رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث عشر
خرجت أسبقهما بخطى صغيرة ووقفت أمام بوابة المشفى معترضة بينما أحدق إلى المشد الأسود الذي يحيط بكتفي: غير معقول! انه يعيقني عن الحركة بأريحية!
علقت روز بإنزعاج: متى ستتوقفين عن التذمر تحديداً! قال الطبيب أنها رضة قوية وعليكِ أن ترخي كتفك والا تحركيه قدر المستطاع حتى تتشافي بسرعة وتتحسن حالتك! اعتذري عن جلسة التصوير واتركيها لفرانك! منحكِ بالفعل اجازة مرضية لخمسة أيام لذا كفاكِ سخفاً.
كانت نبرة روز غاضبة وهي ترد على تذمري لأجادلها بجدية: سأكون من تتولى جلسة تصوير الغد مع دانيال، لعبة رهينة القراصنة لي ولن أسمح بأن يتولى فرانك الموضوع.
قلّبت جانيت عينيها وهي تسرع في خطاها وتتقدمنا: دعيها روز، ستكون وحدها من تبكي ندماً عندما تسوء حالة كتفها.
اعترضت روز وهي تزفر بنفاذ صبر: مهلاً جانيت حاولي اقناعها!
ابتسمت لها بتبرم: لا داعي لإقناعي قلت ما لدي بالفعل، سأكون متواجدة غداً في الوقت المحدد لن أفوت هذه الجلسة لذا الموضوع منتهِ تماماً.
لوت روز شفتيها ولاحقتني عينيها البنية وهي تقف في مكانها قبل ان تمتعض بشدة وتتبعنا: ما مدى متهورك تحديداً ولماذا كل هذه المخاطرة! ليس وكأنها ستكون جلسة التصوير الأخيرة مع دانيال فمن الواضح أنه سيتلقى المزيد من العروض أين تكمن المشكلة تحديداً!
علقت جانيت ببرود: اليس هذا واضحاً؟ انها تحاول اكتنازه لنفسها. حتى لو عنى ذلك ان تضرب صحتها في عرض الحائط.
توقفت عن المشي أحدق إلى جانيت بجمود وقد أكملت طريقها بكل فتور وبرود دون ان تتوقف، توترت روز ووقفت تستوقفها: لحظة! انتظري جانيت.
ثم نظرت إلى بقلق: هل أستأت منها؟ لا بأس تحاول ان توضح فقط قلقها بشأن اهمالك لنفسك!
تجاهلت تعليق روز وتساءلت بصوت عالي: ما الذي تقصدينه باكتنازه لنفسي؟
وقفت مكانها ونظرت إلى من فوق كتفها بهدوء للحظات مطولة، ومضت كلتا عينيها الخضراء الزيتونية بالجدية والتركيز من خلف نظارتها قبل ان تجيب ببرود: لأنكِ اكتشفته؟ لا تريدين أن يسرقه أي شخص منكِ؟ أين تكمن المشكلة ان فوضت المهمة لفرانك؟ أنتما زملاء في فريق واحد قبل ان تكونا منافسان، أم أنكِ لن تسمحي له بأن يحظى بفرصة ليدير جلسة تصوير مع دانيال الذي تعلمين جيداً أنه سيحقق نجاحاً بالفعل؟
انتابني الذهول وقد شعرت ببرودة أطراف جسدي أحدق إليها بعدم استيعاب!
لم أتمنى يوماً لفرانك ألا ينجح! صحيح أنني أنافسه ولكنني. لن ألجأ إلى أي حيلة تعيقه عن التقدم او النجاح! بل أنني أعلم جيداً كم هو موهوب في المجال.
هل احاول اكتناز دانيال لنفسي؟
كل ما أريده.
ان أكون من تلتقط له الصور وحسب!
هل يحمل هذا المعنى نفسه؟
ربما. أنا حقاً لا أريد لأحد أن يحل مكاني!
انتابني ضيق غريب واعتراني الإنزعاج لأتمتم بجمود لأستدير: سينتهي وقت الاستراحة الخاص بكما عودا إلى مقر المجلة.
نادت بي روز بإضطراب: كتاليا لنتفاهم قبل كل شيء! جانيت لم تعني ازعاجك بكلماتها توقفي!
أكملت طريقي فتبعتني تحاول استيقافي وهي تمشي بمحاذاتي: انصتي أيتها الحمقاء هي فقط قلقة بشأنك ثقي بي! تجاهلي كلماتها تعلمين جيداً أنه أسلوبها المعتاد، هيه توقفي! كتاليا.!
أومأت لها مسايرة: لا بأس، سأزور بينديكت الآن لذا عودي معها.
عقدت حاجبيها بإستياء وابطأت من خطواتها بينما أكملت طريقي.
لأنكِ اكتشفته؟ لا تريدين أن يسرقه أي شخص منكِ؟
لم يكن عليها صياغة الأمر بهذه الطريقة.
ولكن. حتى لو كان ذلك صحيحاً فما المشكلة؟ لما لا وقد كنتُ بالفعل من عثرت على رجل تتوفر فيه مواصفاة يصعب ايجادها بسهولة! لما لا وقد رأيت رجلاً يحقق معايير عالية صعبة؟ الا يحق لي أن. أكون وحدي من تتولى جلسات التصوير الخاصة به طالمر ا لا يزال يقدم جهوده لصالح مجلتنا؟
مررت يدي الأخرى بشعري بإنزعاج احاول تخفيف اضطرابي وتوتري.
لماذا اعتقدتْ أنني احاول عرقلة فرانك حتى! لماذا سأفعل أمراً كهذا؟ هل رغبتي في تولي كافة جلسات تصوير دانيال يشير إلى عرقلة عمل فرانك؟
أياً يكن.
سأكون من تدير جلسة تصوير كافة طاقم العمل للعبة رهينة القراصنة ولن أقبل أي نقاش في هذا الموضوع.
غداً وبعد غد، سأقوم بترتيب جدول العمل ليومين متتاليين في رحلة العمل، أرسل لي جاك مسبقاً المعلومات الخاصة بطاقم العمل لذا سأدرس الموضوع فور عودتي من العيادة بعد ان أطمئن على بينديكت.
زفرت بضيق أحاول تجاوز الأمر وقد أسرعت في خطواتي إلى العيادة.
ابتسمت بلطف امرر يدي في شعره وأداعبه متسائلة: تشعر بأنك أفضل حالاً؟
نبح وقد كان صوته قد تحسن أكثر عما سبق! اتسعت ابتسامتي ونظرت إلى الطبيب: يبدو أفضل بالفعل!
حاول بينديكت الاقتراب مني أكثر فجلست بدوري بجانبه بينما يجيب الطبيب: يلتئم الكسر بسرعة، آمل انه سيكون قادراً على الخروج في غضون الأسبوع القادم ان استمرت حالته في التحسن.
ثم نظر إلى الساعة حول معصمه واعتذر قبل ان يغادر: سأعود بعد لحظات هناك ما على الاعتناء به، خذي كل وقتك معه.
عندما رحل لامست سبابتي أنف بينديكت أحدق إليه بهدوء قبل ان أمازحه بنبرة منخفضة: حارسي الشخصي الشجاع، أنتَ بالفعل جريء. أعتذر مجدداً عما حلّ بك.
بدى مسترخياً وقد أمال برأسه على يدي فأكملتُ أداعب رأسه: فتى لطيف وقوي، عليك أن تتحسن بسرعة. أشتاق لك كثيراً بينديكت.
ابتسمت لحركة رأسه السريعة على يدي وهو يداعب كفي وقد أخرجت هاتفي من حقيبتي عندما تعالى رنينه.
دانيال؟
أجبت فوراً على المكالمة وقبل ان اتفوه بحرف واحد أتى صوته مترعاً بالتعجب بوضوح: يوجد خطأ ما!
رددت بعدم فهم: خطأ؟
أوضح بسرعة بإستنكار شديد: وصلني إيداع مبلغ مالي ولكن هناك أمر غير صحيح! يوجد الكثير من الأصفار في المبلغ لا بد من وجود خلل ما!
تنهدت بعمق: إنها مستحقات الدعاية التي أديتَها بنفسك فكيف يكون خللاً؟
عفواً؟ فقط لوقوفي أمام الكاميرا؟ المبلغ كبير لا يمكنكِ أن تكوني جادة!
حدقت إلى بينديكت واستمرت يدي في التربيت عليه مجيبة: مع أي مجلة قمت بالدعاية الترويجية برأيك؟ إنها أسعار المجلة ويوجد مبالغ أكبر يستلمها العارضين، يوجد الكثير من المعايير التي سترفع سعر أعمالك القادمة لاحقاً، لنتعاون على رفعها معاً.
ساد صمت مطول حتى كسره بقوله: هذا. غير منطقي!
أضاف ببطء: سأغلق.
عقدت حاجباي بحيرة شديدة أنظر إلى هاتفي!
ما خطبه؟
لم أحظى بفرصة لأسأله ان كان قد ذهب لتوقيع العقد ام ليس بعد أرجو أنه لم ينسى ذلك.
سأقوم بتذكيره برسالة على الأقل.
دانيال:.
مبلغ كبير مثل هذا. لمجرد وقوفي امام الكاميرا واتخاذ وضعية مختلفة تلو الأخرى للترويج عن لعبة على أجهزة لوحية! هل هكذا تسير مجريات الأمور في العالم؟ كلما كان الجهد المبذول أقل كان المردود المالي أكبر؟ وكلما كان المرء يبذل جهده ويكد بكل قوته يحصل على مبلغ بالكاد سيؤدي الغرض ويشبع احتياجاته؟
ياللسخف.!
صحيح بأن الوقوف لفترة طويلة على كل وضعية كان منهكاً، والتعرض لتلك الإضاءات القوية مُتعباً، وارتداء ملابس غير مريحة أمر مزعج ومع ذلك هذا لا يعد شيئاً أمام الجهود التي يبذلها الكثير من الناس في مختلف المِهن! ما بال هذا العالم يسير بطريقة عكسية غير منصفة.!؟
دسيت هاتفي في جيبي بينما أخرج دراجتي من المرأب غارقاً في حيرتي!
انتابني الذهول فور استلام الايداع وقد انحصر تفكيري على أننا قادرين على تسديد الديون بسرعة أكثر مما اعتقدت! فمثلاً لو واصلت العمل مع هذه الفتاة سأجني أرباحاً تمكننا من اغلاق كافة ملفاتنا وديوننا مع أهالي القرية خلال فترة قصيرة.
ومع ذلك شيء في داخلي يستنكر الموضوع برمته.!
أياً يكن. عندما اتفرغ سأتحدث إلى أبي، سأسحب المبلغ المالي كله وأسلمه إياه ليخرس أفواه بعض الدائنين اللذين لا يتوقفون عن مراسلته منذ انتقلنا إلى هنا.
أوقفت دراجتي في المواقف الأرضية لا أكف عن فتح رسالة الإيداع في كل حين وعشرات التصورات تتجول في ذهني.
ربما ان قمنا بتسديد الديون في وقت مبكر وقبل المهلة المحددة. سأستطيع اقناعه بالعودة؟ سأتمكن من ازاحة هذا الهَم ولو قليلاً ليتقبل أبي عودته إلينا أيضاً.
لما لا!؟
تأففت بضجر بينما انتظر في المصعد واخرجت علكة من جيبي لأمضغها ولكنني كدت أختنق بالغصة عندما دخلن مجموعة من الموظفات دفعة واحدة فحشرت نفسي في زاوية المصعد والتفت ليواجهن ظهري أتظاهر بالعبث بهاتفي.!
لا يوجد هواء كافي بحق الإله.!
توقف فمي عن مضغ العلكة وحاولت التقاط أنفاسي بصعوبة أنصت إلى احاديثهن معاً وضحكاتهن وقد استشعرت استنكارهن لوقوفي بطريقة عكسية وكنت على أتم الثقة بنظراتهن الموجهة نحوي ولكنني حاولت جاداً تجاهل الأمر والتركيز على شاشة هاتفي دون هدف معين.
ثم سرعان ما لمحت وصول اشعار إلي.
لا تنسى توقيع عقد العمل مع المجلة اتجه إلى مكتب السيد كوفمان في الموعد المحدد في تمام العاشرة والنصف.
لقد. ارتخى تصلب كلا كتفاي ببطء، وغابت أصواتهن في المصعد عن أذناي.
كما لو أقرأ الرسالة بصوتها بوضوح!
لا أدري ما الذي حدث ولكنني. ربما انسلخت عن حقيقة تواجدي في هذا المصعد بين مجموعة كبيرة من النساء!
رددت قراءتها مرارا وتكرارا وكلما فعلت ذلك كلما ارتخى كتفاي وجسدي أكثر، وبطريقة ما عاد الهواء يغذي كلتا رئتي.
كانت لحظات ثقيلة نوعاً ما حتى خرجن إلى أحد الطوابق فاستدرت فوراً اواجه باب المصعد ثم ترقبت وصولي إلى الطابق حيث مكتب ذلك المدعو كوفمان.
خرجت من المصعد أستعيد هدوئي وأستكمل مضغ علكتي اتجه إلى مكتبه، طرقت الباب ودخلت لأجده يقف أمام مكتبه يشمر أكمام قميصه إلى مرفقيه وبدى منهمكاً بالإطلاع على بعض الأوراق وحاسوبه، انتبه لوجودي وقد عقد حاجبيه تاركاً مابين يديه وزمجر فجأة بحزم: هل لديك أدنى فكرة إلى أي رقم تحديداً تشير عقارب الساعة يا ترى؟
قال ذلك متذمراً بينما يشير إلى الساعة المعلقة على الحائط، ارتفع حاجباي متمتماً بفتور: الحادية عشر.
نعم تجيد قراءة الساعة ولكن هل تجيد احترام الوقت؟
ماذا قُلت؟
تفضل بالجلوس لنوقع عقد العمل القادم.
احتدت عيناي وتصلب فكي متوقفاً عن مضغ العلكة بينما رمقني بطرف عينه وتنحنح. جلست بتململ أمرر يدي على عنقي وبينما كان يخرج من درج مكتبه بعض الاوراق قال بجمود: ردود أفعال الهاويين والمهتمين في مجال الألعاب كانت مُرضية، عمل جيد بالنسبة لعارض مبتدئ. ستحتاج إلى بذل المزيد من الجهد في جلسة التصوير القادمة للعبة رهينة القراصنة. لدي الكثير من الأمور لأهتم بها يمكنك قراءة العقد بتمعن بينما انهي ما لدي.
وهذا ما حدث إذ كان قد انشغل في النظر إلى حاسوبه واجراء بعض المكالمات بينما تمعنت عيناي في النظر إلى العقد بين يداي.
كل شيء كان واضح ولكنني لا زلت أحدق إلى الأرقام التي تشير إلى ما هية تكلفة العمل. مُجدداً! مَبلغ كبير. فقط لأظهر صورتي في انحاء البلاد ومختلف قنوات النشر؟ ما الذي يحدد اتجاهات هذا العالم؟ لا أفهم. ومن الصعب الاقتناع بكل هذا.
لا يمكنني قبول حقيقة الحصول على اموال طائلة مقابل أمر كهذا ولكنني بحاجة ماسة إليه! ما أفعله مقابل المال ليس أمر خاطئ ولكن هل يستحق كل هذا المردود؟ حسناً مؤقت، فقط إلى حين تسديد كل فلس ندين به ثم أتمكن من اقناع الجميع بأن يعود إلينا فرد يٌنقصنا؟
لا أنوي الاستمرار في هذا المجال.
نعم. يجب أن يكون الأمر مؤقت وحسب! لذا لا بأس. ربما ليس بالضرورة معالجة مشاكلنا بنفس المبادئ التي نؤمن بها دائماً. أحياناً نحتاج إلى أن تتنحى قناعاتنا الشخصية بعيداً، هكذا يسير العالم على ما يبدو. لربما أتخذ في طريقي منحنى لم يسبق لي وان سلكته مسبقاً.
آل الأمر إلى حركة القلم بين أناملي لأوقع على العقد وأخرج من مكتبه وعشرات الأفكار تأخذني كل منها إلى اتجاه مختلف.
وقفت أمام المصعد وكل ما تبادر إلى ذهني هو. أنه لا ضرر من المرور عند قسم التصوير، سأزعجها قليلاً قبل أن أغادر.!
كان هذا ما رغبت فيه قبل لحظات من وقوفي الآن أمام باب قسم التصوير.
مررت يدي في شعري ولسبب ما اتخذت يدي طريقها أيضاً لتهندم قميصي، قبل ان ادفع الباب.
وكالمتوقع كان هناك جلسة تصوير ويوجد عارض يقف هناك أمام القماشة الخضراء.
لمحت تلك الشقراء ذات الشعر القصير تقوم بترتيب الأزياء على الجرار المعدني، ثم تقدمت قليلاً لأنظر إلى من يقوم بالتقاط الصور.
لم تكن هي.
زميلها المصور؟
بحثت بعيناي في أرجاء المكان ولكنني لم ألمحها، كما لا يبدو ان صديقتها قد انتبهت لوجودي لذا تراجعت للوراء وخرجت.
ليست هنا.
وقفت بحيرة انظر إلى الأعين الخضراء التي تحدق إلى بإستغراب قبل أن يتمتم صاحبها: دانيال؟ لماذا أنتَ هنا!
ماذا كان اسمه هذا الرجل معشوق تلك الشقراء! آه ديفيد.
أجبته بملل لأكمل طريقي: وقعت عقداً للتو.
نادى بي بحيرة: مهلاً.
ولكنني اكملت طريقي دون توقف لولا ان قدماي بالفعل قد تسمرت والتفت له لأسأله بهدوء: أين هي؟
عقد حاجبيه بعدم فهم: من هي؟
زفرت بضجر: عليك أن تفهم المقصود بكلماتي دون شرح مسبق! زميلتك المصورة. لم تكن في قسم التصويرهل هي هنا؟
ابتسم بتهكم وسخرية: كتاليا، ماذا؟ أتيتَ باحثاً عن شجار؟ مؤسف أنك لن تستطع فهي لم تأتِ إلى المقر اليوم أو الأمس.
الأمس أيضاً!
استدرت بكامل جسدي نحوه وتساءلت بإستنكار: وذلك المصور؟
تكتف بملل: فرانك ينفذ مهام جدوله الخاص ولكنه في الأمس تولى مهام كتاليا التي لا يمكن تأجيلها، أياً يكن جلسة التصوير الخاصة بك غداً لازالو يتناقشون بشأن من يتولى أمرها. لابد وأنك ستحلق من فرط سعادتك عندما يكون المصور رجلاً هاه؟
لم تأتي في الامس أو اليوم لتزاول عملها، لماذا؟
اختفت فجأة تاركة خلفها أكياس المشتريات ثم بكل بساطة تقول بأنها لن تعود إلى منزلنا؟ بل وتتغيب عن العمل ليومين.!
نظرت إلى ديفيد بتمعن، لا يبدو أنه يعرف شيئاً. ولكن لا ضرر من المحاولة!
هل التقيت بها؟
أومأ وقد اهتز هاتفه بين يديه لوصول اشعار ليحدق إليه بينما يجيبني: آه نعم رأيتها في الأمس، لدي عمل مهم سأغادر.
استوقفته بسرعة: أين رأيتها!
بدى مستنكراً لأسئلتي بوضوح ولم يتوقف ولو لثانية وانما اجاب بينما يسرع في طريقه: هل تلعب دور المحقق؟ رأيتها في شقة روز. إلى اللقاء.
تابعته عيناي بينما يبتعد حتى انعطف في نهاية الممر على عجالة.
في شقة روز؟ من يكون بينديكت إذاً؟ يفترض أنه صديقها الذي ستمضي معه وقتها مثلاً؟ لماذا هي في شقة صديقتها بدلاً من منزلنا!
وقفت في مكاني متكتفاً بعدم فهم. وكل سؤال كان يجر سؤال آخر في ذهني ولكن أهمها كان.
ما الذي أرغمها على مغادرة منزلنا فجأة؟
أخرجت هاتفي فوراً وأرسلت رسالة عاجزاً عن تجاوز الكثير من علامات الإستفهام لأكتب بإيجاز.
انتهيت من توقيع العقد، ولكن لدي بعض التساؤلات بشأنه، هل يمكنني سؤالك مباشرة؟
ترقبت ردها بينما أنزل بالمصعد اتجه إلى دراجتي في المواقف الأرضية وما ان جلست على الدراجة حتى وصلني منها رداً.
لاحقاً. لدي جلسة تصوير الآن وسأكون مشغولة حتى المساء. كن متواجداً غداً في مقر المجلة في تمام السابعة صباحاً
هذه الفتاة. سيئة جداً في الكذب!
تنهدت بعمق أحدق إلى رسالتها مراراً وتكراراً، كم هي فاشلة في التخطيط وربط الأحداث! الم تفكر ولو للحظة احتمالية خروجي من مكتب كوفمان لأتجه إلى قسم التصوير حيث الجلسة التي تديرها مثلاً؟ لماذا كل هذا الكذب وما الذي يدفعها للمراوغة؟
لاحقاً إذاً
اكتفيت بكلمتين وأرسلتها قبل أن أسلك طريقي إلى المنزل.
كتاليا:.
تلقيت مكالمة جاك للمرة الرابعة على التوالي بعد ان تشاجرت معه قبل لحظات، أجبت على مكالمته بحزم وانا ألقى بجسدي على سرير روز التي لم تعد من العمل بعد: للمرة المئة، لا تتدخل جاك ودعني وشأني!
أتى صوته غاضباً وقد كان يندر سماع نبرته تلك: توقفي عن اغلاق الهاتف في وجهي! ما المشكلة في أن يتولى فرانك الجلسة الخاصة باليومين المقبلين؟
روز الحمقاء! ما الذي قالته لجاك تحديداً ليصر على اختيار فرانك!
احتد صوتي وقلت بجدية: لا يوجد مشكلة! سأكون من تتولى الموضوع لذا لنتوقف عند هذا الحد.
كتاليا!
لماذا كل هذا الإصرار؟
أخبرتني روز أنكِ تنهكين نفسك وبحاجة إلى الراحة، القرار بيدي كتاليا لذا لا ترغميني على التوقف عن مفاوضتك لأتخذ قرارا من شأنه ان يضايقك.
تغيبت عن العمل في الأمس واليوم وقد حظيت بالراحة بالفعل لذا توقف عن تهويل الموضوع أنت وروز! أنا بخير جاك من فضلك لا تزعجني!
ان كنتِ بخير لماذا بدت روز قلقة إذاً!
من الطبيعي ان تقلق هي صديقتي في النهاية بحق الإله.! ولكنها تبالغ في التفكير أنا حقاً أفضل حالاً. من فضلك!
ساد الصمت بيننا للحظات أعقبها بقوله الحازم: غداً قبل موعد الرحلة كوني في مكتبي، سأحكم بنفسي إن كنتِ على ما يرام.
عضضت على طرف شفتي بإنزعاج ولكنني أسرعت أسايره: بالطبع وما المشكلة؟ سأكون هناك.
أراكِ غداً.
أنهيت المكالمة ملقية بالهاتف بجانبي أتنفس الصعداء.
سأضرب روز بقوة حتماً.! آه هذه المغفلة. أعلم أنها قلقة بشأني. على التحدث معها فور عودتها.
عقدت حاجبيها ولوت شفتيها متمتمة على مضض: ولكن. كان على اخباره بذلك! منحكِ الطبيب اجازة مرضية ليتحسن حال كتفك ولكنكِ تنهكين نفسك أكثر من اللازم!
جادلتها بلا حيلة أقف أمامها بينما تجلس على الأريكة المقابلة للتلفاز: روز أرجوكِ! إنها رغبتي الخاصة. لم يكن عليكِ التحدث إلى جاك! أنتِ لم تخبريه بأي شيء صحيح؟
نفيت فوراً بجدية: بالطبع لا أيتها الذكية! أخبرته فقط أنكِ منهكة أقسم بهذا، أياً يكن ما الذي على فعله لتقتنعي وتتنازلي؟
أغمضت عيناي بإنهاك والصداع ينهش رأسي: يا الهي. هناك أمر واحد فقط عليكِ أن تفعليه وهو في الحقيقة ان تتوقفي عما تفعلينه الآن! سهل جداً صحيح؟
عبست بعدم اقتناع فجلست بجانبها وبدأت أسايرها أمسك بيدها اليسرى بكلتا يداي: أنصتي إلى روز، أحتاج إلى استغلال هذه الفرصة مهما كان الثمن، اللعبة التي سنروج لها ليست مجرد لعبة جديدة هي استكمال لسلسلة طويلة وكل جزء منها يحكي قصة مختلفة عما سبقها بما لا يخل بمضمون باللعبة! تعلمين جيداً ان جمهور هذه اللعبة تحديداً كبير لذا لن أتفانى في استغلال فرصة مماثلة، أريد ان أتولى الموضوع برمته.
أعقبت أضغط على يديها برفق: ستكونين متواجدة معي غداً في جميع الأحوال لذا لن أغيب عن عينيك لا تقلقي، إن شعرت بالتعب أو الألم سأخبرك فوراً! ثقي بي روز.
لستِ من النوع الذي يتذمر بشأن ما يؤلمك أو يزعجك فكيف أثق بكِ!
هذه المرة سأفعل.
وان لم تفعلي؟
حينها لكِ حرية التصرف!
تجهم وجهها وتذمرت لتبعد يدي عنها: مجنونة!
وقفت مبتعدة عني وتحركت متجهة إلى الغرفة فتنهدت بلا حيلة، أعتقد أنها سترضخ سأتحدث معها مجدداً.
نظرت إلى هاتفي وقد وردتني مكالمة من ريتشارد، لا بد وأنه يرغب في الإطمئنان. أجبت على مكالمته فوراً فلا يجب أن يشك هو الآخر في أي شيء.!
نظرت إليه بحزم بينما قابلتني عيناه بجدية وتمعن، وقف مبتعداً عن مكتبه الذي كان مشتركاً مع باقي فريقه الخاص ولكن لا أحد منهم متواجد بعد فلا زال الوقت مبكراً جداً، وقف أمامي وقال بهدوء: ما الذي قصدته روز بأنكِ منهكة؟ حينها يمكنني تقييم الوضع!
أجبته بجدية: لم أحظى بقسط كاف من النوم في الآونة الأخيرة ولكنني عوضت جسدي خلال اليومين الماضيين.
هذا كل شيء؟
وماذا قد يكون علاوة على ذلك جاك؟
ضاقت عيناه قليلاً وتكتف بتفكير، لا أظنه سيعلم بأي شيء، ثم أنني نزعت المشد من على كتفي قبل وصولي الى مكتبه ودسيته في حقيبتي. أخفيت أي كدمة بشكل احترافي ولم أترك خلفي ولو نصف دليل!
زفرت ونظرت إلى الساعة حول معصمي: جاك! لا يجب أن أتأخر الجميع في الحافلة في انتظار وصولي سيحين موعد تحركهم بعد عشر دقائق فقط!
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه وقال بجدية: تعلمين أنكِ لست زميلة عمل فقط كتاليا، تهمني صحة ومصلحة الجميع هنا ولاسيما كل من يعمل في فريقي، أنتِ صديقتنا في المقام الأول ولن أشعر بأي راحة أو اطمئنان عندما تنهكين نفسكِ لسبب أو لآخر، لا بأس سأسمح لكِ بتولي جلسة التصوير ولكنني أخبركِ وبكل وضوح كات، إن علمتُ صدفة أنكِ كذبتِ فلن أتهاون معكِ. حتماً سأمنح فرانك كل الأعمال الترويجية في الفترة القادمة حتى تعودي إلى وعيك وتدركي خطورة ما تقومين به.
اومأت بتفهم: هذا ان اقتنعت بأنني أكذب عليك جاك.
يمكنكِ الذهاب.
ابتسمت بتهكم: تصبح شخص آخر عندما تتقمص دور المسؤول.
لانت ملامحه قليلاً قبل أن يغمز بعبث: تعجبكِ شخصية المدير الجاد؟
قلّبت عيناي: وداعاً.
دخلت إلى حافلة المؤسسة وقد أخذ السائق الحقيبة مني ليضعها في مكانها المخصص، الجميع متواجد هنا، طاقم العمل وكذلك كافة العارضين قد وصلوا في الوقت المحدد. بحثت بناظري عن روز ووجدتها تجلس في مقعد ثنائي فاتجهت نحوها وأشرت إلى النافذة: افسحي المجال بسرعة سأجلس بجانبها روز.
لوت شفتيها بتضايق وانزعاج كما هي منذ الأمس وافسحت لي المجال تجلس بطريقة عرضية لأتمكن من المرور وأجلس بجانب النافذة بجوارها.
وضعت سبابتي على وجنتها الاطفها: كفاكِ عبوساً لا يجب ان تكون رحلة عمل كئيبة.
بحثت بعينيها قبل ان تسألني بحزم: أين المشد؟ لماذا لا تضعينه على كتفك؟
تنهدت بعمق واخرجته من حقيبتي، لا يجب ان أجادلها لئلا يسوء الوضع.
وضعته حول كتفي وقد ساعدتني كذلك، حينها فقط عقدت حاجباي بإستيعاب وقلت أنظر إلى جميع المتواجدين: مهلاً أين دانيال! إنها السابعة بالفعل.
أجابتني بحيرة: لم يصل بعد. لننتظر قليلاً بعد.
كانت لحظات معدودة حتى رأينا إحدى العارضات تصعد الحافلة، إنها كاثرين التي تم اختيارها لتلعب دور البطولة، ستكون رهينة القراصنة وتحديداً الأميرة ابنة زعيم احدى قبائل الغجر. تأملت شعرها الأسود الطويل المموج وبشرتها السمراء الصافية الجذابة، القت بعينيها العسلية الصفراء نظرة على المتواجدين في الحافلة قبل ان تتخذ المقعد الأول لها وتجلس تحدق إلى هاتفها دون ان تكلف نفسها عناء القاء التحية على أحدنا.
لا يهمني اسلوبها أو لباقتها، كل ما اريده هو أداء عالي وحسب.
خلفها يجلس العارض الأشقر الضخم الذي سيؤدي دور الذراع الأيمن لزعيم القراصنة الذي تأخر ولم يصل حتى الآن!
يجلس خلف الضخم عارض آخر نحيف أسمر البشرة ذو شعر تم حلاقته بدقة تميزه العيون الجاحظة والأنف المعقوف وحسب ما اذكر فهو الرجل الذي سيؤدي دور أحد القراصنة أيضاً، ثم بجانبه مباشرة شاب ذو شعر أسود كثيف يصل حتى منتصف عنقه تقريباً ذو عيون بنية ناعسة سيؤدي دور أحد الغجر.
نظرت إلى الساعة حول معصم يدي بإستنكار. لماذا لم يصل دانيال بعد؟
التفت للوراء حيث زملائي وسألتهم: لا أحد منكم رأى العارض الأساسي بعد؟ هو لم يصل حتى الآن صحيح؟
اجابني شون مسؤول الإضاء: ليس بعد!
أعقب مفكراً: أكد جاك أنه من الضروري أن نصل إلى وجهتنا في الوقت المحدد ليتم السماح لنا بالدخول إلى ميناء السفن القديمة.
تنهدت بعمق وأخرجت هاتفي لأتصل به، ولكنه لم يجب!
قالت روز: لا بأس سيصل الآن بلا شك لننتظر قليلاً.
لمحت العارضة تتلفت من حولها قبل ان تتساءل بتذمر: لماذا لا زلنا نقف هنا؟ قيل بأننا سنتحرك عند الساعة السابعة، مضت أكثر من عشر دقائق على الوقت المحدد؟
أجابها السائق بهدوء: ننتظر وصول العارض الأساسي، ربما على مشارف الوصول.
عقدت حاجبيها منزعجة بوضوح ولوت شفتيها دون ان تعلق.
مرت عشرة دقائق إضافية. ثم ربع ساعة.
ونصف ساعة!
نظرت إلى الشاشة وقد تعبت من كثرة الإتصال، جزيت على أسناني بعدم رضى وقد انزعجت بشدة من هذا التأخير.
من الأفضل أنه يحمل مبرراً ملائماً ليرغمنا على انتظاره.!
تساءلت روز بإهتمام وإستغراب: هل كل شيء على ما يرام معه؟
أجبتها ببرود: المهم أن يأتي قبل أن نتأخر أكثر من هذا. حينها سنتفاجأ بغروب الشمس ولن يسعنا الوقت لنستثمره جيداً في التقاط الصور.
لا تبالغي هكذا لا زال الوقت مبكراً جداً على الغروب.
ليس كذلك. مسافة الطريق؟ وقت التجهيزات؟ التحضيرات واختيار البقعة الملائمة؟ الاستراحات؟ ثم اننا ملتزمين في وقت محدد لدخول الميناء!
حسنا حسناً! جربي الاتصال مجدداً.
اخفضت ناظري لهاتفي أكبح غضبي، سمعت العارضة تتذمر منزعجة: إلى متى علينا انتظاره؟ من يظن نفسه ليتأخر هكذا! أنا لن أصمد دقيقة أخرى لقد تأخر كثيراً. سأقدم شكوى إلى.
بترت تذمرها وكذلك استغربت سماع رنين هاتف قريب. انزلت هاتفي وقطعت الاتصال حين استوعبت صعوده إلى الحافلة لاهثاً ممسكاً بالعصا الحديدية المجاورة للدرج.
طرفت العارضة بعينيها تتأمله بإستغراب وتمعن بينما قال بسرعة وهو يصعد يغمض عينيه بتعب: أعتذر على التأخير، تأخرت في النوم ولم أشعر بالوقت، عذر غبي ولكن هذا ما حدث بالفعل.
قالها ملتقطاً أنفاسه ثم نظر إلى الجميع مبتسماً بتوتر حتى تفاجأت بالعارضة تقول نافية فوراً: لا تقلق لم ننتظر كثيراً صعد بعضنا للتو فقط.
اتسعت عينا روز وكذلك زملائي إلا أن لا أحد قد علق!
تحرك وقد هز رأسه مسايراً دون أن يقول كلمة بينما تابعته بعينيها حتى جلس بجانب العارض الضخم!
ولكنه وقبل أن يجلس لمحني لينظر إلى للحظة وقد طرف بإدراك وحرك شفتيه بصوت خافت جداً ومع ذلك كان من السهل تخمين ما قاله!
المزيفة هنا! .
تباً له!
كان يجلس أمامنا على بعد مقعدين من الجهة اليمنى وما ان جلس بجانب الضخم حتى بدءا يتناولان أطراف الحديث، تحركت الحافلة فوراً فبدء كل من المتواجدين اما بالحديث مع من يجاوره أو بالانشغال بعالمه الخاص.
لقد وصل دانيال متأخراً لمجرد عذر سخيف. فليعلمه أحدهم أنه تأخر نصف ساعة كاملة بدلاً من مجاملته! المشكلة أنني اخترت ان أدير أعماله وكل سلوكياته واعماله ستكون من مسؤوليتي!
تعكر مزاجي قليلاً فأخرجت السماعات من حقيبتي الصغيرة ووضعتها في أذني، بينما كانت روز قد انشغلت بتصميم بعض الأزياء في جهازها اللوحي ممسكة بقلمها الالكتروني ومنهمكة تماماً.
أمضيت وقتي أنصت إلى موسيقى هادئة وعيني تتجول على شوارع المدينة.
أرخيت رأسي على النافذة وبدأ الشارع يبدو كالسراب عندما تلاشت الرؤية عن عيناي نتيجة شرود ذهني التام. أفكر في حيرة وتشتت في الوقت الحالي والأيام الماضية.
أنا أنجو بأعجوبة من أكاذيبي المتلاحقة الواحدة تلو الأخرى، ولكنني أقع مراراً وتكراراً في العثرات نفسها تقريباً.
باتريك سيبقى شوكة لن تُقتلع حتى تترك خلفها نزيفاً وألماً يصعب معالجته، رحل قبل ثلاثة أعوام تاركاً فوضى هائلة من الأحداث والكوارث التي كنتُ جزءاً منها في كل تفاصيلها. وعاد الآن يستكمل مسيرته. التي استوقفها مؤقتاً بعد ان راح ضحية أفعاله رجل كهل لا ذنب له.
تعلقت عيناي عبر النافذة على إحدى السيارات الرياضية البيضاء المُسرعة.
كما لو تفتح آفاق قديمة تريني لمحة من الماضي، بسيارة رياضية تشبهها كانت يوماً ما تخصني، حتى منحتها إياه على طبق من ذهب حالها كحال الكثير من ممتلكاتي الخاصة او ممتلكات العائلة. كان يجلس خلف مقودها وقد استقر جسدي على المقعد المجاور له.
تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لم يكن في وعيه! ذهنه مغيب إثر النبيذ الذي أكثر منه. كانت المرة الرابعة أو أكثر التي انفصل عنه فيها ولكنها مثل المرات الماضية تماماً، بطريقته الخاصة أرغمني على الخروج معه لنتفاهم. والتفاهم تحول إلى تفاقم.
فمنذ ان كنا في المطعم وأكثر من الشرب وحتى بعد ان خرجنا فهو لا يزال يتذمر ويصرخ!
حاولت ان اغلق اذناي عن كلماته المسمومة ولكنه استمر يصرخ ويضرب على مقود السيارة: توقفي عن تجاهل اتصالاتي، ما الذي تحاولين فعله! منعني والدكِ من دخول المنزل او حتى الاقتراب من السور الخارجي، أيتها اللعينة نحن لم ننفصل لا تتصرفي كما يحلو لكِ.
نظرت إليه ببرود احدق إليه بتمعن بينما يستكمل صراخه وهو يتلعثم: أخبرتكِ أنني لم أسرق تصاميم هانا، ولكنك لن تصدقيني مهما فعلت! يمكننا حل كل شيء بالتفاهم.
سرقتَها، . كانت التصاميم هي الشيء الوحيد المتبقي لها بعد الكارثة التي تسببت فيها قبل بضعة أسابيع.
أعقبت بصوت مخنوق: حفلة خطوبتها تم الغاءها، الشكر والفضل يعود لك.
رسم ابتسامة جانبية متهكمة وتساءل: لا شكر على واجب ولكن. يعود لي وحدي؟
أغمضت عيناي بأسى والتزمت الصمت فيما شعرت به يزيد من سرعة السيارة فنظرت من حولي ثم إليه: خفف سرعتك.
تجاهل قولي وتمتم بجفاء يشد بيديه على المقود: أنا لست مغفلاً كتاليا، لا تحاولي استغفالي وتجاوز موضوع ابن عمك، هل تظنينني غبي؟ تعتقدين أنني لا أعلم ما يخطط له والدك!
عقدت حاجباي بقلق ونظرت إليه بعدم استيعاب.
كيف علم بالأمر! يفترض أن أبي ولارز وعمي فقط على معرفة به!
انتابني الإضطراب والخوف في حين أكمل بسخرية: حتى لو كان لارز ابن عمكِ بالتبني، عدم وجود رابطة دماء بينكما لن تسمح له بأخذكِ مني.
جادلته بحزم: كفاك سخفاً، لارز لا يطيقني من أين لك بهذه الأفكار الغريبة!
لا يطيقك ولكن لا بد من وجود سبب يدفع والدك لاقتراح مثير للضحك مثل ان ترتبطي به!
من أين يعلم باتريك بمثل هذه التفاصيل تحديداً!
حدقت إليه بعدم استيعاب: أنتَ مخطئ، حتى لو لم تكن هناك رابطة دم بيننا لا يزال ابن عمي، لا تفرط في التفكير.
غمز لي وابتسم بمكر: يبدو لي أن والدك من يخطط أكثر من اللازم.
زفرت بتوتر وحاولت تجاوز الموضوع: انسى الأمر لقد بالغت في ربط الأحداث والتفكير. أعدني إلى المنزل تأخر الوقت كثيراً!
بالطبع.
ولكنه سلك طريقاً مؤدياً إلى الشقة التي نعيش فيها وتعود إلى إحدى ممتلكات أبي، لأنهره بحزم: أعني منزل عائلتي! أعدني إلى هناك أنا لن أعود معك.
رفع حاجبيه بإستخفاف: من الطبيعي ان يعود الأزواج معاً إلى حيث يقطنون كاتي!
لاحقاً باتريك لقد أكثرت في الشرب ولست مستعدة لأي شجار أنا حقاً منهكة! أعدني إلى منزلي. من فضلك!
كان هذا ما قلته له عندما تعالى رنين هاتفي فأسرع يسحب مني حقيبتي ينتزعها بقوة من بين يداي ويأخذ الهاتف منها.
اجفلت عندما خرجت السيارة عن المسار فأسرعت امسك بالمقود أعيده حيث كان بينما انهره واصرخ عليه: انتبه للطريق ماذا لو تسببنا بحادث!
ابعد يدي بعنف ونظر إلى الهاتف بين يده قبل ان يبتسم بجفاء وبرود، القيت نظرة على هاتفي بصعوبة لأرى اسم لارز يعتلي الشاشة!
لماذا يتصل الآن؟ صحيح! اتصل أبي مرارا وتكرارا أيضاً ولم اتمكن من الرد عليه لربما ثار قلقه وأخبر لارز فريتشارد أيضاً لم يتوقف عن الإتصال بي منذ ان كنت في المطعم.
عضضت على طرف شفتي اهدئ من روعي عندما القى على نظرة بطرف عينه بجمود.
ثم سرعان ما تعالت صرخاتي بألم فور ان امتدت يده نحو شعري والأخرى يقود بها بعدم انتظام!
شد شعري وصاح بي بحزم: لماذا قد يتصل بكِ شخص لا يطيقك يا ترى في وقت متأخر؟
أجبته أصرخ بشدة: لا شيء بيني وبين لارز أيها الوغد دعني وشأني! ابتعد عني.!
زاد من قوته حتى ارغمت نفسي على الاقتراب من مقعده لعلي اخفف من ألم رأسي ولكنني تفاجأت بيده التي تمسك بعنقي بعنف يقربني منه أكثر وهو يلقي بتهديداته دون توقف! انتابني الدوار وأغمضت عيناي بإنهاك وألم حتى جاهدت لأبعد نفسي وانا اضربه على صدره بكل قوتي.
تركني يبتسم بسخرية وقد طرف بعينه ببطء ينظر إلى الطريق قبل ان يلعق شفتيه بلسانه بمكر: لابد أن نتفاهم الليلة.
مررت يدي على رأسي بألم بالغ، يجب ان أتصرف! ان انفرد بي في الشقة فلن يترك عظمة في جسدي سليمة، ان اوقف السيارة في اي اشارة او حتى ابطأ من سرعته فسأترجل منها فوراً. حتى لو أصابني مكروه!
كان هذا ما يجول في ذهني عندما نظر إلى هاتفي بين يده وانشغل عن الطريق، انتابني التوتر انظر إلى سرعته المتزايدة حتى بالغ وبدأ كل ما حولي في الشوارع يتشكل مثل الخيوط والأضواء الرفيعة جراء سرعته. نظرت إليه محاولة تهدئة الوضع: خفف سرعتك بحق الإله هل تحاول الانتحار!
القى بهاتفي للوراء في المقعد الخلفي، ثم تمتم بجمود: ستقومين بحل سوء الفهم الذي حدث مع شقيقتك هانا. يجب ان تعود المياه إلى مجراها.
جزيت على أسناني بغيظ: ليته كان سوء فهم!
ابتسم لي بلطف: تغارين علي؟
لويت شفتي بإزدراء: انت لا تستوعب حتى مدى قذارة فعلك المشين، كيف بحق الإله اعتبر فعلتك مجرد سوء فهم! انفصلت عن خطيبها بسببك فمن أي لك الجرأة لتحاول تصحيح مسار الأحداث!
تنهد يتظاهر بالحزن: كتاليا كفاكِ قسوة، كانت مصادفة!
انتابني الغَضب الشديد الذي حاولت قمعه بينما أنظر إلى الأمام احكم قبضتاي بعنف.
ولكن لساني قد تحرك من تلقاء نفسه لأصرخ: لقد حاولتَ خيانتي مع شقيقتي أيها الوغد النتن!
دفعته بكلتا يداي بقوة ونال الانفعال مني لأصرخ بأعلى صوتي وكلتا يداي تضربه بعنف: ليتني لم أعرفك! ليتني لم أنخدع بك يوماً، انفصلت هانا عن ويلسون قبل حفل الخطوبة الرسمي بأيام معدودة أيها العاهر كل ما يحدث بسببك أنت.! أي رجل كان سيسيء فهم امرأته عندما يراها في أحضان رجل آخر. من سيصدقها عندما تحاول اقناع الجميع أنك من عانقتها عنوة وحاولت استغلال غفلتها! بأي وجه تجرؤ وتحاول تصحيح مسار الأحداث وكأن شيئاً لم يكن.!
امسك بإحدى يداي بينما استكملت يدي الحرة دفعه وضربه حتى جرحت عنقه بأظافري.
نال الغضب منه ليوقف السيارة جانب الطريق يضغط على المكابح بقوة، ولم تكن سوى ثواني حتى انهالت يده على وجنتي وبدء سلسلة اعتداءته الجسدية العنيفة!، ولم يسعف صرخاتي سوى طرقات على النافذة لم تكن سوى لشاب بالكاد تجاوز الثامنة عشر من عمره يستنكر ما يحدث داخل السيارة وحاول ايقافه لأسمع صوته من خارج النافذة: ما الذي تفعله يا صاح توقف عن ضربها.!
انها فرصتي!
فتحت باب السيارة أنوي الخروج فوراً ولكنني تفاجأت بيده التي جذبت خصري بقوة وقد انتابني ألم غريب أسفل معدتي ما ان فعل ذلك! أرغمني الألم على التسمر في مكاني دون حركة أحاول استيعاب ما يحدث لي!
تعالى صوت انفاسه وقد حرك السيارة يهمس بوعيد: سنحل كل شيء. لا جدوى من اهدار الوقت هنا.
ما أن عاد ليحرك السيارة حتى تفاجأت بسرعته الجنونية تتضاعف أكثر عن ذي قبل، الألم أسفل معدتي بطريقة ما منعني من الحديث وقد جلست مثل الجثة الهامدة التي لا تقوى على الحراك.
لم أعد أفهم ما يحدث لي! ألم فظيع وغثيان غريب.
الجزء السفلي من عظام حوضي أشعر بالألم يجتاحه كالجحيم! وكأن روحي على وشك مغادرة جسدي.!
رفعت عيناي المنهكة الناصلة نحو الطريق عندما استشعرت ضوءاً قوياً أمام وجهي وصوتاً لتحطم صدر من كل مكان من حولي في لمح البصر! وتلك كانت اللحظة الأخيرة التي أبصر فيها الضوء أمامي مباشرة.!
فلا أدري كم كانت المدة ولكنني وجدت نفسي أحدق إلى زوج من العيون الخضراء التي تحيط بها التجاعيد على بعد مسافة قصيرة مني فوق مقدمة السيارة!
دفء غريب يسيل من على جبيني نحو عنقي، وبرودة في الوقت آنه تسيطر على أطراف جسدي.!
المكان مظلم ولكنه مليئ بذرات الغبار. وتلك العيون أمامي لا تطرف مستمرة في التحديق إلى بثبات!
تلاحقت أنفاسي عندما بدء عقلي يستوعب ما أمر فيه!
أخفظت ناظري إلى مقعدي أشعر بالحرارة تسيل نحو قدمي.
ورغم الظلام وصعوبة التركيز إلا أنني رأيت السائل الأحمر الداكن يسيل دون توقف ملطخاً فستاني الأصفر الصيفي القصير.
م.
ما الذي يحدث لي!
بالكاد تحركت عيناي نحو مقود السيارة الذي استقر عليه رأسه الذي ينزف بشدة ملطخاً شعره الأشقر ويده اليمنى عالقة في الزجاج الأمامي والزجاج ينتصفها!
انقطعت أنفاسي تماماً قبل أن اعيد ناظري للأمام مرة أخرى أستوعب حقيقة جسد الكهل الذي خرج من السيارة التي اصطدمنا بها واستقر على مقدمة سيارتي.!
اصطدمنا بسيارة رجل عجوز اندفع جسده من سيارته من قوة الاصطدام! الرجل لا يطرف بعينيه. ولا يتحرك!
أجفلت أهرب من زوبعة أفكاري وفوضى ذكرياتي عقلي عندما تهاوى إلى مسامعي صوت عالي مزعج!
الظلام الذي كان يسيطر على عيناي تلاشى بين أشعة الشمس التي أبصرها من خلال النافذة بجانبي! لأدرك أنني غرقت في أفكاري أكثر من اللازم وعدت للوراء وحدي وقد انسلخ عقلي عن المكان والزمان الذي يفترض أن أهبه كل تركيزي!
أبعدت السماعة عن أذني والتي لم تفي بالغرض أمام الصوت العالي المزعج الذي كان ل.
دانيال؟
طرفت بعيني بإستغراب وعدم استيعاب إذ كان يقف هو والضخم يتنافسان بالغناء بصوت عالي! دانيال يضع أسفل ثغره زجاجة الماء ويغني والآخر الضخم يضع هاتفه كوضعية المايكروفون وقد كان أكثر حماساً منه وبدى مستمتعاً مرحاً على عكس مظهره!
التفت للوراء أنظر إلى زملائي الذين كانو يشاركونهم الحماس ويصفقون ضاحكين باستمتاع.
آه يا الهي!
كل منهما صوته أسوأ بكثير من الآخر، هذا صوته خشن عميق وهذه الأغنية في فمه تعاني بكلماتها اللطيفة! والآخر صوته مبحوح جداً كما لو كانت حنجرته كذلك ضخمة تزن أطناناً من العضلات!
بربهم جميعهم فليخبرهما أي شخص أن صوتهما ليس إلا تلوث ضوضائي وحسب!
حتى تلك العارضة بدت تحدق إليهما مبتسمة باستمتاع وعينيها كانت تحدق تحديداً إلى دانيال الذي يعطيها ظهره ويركز مع الآخر بجانبه.
وضعت السماعة في أذني ورفعت من مستوى الصوت ولكن لا فائدة.
قلّبت عيناي بنفاذ صبر واسندت رأسي على النافذة أنظر إليهما بملل. لمحت روز التي تبتسم مستمتعة وتغني معهما بصوت خافت تركز على الجهاز اللوحي أمامه وقد أنهت تصميمها تقريباً.
كان الجميع يبدو في حالة من الخمول والنعاس قبل لحظات من أين لهم هذه الطاقة فجأة؟
من الجيد أن المكان الذي سنذهب إليه لا يبعد سوى ساعة فقط وإلا لكنت الآن قد قررت النزول والذهاب بسيارة أجرة. و. ولكنني. سأحاول أن انخرط في هذه الأجواء قليلاً لعلني أنسى ما يكاد يلتهم رأسي.
علي كل حال هل نحن في رحلة عمل أم رحلة مدرسية!
رأيت السائق يتنهد ويمسك بصدغيه كما لو انتابه الصداع ومع ذلك كان يبتسم بلا حيلة بملامح منهكة، لا يمكنني لومه فصوت روز السيء والحاد انضم فجأة إلى الحفل الغنائي وقد تركت ما في يدها.
الجميع انظارهم تتجه نحوه.
لقد جذب اهتمامهم بسهولة!
هل هو ذلك النوع من الأشخاص؟ أؤلئك اللذين يتمحور حولهم الاهتمام ويحيط الناس به من حوله ويبدو مميزاً دائماً من بين الجميع؟ كيف يكون ذلك ممكناً بمثل شخصيته!؟
بدءنا ننزل من الحافلة التي توقفت عند الوجهة المحددة، انتبهت لدانيال الذي ما ان نزل حتى تبعه باقي العارضين فوراً!
وقفت في مكاني بحيرة لتتساءل روز: ما الأمر؟ لننزل!
أومأت إيجاباً معلقة: حسناً.
ما خطبك!
لا شيء. أعتقد أنني معجبة بالهالة الحيوية التي تحيط به! لم أعلم انه من السهل بالنسبة له لفت انتباه الآخرين بطريقة مختلفة تماماً!
ابتسمت مؤيدة: اليس كذلك؟ لديه ملامح حادة وأسلوب مخيف ولكنه ولسبب ما يتصرف على عكس عادته الآن.!
علي عكس عادته؟
لماذا؟
هذا ما كان يشغل تفكيري وانا أنزل وقد كنت آخرهم، استكملت روز حديثها تسبقني لتنزل الدرج: صحيح بأنه معقد وغريب الأطوار ولكنه قلب الأجواء بسهولة، هذا هو نوع الأشخاص المطلوب تواجدهم في أي رحلة عمل ليحولها إلى رحلة ترفيهية.
تنهدت بلا حيلة: معكِ حق.
هل تعمد جذب انتباههم؟ كيف فعل ذلك؟
عندما نزل الجميع كان في انتظارنا المسؤول عن الرحلة والذي سيقودنا إلى الموقع المحدد معه الإذن الرسمي لدخول الميناء القديم.
كنا نسير مبتعدين عن الحافلة التي لا زالت تنتظر حتى ننزل كل المعدات التي نحتاجها بعد تقييم المكان الأولي، ننزل ونسير على الرمال الناعمة حتى نصل إلى منطقة مهجورة لمرسى الميناء القديم، ومع ذلك فالمنظر هنا خلاب ويخطف الأنظار!
الأمواج تسير عبر السفن المستقرة في بداية الشاطئ حيث المنطقة الرطبة، الطيور بأعدادها الهائلة تتواجد في كل مكان من حولنا تصدر التنبيهات لبعضها البعض بوجود زوار غرباء في المكان.
بعض السفن القديمة اتخذت النباتات والطحالب البحرية مكاناً لها لتنمو فوقها وتغزوها باللون الأخضر العشبي الجميل، وبعضها وبالرغم من كونها تعاني الصدئ إلا أن طرازها القديم جعل منها تبدو ذهبية اللون وأحفورية الشكل.
سار أمامنا المسؤول عن المكان والمدعو لوكاس وأشار لي يحدثني: تلك السفينة هناك ستكون موقع التصوير، مكانها بين السفن الأخرى يميزها وكذلك كما ترين، هي مناسبة لأنها كانت قابلة للإستخدام حتى قبل بضعة أسابيع فقط ولا زالت نظيفة. كما أن طرازها الغير حديث سيكون ملائماً للحقبة المقصودة في اللعبة مع بعض التعديلات من المصممين اللذين سيجعلونها تبدو أقدم قليلاً في الصور.
أومأت بتفهم وتساءلت بجدية: ماذا عن معايير السلامة؟
نفي برأسه: لا يوجد أي داعي للقلق، سيتواجد بعض المسؤولين عن السلامة في حال حدوث أي شيء ولكن أنا واثق أن كل شيء سيسير على ما يرام. في حال حدوث أي خلل سيتخدل فريق الدعم. آه وأيضاً.
نظر إلى الفنادق القريبة من الشاطئ والتي تبعد من هنا مسافة لا بأس بها قد تصل إلى عشرين دقيقة سيراً على الأقدام، أردف مبتسماً: سأذهب لجلب بطاقات الجميع، حجزت المجلة لكل فرد غرفته الخاصة في الجناح لفريق العمل.
شكراً جزيلاً لوكاس.
ابتعد يسير إلى الفندق المقصود، التفت للخلف نحو مصدر الضجة حيث بدى الجميع يستمتع بتصوير المكان بهواتفهم النقالة، اشرت إليهم بهدوء وجدية: هيا يا رفاق لنجهز كل ما نحتاجه، سنستخدم هذه السفينة هناك كونوا حذرين واعتنوا بأنفسكم، علينا ان ننجز نصف العمل على الأقل أو أكثر من النصف حتى يتبقى الأقل للغد، سنتوقف فور أن تشير الساعة إلى الثانية مساءً، هيا.
أومأ الزملاء وتحركوا فوراً ممسكين بالأدوات اللازمة التي عدنا لنحضرها من الحافلة.
تباً هذا منهك جداً! أنا مضطرة للتصرف بحمل العدة بيد واحدة.
كان من المرهق أخذ العدة من الحافلة والعودة مرارا وتكرارا، هذا المشد يعيقني عن الحركة بأريحية لم أعد أحتمله!
روز كانت تخشى ان تتلوث أو تفسَد عدتها الخاصة لذا لم تصعد بها دفعة واحدة، مضى الوقت ونحن نحاول تجهيز المكان بسرعة، كافة العارضين كانو في انتظارنا على متن سطح السفينة حيث موقع التصوير، انتهى الفريق تقريباً ولكن شون تلقى مكالمة مهمة من المجلة لذا وقف جانباً وهو يتحدث بإنهماك لذا قررت أن أنزل ما تبقى من عدة الإضاءة التي كان عليه أن ينزلها.
لا وقت لنهدره ولست مستعدة لننتظر انتهاءه من المكالمة!
أخذت المظلات الكبيرة المخصصة لتوزيع الإضاءة وقلت للسائق: لقد انزلنا كل المعدات يمكنك الرحيل، سنتصل بك عندما ننتهي.
حملتها بيدي الأخرى بصعوبة وأخفضت ناظري أنظر إلى خطواتي بحذر.
ولكن ما كنت أخشاه قد حدث.! فما ان وصلت إلى السفينة تحديدا إلى الدرج المؤدي للأعلى والمليء بالأخشاب الصغيرة البارزة حتى تعثرت قدمي رغماً عني!، حاولت حماية الإضاءة فوراً وقبل فوات الاوان حتى لا يمسها سوء فاحتضنتها إلى بقوة غير قادرة على التوازن.
أغمضت عيناي اترقب شعوري بالألم ولكن ذلك لم يحدث!
طرفت بحيرة استوعب ان جسدي قد تعلق في الهواء وقدماي لا تزال على الدرج بالفعل كما لو كنت لا أزال في وضعية السقوط!
رفعت رأسي وتفاجأت بدانيال الذي كان يقف خلفي ممسكاً بياقة قميصي من الخلف!
متى. نزل من على السفينة!؟
الم يكن في الأعلى طوال الوقت؟
حدقت إليه بعدم استيعاب حتى جذب قميصي قليلاً للوراء لأتوازن ثم تركه يحك أنفه بإضطراب واضح.
تذمر بصوت خافت يتجاوزني ليصعد: حتى في مواقف كهذه تفضلين حماية عملك عوضاً عن نفسك!
تمتمت هامسة على مضض أرتب قميصي وانزله جيداً: وأنتَ في مواقف كهذه تحرص على عدم لمسي كما لو كانت مسألة حياة أو موت! ماذا لو اختنقت بسببك؟
رمقني بإنزعاج وبدلاً من مجادلتي قال بحزم: انتبهي لخطواتك.
كاد يكمل طريقه وقد استدار للأمام ولكنه وقف فجأة وقال بجمود يلتفت بنصف جسده دون ان ينظر إلي: المشد؟
أجبته فوراً كما لو كنت مبرمجة على العذر الذي على استخدامه: تعلم أنني أصبت قبل بضعة أيام، لقد تفاقمت اصابة كتفي واضطررت لمراجعة المشفى.
ضاقت عينيه ورمقني بنظرة سريعة قبل ان تتجول عينيه على المشد.
علق بتهكم وهو يكمل صعوده: صحيح كيف نسيت ذلك، الفرن الذي انفجر في شقتك قد خلّف إصابات خطيرة.
تابعته بعيناي بجمود حتى تنفست الصعداء. عندما صعد الجميع وتم الإنتهاء من التجهيزات عاد لوكاس من الفندق، ناولني بطاقتي فابتسمت بهدوء: شكراً.
اعطى الباقين بطاقاتهم فتساءل دانيال باستغراب يحدق إلى البطاقة: ما هذه؟
نظر الجميع نحوه بحيرة واستغراب فأسرعت أقول بهدوء وبطريقة ملتوية لئلا أحرجه بينما أنزع المشد وأتركه جانباً: آه دانيال كُن ممتناً لحصولك على غرفة خاصة بك في الفندق، إن أضعت بطاقتك فقد لا يسمح لك أحدنا بمشاركتك غرفته.
لم أكن لأغطي افتقاره لمعرفة الأمر لولا أنه ساعدني قبل لحظات وحسب.
بدى أنه استوعب كونها مجرد مفتاح فأسرع يتمتم بفتور وثقة: أنا صندوق الأمانات منذ ولادتي فكيف أفقد شيء كهذا!
انتهى الجميع من تغيير ملابسهم حيث تم تجهيز الغرف أسفل قمرة القيادة لتبديل الأزياء، تواجدنا جميعنا على سطح السفينة لذا قلت بهدوء: سنبدأ بالتصوير خلال لحظات ولكن قبل ذلك دعونا نؤكد على معرفتنا ببعض البعض.
أشرت إلى الرجل الضخم الذي ارتدى زي أحد القراصنة: جيكوب، مؤدي دور الذراع الأيمن لزعيم القراصنة.
قلت كلماتي الأخيرة مشيرة إلى دانيال الذي يغلق أزرة أكمام قميصه منهمكاً في ذلك وأردفت: زعيم القراصنة آتيوس، دانيال أعتقد أن الجميع يعرفك بعد الحفلة الغنائية التي أقمتها في الحافلة.
رسم ابتسامة جانبية منهمكاً فيما يفعله ولم يعلق، أعقبت أشير إلى العارض النحيف: مساعد القرصان الذي سيلعب دوره سبينسير.
ثم أشرت إلى الشاب ذو الشعر الأسود ذو العيون الناعسة: دينفير سيلعب دور الغجري الذي يسعى لإنقاذ الأميرة الغجرية التي يحبها من براثن زعيم القراصنة.
ابتسمت بهدوء أنظر إلى العارضة: وأخيراً كاثرين. الأميرة الغجرية التي ستقع رهينة في أيدي القراصنة.
ما ان ذكرت اسمها حتى اتجهت عينيها إلى دانيال كما لو تترقب ردة فعله. بينما كان لا يزال منهمكاً في عالم آخر منزعجاً من أكمام قميصه!
رحبوا ببعضهم البعض ليشجع كل منهم الآخر.
سنبدء جلسة التصوير الجماعية لكافة العارضين أولاً، وبعدها ستكون الجلسات الفردية التي قد نستكملها غداً.
اتخذت موقعي وبدأت في توجيههم، فتارة تكون الوضعية لدانيال وسبينسر وجيكوب في وضعية هجوم القراصنة وتارة أخرى وضعيات التصوير الدفاعية، العديد من المرات كنا نضطر فيها لإعادة الوضعية وفق المعايير المطلوبة. وها نحن بعد شق الأنفس نصور زعيم القراصنة آتيوس يجلس على احد براميل النبيذ الخشبية يثني إحدى قدميه عليها، وبجانبه سبينسر ممسكاً بسيفه وخلفهما جيكوب الذي ضرب كفيه ببعضهما بثبات وقد برزت عضلاته أكثر جراء ذلك.
لم يكن دانيال بحاجة إلى الكثير من المكياج السينمائي فطبيعة ملامحه ملائمة لهذا الدور عدى بعض اللمسات الخفيفة مثل الندبة الكبيرة من فوق حاجبه نزولاً تحت عينيه بقليل والغبار المزيف على عنقه ووجنته، بينما سبينسر كان بحاجة إلى الكثير من اللمسات لتضفي على ملامحه طبيعة القرصان المتهور المتسرع والجريء، جيكوب تم وضع المكياج السينمائي له كذلك والذي جعل منه أكثر شراسة واخافة وقد ارتدى في عينه اليمنى عدسة بيضاء تشير إلى تلف عينه جراء عشرات الحروب والمواجهات التي خاضها برفقة زعيمه وباقي القراصنة بالإضافة إلى ندبة مزيفة على جانب شفته.
كان الجميع يعمل بجد، بدأت بتصوير القراصنة أولاً في مختلف الزوايا هنا وهناك وقد كان الأمر مجهداً بالنسبة لهم كذلك.
مضى الوقت حتى حان دور الأميرة الغجرية التي ستلعب كاثرين دورها وكذلك دينفر.
ارتاح القراصنة الثلاثة وجلسوا في الخلف يرتشفون من زجاجات الماء ويتبادلون الاحاديث.
ربما بالكاد سيلاحظون الآلية التي تعامل فيها دانيال مع مصففة الشعر والمسؤولة عن المكياج، حاول جاهداً الحفاظ على هدوئه واتزانه، لقد كان متحفظاً ولكنه اضطرب في الكثير من المرات أيضاً.!
كما لا أعلم ان لاحظت الأميرة الغجرية ذلك ام لا ولكن القرصان الذي يفترض انه سيتخذها رهينة ويختطفها من الغجر في الواقع.
يتجاهل وجودها تماماً نظراً لتوتره وارتباكه الشديد!
تنهدت بلا حيلة متمنية أن تبقى الأمور تحت السيطرة.
بدأت التصوير مع كاثرين ودينفر، وعلى الرغم من أنها مبتدئة في المجال ولكن لديها وجه إعلاني جذاب جعل منها النجمة الصاعدة في الأيام الأخيرة.
والأهم. أنها تعمل لصالح وكالة لارز.
لذا لا بد وأنها موهوبة جداً، لارز يحسن الإختيار دائماً بل ويجيد انتقاء الأشخاص الناجحين.
ولكن يوجد ما يزعجني الآن.
انزلت الكاميرا قليلاً انظر إليها بترقب وصبر.
لم تتوقف عن التذمر من أشعة الشمس، أوقفت التصوير في المرة الأولى لتضع المزيد من واقي الشمس على بشرتها.
والمرة الثانية كانت تعترض من وجود الغبار على متن السفينة مما تسبب في تحسس أنفها لتدخل في نوبة من العطاس لبضع ثواني.
وها هي المرة الثالثة.
قالت أنها تشعر بالحر الشديد جراء ارتفاع الرطوبة.
ضاقت عيناي انصت إلى تذمرها بينما وقف دينفر يتأفف بضجر وترقب.
حر؟ عن أي حر تتحدث! فملابس الغجر التي ترتديها بالكاد ستضايقها حتى! يفترض أنها أقل من سشعر بالرطوبة أصلاً.
اللعنة اشعر بألم شديد في كتفي! اعتقد انني اكثر من ترجو الانتهاء والذهاب الى الفندق لأستلقي حالاً.
لويت شفتي منزعجة قبل ان أقول بحزم: كاثرين. نحن بحاجة إلى كل دقيقة كما تعلمين، لقد تأخر الوقت بالفعل.!
نظرت إلى بإنزعاج: كان من المفترض ان يتم تجهيز بعض المراوح هنا! أياً يكن لنكمل.
لمحت روز التي تحدق إليها بإمتعاض ثم القت على نظرة مهدئة.
استكملت التصوير معهما حتى انتهيت أخيراً! حينها قلت بصوت عالي: ليرتاح الجميع، سيحين دور القرصان أتيوس وأميرة الغجر بعد الاستراحة.
انتبهت لشحوب وجه دانيال فوراً بينما ابتسمت كاثرين لأدرك صعوبة ما سأواجهه! مهلاً. سيكون هذا بالفعل صعب عليه!
لن يحتمل وجودها إلى جانبه!
ثم.
ثم كاثرين عارضة جذابة وملابس الغجر تلك زادت من جاذبيتها وبرزت مقوماتها الأنثوية أكثر! دانيال لن يتحمل الوضع أكثر!
غرقت في أفكاري بينما اتخذ الجميع موقعاً له ليرتاح، اتجهت إلى الحافة اسند ظهري عليها وحدي محاولة التفكير في حل مناسب!
انتبهت لاقترابه مني على عجالة وقد كان الإضطراب واضحاً على ملامحه، وقف على بعد مسافة مني وهمس بتوتر: أنتِ! أخبريني حالاً أنكِ تمزحين.
لويت شفتي وأومأت بتفهم: أعلم مدى صعوبة الأمر. أفكر في حل لهذه المسألة!
حثني وقد بدى منزعجاً بشدة: غيري الخطة او تصرفي، لن أقف بجوار تلك الفتاة مهما حدث! الا ان كانت صورة لأميرة الغجر بجوار القرصان الفاقد لوعيه.!
نظرت إليه بتمعن قبل أن أقول بتهكم وبرود: ولكنها تكاد تأكلك بنظراتها. الا يعجبك الوضع؟
عقد حاجبيه والقى عليها نظرة سريعة ثم سرعان ما ابعد عيناه عنها يطرف بتفاجؤ: ص. صحيح! ولهذا لا يجب أن أكون على مقربة منها.
ولكنك على مقربة مني الآن.
قلت ذلك بهدوء عندما لم يشعر بنفسه قد قلّص المسافة قليلاً فأسرع يعود بضع خطوات للوراء وتذمر بصوت خافت: كفاكِ سخفاً الأمر يختلف تماماً، سيكون أسوأ أداء ترينه في حياتك إن أرغمتني على التقاط ولو نصف صورة بجوارها.
أومأت بجدية: فهمت فقط دعني أفكر في حل مناسب.
سأترك الأمر لكِ.
ثم وقف بتفكير قبل أن يتساءل: كتفكِ. بخير؟
رفعت يدي بتلقائية نحو كتفي بينما أجيبه: آه نعم أنا بخير.
بحث بعينه عن شيء ما حتى ابتعد واتجه إلى احد الصناديق الخشبية الذي وضعت عليه المشد الأسود، استغربت عودته ممسكاً به وقد ناولني إياه بهدوء: ارتديه إلى حين انتهاء وقت الإستراحة.
نظرت إلى المشد الذي التقطته بين يداي، بينما عاد ادراجه حيث جيكوب ودينفر وسبينسر.
أخفظت ناظري أحدق إلى المشد للحظات مطولة قبل ان أرتديه، وعندما رفعت عيناي نحوه حيث يجلس رأيت كاثرين تقترب منهم لتجلس معهم وما ان وقفت بجانب دانيال حتى تحرك مبتعداً وحشر نفسه بين جيكوب ودينفر!
هذا. غريب! هل حقاً لا ينجذب إلى امرأة بمثل جاذبيتها؟
بمثل قامتها الطويلة ولونها المميز! شعرها الطويل الذي يصل إلى نهاية ظهره والمموج بطريقة جميلة!
أو حتى بملابس الغجر التي تكشف عن جسدها الأسمر الممشوق؟ هذا الرجل. من الصعب فهمه!
هل حقاً لا يدرك كم من الواضح أن عينيها العسلية تلاحقه بإعجاب؟ ليت الأمر يقتصر على الإعجاب فقط، هي تتمعن النظر إلى تفاصيل وجهه وتقاسيم ملامحه، جسده، أزيائه، تصرفاته وكل ما يبدر منه! أراهن على أنه.
في خطر حقيقي!
مع انتهاء وقت الإستراحة كنت قد قررت تغيير الخطة، سأتخذ لدانيال صوراً في وضعيات فردية، وكذلك كاثرين، ثم سأقوم بدمجها باحترافية مع المصممين، سيتم توبيخي على ذلك بلا شك ولكن. هذه المرة فقط. لا بأس. حتى يعتاد على الأمر أكثر في المرات المقبلة.
ويبدو أن هذا الأمر قد ضايقها ولم يكن متوقعاً فما ان طلبت منه ان يقف لألتقط الصور الفردية له حتى تجهم وجهها وتساءلت عما يحدث فأخبرتها أن الخطة قد تغيرت ولا داعي لصورة ثنائية وحسب!
كتمت روز ضحكتها جاهدة وهي ترتب الأزياء بين يديها، في حين تنفس دانيال الصعداء فوراً!
استكملت التصوير الذي بدأته مع دانيال أولاً، طلبت منه الإستلقاء على الشبك الذي يبدأ من الصاري ويثبت في أرضية السطح، حاولت قدر الإمكان ان أجعله يطبق الوضعية كما هي في مخيلتي، ليستلقي أخيراً على الشبك يرفع يده اليمنى نحو ثغره، بحيث يلامس ظهر يده طرف شفته وهو ينظر إلى الكاميرا بنظرات واثقة تميل إلى الحدة والحزم، يثني قدماً ويفرد الأخرى، بينما تم اختيار الزي الأنسب له ليظهر أعلى صدره ويجعله في هيئة فوضوية بعض الشيء على الرغم من الجاذبية التي يعكسها الزي عليه.
ابتسمت برضى وطالبته بتغيير الوضعية إلى أخرى، هذه المرة جلس على الشبك ولم يستلقي عليه فبدأ يتذمر: تباً الشبك يتحرك ويميل يميناً وشمالاً!
لا تقلق الشبك في حالة جيدة وليس بالي، توقف فقط عن الحركة!
وكيف أتوقف إن كان الشبك غير ثابت!
اثبت انت ليثبت الشبك!
وكيف سيثبت ان كان جسدي يتحرك رغماً عنه بسبب ميلانه؟
لذا أخبرتك أن تثبت جسدك وسيثبت الشبك!
ولكن.
قاطعته بحزم أجز على أسناني بنظرة شيطانية: العارض دانيال. توقف عن التذمر واستكمل عملك!
لوى شفته بعدم رضى وانزعاج شديد وحاول تثبيت جسده، وجهته ليجلس على الشبك وأمسك بقبعة القرصان يقربها من فمه ليضع طرفها في فمه وعينيه تحدق إلى الكاميرا بما يميل إلى الخبث والقوة، ولأن الشمس كانت ساطعة جداً طلبت من مساعدي ان يضع المظلات على جانبيه هناك لئلا يفسد سطوع الشمس الصورة أو يزعج الآخر. رسمت ابتسامة رضى وسعيدة لرؤية تلك الوضعية فأسرعت التقط الصور.
وما ان انتهيت حتى صاح بإعتراض: هل يمكنني النزول الآن! انظري هناك أيضاً، تلك الطيور الشبيهة بالغربان تحدق إلى دون أحالة ناظرها.
أضاف بحزم وهو يتحرك لينزل من تلقاء نفسه: لا يجب أن تظن أنني جيفة ميتة بسبب سكوني على هذه الوضعيات السخيفة وإلا أصبحت طعاماً لها.
ابتسمت بلا حيلة لقوله وأشرت إليه أن يقف مستنداً على الصاري، عاودنا التقاط الصور دون توقف، كان يبدو منزعجاً جداً من الشمس وحرارتها ولكنه لم يتذمر، على عكس من لم تتوقف عن ذلك وهي تجلس خلفي تنتظر دورها.
نظرت إلى شعر دانيال الذي تم تصفيفه للخلف بما يلائم قرصان بطباع حادة ومتقلب المزاج، وتساءلت في نفسي كيف سيبدو ان انزل غرته على جبينه، قد يكسر ذلك شخصية بطل اللعبة ولكنه سيلائمه كثيراً ولكنه قد يخل بمعايير شخصيته كذلك لذا سأترك الأمور على ما هي عليه.
قرّبت الكاميرا نحو وجهه بزر التكبير محاولة البحث عن الزاوية الأنسب له بينما يجلس على صناديق السفينة الخشبية وفي يده زجاجة نبيذ وضعنا فيها الماء بدلاً من الشراب الأحمر، إلا أن لون الزجاجة الأخضر القاتم لم يبدي ما بداخله حقاً، أمسكها بينما يسند يده على ركبته التي ثناها والأخرى يفردها لتلامس أرضية السطح، استغربت قليلاً تلك النظرة في عينيه والتي كانت باهتتة قليلاً!
استنتجت الأمر فوراً لرؤية قطرات العرق على جبينه وعنقه فنظرت بتلقائية نحو الشمس بتردد.
الجو مرتفع الرطوبة بالفعل، وأزياء القراصنة التي يرتديها مع الآخرين ليست خفيفة، ولهذا عجلت فوراً بالتصوير واتخذت الجدية طريقها نحوي أكثر لأسرع مع الحرص على مراعاة التفاصيل لئلا يضطر لإعادة الوضعية في كل حين. ولكن كان ذلك أيضاً سبباً في زيادة ألم كتفي وقد تأوهت رغماً عني بخفة وأنزلت الكاميرا فوراً لثواني.
وقبل ان يتساءل أي شخص عما يحدث رفعت يدي بسرعة لأستكمل عملي، وما ان قلت بأننا انتهينا حتى تحرك فوراً يلقي نظرة خاطفة سريعة على كتفي ثم على بِحدة وجلس في الخلف يرتشف من الماء البارد.
طلبت من كاثرين ان تتقدم لأبدأ بالتقاط الصور فتحركت فوراً متململة، وقفتْ لإلتقاط الصور أسفل الشراع الأبيض كما طلبت، مستندتاً على مقدمة السفينة بوضعية معينة، وبينما كنت منهمكة توقفت يدي عن الحركة رغماً عني لشعوري بامتداد الألم حتى رسغي وأناملي!
أطرقت برأسي محاولة تمالك نفسي لأسمع كاثرين تقول بإستنكار: ما الأمر! هل سأبقى على هذه الوضعية لوقت طويل؟
نفيت برأسي بسرعة وقلت محاول دفن شعور بالألم: لنستكمل.
أنا عاجزة عن تحريك يدي.
لم أتوقع ان يسوء الأمر إلى هذا الحد!
سمعت صوت روز التي اقترحت وقالت بصوت عالي: الا تعتقدون أن الشمس تكاد تحرق رؤوسنا يا رفاق! هل نأخذ استراحة؟
تفاجأت بصوت يؤيدها فوراً: صحيح.
دانيال.
روز تحاول مساعدتي، ولكن هل لاحظ دانيال الأمر؟ هذا بديهي. تباً لي!
لا بأس سننتهي بعد لحظات فقط.
قلت ذلك بهدوء وأكملت تصوير كاثرين التي في إحدى الوضعيات رفعت يدها بتلقائية على وجهها منزعجة من اشعة الشمس ولكنها أسرعت تنزل يدها.
استراحة نصف ساعة لن تضر أحدنا، يبدو ان العارضة أيضاً تواجه بعض المصاعب
قيلت بصوت عميق خلفي، التفت اعقد حاجباي أنظر إلى العيون الزمردية التي رفع صاحبها المشد بين يده وقال بجمود: سبق وقلت لكِ ارتديه ولكنكِ نزعته مجدداً.
سأنتهي بعد قليل!
ابتسمت كاثرين بسرور وقالت تبتعد عن مقدمة السفينة: محق دانيال اعتقد أنه من الضروري أن أحظى بالراحة، شكراً جزيلاً لمراعاتك.
لم يكلف نفسه عناء القاء نظرة عليها وانما استدار ليعود أدراجه تاركا بين يداي المشد.
تنهدت بأسى واحكمت قبضتي عليه.!
اقتربت روز فوراً وهمست لي بقلق: أنتِ بخير؟ أرأيتِ؟ هذا ما كنت أتحدث عنه تحديداً!
طمئنتها: لا تقلقي ولكن. أعتقد أنني بحاجة إلى وضع المسكن حالاً.
بحثت من حولها بتوتر: أين حقيبتك؟
أشرت حيث حقيبتي فتحركت بسرعة لتأخذها ثم أشارت لي أن أتبعها ففعلت، دخلنا إلى الغرفة أسفل قمرة القيادة بالأسفل التي خصصناها لتبديل الملابس، نزعت قميصي لتساعدني روز على وضع المسكن وهي توبخني دون توقف.
ارتديت قميصي وقد وضعت المشد كذلك حول كتفي فقالت لي بحزم: سأمنحك عشر دقائق إضافية فقط كتاليا، وبعدها سنغادر إلى الفندق هل تسمعينني؟
روز! لم انتهي من.
سنستكمل العمل في الغد. لن أقبل أي مفاوضة في هذا الشأن!
نهرتني بغضب وحزم فزفرت بإنزعاج.
لا يمكنني مجادلتها.
لقد سبق وان وعدتها بالفعل.
عندما انتهى وقت الاستراحة قررت أن التزم بما أملته على روز لئلا ارغمها لاحقاً على التحدث إلى جاك مجدداً، لا شك في أنها ستتخذ خطوة مماثلة.
انها عشر دقائق فقط ولكن. قد اتمكن فيها من التقاط ولو صورتين!
أشرت لكاثرين ان تعود إلى مقدمة السفينة واتخذت موقعها هناك، وبينما كنت أوجهها كان الصمت يسود المكان تماماً من أحاديث الجميع، ورغم صوت ارتطام الموج بالسفن وتغريد الطيور والعصافير إلا أن الصوت الذي صدر من معدة شخص ما جعل الجميع يلتفت نحوه فوراً.
اتجهت انظارنا إلى من يقف ينحني قليلاً ممرراً يده على معدته بشحوب، ثم نظر إلى الجميع وقال بتبرم وفتور: ماذا؟ عندما نظرت إلى الساعة أدركت أنني سأتأخر عن الموعد لذا خرجت من المنزل فوراً دون الحصول على فرصة لشم رائحة الفطور حتى! من في هذا العالم يبدء عمله عند السابعة هذا وقت مبكر جداً!
اجابه شون بإستنكار: في الحقيقة. جميع سكان العالم!
زفر وتذمر: توقف عن مجادلتي! ربما لا يبدو هذا واضحاً ولكنني شخص تحركه معدته وتتحكم في مزاجه، هل من طعام هنا؟
كما قلت مسبقاً. لديه معدة حوت!
كان قد تساءل متلهفاً للإجابة فابتسم له سبينسر ورفع يده وقال ضاحكاً: انتظر لدي شطيرة في الحقيبة هناك ستكون كافية لسد جوعك مؤقتاً.
انفرجت أساريره وبدى سعيداً ليومئ له ويقترب نحوه بحماس، ولكنه تفاجأ كما تفاجأت كذلك بكاثرين التي ابتعدت عن موقعها واتجهت إلى حقيبتها تبحث فيها على عجالة: أ. أنا أيضاً اشتريت شرائح التوست المحمص بحشوة الجُبن صباحا وتبقى شريحة كاملة، انتظر.
اخرجتها من حقيبتها قبل سبينسر وناولتها دانيال الذي نظر إليها بتردد وأضطراب ثم إلى الآخر.
بدى يتجنب النظر إليها بكل الطرق الممكنة وقد رفع يده يأخذ منها الطعام ثم قال محدثاً سبينسر: اكمل البحث عن الشطيرة يا رجل فليس وكأن هذه فقط ستسد جوعي.
لقد خرج بالفعل من مجاعة مميتة ولا تفسير آخر!
اهدرنا الوقت. لا فائدة كانت بضع دقائق فقط ولكن لا فائدة حقاً! لذا استسلمت وأخبرت الجميع اننا سنتوقف عن التصوير اليوم ونستكمل باقي الجلسات في الصباح الباكر غداً.
اتصلت بسائق الحافلة ولوكاس كذلك، وعندما وصلت الحافلة أشرت لهم أن نحمل العدة بسرعة لنذهب إلى الفندق فتحرك الجميع دون استثناء فوراً.
لم يكن هناك ما يفعله العارضين فحري بهم ان يذهبوا الى الحافلة وينتظروا انتهاءنا من حمل اغراضنا، وهذا ما حدث بالفعل ولكنني رأيت جيكوب يقدم المساعدة وهو يحمل معه كمية كبيرة من المعدات ويتجه إلى الحافلة، حملت الكاميرا وعدة التصوير وبعض الحاجيات مع شون ولكنني استغربت وقوف دانيال أسفل الدرج عند رمال الشاطئ، سبقني شون بخطوات سريعة وعندما نزلت رأيت دانيال يرفع يده كما لو يخبرني أن أناوله ما لدي!
ترددت للحظة والتفت للخلف حيث باقي الأشياء، ولما لا. فليساعدني قليلاً لننتهي بسرعة، ناولته الأشياء فاستغربت عدم تحركه ليذهب إلى الحافلة، عدت لأخذ باقي العدة ورأيته لايزال ينتظر ليقول بملل: اعطني اياها.
ولكنك تحمل الكثير من ال.
أسرعي.
قالها بضجر وتثاقل شديد فنفيت بهدوء: يمكنني حملها.
نزلت الدرج بخطى ثابتة وحين وصلت إلى الرمال تفاجأت به ينتزعها مني ويحملها جميعها متذمراً بينما يسبقني في العودة: شهامتي لن تسمح لي بالنوم مرتاح الضمير لترك مزيفة كتفها مصاب تحمل كل هذه الأشياء وحدها. كوني ممتنة.
تابعته بعيناي بينما يبتعد ولكنني تسمرت في مكاني للحظة حين تعثر بالرمال قليلاً واسرع يتوازن ممسكاً بالعدة بحذر، لحقت به محذرة: انتبه جيداً لما تحمله، سأخصم أي أضرار من الأجر الذي تتقاضاه هل تسمعني؟
كشر بوجهه بغيض: هل هذه هي طريقتك في قول شكراً ؟
أشحت بنظري بينما أسير إلى جانبه، لمحت روز التي صعدت إلى الحافلة وقد القت علينا نظرة بعد ان بحثت عني، وصلنا إلى نصف المسافة ونحن نصعد حتى قال بهدوء: لقد آذيتِ عيناي في طريقنا إلى هنا في الحافلة.
عقدت حاجباي بعدم فهم ليستكمل: تعبير قبيح ومؤذي للعين قد ظهر على وجهك آنذاك. من الأفضل أن تراعي مشاعر الآخرين.
وقفت في مكاني أحدق إليه باستغراب ولكنني سرعان ما تذكرت وقتما اخذتني الأفكار السوداء وضمتني إلى عالم كئيب جداً كدت أختنق فيه وحاولت انتزاع نفسي منه!
ابتسم بثقة ليكمل مبتسماً بغرور دون ان يتوقف: ولكن يبدو أن صوتي العذب محى مزاجك العكر بطريقة ما.
تلك الحفلة الغنائية المزعجة. كانت عمداً بغرض محو ذلك التعبير؟
ولكن.
لماذا!
أي تعبير تحديداً كان يعتلي وجهي آنذاك؟
لاحقته بعيناي بينما يركب الحافلة وعندما تجاوزني أحد الزملاء أسرعت الحق به.
وشيء مجهول يرسل وخزات.
غريبة في صدري.
دانيال:
لا أبالغ لو قلت انها المرة الأولى في حياتي منذ ولادتي التي سأبيت فيها في فندق كهذا! أو أي فندق بشكل عام.
ما هو شعور كارل أثناء العمل في فندق فخم يومياً عاجزاً عن الاستمتاع بقضاء وقته في مرافقه وأرجاءه يا ترى؟
وضعت حقيبة ملابسي على كتفي وسرت خلفهم بينما أتحدث مع جيكوب، وفي النهاية اتجه كل منا إلى طريقه حيث غرفته في الجناح نفسه.
دخل الجميع إلى غرفهم فتنهدت وادخلت يدي في جيب بنطالي لأخرج المفتاح أو تلك البطاقة أياً تكن.
ارتفع حاجباي بحيرة وبحثت في الجيب الأخر، ثم في الجيوب الخلفية، جثيت على ركبتي أفتح الحقيبة التي وضعتها على الأرض ابحث فيها عن البطاقة جيداً ولكن.
غير موجودة!
كيف هذا؟ أتذكر أنها كانت في الحقيبة ثم وضعتها في جيبي؟
لا يمكن أنني أضعتها! عاودت ابحث مجدداً لعلني أجدها ولكن بلا فائدة، ما هذه الورطة الآن؟
نظرت من حولي ولم أجد سواي فوقفت بسرعة، أين دخلت تلك المزيفة؟ هذا الباب هناك. نعم أظنها غرفتها!
رفعت الحقيبة على كتفي واتجهت إلى غرفتها لأطرق الباب.
تباً أبدو في حالة مثيرة للسخرية حقاً.
انتظرت ثواني حتى فتحت الباب، نظرت إلى بهدوء بينما تمسك بذلك المشد في يدها ثم تساءلت: ماذا؟
أغمضت عيني للحظة ثم رفعت كتفاي: يبدو أنني أضعت المفتاح.
هاه؟
تلك البطاقة.
أنت تمزح!
إنها الحقيقة، وضعته في الحقيبتي ولكنه اختفى، بحثت في جيوبي كذلك ولكن لا أثر.
زمت شفتيها بإنزعاج: لا بأس باحضار مفتاح آخر ولكن ماذا لو عثر شخص ما على البطاقة الضائعة وحاول استخدامها؟ آه فليكن وكأنك تملك شيئاً ثميناً لتتم سرقته.
ازعجتني جملتها الأخيرة فعضيت على شفتي بقهر: سأتجاوز اهانتك، والآن هل سأبقي مشرداً هكذا حتى الغد؟
تفاجأت بها تبتسم بهدوء ثم دخلت للحظة ورأيت بطاقتها بحوزتها وتركت المشد لتخرج من الغرفة متمتمة: لننزل إلى الإستقبال ونخبرهم بالأمر، على لوكاس ان يرافقنا فهو من استلم المفاتيح.
تبعتها وشعرت لوهلة أنني مغفل تائه في إحدى الرحلات المدرسية ويبحث عن احد المعلمين ليأخذوه في طريقهم.
سار لوكاس معنا ونزلنا ولم يرحمني كذلك من العذل والعتاب كما لو أنني تعمدت اضاعة البطاقة!، ناولني البطاقة الجديدة متنهداً: ها هي ذا، حافظ عليها.
أومأت وأمسكت بها لنعود أدراجنا، دخل ثلاثتنا إلى المصعد. بدى المدعو لوكاس قد تخطى حواجز كثيرة معها فالإثنان لم يتوقفا عن التحدث بشأن امور كثيرة غير العمل.
وصلنا إلى الجناح ووقفت أمام باب غرفتي ولسبب ما ترقبت أن أراها تدخل إلى غرفتها أولاً، وعندما أغلقت الباب خلفها نظرت إلى لوكاس انتظر دخوله كذلك، حينها دخلت أنا أيضاً وأخيراً لأغلق الباب خلفي واتجول في الغرفة.
يا لفخامة المكان.!
التصميم عصري جداً، الأثاث فخم يدمج اللون الرمادي والأبيض في أرجاءه والشرفة الزجاجية ضخمة.!، خرجت عاجزاً عن قمع رغبتي في الخروج إلى الشرفة، وما ان وقفت فيها أتأمل المكان حتى استغرقت وقتاً أتأمل تفاصيل الموقع في الأسفل، الإطلالة رائعة!
يطل الفندق على الميناء القديم والشاطئ الذي كنا فيه للتو، وأسفل الفندق مباشرة غطاء أخضر واسع يحيط به.
في النهاية دخلت واخذت حماماً منعشاً والقيت بجسدي مباشرة فوق السرير، كدت أتقيء كل ما في جوفي أثناء التصوير، الشمس تتعمد توجيه أشعتها الساطعة فوق رأسي بينما أتضور جوعاً وقد جف حلقي تماماً. شعور مزعج ولكن لا بأس. فالجميع يبذل جهده أيضاً.
تلك المزيفة بدت منهكة ولكنها تستمر في الضغط على نفسها.
ثم الإصابة في كتفها.
بدأت أثق في شكوكي حولها ولكن لا دليل لدي.
أنا واثق أنها غادرت منزلنا رغبة منها في اخفاء ما حدث لها. ولكن هذا غريب!
المرة الأولى بدت وكأنها قد تعمدت ان تدخل منزلنا بينما كانت مصابة.
ولكن ما المختلف هذه المرة؟
لماذا غادرت؟
ارحت مرفقي على عيناي محاولاً طرد الأفكار المتعلقة بها من عقلي ولكنني ولسبب ما واصلت التفكير لمحاولة التوصل إلى إجابة مقنعة.
أغمضت عيناي بنعاس وتجاهلت رنين هاتفي الذي تبين أنه اتصال من كارل، سأحدثه لاحقاً في المساء لست متفرغاً لأحد الآن.
هذا الفراش مريح جداً. جهاز التكييف يتصرف وكأنه قطعة من روحي، هدوء تام لا أسمع أي شيء. راحة مطلقة ونعومة الفراش تسحبني إلى عالم آخر حقاً. لا سيما وأنني تناولت العشاء مرتين ولبيت حاجة معدتي.
ومع ذلك تقلّبت قليلاً وبات شيء غامض يزعجني. ربما صوت خافت أجهل مصدره!
فتحت عيناي قليلاً وتجولت بهما في ظلام الغرفة، ثم سرعان ما أغمضتهما مجدداً بنعاس لأعود للنوم.
لا أدري إن كنت قد خضت نوماً عميقاً جداً ولكنني أعلم أنني منزعج مرة أخرى من صوت خافت وحركة غريبة.
لحظة. لا تخبروني الآن أن الغرفة مسكونة!
تقلّبت لأستلقي على ظهري وأشبك يداي خلف رأسي، انتظمت انفاسي مجدداً لأنام ولكن هذه المرة شعرت فعليا بوجود شي غريب!
ما الذي يحدث بحق الإله؟
مهلا. انا لم انسى رمي العلكة التي كنت امضغها صحيح؟
هل انزلقت حتى عنقي وتسبب لي الاختناق الان؟ هل هذه بوادر التعرض للاختناق؟ هل رميتها أو ابتلعتها انا لا اتذكر حقاً!
ولكن هذا غريب. الثقل يزداد شيئاً فشيئاً، كان حول عنقي ولكنه الان فوق صدري ومعدتي، والسرير يهبط قليلاً كما لو كان هناك وزن إضافي!
أجفلت دون أن أفتح عيناي وقد شعرت بأنامل باردة تلمس عنقي!
تسارعت خفقات قلبي ولم أعلم ما على فعله!
إما أنني اتعرض لهجوم روح شريرة تسكن الفندق. أو أنه يوجد من اقتحم الغرفة وقد عثر على تلك البطاقة!
هذا سيء.
لماذا الأنامل تستمر في الحركة. إ. إنها تلمس شفتي؟ يوجد أنفاس حارة على وجهي!
فزعت عندما شعرت أن الأمر قد زاد عن حده وفتحت عيناي فوراً!
الظلام لم يكن شديداً ودامساً فباستطاعتي رؤية الجسد الجالس فوقي، شهقت بذهول حين أدركت هوية المتواجدة وقد لمست وجهي بكلتا يديها لتقول بصوت خافت: لا تقلق لا أحد يعلم أنني هنا.
زادت شهقاتي الواحدة تلو الأخرى ودفعتها فوراً بعدم تصديق!
ت. تلك العارضة؟ هل كنت. أتعرض للتحرش! بربكم لا بد وانه مجرد كابوس، أنا واثق ان عقدتي ومخاوفي تطاردني على أرض الواقع. ولكن لا. إنها تقترب!
تراجعت للخلف حتى قفزت من على السرير واتجهت إلى الإنارة لأضيئها فوراً، ولكنني عاودت أغلقها عندما رأيت الملابس الخفيفة على جسدها وأشحت بوجهي لأزمجر بتوتر وقد تجاوزت خفقات قلبي الحد الطبيعي: ما الذي تفعلينه هنا بحق خالق الجحيم!
لمحتها تقترب مبتسمة فقفزتُ بسرعة فوق السرير واتجهت إلى الجهة الأخرى ليحيل السرير بيننا، حتى عبست وتمتمت: لماذا كل هذه العدائية.
أعقبت هامسة بنبرة غريبة: أخبرتك لا أحد يعلم أنني هنا. لا داعي للقلق.
نظرت للغرفة من حولي بتوتر ثم فكرت في الذهاب إلى الباب مباشرة، ولكنها توقعت ذلك ووقفت في المكان المؤدي إلى الباب وابتسمت: لماذا أنت مرتبك إلى هذا الحد؟ هل هذه مرتك الأولى يا ترى؟ أحاول تصديق هذا ولكن مستحيل. أم أنك تخشى ان يعلم أحدهم أنني هنا؟
يكفي هراءاً! اخرجي حالاً.
تقدمت نحوي فأسرعت أقفز فوق السرير، لا أريد أن تلمسني بطريقة أو بأخرى! ولكن هذا سيء أنا حقاً مضطرب وبشدة. أصبحت الغرفة حارة بعد ان كانت باردة!
اللعنة.
أمسكتْ بقدمي لأتعثر وأقع على الأرض، نهضت فوراً ولم أكد أفعل حتى أمسكت بقميصي بقوة وهمست بنبرة انثوية: يكفي دانيال. لماذا تتصرف هكذا؟ أنا لست حمقاء لاحظت المسافة التي تتركها مع نساء فريق العمل. أنت تتصرف بغرابة!
قرّبت وجهها أكثر حتى لامست وجنتها وجنتي فتسمر جسدي وجف حلقي وافتقرت عروقي للدماء: ولكنك تختلس النظرات نحو تلك المصورة في كل حين. لماذا؟ هل أنت معجب بها؟ ما هي طبيعة علاقتكما؟
ينتابني دوار شديد!
تعمدت زفر أنفاسها الحارة في أذني فانتفضت وتحررت منها بقوة ولم أتعمد دفعها نحو الأرض ولكن كان على فعل ذلك!
بدت منزعجة وتذمرت بغيض متأوهة: ما خطبك!
تجاهلتها وأسرعت لأخرج من الغرفة ولكنني تفاجأت بها وقد لحقت بي تحتضن ذراعي فسرت الكهرباء في جسدي ما ان فعلت ذلك.
ومع هذا فتحت الباب لأطل بمنتصف جسدي للخارج ولكنها سحبتني مجدداً نحوها، وحينها اضطررت لإستخدام قوتي رغم كرهي لذلك وأمسكت بيدها لأسحبها ثم ادفعها نحو الخارج وأظنها فقدت توازنها ووقعت، لا ادري حقاً فلقد صفقت الباب فوراً!
استندت عليه اتنفس بصعوبة ثم جلست على الأرض أغمض عيناي لأنفي برأسي بعدم تصديق.
كان ذلك تحرشاً حقيقياً.
كانت هي منذ البداية. ما هذا الجنون؟
كيف سأعود للنوم الآن؟ كيف سيطمئن قلبي بعد ما حدث، نهضت بعد فترة وجيزة والقيت نظرة على هاتفي وتفاجأت بالساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل.
تركته على المنضدة واستلقيت مجدداً على السرير بقلق، كيف دخلت إلى الغرفة! لا يمكن ان بطاقتي المفقودة كانت بحوزتها. لقد كانت معها!
مسحت وجهي بكلتا يداي وارخيت جسدي.
ظننت أنني سأموت من شدة الإضطراب! كنت بالفعل على وشك أن أختنق في أي لحظة.!
انتباتني القشعريرة الشديدة اتذكر كل تصرف بدر منها حتى اقتحم صوتها رأسي مجدداً ولكنك تختلس النظرات نحو تلك المصورة في كل حين. لماذا؟ هل أنت معجب بها؟ ما هي طبيعة علاقتكما؟ .
ما هذا السخف؟ عن أي اختلاس نظرات تتحدث!
ب. بالطبع لم أكن أفعل هذا.!
اتهام باطل!
التعليقات