نبضة هادئة تليها واحدة قوية قبضت لي رئتاي وانا اقرأ اسم المتصل. شهاب، بالتأكيد هو لن يتصل ليسأل عن صحتي، بالتأكيد يحمل نبأ ما!
– اهلاً سيد شهاب!
لااعلم لماذا. ولكني شعرت بأضطراب خفيف يعتلي سيف مع ذكر اسم شهاب!
– مرحباً انسة ميرنا، اين انتِ؟ أيمكننا ان نتقابل؟
– بخصوص؟
– ماطلبتي منه احضاره لكِ قبل ايام!
– ممتاز! ستجدني في المقهى الذي نتقابل به غالباً!
– حسناً!
وختمت المكالمة ولااعلم لما كل هذا التوتر يصيبني. لدرجة انه كان واضح على هيئتي مما دفع سيف لسؤالي فوراً:
– أهناك شيء؟
تنحنحت فوراً وارتشفت رشفة اخرى من كوب قهوتي قبل ان اجيب:
– لا، لاتشغل بالك!
– هل يحمل لكِ شهاب خبراً ما؟
نظرت داخل عيناه بعمق. وبرود! انه يحمل لي اما دليل برائة سيف او ادانته. اما سعادتي. او احباطي، هل هذا خبر؟ هذا بالنسبة لي مصير وليس خبر فقط!
– اجل!
– بخصوص يوسف؟
– لا!
قطب حاجبيه بعدم فهم لأكمل انا فوراً:
– بخصوصك!
– عفواً؟
تبسمت ببرود وعدت لأرتشاف قهوتي بصمت، ولكن مااثار استغرابي هو ان سيف لم يعلق بشيء، اما ان هذا الشاب لايمتلك فضول. او انه كاللص الخائف امام قاضي صارم، يخشى النطق بحرف فتثبت ادانته!
امضينا ما تبقى من الوقت قبل وصول شهاب بصمت مطبق ونظرات سرية مبهمة نمنحها لبعضنا، نحن بالفعل اغرب عاشقين، كلانا يؤذي الاخر. وكلانا لايثق بالاخر بل وما ان يكتشف عنه امراً حتى يسعى لفضحه، ولكننا رغم هذا نحب بعضنا، انه حب حقير نوعاً ما، غير مبني على رسائل عشق روميو وجولييت ولاجنون قيس وليلى. بل الاصح وصفه كالحرب بين دولتين تعيشان على ارض واحدة، يتقاتلان تارة ويحتفلان معاً تارة اخرى، لايمكنني الجزم احياناً هل نحن واقعين بالفعل بحب بعضنا ام لا؟
– انسة ميرنا؟
اخترق صوت شهاب سكوننا بعد نصف ساعة تقريباً. نظرت اليه بأبتسامة مرحبة بينما نظر اليه سيف بنظرات هادئة لاتعكس اي توتر واضطراب. اتمنى انه بالفعل لايمتلك اي شيء ليجعله يتوتر!
نهضت من الكرسي وسرت مع شهاب بعيداً عن الطاولة ومسامع سيف لأقول فوراً:
– اذاً؟
سلمني ملف مغلق وقال:
– هؤلاء هن صور النساء المسثمرات في شركة ابيكِ!
فتحت الغلاف فوراً لأستخرج الصور بلهفة، اتمنى حقاً ان اجد صورة تلك المرأة التي قابلتها في شقة سيف، اتمنى حقاً ان يكون سيف صادقاً!
قلبت الصور بأستعجال وانا اتمعن فيهم بتركيز، اعدت التقليب. مرة. ومرتين. وثلاث، ولكن لاشيء، ولاحتى هناك واحدة قد تشبهها!.
عصرت قبضتي بألم فتجعدت اطراف الصور كما تجعد قلبي، كاذب جديد ينضم للقائمة!
رفعت بصري نحو شهاب بأمل معدوم:
– أمتأكد انه لاتوجد واحدة قد اغفلتها؟
– متأكد انستي!
فركت صدغي بأطراف اصابعي اتمنى بأستحالة اقتلاع ذلك الصداع الذي اجتاحني، زفرت بضيق وقلت له:
– حسناً، شكراً لك سيد شهاب. ستجد اتعابك على هذه المهمة في حسابك بالبنك وسنلتقي مجدداً فور حصولك على اية معلومة عن يوسف!
ولااعلم لماذا ولكن اثارت استغرابي نظرة التمعن تلك التي منحها شهاب لسيف البعيد عنا مع جملتي هذه وقال لي فوراً بنبرة عميقة:
– قريباً جداً انستي!
ثم ودعني ورحل، ورحل استغرابي معه. فأنا اعرف ان شهاب من الاشخاص الذين يؤمنون بفكرة المتهم مذنب حتى تثبت برائته وليس المتهم بريء حتى تثبت ادانته. لذلك دائماً ما يشك بمن حوله ولايمنحهم الثقة لسبب او لدونه. على اية حال هذه وظيفته ولست اهتم كثيراً بالوقت الحالي بفك شيفرة نظراته بقدر ما مهتمة بمواجهة نظرات ذلك الكاذب المحترف الذي يقبع على الطاولة التي خلفي!.
اتجهت اليه بصمت رغم تلك الزلازل التي انهارت بداخلي، جلست حيث كنت وحدقت داخل عينيه بخيبة امل بينما زحفت اصابعي بالصور فوق الطاولة اتجاهه، نظر نحو اول صورة وقال بأستغراب:
– ما هذه؟
اشرت له بذقني:
– انظر لتعرف!
رفعهم وبدأ بتقليبهم بثبات ثم نظر إلى وقال:
– انهن المسثمرات في شركتنا!
– احسنت!
بقي يحدق داخل عيناي الغاضبة قليلاً بعدم استيعاب ثم فجأة توسعت حدقتيه وقد ادرك مقصدي فقلت له فوراً وانا بالكاد اكتم استيائي:
– اين هي ياسيف من بينهن؟
وكالعادة بارد المشاعر لم يعلق وبقي يحدق داخل عيناي بجمود فأكملت فوراً بنبرة اكثر حدة:
– لما انت صامت؟ أتفكر بكذبة جديدة؟
– اجل!
حسناً. كانت هذه صدمة بالنسبة لي ان يجيبني بهذه الصراحة، هذا الشاب يعرف جيداً قواعد اللعب بمشاعري وكيفية التحكم بي لأصبح كالبلهاء بين يديه!
سقطت دمعة حارقة من احدى عيناي بينما احتفظت الاخرى بخاصتها وجعلتها تبدو كطبقة زجاجية لامعة فوق حدقتي. سحبت هاتفي من فوق المنضدة وخرجت بأستعجال من المقهى غير مبالية بهتافات سيف الذي اسرع بدفع الحساب كي يلحقني، وقبل وصولي للسيارة وصلت يده إلى كي يسحبني بقوة نحوه ويوقفني، وبئس ما فعل. فلقد نال صفعة قوية فوق خده مني وانا اصرخ به:
– اتركني!
انقبض فكه بأستياء وحاول السيطرة على غضبه وهو يمسك كلتا يداي داخل يديه القوية ونظر نحوي بعيون نارية وهو يقول:
– لاتستغلي مشاعري كثيراً ميرنا…
حررت يداي بصعوبة من بين يداه وانا ادفعه من صدره بقوة واهتف به من وسط دموعي:
– أأنا من استغل مشاعرك ايها الوغد الكاذب؟ أأنا من يخدعك؟
عاد مرة اخرى ليقبض على عضدي بقوة وهو يقول وشيء من الالم يكتسح عيناه:.
– انا لم انوي خداعك، انا مضطر، انا اسف ولكني اخبرتك مسبقاً انه لايمكنني ان لااكون سوى حقير معكِ!
توقفت للحظة عن ابداء اي ردة فعل او كلمة وقد هالني مقدار الصراحة التي يتحدث بها الي، دون ان يبدي اي رأفة اتجاهي واتجاه ما قد اشعر به. هو كان يتحدث فحسب!
وفجأة انتفضت دموعي وارتخى جسدي عن المقاومة وانا اجهش ببكاء اعتصر روحي بينما اقول بضعف:
– لما يفعل الجميع بي هذا؟ ماالذنب الذي ارتكبته بحقكم؟
تحولت عيناه للأسى فوراً وهو يحيط وجهي بين يداه ويستند بجبينه فوق جبيني ويهمس له بحسرة:
– لم تفعلي! انتِ البريئة الوحيدة من بين كل من عرفتهم!
– اذاً لما تفعل بي كل هذا بحق السماء؟
– ليس بك، اقسم اني لاانوي اذيتك انتِ. ولكن هناك اشياء لايمكنني البوح بها الان!
ابعدت جبيني عنه قليلاً لأتمكن من رؤية عيناه وقلت له:
– سأسألك سؤالاً واحداً ياسيف، وسأثق بما تقوله، لذلك اتوسلك ان لاتكذب!
مسح دمعتي بطرف ابهامه بينما يده الاخرى لاتزال تحوط خدي وقال:
– لن افعل!
– هل تخطط لأذيتي في يوم او لتركي؟
حدق داخل عيناي مطولاً، تحديق آلمني بادئ الامر. فهذا يعني انه سؤال صعب الاجابة عليه بسهولة وليس واثق مما سيقول، وقبل ان تتلاشى اخر ذرة امل بداخلي وجدته يقول:
– اريدك ان تعرفي شيئاً من دون ان تسأليني عن اسبابه…
قطبت حاجبي بعدم فهم فعاد ليسند جبينه فوق جبيني ولكن هذه المرة وعيوننا تحدق ببعضها:.
– انت الشخص الوحيد في هذا العالم الذي لن اتمكن يوماً من التخلي عنه!.
وكم هو غريب الحب! يجعلنا حمقى بكلمات فقط، يجعلنا ننسى بكلمات، ونموت بكلمات!
ورفعت يداي لأحوط رقبته وقلت له بنبرة ضعيفة من وسط دموعي:
– سأصدق ما تقول، لذلك لاتجعلني اندم لاحقاً ارجوك!
شعرت بيداه تلتفان بقوة حولي ليضمني اليه اكثر بينما يهمس:
– لن افعل!
ودعوني اكون صادقة هو لم يفعل ذلك لاحقاً، ويا ليته فعل!
(سيف)
أتعلمون اسوأ ما قد يحصل لكم؟ ان تكذبو على من تحبون، او ان يكذب عليكم من تحبون، واليوم انا من تم الكذب علي، وقريباً ميرنا. لذلك اعرف جيداً ما ستشعر به، الشيء الوحيد الذي لم اكذب به عليها هو حبي لها، ولكن هل سيكون حبي كافياً لتغفر لي باقي كذبي وخطاياي؟ اتمنى بالفعل ذلك!
كانت لحظات السعادة النقية الوحيدة وميرنا بين يداي. لحظات لم اتمنى ان تنتهي ابداً، ولكن ما انا بخضم فعله لايحتمل التأجيل اكثر!
اختصرت مقابلتي مع ميرنا وودعتها واتجهت من فوري نحو المكان الذي سأفرغ كل به كل شحنات غضبي التي اكتمها منذ ساعات، امي!
قدت سيارتي هذه المرة بذهن حاضر وسرعة جنونية وانا اقبض على المقود بغيض اكاد اهشمه بين اصابعي، ان كانت تعرف. فهذا سيغير الكثير من الاشياء!.
وصلت الى منزلها ونزلت من السيارة وشياطيني تتبعني وانا افتح باب منزلها بعنف. وكعادتها الارستقراطية كانت تجلس في الصالة مع كوب قهوتها وكتابها، رفعت بصرها إلى بأستغراب من دخولي المفاجئ وقبل ان يكمل صوتها نطق اسمي تحولت نبرتها لشهقة ذهول وانا انحني على الكرسي الذي تجلس عليه واحاصرها بين يداي وانا استند على مساند كرسيها واقول بعيون نارية ونبرة حادة:
– سأسألك لمرة واحدة واياك وان تكذبي!
حركت كرتا عينيا داخل عيناي بفزع من منظري المجنون وقالت بتلعثم وبشيء من العصبية:
– ماالذي حصل لك؟
فنطقت حروف الاسم ببطئ وثبات:
– ياسمين سلمان، هل يذكرك هذا الاسم بأحدهم؟
وهنا تغيرت معالم الفزع لنظرات ذهول وصدمة جعلتني ادرك الاجابة فوراً من قبل ان تنطقها، ثواني حتى قالت بنبرة هامسة وكأنها قادمة من عالم اخر:
– من، من اين عرفت هذا الاسم؟
استقمت بجسدي وفوراً قمت بركل الطاولة التي امامها وانا اصرخ بها:.
– اذاً فأنتِ تعرفين؟
تركت كتابها جانباً ووقفت من مكانها وهي تهتف بي بعصبية:
– سواء عرفت او لا. هذا لن يغير شيء!
فأعدت جملتها بأزدراء:
– لن يغير شي؟
ثم اكملت بغضب:
– بل يغير كل شيء، طوال سنين وانتِ تقنعيني انه لابد ان ميرنا قد ورثت حقارة سلوى فهي ابنتها. لابد انها ابنة امها المدللة التي ستشبهها بكل شيء!
– وهي كذلك بالفعل. سلوى لم تنجب ميرنا ولكن ربتها وعمرها ايام فقط. فبطباع من قد تتطبع ميرنا؟.
لأصرخ بها بجنون اكثر:
– عن اي طباع تتحدثين انتِ بحق السماء؟ عل تدركين المعاناة التي تعيشها ميرنا بسبب البرود في علاقتها مع سلوى؟
– لايهمني ماقالته لك تلك الفتاة، لقد عشت مع سلوى سنين ميرنا الاولى واعرف جيداً ان سلوى تحبها ولاتعاملها كزوجة اب. لذلك اي شيء قالته لك ميرنا فهي كاذبة!
تقدمت خطوتين اتجاهها وانا اقول بيننا اعصر قبضتي بأستياء:.
– ميرنا لم تقل، انا من رأيت. ولن اسمح لكي مجدداً بنعتها بالكاذبة، فأن كنت تذكرين امي نحن من نكذب عليها وليست هي!
ارتسمت علامات الاستنكار على وجه امي وقبل ان تقول شيء اردفت انا فوراً بنبرة حادة:
– ونعم انا احبها. بل واعشقها بجنون ولن اكف عن ذلك!
ثم رفعت اصبعي بوجهها مهدداً وانا اكمل:.
– واريدك ان تعرفي انه بعد ان تنتهي كل هذه المهزلة فأنا لن اتخلى عن ميرنا. بل سأفعل المستحيل لأجعلها تسامحني وارتبط بها ابدياً!
ارتسمت نظرة غريبة داخل عينا امي وهي تحدق بي، تلك النظرة إلى تجتاحنا عندما نفكر بعمق! ثواني حتى تقدمت إلى واحاطت وجهي بين قبضتيها بقوة وهي تقول:
– سأتركك تهذي الان كما يحلو لك، فأنا متأكدة ان ابني العزيز لن يكون احمقاً لهذا الحد ويدخل احد افراد اسرة ادهم بيننا مجدداً!
وقبل ان انطق بشيء قاطعتني وهي تقول بنبرة اعلى واكثر حدة:
– متأكدة من ان ابني العزيز لن ينسى سنين معاناتنا وآلمنا في الوقت الذي كانت اسرة ادهم تعيش بنعيمنا، متأكدة من انه لن يمنح تلك الفتاة ثروته مجدداً بعد ان سلبها ابيها منه!
ثم طبطبت على خدي برفق وهي تقول:
– متأكد ان ابني العزيز لن يخيب ظني بحبه الساذج لها!
ثم سحبت كتابها وتركتني وخرجت من الصالة، تركتني وسط فوضى مشاعري وآلامي، فلمن لم يدرك، امي كانت تهدد وليس تنصح، هي اليوم تخيرني مابين احب امرأتين الى قلبي، هي. وميرنا!
انا اعلم ان ارتبطت بميرنا فالنزاعات لن تنتهي بينها وبين امي. وكلتاهما ستضعني امام القرار الاصعب في الاختيار، وان تركت ميرنا فسأترك سعادتي الابدية معها ولن تتمكن نساء العالم اجمع من تعويض مكانها لدي، ستبقى الى الابد الانثى الوحيدة القادرة على اخضاعي، نقطة ضعفي من دون اي منازع ستكون هي، وهي فقط!
التعليقات