التخطي إلى المحتوى

رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل السادس عشر

كارل: خرجت من غرفة تبديل الملابس بعد ارتداء الزي الرسمي الموحد للعمل، أسرعت إلى ركن الاستقبال لأستقر في مكاني المعتاد بجانب زميلي الذي تساءل بحيرة: ليس من عادتك التأخر كارل.
سألته بإهتمام: هل سأل رئيس شؤون الموظفين بشأني؟
غمز لي مبتسماً: لا تقلق لم يظهر بعد، الأهم أنك هنا.

جيد. اضطررت للتأخر قليلاً بسبب مساعدة لاري في بعض المسائل كما ان دانيال وأبي قد خرجا إلى الآنسة كتاليا لزيارتها في المشفى لذا ترددت بشأن ترك لاري وحده. من الجيد أنها ستخرج في الغد آمل أنها بخير حقاً.!
تنفست الصعداء وبدأت عملي لأستقبل زائر للفندق بدى رجلاً في نهاية عقده الخامس، كنت أنهي الحجز الخاص به عندما لفت انتباهي صوت بالقرب منا هناك حيث بهو الفندق تحديداً في نهاية قاعة الانتظار.

كان أحد العاملين يدفع حقائب عائلة من زوار الفندق وقد توقف بإستنكار ينظر حيث الضجة هناك قبل أن يُلقي علينا نظرة حيرة فبادلناه إياها بعدم فهم، يبدو انه يوجد شجار هناك!
بهو الفندق ضخم ولم تكن أصواتهم واضحة ولكنها عالية وملفتة. تحرك رجل الأمن ليتدخل بينما استكملنا عملنا، تمتم زميلي وهو يسند جذعه بطريقه عكسية على ركن الاستقبال خلفه: آه أشك بأن رجال الأمن قادرين على التدخل بينهما.

ضيقت عيناي أحاول التركيز قبل أن أسأله: من تقصد بحديثك؟ من يكونان؟ رجل وزوجته؟
رفع حاجبه الأيسر بتهكم: لا يمكنك أن تكون جاداً! انظر إلى الفرق بينهما كيف يكون ذلك الرجل زوج لتلك الفاتنة! إنها عارضة مشهورة جداً لا يمكن أنك لم ترى صورة لها ولو صدفة! صحيح أن وجهها يصعب رؤيته الآن بسبب نظارتها الشمسية وقناع الوجه ولكن من السهل تمييزها من بين عشرات النساء فوراً!
نفيت برأسي بعدم اكتراث: فهمت.

اعتدل في وقفته عندما تقدمت إحدى الزائرات نحوه ليبدأ في تقديم الخدمة ولكنه تسمر في مكانه وكذلك فعلت عندما غيرت اتجاهها نحوي.
ابتلعت ريقي بصعوبة وأخفضت ناظري فوراً بينما ارسم ابتسامة رسمية عملية لأسألها عن نوع الخدمة لتجيبني بكلمات بطيئة: سأحجز غرفة في الجناح الغربي المطل على الشاطئ مباشرة من فضلك.

شعرت بإضطرابي المعتاد بينما أسرع من عملية الحجز أحرص ألا اتواصل معها بالأعين لفترة طويلة وقد كانت نظرات متقطعة سريعة جداً.
همس لي زميلي بينما يغمز بمكر وخبث: لست سهلاً أبداً يا رجل. توقف عن سرقة الزائرات!
همست له بصوت خافت محذر: كفاك سخفاً.
أجفل كلانا وكذلك المرأة لتستدير خلفها تحدق إلى مصدر الصوت الذي زاد علوه!

استنكرت بشدة عدم قدرة رجل الأمن على فعل أي شيء! بل ما فاجأني هو وقوفه مكتوف الأيدي بينما بدى لي ذلك الرجل البدين هناك يسحب تلك المرأة يجرها من يدها اكراهاً وهي تحاول التملص منه دون جدوى!
نظرت من حولي وقد انتابني الإشمئزاز لعدم تدخل أي شخص!
سألت زميلي بغيظ شديد: لماذا لا ينادي المزيد من رفاقه من رجال الأمن! بيلي هل سيترك الجميع ذلك الرجل يتمادى في معاملتها!

زفر بيلي يرفع كتفيه: أنت لا تفهم، أخبرتك أنها عارضة مشهورة ويمكنك أن تخمن مكانة ذلك الرجل برفقتها! أنظر بنفسك إلى رجال الأمن! من منهم يجرؤ على لمسه؟ هل تعي صعوبة الموقف؟
نظرت إليه بعدم تصديق فابتسم لي بلا حيلة والتفت ليتحدث إلى أحد الزوار ببساطة.
أكملت عملي والشعور بالإزدراء لا يزال يعتريني بشدة. رفعت عيناي نحوهما فوجدته يسحبها بقوة حتى فقدت توازنها.

عضضت على شفتي بقهر وقد انتابني الغيظ الشديد! لن يتدخل أي شخص خشية أن يمس مصالحهم العملية أي سوء؟ سيشاهدون هذا العرض دون فعل أي شيء؟ فقط لأن ذلك الوغد الجبان يتعرض لإمراة بينما يكون رجل ذو مكانة مرموقة؟ فقط؟
ضربت بعصبية بيدي على فأرة الحاسوب أحاول تمالك نفسي، وما ان انهيت عملية الحجز حتى خرج صوتي متهدجاً بانزعاج: تم حجز الغرفة 241 في الجناح الغربي، تفضلي.

عقدت حاجبيها تستنكر أسلوبي ونبرتي، وما ان غادرت حتى نظرت إلى بيلي بحدة: لن يتدخل رجال الأمن وسيتركوا الأمور على ما هي عليه؟
جلس بيلي ينهي حجز الزائرة وهو يتمتم بتركيز: سيخرجها معه على ما يبدو، ما ان يخرجا حتى تعود الأمور على طبيعتها لا تقلق سيعم الهدوء بعد قليل.
نهرته بحزم: لا يمكنك أن تكون جاداً! ماذا لو. قام بفعل شيء ما لها! سيكون الأوان قد فات حينها!

كاد يجادلني لولا أن تفاجأنا وكذلك الجميع لصوت صراخها، اتسعت عيناي وجفت الدماء في عروقي أراه يجر شعرها بعنف ويسحبها معه.! لا أدري كيف ومتى ولكنني خرجت من ركن الاستقبال ووجدت نفسي أقترب منه بخطوات سريعة. تجاهلت بيلي الذي ينادي بإسمي محذراً حتى استقرت قبضتي على وجه الوغد ليفقد توازنه ويجثي على الأرض بعدم استيعاب.!
شعرت بجسدي يعود إلى الوراء مدركاً لوجود بيلي الذي سحبني للوراء بقوة.

تنفست كالهائج في حين سالت الدماء من أنفه ورفع عينيه الداكنة يحدق إلى بسخط.
مجرد حثالة بدى في عقده الرابع، ممتلئ بعض الشيء وقد كان عريض المنكبين، انكمشت العارضة على نفسها مبتعدة بضع خطوات للوراء وهي تمرر يدها على رأسها بألم.
همس لي بيلي بغيظ شديد: لماذا تهورت بحق الإله! لن يتركك وشأنك!
وقف الرجل يتوازن ليقترب مني وقد زمجر بسخط: أيها النكرة سأرسلك إلى الجحيم! كيف تجرؤ؟ من تظن نفسك!

ابعدت بيلي بعنف وتساءلت بحدة: ومن تظن نفسك لتمارس سلوكياتك الهمجية على الملأ!
اقترب بيلي مهدئاً ليقول له بجدية: عذراً سيدي سوف نصلح الوضع حالاً.
نظرتُ بدوري إلى رجال الأمن بإزدراء وقلت بحدة اتجاهل نظرات الزوار والجميع من حولي: ما هي وظيفتكم تحديداً! من الذين تقومون بحمايتهم؟ هل هناك من نمارس عليه القانون وآخرين نستثنيهم! فقط لأن هذا الجبان ذو منصب أو مكانة؟ هل هذه شيّمكم بحق الإله!

اطرقوا برؤوسهم وأشاح كل منهم بوجهه بعيداً، استمر بيلي يحاول اقناعي بالتزام الصمت ولكنه سرعان ما أجفل وكذلك وقفتُ بعدم استيعاب أسمع صراخ العارضة وقد هوى ليهجم عليها وهو يصرخ: هل هذا ما تريدينه؟ ادعاء الضعف أمام الرجال لتصبحي محط أنظارهم!
أمسك بها بعنف مرة أخرى لتنفعل باكية محاولة التخلص منه، فقدت أعصابي واقتربت منه لأسحبه نحوي ألكمه بقوة فتركها فوراً.

انتابتني رغمة جامحة لأشفي غليلي فوجدت نفسي أدفعه لأطيحه أرضاً أستكمل لكمه. حتى عمت الفوضى أرجاء قاعة الانتظار حتى تجمع رجال الأمن كافة ليحيلوا بيننا.!

أنتَ مطرود كارل، غادر الفندق ولا تعد مجدداً، لا تفكر حتى بالمرور أمام الفندق ولو بمحض صدفة
كانت آخر الكلمات التي تهاوت على مسامعي بعد سيل من الكلمات المليئة بالعذل والعتاب من ادارة الفندق.
حاول بيلي الوقوف إلى جانبي وهو يقنع رئيس شؤون الموظفين دون جدوى، وفي الحقيقة لم أحاول مجادلتهم وانما بقيت أنصت بصمت تام في مكتب الادارة أسمع كلماتهم المسمومة التي انتهت بفصلي من العمل.

خرجت من مكتب الادارة وقد رأيت بيلي يتبعني، سألني بحزم ولوم: أخبرتك الا تتدخل! هل رأيت ما هو قادر على فعله لك الآن؟ تم طردك ببساطة! هل سألك أياً منهم لماذا قمت بضربه؟ بالطبع لن يفعلوا!
أعقب يستوقفني وهو يسحب ذراعي: كيف ستتدبر أمورك الآن؟
تمتمت على مضض: سأتصرف.

أعقبت بجفاء اسحب يدي لأكمل طريقي: على الأقل لم أقف مكتوف الأيدي. إنه مجرد جبان لا يجرؤ على سحق حشرة! يتباهي بأمواله ويستعرض قوته على تلك الفتاة. هل وقف الجميع بلا حيلة أمام شخص مثله؟ البحث عن عمل آخر أفضل مئة مرة من العمل مع حفنة من الجبناء.

تنهد بلا حيلة ومشي بجانبي ليدخل المصعد معي قبل ان يبتسم بضمور: لقد فاجأتني، كنت تبدو دائماً من النوع الحليم الهادئ ولكنك تحولت إلى رجل شرس لا يبصر، أعتقد أنني أثني عليك. ما فعلتَه أنت كان صواباً.
ربت على كتفي: ستجد مكاناً أفضل، رقم هاتفي بحوزتك اتصل بي ان رغبت في أي مساعدة.
زفرت امرر يدي على عنقي قبل ان أبتسم له بهدوء: لا بأس لا تقلق.

اسرعت بتغيير ملابس العمل لأرتدي ملابسي وأغادر المكان اتجاهل شعور الضيق الذي يعتريني، هذا ما ينقصني الآن! أن يتم طردي في الوقت الذي نحتاج فيه إلى كل فلس لتسديد ديون العائلة.!
علي البحث عن مهنة أخرى في أسرع وقت.
فقط لو كان هناك عيادات بيطرية بشواغر وظيفية مناسبة! حينها سأوظف كل جهودي في المجال الذي درسته.!
مررت يدي في شعري وانعطفت يميناً أعبر بوابة الفندق المؤدية إلى الساحة الخارجية.
أرجو المعذرة!

وقفتُ بإستغراب التفت للوراء بتردد حين تهاوى على مسامعي صوت أنثوي.
امرأة طويلة القامة ترتدي نظارة شمسية وكمامة لتخفي نصف وجهها، إنها. تلك العارضة!
نظرت من حولي أتأكد من توجيهها الحديث إلى قبل أن أقول بهدوء اخفي اضطرابي لأكمل مستديراً طريقي: عذراً لا وقت لدي.
علي أن أنسحب فوراً.!

سمعت خطواتها وقد كان كعب حذائها العالي يطرق على الأرض بخفة لتتبعني وتقول بالحاح: لحظة من فضلك أنا لم أشكرك على ما فعلته! أنا حقاً ممتنة لتدخلك! لماذا تخرج الآن أرجوك لا تخبرني أنه تسبب بفصلك من العمل! انتظر توقف قليلاً!
أسرعت في طريقي بخطى واسعة وقلت بهدوء: انتهى وقت مناوبتي. سأغادر.

ولكنها أصرت تتبعني وقالت بعدم اقتناع: أعلم جيداً ما سيفعله ذلك الجبان لا بد وأنه تسبب بالمشاكل لك أنا حقاً أسفة! امنحني فرصة من فضلك أريد التحدث معك!
وقفتُ دون أن أستدير فأسرعت تتحرك لتقف أمامي وتواجهني، أشحت بناظري وقد اصابني تماس كهربائي شديد وتنحنحت بصمت.

اتخذت بدوري خطوة للوراء وقلت دون أن أنظر إليها اتظاهر بالنظر من حولي: لا بأس فعلت ما كان ينبغي على فعله، لا داعي للإعتذار انا على عجلة من أمري.
كدت أتحرك لأتجاوزها ولكنها أسرعت تقول برجاء: ليس بعد! أنا لم أعتذر بطريقة مناسبة ولم أشكرك كما ينبغي، م. من فضلك أريد رقم هاتفك أنا بحاجة إلى التحدث إليك في وقت مناسب، أعلم جيداً أنه قام باستغلال منصبه وتسبب بفصلك، أياً يكن أنا بحاجة إلى رقمك حالاً!

تفاجأت بقولها وقد أخرجت هاتفها من حقيبتها بسرعة لتقول بالحاح بالغ: لا أستطيع تجاوز الأمر وكأن شيئاً لم يكن لا يزال على الاعتذار بطريقة لبقة. ما هو رقمك؟
طرفت بعدم استيعاب وأسرعت أنفي برأسي لأبتعد: لقد. وصلني اعتذارك الخالص لا يوجد أي داع للمبالغة سيكون كل شيء على ما يرام المهم أنكِ بخير يا آنسة لذا سأغادر.!

أجفلت في مكاني حين اقتربت على حين غرة وأمسكت بيمناي ترفعها بكلتا يديها: لا بأس سأتركك الآن ولكنني لا زلت بحاجة إلى رقم هاتفك.
تسارعت خفقات قلبي إلى حد جنوني وقد ارتجفت يدي بين يديها بشدة!
ه. هذا صعب!
رغبت في سحب يدي فوراً ولكنني بقيت شاخصاً عاجزاً عن الحركة.
ظلت تقف لتسألني مجدداً عن الرقم فتحرك لساني فوراً ليخبرها بالرقم وينجدني من هذه الورطة.

لا أصدق أنني منحتها رقم هاتفي! ولكنني أريد المغادرة والانسحاب فوراً!
ما ان نطقت بآخر رقم حتى أومأت برأسها وقالت برضى: شكراً جزيلاً أ. ما اسمك؟
استدرت بسرعة وسلكت طريقاً معاكساً دون أن أستدير نحوها أتجاهل مناداتها بإستمرار.
كتاليا:
تمتمت على مضض لعل السيد هاريسون يتوقف عن معاتبتي: سأكون أكثر انتباهاً المرة القادمة.
ولكنه سرعان ما اعترض بحزم: والمرة التي يليها والتي بعدها!، لا أصدق مدى اهمالك!

حدقت إليه بهدوء فلوى شفته منزعجاً قبل أن يتكتف بصمت بوجه مليء بالجمود.
طريقته الحازمة العنيفة في ابداء انزعاجه من تعرضي للمرض والتعب بطريقة ما دافئة!
وجدت نفسي أبتسم بلا حيلة حتى سألني بجفاء: ما الذي يدعو للتبسم فجأة.
نفيت برأسي أتأمله بتمعن لثواني قبل أن أخفض كلتا عيناي بصمت.
مضى وقت طويل لينتابني شعور مماثل!
هذا الرجل. وجوده يشعرني بالأمان الشديد.

التفت كِلانا إلى الباب الذي تم طَرقه، دَخل دانيال وقد استنكرت فوراً وجهه الهادئ وملامحه التي ارتخت بشدة كما لو كان في عالم آخر.
نظر السيد هاريسون إليه بترقب وقد انتبه أخيراً لتحديقنا إليه ليطرف بعينيه بإستيعاب. لحظات فقط ليقف السيد هاريسون وتساءل بجدية: لا يجب أن نطيل البقاء هنا، عليكِ أن ترتاحي وتستعيدي صحتك، لا تتوقعي أن أكون لطيفاً معكِ إن عدتِ إلى المنزل كالجثة المتحللة.

ابتسمت له بلطف: سأكون بخير لا تقلق بشأني.
تنهد وهو يقف وقد اقترب مني على حين غرة فأجفلت وتراجعت للوراء بتلقائية. قبل أن أتفاجئ بيمناه تربت على رأسي بخفة وهو يقول بنبرته الحازمة المعتادة: لازلتِ صغيرة على أن تنجرفي خلف كل ما قد يتسبب في سوء صحتك، طالما تكونين في صحة جيدة فكل المواضيع الأخرى لا تساوي شيئاً، كوني واثقة أن لا شيء يستطيع تعويضك عندما تهملين نفسك.

حدقت إليه بشرود وقد تشتت رغماً عني وفغرت فمي أتأمل عينيه الجادة.
شيء شديد العمق في صدري قد تم ملامسته بقوة! هذا غريب. تنتابني غصة شديدة فجأة!
لا أفهم هل أشعر بالضيق أم بأمر آخر ولكن. تنتابني رغبة عارمة في ذرف الدموع ومع ذلك ابتسمت له بصمت.!
لمحت دانيال الذي يرمقني بتمعن وقد ضاقت عينيه بتفكير، انتبه لي فنظر بعيداً ووضع يديه في جيبه بهدوء.
لماذا يبدو. هادئاً أكثر من اللازم، ما خطبه!

تحرك السيد هاريسون وأشار لدانيال: لنغادر دان. وأنتِ انصتي إلى كل ما قلته إياكِ وتجاهل كلماتي.
أومأت له بإمتنان: سأفعل.
خرج السيد هاريسون يترقب خروج دانيال خلفه ولكنه ظل في مكانه واقفاً، حين خرج والده وجدت نفسي أقول متنهدة بعمق وبلا حيلة: لازلت منزعجاً منذ الأمس؟ حسناً أنا أعتذر على ما تسببت به من مشاكل ولكن توقف عن اظهار هذا التعبير المزعج!
هل تخططين للقضاء على نفسك؟

عقدت حاجباي أردد سؤاله بعدم فهم وارتياب: ما هذا فجأة!
زفر وقد بدى مزاجه متعكراً بشدة وهو يسير نحو الباب ولكنه سرعان ما وقف وقال بإنزعاج: لِما لا! انه التفسير الوحيد للحماقة التي ترتكبينها في حق نفسك.
خطى ليكمل طريقه فاستوقفته بإستنكار: ما خطبك! الى متى على الاعتذار لك لتشعر بالرضى!
بقي واقفاً ظهره مواجهاً لي حتى رفع يمناه يمررها خلف عنقه بحركة سريعة.

كانت ثواني فقط حتى تفاجأت بقوله بنبرة جافة: أنتِ مسؤوليتي، سنرى أيُ تمرد ستقومين بهِ الآن.
ه. هاه؟ مسؤوليته؟ بصفته من! ما الذي يقوله فجأة بحق الإله؟
عقدت حاجباي وفغرت فمي لأتحدث ولكنه تحرك فوراً وخرج يغلق الباب خلفه دون ان يستدير!
لحظة أنا. لم أستوعب ما حدث للتو! لماذا كل هذا الغضب والانزعاج؟ لقد اعتذرت بما يكفي!
دانيال:.

مزاجي سيء جداً. لا يسعنى سوى تفريغ طاقتي بالتنظيف وطهي الطعام أنا حقاً منزعج بشدة!
هذه الفتاة أكثر من تسيء إلى مصلحتها الخاصة وفي الوقت نفسه أكثر من تبحث عنها وتفعل المستحيل لأجلها! لم أرى يوماً شخص بهذا الكم الهائل من التناقض!
لا تتوقف كلمات الطبيب عن التردد في أذني.
اجهضت نتيجة التعرض للجهد النفسي والجسدي الشديد! بحق خالق الجحيم فاجأني سماع ذلك إلى حد توقف لساني تماماً عن الحركة وقد شُل تماماً.

عضضت على طرف شفتي بقهر وقد تمكن مني شعور غريب جعلني أضرب علبة المنظفات بنفاذ صبر بالحائط عندما لم استطع اغلاقها باحكام نتيجة رجفة طفيفة سرت في أناملي.
انسكب ما في العلبة بجانب حوض الاستحمام وقد تجاهلت الأمر برمته وخرجت نحو المطبخ، أخرجت زجاجة الماء من الثلاجة وشربت منها دفعة واحدة لأغلق باب الثلاجة بقدمي.
تعالى رنين هاتفي في جيبي فأخرجته لأرى اسم كارل يعتلي الشاشة.

القيت بالزجاجة في السلة بينما أجيب عليه: ما الأمر.؟
متفرغ؟
صوته. يبدو غريباً عكس المعتاد.
نظرت إلى الساعة على الحائط، يفترض أنه بدء عمله منذ ساعة أو أكثر بقليل. أجبته بإستنكار: هل من خطب ما كارل؟ لا بأس أنا متفرغ.
قابلني في الموقع الذي سأرسله إليك.
انهى المكالمة فوراً فنظرت إلى هاتفي بحيرة شديدة!

لم يستغرق الأمر مني سوى لحظات حتى خرجت بخطى واسعة بعد أن تأكدت بأن لاري لا يزال يحل فروضه المدرسية في الغرفة على سريره.
هذا الموقع.

إنها الحانة التي ذهبنا إليها معاً عندما انتقلنا إلى هنا في الشهر الثاني فقط فور استقرارنا. هذا غريب. يفترض أنه في العمل! هل حدث أمر ما؟، وصلت حيث وجهتي التي لم تكن سوى حانة صغيرة فارغة كالمرة الماضية تماماً، وجدته يجلس على إحدى الطاولات ولم يكن هناك أي زبون متواجد سوى رجل كبير نسبياً في الزاوية. هي ليست بمكان يقصده الفتية والفتيات هذه الأيام ولا وجهة مفضلة لهم فهي مجرد حانة متواضعة صغيرة لن تنظم الحفلات وما شابه. وهذا لحسن حظنا!

ضربت ظهره بخفة وتقدمت لأجلس مقابله مباشرة أنظر إليه بترقب قبل أن استنكر التعبير المنزعج على وجهه.
عقدت حاجباي باستغراب: ما الذي حدث كارل!
بلل كلتا شفتيه بلسانه بحركة سريعة وتساءل: هل كل شيء على ما يرام؟ كيف هي الآنسة كتاليا أولاً؟
سايرته فوراً: أخذت أبي لزيارتها وعدنا قبل فترة قصيرة، تبدو أفضل من الأمس.
أومأ بفهم وقد سألني بإهتمام: لاري وحده في المنزل؟

نفيت أسند كلا مرفقاي على الطاولة: أبي برفقته، تحدث. ما الذي يزعجك لا تبدو طبيعياً.!
ساد الصمت بيننا للحظات قبل ان يلتفت قليلاً ويشير للنادل ان يحضر له شراباً فتعجبت وقلت بعدم رضى: مهلاً! أنت بالكاد تستطيع انهاء نصف كوب فما الذي يسيّرك للشرب الآن! تحدث ما الذي يزعجك؟ يفترض أنك في العمل! هل. وقع أمر هناك واضطررت للمغادرة اليوم؟

ابتسم بتهكم وتمتم: ان تصرفت بطريقة جيدة ودافعت عن الآخرين فستكون عرضة للطرد والإهانة لا أكثر. أشعر بالقرف من هذا المجتمع.
الطرد والإهانة؟
فكرت قليلاً قبل أن أحاوره بجدية: كارل. ما الذي تعنيه؟
رفع كتفيه ثم زفر بهدوء: تم فصلي من العمل.
ماذا!
سألته بعدم تصديق وقد علا صوتي بحزم: لِماذا!؟

وصل النادل ليضع الزجاجة على الطاولة مع كأسين فارغين، التقط كارل احدى الكأسين ليسكب لنفسه وهو يقول بنبرة هادئة يختلجها شيء من السخرية: طالما تحاول التصرف بطريقة صحيحة سيتم نفيك دائماً.
رشف من الكأس دفعة واحدة وقد نظر بعينيه الزرقاء إلى النافذة ينظر نحو الخارج وهمس: على البحث عن عمل آخر، نحن بحاجة إلى التخلص من الديون المتراكمة وإلا سنبقى نسددها إلى آخر يوم في حياتنا.

ضربت على الطاولة بخفة لانبهه: مهلاً وضح ما حدث لماذا تم فصلك!
سكب لنفسه الشراب مجدداً بينما يقول: تدخلت لمساعدة امرأة واتضح أن من يقوم بالاعتداء عليها مجرد جبان ذو منصب لذا انتهى الأمر بي مطرود من العمل.
أعقب يأخذ نفساً عميقاً وقد ابتسم بهدوء: ساعدني في البحث في الأرجاء عن وظيفة مناسبة ولو مؤقتاً، لا نية لدي في مماطلة الوقت بينما ينتظر أهالي القرية ان نسدد مستحقاتهم والتعويضات اللازمة.

أغمضت عيناي وأعدت ظهري على الكرسي لأزفر بإنزعاج: ما الخطأ فيما قمت به تحديداً هل كان من المتوقع أن تتناول الفشار وتحدق إلى ذلك المشهد بصمت؟ تباً العالم ينحدر بإستمرار.
ثم سرعان ما فتحت عيناي أنظر إليه بتدارك: مهلاً كارل.

ارتشف من الكأس مجدداً فسحبته منه ونهرته: لا تسرف في الشرب لست نداً له سيقضي عليك واضطر لحملك إلى المنزل، ما الذي أردت قوله! آه صحيح. لا داعي لتبحث عن عمل في الوقت الحالي فالمال الذي استلمه من العمل في المجلة سيفي بالغرض! ان استلمت المزيد من المال لعدة جلسات أخرى أنا واثق أننا سنسدد نصف الدين على الأقل في وقت أقل من المتوقع.! وحتى يحين الوقت المناسب ابحث انت عن عيادة بيطرية لتعمل بها. استمر في البحث حتى لو لم تجد في الأرجاء لربما تجد في مكان آخر!

انتزع الكأس من يدي ليرتشف منه وقال بهدوء يضيق عينيه بتركيز: لن أجلس مكتوف الأيدي. سأبحث بنفسي عن أي مهنة مؤقتة.
أردف وقد امتعض متذمراً: تعلم جيداً أنني لم أترك عيادة لم أقم بزيارتها ولكن بلا فائدة.
انه محق. منذ انتقالنا إلى هنا لم يترك كارل عيادة حتى قام بزيارتها بنفسه ولكنه لم يحصد أي نتيجة!

تحركت وسحبت الكرسي لأجلس بجانبه مباشرة وسألته بجدية: انتظر استوعبت للتو أمراً! قلت بأنك ساعدت امرأة. وكيف ساعدتها يا ترى؟
بدى وكأنه قد تذكر أمراً لينظر إلى بتدارك ويقول بإستيعاب: دانيال. لقد. حدث أمر جدير بالذكر! انني. أتقدم!
ماذا!
طرف بعينيه ودفع الكأس بعيداً عنه ليقول بجدية رغم تلعثمه: لقد. أمسكت بيدي بكلتا يديها!
اتسعت عيناي بعدم تصديق: رغم انها. لا تعرفك!؟ ببساطة؟

أومأ بتفاجؤ: كانت مصرة على أخذ رقم هاتفي ولم تتوقف عن الالحاح علي!
ثم ماذا!
وجدت نفسي. أكتب الرقم دون وعي مني كالأحمق!
حدقت إليه بعدم استيعاب قبل أن أضحك بخفوت فأكمل يتنهد بلا حيلة: تجاوزت خفقات قلبي الحد الطبيعي في تلك اللحظة! من الصعب أن أصف لكَ ما مررت به.
صعب؟
لقد مررت بما هو أبعد بكثير!
هو من سيعجز عن تخيل. ما أشعر به!

جذبت الكأس الفارغ وسكبت لنفسي متمتماً بإستسلام: كارل. هناك ما أريد مصارحتك بشأنه.
نظر إلى بترقب فقلت بعد ان ارتشفت وكلتا عيناي تتجاوز النظر إليه: كيف أقول هذا. بصراحة. لم تعد المنافسة بيننا تقتصر على التواصل البصري او حتى المصافحة. الأمر أبعد بكثير.
عقد حاجبيه بشك وتركيز: ما الذي تقصده؟

رمقته بنظرة سريعة ثم حدقت عبر النافذة وقد تمحور تفكيري حول لحظات معدودة قد اقتحمت مخيلتي فجأة. وجدت نفسي أرتشف دون توقف وقد همست لينخفض صوتي كما لو فقدت القدرة على السيطرة عليه: الآنسة مزيفة. تجاوز الأمر مجرد النظر إليها مباشرةً. تجاوز المصافحة او المسافة الصغيرة. تجاوز تبادل الحوار بسلاسة. تجاوز الكثير كارل.
اعتدل في جلسته فوراً وضرب على كتفي بخفة بذهول: تجاوز. كل هذا؟ ما الذي. حدث أكثر!

أخفضت ناظري إلى الكأس بين أناملي في حين شهق بعدم تصديق: لحظة واحدة! تلك المرة. عندما رأيتكما ت.
قاطعته بإنزعاج: أخبرتك انك قد أسأت الفهم! كانت تحاول سرقة هاتفي الذي أضعه في جيب بنطالي هذا كل شيء كفاك سخفاً وانسى الأمر!
دانيال؟ تحدث حالاً!

أغمضت عيناي واسندت مرفقي الأيمن على الطاولة وقد بدى لساني ثقيلاً جداً في حركته: تجاوزت حدودها، لقد. لقد قبلتني، ثم تهورت مجدداً! حينها قمتُ أنا الغبي بالتهور أيضاً!
مجرد ذكر الأمر جعل حرارة غير معهودة تتصاعد في جوفي وقد تحركت يدي لأرتشف المزيد أنظر إلى الفراغ أحاول انتزاع نفسي من ثقل غريب جداً في أطرافي.

تلك اللحظات عالقة في ذهني بكل تفاصيلها! عقلي يبالغ كثيراً في الاحتفاظ في أدق التفاصيل!، انتابتني القشعريرة وقد سرت في جسدي بقوة رغماً عني فرفعت يدي الأخرى بتلقائية امررها في شعري دون هدف محدد.
تسمرت بإرتياب حين وقف فجأة واصدر صوتاً قوياً بالكرسي ليردد بذهول: و. وصل الأمر بكما إلى هذا الحد؟

نفي برأسه بعدم تصديق: وأنا الذي ظننتك ستستغرق سنوات ضوئية حتى تأخذ خطوة واحدة للأمام! ليتضح أنك قفزت المئة متر في ثانية واحدة؟ دانيال أنتما الاثنان. مهلاً. لماذا تهورت هي؟ ولماذا تهورت بدورك! ثم لماذا تمادى كل منكما في حين لا تزال المعرفة سطحية؟ أو انها. لم تعد سطحية؟

القى بتساؤلاته دفعة واحدة وأسرع يجلس بسرعة ليقول بجدية: بالتفكير بالأمر. بدوت بالفعل غريباً في الآونة الأخيرة كما لو. اعتدت على وجودها في المنزل! هذا يفسر الكثير.

حدقت إليه بصمت للحظات قبل أن أتمتم بتشتت وانزعاج: لا أدري كارل ما الذي دفعني للتهور، كما لا أدري حقاً ما الذي تخفيه هذه المزيفة، تارة تتصرف بأنانية وتارة تجيد الاهتمام بكل ما حولها سوى نفسها! هي. تهتم بمصلحتها الخاصة فقط ولكنها أيضاً تضع نفسها جانباً مقابل تحقيق ما ترغب فيه! ل. ليس من السهل فهمها!
ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه.

ولسبب ما بدى يتمعن النظر إلى وقد قال بهدوء: دانيال. ألا زلت تنعتها بهذه المسميات؟ الم يحن الوقت لتتوقف؟
رمقته بإستغراب دون أن أعلق! ترك كل ما تفوهت به وركز على أمر مماثل؟
زفرت بإمتعاض فتنهد بدوره وتمتم يحدق إلى كأسه الفارغ: تقدمتَ كثيراً. في جانب واحد، ولكنك لا زلت واقفاً في مكانك منذ ذلك الحين في الوقت آنه دان.
هاه!

نظرت إليه بعدم فهم فبدأ يسكب لنفسه عدة مرات دون توقف ويرتشف برشفات سريعة فاستوقفته بحزم: ما الذي حدث لك فجأة! توقف.
دفع يدي واكتنز الكأس بين يديه وقد تشتت مخارج حروفه وهو يحدق إلى الفراغ بعدم تركيز: أنتَ تفعل هذا مجدداً. وستفعله مراراً وتكراراً. لا أعتقد أنني أبالغ بالتفكير، دانيال أفق. ما تفعله الآن كان سبباً ذات يوم في تفاقم الكثير. الكثير!
ما أفعله أنا؟
ما الذي يهذي به؟

بدى وكأن وعيه قد تشتت وهو يحدق إلى بأعين ناصلة وهمس ينفي برأسه ببطء: أحياناً أرغب في لومك. وفي أحيان أخرى أشعر بالخجل من نفسي لمجرد رغبتي في ذلك! أنت لن تفهم.
رددت بإستنكار: لن أفهم ماذا؟
طرف بعينيه بعدم وعي قبل أن يغمضهما وأسند رأسه على الطاولة بقوة: أخشى ان تستوعب الأمر في وقت متأخر. لن تفهم أسبابك الحقيقة دان. المال لم يكن يوماً دافعاً قد يرغمك على قبول العمل معها.

انتابني شعور غريب وقد تردد صدى كلماته المبهمة في رأسي حتى استكمل بصوت خافت وهو يرخي جسده وجذعه نحو الطاولة أكثر: أنت تتبع الأسلوب نفسه. ماذا لو كان ما تفعله دائماً سبباً يوماً ما في شعورك بالاشمئزاز من نفسك. لا يجب أن تشعر بهذا. لن أسمح لكَ بالشعور بهذا. سوف أحميك.
ما الذي يقوله كارل بحق الإله! أي اسلوب هذا الذي أتبعه؟
علي حمايتك من نفسك. أنا شقيقك الأكبر.

بدأ يهذي بكلمات خافتة فجأة بل وتمتم بتلعثم وقد ارتخت عيناه أكثر وتوقف جفنيه عن الارتجاف: أنصت إلى أخاك الأكبر. توقف عن اثارة المتاعب.
بقيت في مكاني أحدق إليه أحاول ترتيب كلماته السابقة وفهم ما يشير إليه، التزمت الصمت في حين أكمل يضرب على الطاولة بخفة: كنت أنافسك ولكنك قبلتَها، جعلتني أبدو كالأحمق سعيداً لمجرد مصافحة امرأة اليوم. عليك أن ترى ما سأحرزه من تقدم اذاً.
كارل.

ما كانت تلك الكلمات تحديداً؟ ما الذي تخفيه عني!
ما الذي تحاول التلميح له؟ لماذا تلتزم الصمت حتى وأنت ثمل بحق الإله!
ازدردت ريقي بصعوبة ونظرت إلى الزجاجة التي انهيناها تماماً، وضعت الأوراق النقدية على الطاولة وقد أمسكت بيد كارل أساعده ليستند على عاتقي، ترنح كثيراً ولم يقف على كلتا قدميه بل أنه غط في نوم عميق فاضطررت لجذب ذراعيه حول كتفي لأحمله على ظهري وقد كان واللعنة ثقيل جداً.
حمايتي. من نفسي؟

تلك الكلمات لم تكن مجرد هذيان اليس كذلك؟
كارل ضعيف جداً أمام الشراب وسيتفوه بكل ما يخطر على باله حين يفقد وعيه وتركيزه.
ومع ذلك بدى وكأنه يقاوم نفسه ليتحفظ على الكثير.!
لم أصل بتساؤلاتي الذاتية إلى نتيجة واضحة لذا حاولت تصفية ذهني.
سمعت كارل يهمس بعدم اتزان: أنا أيضاً سأحرز نقاط عالية.

تمتم بذلك قبل ان تستقر شفتيه على وجنتي فامتعضت بإشمئزاز وصرخت لأنهره: كيف تجرؤ على تلويث وجنتي بانحرافك الأخلاقي! تباً هذا مقرف.
لمحت المارة ينظرون إلينا بإستنكار ويتهامسون، طبعاً سيفعلون هذا!
رجل يحمل آخر على ظهره وقد قبل وجنته ببساطة فماذا سيكون الوضع في رأيهم! حتى وإن نطقت خلايا الدم المشتركة بيننا أنه شقيقي فمن منهم سيقتنع بذلك!

رمقته بنظرة جانبية مشمئزة فسمعته يهمس: لا زال على تحقيق المزيد من التقدم.
نهرته بنبرة قاتلة: سألقي بك في الشارع لتلعقك الكلاب الضالة أنا واثق أنها ستمنحك قُبَل تفي بالغرض! سحقاً لهذا أكره اللحظات التي تشرب فيها لتنسلخ عن شخصيتك الرزينة إلى رجل يجيد فعل كل شيء عدى التفكير.
لويت شفتي منزعجاً وأكملت طريقي نحو المنزل أتجاهل النظرات من حولي.

كنت أمشي بمحاذاة الرصيف بخطى بطيئة عندما لمحتُ حافلة للنقل العام وقد حدقت بعدم استيعاب إلى صورة القرصان التي تغطي الجهة الجانبية بالكامل للحافلة وبجانبه في الصورة. أميرة الغجر!
توقفت عن المشي أنظر إلى الحافلة التي توقفت في محطة انتظار الحافلات ليبدء الركاب بالنزول و الصعود. أنا حقاً لا أستوعب انني الشخص الذي تُعرض صورته هناك الآن.!

ومع أنني لم ألتقط مع تلك العارضة أي صورة ثنائية ولكن. انتابني الشك للحظات فقط فالصورة تبدو بالفعل احترافية بشكل مبالغ فيه وقد بدونا وكأننا التقطناها معاً، التفاصيل أكثر من. متقنة!
لا أدري كم مضى من الوقت وأنا أتأمل الصورة وقد تبادر إلى ذهني صورتها وهي تلتقط الصورة وتلك التقطيبة الصغيرة بين حاجبيها كلما رفعت يدها وانتابها الألم جراء تلك الرضة في كتفها.
مهملة، ومتهورة، مجرد مزيفة.

راقبت عيناي الحافلة وهي تتحرك مبتعدة وقد وجدت نفسي أهمس بشرود وتشتت: تهتم بمصلحتها فقط. ولكنها أكثر من تجهل مصلحتها أيضاً.
هي بالفعل تؤذي نفسها قبل الآخرين، هي تفعل ما كان يفعله بإستمرار. لم أستطع الوقوف إلى جانبه كما ينبغي، لم أتحمل مسؤوليته بشكل كافي.
لذا لن يتكرر شيئاً من هذا مُجدداً.
هذه المرة. لا بد أن يكون الوضع مُختلفاً. لا بُد أن تكون مسؤوليتي بالكامل.

تنهدت بلا حيلة أحدق إلى لاري الذي يستلقي على جانبه على الأريكة و شهقاته متلاحقة بإستمرار إثر البكاء المتواصل.
جثيت على الأرض بجانب الأريكة وقد احترت في أمره ولم أعلم ما ينبغي على فعله ليهدأ.

عاد كيفين في الأمس في وقت متأخر من الليل لذا لا يزال ينام حتى الآن وقت اقترب وقت الظهيرة كما انه قد مُنح اجازة استثنائية من المدرسة ليرتاح اليوم فقط، في حين لاري لم يتوقف عن البكاء وقد ذهب كافة زملاءه إلى الرحلة المدرسية سواه.
أشفقت عليه وقد استمر في الصراخ والبكاء حتى شعر بالنعاس والانهاك واستلقى على الأريكة.

أجفلت لصوته وقد صرخ فجأة بانفعال وبكاء: لم يعد أبي يحبني! بل أنه خرج برفقة كارل ليقوما بزيارة تلك القبيحة بالمشفى رغم ان الوقت مبكر جداً! لا شيء جيد يحدث لي منذ أن دخلت هذه المشعوذة إلى منزلنا! نجحت في سرقة الجميع مني. بل و ذهب كل رفاقي للتو إلى الرحلة بينما عوقبت بسببها!

زفرت بلا حيلة وقد استسلمت لأتساءل: ما الذي على فعله لتصمت لاري! بكاؤك مزعج يكاد رأسي ينفجر، أحاول أن اكون لطيفاً حليماً معك ولكنني أرغب في ايساعك ضرباً أيضاً. تماديت في تصرفاتك معها لذا من الطبيعي ان تُعاقب!
اتسعت عينيه وجلس على الأريكة بعدم تصديق ودموعه الغزيرة لا تتوقف عن الجريان على وجنتيه: رأيت؟ أنتَ أيضاً تدافع عنها!

بقيت على الأرض بتبرم شديد حتى استلقيت على ظهري على الأرض وقلت بضجر: أنا لا أدافع عنها ولكنني أقول بأنك أخطأت وقد تماديت في تصرفاتك. لا يمكنني مزاولة العمل كلما حاولت التركيز مع الزبائن أشعر بوجود علقة صغيرة تشبهك في كلتا أذناي تستمر في الصراخ دون توقف!
سحب ماء أنفه مرارا وتكرارا يحاول التوقف عن البكاء وقد عقد حاجبيه بترقب وعبوس: داني، أنتَ. تخطط لتَركي؟ هل أنا مزعج؟

نظرت إليه بإستغراب شديد وقد نهرته بحزم: لماذا تقول هذا.! أنت مزعج صحيح ولكن لماذا سأتركك؟ من سأقوم بالتنمر عليه إن تركتك وشأنك؟
نفي برأسه وتمتم يخفض ناظريه: زميلي في المدرسة تزوج شقيقه الأكبر بإمرأة تعرف عليها قبل فترة، هل ستفعل هذا أيضاً أنت أو كارل؟

حدقت إليه مطولاً قبل أن أخذ نفساً عميقاً، لسبب ما اصابتني كلماته بشيء من التوتر ولكنني تجاوزت الأمر وسحبت يده بقوة ليتحرك وارغمته على الاستلقاء على الأرض بجابني وقلت بجدية أنظر إلى السقف: ألم يحن الوقت لتتوقف عن التفكير بهذه الطريقة؟، لا أحد منا سيترك الآخر، وجود هذه الفتاة هنا لن يؤثر على علاقتنا ببعضنا كما أنها لن تحاول فعل أمر مماثل، كل ما تهتم به هو العمل فقط لذا لا تعتقد بأنها تنوي فعل أي شيء قد يسيء إليكَ أو يؤذي أحدنا، حاول أن. تتحدث معها، أن تعقد هدنة وتتفاهما لتكونان على وفاق أكثر.

رفع مرفقه يمسح به دموعه وقال بعناد: لا أريد ان تتقرب مني هذه القبيحة، سوف أخبر أبي أن يجد لها مكاناً آخر، عندما قمنا بزيارة السيد راف قال بأنه قد اشترى عمارة سكنية ويبحث عن مستأجرين لذا سأقترح على أبي أن.
إيّاك!
تفوهت بها وقد اعتدلت لأجلس على الأرض أحدق إليه بحزم.
كانت لحظات يحدق فيها إلى بعدم استيعاب حتى طرفت بعيني أدرك ما تفوهت به فجأة!
إ. إيّاك؟ لماذا؟

لما لا؟ سيكون الوضع أفضل بكثير ان عثرت على مكان آخر وتبقى بعيدة من هنا اليس كذلك؟
ما الذي. حدث لعقلي؟ أعراض انفصام؟
م. مهلاً! ماذا لو تعرضت للتعنيف مجدداً؟ على الأقل يمكنها البقاء هنا وضمان ألا يقترب منها المتسبب في ذلك اليس كذلك؟ صحيح لا يوجد مكان آخر تذهب إليه.! أين تكمن المشكلة إذاً؟
تسمرت في مكاني استذكر كلمات جيمس آنذاك، قال وبوضح أنها ابنة رئيس مدينة اعلامية وليس من المنطقي أن تعيش هنا.

إن كان والدها رجل ذو مكانة فهذا بحد ذاته يفتح أبواب لا تعد ولا تحصى للمزيد من التساؤلات. أنا عاجز عن التوقف عن التفكير وتحليل الأمور منذ تلك اللحظة!
لمجرد ذكر أمرها شردت بذهنك! داني أنتَ تكذب على بإستمرار.

صرخ ببكاء يلقي بكلماته وأسرع ليتحرك ينوي الابتعاد فأسرعت أمسك بذراعه وقلت بإنزعاج: هل مجرد التفكير بات ممنوعاً بحق الإله! حسناً إليكَ هذا. لِنخرج قليلاً قبل أن يعود أبي وإياك واعلامه بأنني لم أقم بتولي المحل في غيابه.
ارتجفت شفتيه وتوقف عن ذرف الدموع مفكراً قبل أن يقول بصوت مبحوح: فلتشتري لي المثلجات، وأيضاً المجلة الأحيائية في مجال الحشرات المائية. ومُجسم أبطال الريفينجيرز للمجموعة الجديدة!

لويت شفتي للحظة قبل أن أدفع رأسه بخفة: لا تَنسى اتفاقنا، ان علِم أبي فسيرى العالم بأسره صورتك في مجلتك المفضة في صفحة الكائنات المنقرضة.
كارل:
أخفضت ناظري نحو هاتفي الذي تعالى رنينه، نظرت إلى أبي الذي يتحدث مع الآنسة كتاليا التي تجلس على السرير تتناول طعامها تحاوره وقلت لهما مشيراً إلى الهاتف: سأرد على المكالمة.
خرجت من الغرفة وأجبت بهدوء: مرحباً؟
لم يكن رقماً مسجلاً لذا ترقبت رد الطرف الآخر.
مرحباً.

حدقت إلى شاشة هاتفي بعدم استيعاب ثم أعدته إلى اذني بحيرة، صوت انثوي مألوف! هل يعقل أنها تلك العارضة؟
شعرت بثقل شديد في لساني ولم أجد ما أقوله! انتابني التوتر كما لو كانت تقف أمامي مباشرة، ما الذي على قوله الآن؟
هذه أنا. أخذت رقمك في الأمس هل تتذكرني؟، أردت التحدث إليك قليلاً!
أعقبت فوراً بكلمات سريعة: لم أعرف اسمك بعد!

انها هي بالفعل. يا لها من عنيدة! لماذا كل هذا الإصرار كانت ردة فعلي طبيعية جداً وأمر بديهي!
نظرت من حولي في ممر المشفى وقد تحركت أبتعد عن الغرفة قليلاً أتمشى في الأرجاء بينما أتمتم بنبرة حاولت أن أسيطر فيها على هدوئي البالغ: كارل.
أتى ردها فوراً: شكراً جزيلاً على ما فعلته كارل! من فضلك لنلتقي غداً الخميس في الحادية عشر صباحاً.
انتابني الذهول وقد نفيت برأسي بتلقائية: لا داعي لذلك أنا.

سأكون في انتظارك، لا زال على أن أشكرك بطريقة لبقة. لن أطيل عليك لا تقلق، وأيضاً. لدي ما أسألك حوله لذا أرجو أن تكون متواجداً.
عقدت حاجباي بإستنكار في حين أردفت بهدوء: سأرسل لك الموقع الآن. إلى اللقاء!
خرج صوتي دون إدراك وأنا أهمهم بفهم دون كلمة.
مضت لحظات منذ أن أنهت المكالمة ولا أزال واقفاً مكاني أحدق إلى هاتفي.

أعتقد أنها أول مكالمة اتلقاها من امرأة على رقمي الخاص، بل وتدعوني فيها للخروج بغرض الامتنان! هذا. أكثر من المتوقع، اعتقدت أن أحداث الأمس قد انقضت وأنها ستنسى الأمر وتتجاوزه وحسب!
التفت يميني وشمالي قبل أن أعيد هاتفي إلى جيبي وتحركت ببطء إلى الغرفة. لازلت أشعر بالصداع منذ الأمس منذ أن تماديت في الشرب.
لابد وأن دان حاول منعي ولكنني الأحمق لم أتوقف.

ولكن صدقاً ما تفوه به بشأن الآنسة كتاليا قد فاجأني كثيراً!، تطورت العلاقة بينهما، صحيح أن الشك قد انتابني كثيراً ولكنني لم أتوقع أيضاً أن الأمور وصلت إلى ذلك الحد.!
لماذا تهورت معه أصلاً! ما الذي يسيّرها لتتصرف بجرأة بالغة؟
أياً يكن. فحوار الأمس مع دان يرفع من شكوكي أكثر! لازلت أشعر بأنه قد قبل العمل معها لغرض لا يعلمه.
سيواصل الكذب على نفسه فقط دون أن يعي ما يفكر به حتى.
لطالما كان هكذا منذ صغره!

هو لا يدرك حقاً ما يقوم به. كما ليس بحوزتي دليل منطقي على ما أفكر بشأنه.
لأن دانيال بنظري وبنظر الجميع وكل من حوله. هو الشاب الذي لن يتردد في مساعدة الآخرين.
ويفضلهم على نفسه.

عندما خرجت من المشفى برفقة أبي أوضح بعدم رغبته في ان نعود بسيارة أجرة أو حافلة النقل العام وقد فضّل أن يعود مشياً لذا رافقته.
نظر إلى وتساءل بجدية: كم ستدوم الاجازة التي أخذتَها من العمل؟
أجبته بهدوء: قُرابة الأسبوع.
لا يمكنني الكذب أكثر وأقول له أسبوعين أو حتى شهر! سيشك بي فوراً فهو على علم بحيوية الفندق الذي تم فصلي منه، للأسف التفاصيل لن تفوته مهما حاولت المراوغة.

لذا على البحث في الأرجاء عن عمل خلال هذا الأسبوع مهما كلفني الأمر من جهد أو وقت.
أومأ بفهم في حين غيّرت الموضوع وتساءلت: كيف كانت زيارتك للسيد راف؟ هل من جديد. بشأن القرية؟
نظر إلى الطريق وأبطأ قليلاً من خطواته بجانبي: لا شيء جديد، عدى أن المحاصيل الزراعية قد بدأت بالنمو، لا زالوا يعملون على معالجة التربة.
شعرت بالراحة والسرور وقد انشرح صدري: أخيراً!

أضفت بإستيعاب: ألم تسأله عن كيدمان؟ هو لا يجيب على رسائل او مكالمات دانيال! ما هو حال شقيقته الصغيرة؟ لا يزال يجمع المال لأجل علاجها؟
نفي برأسه: لم أسأله بشأن كيدمان، كان يبدو وكأنه يتملص من أي موضوع يخص القرية أو سكانها، يبدو لي أنه لم يرغب في ازعاجي أصلاً وأراد أن يطمئن حول شؤوننا فقط.
فهمت.
تمتم بجفاء: سألني عن حال كيفين ولاري، أخبرني إن كان هناك أي جديد حول موضوعهما وقد بدى مهتماً جداً.

ضاقت عينيه الزرقاء وأعقب بتركيز: بطريقة ما يبدو لي وكأنه يرغب في التأكد من أمر معين، حتى أنه أخبرني أنه سيبقى على تواصل معي خلال الفترة القادمة. لا أدري ما الذي يجول في ذهنه تحديداً.
أخذت شهيقاً عميقاً ورددت بشرود: كيفين ولاري إذاً.
وقفنا في إشارة المشاة ننتظر على الرصيف وقد سألني بهدوء: كارل. لا أنت أو دان تبحثان عنه. صحيح؟

فاجأني بسؤاله وقد كان مترعاً بالوعيد! لا أبحث عنه ولا أنوي ذلك ولكن. لماذا يشك في الأمر؟
هل بدر من دان أي تصرف جعل أبي يدرك حقيقة رغبته في البحث عنه؟
لا يجب أن يتفاقم الوضع، إن علم أبي برغبة دانيال المتهور فلن يتركه وشأنه. سيحطم عظام جسده بلا شك، حينها وجدت نفسي أتنهد وقلت بهدوء: لماذا قد نرغب في البحث عنه، لا تقلق أبي لا شيء من هذا يحدث.
أنا أحذرك، ان اكتشفت ان أحدكما ينوي ذلك فلن أتساهل معكما.

أومأت بفهم دون مجادلته وما ان فتحت إشارة المشاة حتى أكملنا سيرنا وقد قال بهدوء: سأخبر دانيال أن يخرج في الواحدة ظهراً ليعيد الآنسة كتاليا معه.
دانيال:
بدى مستمتعاً وهو يتناول المثلجات ويحدق إلى العلبة الشفافة الصغيرة التي تحوي تلك اللعبة التي رغب في شرائها.
من الواضح انه نسي أمر الرحلة مؤقتاً! الأهم انه قد توقف عن البكاء لقد كاد رأسي ينشطر بسبب صوته!

حفزته ليسرع في خطواته: لِنعد إلى المنزل، قد يكونان في طريقهما يجب أن نسبقهما. أسرع!
أسرع في خطواته ليمشي بجانبي، حين عاودت النظر إلى الطريق لفت انتباهي رجلاً يشير إلى اطارات سيارة سوداء كلاسيكية من الطراز الرفيع وقد سمعته يحدث آخر يرتدي بدلة سوداء رسمية: سأساعدك في استبدال الإطارات، ولكن عليك أن تعلم أنها ستكون مكلفة بلا شك.

القيت نظرة سريعة على الإطار دون أن أتوقف قبل أن أكمل طريقي، ولكنني سرعان ما توقفت لقوله: يبدو الإطار في حالة سيئة جداً، دعني أساعدك.
عقدت حاجباي بإستنكار ووقفت فتوقف لاري بحيرة بينما يتناول مثلجاته. بقيتُ في مكاني أحدِق إلى الرجل الذي يرتدي ملابس فضفاضة وقد ضاقت عيناي أتمعن النظر في الإطار، بل ورأيته يطلب من الرجل معدات استبدال الاطار فوجدت نفسي أقترب نحوهما.

صاحب البدلة السوداء الرسمية كان كهلاً نحيفاً يرتدي نظاراته الطبية يحيط بعدستها إطار رفيع السُمك، ويبدو مالك السيارة ولكن ما أدهشني هو موافقته وقد قال بهدوء بصوته المبحوح: من فضلك أسرع، على إيصال السيد في الوقت المحدد.
جثى الآخر وبدأ يستخدم العِدة ينوي ان ينزع الإطار بأكمله! تساءل لاري بإستغراب: داني؟ ما الأمر! سيعود أبي بعد قليل، لن نذهب؟

دفعت كتفه وارغمته على الجلوس على كرسي الانتظار المجاور وقلت له بهدوء: اجلس لا تتحرك، انتظر قليلاً فقط. تناول مثلجاتك قبل ان تذوب.
امتلأت نفسه بالحيرة وهو ينظر إلى بعدم فهم في حين التفت انظر إلى الرجل الذي بدأ فيما ينوي القيام به وقد قلت أستوقفه: دع الإطار جانباً.
التفت كلاهما نحوي بإستغراب، في حين ركزت ناظري على الوغد المحتال الذي ارتفع حاجبيه وتساءل: ماذا تريد؟

أشرت إليه بذقني وقلت بإيجاز: دع العِدة وانقلع من هنا.
أردفت أوجه حديثي إلى الرجل ذو البدلة بإنزعاج: وانت! تبدو لي رجل قد أخذ كفايته من خبرة الحياة فكيف يقوم محتال مثل هذا بخداعك؟
طرف بعينه بإستنكار ونظر إلى الرجل الآخر الذي وقف فجأة وصاح في وجهي بحزم: م. ما الذي تقوله! من الذي يحتال على الناس انتبه إلى ما يقوله فمك!
اقتربت منه ممسكاً بياقته: بَعد أن يتوقف فمك عن الاحتيال على الآخرين.

دفعته بقوة وقلت بجمود: هل ستغادر أم أضع رأسك مكان الإطار؟
اتسعت عينيه بذهول للحظة قبل أن يتراجع للوراء ويصرخ: أيها المُجرم عديم الأخلاق! سأغادر. هذا أفضل من الشجار مع شخص يفتري على الآخرين.!
أومأت مؤيداً أشير له بيدي أن يسرع: محق هذا أفضل. تحرك.

عاد للوراء بخطى تنم عن انزعاجه قبل ان يلتفت ويرحل على عجالة، التفت مجدداً إلى صاحب السيارة وقلت بإمتعاض شديد: لا أدري كيف تعرضت للنصب بهذه السهولة ولكن الإطار لا يعاني من مشكلة كبيرة تستدعي أن يأخذ منكَ مالاً من الأساس، هو فقط متآكل من هذه الجهة ويمكنك استبداله دون مقابل، لا بد وانه لديكَ اطار احتياطي في حقيبة السيارة، اليس كذلك؟

أومأ بسرعة وضغط بمفتاح السيارة ليفتح الحقيبة وهو يقول: يوجد بالفعل، أنا أسف حقاً أيها الشاب ولكن أرجو ان تساعدني، سأضطر لتأخيرك اعذرني. على الوصول في الوقت المُحدد.
تحركت نحو الحقيبة التي فتحها وأخذت الاطار الاحتياطي، قلت له بينما اشمر عن أكمام قميصي: سأرفع قاعدة السيارة إن كان هناك شخص يجلس في السيارة من الأفضل ان ينتظر في الخارج حتى أنتهي.

تحرك فوراً واتجه إلى الباب الخلفي ليفتحه، خمنت وجود سيدهُ من حديثه مع ذلك المحتال فلم يكن من السهل رؤية ما ان كان هناك شخص في الداخل بالفعل بسبب تظليل السيارة القوي.

سمعته يحاوره بصوت خافت، جثيت بدوري أبدأ في البحث عن العدة التي أريد استخدامها حتى لمحت رجلاً قد خرج من السيارة، يرتدي نظارة شمسية داكنة وقد بدى ذقنه مُحدداً ومتصلباً دل على جموده الشديد، يرتدي بدلة رمادية تحتها قميص أسود متناسق ومناقض للون شعره البني الفاتح المليء بالشَيب الأبيض.

لم ينطق بكلمة واحدة وقد تحرك ليجلس على المقعدة على بعد مسافة من لاري الذي انهمك بالنظر إلى اللعبة بين يديه وانهى المثلجات مسبقاً.
أعدت ناظري إلى الاطار وبدأت أرفع القاعدة ثم استبدلته، انزعجت من رطوبة الطقس وقد تعرق جبيني بشدة.

استغرق الأمر مني وقتاً حتى وقفتُ ادفع بقدمي دعامة صواميل العجلات قبل أن أستخدم يداي أديرها بقوة لتستقر العجلة في مكانها، استكملت الخطوات الأخيرة حتى انتبهت لوقوف السائق بجانبي كما لو يرغب في التظليل على من أشعة الشمس.

لحظات حتى وقفتُ وقلت انظر إلى يداي الملطخة: انتهيت، لا مانع من ذهابك لاحقاً إلى محطة الفحص لتتأكد أكثر من الإطار، أعتقد أنه قد مُلأ بالهواء أكثر من اللازم وتآكل جراء زيادة الضغط. يبدو لي أن ضغط الهواء في الإطار قد تجاوز حده الطبيعي بالفعل لذا كن حذراً.
ردد بحيرة: هكذا إذاً!
أومأت موضحاً: التآكل غير متساوي لذا اعتقد ذلك.

سأفعل، شكراً جزيلاً على مساعدتك أنا ممتن لك حقاً.! وشكراً على التخلص من ذلك المحتال ايضاً.
تنهدت والتفت أشير إلى لاري: لنذهب.
أومأ إيجاباً وأسرع يقترب مني لأسمع السائق يقول: أيها الشاب. تمهل قليلاً!
رمقته بترقب وإستغراب لأراه يقترب من سيده الذي لا أدري بما قد همس له ولكنني لمحته يخرج محفظته من بدلته!

انتابني الإمتعاض الشديد وقد تحركت دون ترقب لأسمع السائق ينادي: انتظر! انت تستحق هذا لقد ساعدتنا دون مقابل.
لويت شفتي ورمقته من فوق كتفي دون أن أتوقف: هل تعلم الآن لماذا من السهل أن تتعرضا للاحتيال؟ أخبر سيدك أن يعيد محفظته إلى مكانها.

أمسكتُ بعلبة رغوة الحلاقة الموجهة نحوي وتجاوزت التي تليها ولكن الثالثة قد أصابت صدري فتأوهت وانحنيت أمرر يدي على صدري.
زمجر بغضب يواصل رمي باقي العدة نحوي: تركتَ المحل في غيابي! خرجت للتنزه ببساطة وتركت كل شيء خلفك!
أحال كارل بيننا محاولاً تهدأته وهو يضع كلتا يديه على كتفيه: حسناً أبي لا بد وأنه كان مرغماً على ذلك! اهدأ.
نهره ليبعده: ابتعد أنت الآخر وإلا لقنتك درساً!

زفرتُ بإمتعاض وقلتُ امرر يدي على صدري: خرجت لبضعة دقائق فقط، لم يكن هناك أي زبائن على أي حال!
احتدت عيناه فصححت على مضض: ربع ساعة.
لم يبدو عليه الاقتناع فتنهدت ونفيت بإستسلام: ساعة ونصف.
عض على طرف شفته بغيظ قبل أن يقول مبعداً كارل عنه: اقترب إن كنتَ تجرؤ.
تراجعت للوراء وصعدت الدرج لأقول بحذر: لديك حصانة عدم التعرض او اللمس! أنت والدي اليس كذلك!

زفر كارل بلا حيلة ووقف واضعاً يمناه على خصره ومرر الأخرى خلف عنقه قبل أن يجفل لصراخ أبي عليه: وأنتْ، لماذا كنت تعترض طريقي!
كتاليا:
ابتسمت لروز التي خرجت مَعي تمسك بحقيبتي بعد ان انهت اجراءات الخروج من المشفى، وقلت بإمتنان: شكراً جزيلاً روز، مع أنني لم أرغب في إزعاج جاك.

نفيت برأسها فوراً: كفاكِ سخفاً! لو كان ديفيد متفرغاً لكان هنا ولكنه مشغول ويتولى عمل مهم الآن، جاك في انتظارنا هيا. آه صحيح هو لا يعلم شيئاً لم أخبر أحد حول دخولك إلى المشفى أخفيت الأمر قائلة أنكِ طلبت اجازة عاجلة. يمكنكِ قول ما شئتِ لجاك.
أعقبت موضحة لي: ولكنه سيستنكر بشدة وجودكِ هنا.
نظرت إليها بحبور قبل أن أخذ بذراعها الحُرة واحتضنتها هامسة: لا بأس سأتدبر الأمر.

عاتبتني بقلق: خروجك الآن لا يعني أن تُهمِلي نفسكِ مجدداً، أرجوكِ كتاليا كوني حذرة!
خرجت معها وعبرنا مدخل المَشفى، لمحتُ سيارة جاك في انتظارنا فاتجهنا نحوه، انتبه لنا وقد ترجل من السيارة فوراً يحدق إلى بإستنكار وتركيز، لا بأس لقد جهزت كذبتي مسبقاً يمكنني مسايرته.

عندما وصلنا أخذ الحقيبة من روز وفتح باب السيارة الخلفي ليضعها قبل أن ينظر إلى متسائلاً بإهتمام: ما الذي حدث لكِ كتاليا؟ منذ متى كنتِ في المشفى!
حقيبتي لن تقنعه بأنني كنت هنا اليوم او حتى منذ الأمس فقط، لذا على اللجوء إلى حيلتي.
أجبته أتظاهر بالصداع: وعكة صحية جاك، يبدو أنني أهملت نفسي، تشير التقارير الطبية إلى نقص حاد في الحديد في جسدي لذا لا عجب أنني فقدت وعيي إثر ذلك.

عقد حاجبيه بتفاجؤ: نقص حاد! إلى هذا الحد؟ لماذا أهملتِ نفسك إلى هذه الدرجة! ألم تقولي ذلك اليوم قبل رحلة العمل أنكِ بخير!
أومأت اضيق عيناي وقلت بصوت مبحوح: اعتقدت أنني تحسنت. لازلتُ بحاجة إلى الراحة لأتمكن من العمل غداً.
فتح فوراً الباب الجانبي للسائق وقال بحزم: كفاكِ سخفاً كيف قد تذهبين إلى العمل غداً في حالتك هذه؟
تدخلت روز بإمتعاض: هذا ما أريد قوله أيضاً، من الأفضل ان ترتاحي حتى تستعيدي حيويتك.

رمقتها بنظرة خاطفة حادة فأشاحت بنظرِها مُقتضبة.
أشار لي أن أركب فدخلت لأجلس على المقعد بجانبه، جلست روز في الخلف وقد تساءلتْ بحيرة ما ان استقر خلف المقود: ستعود إلى المجلة جاك؟
نفي برأسه وأجابها: لا، خرجت مبكراً لأوصلكما ثم سيكون لي وجهة أخرى خارج مقر العمل. ماذا عنكِ ستعودين إلى المجلة أم سترافقين كات؟

قالت روز مفكرة: أخذت عدد محدود من ساعات الاستئذان الشخصي لذا سيتوجب على العودة إلى المجلة سأكون مضطرة للخروج عند الثانية والنصف، يا لي من حمقاء كان على أن أفكر بهذا الأمر جيداً، كتاليا هل ستكونين بخير حقاً؟
ابتسمتُ مطمئنة: لا تقلقي روز. سأكون بخير ركزي على عملك لابد وأن فرانك بحاجة إليكِ.
مال جاك نحوي يسحب الحزام راغباً في وضعه حولي وهو يتمتم: ضعي الحزام.

بينما يضع الحزام حولي جذب انتباهي صوت قد لفتني فرفعت عيناي نحو الزجاج الأمامي، رأيتُ دراجة نارية قد توقفت بالقرب من السيارة أمامنا مباشرة. دانيال!

ص. صحيح! أتذكر أن السيد هاريسون قال له أنه سيكون من يصحبني إلى المنزل في الظهيرة! لقد نسيت الأمر تماما ولم أتوقع أنه سيأتي بالفعل! لم يكن يرتدي خوذة وقد تذكرت أيضاً أمر عدم تعويضي إياه بواحدة أخرى! تداركت أنه ينظر نحوي و قد انتبه لوجودي ولربما لمحنا ندخل السيارة مسبقاً.
ابتعد جاك ووضع يده على المقود قبل أن يستوعب وجود دانيال وقال بحيرة شديدة: إنه. العارض دانيال!

ما الذي على فعله؟ أتى جاك ليوصلني لا يمكنني رفضه الآن!
ولكن. دانيال سلك الطريق إلى هنا كذلك. مهلاً هو يقود دراجته ولن يسمح لي بالذهاب معه أصلاً! تلك المرة كان مضطراً ولا أظنه سيكرر الأمر.
التفت للوراء أنظر إلى روز بتردد فأشارت بعينيها نحو دانيال وهمست لي بصوت بالكاد يُسمع: أتى لاصطحابك كما ترين!
نفيت برأسي لها بلا حيلة واعدت ناظري للأمام.

حرك دراجته ليقودها حتى أوقفها بجانب نافذة جاك الذي أنزلها وتساءل بإستنكار: ياللمصادفة! ما الذي تفعله هنا؟
جاك لا يعلم بأنني أعيش في منزله. أراهن على أن فكه سيسقط على الأرض من هول دهشته.
الآنسة المُصورة، سأوصلها.
التفت نحوه بعدم استيعاب! هل قال أنه س. سيوصلني؟ أعود معه؟ على دراجته؟ هل يعي ما يقوله حتى؟

طرفت مرارا وتكرارا في حين كان تعبير وجهه هادئاً غير مكترثاً بينما يحدث جاك!، نظر جاك إلى ثم إليه مجدداً واعترض بتهكم: لحظة يا هذا، بصفتك من ستوصلها تحديداً!؟ ولماذا أنت هنا أصلاً؟
أشار بإبهامه نحو نفسه بملل يقلّب عينيه الزمردية بنفاذ صبر: لم أتناول طعامي جيداً لذا مزاجي سيء، لا تكثر من الأسئلة.
تنتابني الحيرة قليلاً، خرج جاك من عمله وأتى إلى هنا ماذا لو انزعج الآن؟
حدقت إلى دانيال بتردد.

أحتاج كل فرصة يمكنني من خلالها التقرب فيها إليه! لازلت بحاجة إلى أن يتحرر أكثر من قيوده ليعود ذلك بالنفع على أدائه معي وعلى شخصيته إيجاباً! أنا واثقة أنه سيكون في استضافة المؤتمرات الصحفية قريباً وعلى أن أركز على شخصيته أكثر. إن كانت هذه الفرصة قد أتت إلى فكيف أهدرها؟
تذمر جاك منزعجاً: هيه أنت هل تبحث عن شجار؟ أنا أوصل زميلتي وصديقتي وأعرف دوري جيداً فلماذا تحشر أنفك أنت!
جاك. أعيش في منزل دانيال.

تفوهت بكلماتي الموجزة وأنا أتنهد بعمق لأراه يلتفت نحوي بعدم تصديق مردداً بذهول: ماذا؟
أضاف وقد اتسعت عينيه الزيتونية بعدم استيعاب: لماذا تعيشين في منزله! لابد وأنها مزحة!
أجبته انزع حزام الأمان: قصة طويلة، اضطررت لترك شقتي مؤقتاً وصادف أن والده يؤجر غرفة في منزله لذا. كان على استغلال الفرصة.
لمحت دانيال يرسم ابتسامة ساخرة صغيرة وهو ينظر بعيداً بتهكم ويومئ برأسه كما لو كان يهزأ بي.

كتمت غيظي وأعقب موضحة: خلال فترة مؤقتة سأكون قد خرجت من منزل السيد هاريسون وعدت إلى شقتي أو شقة أخرى، أسفة حقاً لم أقصد اهدار وقتك بمجيئك إلى هنا. ممتنة لك جاك.
لمعت عينيه بالذهول وعلا صوته بدهشة ينظر إلى روز: تعلمين بالأمر مسبقاً؟
أومأت روز: نعم.
وجانيت؟
أجابته روز تبتسم بسخرية: شقيقتك تعلم بذلك أيضاً.
ماذا عن. ديفيد!
آه وديفيد أيضاً.
شهق بخفة: الجميع يعلم سواي! لماذا أخفيتم الأمر؟

تدخلت أجيبه: لم نكن نخفيه ولكن لم يكن هناك سبب يدعونا للتفوه بأمر بسيط مماثل.
أنهيتَ تحقيقك؟
اتى صوت دانيال متسائلاً بضجر شديد يضرب بيده بخفة على باب سيارة جاك فأسرعت أقول: سأنزل الآن، سأعوضك لاحقاً على لطفك أعدك جاك. روز اجلسي هنا.

نزلت روز وكذلك فعلت، أسرعت تمسك بيدي هامسة بجدية: كتاليا. هذا الرجل يُعتمد عليه، ان واجهتِ أي مشكلة من فضلك لا تخفي الأمر عنه، أنا واثقة أنه قادر على تحمل المسؤولية وأرجو أنكِ طوال فترة العيش في منزله تستطيعين البقاء آمنة و.
ابتسمت لها أضرب كتفها بخفة: لا تقلقي بشأني، ركزي على ديفيد وحسب.
لانت ملامحها وتأملتني للحظة قبل أن تقول: سأتصل بكِ لاحقاً، كوني بخير.

ثم أنزلت الحقيبة فأخذتها معي واتجهت إلى دانيال ملوحة لجاك بلطف فتجهم وجهه بشدة، وما ان استقرت روز بجانبه حتى حرك السيارة بتعبير جامد مغتاظ.
سمعت من همس يتنهد براحة محدثاً نفسه: حمداً لله على وجود حقيبة! ستفي بالغرض.
أخفضت ناظري إلى الحقيبة ثم نظرت إليه بهدوء: هذا غير متوقع.!
زفر وقال دون ان ينظر الي: انا مضطر لذلك.
مضطر؟
شنّ أبي حرباً مباشرة ولم يتوقف عن لومي، اسرعي.

ثم نظر الى الحقيبة باستيعاب واتسعت عينيه فابتسمت بتهكم واقتربت فوراً لاستقر خلفه والحقيبة في حجري.

لم يدرك منذ البداية ان هذه المرة تختلف عن سابقها.! تلك المرة كانت الحقيبة حائلاً بيننا لانه وضع بيننا حقيبة ظهره، بينما هذه مجرد حقيبة متوسطة الحجم لا يمكنه وضعها على ظهره اصلا لأنها تُحمل على الكتف بدلاً من ذلك. وفي حين كان عقله مشغولا بصدمته كنت انا اشعر بالحماس ورسمت هلى ثغري ابتسامة ترقب انتظر ان يقود دراجته.
لم اتوقع ان احظى بفرصة ركوب الدراجة مجددا خلال فترة وجيزة.!

بقي جالساً ولم يجرؤ على قول كلمة.
تنحنح والقى نظرة سريعة قبل ان يعيد وجهه للامام ولم اعلم ما يرغب في قوله!
وجدت نفسي اتساءل بهدوء: هل. على الاتصال بجاك؟ لا يزال الأمر صعب بالنسبة لك؟
بقي هادئا يلتزم الصمت فتنهدت بعمق وقلت اخرج هاتفي من الحقيبة اتذمر بامتعاض: لم يبتعد بعد لذا سأخبره ان يعود، لم يكن عليكَ الظهور وتأدية ذلك المَشهد منذ البداية.!
ت. تمسكي. بقميصي!

شكراً جزيلاً ولكنني لا انوي الموت بهذه السرعة.
قلت ذلك بينما اضغط على رقم جاك لاتصل به ولكنه سرعان ما قال بإقتضاب: و. وليكن! امر سخيف كهذا لن يعيقني.! لنعد وحسب. تجاوزت عقبات كثيرة ومررت بالعديد فلماذا قد اتراجع الان؟ انها مجرد توصيلة سريعة.
اغلقت المكالمة بشك قبل أن يجيبني جاك وسألته بجدية: واثق من كلماتك؟
تمتم وقد عدل من جلسته: لقد قلتُ بأن أمر كهذا لن يعيقني.

كانت لحظات حتى بدأ يقود دراجته فعاود شعور الحماس والترقب يراودني فوراً.
حدقتُ الى ظهرهِ لثوانٍ حتى تبادر إلى ذهني تورطه مع الشرطة بسببي، لا عجب ان مزاجه سيء جداً منذ ذلك الحين.!
تمسكتُ بقميصه الأسود لمهية قبل أن اقترب أكثرأحيط خصره بذراعي فانكمش على نفسه فوراً بوضوح!
أرخيت يداي قليلاً ولكنني لم أبتعد وقد قلتُ بجدية: هيه أنت! هل أنت حقاً بخير؟ إياك وأن تفقد وعيك أثناء القيادة!

سمعتُ صوته متهدجاً: بالطبع بخير!
تنهدت بلا حيلة ولم أجد ما أقوله. أسرع في قيادته فتمسكت به أكثر ونظراً لذلك أبطأ من سرعته مجدداً!
عليه تجاوز الأمر بطريقته هذا ليس ذنبي! كما أنه من أتى بنفسه وقد رحل جاك للتو بسببه.
لم أخفف من قوة يداي حول خصره وقد نظرت للشارع من حولي بصمت، راودتني عشرات الأفكار في هذه اللحظة فقط!
أعلم جيداً أن الوقت غير مناسب لزوبعة الأفكار في رأسي ولكن.

طالما أكون مديرة أعماله. فسيكون من الجيد أن أستغل الأمر وأتواصل مع شركات دعائية كبيرة تبحث عن وجه اعلاني حالياً، يمكنه الترويج لعشرات المنتجات والأشياء! كلما حدقت إليه كلما اقتحمت الأفكار العملية رأسي!

علي سبيل المثال. أن يروج لمنتجات رجالية كالعطور أو الساعات التي تنتمي للعلامات التجارية الشهيرة، ملابس رجالية أو أياً يكن!، من سيرفضه عند رؤية قامته المطلوبة أو جسده الرياضي؟، ان احسنت استغلال الفرص فلا شك بأنه سيصعد ويلمع نجمه بسرعة أكبر مما توقعت. وان حدث هذا. في المقابل أنا أيضاً سأبرز وأثبت وجودي في مجالات عِدة! لن أكون مجرد مصورة للمجلة حينها. بل أكثر من ذلك بكثير.
دانيال.

ناديت بإسمه بهدوء وجدية وعندما لم يستجب أكملت أترقب رده: أريد مصارحتك لذا سأتحدث بإيجاز ووضوح. أنوي استغلال الكثير من المعايير التي تتوفر بك، طالما أستطيع ادارة اعمالك للوقت الحالي دعنا نستغل الفرصة معاً!، لا أضمن بقائي كمديرة أعمالك لوقت طويل فلابد وأن الوكالات الفنية ستتعاقد معك تتهاوى عليك العروض من كل صَوب، إلى ذلك الحين. أريد أن نبرز معاً. فكّر بالأمر، ان اديت عروضاً ترويجية في مجال مختلف عن الألعاب حينها سيصبح وجهك مألوفاً أكثر فأكثر، لذا سيساهم هذا في لفت الانظار أكثر! مما يعني أنك.

أوقف الدراجة في الإشارة المرورية الحمراء وقال بجفاء رغم رجفة خفيفة في صوته: لا أنكر أنني أنوي استغلال العمل لسبب ما ولكنني لا زلت أكره مبدئك.
قلّبت عيناي بضجر: نعم سمعت هذا مراراً وتكراراً.!
ولن يؤثر بكِ مهما تكرر على مسامعك.
لا بأس بأن تكون واضحاً.
ولكن يوجد بأس في التعبير عن رغبتكِ في.
في ماذا؟ استغلالك؟ يربطنا عمل اليس من الطبيعي ان يقتصر تفكيري على أمر مماثل؟

طبيعي. ولكن تصرفاتك تناقض قولك بإستمرار.
للظروف أحكام دانيال، توقف عن المبالغة في أفكارك وتحليل الأمور! حسناً انسى الأمر. سأترك أفكاري لنفسي لا جدوى من مناقشتك في شيء.
جربي التفكير بأولويات أخرى قبل ان تصبي جُل اهتمامك على عملك.
قالها بنبرة حازمة مترعة بالانزعاج فعقدت حاجباي والتزمت الصمت!
أعقب بكلمات مختصرة: حسناً إذاً. هناك ما أريد قوله أنا أيضاً.

تحرك عندما فتحت الإشارة وقد أكمل حديثه الذي ألجمني لأطرف بعيناي بعدم استيعاب: لا أستطيع تخطي فكرة وجود شخص يبدع في اهمال وايذاء نفسه كما أكره رؤية الشخص نفسه يفضل مصلحته على الآخرين في الوقت آنه، أنا أكره هذا التناقض. ولكن ينتهي الأمر بقرار قد اتخذته ولا أظنني وجدت قرار قد يكون فعالاً أكثر منه. على الأقل حتى الآن. يا فتاة. تصرفاتك تُحتم على ضرورة أن أتحمل مسؤوليتكِ. لذا أخبرك مجدداً أنكِ مسؤوليتي.

ما هذا فجأة! ما الذي تحاول قوله منذ الأمس تحديداً؟
أقصد أنني اكتفيت من رؤية محاولات الانتحار الفاشلة هذا لا يطاق!
هاه!
انعطف بقوة عندما سلك الطريق الأيمن وهو يقول بِنبرة غريبة يختلجها شيء أشبه بالغضب: اخترتِ العيش في منزلي، وفي المقابل أنتِ فردٌفيه وليس من المنطقي التزام الصمت عن الهراء الذي ترتكبينه في حق نفسك، أنتِ بحاجة إلى ان يتم انقاذك فعلياً من مساوئك المفرطة التي تثير المتاعب!

نال مني الغيظ وقد اشتعلت لأصرخ وقد اشتدت قبضتاي حوله: عن أي هراء تتحدث متى اشتكيت لك أو لغيرك لتلعب دور المسؤول عني! ومتى أوضحت لك رغبتي في أي مساعدة حتى؟ دع مساوئي المفرطة تغرقني أو تخنقني ما شأنك أنت بحق الإله؟
جادلني بسخط: استخدمي ردود مماثلة عندما لا تقتحمين حياة الآخرين! ياللوقاحة. هل حقاً لا تستوعبين ما تقومين به!؟

ما قصتك معي تحديداً! أقول هذا للمرة المئة كل ما يربطنا هو العمل فمن أي منطلق تقرر أنك في موضع يسمح لك بتحمل مسؤوليتي أصلاً! لا تحشر أنفك في حياتي وابقى بعيداً عني!
حقاً!؟ هل هذا العمل الذي يربطنا كان سبباً أيضاً في اختيار منزلي هرباً من الفرن الهائج في شقتك بعد ان خلّف لكِ أضرار جسدية يا ترى؟

اتسعت عيناي بذهول قبل أن أعض على شفتاي بحنق شديد ليكمل قوله بحدة: كفاكِ كذباً ومراوغة الناس من حولك ليسوا مغفلين لتعامليهم بهذه الطريقة!
لنقل بأنني أكذب! حينها سنعود إلى المنطق نفسه. ما شأنك أنت؟

ليس السؤال الأنسب لتقومي بطرحه! تساءلي عن نتائج قراراتك وعن رغبتك الجامحة في تغذية جانبك المتعطش للنجاح على حساب أولويات أخرى تستدعي اهتماماً أكبر.! لذا أقول بأنه من الضروري ومن واجبي تحمل المسؤولية! من يمكنه رؤية أمر مماثل بينما يلتزم الصمت بحق الإله هذا يثير حنقي.

أجفلت وقد تسمرت بعدم استيعاب ما ان انفجر مستكملاً كلماته: على الأقل اختاري رجل يُعتمد عليه بدلاً من اثارة اشمئزازي بسماع لسانك بتفوه باسم هذا وذاك!
م.
ما هذا؟
من يظن نفسه! ما الذي يحاول قوله الآن؟ رجل يُعتمد عليه؟ لماذا. يقول هذا؟ ولماذا كل هذه العصبية! يتم لومي وعتابي دون توقف. وقد اعتذرت له مرارا وتكرارا على ما تورط فيه بسببي ولكن. دون جدوى!

جزيت على أسناني بغضب وضربت ظهره بخفة لأنبهه: توقف هنا. سأكملي طريقي مشياً!
لم يستجب لقولي فوكزته على جانبه بقوة ولكنني تفاجأت بعدم تأثره ولو قليلاً!
صرخت بغضب: هيه أنت! توقف أيها النقي الخالي من المساوئ وانزلني حالاً!
أجاب بحدة ونفاذ صبر: سنصل بعد دقائق ليس وكأنني لا أرغب في اكمال طريقي وحدي.
لا أهتم أنزلني الآن وإلا جعلتك تبصر بكلتا عينيك ما يعنيه الانتحار الحقيقي الذي ذكرته بنفسك للتو!

تباً هو يتجاهلني ولم يبطئ من سرعته حتى!، رفعت يدي فوراً أشد شعره بغيظ فتأوه وصرخ: هل فقدتِ عقلك ماذا لو تعرضنا لحادث أيتها المغفلة! ابعدي يدك عن شعري!
واصلت شد شعره بقهر حتى اقتربت أكثر أعض كتفه أغرس أسناني فيها فصاح بي يتألم بغضب: أيتها المجنونة!

اتجه نحو الرصيف وأبطأ من سرعته، لم أنتظر لثانية واحدة وقد احتضنت الحقيبة ونزلتُ بعصبية لولا أن أجفلت ليده التي جذبتني بقوة لاصطدم بكتفه! لأستوعب أمر الشاب الذي مر بجانبي بسرعة يتزلج على مزلاجه اللوحي ولم يفصلني عن الاصطدام به سوى مسافة لا تُذكر!
زمجر الشاب بإنزعاج وهو يكمل تزلجه: افحصي عينيكِ جيداً قبل توريط الآخرين!

طرفت بدهشة للحظات قبل أن أنظر إلى دانيال بحدة فقابلتني عينيه الزمردية المليئة بالغضب وكاد أن يتفوه بكلماته لولا ان اسرع يترك يدي ويطرف بعينيه بعصبية واضطراب.

تحركت أنوي الابتعاد لأكمل طريقي وحدي ولكنني وقفت شاخصة في مكاني وقد لمحت عيناي من يقف على بعد مسافة في الشارع المجاور يسند ظهره على واجهة أحد المتاجر وقد استقرت بين شفتيه سيجارة نفث دخانها بينما عينيه الخضراء تحدق إلى بترقب وبرود يجوبه تهكم واضح.
ب. باتريك!
إنها. أسوأ مصادفة قد حظيت بها! ان أراه هو من بين الجميع؟

لا يجب أن ينفرد بي! لا طاقة تسمح لي في تحمل ما قد يبدر منه من جنون وأفعال مثيرة للغثيان!
أريد حقاً العودة وحدي بعيدة عن الوغد دانيال ولكن. ليس الخيار الأنسب الآن أبداً! ان بقيت وحدي فباتريك لن يتركني وشأني حتى يتلذذ بكسر وتحطيم عظامي الواحدة تلو الأخرى.

تمسكت بحقيبتي بقوة ونظرت إلى دانيال الذي يمرر يده على كتفه وهو يتذمر بصوت هامس خافت واتجهت إليه فوراً، عقد حاجبيه باستنكار وقد تفاجأ بجلوسي خلفه مجدداً دون أن أنطق بكلمة واحدة.
تمسكت بخصره بصمت انتظر ان يتحرك بسرعة وخفقات قلبي متناغمة مع انفاسي السريعة الفزعة. أريد ان أختفي حالاً!

تحرك دانيال بالفعل وهو يتذمر بإمتعاض: خضت الكثير من المشاجرات طوال مسيرة حياتي ولكنني لم أتعرض يوماً لِلعض وشد الشعر! انا أحذركِ من تجاوز حدودك مجدداً!
انتابني الإنزعاج وقد زفرت بنفاذ صبر دون أن أعلق.

ترجلت من الدراجة بخطوات واسعة سريعة بالكاد تعبر عن سوء مزاجي، اتجهت إلى واجهة المحل لأدخل في حين اخذ الدراجة نحو المرأب.
دخلتُ لأرى السيد هاريسون يستلم النقود من أحد زبائنه الذي تحرك ليخرج، قلتُ على مضض: مرحباً سيد هاريسون.
أومأ برأسه وقد نظر إلى بتمعن: مرحباً بعودتكِ مجدداً، تشعرين بالتحسن؟
أنا بخير.

أجبته وقد حاولت أن أرخي من صوتي أكثر فقال بجدية: ارتاحي وتناولي طعامك جيداً، لا يجب أن تزاولي العمل انتظري مرور يومان على الأقل على خروجك من المشفى.
نظرت إلى الأرضية ثم رفعت رأسي حين لمحت من خرج من المرأب فقلت للسيد هاريسون: عن اذنك سأصعد إلى الغرفة. شكراً جزيلاً على اهتمامك سيد هاريسون.

تحركت دون أن ألقي نظرة على دانيال الذي ربتَ على رأسه يمررها في شعره بوجه متجهم متألم، على تمالك نفسي وإلا بدرت مني أسوأ التصرفات الممكنة وتلفظت بأشنع الكلمات. أنا بحاجة إليه لذا لا يجب أن يسوء الوضع بيننا أكثر.
وقفتُ بعدم استيعاب أحدق في أرجاء الغُرفة وقد أوقعت الحقيبة من يدي وفغرت فمي.
الجدران والسرير وباقي الأثاث. ما هذا؟
أوراق كثيرة تم وضعها هنا وهناك وعليها كتابات حمراء كبيرة!

عقدت حاجباي بإرتياب شديد ونظرت إلى أقرب ورقة إلى كانت على المنضدة.
لم تكن الكتابة واضحة بما يكفي ولكن.
دققت النظر قبل ان تتسع عيناي بتفاجؤ.! هل هذه طلاسم؟
هذا الخط الكبير مجدداً. الشيطان لاري!
ما معنى هذا؟ أنني مجرد روح شريرة يجب طردها وتطهير المنزل من وجودها؟ هل هذا الطفل يكرهني إلى هذا الحد؟ من الواضح أنه بحث في الانترنت وكتب كل ما عثر عليه هنا وهناك! لا يمكنه أن يكون جاداً.
أنا حتماً في خطر حقيقي.

تنهدت بلا حيلة وامتعضتُ لألتفت وأغلق الباب ولكنني انتبهت لوجود كارل أسفل الدرج وقد طرف بعينه متداركاً ليقول بهدوء: م. مرحباً بعودتك آنسة كتاليا، أنتِ بخير؟
أخذت شهيقاً عميقاً قبل ان أحافظ على هدوئي وابتسمت له: قبل كل شيء، هلّا القيت نظرة على غرفتي؟
ارتفع حاجبيه باستغراب وتردد بشدة وهو ينظر من حوله قبل أن يقول: لماذا؟

أشرت بإبهامي إلى الداخل: أحتاج إلى مساعدتك في التخلص من هذه التعاويذ، أخبر أخاك الأصغر أن يبحث عن حل آخر، لا يمكن أن يتم تطهير المنزل من وجودي بهذه السهولة. أخشى أنه سيتعب وينهك بمحاولاته!
ارتخت ملامحه مفكراً قبل أن ينفي برأسه وأشاح بوجهه مُحرجاً وهو يعتذر: أسف كان على الانتباه له أكثر، سأحذره مجدداً لا بد أن يلزم حدوده. من فضلكِ انتظري في غرفة المعيشة قليلاً وسأتصرف بنفسي وأنظف الفوضى التي تركها.

انتهت من تفريش أسناني وخرجت من الحمام أنوي الصعود إلى الغرفة، أشعر بالنعاس الشديد كما لدي نية بعدم التغيب عن العمل في الغد، لا يمكنني البقاء دون فعل أي شيء سوف أختنق جراء هذا!، كما أن الآونة الأخيرة حافلة بالكوارث والمصائب واضطررت بالفعل لتفويض الكثير من المهام لفرانك!
إنها التاسعة والنصف ولا بأس بأن أنام الآن لأحظى بالمزيد من الراحة حتى الغد.

هذا ما كان يشغل تفكيري حتى انتبهت لاهتزاز هاتفي الصامت على المنضدة وقد وقفت أحدق إلى الشاشة بإرتياب أتذكر أمراً قد غفلت عنه!
غداً. يوم الخميس!
أ. أبي يتصل ليؤكد الأمر!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *