رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الثلاثون
كعادة عزة مع عمر تغضب سريعا وتنسي أسرع، لا تنتظر منه اعتذار لن يأتى، ولا تبرير لأفعاله أو كلامه، أما هو عندما يفعل ما يغضبها يكون أكثر لطفا وحنانا، لكنه لا يعتذر أبدا.
استغلت عزة فترة هدوئه وصارحته برغبتها في استكمال تعليمها بالجامعة المفتوحة.
عمر: انتى شايفة إن الوقت مناسب؟
عزة: مش مناسب ليه؟
عمر: لا في وقت ولا فلوس.
عزة: ما تحملش هم حاجة، أنا عاملة حسابى، خالى كل فترة يجيى يدينى فلوس، وبالنسبة للوقت أنا هأعرف أتصرف، وإن شاء الله مش هأقصر في حاجة.
عمر: طول ما بناتك صغيرين هما أولى بكل وقتك.
عزة: صدقنى مش هاقصر معاهم.
عمر: طب اجلى الموضوع ده شوية على ما لوجى تاخد الابتدائية.
عزة: لسة هاستنى تلات سنين؟
عمر: خلاص يا عزة انتى شايفة الشغل على بعضه، ما كله محصل بعضه، دبلوم زى بكالوريوس.
عزة: أنا عايزة أكمل تعليمى لنفسى يا عمر.
عمر: دى مش كلية جاية لك في التنسيق، دى تعليم مفتوح، يعنى ممكن تكملى في أى وقت.
عزة بإنكسار: اللى تشوفه.
عمر: طب ياللا عشان عايز أنام.
لم تصدق عزة نفسها، وقد سبقها عمر على حجرة النوم، دخلت خلفه مسرعة.
عمر: هتقفى تبصى لى؟ عندك قمصان نوم حلوة والا ابقى أجيب لك؟
عزة بفرحة غامرة: عندى.
عمر: البسى قميص ابيض.
عزة: ما عنديش ابيض إلا واحد وأنت كنت ما بتحبوش، عشان أنا سمرة.
عمرة: البسيه.
عزة: حاضر.
شعرت عزة بقلبها يرقص طربا وكأنها عروس تلتقى بحبيبها لأول مرة، غفرت له كل ما فعله، وما أن ضمها إليه حتى نسيت كل خطاياه في حقها، نسيت تخليه عنها، وجفائه وابتعاده الطويل عنها، نسيت كلماته الحادة وقسوته التي أصبحت متعمدة في الفترة الأخيرة، وسلمت له جسدها المتعطش فقط لضمته التي تذيبها، ها هو يجود عليها ليس بضمة فقط أو حضن، بل يعطيها ما حرمت منه لشهور طويلة، كان كريما معها للغاية، أتاها راغبا، تعرفه منذ أكثر من عشر سنوات وتعرف متى يكون لقائه بها أداء واجب يؤديه فقط لأنه سيسأل عليه، وعندما يكون مثل هذه الليلة، كانت ليلة مختلفة، شعرت عزة أنها امتلكت القمر ولامست النجوم، ولأول مرة تنام دون أن تبكى أو تفكر أوتظل أرقة بفراشها بالساعات، نامت رغم أنها كانت تود أن تظل مستيقظة تتلمس جسد عمر، تدس رأسها فيه، تنظر إليه، لابد أن ملامحه الليلة مختلفة، تعرفه وسيما، لكن لابد أنه الليلة زاد وسامة، فنحن نرى أحبائنا بعيوننا العاشقة، وهي تعشقه بجنون، ترى أقل الأشياء منه عظيمة، الكلمة الطيبة منه بكل قواميس الكلام، البسمة منه في وجهها بالدنيا وما فيها، والليلة هي تعشقه أكتر من أى وقت، تعشقه كما لم تعشقه من قبل، هي التي كثيرا ما كانت تستكثره على نفسها رغم بعده وجفائه وقسوته، فكيف يكون الحال الآن.
نامت عزة وجلس عمر بجوارها يدخن بشراهة، ظل يفكر ويحدث نفسه.
عمر: خلاص يا عمر ارضى بنصيبك وانسى سميرة، هي هتديك إيه وإلا هتعمل لك إيه أكتر من اللى عزة عملته، كلهم زى بعض، يظهر صحيح إن الحب ده وهم بنعمله من خيالنا، ليه ما تديش نفسك فرصة تحب عزة؟
عزة اللى اما بتضحك بس في وشها بتبقى عايزة تجيب لك الدنيا كلها، انسى كل اللى فات وابتدى معاها من جديد، افتح صفحة جديدة، صفحة بيضا زى قلبها، صفحة ليها هي لوحدها، مشاعرك وتفكيرك وقلبك ليها ولبناتك وبس.
قال هذا ونظر على عزة التي كانت نائمة مطمئنة، والتي جعلها ترتدى الأبيض لهدف ما في رأسه، وكأنه تزوجها اليوم فقط.
وجود نهلة وعلى مع خالد ابن خال عزة كان فاتحة خير عليه، حيث حملت زوجته قبل مرور شهر من وجودهما معه، تعجب الجميع واقسموا أن ما حدث كرامة من كرامات إكرام اليتيم، فقد ظل خالد وزوجته يسعيان لدى الأطباء لسنوات دون جدوى، حتى ظن أن حلم إنجابه لن يتحقق ابدا.
ضاعف خالد من اهتمامه باولاد عزيزة نهلة وعلى وأغدق عليهما الهدايا ورغم هذا ظلت نظرات الانكسار في أعينهما تقتل عزة، رغم اهتمام خالد الشديد بهما كانا يشعران أنه غريب عنهما، وهو رغم انفاقه عليهما ببذخ لم يعوضهما عن والدهما، زوجته لم و لن تكن مثل أمهما أو حتى خالتهما عزة.
اطمنئت سميرة أن عبد الرحمن لا يفتش ورائها، كما أنها تحتاط وتخفى كل البرامج التي حذرها منها، فقامت بفتح حسابها على الفيس بوك، والذي ظل مغلقا منذ أن قامت بإنشائه، بدأت في تلقى طلبات الصداقة من بعض الحسابات، والتي كان بعضها من الرجال، تجرأت أكثر وكانت تتناقش معهم في بعض القضايا والتي كانت أحيانا تتطرق إلى الحياة الشخصية، بالطبع كان لعمر نصيبا من تعليقاتها، تعجب عمر من أمرها واهتمامها به من جديد، هو يعرف هذا الحساب، حساب أسيرة الماضى، لكنه لم يستطع أن يتوصل لأى معلومة عنه، دفعه الفضول ان يدخل حسابها من جديد، وكانت المفاجأة، وجد بعض المعلومات التي تؤكد أنها سميرة، مثل انها من محافظة الفيوم ودرست في كلية التجارة جامعة الزقازيق، اسم حسابها أسيرة الماضى جعله يجزم أنها سميرة، تذكر تعليقاتها عن الحب الاول وصعوبة نسيانه فتأكد أنها هي وأنها مازالت تحبه، ولم تنس الماضى، أرسل أليها رسالة على الخاص، سألها إن كانت هي سميرة، شعرت بفداحة ما فعلت فأنكرت واختفت، بل وأغلقت الحساب وحذفته نهائيا، لكن الشيطان دفعها لعمل حساب جديد في نفس الليلة باسم آخر، حتى تستطيع متابعه من جديد، لكن دون تعليق أو إعجاب.
حاول عمر التوصل إليها لكنه فشل واختفى حسابها نهائيا، بحث عن كل الحسابات التي تحمل نفس اسم حسابها فلم يجدها فيهم، رجع إلى البوستات القديمة التي كانت تعلق عليها فوجد تعليقاتها اختفت، شعر بالضيق الشديد فبعد أن كان على وشك الوصول إليها اختفت، فقرر نسيان امرها، لو كانت تريده لما هربت هكذا حدث نفسه.
مر أكثر من شهرين وعزة تعيش مع عمر في الجنة، يعود من عمله، ينهى أعماله بسرعة ثم يجلس معها ومع بناته بعض الوقت ثم يدخلا معا حجرتهما، وعندما كان الشيطان يوسوس له ويذكره بسميرة كان يغمض عينيه بسرعة ويفكر في أى شئ آخر حتى يغلبه النوم.
حتى كانت المفاجأة.
التعليقات