رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل التاسع عشر
(ميرنا)
– هل ستكون بخير؟
صوت ما اجاب هذا السؤال، اعرف صوت من طرحه واجهل من اجابه. ولكن لايمكنني التركيز في كليهما، اشعر بجسدي يطفو فوق سطح الماء. يرتفع بتموج ويتمايل بضعف، شيئاً ما يخترق اوردتي. صوت طنين يتذبذب عند مسامعي، لمسة دافئة لمست لي وجهي كانت اخر مااتذكره قبل ان اغط بسبات عميق داخل ذلك السرير البارد!
وكأنها ثواني فقط قد مرت على وانا في عالم اللاوعي. لم اظن ان ذلك الليل الحالك سينقشع بهذه السرعة وتزعج منامي اشعة الشمس الخفيفة التي تنساب خلسة من ستار الغرفة، ولكن ليس غرفتي!
قلبت بصري في الارجاء، اغطية بيضاء. ارضية بيضاء. سقف ابيض، المستشفى!
ثقل ما يرتكز فوق صدري يمنعني من الحركة جانباً، عبق خصلات شعره يتخلخل انفاسي!.
رفعت يدي ببطئ لأستكين بها فوق وجهه الذي يستقر فوق صدري ويغط بنوم عميق! لم يستيقظ بادئ الامر فقلت بتعب: – سيف؟
وهنا رفع رأس دفعة واحدة بفزع وفوراً احاط وجهي بين يديه وهو يقول بخوف: – هل انتِ بخير حبيبتي؟
فركت رأسي بأصابعي وانا اقول بأجهاد: – ماالذي جاء بنا الى هنا؟ ماالذي حصل؟
حدق سيف داخل عيناي بتوجس لثواني قبل ان يقول بخفوت وتردد: – عزيزتي. ألا، تذكرين؟
وهنا انا من حدقت داخل عيناه بعدم استيعاب، عقلي مضطرب ومشتت لايمكنني ربط الاحداث ببعضها، اذكر اننا كنا نتحدث. ثم رقصنا، ثم امي.!
وهنا فجأة تزعزت من سكوني واضطرب جسدي وانا اصرخ بجنون:
– ابي. سيف ابي، سيف، ابي!
– حبيبتي اسمعيني. ميرنا ارجوكِ انصتي الي. ميرنا!
حاول سيف بأي طريقة تهدئتي من بكائي الهستيري وحركاتي المجنونة التي ادت الى انفلات مصل السائل الوريدي ونزف يدي بشدة، ولكني لم اشعر بشيء، لا بألم. ولا بيديه التي تضماني اليه، شعرت بنار فقط تستعر داخل روحي، بصرخة مكتومة مهما علا صوتي فلا اشعر بها تخرج، اعلم ان البكاء لن يعيده، اعلم ان صراخي لن يصله، ولكن روحي تعذبني. وعقلي يرفض تصديق مايحصل، قبل ساعات عديدة فقط كان معي، كان معي ولكني لم اتحدث اليه، لم اخبره بما قد عرفته! وكلما تداولت هذه الفكرة لعقلي كلما شرعت بصراخ اقوى جذب الاطباء نحو غرفتي كي يحقننوني بأي مهدئ لحين يجعلني اسكن قليلاً، ولكنهم واجهو مشكلة مع سيف اكثر من مواجهتهم معي، حاولو بكل طريقة ابعاده عني ولكنهم عجزو، كان يضمني اليه بقوة يرفض افلاتي، وكأنه كان يحتاج لصراخي كي يبث صراخه المكتوم!.
عانقته بقوة، ضممت وجهي الى صدره. اطلقت صراخي داخل روحه واستسلمت لتلك الحقنة التي اسكنت لي جسدي. ولكنها ومع الاسف لم تسحبني من هذا الواقع المشؤوم، بل اجبرتني على عيش ألمي بصمت!
(ومضة)
ضمت ميرنا السيد ويزلي نحو صدرها اكثر وهي تتكور حول نفسها وتبكي بعد ان اخبرتها سلوى بسفر يوسف وعدم عودته مجدداً، احست بأنفتاح باب غرفتها وانسياب نور الممر نحو تلك الظلمة التي تحيطها، شاهدت من خلف دموعها ابيها الذي ينظر اليها بحسرة!
جلست من استلقائها وقالت بنبرة تقطعها شهقات بكائها المتتالية بينما تفرك دموعها بقبضتها المكورة: – هل سيعود يا ابي؟!
استغرق ادهم ثواني من الوقت قبل ان يتقدم اليها بخطوات بطيئة وجلس على طرف سريرها ومد يدها بلطف ليملس لها شعرها وقال: – لما ميرنا المشاكسة لاتزال مستيقظة؟
– لن انام ان لم يعود يوسف!
– حبيبتي الصغيرة، ألم تخبرك الماما انه اضطر للسفر مع والدته؟
فصرخت به: – هذا كذب! يوسف لن يتركني ويرحل. انتم من طردتموه!
انقبض فك ادهم وهو يقول بعصبية مكتومة: – لم نفعل يا ميرنا!
فصرخت به بصوت اعلى: – بل فعلتم! ماما والعمة نرمين دائماً يتشاجرون لذلك بالتأكيد هي من طردتها!
فنهض ادهم بأستياء من السرير وهو يقول: – هذا يكفي! من اليوم وصاعداً ستنسين امر يوسف نهائياً، لم نبقى سوى انا وانتِ وامك!
قوست فمها ببؤس طفولي وتجعد وجهها ببكاء صامت فأخفته تحت غطاء سريرها تكمل بكائها هناك وتضم بين احضانها السيد ويزلي، اخر ما تبقى لها من يوسف!
شعرت بالسرير ينخفض مجدداً وابيها يجلس على طرفه ثم انحنى بجسده نحوها وقبلّها من قمة رأسها الذي تخفيه بغطائها وهمس لها:
– ليس كل ما نؤمن به يجب ان يكون صحيحاً عزيزتي!
(سيف)
اصعب ما قد يحدث انك تود طلب المسامحة من شخص لم يعد بأمكانه سماعك…
حدقت بالنعش وهم ينزلوه ببطئ داخل القبر وصرخات ميرنا وسلوى تتعالى بالقرب مني ونساء اخريات يحاولن جعلهن يهدأن ويفشلن بذلك…
نظرت نحو النعش بشعور غامض لم اتمكن من تفسيره، صدري يحترق، ولكني لااشعر بحرارته، عيناي تفرزان الدموع ولكني لااشعر بتلك الغصة التي ترتكز فوق حنجرتي. انظر اليه ببرود فحسب!
وذلك الالم الذي يتبعثر بروحي كان بسبب صراخها هي. وبكائها هي! اشعر بروحها تختلط بروحي وتجعلني اعيش كل ما تشعر به لتعذبني معها!
انحنينت لمستواها حيث تجلس على الارض تجهش ببكاء وصراخ بح لها صوتها، ضممتها الى صدري لتفرغ نيرانها هناك بينما بصري وقع على قبر ابي المجاور لقبر ادهم، من الظالم ومن المظلوم لم يعد يهم الان، فكلاهما اصبحا في المكان ذاته، منظر جعلني اتسائل حقاً، هل ما اخسر سعادتي من اجله يستحق؟ ان انتقم. ان استرد اموالي. ان اخذ ما هو حقي، هل كل هذا يهم؟ سأستعيدهم. ولكني سأكتشف اني لم اعش حياتي شيء بينما كنت اضيع ما بين يداي لأخذ ما بين يدا غيري!.
ضممتها الى صدري اكثر وهمست لها: – توقفي عن هذا، انتِ تقتليني!
– انا اموت يا سيف!
نعم، هذا ما دفعني للبكاء فوراً، ذلك الالم الذي يجتمع بنبرتها الضعيفة وهي تهمسها لي، اشعر بأصابعها تنغرس بصدري وليس تتشبث بقميصي، تلتاذ بي فتفشل. تتمسك اكثر ولكن لاتشعر بوجودي فيدفعها هذا لغرس رأسها اكثر في صدري تريد ان تستشعرني، وكأني فجأة اصبحت خالي من الروح وبرودي لم يسمح لها بالاحساس بوجودي فعلاً معها!.
ميرنا، نقطة ضعفي من دون البقية، سبب تبعثري في وقت تماسكي. هي كلحظة الانهيار التي تكسر لنا صمودنا، وسبب قوتي! عشقي لها متناقض لم افهم اسبابه وافشل في معرفة نهايته. اكرهها لأني اعشقها، اتركها لأني احتاجها، تكملني لتجعلني ناقص من دونها، واليوم، هذه المرأة اراها تنهار امامي لينهار كل شيء اخر معها بداخلي. ألا حبها يظل صامداً!
تلبدت السماء بغيوم سوداء جعلت صوت البكاء يخف قليلاً وتعلو الهمهمة بدلاً منه من ان السماء ستمطر بغزارة شديدة، رفعت رأسي نحو الاعلى بنظرة فارغة فأستشعرت قطرات المطر الباردة تبلل لي وجهي وتمتزج مع دموعي، انزلت رأسي مجدداً لأشاهدهم ينسحبون الواحد تلو الاخر، فها هم يتخلون عن عزيزهم بسبب قطرات ماء. وكأنه لم يكن بالامس معهم، وكأنه لم يشاركهم ايامهم، تخلو عنه فقط لأن الطقس اصبح سيئاً! ولكن واحدة فقط رفضت. تلك حسناء الجليد المتشحة بالسواد التي لاتزال بين ذراعاي!
نظرت لي سلوى وروجينا بأسى فأشرت لهما ان يبقيها معي!.
اوقفت روجينا سلوى وانا اتمعن بوجهها بجمود لايعكس تلك الحرارة التي تشتعل بصدري، انها المرة الاولى التي ارى فيها سلوى بهذا الشكل من الانهيار، المرة الاولى التي اشاهد هذا الضياع يجوب عيناها ويجعلها تائهة بهذا الشكل، ولأول مرة اراها تفتقد صمودها وقوتها لتكون المرأة الضعيفة!
رحل الجميع عنا ولم نبقى سوى انا وحبيبتي والمطر! وكأن السماء قررت ان تتشح بالاسود معنا وتشاركنا بكائنا. لا اعلم هل تصرفها هذا مواساة لميرنا ام حداداً على ادهم؟ واتمنى ان يكون الخيار الاول!
– انا اسفة!
نبهتني همستها من غفلتي وظننتها تمنحني هذا الاعتذار عن شيء لم اعرفه. ولكني تفاجئت بها تنسحب من بين يداي بهدوء وتخاطب القبر وكأنها ترى ابيها امامها وتناست وجودي معها. حدقت بشاهد القبر بعينيها النتورمة وقالت بصوتها المبحوح:
– لما بحق السماء لم تقل شيئاً؟
همست بقلق:
– حبيبتي؟
ولكن لم يبدو انها تسمعني. اكملت كلامها مع القبر بعيون تائهة:
– كيف عساني ان اعرف؟ انت لم تنكر. لم تدافع، لم تتحدث.
ثم صرخت به كالمجنونة:
– انت لم تنطق بأي شيء!
ثم احنت جسدها العلوي فوق ركبتيها وهي تكمل صراخها بضعف:
– وانا لم اسأل!
وانا استمع كالابله. لا اعلم ماالذي تقصده بالضبط ولكنه بالتأكيد شيء ما يعذبها. لا، كلمة يعذبها هي كلمة بسيطة جداً لتصف ما تمر به فعلاً حالياً!
لمست ظهرها برفق ولكن يدي عادت للوراء وكأن كهرباء لسعتها وانا اسمعها تقول:
– انا اموت يا يوسف!
شعرت بالدماء تنسحب كلها من جسدي والاف الاسئلة تتوافد الى عقلي. هل علمت؟ متى؟ كيف؟ ومن قال؟ شعرت برئتاي تنطبق على بعضها، الارض اصبحت رخوية فجأة من تحتي، تأتأت شفتاي بحروف انا ذاتاً لم افهمها، هي ثواني لا اكثر ولكنها مرت على كسنين من الخوف! لم تعد الدماء الى جسدي الميت مع تكملة جملتها تلك:
– اين انت بحق السماء!
تيقنت في لحظتها ان ميرنا تناست وجودي تماماً وبدأت تهلوس مع عقلها الباطني، ولكن لم اعلم سبب خوفي بهذا الشكل من معرفتها للحقيقة. هل بسبب اني اخاف على فشل الخطة؟ ام اخشى فقدانها؟
انحنيت لأضمها إلى مجدداً وهمست مع ذاتي، انا هنا معكِ صغيرتي!.
(ميرنا)
جلست اراقب بصمت سير الدم في المصل الذي يخترق وريدي. ولكن عقلي لم يكن معه على الاطلاق، وليس مع شيء اخر، اشعر بفراغ فقط، حالتي مزرية بالفعل. وجهي شاحب وجسدي متشح بالسواد فقط. حتى شعري ارفعه بشكل عبثي قد تقاعست عن ترتيبه!
– ميرنا؟
لمسة زيد فوق شعري وهمسته نبهتني من غفلتي فرفعت رأسي اليه فتبسم لي برفق وقال:
– سأنزع المصل عن وريدك. لقد انتهينا!
اومأت بصمت وسحبه عن يدي. ولكني بقيت جالسة حيث انا اعاود التحديق بنقطة وهمية لااعلم اين تأخذني بالضبط!
زفر زيد وهو يجلس امامي على كرسي اخر وقال لي بأسى:
– لقد مضت عشرة ايام يا ميرنا وانتِ على الوضع والصمت ذاته وهذا ليس جيداً لصحتك، حالتك في تدهور وانتِ تعلمين هذا جيداً. لذلك ما تفعلينه خاطئ!
استندت برأسي على ظهر الكرسي وانا اتمتم بخفوت:
– لايهم!
– وسيف؟.
اغمضت عيناي بألم واكتفيت بالصمت، سيف؟ حبيبي المجافي، خطيبي البارد. عاد بعد ثلاثة ايام ليستأنف العمل في الشركة ولا يسأل عني ألا نادراً. وعندما يسأل فأنه يكتفي باللوم على حالتي المتدهورة، دون ان يحاول جعلي افضل!
قدت سيارتي بحذر عكس السرعة المفرطة التي اقود بها غالباً، وكأن حتى هذه ليس لدي القدرة على فعلها. وكأن عالمي كله بدأ يعرض حولي باللقطة البطيئة!
وصلت الى المنزل وركنتها بأهمال امام الباب الداخلي. تطلعت بعيوني الذابلة بتلك السيارة الحمراء القاتمة المركونة امامي، اذاً الخالة روجينا هنا!
نزلت بتعب وصعدت المدرجات بخطوات متثاقلة وكأني عدت لتوي من عمل شاق. وضعت المفتاح في الباب واول ما دفعته وصلني صوت امي العالي، كالعادة!
دخلت بوجهي المقتضب والمجهد لأجدها هي والخالة روجينا يجلسان في الصالة. او بالاصح الخالة روجينا تجلس. اما امي فكانت تقطع الصالة ذهاباً واياباً بخطواتها الغاضبة ووجهها المطلي بحمرة الغضب الداكنة وهي تتحدث الى الخالة روجينا بعصبية والاخرى تحاول بشتى الطرق جعلها تهدأ وتفشل!
– مرحباً!
التفتت امي دفعة واحدة نحو تحيتي الخافتة وقاطعت رد الخالة روجينا وهي تقول بعصبية:.
– اين كنتِ بحق السماء؟ ولما لاتردين على اتصالاتي؟
نظرت لها بعدم اهتمام فأنا معتادة على هذه العصبية الدائمة، القيت بجسدي بتعب فوق الاريكة وانا اعيد رأسي نحو الخلف وافرك صدغي بسبابتي وابهامي واقول:
– ماذا هناك؟
صرخت بوجهي بصوت اعلى:
– كفي عن برودك هذا انتِ تقتليني!
نظرت لها بنظرة فارغة ومقتضبة فأكملت هي فوراً غير مبالية بسخطي من النقاش بهذا الموضوع مراراً وتكراراً:.
– ستذهبين منذ اليوم لتتولي العمل في شركة ابيكِ!
– هل حصل شيء؟
– انا لن انتظر الى ان يحصل!
اعدت رأسي مجدداً نحو الخلف وانا اقول بعدم اهتمام:
– سيف يتولى الامور هناك. انه اكثر مني خبرة!
– انا لن اثق بأحد خارج افراد عائلتي ولن اسلم سيف ذاك كل ما نملك ليديره!
هل جربتم في يوم ان تصمتو في الوقت الذي تحتاجون فيه الصراخ؟ نصيحتي لكم، لاتجعل الاشياء تتراكم بداخل روحك، فعندما تنفجر ستنفجر على سبب سخيف لن يستحق، وستقلب الامور رئساً على عقب!
نهضت من مكاني لأصرخ بها بأعلى ماامتلك من صوت لدرجة انها جفلت وصمتت فوراً:
– هذا يكفي! ان كنتِ خائفة على اموالك العزيزة فأذهبي لتديريها بنفسك وليس ان تحمليني انا مسؤولية كل شيء!
تقدمت خطوتين مني وهي تقول لي بأستنكار:.
– اموالي انا؟
ثم صرخت بي بنفس النبرة:
– لمن احافظ على هذه الاموال ايتها الساذجة الحمقاء؟ سيأتي اليوم الذي سأترككِ فيه كما تركنا ابيكِ، انا احاول الحفاظ على مستقبلكِ وانتِ لاتهتمين بأي شيء سوى بحبس نفسك في غرفتك وكأن ذلك سيعيده لنا!
وقفت الخالة روجينا وهي تلوم امي قائلة:
– سلوى! الامور لا تحل بهذه الطريقة!
نظرت اليها وهي تقول بذات العصبية:
– بل بهذه الطريقة ولاتوجد غيرها!
ثم اعادت ابصارها إلى واكملت بأنفعال:
– نحن في ازمة عصيبة وليس هناك وقت لجعل مشاعرنا تسيطر علينا وهدم كل ما سعى ابيكِ لبنائه طوال حياته، كفي عن التصرف بأنانية لمرة واحدة في حياتك ولاتفكري بنفسك وما تؤمنين به فقط!.
بقيت احدق بها ببؤس وبصعوبة اسيطر على دموعي من الافلات من بين حدقتاي، لست غاضبة منها، فأنا بالفعل كنت بحاجة لكلمات كهذه لتصفع لي عقلي، فأحياناً ان جرحك من يحبك فهذا يعني انه يتألم من اجلك او بسببك!
عدت لأجلس على الاريكة احدق في وجه خالتي روجينا التي اومأت لي بصمت ان اوافق على حديث امي، فهي نوعاً ما تبدو محقة!
زفرت بضيق وقلت:
– حسناً، سأذهب غداً لأرى الامور هناك!
رفعت سبابتها بتهديد:.
– ليس ان تريهم، بل ستعملين هناك، انها اموالك فحافظي عليها بحق السماء!
نظرت لها بأستياء ثم ختمت النقاش فلم تكن لي القدرة على اكماله وتركتهم وصعدت نحو غرفتي، او بالاصح. ملاذي!
استلقيت فوق سريري على جانبي الايمن وحدقت بنافذة غرفتي البعيدة عني لأراقب تلك السماء التي تطل عليها، اغمضت عيناي بألم وتمنيت ان يسمع صوتي من يسكنها، ففي هذا الوقت هو الوحيد الذي يعرف ما يحصل من تبعثر في روحي وهو الوحيد القادر على جمع اشلائي!
طرقات خفيفة فوق باب غرفتي ادركت رقة صاحبها فوراً، انها الخالة روجينا!
اكتفيت بالصمت دون ان اتخلى عن مسار تحديقي في السماء!
فتحت الباب ودخلت بخطوات هادئة وجلست خلف ظهري وبدأت تمسح شعري برفق، وكأنها تواسيني. وكأنها طلبت مني هدم تلك الجبال الراسية في قلبي، لمسات لطيفة ولكنها جعلتني اجهش ببكاء قوي اشبه للصراخ. وكأني كنت بحاجة لحضن فقط لأرتمي بداخله بعد ان تركني العالم وحيدة فيه!.
انحنت على الخالة روجينا وضمتني اليها وهمست لي قائلة ودموعها تبلل لي خصلات شعري:
– ششششش، اهدأي صغيرتي، كل شيء سيكون على ما يرام!
– اشعر بنار تشتعل في صدري اعجز عن اخمادها، اريد ان اصرخ ولكني اعجز عن ذلك، ساعديني ارجوكِ، انا اموت!
ضمتني اليها اكثر وهي تشاركني بكائي ولكنها عاجزة عن ايقافه، ولكن على الاقل تواجدت قربي فيه، فعندما تفقد عزيزاً عليك تحتاج عزيز اخر ليواسيك. وليس ان يتركك الجميع تواجه المك بمفردك!
بقيت خالتي روجينا طوال بقية اليوم معي ولم تتركني ألا بعد ان غطيت بنوم عميق، نوم حملني نحو احلام وردية من ماضي منصرم لن يعود، من ايام ودعتني ولن ترضى بمقابلتي مرة اخرى، نحو ايامنا البريئة حيث كنا لانزال لانعرف الكذب والخيانة، نحو تلك الايام التي لم يكن يشغلنا بها شيء سوى ما اللعبة التي سنختارها تالياً، وكم افتقد تلك الايام!
– انسة ميرنا؟ انستي؟
فتحت عيناي بتثاقل على همسة سديم الخافتة، اخر شيء اتذكره ان المساء اكتنف غرفتي والخالة روجينا معي. والان الضوء يغزوها ولاتحوي سواي وسديم، لقد انقضى يوم كامل وكأنه ثواني فقط قد مرت!
نظرت داخل عيون سديم اتقاعس عن الرد فأكملت هي:
– لقد امرت السيدة سلوى بأيقاظك من اجل الذهاب للشركة!
اخذت نفساً عميقاً يعبر عن تضايقي ثم استسلمت للأمر ونهضت من سريري…
اخذت حماماً ساخناً لأبعد ذلك التعب عن هيئتي، وبالطبع لم اختر سوى الملابس السوداء ولكن هذه المرة اضفت بعض مساحيق التجميل الخفيفة لوجهي كي لااثير الشفقة اكثر!
نزلت من غرفتي ووجدت الخالة روجينا وامي على مائدة الفطار. تبسمت الخالة فور رؤيتها لي وقالت:
– صباح الخير عزيزتي، تعالي لتفطري معنا!
وضعت نظارتي الشمسية فوق عيناي وانا اتحرك بأتجاه الباب واقول:
– طعاماً هنيئاً، لا اشعر بشهية!
خرجت تحت انظار امي المشفقة التي اعلم انها تخبئ الكثير من الكلام فيهما ولكنها لاتريد من مشاعرها ان تسيطر على قراراتها الصائبة!
وصلت الى الشركة والضيق يكتم لي انفاسي كلما قطعت خطوة داخلها، القى الكثير على التحية وعزوني بوفاة ابي، اكتفيت بأجابات مختصرة او ايمأت صامتة، فمع كل ألم يواجهنا يموت شيء بداخلنا يجعلنا باردِ المشاعر مع محيطنا!.
صعدت الى مكتب ابي مباشرةٍ ولم انزع النظارة عن وجهي بعد! وقفت دانة فور رؤيتها لي والقت التحية المرفقة بعزائها بأسى، كانت الوحيدة التي تلقت مني اجابة تتألف من عدة كلمات وليست مختصرة كالبقية ثم اردفت فوراً بعد الرد عليها:
– كوب قهوة من فضلك دانة واحضري لي كل ملفات العمل الذي انجز بعد وفاة ابي!
– حاضر انستي!
دخلت الى المكتب ليجفل جسدي فوراً عن الحركة، قلبي لايطاوعني ان احتل مكانه. وعيناي لاتساعداني ان اذرف دموع اضافية، وكل ما كان يصيبني هو الالم فقط!
اغمضت عيناي احاول جعل عقلي يتقبل فكرة رحيله، ولكن لايزال هناك ذاك الجزء الصغير الذي يرفض!
لم اجلس على كرسيه بل نزعت نظارتي ووقفت امام النافذة المطلة على الشارع، شعرت بأنفتاح باب المكتب فظننت انها دانة بادئ الامر، ولكن قلبي ارتجف، وحواسي تنشطت مع ذلك العطر الذي اعرفه، وجسدي اضطرب، انه سيف!
التفت اليه وهو يقترب مني وبقيت احدق به بجمود من دون اي ردة فعل، وقف امامي وحدق داخل عيناي بتلك العيون الثاقبة التي تضعفني دائماً لسبب او لدونه، ولكن ليس اليوم! فجفائه كان كافياً ليخلق بداخل غضب عارم اتجاهه!
مد يده لتستكين فوق خدي وقال لي برفق:
– كيف حالك حبيبتي؟
رفعت حاجبي الايسر بحدة وكأني اسأله الان تذكرت؟ . فهم رسالتي فوراً وقال لي بأعتذار:
– انا بالفعل اسف. ولكن تعرفين ضغوط العمل!
أليس من الافضل ان اتشاجر معه؟ ألايفعل كل الناس الاسوياء هذا في حالة الغضب؟ ولكني لم افعل! قلت بهدوء يناقض غضبي:
– على اية حال. لم احضر من اجل هذا!
قطب حاحبيه بأستغراب وهو يسألني بينما يده تبتعد عن خدي:
– اذاً من اجل ماذا حضرتِ؟
– لتولي عملي!
قوس حاحبيه بتعجب وهو يسألني:
– عفواً؟
اجبته ببساطة:
– لأتولى عملي مكان ابي!
– هل انتِ جادة؟
– ان كنت قد انتبهت انا لم امزح منذ عشرة ايام…
اجابني بأستياء:.
– هذا ليس وقت حذاقتك!.
– ولا وقت عصبيتك!
– انتِ تتحدثين عن تولي منصب ادارة الشركة ببساطة كما لو انكِ ستديرين متجرك القديم. نحن نتحدث هنا عن شركة ومصانع!
– انا لم اقل انه امر بسيط!
– انتِ قليلة الخبرة ولن تنجحي بأدارة هذا كله!
– وما عملكم انتم؟ انا اقول لك اني سأتولى منصبي وليس ان اطردكم من هنا لتقلق من فشلي وعدم خبرتي. ألستم هنا لتساعدوني بقراراتي؟
– انا لن اسمح بشيء كهذا!
اجبته ببرود بينما اتجه نحو طاولة الاجتماعات اقصى المكتب بينما تدخل علينا دانة:
– وانا لم اسألك الموافقة او الرفض!
جلست عليها فوضعت دانة الاوراق وكوب القهوة امامي وباشرت بعملي تاركة كتلة النار هناك صامتة. ولكن ليس خامدة!
ثواني حتى شعرت بخطواته الغاضبة تقطع مكتبي ليخرج بعدها صافعاً الباب خلفه بقوة…
انا بالفعل لا افهمه، احاول ان اثق به ولكني افشل، انا اعرف جيداً انه يخفي شيء ما عني وهو من قد اكد لي هذا ايضاً اكثر من مرة، فكيف عساي ان اثق بقراراته واطاعة اوامره الغريبة؟.
لم ينتشلني العمل من متاهة سيف بل كانت نغمة هاتفي، رفعته ووجدت اسم السيد شهاب يضيئها، توسعت عيناي قليلاً بدهشة وارتجف قلبي وانا ادرك انه لن يتصل عبث!.
– مرحباً سيد شهاب!
-اهلاً انسة ميرنا، اين انتِ؟
– في الشركة، لماذا؟
– ابقي حيث انتِ. انا قادم اليكِ!
ثم ختم المكالمة دون ان يعطيني اي معلومات اخرى، وهل تظنون انه بعد هذا بأمكاني العودة للعمل؟ بالتأكيد لا! اكتفيت بشرب كوب قهوتي وقلبي يشتعل بالقلق كحرارة تلك القهوة التي بين يداي!
مرت 15 دقيقة كانت تبدو وكأنها ساعات انقضت حتى دخلت على دانة تخبرني بقدوم شهاب، نهضت من مكاني فوراً وقلت لها:
– دعيه يتفضل حالاً!
خرجت دانة وتقدمت انا وسط المكتب انتظره بلهفة يغلفها القلق ونبضات قلبي في تزايد مجنون!.
دخل شهاب وحرص على اغلاق الباب بيده قبل ان يتقدم نحوي، صافحني وقال بتعاطف:
– اسف لخسارتك لوالدك انستي!
قلت وعيناي تتقلب داخل عيناه بترقب للاخبار التي يحملها:
– شكراً لك سيدي!
ثم اشرت له نحو مكتب ابي لنجلس هناك. ولكني لم اجلس على كرسي ابي القابع خلف المكتب بل جلسنا انا وشهاب متقابلين على الكرسين امام المكتب!
بادرته بالسؤال فور جلوسنا:
– اذاً،؟
نظر إلى بتردد ثم قال:
– كنت اتمنى ان ابث الخبر بظروف مختلفة، وكنت اتمنى ان اؤجلها لوقت لاحق، ولكن مع الاسف الامر لايحتمل التأجيل ليوم اخر، فأنتي عليكِ ان تعرفيه!.
قلت بعدم فهم:
– عفواً ولكن عما تتحدث؟ انا لا افهم شيء!.
نظر داخل عيناي مطولاً بعمق ثم قال بثبات:
– يوسف، لقد وجدته!.
مرحباااا يا احلى متابعين بالدنيا??
اعرف قطعت البارت باللحظة الخطأ بس انشالله ع البارت الجاي يلة اكدر اكمل الاحداث حتى تصير مترابطة…
اعرف زودتها هواي بتأخري بس والله جدددددداً مضغوطة بهاي الفترة.
والله اجي من الدوام بس اغسل واصلي واكعد ع الحاسبة اطبع عذابي الصامت وورة ساعات اكوم حتى ارتاح شوي الزم تلفوني اكتب ب اشباه عاشقين ومن اخلصها تالي الليل اسهر ع بحثي مال الجامعة لل1 او لل2 بالليل حتى اكملة واكعد ثاني يوم من السبعة عندي دوام، وعلى هذا الحال صارلي اسبوعين من دون ما يمر يوم ارتاح بي شوي فنفسيتي صايرة زففففت لايغركم الضحك إلى بالدردشة والله?..
اني انسانة بس احب اضحك شسوي مرض مو بيدي حتى لو كاعدة ابجي اختم البجي بضحك?..
اتمنى يعجبكم البارت??
واذا ما عجبكم حتى انتحر لأن ميتة نعاس وسهرانة اكتب بي(جاي احاول اخلي ضميركم يأنبكم عود??).
التعليقات