التخطي إلى المحتوى

رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل العشرون

(ميرنا)
هل تسائلتم في يوم كيف يشعر الانسان الذي يحتضر؟
بادئ الامر سيتخدر جسدك ولن تملك القدرة على التحرك. ستشعر بمن حولك. ستسمعهم. ستراهم. ولكنك عاجز عن التواصل معهم! ستشعر بقلبك يرفس قفصك الصدري بقوة. ينبض تارة وينقبض تارة اخرى، ولكنه لايتحرك! ستخترق سكين وهمية صدرك تجعلك عاجز عن التنفس، ستنسلخ روحك عن جسمك تدريجياً وستشعر بكل تلك الالام التي انتباتك على مر السنين مجتمعة مرة واحدة!.

حدقت بشهاب بعدم استيعاب لما قاله للتو. استجمعت كامل تركيزي وانتباهي ولكن لا ازال عاجزة عن الاستيعاب!
– وجدت. من؟
– يوسف!
وهنا كأن عقلي فجأة بدأ يستقبل كلماته فشهقت بفزع وكتمت صرختي بأطراف اصابعي فوراً، انا لااشعر بغصة ترتكز فوق حنجرتي ولكن رغم هذا دموع باردة تتساقط بجنون من عيناي. دموع تحمل لهفة بدل الالم لثاني مرة في حياتي، سألته بحماس: – اين وجدته؟

هل اخبرتكم مسبقاً بأن الحياة لاتهبني السعادة مطولاً؟ بل تهبني اياها قبل ان تمنحني صفعة قوية. وكأني تهيأني من اجلها كي لاافقد تماسكي وانهار فوراً من تزايد اوجاعي! وهذه المرة حصلت على السعادة لثواني قبل ان ابدأ بفقدانها مع جملة شهاب التالية: – ليس المهم اين. بل الاهم من هو!

قطبت حاجباي بعدم فهم فأطلق شهاب تنهيدة متحسرة قبل ان يقول: – كنت اتمنى ان لا ابث لك خبر مشابه انسة ميرنا. وتمنيت ان اؤجله لوقت لاحق بعد ان تتخطي صدمة موت ابيكِ. ولكن المشكلة هو ان الامر لايمكن تأجيله. فأظن ان وجوده خطر!
فقلت وقد نفذت ذخيرتي من الصبر: – سيد شهاب انا لا افهم الى ما تحاول الوصول. هلا تكلمت بشكل واضح لو سمحت؟

نظر داخل عيناي لوهلة ثم اخرج مغلف اصفر من جيب سترته واستخرج منه صورة وقدمها نحوي، اخذت الصورة منه بأستعجال ونظرت اليها ثم سألته بأستعجال دون ان انتبه: – ماذا افعل بصورة سيف؟
صمت لثواني الى ان جعلني استوعب الامر. فجأة تصلب جسدي متمنية لو اني صماء. لا بل تمنيت لو اني اموت قبل ان استمع لما سيقوله شهاب. ولكني لم اعتد على تحقيق الامنيات!
– يوسف هو ذاته سيف انسة ميرنا!

فجأة احسست بثقل ما يسقط مني. أتذكرون تلك الغصة التي كنت افتقدها قبل دقائق؟ الان ترتكز فوق حنجرتي وبوسط صدري، ولكنها من دون دموع!
اردت ان اتنفس. ان اطرف بعيناي، ان افعل اي شيء. ولكني كنت جثة، بما تحويه الكلمة من معنى انا كنت جثة!
– اعلم انه صعب عليكِ ان تستوعبي مااقوله الان لاسيما وان سيف ليس انسان عادي بالنسبة لك ويكون خطيبك حسب ما عرفت. ولكن مع الاسف هذه هي الحقيقة!

طرفت بعيناي عدة مرات وتزتزع جسدي من هدوئة فقلت له بينما التقط انفاسي بصعوبة: – لابد. لابد ان يكون هناك خطأ ما. لابد انك.
قاطعني بهدوء: – تعلمين اني لا امنحك معلومة ما لم اكن واثق من صحتها 100%.
نهضت من كرسي. التفت يميناً. شمالاً. استدرت بأتجاه النافذة، احطت رأسي بيداي. اريد ان اصرخ. اريد ان ابكي. اريد ان افعل اي شيء فقط كي اتنفس. ولكن قواي تخونني وصوتي اخرس نفسه بنفسه!

نظرت نحو شهاب وصدري يعلو وينخفض بسرعة. اريد ان انطق بأي شيء ولكن حروفي معدومة! نهض شهاب من مكانه وقال لي بهدوء: – اظنه تبقى شيء واحد للتأكدي تماماً دون ان يبقى هناك اي مجال للشك!
وهنا استكان جسدي فوراً وتوقفت انفاسي. تباطأت الحركة من حولي والتفت الارض بي، ولكني لم افقد توازني بعد. ولن افقده الان!

ومن دون اي تفكير اضافي انطلقت قدماي المرتجفة بأتجاه مكتب سيف وانا ادعو بكل جوارحي ان لايكون مااظنه صحيحاً، لا اريد ان يتم خداعي منه هو بالاخص. ليس ممن قررت منحه الوحيد من دون الجميع حبي وثقتي، لا اريده هو ان يثبت لي مدى سذاجتي دون غيره!
وصلت الى مكتبه، وقفت لثواني امام الباب دون افتحه. انظر للمقبض برعب اتمنى لو انه يختفي فجأة ولايسمح لي بمواجهته.
– انسة ميرنا. أأنتِ بخير؟

التفتُ بتشتت نحو سكرتيرته التي تنظر لي بأستغراب. لم اركز جيداً فيما قالته ولكن صوتها كان حافزاً كافياً ليجعل جسدي يتحرك من سباته وتمتد يدي نحو مقبض الباب وافتحه دون طرقه!
التفتَ إلى سيف. او يوسف. او اياً كان هو!
كان يقف امام النافذة يقلب ملف ما بيده عندما دخلت. انزل الملف ونظر إلى بأستغراب وانا اغلق الباب خلفي واتقدم اليه بعيون تائهة تفرز الدمع من دون ارادة مني!
– ميرنا؟

نطقها بأستغراب وانا اقف امامه واحدق به بضياع…
– استدر!
نطقتها بصوت مرتجف وهامس فقال لي بعدم فهم:
– عفواً؟
نظرت داخل عيناه لثواني وكأني اصارع الوقت ليتوقف عند هذه اللحظة قبل ان يبعدني عنه تالياً، قلت له وانا اجاهد كي احافظ على وعيّ وان لا انهار الان:
– دعني ارى كتفك من الخلف!

وهنا بدأت ملامح سيف تنقشع عنها غمامة الاستغراب ليتلون وجهه بعدة الوان. ومع كل لون ينقبض قلبي ويتساقط جزء منه، لست احتاج خذلان اكثر، انا احتاج حقيقة مزيفة. احتاج كلمات كاذبة. احتاج لبقائي ساذجة. فالحقيقة بشأنه ستؤلمني، ستقتلني!
– ميرنا!
نطقها بنبرة اقرب الى الترجي فصرخت بوجهه بجنون:
– لا اريد سماع صوتك الكاذب، احتاج الى الرؤية كي اتأكد!

اغمض عيناه بتألم ثم نظر إلى بذات النظرات المتوسلة وكأنه لاينصحني بالاقدام على خطوة مماثلة، ولكنه عاجز عن ردعي. فجنوني لايسمح لي بالخضوع له الان!
مددت يدي لأفتح زر قميصه الثالث فالاول والثاني كان يفتحهم تلقائياً وابعدت القميص بعنف عن كتفه. ويا ليتني لم افعل!

شهقت بقوة وكتمت بقية صوتي بيداي وانا احدق بظهره، ثلاثة من دون نقصان او زيادة. المكان ذاته. الشكل ذاته. امر كنا نراه تشابه ظريف بيني وبينه، لم اظن ان الرب وضعهم طوال الوقت هناك كي يثبت لي ادانته في المستقبل…
عادت قدماي المرتخية بخطوات مهزوزة الى الخلف وشهقات بكائي تتزايد وانا استند بأحدى يداي على صدري وكأني امنع قلبي من السقوط واخرى استند بها على حافة جسده وكأني امنع جسدي كذلك من السقوط!

اقترب مني وحاول لمسي ولكني صرخت به كالمجنونة:
– اياك!
وكانت صرختي كافية لتجعل يده تبتعد عني فوراً وكأنه تعرض لصعقة كهربائية حادة! قلت له بتشتت من وسط دموعي:
– طوال هذه الفترة، وكل هذا الحب. كان مجرد، خدعة؟
قال بصوت مهتز يصارع كي يبقي دموعه حبيسة:
– كان من المفترض ان يكون كذلك. ولكني احببتك. اقسم لكِ اني.
وهنا رفعت يداي لأغلق اذناي فوراً وانا اهز رأسي بالنفي بينما اقول:.

– كفى! لا اريد سماع المزيد من اكاذيبك!
ثم انزلت يداي بضعف لأسقط تدريجياً على الكرسي لأقول بصوت اجهده بكائي:
– لقد وثقت بك، لقد وثقت بك من دون الجميع. كيف عساك ان تفعل بي هذا؟ لقد احببتك بصدق، سواء يوسف او سيف فأني احببت كلاكما. فكيف طاوعك قلبك ان تفعل بي هذا؟ طوال سنين وانا ابحث عنك وانت طوال سنين تخطط لأذيتي؟
جلس امامي وجذبني اليه متجاهلاً ضرباتي فوق صدره وقال لي بألم:.

– انا احبكِ، لم اكذب بهذه اقسم لكِ.
دفعته بعنف عني وصرخت به:
– انا اكرهك. ولن اصدق اي كلمة ساذجة يا سيف!
ثم تبسمت بمرارة:
– اقصد يوسف!
نهضت من الكرسي فنهض معي فوراً مدافعاً عن نفسه بك وكأنه يحاول اقناع نفسه قبل اقناعي:
– لم اكن انوي اذيتك انتِ اقسم لكِ ولكن لاسبيل للوصول الى ابيكِ وتحقيق انتقامي ألا عن طريقك واعادة ما سلبته اسرتك مني طوال هذه السنوات!
نظرت له بحدة وانا اجحظ بعيناي وهتفت بغضب:.

– ما سلبناه منك؟ هل تحاول ادعاء البراءة الان؟ على من تكذب انت؟
بهتت ملامحه ولكنها تدريجياً بدأت تتحول الى القسوة وقال لي:
– لست انا فقط من اقول، ألست انتِ من كنتِ تتهمين اسرتك في الماضي. ام انك ستنكرين هذا الان؟
-اتهمتهم لأني لم اعرف، اما انت فتعرف!
ثم اكملت فوراً متجاهلة الاستغراب الذي كسى ملامحه:.

– انا اعجز عن التحدث بشيء الان، فالى الان افشل في استيعاب من انت بالفعل. فمن كنت اظنه ملاكي اكتشفت انه شيطاني الوغد!
ثم استدرت راحلة ولكن وماان وضعت يدي فوق المقبض حتى توقفت والتفت اليه بملامح قاسية وانا اقول له من وسط دموعي:
– سأحاول ان احتفظ بذكرى وهمية لك، فحقيقتك تقرفني!
وفتحت الباب دون ان ابالي بالصدمة التي تركته فيها واغلقته من بعدي بعنف…

اخترقت الموظفين بخطوات سريعة لأخرج من الشركة بأسرع وقت فوجودي هنا لايزيدني ألا اختناقاً، ركبت سيارتي وانطلقت بسرعة مجنونة وكأني اتمنى التسبب لنفسي بأي حادث كي اتخلص من هذه الحياة البائسة!

بقيت ذكرياتي حول لقائي الاول به تتوافد الى عقلي من دون رحمة. وجهه المألوف. المعلومات التي يعرفها عني. فهمه لي بطريقة غريبة، كذبه المستمر وسذاجتي في مسامحته! كيف لأشياء كهذه ان تحصل دون ان تخيفني من الارتباط به؟ كيف سلمت له كامل ثقتي وقلبي بكل حماقة وانا اصدق بسطور الروايات الخيالية التي تصف لي نقاء الحب، ما اعيشه هو التلوث بحد ذاته. هو العذاب من دون اي رحمة، انا اموت ببطئ واغرق في القاع ولا زلت اتأمل ان تمتد اي يد من المجهول كي تنقذني!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *