رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل الثالث والعشرون والأخير
كل الشعراء قبلي، كل القصائد قبلك، كل قصص الغرام قبلنا، لم تكن إلا مقدمات لقصتنا، وكل ساعةٍ مرت من الدهر ليست إلا تنبيه على اقتراب موعدنا.
#لقائلها.
مساءً…
رجع عاصي وحياة لمنزلهما الممتلىء ب العائلة بعد ما ذهب للمشفى وتأكد من صحة الحمل الذي أيدته الطبيبة والذي يبلغ عمره التسعة أسابيع. منحت حياة طاقم الخدم إجارة هذا اليوم لقضاء وقت عائلي مميز وخاص بهم. قضت ساعات طويلة من صغارها وهي تتمم على مطلباتهم من مأكل ومشرب وملابس واستحمام وغيرها. وكان عاصي جالسًا مع تميم ومراد يتناقشون في تفاصيل مشروعهم الجديد والضخم حتى مالت الشمس إلى المغيب.
بغُرفة عاصي.
تجثو حياة على رُكبتيها تصفف شعر تاليا بعد ما فرغت من ضبط شعر داليا. مررت الفرشاة على شعرها الناعم وهي تضع التوكة المتناسقة مع ملابسها وهي تدندن ببعض الألحان حتى جهرت متحمسة بعد ما ضبت فورمة رأسها: -توتا، بصي عليا كده!
دارت تاليا لعندها فشرعت حياة بضبط قُصة شعرها المتدلية على جبهتها وقالت بإعجاب وهي تقبلها: -ده ايه الطعامة والجمال ده كله. ياروحي أنا على القمر بتاعي.
ثم ركضت بسرعة وأحضرت قلم حُمرة الشفاة الوردية وجثت مقابلها وهي تلون ثغرها بذلك اللون اللامع ف زامت تاليا ثغرها بفرحة ثم تابعتها داليا لتزين وجهها بنفس الحمرة وقالت بشغف: -أحكولي، نوران عملت فيكو أيه وأنا مش موجودة.
شرعت تاليا بسرد تفاصيل أمس وهي تضحك وتقلد كلمات نوران بالضبط، فأتبعت داليا رواية أحداث الليلة بنفس المرح والزجاج المهشم الذي نظفه كريم، وبكاءها طول الليل وشجارها المتواصل مع زوجها الذي كلفته المسئولية كاملة، فختمت جملتها بترجي: -مامي، ممكن مش تسيبينا تاني.
انكمشت ملامح حياة المعتذرة وهي تقبلها بحنو زاخر: -ده كان يوم واحد بس. خلاص أوعدكم مش هيحصل تاني أبدًا، وأي مكان نروحه هتكونوا معانا. اتفقنا.
عانقتها داليا بامتنان: -أنا بحبك أوي أوي يا مامي.
فُتح باب الغُرفة فهّل منه عاصي وهو يشيد بإعجاب: -ده أيه الأحضان دي كُلها من غيري؟
أقبل عليه ريان الذي يحبو بحماس مرحبًا بعودة أبيه فانحنى في الأرض ليحمل طفله وهو يقبله: -ريان باشا. وحشتني يا ولاه.
ثم ركل الباب ودلف للداخل متسائلًا: -ركان فين؟
طافت عيني حياة بالغرفة تبحث عنه ثم وثبت كالملدوغة وهي تلوم نفسها: -يا خبر! في الحمام.
ركضت بلهفة لتأتي بصغيرها الذي يعشق اللعب بالماء وهي تحمله صارخة بعتاب يبطنه الشكوى عندما وجدت ملابسه مبللة بالماء: -ركان! حرام عليك بجد. أنتَ بتعمل فيا كدا ليه بجد! طيب أنا مش بصعب عليك! أنا بنت ناس والله ع المرمطة دي كلها.
ثم خرجت به بعد ما قفلت الصنبور وملابسه يتقطر منها الماء وتشكو همها لزوجها: -شايف ابنك! عاصي أنا لسه محمياه! عاجبك كده عناده!
رد ضاحكًا وهي يجلس صغيرته على ساقه: -هيطلع عنيد لمين غير مامته يعني!
ردت بنبرة مبطنة بالضحك والعتب معًا وهي تخرج ملابس جديدة له: -وليه مش لباباه!
-عشان أنا عمري ما كُنت عنيد، بس اتعلمته منك.
-علمتك حاجة أهو، عد الجمايل.
انشغلت في تغير ملابس ركان وانشغل هو في محاورة بناته، شرعت تاليا متسائلة: -بابي أنتوا سبتونا ومشيتوا بالليل، روحتوا فين!
أصدر إيماءة طويلة حائرًا باحثًا عن رد مناسب: -كان عندنا شغل مهم أنا وحياة. وأدينا رجعنا أهو.
فغمغمت بفضول: -أحنا هنسافر أمتى، خلاص أخدنا الأجازة.
ضم صغيرته بحُب وهو يختلس النظر من تلك المتقوسة على الفراش أمامه تبدل ملابس ركان كلؤلؤة بداخل صدفتها وقال: -نسافر، عايزين نروح فين؟
فكرت طويلًا ثم قالت: -مش عارفة، المهم نسافر كُلنا وخلاص.
-خلاص سيبوني أرتبها وهنسافر مع بعض.
تدللت صغيرته متسائلة: -بابي، شعري حلو!
أطلق صفير انبهاره: -يجنن.
فتساءلت الأخرى بنفس الدلال وهي تزوم ثغرها: -اللب ستيك لايق عليا.؟
ضاقت عينيه وهو يطلع رسيل بنظرة حائرة وبعد ما قطف قبلة بطعم الورد من فاه صغيرته: -ده لايق جدًا كمان. بس أنا عايز أقول لكم خبر دلوقتِ.
اتسعت أعينهم بحماس: -خبر أيه، قولنا بسرعة؟
ضاقت عينيه إثر تلك الضحكة الواسعة التي رُسمت على محياه بعد ما خطف نظرة سريعة من ملامحها: -مامي حامل، يعني بعد كام شهر ف بيبي جديد هيجي يلعب معاكم. مش عايزين نتعبها وأي حاجة نطلبها من الناني! ممكن.
صاحا الاثنتان بفرح وقالت أحداهما: -واو! بجد يا بابي؟ يارب يكون البيبي girl عشان تلعب معانا.
فرغت حياة من ملابس ركان فحملته وضعته بالأرض ليلهو مع أخيه، وركضت لتقفل باب الحمام جيدًا وانضمت حوارهم وهي تأخذ داليا من حضنه وتضعها على قدميها برفق: -لو girl أنتوا ال هتختارو اسمها. مش كده يا بابي.
فسألت تاليا الجالسة على ساق أبيها: -ولو boy؟
أردفت بصوت دافئ وهي تناظره: -بابي هو هيختار اسمه.
قبل وجنة صغيرته ثم قال: -يلا انزلوا ألعبوا تحت مع طاطا وغالية. وأنا ومامي هنغير ونحصلكم.
ردت تاليا بطاعة: -okay.
كادت أن ترحل مع أختها ولكن أوقفتهما حياة قائلة: -استنوا، فين حضن بابي الأول، أحنا اتفقنا على أيه.
ارتمن الاثنتان بحضن أبيهما بعد تذكرهما لهذا الاتفاق الذي عقدته حياة معهما كي تجعل وصال الحب دائمًا بقلوبهما. انتظرت حتى انصرفا البنات فنظرت له مبررة: -على أد ما تقدر أحضنهم وأملى قلوبهم حُب يا عاصي. وهما كمان لازم يتعودوا أن حضنك ملجأهم في كل وقت. حتى بعد ما يكبروا. ده أجمل وأقوى حب ممكن تقدمه ليهم في الحياة.
لمعت عينيه ببريق الانبهار وهو يتساءل متعجبًا: -المفروض أحبك أد أيه تاني!
-أنا طماعة ومن حبك مش بشبع.
ثم غيرت مجرى الحديث متسائلة: -الشغل تمام!
قبل كفوفها بحب: -كله تمام وزي ما أنا عايز بالظبط. ودي أهم حاجة.
-طيب يلا خد الشاور بتاعك. أكون رضعت ريان.
ما كادت أن تتحرك فتراجعت تشكو منه: -ابنك اتعلم يعض على فكرة.
عقد حاجبيه مستنكرًا: -بيعض فين بالظبط عشان كده هنقطع على بعض!
لكمة كتفه بقبضه يدها بغلٍ: -بطل بقا القاها منك ولا من ابنك. وسع كده عايزة أنزل تحت.
أحكم قبضته عليها بعد ما قطف قبلة خفيفة من أرنبة أنفها وقال متخابثًا: -معرفتش بردو بيعض فين؟
انفجرت بضحكة مُلطخة بحُمرة الخجل: -عاصي، وبعدين فيك!
داعب بأنفه أرنبة أنفها قائلًا بمزاح: -بطمن بس.
اتسعت ابتسامتها معترفة: -لا اطمن. وسيبني بقا عشان انزل للبنات اجهز معاهم العشا.
لم يبتعد إنشًا عنها بل زاد قُربه: -تمام امشي!
تسارعت ضربات قلبها وهي تعارض قُربه: -عاصي همشي ازاي وأنت ماسكني كده!
عقد حاجبيه راسمًا ملامح الجدية على وجهه: -حياة أنا عملت أيه غلط المرة دي!
اعتدلت في جلستها المائلة وقالت باهتمام: -ليه يا حبيبي بتقول كده! حصل ايه؟
ما زال محافظًا على ملامحه الجادة وقال: -ليه المرة دي واحد مش توأم!
اتسعت عينيها بذهول لجديته المبالغة بالأمر وقالت بعدم تصديق: -لا استنى! أنتَ بتتكلم بجد؟
ثم تأففت بارتياح: -والله خضتني. انا غلطانة إني قاعدة بتساير معاك أصلًا.
ثم وثبت قائمة متجاهلة ضحكته الخفيفة على لهفتها: -هات الولاد معاك مش هقدر أشيلهم.
فغمغمت: -هيجنني هو وولاده يا ربي. أنا بنت ناس على فكرة.
هبطت حياة لأسفل وهي تضرب كف على الأخر تضحك تارة وتصمت طورًا على أسلوبه وكلماته التي دومًا ما يراوغ بها. اتجهت للمطبخ فوجدت شمس وعالية يجهز قطع اللحم للشوي. فقالت معتذرة: -أسفة يا بنات اتأخرت عليكم. عندي 4 قطط فوق ونمر كبير هيجننوني قُريب خلاص.
ضحكا الاثنتان عليها فأردفت عالية قائلة: -أنتِ كفاية عليك عاصي. بالذات وهو رايق، كُنت بشوف معاملته مع عبلة كان مجننها. أنتِ من جبال يا بنتي والله.
فتدخلت شمس واعظة: -لا خليكي مسيطرة كده، بلاش دلع عشان الرجالة دول لو ادلعوا مش هنعرف نكلمهم بعدين.
حدجتها حياة ضاحكة: -الله يكون ف عونك يا تميم. بالراحة يا حبيبتي، كله بالدلع والكلمة الحلوة بيمشي. وبعدين لو مدلعتوش أنا مين هيدلعه يا دكتورة؟
جلست عالية على أحد المقاعد بفضول يغلفه التردد: -حياة، أنتِ تعرفي أنا كُنت فاقدة الأمل في عاصي، حاولت معاه كتير يتغير معرفتش. عندي فضول أعرف أنتِ عملتي أيه!
كانت تغسل يديها بالماء الفاتر فأطلقت ضحكة خافتة وتنهدت بارتياح مردفة: -حبيته من قلبي يا عالية.
فعارضتها مستفهمة: -مها كمان حبته بس متغيرش!
كشفت على إناء الرز المطهي وتذوقت القليل منه ثم قالت: -الحُب لوحده من غير ذكاء مش كفاية. يعني مثلًا الرجالة دول زي الطيور المُهاجرة بالظبط، مش بيحبوا يعيشوا ف أرض واحدة، بيتنقلوا من مكان لمكان مع فصول السنة وبعدين يرجعوا لوطنهم. أزاي بقا تطمني أنه هيرجع تاني لوطنه! ماهو آكيد هيشوف الأحلى في مكان ما.
ترك الاثنتان ما بيدهما وانتبهن لنصائحها، فجلست على طرف المقعد وأكملت: -كوني له الفصول الأربعة من غير ما تحسسيه بده. خليه فاكرة نفسه طير حر محدش مقيده بس فالحقيقة هو بيطير في فضاءك أنتِ. أبسط مِثال يا هانم أنتِ وهي. يوم موضوع الرقاصة ؛ ال حصل أن كل واحدة فيكم طردت جوزها وأعلنت عليه الحرب، مع أن الرجالة ما أجرموش يعني، ربنا خلقهم كده بيميلوا لكل حاجة حلوة لازم هيبصوا. عايزينهم يخالفوا الفطرة يعني!
كادت شمس أن تعارضها ولكن حياة أصرت أن تُكمل حديثها ومعتذرة بشياكة: -عارفين أنا عملت أيه! قومت ورقصت له ورقصنا سوا وقضينا ليلة من أحلى أيامنا مع بعض. صحى الصبح مش فاكر الرقاصة دي، كل ال بيدور في دماغه تفاصيل الليلة اللي فاتت وبس. وأنا متأكدة لو جبت له سيرة فرح نوران مش هيكون فاكر حاجة غير وقتنا الحلو مع بعض. اتعلمي عالجي المواقف بينكم بالضحك والهزار وحبة دلع. يا ستي ما تدلعي هتكسبي ثواب والله.
ثم نظرت لشمس: -اتفضلي يا شمس. عايزة تقولي أيه.؟
غمغمت بتوجس: -أنتِ معاكِ حق، أنا ال بقيت مسجونة في قيود الماضي والتربية ومش عارفة أطلع منها. اتربيت على الغلط غلط والصح الصح. محدش فهمني أن الغلط دلوقتي صح بعدين مع شريك حياتك. وده الفخ ال أغلبنا وقع فيه.
أردفت حياة متفهمة: -البيئة بتفرق ف التربية جدًا ومش هقدر ألومك والمفروض تميم يتفهم كده، أنا عشت حياتي كلها وسط أجانب وحياتهم والبساطة ال بيتعاملوا بيها. الناس دول بيعرفوا يبسطوا نفسهم بجد. أنا اتكلمت مع مختلف الثقافات والعقليات لحد ما كونت شخصيتي. بقيت عايشة بشخصيتين، بنت السوق الجامدة مع باباها، والفراشة ال مش بتحلم غير بريحة الورد مع كتبها. لحد ما قابلت عاصي.
ثم أطلقت ضحكة خفيفة وأتبعت: -اصطادته بذكاء رسيل، وكلبشته بحُب حياة.
دخلت نوران تصيح من الخارج: -الاكل يا جدعان، الرجالة ال بره دول لو مأكلوش هيتعشوا بينا. ما تنجزوا بقا.
تبادلن الضحكات فتقدمت حياة قائلة لهم: -طيب أنتوا أشووا اللحمة برة وأنا هنا هعملكم شوية سلطات للمشاوي مش هدوقوا أحلى منهم.
ثم أتبعت: -نوران عاصي لو بره بليز نادي عليه عشان يساعدني.
تقدمت نوران مستعدة للمساعدة: -ما أساعدك أنا، أنا فاضية.
طالعت شمس وعالية بنظراتها الإرشادية: -هي ماسمتعش الكلام من اوله.
ثم نظرت لنوران ممازحة: -ياستي أنا عايزة جوزي يساعدني الله!
تأرجحت عيني نوران بعدم فهم: -أنا غلطانة، متزوقيش طيب.
بعد مرور عدة دقائق جاء عاصي مرتديًا ملابسه الرياضية السوداء وأول ما فعله فتح الثلاجة وسكب كوبًا من العصير وقال لها: -نوران قالت لي إنك عاوزاني.
فرغت من غسل الخُضار بالمصفى ثم قالت متدللة: -هعمل سلطات كتير، ممكن تساعدني وتقطع دول. وكمان بتلكك عشان نقعد مع بعض.
شد المقعد ولبى طلبها مرحبًا: -بدل ما أنا قاعد في وش تميم ومراد، زهقوني شُغل.
ضحكت متدللة وهي تجهز له و أدوات السلطة وقالت: -شوفت بحس بيك إزاي.
بالخارج.
يلعب كريم ونوران بالكرة مع البنات في أجواء يملأها المرح والضحك. وعلى الجهة الثانية يقف مراد بجوار عالية يشوى معها قطع اللحم على الفحم ويذوقان طعمها باستمرار. أما عن شمس وتميم يجهزان مائدة الطعام ويقومان برص الأطباق أمام المقاعد الخشبية بالحديقة، فأردفت تميم مقترحًا: -بفكر نشتري بيت هنا. الجو مع صوت البحر عالم تاني، جنة على الأرض. أيه رأيك؟
تركت ما بيدها متحررة من قيود الماضي متبعة نصائح حياة ودنت منه بأعين لامعة: -أي مكان هنكون فيه سوا، هيكون جنة يا حبيبي.
انكمشت ملامح تميم بذهول لتلك النبرة الجميلة التي لم يعتادها، تحسس درجة حرارتها بصدمة: -شمس! أنتِ سخنة؟
ضحكت بخفوت وهي تتمسك بملابسه برفق: -لا متقلقش أنا كويسة. وكمان عندي فكرة لو عجبتك نعملها.
ما زال تحت صاعق صدمته: -كمان! لا في حاجة غلط، هوا البحر ضربك في دماغك تحبي نشوف دكتور!
لكمته برفق معاتبة: -بس بقا. هرجع في كلامي عشان الطريقة دي.
-لالا أنا ف عرضك، اثبتي. قولي فكرة أيه؟
بللت حلقها وهو تقضم في طرف شفتها السُفلية وقالت: -بفكر نسيب طاطا مع نوران، ونروح أي أوتيل أو القرية السياحية بتاعتكم هنا نقضي ليلة هادية سوا بعيد عن الدوشة. أيه رأيك؟
رد بحماس شديد وهو يحاوط كتفيها: -ودي عايزة رأي! المهم الليلة الهادية دي فيها رقص!
انكمشت ملامح وجهها وهي تبعد عنه: -اسكت يا تميم.
رد مشدوهًا: -أسكت ايه! أنا غلطت في أيه طيب.
انشغلت برص الأطباق عنه وهي تقول: -انسى كل ال قولته!
رد بحسرة: -انسى ليه؟ أنا ملحقتش أفرح! ياشمس استنى بس.
بالجهة الأخرى.
-مراد، هنمشي بالليل ولا الصبح!
كان يهوي فوق اللحم بالمروحة اليدوية، فتفقد المكان حوله وقال متهامسًا: -أيه رأيك نسيب غالية مع كريم ونوران، وافسحك شوية في الغردقة!
لمعت عينيها بسعادة: -بلاش نرخم عليهم حرام، كفاية ولاد عاصي إمبارح.
وشوش لها معترضًا: -عاصي إمبارح وإحنا النهاردة! فين المشكلة؟
ابتلعت ضحكتها بغنج وعاتبه: -مراد، كريم لسه عريس مترخمش بقا.
حسمت ملامحه الأمر: -تؤ. أنا هتصرف، متقلقيش أنتِ.
بالمطبخ.
-وكده كُل سلطات المشاوي خلصت. وطبعا أنتَ لسه مخلصتش سلطة الخُضار.
قالت جملتها بنبرة موبخة وهي تشد السكينة من يده وشرعت بتقطيع الخيار ولكزته بمداعبة لطيفة، فأكملت:.
-لأن طبعًا عاصي باشا مش مركز خالص، مرة بيبص عليا مرة بيتكلم في التليفون مرة يفتش فالتلاجة. وكده مش هنتعشى. أعمل فيك أيه!
مسك قطعة من الخيار ووضعها ب فمها متسائلًا: -أنا عملت كُل ده!
تناولت الخيار من يده وقالت بمزاح: -شايف أنا خلصت كام نوع سلطة! وأنتَ لسه بتقطع ف الخيار! أنا معرفش اعتمد عليك خالص كده.
داعب خصرها من تحت شعرها المنساب برفق وقربها منه وهو يتأملها بإعجاب معترفًا: -كُنت بتلكك عشان تيجي تقفي جمبي نفس الوقفة دي!
باغته بدهاء: -أنا أصلاً ناديت عليك، عشان الوقفة دي!
لا أحد يعرف تفسيرًا دقيقًا للحب، أ هو حرب طاحنة من المشاعر التي يعيشها الإنسان، أم أرضًا مقدسة خُلقت للسلام لا تطأها إلا قدمي العاشق؟ أم أنه فصلاً رائعًا من الجنون يشبه فصول السنة الأربعة، بكُل فصل يحوي طقوسه الخاصة؟ أم أنه مباراة كرة قدم الجميع يركض وراء شيء لا يعرفه على أملٍ أن يأتي بجول الفوز؟
وثب قائمًا ليحوط عليها بذراعيه المستندة على سطح الطاولة وتغرق أعينه في ظُلمة شعرها. وقال: -لعبة القط والفار دي هتنتهي أمتى!
تململت متغنجة: -وتنتهي ليه! ولا عشان توم دايمًا بيخسر زيك!
لكز كتفها بكتفه القوي بمزاح وقال: -ده بمزاجي بس.
تأوهت قليلًا من كتفها وقالت بدلال وهي تلف بين يديه لتضع قطعة من الفلفل الحار بفمه مستغلية تركيزه الشديد معها ظناً منه بإنه خيارًا: -مش كل حاجة بالعضلات على فكرة!
كاد أن يجيبها وهو يمضغ الخضار الذي وضعته بفمه ف برقت عينيه مندهشًا وهو يركض ناحية كوب العصير: -حياة أنتِ اكلتيني ايه! ده فلفل! يخرب عقلك!
انفجرت ضاحكة وهي تعود لتُكمل السلطة وتقول: -شوفت انها مش بالعضلات خالص على فكرة!
وضع الكوب على سطح الطاولة بغلٍ: -صبرك عليا.
أخذت قطعة من الخيار ودنت منه وكأنها تقدم صك اعتذارها، ما أن رمتها بفمه وضعت ذراعها فوق كتفه متدللة: -الخيار هيبرد بؤك. المهم، هتقولهم برة إني حامل ولا نستنى شوية؟
لكت اللقمة بفمه: -والله عايز أقول بس خايف من العين.
-مادام قلت للبنات واجب نعرفهم. البنات ممكن يتكلموا بصفي نية!
ضاقت عينيه متوعدًا: -بمناسبة صفي النية، ليلتك مش فايتة النهاردة معايا عشان تأكليني فلفل تاني.
راودت فمه على القُبل وقالت باعتذار: -بالغلط!
عاصي بعدم تصديق: -لا يا شيخة!
ثم تهامس متوعدًا: -فتحتِ باب تكوني أده.
-أنتَ ناوي على أيه!
ثم تمسكنت بدلال مفرط: -عاصي أنا حامل!
-ابتدينا بقا!
هنا جاءت تاليا ركضًا لعندهما ففرقت تقاربهم وقالت: -بابي يلا عشان الاكل جهز.
حدجته بعتب: -شوفت، بتيجي عشان تعطلني وبس!
احتشد الجميع حول الطاولة الممتدة والتي تحتوى على أشهى أنواع اللحوم المشوية والسلطات اللذيذة التي أعدتها حياة. كل واحد جلس بمقعده وقف عاصي على مقدمة الطاولة التي يرأسها بجوار حياة وقال:
-قبل ما تأكلوا، في خبر حلو.
أطرقت بخجل ثم مسك كفها مُعلنًا: -حياة حامل!
تعالت أصوات الفرحة والمباركات إلا تميم الذي تدخل مستفهمًا: -من يوم يا جاحد! عملتها ازاي دي؟
لكزته شمس بعتب كي يصمت ولكنه تهامس مبررًا: -أهو سبقنا أهو. ارتحتي؟
تدخلت نوران مستفسرة: -نسأل الأسئلة المهمة، المرة دي اتنين ولا واحد!
مازحها كريم ضاحكًا: -سؤال مهم فعلًا، أصل عاصي بيجيب بالجوز! كام المرة دي يا قائد!
تدخل تميم مازحًا: -هما ممكن يكونوا أكتر من اتنين! عاصي أخويا ويعملها.
فهتف مراد قائلًا بلطف: -ما كفاية قر على الراجل. قولوا ماشاء الله!
ثم نظر إليه قائلًا بترجي: -ما تقولي الطريقة عايزين نخاوي غالية!
فباغته كريم قائلًا وهو يرمي بعض الكلمات على نوران: -بندخل من بوابات غلط طيب!
لم تتوقف حياة عن الضحك الهستيري من نكات الجميع حولها، فتدخل عاصي بهدوء وهو يجلس على مقعده: -احترم نفسك منك له! أنا قولت هي عين ورشقت. عموما بعد كام شهر هيبقى عندنا خمس عيال ها، خمس عيال عشان نزيح العين دي!
ثم مال إليها وقال: -الغلط طلع مش مني عموما! المرة الجاية فكريني نبخر قبل ما نعملها!
ضغطت على يده كي يصمت وهي تجلس بجاوره
تدخلت عالية مباركة: -مبروك يا حياة. يتربوا في عزك أنتِ وعاصي.
ثم نظرت لأخيها قائلة: -مبروك يا حبيبي، وأبقي بخري كتير بقا عشان العين هنا كلها عليكم.
ضحك الجميع وتدخلت شمس لتهنئها: -مبروك يا حيوية. ربنا يقومك بالسلامة.
مال كريم ناحية نوران متمتمًا: -وأحنا هيباركولنا أمتى!
شرعت بأكل اللحمة بشراهة وقالت بلا اهتمام: -بعد ما أخلص جامعة.
-بعينك! أنا خلاص عايز أبقى أب زيهم. اتصرفي ولا اتجوز عليكِ.
طالعته بابتسامة كبيرة وهي تضع اللحمة بفمه: -اتجوز عليا…
علي الجهة الأخرى مال مراد ناحية آذان عاصي الجالس بجواره قائلًا بحذر عن أمور الشغل: -صاحبك استوى وبقا على آخره!
وضع عاصي قطعة اللحمة بفمه ثم قال بنبرة انتصار: -يستاهل، عشان يقف قصاد عاصي دويدار تاني!
استند مراد بمرفقه على سطح المائدة وأكمل: -تفتكر هيسكت ويعدي خسارته!
رد الأخر باختصار: -أنا جاهز لأي ردة فعل. مراد انزل بالسعر من بكرة. واضرب على الحديد وهو سخن.
تدخلت عالية متسائلة: -حياة، أخواتك فين! مش معانا يعني.
انتهت حياة من ملء طبق تاليا وداليا والتفت لعالية لتجيب على سؤالها: -يونس بيستلم شُنحة من الجمارك. ورشيد مشغول مع خطيبته في تجهيزات البيت والفرح.
أبدت شمس إعجابها بسلطة الدقوس الباردة: -حياة السلطة رهيبة! ملهاش حل.
-بجد! بالهنا يارب. هابقى أقولك طريقتها.
ثم دارت لتملأ طبق عاصي الذي وجدته يحوي كمية قليلة من الطعام، وقالت بحبٍ: -بالهنا يا حبيبي.
اكتفى باحتواء كفها بامتنان ثم قال بهدوء: -يلا كُلي أنتِ كمان.
مرت دقائق معدودة من الأكل والضحك والمداعبات وبعض الأحاديث الجانبية عن العمل والكثير من نظرات الحب المتطايرة بالمكان. حتى جاءت فكرة مجنونة برأس نوران ووثبت قائمة وهي تربت على كتف كريم: -كيمو، تعالى معايا.
تعالت الحيرة وجوههم حول تصرف نوران الجنوني. حتى تساءل تميم قائلًا: -المجنونة دي هتعمل أيه!
مرت دقائق قليلة ثم جاء كريم حاملًا سماعة كبيرة ووصلتها نوران بهاتفها وقالت بحماس: -هشغلكم أغنية والكل يقوم يرقص.
حدجتها شمس بعتب: -نوران! كريم ما تشوف مراتك!
هز كريم رأسه متفهمًا وهي يشد الهاتف من يدها: -حاضر هشوفها هتشغل أيه! وريني كده!
زفرت شمس بضيق لتشكو لتميم: -والله الاتنين أجن من بعض.
صاحت نوران بحماس وهي تختار الأغنية: -دي دي يا كريم…
وقع اختيارها على أغنية عامر منيب بينا نعيش.
-من أول يوم ف لقانا، خدني هواك، عشت معاك. أحلى سنين عمري يا غالي.
تركت الهاتف من يدها فوق السماعة وشد زوجها لساحة الرقص معًا. ثم تابعها عاصي وحياة اللذين تشاورا بأعينهم. مال مراد لعالية: -تيجي!
لبت دعوته على الفور بحماس: -يلا!
نظر تميم لشمس الجالسة خائفًا من رد فعلها: -نسقف لهم طيب!
لم تمنع نفسها من الضحك فمدت له كفها وقالت: -لا مش هنسقف، هنرقص معاهم.
ومع دقة صوت عامر وهو يقول: -بان على طول أيه جوانا لما العين جات في العين ولا حسيت باللي جرالي.
كانت تُطيل النظر اليه وهي تشاور بسبابتها لعينيه وتردد كلمات الأغنية بكل مشاعرها وكأنها تهدي الكلمات إليه. فجهر صوت الغناء الذي قرب الأحبة من بعضهما: -بينا نعيش، ده العمر ليلة ما تقوليش نستنى ليلة دي الأيام جمبك جميلة وعمري يا غالي لقيته معاك.
الجميع يُراقص حبيبه حتى توأميه لدغ الحب قلوبهما فوقفا يتراقصان مثلهما ببراءة الطفولة. حتى أشارت حياة لعاصي أن يلتفت لهن ثم ارتمت على كتفه ضاحكة، فأشار إليهن كي يقتربان ويرقصان معهما. كان يراقص ثلاث جميلات في آنٍ واحد.
أما عن مراد فكان لديه عاليته وغاليته اللاتي اكتملت حياته بوجودهما. كانت ابنته على كتفه وبالكف الأخر يراقص زوجته التي أخبرها همسًا: -أنتوا أحلى حاجة ف حياتي.
جاء صوت الغناء ناطقًا في اللحظة التي دار تميم شمس فيها تحت يده لتعود لحضنه: -قربلي كمان يا حبيبي، سيبني أعيش. نفسي أعيش ليلة ما كانت على بالي.
ما أن عادت لحضنه همس لشمس حياته المظلمة قائلًا: -هنهرب الليلة دي ولاا.
اتسعت ضحكتها بحماس وهي تنظر لصغيرها الذي يلهو مع أطفال عاصي: -نهرب.
كانت رقصات كريم مثيرة للضحك مع زوجته التي جذبها لحضنه قائلًا: -الليلة هناكل مانجا للصبح. آخيرًا لا فيه عيال عاصي ولا زنهم.
ما كاد أن ينهي جملته فجاءت شمس لعند أختها المتراقصة والتي تحلم مع حبيبها بليلة هادئة عوضًا عن ليلة أمس، فقال راجية بعجل لتلحق بتميم: -نوران، هسيب طاطا معاكي الليلة دي. أصل تميم عنده شغل مهم برة ومش هعرف اسيبه لوحده.
أردفت جملتها وهرولت خلف زوجها. ما كادت نوران أن تتلقى الصدمة فجاء مراد لعنده معتذرًا وهي يرمي بحضنه غالية: -كيمو أخويا الجدع، غالية ضيفتك النهاردة. هاخد عالية افسحها والصبح هتلاقينا هنا.
ثم ربت على كتفه: -الأخوات لبعضيها وأنتَ عمها بردو.
لم يمهله مراد الفرصة كي يفيق من صدمته فلوح بيده لعاصي الواقف مع حورياته معلنًا رحيله. برقت عيني نوران وكريم بذهولٍ لينطقان في نبرة واحدة: -هو في اي!
فأتبعت كريم مُكملًا: -عليا النعمة الجوازة دي منظورة! خدي كده البنت دي. انا ماشي.
هتفت منادية بترجي: -كريم متسبنيش لوحدي، تعالى هنا!
ف الثالثة فجرًا.
نهضت حياة بهدوء شديد من حضن زوجها النائم بجوارها وبعد ما طبعت قُبلة خفيفة على كتفه العاري انسحبت بخفة وهي تمسك بكفها روبها الحريري الطويل الذي كان يلامس الأرض ويُجر وراءها وهي تسير على أطراف أقدامها الحافية الوردية التي يُزينها خُلخالًا من الذهب. وصلت أمام باب الشُرفة وارتدت ذلك الروب فوق منامتها القصيرة للغاية قبل فتح باب البلكونة لفت الحزام الناعم حول خصرها وربطته جيدًا ثم وقفت أمام البحر لتودعه قبل عودتها للقاهرة في الصباح الباكر.
لاشيء يبقى حبيسًا لدينا. حتى الذكريات في دواخلنا أن حلت علينا أيامنا الجميلة تنجلي لتصبح كأنها شيئًا لم يكن إلا ما أردنا نحن أن نتمسك بها بقوة كالتي يعصف بها الموج ويتضارب مع بعضه البعض الآن. تلك القوة التي حتما ستضعف لكي تجعلنا نترك ما كنا نتمسك به ليُعكر صفوانا كما يهدأ الموج ويكف عن التلاطم ليبقى البحر ساكنًا أمنًا نبقى نحن فارغين من الداخل من شبح الماضي اللعين فدعه يذهب حرًا طليقًا لقد حل بنا الحب فلا حاجة لنا بتفاصيله المُخيفة.
مع صوت تلاطم الموج صدح برأسها صوت الطفلة التي تركض نحو أبيها قائلة بحماس لتهتف بجملته المميزة والتي حفظتها: – يا معلم. البحر عالي والموج بينادي علينا والسمك مستنيننا. مش يالا بينا قبل الصيادين ما ياخدوا رزقنا!
وضعت كفيها على قلبها النابض بمرارة الذكرى الأليمة وهي تتعلق بيد أبيها متحمسة لنزول البحر ككل يوم بدون ملل، نظرت للسماء التي تحضن جسد أبيها ثم للبحر الذي غدر بها بعد ما منحته كل الثقة كأن طباع البشر تسربت له. تنهدت وكأنها تتمنى حقا أن يعود بها الماضي لتضم أبيها بحنانٍ، بلهفة الغريق الذي وجد كمشةً من الهواء في رئة الموت، أن تمحو شمس النهار الذي غادر فيه أبيها، مَن سواها يستعذبُ هذه المشقّةَ، ويشتعلُ من شدة الأسى، وسط هذا الكوكب الظالم والمظلم والذي يحاوطه غلاف جوي من الغدر. عانقت أعينها السماء وقال باشتياق: -وحشتني يا معلم قنديل. كنت اتمنى تكون معايا وتشوف أحفادك. كنت هتبقى أعظم جدو، زي ما كنت أعظم أب.
فاقت من كومة أحزانها على احتوائه لها وهو يدفن القُبل المُعطرة بجدار عنقها متسائلًا: -منمتيش ليه؟
ابتلعت أخر عبرة بعينيها وقالت: -بودع البحر وحياتي هنا وبابا. كُل حاجة هنا ليها ذكريات معايا. تفتكر هقدر أعيش بعيد عن الغردقة والبحر؟
أردف بجدية: -حابة تقعدي؟
-حابة أكون في المكان ال هتكون فيه وبس.
ثم تنهدت وطالعت نجوم السماء بشغف: -اليوم كان جميل، ولمة العيلة والفرحة. حقيقي أنا هبذل كل جهدي عشان أحافظ على اللمة دي لحد أخر يوم في عمري. لازم ولادنا وولاد تميم يطلعوا وأيديهم ف ايدين بعض. مش عايزة أكرر خطأ عبلة وجيهان! العيلة حلوة. مش عايزة ولادي يتربوا لوحدهم.
تأوه بمرارة وهو يؤيد حديثها: -عبلة وجيهان! حقدهم هو ال فرقنا، حتى لو كنا مع بعض. كانت النفوس مش صافية.
-ال فات مات يا حبيبي. أحنا لسه العمر قِدامنا وهنصلح كُل ده.
ثم ابتعد عنه بخفة فراشة وقالت: -أنا خلصت روايتي الجديدة. وهتنزل المعرض الجاي.
-وأنا هعملك حملة دعايا محصلتش. لازم العالم كله يعرف هي مين حياة المصري.
تمسكت بكفوفه بامتنان وقالت بحماسٍ: -تحب أحكي لك عنها!
شد أحد المقاعد بالشُرفة وجلس عليها وأخذها لعنده وهو ينصت لها باهتمام: -احكي يا شهرزاد.
جلست على ساقه وأخذت نفسًا طويلًا ثم شرعت قائلة: -البطل والبطلة اتقابلوا على مركب.
رفع حاجبه مندهشًا بتصنع: -وكان اسمهم عاصي وحياة!
ضحكت بخفوت ثم أكملت: -اسمهم عاصي ورسيل، هو سماها حياة بعدين. عاصي ده كان حظه من اسمه، مفيش حاجة في حياته كانت صح. لحد ما قابل حورية البحر وابتدت قصة حبهم بين اتنين بينهم اختلاف السما والأرض.
ثم أتبعت بتركيز: -وبعدين؟
-محدش فيهم كان ينفع يروح لعالم التاني. لا هو كان هيتأقلم ويعيش معاها في البحر. ولا هي كانت هتقدر تعيش في العالم بتاعه. تعرف أيه ال حصل بعد كده!
-ياريت!
-رغم اختلافهم الشديد الا أن الحُب كان منطقة أمان لقلوبهم. هو مشي خطوة وهي كمان مشيت له خطوة لحد ما تلاقوا في نقطة واحدة والاتنين اتأكدوا أنهم مش هينفع يرجعوا لحياتهم مرة تاني. حياتهم بدأت مع بعض من هنا.
ألقى تحية الحُب على جنينها براحة يده الراسية على بطنها: -وبعدين؟
تنهدت بحماس: -من هنا بدأت حياة العاصي.
بس واجهتهم مشكلة صغيرة أد كده؟
انكمشت ملامحه: -ياساتر! مشكلة أيه؟
عانقت كتفيه بحُب يفيض من مُقلتيها: -حياة كانت طماعة ف حبها. وكانت عايزة عاصي يبقى ليها وبس.
اعترف قائلًا: -هو كان ليها وبس على فكرة!
أصدرت صوتًا نافيًا: -كانت عايزاه زي أبطال رواياتها، زي ما كتبت كده.
كُن
لي
كما
أهوى.
كان هناك شيء ما في عَينيها أو وَجهُها أو كُلها يفتح لَك أبواب الجنة أو تخرجك منْ عتمة سجنك إلى الحياة الزاهية. فأردف مستمتعًا بحديثهما معًا: -وحصل أيه!
-أنها عاشت معاه حُب الروايات والخيال، وأجمل ما كانت بتتمنى كمان. وهو؟
تنهد كأنه يعيش ويتنفس الحب معها: -هو رجع للحياة على إيديها.
حبك كان لي بطعم الحياة.
كل الشعراء قبلي، كل القصائد قبلك، كل قصص الغرام قبلنا، لم تكن إلا مقدمات لقصتنا، وكل ساعةٍ مرت من الدهر ليست إلا تنبيه على اقتراب موعدنا، عن موعد لقاءنا الذي تهيأت له السماء بنجومها وأفلاكها، ونفذ البحر خطة القدر المكتوبة من قبل أن تأتي لهنا: -عشان كده وثقت قصتنا، أحنا هنمشي بس الحُب عمره أطول مننا. لازم العالم كله يعرف قصة العاصي و حياته. زي ما لسه بيحلف بقصة القيس وليلته.
ثم مالت برأسها على كتفه وقرأت على مسامعه جملتها الأخيرة التي ختمت بها روايتها: -تعلم إنني كتبتُ عنك كثيراً لدرجة أنّي جعلت الجميع يُصاب بالفضول لمعرفة من أنتَ يا رجل!
من أنتَ الذي فُتحت لحبه أبواب حبي الموصدة التي لم تُفتح لأنسٍ قبله أو بعده.
وها هو القدر الحنون، لقد جاء بك لعندي واليوم ساكتب لك بدلًا عنك. أحبك كثيرًا.
تمت
التعليقات