رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الحادي والثلاثون
شعرت عزة بدوار ورغبة في القئ أثناء العمل.
مديحة: مالك يا عزة؟
عزة: مش عارفة، دوخت كدة مرة واحدة.
سلوي: ليه؟ انتي بتقولي إنك بتاكلي كويس، والشغل مريح اليومين دول.
مني: شكلها حامل.
عزة باستغراب: حامل؟
مني: مستغربة ليه؟ انتي مش بتقولي ان عمر بقي يعاملك كويس وعلاقتكوا بقت طبيعية.
عزة: أيوه.
مديحة: طب ليه اتخضيتي كدة؟
عزة: أصل عمر مش عايز عيال تاني.
سلوي: مش بتاخدي وسيلة؟
عزة: باخد.
مني: خلاص ماتقلقيش.
مديحة: وعشان تتطمني روحي اعملي تحليل حمل وانتي مروحة لو ما كانش في حمل اعملي تحليل شامل لكي، عشان تتطمني على نفسك.
قامت عزة بعمل التحليل وصدق توقع زميلتها، تذكرت أول ليلة جمعتها بعمر بعد شهور من البعد، لم تكن محتاطة لهذا اللقاء، يومها نسيت كل شيء، نسيت تناول حبوب منع الحمل التي امتنعت عن تناولها عندما هجرها عمر، ثم انتظمت في تناولها بعد هذه الليلة، لم تتوقع أن يحدث حمل بهذه السرعة.
خرجت عزة من معمل التحاليل بمشاعر متضاربة، ما بين الفرحة الشديدة بهذا الحمل، والخوف من رد فعل عمر.
وبالفعل عندما علم عمر ثار عليها وغضب بشدة.
عمر: حامل؟ إزاي؟ أنتي مش بتاخدي وسيلة؟
عزة: كنت سيبتها فترة، لما لقيتني مش محتاجاها.
عمر: الحمل ده لازم ينزل.
عزة: إيه؟
عمر: زي ما سمعتي، أنا مش حمل مصاريف ولا حمل عيال تاني.
عزة: ربنا اللي بيرزق، ويمكن نجيب أخ للبنات.
عمر: ويمكن نجيب بنت كمان، شوفي بقي هنعلمهم إزاي ونجهزهم إزاى؟ وإحنا من دلوقتي ماشين بالعافية، أكيد الحمل ما كملش شهرين، يعني سهل تتخلصي منه، قال هذا وتركها ودخل حجرتهما، وتركها ونام فور دخوله تعبيرا عن غضبه.
وأسقط في يد عزة ماذا تفعل وكالعادة استشارت زميلاتها.
مديحة: اوعى يا عزة تعملى كدة، ربنا مش هيبارك لكوا طول العمر.
عزة: المشكلة إننى فعلا نفسى الحمل ده يكمل، نفسى يكون أخ لبناتى وسند لهم، أنا ما كانش ليا أخ وكان نفسى ما يبقوش زيى.
سلوى: سيبك من الكلام ده، السند هو ربنا ومن بعده قرشك، اوعى تنزلى الحمل، انتى ممكن تروحى فيها.
عزة: طب أعمل إيه؟ عمر زعلان وسابنى ونام لوحده تانى.
منى: ده بيضغط عليكى عشان عارف إنك ضعيفة قدامه، شوية وهيروق، سيبى الحمل وهو نفسه هيقول لك كويس إنه ما نزلش، والعيل اللى جاى هيبقى روحه فيه.
عزة: خايفة قوى، مش هاستحمل بعد عمر عنى تانى، انتوا ما تعرفوش بقى لطيف معايا قد إيه.
سلوى: هو مش خايف عشان الفلوس؟ طب ما تصارحيه إنك شغالة وربنا كارمك.
عزة: خايفة يزعل ويقول عملتى من ورايا.
مديحة: قولى له إنك لسة هتبدأى.
عزة: يعنى ما وافقش وأنا بطولى هيوافق وأنا حامل؟
منى: قولى له إنك خلاص هتتثبتى في الشغل ومرتبك هيزيد الضعف، وإن ده وش العيل اللى جاى.
سلوى: صحيح يا عزة، أنا سمعت انكوا هتتثبتوا بجد.
عزة: يسمع منك ربنا.
مديحة: بأقول لك إيه تتثبتى ما تتثبتيش اوعى تنزلى الحمل، ده نعمة ورزق انتى شايفة كام واحدة معانا نفسها في ضفر عيل.
عزة: أصلكوا ما تعرفوش عمر وزعله.
تقاطعها مديحة بانفعال: يزعل والا يطق، أما هو يزعل والا أما تغضبى ربنا؟
تركت عزة الحمل، وبالفعل تضايق عمر قليلا ثم سرعان ما عاد أحن وأرق مما كان، حتى أنه ذهب مع عزة للطبيب لمتابعة الحمل لأول مرة، لم يفعلها في المرتين السابقتين، وكم كانت فرحته عندما أخبره الطبيب أن الجنين ذكر، سجدت عزة لله شكرا على تغير عمر وعلى كون الجنين ذكرا، شعرت أن الدنيا ابتسمت لها أخيرا بعد طول عبس.
رضى عمر بنصيبه وحاول نسيان الماضى، أما سميرة فلم تعط نفسها أبدا فرصة لذلك، ظلت ترى عبد الرحمن سببا في تعاستها وحرمانها من حبيبها، فلولا ظهوره لاستطاعت أن تضغط على أسرتها للموافقة على عمر، ظلت تفكر به وتحلم بلقائه كل يوم، حتى عندما كانت تذهب مع عبد الرحمن لزيارة أهله بالشرقية كانت تظل تتطلع في عيون كل المارة من الرجال بحثا عنه، رغم غضب عبد الرحمن من ذلك وتحذيره لها من تكراره، كانت تلوم نفسها كل ليلة أنها لم تهتم بأخذ أى معلومات عنه، لا تعرف عنه إلا أنه من الزقازيق، لم تكن تحمل هاتفا محمولا وقتها، كان منتشر بين الأغنياء فقط، فكرت في أحد الأيام في بداية الزواج أن تذهب الى مدينته لتسأل عنه لكنها تراجعت فهى لا تعلم عنه سوى اسمه، أما أغرب ما فكرت به بعد كل هذه السنوات وبعد إنجاب ثلاثة اطفال هو الذهاب إلى كليته لتسأل عن عنوانه من شئون الطلبة، أخبرها الموظف المختص أنه تم نقل جميع الملفات القديمة إلى أرشيف الحفظ بالجامعة، فذهبت إلى هناك، ومن سوء حظها أنه تم إجراء صيانة وترميم للمبنى وتم نقل جميع الملفات إلى مكان آخر حتى تنتهى الترميمات، تم حمل الملفات بدون عناية من العاملين، فاختلطت ملفات الكليات ببعضها، وتاه ملفه وسط عشرات الآلاف من الملفات الملقاة بالأرفف، فعادت خائبة الأمل دون الوصول إلى شئ يدله عليه.
التعليقات