التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الخامس عشر

(ميرنا).

هل تسائلتم يوماً لما نضع ايدينا فوق قلوبنا ان تأثرنا بشيء؟ ان اجتاحتنا سعادة؟ ان اعتصرنا حزن؟ لما نلجأ لقلوبنا فوراً ونحميها بأيدينا؟ ربما نحن نخشى عليه من الانكسار. او من التهاوي ارضاً. او ربما نجعل ايدينا درعاً حامياً كي يتلقى الطعنة بدلاً منه، ألم تتسألو؟ حسناً. ربما عليكم فعل ذلك من الان فصاعداً! عليكم ان تدركو ما يفعله هذا الشيء الصغير الذي لايتجاوز حجمه قبضة ايدينا، كيف لشيء ضئيل كهذا ان يكون اساس وجودنا؟ انعكاس لشعورنا؟ المتأثر الاول بردود افعالنا! والعاشق لذلك البارد الذي يقودني للجنون يوم بعد اخر!

وكعادتي اليومية المملة لاشيء يشغلني سوى تصفحي لبريدي الالكتروني او مشاهدة برامج مضحكة، جذب انتباهي فجاة عن شاشة حاسوبي نغمة الرسائل في هاتفي، سحبته من جانبي بعدم اهتمام. ولكن ذلك الضئيل نبض بقوة تعاكس حجمه وانا اقرأ اسم سيف اعلى الرسالة. ومن دون سبب وجدت نفسي ابتسم من قبل حتى ان اقرأ المحتوى. فهل يمكنكم ان تتخيلو ما اصابني بعد ان قرأت ماتتضمنه رسالته؟

(هل انا احبك؟ لا. لااظن. لطالما كنت انتقد طريقة اللامبالاة التي تعيشين فيها. لطالما تضجورت من شخصيتك المدللة. ولطالما احتقرت تبذيرك للمال، اكره طريقة الاستصغار التي تتطلعين فيها للشباب متخيلة الجميع يسعى خلفك. حسناً انسة ميرنا انا لااسعى خلفك، بل ولااحبك من الاساس، ان افكر بك لمدة 24 ساعة باليوم هذا لايعني اني احبك، عندما انسى مايدور حولي حين اتطلع بك لايعني ايضاً اني مهتم بك. حين اعرف ماتحبين وماتكرهين. ماتفضلين وماتنبذين، مالونك المفضل وماالاكلة الاحب اليك، اعرف كل انواع ابتساماتك وشيفرات نظراتك. اتألم عند رؤيتك تبكين واملك الدنيا بأبتسامة منك، كل هذا لايعني اني احبك، بل انا مجنون بك. اهذي بك، تكمليني رغم نقصانك. واحتاجك رغم اكتفائي، انتِ الانسانة التي قلبت كل الموازيين لدي، ماالذي فعلته بي بحق السماء؟! ).

بغض النظر عن اللسان السليط والكلمات الوقحة والاهانات التي وجهها لي. ولكن على الاعتراف، من بين مئات رسائل الاعجاب التي وصلت لي فهذه الوحيدة التي قرعت ابواب قلبي وايقضته من سباته الشتوي العميق!

احسست فجأة بالحرارة تنبعث من وجنتاي، لا. كلمة تنبعث هي مبتذلة جداً مقارنة بما اشعر به، لقد استعر الجحيم في وجهي وتدمرت كل قلاع تماسكي. خفق قلبي بنبضتين قويتين. تليها ثلاثة ضعيفة ثم قبضة قوية وسط صدري، شهيق زفير. نفس عميق. ولكن لايوجد هواء يدخل لرئتاي. هل لهذا السبب ياترى ترتجف يداي؟ هل نقصان الاوكسجين في الدم يسبب هذيان وضحك هستيري من دون سبب؟ في السابق كنت مجنونة. اما الان فأنا معتوهة بالكامل!

– (عفواً. من معي؟! ).
كتبتها وانا اضحك لأستخرج له شخصيته الاخرى التي اعشقها بكل جنون!
-(هل مسحتي رقمي ايتها الحمقاء؟! ).
-(اوه. تأكدت الان فقط انك سيف. لما لم تكتب حمقاء في رسالتك الاولى لأتأكد جيداً انك هو؟ متى تلبسك نزار قباني بالضبط؟! ).
-(لااعلم، استيقظت قبل قليل ووجدت نفسي احب النساء فجأة).
ضحكت بقوة. نعم الموضوع لايستحق هذا المقدار من الضحك. ولكن سعادتي تفوق طاقتي في كتمان ابتساماتي وضحكي!

يااللهي، لم اظن ان الفرودس مخلوق فوق الارض ايضاً!
استمرت بيننا رسائل نصية لمدة ساعة كاملة. المرة الاولى في حياتي التي استمتع فيها بالحديث مع احدهم بهذا الشكل، ارسل لي رسالة وضغطت حروفي اكاد اجيبه. ولكني توقفت. رفعت بصري من دون تعليق نحو امي التي طرقت الباب ودخلت. وقفت حيث هي وقالت بنبرة هادئة اشاهدها تتكلم بها لأول مرة: – أيمكننا التحدث؟.

ليست اي نبرة. بل تلك التي تسيطر على صوتنا بعد بكاء طويل، طويل جداً لدرجة كان واضح على ملامحها. من انفها الاحمر. من عينيها المتورمة. من خديها المتوهجين، حالة اراها بها للمرة الاولى مماجعلني افقد عقلي لرؤيتها بهذا الشكل واترك الهاتف من يدي فوراً واستعدل بجلستي فوق الاريكة واقول بقلق: – بالتأكيد. تفضلي!

جلست على الاريكة بظهر مستقيم وحدقت بأصابعها وهي تعبث بخاتم زواجها. وكأنها تضيع الوقت لتستمد بعض الشجاعة من صمتها، شجاعة فقدتها ولكني امتلكتها بينما اسألها: – أأنتِ بخير امي؟
ومع عبارتي الاخيرة تبسمت بمرارة واغمضت عيناها بألم بينما تقول وبضع دمعات تفر من مقلتيها: – أتعلمين ماتسببيه لي في كل مرة تنطقين بها كلمة امي؟

نظرت نحو عيناي المستغربة لتكمل: – ربما لهذا السبب كنت اتجنب الحديث معك دائماً. كي لااسمعها منكِ.
دمعت عيناي وتقوست شفتاي المرتجفة نحو الاسفل كطفلة مذنبة. قلت لها بنبرة تمزج مابين السخط والالم: – أوجودي في حياتك يزعجك بهذا الشكل؟
التفتت إلى بأستنكار لتقول:
– يزعجني؟
ثم اكملت بأنكسار:
– أتعلمين انك اجمل شيء حصل لي في حياتي كلها؟ انتِ الابنة الوحيدة التي عرفتها ياميرنا. كيف عساي ان لااحبك؟

– اذاً لما تقولين هذا بحق السماء؟
نظرت نحو بعيون تحولت للجمود فوراً وهي تجيب:.

– لأنك لاتعرفين ماتعنينه لي، عندما تقولين امي اشعر اني اسعد شخص في هذا العالم لكن في اللحظة ذاتها اشعر بالاحباط فوراً وانا اتذكر مدى سخطك على الاختلاف الذي يجمعنا وانك تستحقي ام افضل مني، انا لست تلك الانسانة المثالية التي تتمنين ان اكون عليها، ولكن برغم كل شيء وبرغم اختلافنا انا وانتِ في التفكير والتصرفات لايمكنك ولايمكنني انكار اني احبك، وسأفعل المستحيل من اجلك.

ثم كسا بعض الالم عيناها وهي تكمل بنبرة منخفضة بعض الشيء:
– وقد فعلت الكثير في الماضي من اجلك، ان تكوني ابنتها لايعني ان لااحبك وان لااحميك، فأنتِ ابنتي ايضاً، ولن اسمح لأحد بأيذاء عائلتي، قد اكون بليدة المشاعر، قد اكون قاسية في بعض الاحيان، ولكن هذا لايعني اني اكرهك، كل ام تكون قاسية لتحمي اطفالها!
فقلت بأستنكار بينما افلت يدي من بين يديها وانهض بأستياء:.

– تحميني من ماذا؟! ومن من؟ انتم لم تبقو احد بجانبي كي تخشو على الاذية. حتى يوسف ابعدتموه عني.
فنهضت وبعض الغضب على وجهها وكادت ان تجيب فأجبتها بنبرة حادة بعض الشيء:
– اياكِ وان تنكري!
لتهتف بي بحدة اشد:
– لست انكر، كفي عن كونك ساذجة تتعلق بأوهام الماضي!
– لن يبقى مجرد ماضي، سأعيده!
فأمسكتني من عضدي بقوة وهي تقول:
– لن اسمح لكِ!
– وانا لست انتظر الاذن منكم، لقد اوشكت الوصول اليهما بالفعل!

فصرخت بوجهي وقد فقدت السيطرة على اعصابها:
– هما ليسا كما تتوقعينهما، ونرمين ليست تلك السيدة الراقية المغتصب حقها، انها شيطان. ان اعدتها فهذا يعني انك ستفتحين ابواب جحيم نحن بغنى عنها!
رفعت زاوية فمي بأبتسامة جانبية وانا اقول:
– لابأس في ذلك امي، انا ذاتاً اعيش في الجحيم، هل سيفرق ان فتحت ابواب اضافية؟
وفجأة وجدت ملامح وجهها تنكسر وهي تقول بصوت ضعيف:.

– انتِ لاتفهمين شيء، ستبقين ساذجة وحمقاء، أتظنين ان يوسف لايزال ذلك الفتى البريء الذي يعتني بكِ؟ أتظنين ان الحياة لم تغيره؟

بقيت انظر نحوها بجمود، لقد تداولت هذه العبارة على مسامعي من سيف، ولكن برغم كل شيء، برغم ظنوني. برغم الاحتمالات، هناك شيء ما غريب بداخلي يدفعني بالاستمرار والاستمرار بالبحث، اريد ايجادهما فحسب، لعلي سأنتمي ل عائلة ان عثرت عليهما! ربما اكون ساذجة بالفعل كما وصفتني امي، وربما قدري الاسود يسحبني نحو الهاوية فحسب!
فجأة كسرت امي ضجيج افكاري وهي تقول لي بنبرة عميقة:
– ربما حان الوقت لتعرفي كل شيء!

(سيف)
لا احد يولد والظلام يحتل جوفه، كلنا نولد ذوي قلوب نقية، الحياة هي من تلوثنا، لاتحكم على حقير من دون مراجعة سيرته الذاتية، لتعرف ماالذي دفعه ليكون بهذا الشكل!.

لازلت اذكر تلك الليالي بعد ان طردتنا سلوى من المنزل. عشنا انا وامي في منزل قديم يتسرب الماء من ثقوبه في الجدران في فصل الشتاء وتلهب اشعة الشمس انحائه بسبب فتحاته الكثيرة في فصل الصيف، يوم بعد يوم وجدت امي تتحول من تلك المرأة الارستقراطية التي تستيقظ صباحاً لتجد كل شيء معد حسب رغبتها الى كادحة تحاول بيأس توفير مصاريف ابنها المدرسية وطعامهما، بعد ان كانت تتبرع بشيكات مالية هائلة اصبحت تتقبل الحسنات من ملابس ومفارش وبعض المقتنيات الاخرى، والمثير للسخرية انها اصبحت تحصل عليهم من الجميعات التي كانت تتبرع اليهم، في كل مرة كانت تحضر لنا شيء من الجمعية كانت تدخل الى الغرفة التي نتشاركها انا وهي وتغلق عليها الباب وتجهش ببكاء مرير تحاول -بفشل- كتم صوته عن مسامعي، كانت تسحق كل كبريائها وكرامتها من اجلي فقط، في ذلك الوقت تماماً كانت تأخذني لأراقب ميرنا من بعيد دون ان افهم لماذا، كنت انظر لميرنا بأشتياق بادئ الامر واتمنى لو ان امي تسمح لي التحدث اليها واللعب معها كما السابق ولكنها كانت ترفض من دون ان توضح، يوم بعد اخر كانت رؤية ميرنا تسبب لي الالم، وتحول المي الى كره مع مرور الايام، كنت احصل على الملابس المهترئة من الجمعيات بينما سلوى لاتكتفي بشراء قطعة ملابس واحدة من اجل ميرنا بل العشرات، كنت اضطر لقطع الطريق الى المدرسة البعيدة سيراً على الاقدام بينما ميرنا كانت تجلس كالاميرات في السيارة الفاخرة ليوصلها سائقها الخاص نحو المدرسة، هي تسافر الى مناطق سياحية ودول اخرى في العطل بينما انا ابحث عن عمل اساعد به امي، ففهمت لما كانت امي تأخذني لاراها من بعيد. لتريني كيف تعيش ميرنا واسرتها بسعادة ورفاهية، بأموال ابي انا!

– يوسف؟
التفت بعيوني الباردة التي تحمل شيء من عبق الماضي نحو رأفت الذي اكمل بتردد:
– أمتأكد انك تريد فعل ذلك؟ حتى بعد معرفتك بأمر ياسمين؟
ابتعدت عن نافذة الصالة والقيت بجسدي المرهق فوق الاريكة وانا اقول:
-غضبي من امي وشفقتي على ميرنا لايعني ان اترك ماخططنا وانسى ما عانيته انا وامي!
– فكر ملياً يايوسف، ان قمنا بهذه الخطوة فلن نتراجع!
نظرت له ساخراً:.

– اظن ان التفكير على مدى سنوات يعتبر تفكيراً ملياً ولست احتاج هذه اللحظات لأغير رأي!
تنهد بضيق ورفع هاتفه بأستسلام. فهو يعلم ان قراراتي من المستحيل ان تتغير!
وضع الهاتف لثواني فوق اذنه قبل ان يجيب الطرف الاخر ليقول رأفت فوراً:
– نفذوا!
ثم اغلق الهاتف بعد هذه الجملة المختصرة ونهض من مكانه وهو يقول بأسى:
– كلانا يعلم ان ميرنا لاتستحق ذلك!
نظرت له بطرف عيني بحدة وقلت بسخط:.

– بالتأكيد انت لست قلق عليها اكثر مني. انا اعرف ماافعل!
– بل انت تستغل ما يحصل!
نهضت من مكاني بغضب وانا ازجره قائلاً:
– هل فقدت عقلك؟
ليجيبني بنبرة حادة:
– انت تستغل مشاعرها يايوسف، أتظن ان بعد ان تفعل بها ماتخطط له وتكشف حقيقتك لها انها ستسامحك فقط لأنها تحبك؟
ثم اقترب مني خطوة وهو يقول بحزم:
– بل عليك ان تحذر ممن يحبوك بشدة يا يوسف، لأنهم سيغفرون للجميع. ألا لمن وثقو به!

تناول مفاتيحه من فوق المنضدة وخرج من الشقة بخطوات غاضبة.

(قبل 8سنوات)
يجلس رأفت امام شاشة حاسوبه الالكتروني التي لايفارقها ألا نادراً على طاولة تتوسط المقهى، شعر بوقوف احدهم بقربه فظنه النادل. رفع الكوب الخالي من دون رفع بصره عن الشاشة:
– كوب اخر من القهوة لو سمحت!
– لنجعلهما اثنين!
رفع بصره بأستغراب فوقعت عيناه على شاب في 20 من عمره ذو ملامح مقتضبة وجادة وكأنه خاض شجار قبل دقائق. كان يعرف هذه الملامح جيداً فهو كان يشاهده يومياً في الجامعة. يوسف!

جلس على الكرسي المقابل له وقال بهدوء وبرود:
– انا يوسف عاصم.
مط رأفت شفتيه بملل وهو يقول:
– اجل اعرفك، انت ذلك الفتى الذي يتعالى عن الحديث مع بقية طلاب الجامعة.
– لست اتعالى، ولكني قليل الحديث فحسب!
عادت اصابع رأفت لتتلاعب فوق ازرار الحاسوب وهو يقول بعدم اهتمام:
– وماالذي دفعك الان لتتحدث إلى فجأة؟ لا وخارج حدود الجامعة ايضاً!
– أنت صاحب المقالات تلك على الانترنت صحيح؟

– انا انشر الكثير من المقالات، أيهم تقصد؟
– تلك التي تنتقد فيها الاثرياء!
– وهل انت احدهم؟
– لا، ولكني مهتم بأحدهم!
صمت يوسف فرفع رأفت حاجبيه بمعنى اكمل فقال يوسف فوراً:
– اتمنى انك تتذكر اسرة اليوسفي!
تبسم رأفت فوراً وهو يقول:
– ومن عساه لايعرفهم؟ انهم الاشهر في المدينة اولئك المعتوهين!
ثم اكمل فوراً:
-اذاً عن ماذا تبحث؟ فضائح؟! تزوير؟! تبذير؟
تبسم يوسف بغموض وهو يقول:
– جميعهم، ولكن ليس لجميعهم!

نظر له رأفت بعدم فهم فقدم له يوسف صورة ملتقطة سراً لميرنا وقال:
– اريد كل المعلومات التي تخصها!
حك رأفت مؤخرة رأسه بينما يحدق بالصورة ثم قال:
– في الحقيقة مواقع التواصل ليست مهتمة بها بقدر اهتمامها بقضايا ابيها. هناك بعض المقالات عنها ولكنها لن تكون اكثر من انتقادات عابرة او اعجابات ساذجة!
– لابأس!
حدق به رأفت لعدة ثواني ثم قال:
– أأنت قادر على دفع التكاليف؟!
– وبل ومضاعفة ايضاً، ولكن ليس الان!
– أشهر؟

– بل سنين؟
اطلق ضحكة سخرية خفيفة قبل ان يقول:
– وماالذي يجعلني اعمل لديك بالمجان؟
– لااعلم، هذا القرار عائد لك، هذه هي شروط عملي. انت لن تخسر شيء في الوقت الحالي سوى جمع المعلومات، بضع سنوات وستبدأ بتلقي راتب شهري. وان نجح مااريد الوصول اليه فستحصل على مبلغ لم تحلم يوماً بالحصول عليه!

كانت الثقة التي يتحدث فيها يوسف كافية لتجعل رأفت يتعامل مع الامر بجدية، ركز جيداً بتلك الملامح الهادئة من غير تعبير، هل سيرفض؟ ولما لايوافق؟ ماالذي قد يخسره سوى تقديم معلومات؟ ان كان يوسف جاد في مايقوله فسيحصل على اموال بالفعل دون ان يخسر شيء…
ولما طال صمت رأفت امتدت يد يوسف بهدوء يحمل قصاصة تحمل رقمه ووضعها امام رأفت وهو يقول بينما ينهض:.

– ان فكرت بالامر بشكل جيد فسأنتظر اتصالك. وان لم تتصل فأتوقع ان نتقابل في الجامعة كثيراً لنتفق!
وقبل ان يتحرك يوسف خطوة بعيداً عن الطاولة قال رأفت:
– لحظة!
نظر له يوسف بأهتمام بينما اكتفى رأفت بالصمت لعدة ثواني قبل ان يعقد يديه خلف رأسه ويقول بعدم مبالاة:
– حسناً لابأس، سأقدم لك هذه المعلومات كخدمة في الوقت الحالي او كعربون صداقة حديثة المنشأ بيننا.

رفع يوسف زاوية فمه بأبتسامة بسيطة ثم مد يده للمصافحة وهو يقول:
– ليكن كذلك اذاً!
حلّ رأفت يديه من خلف رأسه وصافح يوسف بتهذيب، لتنشأ بينهما تلك الصداقة القوية التي استمرت لسنين طويلة، غاص كلاهما في شخصية ميرنا اليوسفي وهما يراقباها ليجمعا المعلومات، فأمتلكت قلب احدهما واثارت شفقة الاخر!

(ميرنا)
ظننته صباحاً هادئاً ككل صباح اعيشه. حيث لايكسر صمت المنزل الموحش سوى خطوات الخادمات وهن يسرن في الارجاء، ولكن فجأة افزعني من نومي صوت تكسر زجاج قوي. شهقت بفزع وانا افتح عيناي على اوسعهما. وفي الحال ومن دون تردد سحبت المئرز لألف به جسدي وسرت خطوات مسرعة نحو باب غرفتي لأخرج…

نزلت درجات السلم وتباطأت خطواتي شيئاً فشيئاً، ولكن ضربات قلبي في ازدياد، امي تجلس بوجه شاحب وعيون تائهة على طرف الاريكة. بينما ابي مبعثر الهيئة يحوط رأسه بكلتا يديه ويتوسط الاريكة والزجاج الذي كسره مسبقاً يتبعثر تحت اقدامهما، وسيف، ماالذي يفعله سيف هنا منذ الصباح الباكر؟
يقف امام ابي بوجه يحمل بعض التشاؤوم ويقبض بين يديه على مجموعة ملفات!

كان هو اول من رفع رأسه نحوي لتتعانق عينيه المتأسية بعيناي المدهوشة. وصلت نهاية السلم ونسيت قدماي العارية وسط هذا الزجاج المتناثر وقلت بصوت مرتجف:
– ماالذي يحصل؟
وهنا شاركت امي سيف بالتحديق بي ولكن كلاهما اكتفى بالصمت. فأعدت جملتي بأرتباك اكثر:
– ما بكم؟
وهنا اخترق سكونهما صوت ابي وهو يقول بنبرة عميقة:
– لقد ضاع كل شيء، كل ما بنيته تهدم في لحظات!
انقبض قلبي وانا اسأله:
– عن ماذا تتحدث؟ ماالذي ضاع بالضبط؟

وهنا تحدث سيف وكأنه يحاول مشاركة ابي هذا الحمل الثقيل بأخباري:
– الشركات الثلاثة الذين تعاقدنا معهم، اكتشفنا اليوم انها شركات وهمية!

وهنا شهقت بفزع وانا اكتم شهقتي بأصابعي فوراً، ان كان هذا سيعني شيء فهو اننا على حافة الافلاس، ليست شركة واحدة ولاحتى اثنتين، بل ثلاثة، اي ثلاثة صفقات خاسرة! وليست خسارة تتحملها كلتا الشركتين المتعاقدة بل نحن فقط من سنتحملها. ومع ثلاثة! أيمكنكم ان تتخيلو حجم كمية الاموال التي سنخسرها، هذه بالفعل الضربة القاضية!

عادت السكون ليسيطر على الارجاء اشاركهم انا فيه هذه المرة، حسناً في لحظتها وودت قول عبارة لقد حذرتكم ولكن اظن ان ابي وامي يعانيان بما فيه الكفاية الان، ولكن ياترى. هل سيف يعاني؟ لست حمقاء لدرجة ان لاينتابني القليل من الشك اتجاهه، ولكن القليل من الشك مع الكثير من الحب سيجعلني ابقى خرساء امام ابي دون ان ابوح بشيء…
– لابد ان هناك حل ما!

قلتها بيأس وانا اتقدم اليهم ببطئ لعلي اضفي القليل من الامل لي ولهم. نظرت امي نحو ابي وعصرت يد ابي برفق داخل يدها وهي تقول مشجعة:
– ميرنا محقة عزيزي، لقد تخطيما كثير من الازمات معنا، وسنتخطى هذه ايضاً!

وقبل ان اعلق بشيء على كلام امي اخرجت تأوهاً متألماً من بين شفتاي عندما دخلت بضع قطع من الزجاج داخل قدمي. ليتحرك ذلك المتجمد في مكانه كسرعة الريح وهو يحيط خصري بيديه ليعيدني خطوات نحو الخلف وهو يقول لي بعصبية مكتومة:
– ألم تنتبهي للزجاج؟
لتهتف امي بسخط:
– سديم؟ تعالو لتنضفو هذه الفوضى!
اتت سديم مسرعة بينما قادني سيف بصمت نحو الحمام لينضف جرح قدمي.

جلست على حافة حوض الاستحمام واتجه هو نحو علبة الاسعافات ليحضرها، جلس على ركبتيه امامي وانا اراقب وجهه المقتضب بصمت بينما يحمل قدمي بين يديه ليستخرج قطع الزجاج الناعمة، سقطت دمعة ببطئ على وجهي. ليس لتألم جسدي، بل لتألم روحي. قلت له بصوت ضعيف ومهزوز:
– من انت؟
توقف للحظة من دون حركة ثم رفع بصره إلى بصمت لتقتلني نظرته الباردة تلك!
اجهشت ببكاء اقوى قليلاً وانا اقول:.

– لقد حذرتكم من خوض هذه الصفقة. ولكن انت من كنت مصراً. انت من اقنع ابي، وتلك المرأة التي شاهدتها في منزلك. وغموضك. ووجهك المألوف، من انت بحق السماء؟
ومع عبارتي الاخيرة غطيت وجهي بكلتا يداي وكأني اخفي روحي المبعثرة عنه وافضل البكاء بين عتمة يداي بدل من مواجهة عيناه الباردة…

اجزاء من الثانية ليس اكثر حتى احسست بيداه الدافئة تحيطان يداي ويبعدهما عن وجهي لأجد ان تلك العيون الباردة تكسوها طبقة زجاجية تعكس آلمه المكتوم وهو يقول لي بضعف:
– لاتبكي ميرنا. انا هنا!
شيء ما طعن قلبي بقوة. الماضي فتح ابواب جحيمه على روحي، هذه الجملة لم ينطقها لي سوى شخص واحد. شخص سأفعل المستحيل لأعادته. فلما ارى يوسف بسيف دائماً؟ هل يحاول الرب تعويضي به؟ هل ينوي ان لايعيد يوسف لي ابداً؟

مددت يداي ببطئ لأحوط رأسه بين يداي وانا اقول:
– انا لااثق بك، فلما لاازال احبك بهذا القدر؟ لما تجعلني ضعيفة بهذا الشكل؟ انت تؤلمني ياسيف، انت تقتلني بما تفعله.
ثم انزلت رأسي لأستند بجبيني على كتفه واتشبتث بقميصه بقوة واقول من وسط دموعي:
– حررني منك ارجوك!
لف ذراعيه حولي وهو يقول:.

– نحن ملعونان بحب بعضنا ميرنا، لذلك كل ماستفعليه هو الصمت فقط وان تثقي بي في الوقت الحالي، فأنا لن أؤذيكِ. من المستحيل ان افعل ذلك!
ثم رفع وجهي ليحوطه بين يداه ونظر نحو عيناي بضع ثواني بعمق ثم قال اخر شيء اتوقعه في هذه اللحظة:
– ميرنا؟ هل تتزوجيني؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *