التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثامن عشر

(ميرنا)
توقفت سيارة امي اولاً امام باب المنزل الداخلي وتوقفت سيارتي بعدها. وتوقف قلبي ايضاً. وضاقت انفاسي من دون سبب. نزلت وحدقتاي تراقب بجمود سيارته الواقفة. والخالية منه، اذاً فهو بالداخل!
نزلت امي وحدقت بي بترقب بينما انا اكتفيت بأخذ نفس عميق جداً اضبط به توازن جسدي وتقدمت خطوات ثابتة وصامتة بأتجاه الداخل دون ان ابدي اي ردة فعل او اعلق بشيء!

دخلت بعيون خالية من اي لهفة وقلب سيطرت عليه ان لا يصدر تلك النبضات الغبية كلما لمحت شكله او سمعت صوته!
نهض من مجلسه ما ان رآني وادخل يديه في جيوب بنطاله وزفر بضيق. هل هو جاد؟ بعد موقفه الساذج والغبي هو الذي يغضب؟
تقدمت له بهدوء وملامح خالية من اي تعبير وبقينا نحدق احدنا بوجه الاخر بصمت لعدة ثواني الى ان كسرت انا واخيراً هذه الاجواء بينما اقول: – ظننت انك مشغول ولديك عمل تعجز عن تركه. فلما اتيت؟

كز على اسنانه بغيظ بينما يجيبني: – كفى تصرفات طفولية ميرنا!
اغمضت عيناي بنفاذ صبر ثم نظرت له بحدة بينما اقول: – انا لست طفلة. وتوقف عن معاملتي كالاطفال كلما حاولت ابداء رأي. انت حتى لاتستمع لي بجدية!
فهتف بي بضيق: – هذا كله لأني لم استطع الخروج معكِ؟

وفي هذه الاثناء دخلت امي فقطعنا حديثنا مع بعضنا فوراً وكلانا اشاح وجهه من جهة، تقدمت امي الينا ووضعت يدها خلف ظهري والقت التحية على سيف مدعية عدم معرفتها بما يجري. اجابها بينما عينيه ترتكز على يدها التي تستكين على ظهري: – اهلاً بكِ سيدة سلوى!
نظرت امي إلى وقالت: – سأصعد لأغير ملابسي!

اومأت برأسي بصمت فتركتنا امي وصعدت نحو غرفتها. وما ان اصبحنا بمفردنا حتى نظر إلى وضيق عينيه بتشكيك وهو يقول: – يبدو ان علاقتكما لم تعد كما كانت!
نظرت له قليلاً قبل ان ارد: – اجل، أيزعجك هذا بشيء؟
بقي يحدق بوجهي بجمود ثم قال بأقتضاب واختصار: – لا. وهذا ليس موضوعنا من الاساس
فتمتمت بسخرية: – وكأن موضوعنا يهمك بشيء!
– يهمني. وكثيراً ايضاً!

وعاد ذلك الغبي لينبض من جديد. حاولت اخفاء ارتباكي وانا اشيح ابصاري المقتضبة جانباً اسعى لأخفاء ضعفي امامه، ولكن قلبي لم يهدأ من جنونه. بل ازداد الامر سوءاً وانا استشعر بكف يده الدافئ يستكين فوق خدي وادار رأسي بلطف اليه ليجبر ابصارنا على الالتقاء، وكم اعشق تلك الرموش الكثيفة التي تحيط عيناه الواسعة وهو يحدق بي. كم اعشق كلماته الباردة التي يرفض دائماً ان يعترف كم تحمل من دفئ بينها اتجاهي!
– ميرنا؟

وهذه صفة اخرى اعشقها به. عندما ينادي اسمي وانا ذاتاً بجانبه ولم ابتعد عنه بعد، ألا تلاحظون اني اعشق كل شيء به؟
نظرت بعينيه من دون تعليق فعاد لمناداتي مرة اخرى، اغمضت عيناي بأقتضاب. لاتضعفي. لاتضعفي. لاتضعفي.
– نعم؟
حمقاء. ساذجة، ضعيفة، أهناك صفة اخرى من الممكن ان تنطبق على اكثر؟
– احبكِ!
فتحت عيناي على اوسعها وانا اقابل عيناه القريبة مني فأكمل فوراً:
– ألا يغنيكِ حبي عن كل شيء؟

تشوشت رؤيتي بسبب طبقة الدمع الخفيفة تلك التي كست لي عيناي وانا اجيبه:
– تغنيني عن العالم بأسره. ولكن ليس عنك!
قطب حاجبيه بعدم فهم فرفعت يدي لأجعلها تستكين فوق يده التي يبسطها فوق خدي واكملت بصوت ضعيف:.

– حبي لك ليس كافياً ليجعلني اعيش نفس التعاسة، تعلم كم يؤذيني اهمال والداي لي بسبب العمل وسعيهم لجمع المال، عانيت طوال حياتي من وحدتي ولا اريد ان اكمل ما تبقى لي بنفس الوحدة، لا اريد رجل يفضل عمله على اسرته كما يفعل ابي، اريدك ان تكون لي قبل ان تكون لعملك، وانت لا تستطيع ذلك، وانا سأعجز عن التحمل!
بدأت عيناه تتوسع شيئاً فشيئاً وتمتم بتردد:
– ماذا. تعنين؟

– هل الحب سيكون كافياً يا سيف ليملأ الفراغ الذي ستخلقه بغيابك؟ أستكفيني كلمات جميلة ترسلها لي برسالة نصية لأن عملك منعك من القدوم إلى لتقولها؟ تحملت هذه الحياة لسنين طويلة ولم تعد لدي القدرة لأتحملها اكثر. اريد ان ابدأ حياة جديدة يا سيف. ولكن ليس ان اكررها نفسها مع شخص مختلف!
– ميرنا، لاتفعلي!
اغمضت عيناي وهمست بألم:
– سيف ارجوك!
فهتف بي:
– لن اسمح لكِ!
ثم احاط وجهي بقوة تكاد تكون قسوة وهو يهتف بي:.

– انا لن اخسرك. هل فهمتني؟
بقيت احدق بعدم استيعاب في عينيه. ذلك الخوف الذي يغزوه. الارتباك. يديه المرتعشة، هذا الرجل اما واقع بغرامي بجنون. او يسعى لجعلي اعشقه بجنون اكثر، وفي كلتا الحالتين، انا الطرف الساذج دائماً!
قربني اليه وطبع قبلة طويلة فوق جبيني وهو يهمس لي:.

– لن يكون العمل اهم منكِ اقسم لكِ. كل ما هنالك ان اليوم واجهتنا مشكلة معقدة وكنت سيء المزاج كثيراً. لذلك كنت غبي بردي عليكِ بتلك الطريقة!
كفكفت دموعي وانا اقول:
– لا تقل غبي!
تبسم فوراً بسعادة ولكني اغتلت ابتسامته هذه وانا اكمل فوراً لأغيظه:
– بل قل احمق ومعتوه!
ضربني بخفة فوق رأسي وهو يقول:
– أتعلمين اني اكرهك يا مستفزة؟
– لا بأس فأنا ايضاً اكرهك!
– حسناً. ولكن سنكره بعضنا ونتزوج ولن تعارضي.

– ولما اعارض زواجنا وانا اكرهك؟
– هذا جيد.
حدقنا داخل عيون بعضنا لثواني ثم فجرنا ضحكتنا المكتومة بداخلنا، اجل. كالاطفال المجانين بالضبط!
رفع يدي اليه وهو يطبع قبلة اخرى ثم وضعها على خده وقال:
– اعشق قلبك الابيض!
– بل تستغل قلبي الابيض!

كنت اتوقعه سيجيبني، كنت اظن انه سيدرك جيداً اني امازحه، لم اتوقع ولو للحظة ان يطيل النظر داخل عيناي. بألم! ألم لم افهم سببه، أسى لم ادرك مغزاه ألا بعد فوات الاوان، الامر الذي جعلني اتسائل احياناً، هل القلب الابيض نقاء؟ ام سذاجة؟

وقفت امام المرآة بأبتسامة عريضة وانا احدق بفستاني الذهبي القصير ذو الطبقات العديدة الذي ما ان رأيته في المتجر حتى اصريت على اخذه رغم اعتراضات سيف لأنه كان يعلو فوق ركبتي بقليل، يااللهي كم اعشقه ذلك الغيور المجنون!.
– تبدين فاتنة!
رفعت بصري في المرآة لأحدق بعينا والدتي التي تقف خلفي. تبسمت بلطف وانا اقول:
– شكراً لكِ امي!

اقتربت مع تلك العلبة الحمراء في يديها وفتحتها لتستخرج عقد ماسي احاطت به رقبتي ثم انزلت يديها لتستقر على اكتافي ووجهها مغروس بين خصلات شعري بينما عينيها مغمضة بألم، سكنا للحظات عن الحركة والكلام. ثواني وسمعت همستها تخترق مسامعي:.

– اذكر ذلك اليوم جيداً، اليوم الاول الذي حملتك فيه بين ذراعي، اذكر المرة الاولى التي ركضتي إلى عندما بكيتي. والمرة الاولى التي نطقتي فيها ماما! واليوم انتي بفستان خطوبتك. وما بين ولادتك وزواجك لم استطع ان اصبح لكِ الام التي تتوقعيها!

شعرت بألم قوي في حنجرتي سيدفع بالدموع خارج عيناي فوراً، تمنيت ان اجيبها بشيء، ان اخفف عنها عذاب الضمير الذي بدأ يجتاحها مؤخراً اتجاهي. ولكني وجدت نفسي صامتة فجأة استمع اليها فقط، وكأني احتاج كلماتها هذه لأخمد بها ألمي من تجاهلهما لي طوال سنوات، وكأني ايضاً احاول فتح صفحة جديدة معهما كتلك التي تحاول فتحها معي!
– ماهذه الدراما السخيفة انتما الاثنان التي ستجعلني ابكي ويفسد كل تبرجي!

التفتنا كلينا بأتجاه الخالة روجينا التي اقتحمت علينا الغرفة فجأة بفستانها الازرق الطويل، ضحكت بخفة ومسحت طرف الدمعة التي حاولت التملص من بين حدقتاي وقلت لها بأبتسامة:
– هل عليكِ ان تفسدي اللحظات الجميلة دائماً؟
اقتربت منا وعانقت كلينا اليها وهي تقول بمشاكسة:
– لا جميل سواي يا حمقاء!
دفعتها امي عنا بضحكة وهي تقول:
– اخشى ان تكون نهاية ميرنا مثلك!
كتفت يديها امام صدرها وهي تقول:.

– لا اظن ان ابنتك الحمقاء ستنال شرف ان تكون مثل روجينا العظيمة!
هزت امي رأسها بيأس وهي تقول:
– سأخرج قبل ان ارتكب بها جريمة وافسد لكِ حفلة خطوبتك!
ضحكت بقوة على التناقض الذي يربط هاتين الامرأتين ببعضهما رغم انهمت شقيقتان!.
التفت إلى الخالة روجينا فور خروج امي وغمزت لي بعينها وقالت:
– اذاً. سيف؟
احمر وجهي فوراً وانا اقلب بصري في الارجاء واتمتم بأرتباك:
– حسناً. هو في الحقيقة.

ثم نظرت اليها وهي تراقب عيناي بمكر فضحكت وقلت:
– هيا كفاكِ. تعلمين اني احبه!
– اجل. ولكن لم اعلم ان ذاك الاحمق يحبك ايضاً!
حسناً انا اعلم ذلك. فلما قلبي يبدو كأنه سمعها للمرة الاولى؟ غريبة الاطوار بالفعل!

(سيف)
نصف قلبي يكاد يمتلك جناحين ليطير عالياً من السعادة، والنصف الاخر يتهشم داخل صدري عما انا بخضمه، تمنيت ان يكون يوماً كهذا يربطنا من دون نوايا داخلية اضمرها، ارتبط بها لأني احبها لاغير. وليس من اجل خطتي في الحصول على ثروتها!
– حضر رأفت!
اغلقت ساعة يدي ورفعت بصري بأتجاه امي التي تقف برصانة عند باب غرفتي. اومأت لها موافقاً من دون تعليق فأردفت هي:
– يحزنني اني لن اتمكن من الحضور!

التفت بأتجاه المرآة ارتب خصلات شعري بينما اقول ببرود:
– لا اظنك مهتمة بحضور مسرحية هزلية امي!
– اعلم ان ما يحصل يؤلمك!
اغمضت عيناي بأستياء احاول ضبط كلماتي من الخروج ثم التفت اليها بأقتضاب بينما تكمل:
– ولكننا احياناً نضطر لفعل ما يؤلمنا كي نستمر!

وقبل ان اجيب استدارت بهدوء ورحلت، اعلم ان الامر يؤذيها اكثر مني فهي لاتريد ايذاء ميرنا بهذا الشكل. ولكن كما قالت، نحن مضطرين احياناً لفعل ما يؤلمنا كي نستمر فقط!.
خرجت نحو الصالة فوجدت رأفت يجلس هناك يحتسي قهوته بأنتظاري!
– هل نرحل؟
نهض من مكانه واغلق زر سترته وقال:
– اجل، ولكن ابتسم. وجهك كمن يحضر عزاء وليس حفلة خطوبته!
تمتمت بينما اسير بأتجاه الباب:
– سأبتسم حين اراها فقط!

نزلت الى اسفل البناية ورأفت يتبعني وركبت سيارته لننطلق بأتجاه منزلها، اميرتي!
مر الطريق بصمت من دون كلام يدور بيننا. فرأفت يشاركني بؤسي فيما يحصل. ربما سنوات مراقبتها جعلته يشفق عليها ايضاً!
وصلنا الى هناك وراقبت عيناي الباردة تلك الانوار التي تشع من حديقة المنزل وصوت الموسيقى المنبعث، لم يدرك احد فينا ان هذه الموسيقى ستتحول لترانيم عزاء بعد لحظات!

فور دخولنا لاحظتني ميرنا التي تقف وسط الحديقة مع سلوى وروجينا وبعض السيدات الاخريات، ارتسمت فوراً ابتسامة طفلة مشاكسة فوق وجهها وتقدمت نحوي فوراً بفرحة، بفستانها القصير ذاك الذي يستفزني ولكني مجبر على تحمله بسبب عنادها!
صافحتني ولكني لم اسمح لها بسحب يدها بل بقيت متمسك بها وسحبتها نحوي لأوقفها بجانبي وانا احوط خصرها واقول:
– دعيني اعرفكِ، هذا صديقي المقرب رأفت!
اومأت له بأبتسامتها البريئة:.

– مرحباً سيد رأفت. تشرفت بمعرفتك!
– اهلاً بكِ انسة ميرنا، مبارك لكما!
ثم رمقني بنظرة كنت ارمقه بمثلها. فكلانا يموت من حماسها الطفولي والفرحة التي تعتريها في هذه اللحظة!
التفتت نحوي بعيونها المشرقة وقالت لي:
– لقد تأخرت!
– اشكري ربكِ اني اتيت ولم اغير رأي!
ضحكت ووضعت يدها على خصرها وهي تقول:
– هكذا اذاً؟
قرصتها من يدها وانزلتها بعنف وانا اهمس لها بغيرة مكتومة:.

– يكفي اني اتحمل فستانك السخيف. اتركي هذه الحركات الساذجة وقفي بأحترام!
بقيت تحدق داخل عيناي بأبتسامة عميقة وكأنها مستمتعة بنار الغيرة التي تحرقني!
– واخيراً حضر امير الحفلة!
التفتنا بأتجاه روجينا التي قالت فوراً:
– متى كنت تنوي الحظور استاذ سيف؟ ربما لو ارسلت الخاتم بيد احدهم افضل من اجهاد نفسك بالحضور!
ضحكت على مزحتها ومددت يدي للمصافحة وانا اقول:
– مرحباً انسة روجينا!

صافحتني وهي تقلب ابصارها خلفي وتقول:
– هل اتيت وحدك؟
– وهل كنتِ تتوقعين ان احضر معي احدهم؟
– اعني. اسرتك على الاقل!
– انا اعيش وحيد انستي!
اومأت بصمت وهي ترمق ميرنا بنظرة لم افهمها. ولااظن ان حتى ميرنا قد فهمتها. ربما روجينا فقط من كانت تعرف ما تقصد!
بدأت مراسيم الحفلة من ارتداء الخواتم الى الرقص مع بعضنا الى تناول العشاء الجماعي، مراسيم لم يكن يهمني منها احد سوى ميرنا وعيونها اللامعة وهي تراقبني!

وفجأة اخترق مسامعنا ونحن نتحدث مع بعضنا صوت ابيها وهو يتقدم الينا. مد يده بادئ الامر لي وصافحني. ولكنه لم يكتفي بمصافحة عادية. بل ضغط على يدي بقوة وكأنه يحاول جعل انتباهي كله يشتد اليه ووضع يده الاخرى فوق ايدينا المتعانقة وقال لي:
– لا داعي ان اوصيك بالامانة التي سأبدأ من اليوم استوداعها لديك!
تبسمت وانا اقول:
– لا تقلق سيد ادهم. سأحافظ على ميرنا كما احافظ على نفسي!

التفت نحو ميرنا التي كانت تعلق عينيها بعينيه بتردد وتبسم بدفئ وهو يضع يده فوق خدها ويقول:
– تعلمين اني سعيد من اجلك حبيبتي!
تبسمت ميرنا له وقبل ان تكتمل سعادتها او تنطق حروفها اغتال لها ادهم هذه الفرحة وهو يقول بندم:
– انا مضطر لترك الحفلة الان عزيزتي!

فجأة احتل الاحباط تلك العيون العسلية المشرقة وشاهدت قبضتها تعتصر شيئاً فشيئاً وكأنها تحاول البقاء ثابتة بينما ترفع زاوية فمها بأبتسامة مريرة وتقول بضعف:
– لست متفاجئة بهذا ابي!
– انه اجتماع مهم حبيبتي!
– كالعادة!
اخذ نفساً عميقاً ولم يجادلها بينما هي اشاحت ابصارها جانباً، يبدو ان هذه النقاشات اصبحت عقيمة في منزلهم!

سار ادهم بصمت عنا فشاهدت عيون ميرنا البائسة التي تلتمع ببعض دموع خيبة الامل تراقبه بسرية، امنية مكتومة تخشى الافصاح عنها، توقع مشؤوم متأكد انه يجتاحها الان وهي تراقب ظهر ابيها وهو يرحل، ربما يوماً ما ستراقبني ايضاً وانا ابتعد عنها بحجة العمل في اهم لحظات حياتها!
قربت رأسي من رأسها وانا استند بجبيني على جبينها كي انسيها كل مايدور حولنا من خيبة امل وحزن وقلت لها بأبتسامة:.

– أتسمحين لي بهذه الرقصة اميرتي الجميلة؟
تبسمت وقد نجحت بأنتشالها فوراً مما هي فيه وقالت لي بصوت ضعيف:
– سيشرفني ذلك سيدي النبيل!
وبأشارة من يدي فهم العازفون مااتفقت عليه مسبقاً معهم وبدأو بعزف مقطوعة بحيرة البجع. شهقت ميرنا بتفاجئ وضحكة ونحن نبدأ بالرقص وقالت بينما يدها تستكين فوق صدري ويدي تلتف على خصرها:
– انها المقطوعة التي رقصنا عليها اول مرة، يااللهي كم اعشقها!
تبسمت وانا اقول:.

– اجل. اعلم كم انتِ مهووسة بها منذ طفولتك!
رفعت ميرنا رأسها دفعة واحدة نحوي وبدأت ابتسامتها تختفي تدريجياً وجسدها يتباطئ عن الحركة وهي تسألني:
– كيف عرفت اني احبها منذ صغري؟
وهنا ابتسامتي انا من بدأت تتلاشى مع الغباء الذي تفوهت به، قلبت عيناي داخل عيونها التي اكتست بالبرود فجأة وكأنها تقول هل ستنكر هذه المرة ايضاً؟! ، حاولت اضفاء عدم الاهتمام على نبرتي وانا اقول:
– انتِ من اخبرتني!

انا لا اذكر انها قد اخبرتني او لا، ولاهي تتذكر هذا ايضاً. ادركت ذلك من نظرة الشك التي اعتلتها وهي تراقبني بصمت!
– بك شيء غريب!
– اعلم!
– لما لاتخبرني به؟
– ميرنا، قلت لكِ اني سأخبرك كل شيء. ولكن ليس الان!
زفرت بضيق وصمتت كعادتها تعلن استسلامها بسهولة امام مناقشاتنا، ضعيفة وساذجة كعادتها!
بدأنا نتناول اطراف الاحاديث في ما بيننا ولكن اشعر ان عقلها مشتت وتماشي حديثي فقط!

وفجأة بعد نصف ساعة تقريباً رفعت بصرها من فوق كتفي وتوقفت قدماها عن الحركة بينما عيناها تتسع اكثر. بقيت اراقبها بعدم استيعاب الى ان شاهدت شفتاها تتمتمان:
– امي؟

استدرت لأرى ما يحصل وفور استدارتي انسابت ميرنا من بين يدياي وركضت. سرت خلفها بسرعة وانا اشاهد سلوى في مكان منعزل في الحديقة تقع على قدماها تبكي بهستريا والهاتف بين يديها بينما روجينا تحاول جعلها تنهض وتفشل فتكتفي هي الاخرى بالبكاء، وصلت ميرنا اليهما وقالت بخوف:
– ماذا هناك؟! ماالذي يحصل؟

نظرت روجينا نحونا بعيونها الحمراء بينما تضم سلوى الى صدرها تكتم صرخاتها هناك، كانت تحرك عينيها بتشتت ما بيننا لا تعرف ماتقول وفجأة صرخت بها ميرنا:
– تحدثي! ماالذي حصل؟
وقفت روجينا بصعوبة وتقدمت ببطئ نحو ميرنا وكأنها تحاول اللحاق بها فور ان تسقط وقالت لها بحروف بعثرها البكاء:
– ميرنا، ابيكِ.
سكنت ميرنا عن الحركة، سكنت انفاسي عن الصعود، احسست بالارض تدور بي وانا استمع لبقية جملة روجينا:.

– لقد تعرض لحادث. يبدو انه مات على اثره!
لم تصرخ ميرنا، ولم اتحرك انا، كل ما خطر على مخيلتي هو شريط طفولتي مع ادهم، عمي الوحيد، كل ما تذكرته هو لقائي الاول به بعد رجوعي! لااعلم لماذا نبدأ بحب والشفقة على الاموات فوراً متناسين كل اخطائهم!
لم اشعر بشيء سوى بجسد ميرنا ينساب امامي لتقع على الارض مغشياً عليها في عالم اخر بعيداً عنا، عالم تمنيت لو اني الحق بها دون ان اتركها بمفردها فيه!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *