التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل العشرون

الألفة العقلية توجِب الحب في أغلب الأحيان
بسيارته الرانج رور شديدة السواد. ومن المرات القليلة التي يستقل فيها تلك السيارة ومن المرات الشحيحة التي يذهب لمكان بدون سائقه الخاص ورجاله. تجلس حياة بجواره عاقدة ذراعيها أمام صدرها وتتأمله بملامح متوهجة بالحب تنافس حرارة الشمس وكأنها تفصح مُعلنة أن وجهك كافيًا ليحو به مُر العالم. أردفت متسائلة:
-تحب تسمع أيه؟

أخذ نفسًا طويلًا من سيجارته الإلكترونية التي تحول دخانها لسحابة كبيرة تملأ السيارة و غمغم:
-أي حاجة على ذوقك.
-الأول مشوارنا طويل ولا؟
-يعني حركة ساعة كمان من دلوقتِ.
أومأت متفهمة وهي تبحث بالهاتف: -يبقى أم كلثوم. رفيقة المشاوير الطويلة وحُبك.
ثم تنهدت كأنها تود أهداء الكلمات إليه: -أنتَ عُمريّ…

تركت الهاتف من يدها متسلطنة بالموسيقى وهي تطالع الطريق من النافذة وبين كل دقيقة والأخرى تنهيدة طويلة كأنها تتنفس حُبه فينظر لها وكأنه يملأ قلبه من تلك المرأة التي تُشبه نرد الحظ كُل شيء بها فائز، شردت بالطريق الصحراوي أغلبه والمُدن الجديدة التي ما زالت تحت الإنشاء والكثير من القصور واللل الرائعة التي تُقابلها. فذهبت لتفاصيل ذلك اليوم، وهو يوم ولادتها…
ف الماضي…

ضبت حقائب سفره ثم ذهبت لعنده ببطن منتفخ كالبلون وأقدام متورمة من ثِقل عبء آلآلم الوضع وهي تتخذ أنفاسها بصعوبة، تسلل كفها لأعلى كتفه وسألته: -أول ما توصل كلمني. ولو موبايلي كان مقفول أعرف إني روحت المينا. بس ابعت لي رسايل كتير…
دار لها متعجبًا: -شغل تاني يا حياة! حبيبتي أنا عايز راحتك وأنتِ مصممة تتعبي نفسك؟ يعني أنا بتعب عشان مين ما هو كُله عشانكم أنتوا.

بصعوبة بالغة أخفت مشقة الألم عنه وقالت بابتسامة تخفي ألف طعنة خنجر بجوفها: -آخر يوم ومش هنزل من بكرة. هرتاح في السرير لحد ما ترجع لنا بالسلامة.
ثم نفضت ياقته برفقٍ: -المهم تخلي بالك من نفسك وتفكر فيا كتير عشان قلبي بيحس.
وأكملت ممازحة: -وبلاش سهرات وحفلات وعينك متروحش كده ولا كده. عشان قلبي هيعرف بردو.
ف رفعت كفه لقلبها وقالت: -خاف منه، ده مخبري السري!

ضحك بطاعة وهو يقبل كفها: -من الشغل للبيت متقلقيش مفيش وقت لأي سهرات أصلًا. يادوب أخلص بسرعة عشان أرجع لك.
طالعته بحبٍ وأكملت بأعين معتذرة: -أنا عارفة إني مقصرة جامد الفترة دي ومش عارفة أكون معاك. بس وعد هعوضك عن كل الأيام ال فاتت، وارجع لي بسرعة عشان أنت بتوحشني.
مسح على رأسها بحنان مفرط. وقال: -لولا الحمل كُنتِ جيتي معايا. المهم كل حاجة جاهزة هرجع ونسافر على طول على المستشفى.

تمتمت بخفوت: -تمام يا حبيبي.
رحل عاصي بعد جولة طويلة من الوداع والتوصيات على صحتها وما أن غادرت سيارته، فارقت النافذة وفتحت الخزانة وأخرجت حقيبتها المجهزة للوضع. جاءت سيدة ركضًا وفتحت الباب:
-تمام يا ست حياة! عاصي بيه مشي.
كانت ترتدي فستان طويلًا وواسعًا باللون الأصفر المنقوش فقالت بوهنٍ: -خلي يونس يحط الشنطة ف عربيته وأنتِ روحي معاه، وأنا هطلع بعربيتي عادي عشان الحرس ماياخدوش بالهم.

ثم اقتربت من سيدة التي تأهبت لحمل الحقيبة وأوصتها: -سيدة لو جرالي حاجة ت.
قاطعتها بلوم: -استهدي بالله يابنتي، كلها ساعتين وهترجعي تنوري بيتك أنتِ وولادك.
تشبثت بيدها راجية: -البنات يا دادة. وصي المُربية عليهم وميخرجوش بره البيت الجو سقعة. وأكلهم في وقته، وتخلي بالها من تاليا عشان نوبة الحساسية.
-ياحبيبتي ريحي بالك أنتِ بس ويالا بينا.

لحظة من أصعب اللحظات التي تمنيت أن تكون فيها بجانبي، أن اتشبث بيدك أن تعانقني أن تطمئني، أن تكون آخر صورة بعيني هي وجهك الجميل. أود أن أخبرك بأن كل شيء هنا مُرعب بدونك، المكان يملأه البرد والخوف وكأن بغيابك غربت معك الشمس.

أنفض داخلها وهي بغُرفة المشفى تستعد للتجهيزات الأولية للوضع وفي اللحظة التي جاءت فيها طبيبة التخدير ارتجف قلبها وانكمشت وأخذت ترتعد حيث تطلعت لسيدة الواقفة بجوارها ترتب على ظهرها وتمتمت وهي تحضن أجنتها:
-لا. سيدة كلمي عاصي، عشان خاطري محدش غيره هيطمني، لا أنا مش قادرة أنا خايفة أوي. أنا عايزاه هو.

ثم انفجرت باكية بوهن: -مش عايزة أولد، أنا هفضل متحملة الوجع لغاية ما يرجع. بس لا أنا خايفة. كلميه يرجع.
تدخلت الطبيبه ناصحة: -مادام حياة اهدي عشان الضغط. بلاش توتري نفسك. لو سمحتي ممكن تهدي.
بأعينها المحمرة أشاحت إليها: -طيب أكلمه بس ف التليفون اطمن عليه، هسمع صوته بس. هاتي الموبايل يا دادة. اسمع صوته.

عارضتها سيدة: -ياحبيبتي هيحس صوتك فيه حاجة وهتقلقيه. استهدي بالله وأنت هتنامي وتصحي تلاقي ولادك ف حضنك. شوفي شغلك يا دكتورة.
جاءت طبيبة النساء وتدخلت كي تسيطر على الأمر: -حياة، أحنا اتفقنا وأنتِ ال صممتي. أهدي عشان صحة ولادك، ممكن تمددي مددي بس وأنتِ هتأخدي حُقنة البنج ومش هتحسي بأي حاجة. المهم تهدي عشان العملية وضغط الدم.

قررت أن تستسلم للأمر وهي تتراجع للوراء وتبسط ذراعها لطبيبة التخدير وهي في أشد لحظات احتياجها إليه. تنخرط العِبرات من مقلتيها حتى حفرت وديانًا على وجنتيها والمخدر الطبي يسري بجسدها شيئًا فشيئا أخذت تُراجع شريط حياتهما مع من تلك اللحظة التي اجتمع فيها الثنائي بمنتصف البحر لهذه اللحظة التي تحوي مضغتي حبهما بين أحشائها.

شيئًا فشيئا أرخت قبضتها على يد سيدة وباتت جفونها تتغلق ببطء وآخر ما سمعته هو أمر الطبيبة بنقلها لغُرفة العمليات فورًا…
بالخارج ؛ جاء رشيد راكضًا وهي يعاتب أخيه: -يعني أيه قررت تولد وعاصي مسافر! أختك اتجننت؟ هي بتعاند مين.
انفجر يونس بوجهه الذي انفطر قلبه على أخته: -اسكت بقا يا رشيد وادعي لها. أنا مش مكلمك عشان تتخانق معايا.

شرع أن يُخرج هاتفه ويبلغ عاصي ولكن يونس منعه بإصرار: -أنتَ هتعمل أيه! حياة مأكدة عاصي ما يعرفش. رشيد بلاش تتصرف من دماغك.
وبخه رشيد خائفًا على أخته: -أنتَ عارف لما يعرف هيعمل فينا ايه! أختك بتتصرف من دماغها والرجل مجهزلها جناح كامل في أمريكا تولد فيه وله شهور مرتب لليوم ده، وف الآخر مايشوفش ولاده.
صمم يونس: -بردو مش هينفع تكلمه. وأهدى هي جوه ف العمليات مفيش فايدة.

في تلك اللحظة أتاه صوتًا مسجلًا يعلن بغلق هاتفه، فزمجر رشيد غاضبًا: -آكيد ركب الطيارة، مقفول.
-يبقى تعقل وتدعي لها وبلاش توترني عشان أنا أصلا على أخري.

علي متن طائرته الخاصة قدمت له المُضيفة مشروب القهوة الساخنة فلم يلتفت له لما كان يشغله ويسلب عقله بالهاتف. يُقلب بصورها ك فتى بعمر الطيش وبابتسامة ساحرة تتدفق من معالمه. توقف عن صورتهما معًا بالبحر فأخذ يكبر حجم الصورة وكأنه يتأمل تفاصيل أيامه الجميله التي رُسمت على وجهها ثم انتقل إلى الإعدادات و جعلها خلفية لهاتفه وهو يتذكر تفاصيل ذلك اليوم وعيناه تعانق السحاب وأرجله تطير فوق الماء وقلبه يعانق قمر لياليه وشمس نهاره.

شرد قليلًا في تفاصيل ذلك اليوم وخاصة بقريته السياحية بالغردقة والتي كانت أول مكانًا نزلت فيه من قبل والذي يعتبر خاصًا بعاصي فقط ولا تطأه أي قدم بشرية. نائمة على الرمل مرتدية ملابس السباحة المختصة وما يسمى ب مايوه يعلوه وشاحًا من الشيفون مربوطًا حول خصرها. بنظارة شمس تأكل نصف وجهها. مرتخية تمامًا والموج يداعب اقدامها الحافية مستمتعة بدرجة حرارة الشمس حتى جاءها هاتفًا بإعجاب:.

-كتير بنسمع عن حورية البحر، بس أول مرة أشوفها!
ثم جلس بجوارها مستندًا على كفه وبيده الأخرى كان يداعب تقاسيم بطنها المنحوتة على يد فنان: -بس محدش قال لي أنها جميلة أوي كده وتاخد العقل.
-ما أنت سبتها ورحت تشوف شغلك.
ثم تململت بغنج وهي ترفع القبعة عن رأسها وسألته: -خلصت مكالمات شُغلك ولا لسه. أنا بقيت حاسة أن الشُغل ده هو ضُرتي ال مشاركاني فيك.

أومأ قائلًا وهو يمرر ظهر كفه على تفاصيلها المتعرية: -فضيت لك أهو.
تناولت هاتفه ووضعته على وضع طيران ثم اعتدلت في نومتها: -كده أضمن أن مفيش حد هياخدك مني بعد كده. يلا ننزل البحر.
طالعها بحب مبطن بالفضول: -هتعلميني أيه جديد النهاردة؟
داعبت أرنبة أنفه بمرح وقالت: – هعلمك أزاي حورية البحر بترقص مع حبيبها في المية على لحن الموج.

عبث بملامحها بحب وقال: -وبعد كده ممكن حورية البحر تسيبلي نفسها خالص عشان ناوي أنا كمان أعلمها كام حاجة بس ف البر مش البحر.
-أنا كُلي ملكك أصلًا.

كانت امرأة متجددة كل يوم تأتي في صورة جميلة متنوعة تجعله لا يمل بل يقع في حُبها من جديد. وقبل أن يتحرك الثنائي أوقفته طالبه منه التقاط صورة لهما معًا على البحر لتوثيق ذلك اليوم بتفاصيله المميزة و الذي يعد من أهم الأيام المطبوعة بذاكرة قلوبهما لهذه اللحظة…

مرت الساعات بسرعة حتى فرغت حياة من عمليتها المتيسرة وتم أخذوا صغارها لطبيب الأطفال ليفحصهما ثم تم احتجازهما بالعناية لصغر عمرهما ولادتهم المبكرة. أما عنها استردت وعيها وهي تفتش عن صغارها، طمئنتها سيدة على صحتهما ولم تهدأ الا عندما جاءوا لعندها وارتوا من نهر أمومتها الجارية.

انتهى اليوم وسمحت الطبيبة بخروج رسيل بدون صغارها. عادت للبيت وهي تعاني من فراغ جوفها وقلبها معًا. ما أن هبطت من السيارة لم يتحمل يونس أن يستمع لآهات وجعها فحملها بين يديه لغُرفتها، لاحظ أحد الحرس حالة حياة وسرعان ما أبلغ عاصي برسالة مسجلة:
-عاصي بيه، واضح أن مدام حياة تعبانة.

ثم شرع بسرد التفاصيل التي رأها. هُنا جن جنون عاصي وفارق اجتماعه وأخذ يهاتف أخواتها وهو يتشاجر مع الهواء الذي يتنفسه. جميع الهواتف خانته ما بين رشيد الذي يراعي صغار أخته. ويونس الذي يهتم بأخته المتألمة. وهاتف المنزل الذي لم يرد عليه أحد. حتى هاتف المربية فأخبرته بخبر ولادة زوجته وأن فتياته بجانبها…

هاج قلبه بنيران العجز وعدم استيعاب الخبر تفجرت حمرة الغضب والخوف من ملامحه واكتفى بسؤاله الأخير: -ازاي؟ طيب حياة كويسة!
هتفت المربية بفرحة: -زي الفل يا عاصي بيه. تحب أديها التليفون.
أردف بحزم: -لا أنا جاي. ومش عايزها تعرف إني عرفت…
مع فجر اليوم التالي.

كانت تستند على ظهر فراشها وتُعد الأيام الباقية لعودته على مراجل من نار. تناولت هاتفها وحاولت الاتصال به على أحد مواقع التواصل الإجتماعي، ترددت قليلًا ولكن شوقها أجبرها أن تسمع صوته في هذه اللحظة. الكثير من الاتصالات التي لا تحمل ردًا حتى كتبت له قائلًا:
-أول ما تصحى كلمني. بليز يا عاصي.

هنا فُتح الباب فظهر منه سقط الهاتف من يدها وهي تُراقب عودته ومجيئه بقلب يكاد أن ينخلع منها. ما أن رأته فانفجرت بالبكاء وكأنها تصف له بصورة أعمق عن درجة مُعاناتها بدونه. اندفع لها بكل مشاعره الفياضة ليأخذها بين يديه ولم تمنحه الفرصة لمعاتبتها فقالت باكية:.

-أنا كنت هموت من الخوف. كنت محتاجالك أوي، أنا أسفة محبتش أقلقك عليا، بس كنت غبية واتحملت صعوبة يوم زي ده لوحدي. اتمنيت كتير تكون معايا، بس مش هين عليا أشوفك موجوع. عدى كله عدى واحنا سوا مع بعض.
لخبطة من مشاعره المضطربة وهو يمسح بكفيه على ظهرها بنبرة خالية من عتابٍ: -أنتِ كويسة! في حاجة بتوجعك!
بملامحها اللاهثة من كثرة البكاء: -غيابك ال كان تاعبني وأنتَ رجعت أهو. أنا بقيت كويسة خلاص.

تمتمت ملهوفة لرؤية صغاره: -هما فين!
بنبرة يخالطها أنفاس الألم تمتمت: -الدكتور حجزهم ف الرعاية. بكرة نروح نشوفهم.
ثم ضغطت على كفوفها معبرة عن ألمها: -الرحلة كلها كانت صعبة يا عاصي. أخر 3 شهور أنا كنت بموت من الوجع والتعب. وببذل مجهود أكبر علشان متأخدش بالك وأقلقك أكتر.
ثم ارتجفت مكملة: -مش مهم، فرحة ولادنا بالدنيا. أنا أول ما شوفتهم نسيت كُل التعب. هتحبهم أوي.

مال على كفوفها ليُقبلهما بلهفة عجزت الكلمات أن تعبر عنها، لا يعلم أيعاتبها أم يعانقها أم ينهرها عن مخالفة أوامره. كل ما فعله أنه ظل صامتًا وساكتًا وهي آخيرًا أمنت فنمت بحضنه بعد يوم شاق انقسم من روحها. لكن ظل متيقظًا لمطلع النهار وهو يمطر سيل قبلات متوزعه فوق ملامحها النائمة كي يتأكد من سلامتها. تململت بوهن وهي تصدر بعض التأوهات الخفيفة فسألها ملهوفًا: -أجيب لك دكتور!

تمتمت بصوت متهدج متعب وهي ترفع رأسها عن صدره الذي كان مسند رأسها: -أنت لسه صاحي؟
-أكلم دكتور يا حياة! طمنيني عليكِ حاسة بأيه.
ضمت كفه بتوسل: -لا يا حبيبي تعب الجرح بس متقلقش. أنا بس عايزة آخد شاور حاسة هيفوقني ممكن تساعدني بس للحمام.
حملها بين يديه وقال بلهفة: -هعمل لك كل حاجة بنفسي متشليش هم، أنا جمبك ومش هسيبك…

أجلسها فوق أحد المقاعد بالحمام ثم شرع بنزع الجزء العلوي من بذلته وقال متحيرًا: -المفروض نعمل أيه!
ترجته بوهن: -عاصي بليز اخرج. أنا هعرف اتعامل. بس بلاش بلاش مش حابة إنك تشوف شكل الجرح و جسمي كده. أخرج.
جثا على رُكبتيها رافضًا طلبها الغريب وقال بحنو: -مفيش الكلام ده! أنا مش هسيبك.

ثم رفع كفها لمستوى شعرها ولفه وبعدها غطى رأسها ب تربون الاستحمام فتدلت يداه لسحاب فستانها الواسع وسحبه لأخر ظهرها. كانت جميعها تفاصيل يعيشها لأول مرة ولكنه كان مُتبعًا بوصلة حبه التي كانت دومًا ما ترشده. تمسكت بفستانها كي لا يكشف ستر آثار عمليتها الجراحية وتمدد بطنها المترهلة من الحمل. ترجته لآخر مرة:
-أخرج عشان خاطري…

سحب كفها لعند شدقه وطبع تلك القبلة الخفيفة الرافضة ثم أتبع بحنان أم مع جنينها الأول بنزع تلك الملابس عنها. تعرت أمامه وهي تراقب تعابير وجهه التي انكمشت إثر رؤيتها لجرحها وتمتم بمعاناة كانت تعتصر بقلبه:
-المية لو جات عليه مش هيوجعك.
ردت بجهل تام: -مش عارفة!

ثم وثب وفتح الخزانة التي تحوي الفوط بالحمام وأخرج منها واحدة. فتح صنبور الماء الدافئ وضبط حرارة الماء ثم عاد لها لتستند عليه وتجلس على حائط حوض السباحة البانيو . بلل المنشفة بالماء الجاري ثم جر المقعد الذي كانت تجلس عليه بقُربها وهمّ بكفكفة القماشة على جدار عنقها بحنية مفرطة. كانت تراقب حنانه بأعين لامعة يفيض منها الانبهار. عاد ليغسل القماشة من جديد مواصلًا مهمته في إزالة آثار المخدر عن جسدها ولكنه لم يمنع مشاعره المدججة من قطف ثمار حبه. بهمهمات الحب المرتدة بجدار عنقها همس:.

-حمدلله ع سلامتك ياروح قلبي. سلامتك عندي بالدنيا وال فيها.
بحب متسرب في تلك القُبلات الناعمة التي كانت من نصيب عظام ترقوتها، رست أناملها فوق آذنيه وهي تبادله بنفس المشاعر المُدججة التي ختمتها بسؤالها:
-عاصي، هنسمي الولاد أيه، حابة أنتَ ال تختار اسمائهم!
-مش بتفكري في حاجة معينة؟
-لا عايزة باباهم يختار الاسماء. هتسميهم أيه يا حبيبي؟

تأمل عينيها الفائضة من اللهفة وشرع في مداعبة تفاصيل روحها التي آسرته. يبدو أنه أحبها للحد الذي تأكد بأن جمال الكون نُسج من عيونها. فتمتم متهامسًا:
-لو هتختار. يبقى ريان، نهر حبك ال روى قلبي.
تغنجت بألم يعطره الحُب وهي تتشبث بمعصمه كي تعتدل في جلستها وقالت معجبة: -حبيت…

ثم انحنى ليبث شوقه المتدفق بوجهها وأكمل بنفس النبرة التي تحمل صبابته لتلك المرأة التي خُلقت من لهيب الحب: -وركان. السكينة والهدوء ال بحسهم ف حضنك.
لا يوجد منزل أدفئ من صَدْر رجل أحبك من حُشاشة قلبه. مسحت على شعره بمشاعر يفيض منها الحب وقالت دامعة وبتنهيدة طويلة: -أنتَ حبيب عمري…
عودة للحاضر…
صالحت بيك أيامي سامحت بيك الزمن
نسيتني بيك آلامي ونسيت معاك، معاك الشجن.

كانت مثيرة للحد الذي يُجبره كل برهة بأن يُقبل يداها فاقت على كلمات أم كلثوم الأخيرة وقُبلته الرقيقة وهي تتنفس حبه وحنيته وتتأمله بأعين يفيض منها العشق:
-عيد ميلادك الأربعين بعد كام يوم. أنا متحمسة أوي. وعد هيكون احلى يوم. يوم عمرنا ما هننساه ياحبيبي.
كانت نبرتها دافئة حنونة يملأها الحماس عكسه تمامًا ؛ شاردًا قليل الكلام ولأول مرة يشغله الطريق عنها، اكتفى بإصدار إيماءة خافتة وقال بملل:.

-عادي يا حياة، مش هتفرق. المهم أنك معايا.
قطبت حاجبيها بإمتعاض ودارت للخلف تبحث عن شيء ما ثم قالت بنبرة يتسرب إليها الشك:
-عاصي مالك ساكت من أول الطريق! وبعدين دي أول مرة تروح مكان من غير رجالتك والحرس.
ثم تأرجحت عينيها بتوجس وأكملت: -مش شايف إننا بعدنا أوي عن القاهرة! أحنا رايحين على فين!
صف سيارته أمام مبني عملاق ولكن لا يبدو عليه أي تفاصيل ترضي فضولها: -خلاص وصلنا!

أردفت بقلق: -وصلنا فين؟ عاصي أيه المكان ده،؟
سحب مفاتيح سيارته وقال بهدوء: -انزلي.
ترددت: -أخد شنطتي وموبايلي؟
-مش لازم.
رد بفتور وهو يأخذ سترته المُعلقة بالخلف ويهبط من السيارة تابعته بخطوات مترددة حتى وقف ومد يده لها كي تشبث بها وقالت:
-مش هسألك رايحين فين، بس أنا واثقة فيك.

اكتفي بضم كفها وسحبها برفق نحو بوابة ذلك المبنى المشيد. استقل المصعد فكانت بجواره تُرافقه حتى ذلك النفس الذي كان يخرج من جفوفه كانت تستنشقه. فُتح الباب عند الطابق المطلوب تبادل الاثنان النظرات ثم دخل لقسم الاستقبال فرحبت به الفتاة العالمة بخبر مجيئه ل هذا المكان الذي يتردد عليه سِرًا مرة كل شهر: -عاصي بيه، اتفضل استريح.
تمتمت له بعتبٍ يخالطه المزاح: -أنتَ كُل الستات كده تعرفك! أعمل فيك أيه؟

اكتفى بهز رأسه بهدوء مع ابتسامة مثقلة بالقلق: -تعالى أقعدي.
جلست على الأريكة وأخذت تفرك كفيها وهي تفحص المكان الخالي من أي بيانات تُرشدها. لاحظ الارتباك بكفوفها المتراقصة فأكتفي بضمهما كي تهدأ، تفهمت حركته التي أراد أن يطمئنها بها فأومأت متفهمة. دقائق محدودة حتى خرجت الفتاة من أحد الغُرف وأشارت:
-مادام حياة، اتفضلي!

بللت حلقها الذي جف من شدة الحيرة وطالعته كأنها تسأله كيف يمكنها أن تدخل غرفة لا تعلم خباياها بدونه. أردف بهدوء وهو يطبطب على كفها: -روحي معاها وهتفهمي كُل حاجة!
انهارت فلسفة الكلمات أمام هدوئه، فتحركت على مضض ودخلت الغُرفة المقصودة، أشارت لها الفتاة على أحد المقاعد على الطاولة المتوسطة التي تضم ثمانية مقاعد: -أقعدي هنا.
ثم قفلت الباب وعادت لعاصي المتساءل بقلق ينفطر فيه قلبه: -تمام!

هزت الفتاة رأسها وعادت لمقعدها. أما بالغُرفة التي تجلس بها حياة على مراجل تغلي فوق نيران القلق و التي تحتوى على طاولة فقط والعديد من المقاعد وهناك باب أخر للغرفة ظهرت منه فتاة ثانية ورحبت بها قائلة:
-مدام حياة، أزيك؟
توقّد القلق في خدها: -أنتِ تعرفيني؟ أنا فين!
اقتربت منها الفتاة بثغر مبتسم وقالت: -هتفهمي كُل حاجة دلوقتِ.

ثم استئذنت منها أن تضع تلك الشريطة السوداء على عينيها، فتراجعت بالمقعد للوراء رافضة بخوفٍ: -نعم! ليه؟ لو سمحتي فهميني ف أيه، وعاصي فين!
حافظت الفتاة على هدوئها: -ممكن تهدي طيب.
كادت أن تنهض لتغادر الغُرفة بصوت مرتفع: -أنا عايزة أمشي. في حاجة غلط. حد يفهمني!

ظهر رجل في الخمسين من عُمره مرتديًا بذلة سوداء، قامته طويلة وبشعر يخالطه المشيب، يرتدي نظارة طبية وقال بهدوء وهو يجلس على المقعد الأمامي للطاولة:
-أقعدي يا مدام حياة. وهتفهمي.
تكلفت العبوس فجلست على مضض متأففة. فقدم نفسه قائلًا: -أنا دكتور عمر الوكيل. ممكن تهدي!
تسرب القلق لجوفها وتمتمت: -دكتور! دكتور أيه.؟ لو سمحت عاصي راح فين مش حلو التهريج ده والله!

أشار الطبيب لمساعدته ريهام أن ترحل وقال: -لو عايزة تعرفي كُل حاجة تهدي ونتكلم مع بعض بهدوء.
تأرجحت عينيها بتوجسٍ وتمتمت: -عاصي فين، أنا عايزة جوزي؟
رد الطبيب بنبرة هادئة: -مشي.
ردت بيقين ممزوجًا بالهدوء التام: -مستحيل يمشي ويسيبني هنا.
استند الطبيب على سطح الطاولة بمرفقيه: -ليه مستحيل! هو عمل كده فعلًا. سابك ومشي.
أصدرت صوتًا نافيًا وبيقين لا يخالطه شك: -تؤ. مستحيل.

ثم أطلقت ضحكة ساخرة: -بطلوا هزار بقا. ممكن تقولي أنت دكتور أيه وأنا هنا بعمل أيه؟
-عاصي قبل ما يجيبك هنا، قال لك رايحين على فين؟
هزت رأسها نافية: -لا. ماقالش.
-وأنتِ جيتي معاه من غير ما تعرفي!
ردت بثبات: -طبعًا، أنا بثق فيه.
-حتى ولو عرفتي أنه جابك هنا عشان هو مقرر يسافر ويمشي. قرر يأخد بناته يبدأوا حياة جديدة بره مصر، ولأنه خايف عليكي جابك هنا عشان متتعبيش في بُعده.

انفجرت ضاحكة وهي تضرب كف على الأخر بضحكة لا تتناسب مع صعوبة الموقف ؛ فأردفت: -أنا شايفة أن المفروض يتعالج بجد حضرتك. أيه التخاريف دي. ممكن موبايلك أكلم جوزي عشان يجي ياخدني من الجنان ده.
أصر الطبيب على موقفه: -بقولك مشي يا حياة، مش عايزة ليه تصدقي أنه مشي.
-وأنت ليه مش عايز تصدق أنه ميعملش كده!
شبح ابتسامة خفيفة ارتسمت على محياه وأتبع: -للدرجة دي بتحبيه.
ردت بإختصار: -بعشقه.

ثم وثبت قائمة لتُغادر الغرفة ولكنها فؤجئت بأن الباب مقفولًا، عادت له بنبرة آمرة: -قولهم يفتحوا الباب ده.
لم يتحرك الطبيب من مجلسه، فأكمل: -مش هيتفتح غير بأمري. وأنا مخلصتش كلامي عشان اسمح لك تمشي.
وبخته ساخرة: -وأنا مش مجبرة أسمع التخاريف بتاعتك. قولهم يفتحوا الباب عايزة أروح لولادي اتأخرت عليهم.
ببرود لا يتناسب مع الموقف قال: -ولادك كمان مش موجودين. سافروا معاه.

شدت أحد المقاعد وجلست وهي تقاوم أحساسها المضطربة: -قعدت أهو، اتفضل كمل خرافات لحد ما أشوف أخرتها أيه.
-أعرفك بنفسي، دكتور عمر الوكيل مختص في الأمراض النفسية والعصبية ودكتور جوزك عاصي دويدار.
برقت عينيها بذهول: -وهو عاصي بيجي لك ليه؟ وأنا أزاي معرفش حاجة زي دي؟
ثم تنهدت بحرقة تأكل بقلبها: -أف! أنتَ عايز مني أيه دلوقتي…
-عايز أواجهك بالحقيقة ال أنتِ مش مقتنعة بيها.

هزت راسها يمينًا ويسارًا وهي تنفي حديثه: -قول أي حاجة غير انه مشي، عاصي بيحبني ومستحيل يعمل كده. أنا عارفة بقول لك أيه كويس أوي.
-قُولتِ بيحبك؟ وال يحب حد يخونه وكل ليلة مع واحدة تانية.
استولى على صوتها الأسى والجوى وقالت: -هو مستحيل يعمل كده. أنا واثقة فيه.
-أيه دليلك؟
-قلبي…
رفع الطبيب حاجبه مستنكرًا: -وقلبك معرفش أن بيتعالج عند مختص نفسي له سنة ونص.؟

‏لقد كان الأمر مرهقًا لقلبها الرقيق. ‏كان الموقف يتطلب عشرة قلوب لتحمُل جملة السخافات هذه. ‏و لكنها بقلب واحد فعلت وواجهت. يبدو على ملامحه التعب والكدر:
-دي غير دي!
رد الطبيب متعمدًا أن يُسرب الشك لجوفها: -لا دي هي دي. معنى كده أن في حياة عاصي اسرار كتير أنتِ لسه معرفتهاش.
ثم ختم جملته عندما لاحظ تأثرها بجملته: -المنطق سُم المشاعر. ودي الحقيقة ال لازم تتقبليها.

ثم توغر في حرق جروحها المخدوشة إثر عبث بها باستمرار:
-أول أيامكم في الغردقة مش كان بعيد عنك لمدة شهرين، تفتكري ممكن يكون ليه! طيب خلال فترة حملك شخص زي عاصي وعلاقاته النسائية المتعددة كان يا ترى، أنا وأنتِ عارفين طباع عاصي كويس.
تعمدت أن تتظاهر باللامبالاة، وقلبها يحترق. لوحت بكفها كي تضع حدًا للآمر، وقالت بيقين وهدوء تحسد عليه:.

-الحقيقة الوحيدة ال قلبي مصدقها أن عاصي مستحيل يعمل أي حاجة تزعلني. ممكن ما تتدخلش في علاقتي الخاصة مع جوزي أكتر من كده!
بملامح عجوز على اعتاب السبعين ثم زفرت بملل وتعب اعصاب انعكس بكفها المرتجف: -وممكن ننهي السخافات دي بقا عشان أنا بجد تعبت. ومش عايزة اسمع حاجة.
ثم هبت واقفة وكأن عقرب لدغها متجهة ناحية الباب وأخذت تطرق بقوة، وتصيح: -افتحوا الباب ده وإلا هكسروا! عاصي؟

يجلس بالغرفة الآخرى يراقبها من وراء الشاشة مصدومًا من تصرفات وحديث الطبيب معها، كاد أن يجن جنونه حيث نهض ليغادر الغُرفة معترضًا:
-ده مش اتفاقنا، دكتور عمر بيعمل أيه؟
تدخلت الفتاة متوسلة له: -دكتور عمر بيعمل شغله. لو سمحت يا عاصي بيه اهدى وكمل الجلسة للآخر.
ألقى نظرة خاطفة على الحالة التي أصبحت عليها وهي تجوب الغُرفة كالسكير الذي تاه رشده وقال بقلب يتمزق:.

-حياة اضعف من أنها تتحمل كل ده هي بتقارح بس أنا عارفها. ريهام كلمي دكتور عمر قوليلو كفاية كده.
حاولت الطبيبة المساعدة أن تقنعه كي يجلس ويهدأ راجية أن ينتظر حتى السؤال القادم فقط. جلس عاصي على مضض وهو يتذكر ثاني جلسة مع طبيبه عندما أمره قائلًا:
-أول خطوة في مشوار علاجنا هي المنع للطرفين. فاهمني يا عاصي بيه!
رد بعد اقتناع: -يعني أزاي، لا مستحيل يا دكتور عُمر. طيب ومراتي!

أجاب مُصرًا على طلبه: -دي بالذات لازم تبعد عنها وتحارب نفسك كمان. ومن غير ما تحس بحاجة، الأمور طبيعية جدًا، ومش بس كده، أنتَ كمان هتبطل تروح أي مكان سابق كُنت تتردد عليه. حفلات، سهر، نايت كِلآب. أنا عايز شخص حياته كلها شُغل وبس. وقتك كله ليك لوحدك.
ارتفعت جفونه لتلك الشاشة التي يُراقبها منها عند سؤال الطبيب الأخير: -قولي لي ناوية تكملي حياتك أزاي من غيره…

ملت من تلك الطريقة التي تخنق في روحها بالبطيء، تشبثت بجدار عنقها لتعكس تلك الحالة النفسية السيئة التي وصلت لها وقالت بإصرار: -أفكر في أوهام وأصدقها؟ أنا أعقل من كده بكتير!
ثم ضربت على سطح الطاولة معبرة عن حالة الجزع التي أصابتها: -أنتَ بتحاول توصل لأيه! وأصلًا عاصي بيشتكي من أيه عشان يجي لدكتور مريض زيك!

تقبل إهانتها بصدر رحب مقدرًا ذلك الوضع السيء التي وصلت إليه، أشار بهدوء ناحية زجاجة الماء: -اشربي ميه!
نظرت في ساعة يدها وقالت بيأس: -مش هشرب حاجة، أنا عايزة المسرحية السخيفة دي تنتهي. ممكن تكلمه! كلمه قُوله يجي عشان نروح لولادنا.
-ولو أثبتت لك بالدليل والساعة خيانة جوزك! هتصدقي! وتقتنعي!
مالت لعنده بتحدٍ، وأردفت: -لو شوفته بعينيا هكذبهم وأصدقه هو. جوزي مستحيل يلمس ست غيري.

بدّ الانشراح على محياه وقال مستمتعًا بحواره مع تلك السيدة الواثقة بنفسها قبل زوجها وقال: -ده عشق ولا جنان؟
ردت بملل وهي تضغط على فكيها بغل: -دي حاجة ماتخصش حضرتك.
-لو الزمن رجع واتقابلتو بطريقة تانية كنتِ بردو هتحبيه؟
سئمت من برود أعصاب الطبيب ولكنها قررت أن تحاربه بنفس أسلحته وقالت بسخط: -مفيش زمن بيرجع، أنا حبيت عاصي بالقدر المكتوب لنا وبس.

ثم فرغت القليل من الماء بالكوب الزجاجي بتلك اليد المرتعشة وقالت: -خلصت كلامك، أنا لازم أروح اتأخرت على ولادي…
-تفتكري عاصي جابك هنا ليه؟
ثم برر قائلًا: -يعني مش مصدقة كلامي وماشية ورا وهم، بس اسألي نفسك لدقيقة هو جابك هنا ليه؟
ردت بثبات لا يُهزم بعد ما تجرعت كوب الماء: -مش هسأل نفسي وأقع ضحية أوهام، لما هقابله بره هسأله وهو هيجاوبني…

لن يهزم الشخص الذي وثق بالطرف الآخر مهما حدث. مد لها ملفًا وقال: -ممكن تبصي في ده!
رفعت حاجبها ساخرة: -كذبة جديدة.؟ وبعدين مش عيب رجل كبير زيك كده يكذب!
بيدها كوب الماء الزجاجي وباليد الأخرى همت بفحص الملف المُقدم لها. قرأت الاسم من أعلى فوجدته باسم عاصي شهاب دويدار. تدلت عينيها لتفحص التقرير الطبية بأعين مهتمة للغاية ورقة وراء الأخرى حتى رفعت جفونها متسائلة: -التحاليل دي بتاعت عاصي!

-أنتِ شايفة أيه؟
ثم وثب قائمًا وشرع في سرد حالته الصحية: -أنتِ صح، أنا حاولت كتير أشكك في جوزك عشان العلاقة دي تنتهي بأقل وجع حسب رغبته. ، كان هيمشي ويسيبك عشان متتوجعيش بعد فراقه. عاصي ياحياة عنده مشاكل صعبة ف القلب والتحاليل والفحوصات معاكِ. وأيامه الباقية معدودة. ممكن ف لحظة يبقى مش موجود. وهو خايف عليكِ من بعده.

هل هي ساعة باردة ‏أم أنّ فكرة غيابك لامست قلبي فارتجفت. أشاحت بأعينها المدججة بالعبرات وحمرة الألم بعد ما فقدت سيطرتها على كوب الماء الذي اصطدم بالأرض فتحطم مثل قلبها تمام: -أنتَ بتكذب تاني! مستحيل، عاصي صحته كويسة جدًا.
رد بتلك النبرة التي تساعد في انهيارها: -أنتِ هنا عشان نعالج الموضوع ده مع بعض.

غمغمت بحالة من الانهيار التي شُلت مدارك عقلها وهي تفتش بالأوراق: -لا، عاصي عمره ما اشتكي من وجع. الورق ده كله مزور. هو فين! أنا عايزة أكلمه.
ثم انفجرت صارخة وهي تخبط على الباب بوجع وتضرب الأرض بقدميها: -افتحوا الباب كفاية كفاية كده.

بحالة تشبه ظُلمة البيت المهجور، بل ساءت حالتها كنافذة صغيرة تختنق في ظلام زنزانةٍ ممتلئة بالمساجين لا ترى ضوء الشمس أبدًا. عادت لعند الطبيب عمر وهي تنفطر من البكاء وتتوسل إليه:
-قولي أنك بتكذب متعملش ف قلبي كده! طيب خرجني من هنا هموت في حضنه بدل ما هتجرالي حاجة هنا من خوفي عليه. هو وعدني أن عمره ما هيسيبني.

في تلك اللحظة لم يتحمل، انخرط قلبه وهو لا يرى أحد أمامه. تجاهل نداءات ريهام المتكررة واخترق درجات السُلم ركضًا وبنفس اللهفة التي تحركه فتح الباب فوجدها فقدت وعيها تمامًا وسقطت مغشيًا عليها. أشار الطبيب لمساعدته:
-ريهام حقنة مهدئة حالًا. دي حالة انهيار عصبي.

لم يرى غيرها انحني وحملها بصعوبة لثقل الصدمة على ساقيه التي عجزت أن تحمله. أشار له الطبيب أن يُدخلها الغرفة الثانية الخاصة به وهو يلهث من وقع الصدمة على صدره. وضعها على الأريكة فتمددت بوهن وهي تهزى بدون وعي: -هو مستحيل يسيبني. عاصي بيحبني. أنتَ كذاب.

انخرط على كفوفها ليقبلهما معتذرًا عما حدث منه ويقسم لها بأنه لم يعلم عنه شيىًا طالبًا منها العفو. جاءت ريهام لتقيس ضغطتها وكان الطبيب يعد تلك الحقنة المهدئة لتسترد وعيها. شرعت ريهام في قياس الضغط وسار عاصي لعمر قائلًا بغضب:
-ده مش اتفاقنا، أنت ازاي تعمل ف مراتي كده، أنت وعدتني هتفهمها حالتي وبس.
رد عمر بهدوء: -أنا عارف أنا بعمل أيه يا عاصي. في أقل من ساعة هتبقى كويسة.

ضرب على سطح مكتبه بغضب عارم: -أنا غلطان إني سمعت كلامك. اتفضل فوقها والا ههد المركز ده ع ال فيه.
تجاهل الطبيب تهديداته وضرب الحقنه بذراعها ومازالت تهذى بكلمات غير مفهوم وعبراتها تتساقط بسرعة هستيرية. أمره قائلًا:
-خدها في حضنك لحد ما تهدا.
سارت ريهام مع معلمها وجلس الاثنان على المكتب، تمتمت ريهام بصوت منخفض: -دكتور حضرتك شايف أيه! عاصي خلاص كده!

تأرجحت عينيه عليه وهو يحتويها كطفلته الصغيرة ويقبل كفوفها وملامحها النائمة وقال من خلال خبرته بقانون العلاقات:
-أنا عمري ما قابلت الحُب ده في حياتي. كُنت دايمًا بقول لك واحد زي عاصي كونه يأخد خطوة زي دي أنه يجي عند طبيب نفسي عشان يحافظ على مراته من نفسه دا آكيد بيحبها، بس مكنتش متوقع أنها بتعشقه كده!

رمقتهم ريهام متعجبة وقالت: -كان قاعد ف الأوضة هيتجنن عليها، أنا كُنت مرعوبة. طيب الخطوة ال بعد دي أيه؟

-دي الخطوة الأخيرة ال فضلت مأجلها سنة ونص. مفتكرش أن عاصي ممكن يرجع لدقيقة واحدة لماضيه بعد ال شافه. وشاف حالتها دي أنا كنت متعمد أخليه يشوف انهيارها وحبها في نفس الوقت. عاصي كان عنده إرادة أنه يفوق من المجتمع ال كان مغروس جواه وإنه مش عارف يكتفي بواحدة وبس. وساعدنا كتير وهي كمان ساعدته كتير من غير ما تحس.
تمتمت ريهام بتساؤل: -يعني هو خلاص كده! تعافي تمامًا؟
-الخطوة الجاية بتاعتها هي وبس.

ثم أتبع قائلًا: -كان لازم يا ريهام ياخد الصدمة دي عشان تفضل محفورة في قلبه العمر كله. أنتِ عارفة إنه من أصعب الحالات ال مرت عليا. أنا فضلت أذاكر في شخصيته دي أسابيع وأفكر أزاي أعالج شخص زيه قادر يشتري كل حاجة يهواها بفلوسه. شخص كانت دي حياته لمدة 20 سنة، اتربى على السيطرة والأنانية من ست انتقامية استخدمته كسلاح لدوافعها. لأب دي حياته أصلًا. أنت قدامك مبنى منهار هتعيدي بناءه من جديد.

نظرة سريعة من عيني ريهام المفعمة بالشفقة على تلك الحالة المزرية التي وصل لها الاثنان وقالت بإعجاب: -مراته شخصيتها جميلة أوي. وعرفت أزاي تحتوي طير حُر زيه.
اتكئ عمر على مقعده مستريحا لنجاح خطته العلاجية: -أهي دي الست ال يترفع لها القبعة بصحيح.

‏قد يُكلفك خدشًا واحدًا في الطفولة، عمرًا كاملًا من الخوف والتخبط بدروب الحياة ولكن لا نُدرك ذلك إلا بعد أن يُصبح ذلك الخدش صدعًا غائرًا. كانت مميزة جدّاً ونادرة كالجواهر‏ مما جعل لها تفاصيل لا تُغادر الذّاكرة أبدًا. يضمها لقلبه ويعتني بتلك الحورية التي تتقوس بحضنه كعصفور بنى عشه بين يديه. برضوض ثقيلة من يدي الألم يحنو عليها راجيًا بهمس:.

-حياة، افتحي عينك عشان خاطري. قومي أنا جمبك أهو. حياة…
كانت حياته جرحًا لم يكف نزيفه ف ضمَّده مجيئها لعالمه. قبل كفها المُثلج بنفس لوامة وتأنيب ضمير وبنبرة لاذعة: -قومي مش هقدر أشوفك كده. حقك عليا.
تتراقص جفونها السابحة في موج الحزن وهي ترى صورته المشوشة هامسة باسمه: -عاصي!
-حياة عاصي. أنا جمبك.

تغلغلت أصابعهما ببعض بطريقة ما تعبر عنها القلوب عن صعوبة شعور لا يوصف. شعور لا يمكن تجسيده بكلمات وحروف، بل هو شعور تائه يتتضور جوعًا عن الأمان. شعور يونسه ويتناغم مع تلك الروح المشتتة. تململت على شوك الألم وسألته: -هو أيه اللي حصل.؟
-فوقي كده وهتفهمي كل حاجة أنا جمبك أهو ومش هسيبك أبدًا.

هناك نصًا قديما احتفظت به بين ثنايا دفترها قبل أعوام وهي تناشد القدر أن يأتي برجل أحلامها: أن يَكونَ حنونًا يَعرف كيف يجعلني أطمئن بِجواره،
كأنني لم أعرف معنى الخوف أبدًا، أن لا يَهونَ عليه حُزني، يُصبح الوَنس لِقلبي بعد سنوات من الوِحدة،
أن يكون شخصًا؛ أستطيع أن أقول عنه لقد وجدتُ ما كُنتَ أبحث عنه دائمًا.

اعتدلت من نومتها بمعاناة وأخذت تتفقد ملامحه كأعمى يرى ضوء الشمس لأول مرة، مررت كفوفها الصغيرة على وجهه وسألته بعتبِ: -أنتَ سبتني ومشيت ليه؟ عاصي أحنا جينا هنا ليه، يلا بينا من هنا. الدكتور ده كل كلامه كذب مش كده!
ثم توسلت له بأعين باكية وهو تحوى وجهه بكفيها: -أنت عمرك ما كذبت عليا، قول لي أن كل كلامه كذب.

لم تمهله الفرصة كي يجيبها ولكن شدته لحضنها بقوة عاتية وهي تعتصر حزنًا وألمًا بين يديه تتأوه ترتجف. تبكي طويلًا فتعود لتقبيله محاولة تكذيب ذلك الأمر، تتوسل له أن ينهي هذا الكابوس في أسرع وقت ممكن؛ ثم عادت له وطالعت عينيه المدمعة وسألته:
-أنتَ كويس؟ مش تعبان. وغلاوة حياة عندك قول لي.

ثم وضعت كفها الذي يضخ حُبًا على قلبه لتتحسس نبضه وأردفت بثرثرة لم تمهله الرد: -قلبك لو كان ف شكة برد أنا كُنت هحس بيها. لكن مفيش الكلام ده! صح صح! طيب قوم قوم نروح لدكتور غير الكذاب ده، لالا نسافر بره نعمل شيك آب كامل.

لم يتحمل رؤيتها لهذه الدرجة من الضعف فشدها لحضنه مرة ثانية ودفن رأسها بصدره وقال متأملًا: -عمري ما اتخيلت أنك بتحبيني كده. أنت زلزلتي كل ساكن جوايا، أنا عملت أيه حلو في حياتي عشان تكوني أنت فيها.
فارقت حضنه وهي ترتجف كالمصاب بحُمى وأخذت كفوفها المرتعشة تجفف عبراته المترقرقة التي رأتها لأول مرة. فسألته وهي تلهث: -خلاص أهدى طيب. أنت كويس!

-أنا عمري ما كُنت كويس غير النهاردة. حد يشوف واحدة زي القمر كده زيك بتحبه الحب ده كله وميبقاش كويس!
عانقته مرة آخرى وهي تمسح على شعره بحنان زاخر وسألته: -أنت قلبك سليم، هو كان بيكذب عليا مش كده!
مسح على ظهرها بحنو ثم قال ممازحًا كي يلطف تلك الأجواء المشحونة بينهما: -في حد قلبه بيوجعه يخلف بالجوز كده! طيب أعقلي الكلام!

رغم عنها انفجرت بضحكة مكتومة مبطنة بنشيج البكاء وضربته في ظهره برفق بأنين: -كنت هموت عليك، هو عمل فيا كده ليه؟
غادر عمر مكتبه برفقة الطبيبة ريهام متجهًا لعندهم ثم قال بمازح: -أنا لو لقيت ست تحبني كده، هعتزل مهنة الطب والعالم كله وأقعد جمبها.
اعتدلت حياة بجلستها وهي ترمقه بنظرات ساخطة وقالت بعتبٍ:
-أنت عملت فيا كده ليه! وعاصي فيه أيه.

أشار عمر للطبيبة ريهام أن تغادر ليكسر حواحز الخجل بين الاثنين قائلًا بلطف: -نجيب لمون للمدام حياة يا دكتورة ريهام، أنتِ عايزاها تقول علينا بخلا!
تفهمت ريهام على الرحب والسعة: -حالا يا دكتور.
انتظر حتى غادرت ريهام ثم قال عمر متسائلًا: -أحسن دلوقتِ يا مدام حياه!
نظرت لعاصي مضطربه وتمتمت: -فهمني طيب!
احتوى كفها بحنان وقال: -الدكتور هيفهمك…

بدأ عمر الحديث عن حالته قائلًا: -أول يوم شفت فيها جوزك، فضل ساكت لربع ساعة مش بيتكلم لحد ما قام ولف ف الأوضة دي ولقيته صرخ وقال أنا كُنت بحب مها مراتي، بس كُنت بخونها عادي. لكن دي لا. حياة مش الست ال تتخان، أنا عايز اتخلص من العالم بتاعي كله، عايز أبقى صفحة بيضة معاها هي وبس! أنا مش عايز أخسرها بسبب غبائي وأنانيتي.

طالعته بأعين تحمل الكثير من الحب وقلب ينتفض حزنًا على عناء تلك الرحلة التي قطعها لوحده، ثم عادت لحديث الطبيب باهتمام وأكمل: -من أول جلسه لحد النهاردة السؤال الوحيد ال شاغلني هي الست دي عملت فيه أيه خلته بالحالة الجنونية دي! ولما قابلتك عرفت أنه معاه حق يخاف يخسرك.

خفق قلبها حزنًا وهي تضم على يده، فأتبع الطبيب: -بدون فلسفة طبية هكلمك بوضوح عاصي كانت مشكلته كلها أن عاش حياته بطريقة ونهج معين وفجاة قابل ال فوقته، ف بقى خايف يرجع للماضي ده تاني ويخسر كل شيء. هي جُملة مشاعر متراكمة أدت لظهور لتكون شخصيته النرجسية دي!
تمتمت بإعتراض: -أنا من وقت ما قابلته وهو شخص حنين، شوفت الحب والحنية ف عيونه، قصدي أقول أنه عمره ما لمح لي أنه شخص بيعاني من أي مشاكل نفسية!

برر الطبيب قائلًا: -لو كُنتِ قبلتي عرضه في الليلة أياها كُنتِ هتشوفي شخص تاني خالص. أنتِ خدتيه على الهادي لحد ما وصلتي بيه لبر الأمان! الأمان ال مبقاش قادر يستغنى عنه.

لاحظ الطبيب لهفتها الممزوجة بالخوف وأكمل: -متقلقيش كده، عاصي مش بيعاني من أي اضطراب نفسي ممكن أوصفه بيه، هو مش شخص سام مش مؤذي، بس هو نتاج تربية خاطئة علمته أن أي حاجة يدفع فيها فلوسه دي بقيت بتاعته ويرميها أول ما يزهق منها، بقيت دي حياته ال مش عارف هيغيرها ازاي!
غمغمت بحيرة وسألته: -ليه ماقولتش كده، كنا عدينا المرحلة دي سوا!

قبل رأسها كإعتذار بسيط منه وقال: -مش حابب تحسي بأي حاجة، كنت عايز دايمًا أفضل في نظرك عاصي ال حبتيه وبس!
فتدخل عمر وقال: -وكانت أول خطوة في علاجه هو تشتيته عن أي علاقة في حياته وعن كل حياته القديمة. ضبط للنفس زي ما بيقولوا. أنا قدامي صنية الكنافة ال بحبها بس مش هاكل منها لا. بقى رقم واحد في حياته الشغل وبس…
أومأت متفهمة: -أنا فاكرة الفترة دي.
-تسمحي لي اسألك سؤال ؛ هل كُنتِ هتقبلي تكوني زي مها!

ردت بتردد: -بصراحة لا. عمري ما كُنت هقبل أنه يكون مع واحدة غيري.
-كُنتِ هتسيبيه!
نظرت لعيني حبيبها بتشتت: -لو قبل كان ممكن أبعد. لكن دلوقتِ مستحيل أسيبه كنت هلاقي حل غير أني اسيبه، لاني مش هقدر.
مالت على كتفه وهي تضم ذراعه لصدرها وأكملت: -هي المرحلة الجاية هتكون أيه!
-أنا دوري كمختص انتهى. الدور الجاي دورك أنتِ!
ردت بحماس: -أنا! ازاي.؟

بابتسامة هادئة أردف عمر قائلًا: -أزاي دي بردو بتاعتك أنتِ، أنتِ ست ذكية وهتعرفي تحافظي عليه بطريقتك.
ثم أعلن اعتذاره الشديد: -وحقيقي أنا بعتذر منك ع الأسلوب ال اتكلمنا بيه. بس كنت مستني منك لحظة انهيار واحدة تعلم في قلبه لحد ما أجبرتيني استخدم أصعب اختبار.
تدخل عاصي شاكرًا: -دكتور عمر حقيقي أنا مش عارف أشكرك أزاي وشكرًا لذكاء حضرتك ال أجبرني أكمل علاج ف الرحلة دي لحد المرحلة دي بالذات…

تبسم عُمر قائلًا: -المفروض تشكرها هي. مش أنا…
ضمها لصدره وهي يمسح على كتفها بامتنان: -هي عارف هشكرها أزاي. نستأذن أحنا!

غادر الثنائي ذلك المركز بعد مرور ثلاثة ساعات بداخله وهذا اليوم الذي يحجزه من أوله لآخره كي لا يعلم أحد بتردده على ذلك المكان. وصل الاثنان للسيارة ففتح لها الباب كي تصعد بداخلها ولكنها أبت ولجأت لعناقه معتذرة عن كل اللحظات الصعبة التي عاشاها لوحده وبدونها. هي الوحيدة التي يمكنها أن تُنسيه تلك الأيام المُرة بدهائها وحبها الكبير ؛ تهامست قائلة: -أنتَ عملت كُل ده عشاني وعشان تحافظ على حبنا!

-أصلك لو روحتي من بين إيديا مش هعرف أعوضك تاني. اللي زيك بيجي مرة واحدة وبس ف العمر.
قطعت عليه وعدًا: -من النهاردة مفيش سر ما بينا. ف أن كل خطوة هنخطيها سوا ومع بعض لأن دي حياتنا أحنا وبس. أوعدني!
فارق حضنها وهو يسحبها صوب السيارة: -اركبي في مفاجأة على بُعد نص كيلو من هنا. وبعدين نكمل كلامنا.

استقل سيارته وقادها نحو الجهة المقصود تحت ثرثرة فضولها الذي لم يرويه بطيف الجواب حتى وصل لتلك الأرض المسورة والمتكدسة بالعُمال. وقف سيارته ثم هبط منها وفتح لها الباب، تجولت مُقلتيها بالمكان متحيرة:
-أيه ده!
اقترب قليلًا من الأرض وأشار لتلك اليافطة المُعلقة والمكتوب بها دار الحياة لرعاية الأيتام بشهقة تكاد سحبت أوكسجين المكان صارخة بفرحة لترتمي بحضه وهي تقفز كالاطفال ولم تصدق ما رأته:.

-عاصي! مش معقول لا! أنتَ قريت الأمنية دي جوة الصندوق بتاعي صح!
ثم صاحت صارخة وهي تضمه بشدة: -بحبك.
حملها ليدور بها بالمكان بسعادة تسور قلوب الاثنان حتى وقف أمام بعضهما وهي تعانق حلمها بأعينها المتلألأة فأكمل قائلًا: -ع فكرة، أنا مدفعتش ولا مليم، المكان كله بتاعك وباسمك.
-ازاي؟

طوق خصرها وقال: -أنا بعت الدهب ال ف البحر، واشتريت بيه المكان ده. بصراحة فكرت كتير نعمل بيه أيه، أنا ومش محتاج فلوسه. وأنتِ مش محتاجاه. فقررت أني أحقق لك الحلم الجميل ده.
تفقدت المكان بأعين مستشرق وكأن شمسها أشرقت من بين عينيه ثم نظرت إليه: -أنت حلمي الجميل يا عاصي ال سعيدة أني حققته…

من أي نجم نسّجت عينيك التيسرقت قلبًا تابَ عن الحُب. داعب خصلات شعرها بحب ذائبًا بملامحها الجميلة التي يجب أن تكون كبوصلة لكل تائه: -وأنتِ حياتي الجميلة.
ثم مال على آذانها متهامسًا: -كده مش باقي غير حاجة واحدة وبس!
-هي أيه؟
غمز لها بطرف عينه وقال: -هتعرفي ف وقتها…
تعلقت بعنقه معترفة بتلك النبرة المُشيدة بحالة قلبها بأنه لم يبقى جُزء صغير بجسدها إلا وقد امتلأ بك: -أنا بحبك.
-وأنا أختصرت حياتي ف حُبك.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *