التخطي إلى المحتوى

رواية هل الضربة قاضية الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية البارت الثاني والعشرون

رواية هل الضربة قاضية الجزء الثاني والعشرون

هل الضربة قاضية

رواية هل الضربة قاضية الحلقة الثانية والعشرون

انحنت حبيبة تساعد اللاعبة الخصمة لتنهض واقفة تعانقتا وتصافحتا بروحٍ رياضية، شبكتا يدهما ورفعتاها لأعلى معًا مرسومًا على وجهيهما ابتسامة صافية.
لكن فجأة… ووسط الجماهير المشجعة!
التقطت عيناها شخصًا بعينه، ارتجفت فجأة! ربما هو حلم! لا! هي مستيقظة وفي كامل وعيها والدليل فوزها الآن!
إذن قد صارت تعاني من الهلاوس لتصبح كاملة الأوصاف! أغمضت عينيها وفتحهما مرارًا، لكنها متأكدة، هي تراه بالفعل!
إنه رياض يحمل علم مصر صائحًا وسط الجموع مشجّعًا في نداءاتٍ ذات إيقاعٍ واحد: مصر! مصر! مصر!
ثم تشجيع آخر وهو يتقدم: بيبو! بيبو! بيبو!
ظلت واجمة وعيناها متمركزةً عليه شاخصةً ببصرها لا يرتّد طرفها، لا تزال محتفظةً بشموخها وكبرياءها، تود الانتقام، تود تنفيذ ما كانت تتخيله منذ قليل، تود أن تلكمه حتى تفسد وجهه الوسيم.
لتتخذ القرار وتنوي التنفيذ، وفجأة و في لمح البصر…
كانت خارج حلبة المباراة وداخل أحضانه!
أجل لقد خرجت مندفعة تنوي الانتقام وتلقينه درسًا لا ينساه… ولكن…
إنه العشق الأحمق الذي يدفع بعشاقه دائمًا إلى الهاوية ومزيدًا من تجرّع الألم وكأنهم يتلذذون كلما عانوا!
ضمها رياض بين ذراعيه بقوة مرددًا من داخله، لأول مرة أعترف بيني وبين نفسي أني أحبك بل أهيم بكِ عشقًا كأشد ما يكون العشق، بل كأن لم يكن هناك عشق ولا حب قبلنا.
ترى كيف كنت سأتركك هكذا؟! وحيدة وفي بلدٍ غريب، مريضة ومحطّمة بسببي، وإن لم تتحسني قبل المباراة لتخوضيها كما تمنّيتِ لا أدري ماذا كان سيحدث لكِ!
وجدتُ نفسي أبحث كالمجنون عن طائرة متجهة إلى (طرّاكونة)، بالطبع لم أجد طائرة مباشرة لكني لم أنتظر وركبت طائرة ذاهبة إلى قبرص ثم إلى روما وأخيرًا إلى طرّاكونة.
وصلتُ اليوم وأخذتُ أبحثُ جاهدًا عن مكان إقامة المباراة بصعوبة كبيرة فأنا لا أعرف الأسبانية ومن قابلتهم لا يجيدون الإنجليزية.
وبعد محاولات كثيرة أخيرًا وصلت إلى هنا وفزعتُ بشدة حينما علمت أن اللاعبة المصرية ليست على ما يرام وأنها قد خسرت الجولة الأولى والثانية.
وضعتُ يدي على قلبي أتألم بشدة فقد شعرتُ بوجعك حتى تمكنت أخيرًا من الدخول لأجد الحكم يبدأ العد الأخير وأنت واقفة ظاهرًا عليكِ الإعياء وخصمتك ممدة أرضًا لا تتحرك، ولما أعلن الفوز وجدتك تساعديها لتنهض ثم صافحتيها وعانقتيها، ما ألطفلك حبيبتي!
تذكرتُ نظراتك لي، كانت بحق لا تريحني على الإطلاق وأيقنت أنكِ لن تتركني إلا ومؤكد ستلكّمني لكمتين تنفّسي غضبك، لكنكِ الآن تتوسطي أحضاني!
لا أصدق حبيبة بين يديّ! بين ذراعيّ! طوقتكِ لاإراديًا كأن ذراعيّ معتادة على هذا، وكأن رأسك تعرف طريق صدري لتستند عليه وتدفن وجهها تلاصق صدري! أشعر بأنفاسك الحارة تلامس صدري، بل أشعر بدقات قلبك القوية تعبث بصدري، وها هي معلّقة ذراعيها حول رقبتي تجذبني لأسفل بسبب فارق الطول، لأجدني أحتضنها من خصرها وأرفعها لمستوايّ معتدلًا ظهري مشددًا على خصرها ويدي شاعرة بنحت جسدها المثالي، ولا تزال مستكينة لا تقاوم بل هي من جاءت بقدميها وكامل إرادتها، وأخيرًا تحقق حلمي أن أقترب منكِ وأضمكِ بشدة إليّ، كم أتمنى لو أدخلك داخل ضلوعي فتظلي داخلي لا تخرجي أبدًا، وأخيرًا دفنتُ رأسي في عمق عنقكِ كما تمنيتُ وحلمتُ، كم تمنيت في هذه اللحظة أن أكون ألفا من مصاصي الدماء وأقوم بوسم عنقك الآن حتى لا تكوني لغيري أبدًا، لكني تذكّرتُ أمنيةً أخرى لكن حقنًا للدماء يُستحسن إبعادها عن عقلي تمامًا، فإن فعلت ما أتمناه حتمًا سيكون هذا آخر عهدي بالحياة!
لكني لم أنعم بذلك العناق الرائع حتى شعرت ببكاءها ونحيبها فأرخيت ذراعيّ عنها فهبطت بهدوء أرضًا منزلقة على صدري تدريجيًا، ما أروع هذا الإحساس! و ما أحمقني إذ كنت سأحرم نفسي من كل هذا الفيض!
أبعدتها قليلًا ناظرًا إلى وجهها ثم رفعته إليّ قليلًا وهمست: حقك عليّ، طب والله ما تزعلي! والله ما عملت أي حاجة م اللي بالك فيها! سماح بأه.
ثم مسح دموعها واقترب قليلًا يريد أن يقبّل رأسها لكنها لا تزال مرتدية خوذتها فتراجع، ثم ابتسم قائلًا بسعادة: ألف مبروك يا بطلة مصر!
انحني ليقبل يدها لكنها لا تزال أيضًا مرتدية قفازيها فتأفف قائلًا: يعني لابسة الخوذة ولابسة الجلفز! أبوسك إزاي بأه؟!
فرمقته فجأة رافعة حاجبيها قائلة بهدوءٍ مصطنع: والله! بأه عايز تبوس!
وقبل أن ينطق أو يفعل أي شيء كان قد تلقّي لكمة قوية في كتفه جعلته يترك يدها مدلّكًا مكان اللكمة، وفجأة اختفت من أمامه كالسكر في الماء.
ذهبت حبيبة تبدل ملابسها وترتدي سترة رياضية منقوشًا عليه لوجو الفعالية، بطولة دول البحر المتوسط وأيضًا علم مصر، كانت تقف مع قريناتها من الفريق، وها هن على استعداد لتوزيع الميداليات على كل لاعبة، وقد حصلت حبيبة على الميدالية الذهبية أخيرًا مع عددٍ من الميداليات الفضية والبرونزية، بدا على وجهها الإشراق والسعادة الشديدة أكثر من ذي قبل.
وفي اليوم التالي استعدت حبيبة في هيئة كلاسيكية مرتدية بذة سوداء وحذاء كلاسيكي أنثوي أيضًا من اون الأسود مجدلة شعرها عدة ضفائر متداخلة بدأت من منبت الرأس فوق جبهتها ثم صارت متداخلة حتى نهاية شعرها على ظهرها، اكتحلت قليلًا، وضعت طلاء شفاه نفس لون شفتيها مع تورد طبيعي لوجنتيها فصارت ملامحها هادئة وأنيقة بل رائعة.
هبطت حبيبة إلى استقبال الفندق وبينما هي تتجول إذ نادى عليها أحدهم…
بالطبع لم يكن سوى رياض هو الذي ناداها فابتسمت إليه بعذوبة متجهةً نحوه في خطواتٍ ثابتة رنّ فيها صوت كعب حذاءها العالي، وما أن و صلت إليه تمامًا حتى نادتها أحد العاملات بالفندق وتحدثت معها باللغة الأسبانية.
– مرحبًا يا آنسة.
فابتسمت حبيبة بلطف قائلة: مرحبًا!
– كنت أود تذكيرك بموعد المؤتمر الصفحي بعد ساعة بالضبط.
فأكملت حبيبة بنفس لطفها: حسنًا سأحضر في الموعد المناسب.
فاستأذنت الفتاة وانصرفت، وما كانت حبيبة تلتفت ناحية رياض حتى لاحظت عيون الموجودات المتمركزة على رياض مباشرةً حتى أن منهن من لوحت له تشاكسه، تمازحه ومنهن من تغمز له.
فقالت بغضب تحاول إخفاءه: خير! في حاجة ولا ما كفكش البنات اللي ف تركيا فجيت للبنات اللي هنا كمان!
قالت الأخيرة وقد زادت نبرة صوتها قليلًا مما جعل الفتيات لا تزلن تتابع رياض بعيونهن.
فابتسم قائلًا: وأنا ما بصتش على ولا واحدة فيهم لا اللي هنا ولا بتوع تركيا، طب إزاي وإنتِ معايا وأدام عينيّ! تفتكري ممكن أبص لحد غيرك! إنتِ ما بصتيش ف المراية قبل ما تنزلي ولا إيه؟!
كانت تجاهد نفسها لألّا تبتسم، لكن مع استمرار نظراتهن أمسكت بذراعه متأبطة وسحبته ليخرجا من الفندق، وقد أثرت فيه وأذابته هذه الحركة التلقائية.
وما أن خرجا حتى سحبت حبيبة ذراعها، فقال معترضًا: ليه كده؟! ما كنا كويسين!
فرمقته بنظرة غير راضية، فتابع قائلًا: وطلعتِ بتتكلمي أسباني!
فأجابته: أمال آجي أطبش هنا!
فقال بتعجب وإعجاب معًا: و لحقتي إمتى تاخدي كورس وتتقني اللغة كده؟
فابتسمت مجيبة: هي مين دي اللي خدت كورسات؟!
ثم ضحكت بملء صوتها وأكملت: ده كتاب صغير بيتباع عند بتاع الجرايد بسبعة جنيه، كيف تتحدث الأسبانية في سبعة أيام ؟ وبس…
فابتسم بتعجب وإعجاب مجددًا: لا ناصحة!
فضحكت مرة أخرى، لكن انتبه رياض لعيون الكثير من الشباب التي تتفحصها فاشتعل غضبًا وجذبها فجأة من يده ليسيرا معًا بعيدًا عن الجميع ولم يتمكن من إخفاء هذا الغضب والغيرة إطلاقًا.
ظل رياض ممسكًا بيدها جاذبها نحوه مقرّبها إليه كأنه يعلن للجميع أنها تخصه وممنوع الاقتراب أو التصوير حتى وصلا إلى شاطئ البحر وكان أقرب مكان من الفندق، فقال رياض: أنا جبت ورقة من الفندق، خريطة بالأماكن اللي ممكن نروحها، هنخرج مع بعض إنهاردة، هه إيه رأيك؟
فسكتت قليلًا ثم نظرت أرضًا مجيبة بخجل: معلش مش هينفع، أنا آسفة جدًا، بس المؤتمر هيبدأ كمان شوية وأنا الوحيدة اللي بتكلم أسباني من الفريق معقول ولازم أكون موجودة، متشكرة ليك جدًا.
فتأفف قائلًا: مش كفاية مفيش حتت كتير تتراح، مش كنتوا روحتوا برشلونة أحسن من هنا كان الواحد لقى أماكن يروحها! أقله كنت روحت شُفت ملعب برشلونة.
فرفعت حاجبيها بدهشة وقالت بتهكم: بأه مش عجباك طرّكونة! أمال كنت شوفنا في 2015 لما كنا في الكونغو، كنت عملت إيه!
فوجم وقال: الكونغو! لا الطيب أحسن، ومالها طرّكونة؟! ودول بيتكلموا إيه إن شاء الله الكونغويين دول؟!
فضحكت مكررة: كونغويين!
ثم تابعت ببعض الجدية: مش عارفة بالظبط هو بيتكلموا إيه! بس كنت بتكلم إنجليزي هناك.
فابتسم وتابع: كيف تتعلم الإنجليزية برضو!
فأومأت برأسها مبتسمة، ثم أكمل: سمعت إن البطولة الجاية هتكون ف المغرب!
فأومأت برأسها قائلة: فعلًا بس لسه التشكيل ما اتحددش، وبعدها بطولة العالم في اليابان 2020 .
فقال: لا إركني اليابان دلوقتي وخلينا ف المغرب، المغاربة أسمع إنهم بيتكلموا فرنساوي، سيبيلي أنا بأه الطلعة دي، أن بعرف فرنساوي وهعلمك.
فضحكت بشدة وقالت: لا شكرًا، أنا بعرف أعتمد على نفسي.
ثم قالت بمكر: ما هو كان جنب كتاب كيف تتعلم الأسبانية، واحد تاني كيف تتعلم الفرنسية فأخدت الاتنين بعشرة جنيه، وبعدين هم في الآخر عرب وأكيد بيعرفوا عربي حتى لو لهجة صعبة علينا، ده أنا حاسة إن هلاقيهم بيتكلموا مصري كمان! بس أنا بحب ءأمن نفسي عشان ما احتاجش حاجة من حد.
فزم شفتيه بعدم رضا ثم زفر قائلًا: يبقي نعوض اليوم اللي انضرب ده بكرة ونخرج مع بعض اليوم كله.
فأجابت بحرج: للأسف مش هينفع إحنا مسافرين بكرة.
فزفر بشدة، فتساءلت: مالك بس! ليه كل ده؟!
فسكت قليلًا ناظرًا في عينيها ثم تنهد وقال: إنهاردة يوم مهم بالنسبة لي، و كنت عايز نقضيه سوا.
فنظرت له بتساؤل فأكمل قائلًا: زي إنهاردة من سنة كان أول مرة أشوفك فيها.
فجحظت عيناها لا تصدق في دهشة، ألتلك الدرجة يحسب الأيام؟ فأكمل قائلًا: كان يوم مهم بالنسبة لي، كنت بخرج فيه مع إيهاب نحتفل في أي مكان، نحتفل بيوم العزوبية وإننا سنة بعد سنة وإحنا محافظين على حريتنا.
ثم سكت قليلًا ملتقطًا أنفاسه وزفرها بهدوء مكملًا: وشاء الله إن اليوم ده أشوفك وتتغير حاجات كتير، وبدأت تتغير مفاهيمي وآرائي و…
وقاطعه فجأة صوت فتاة تنادي حبيبة فالتفتت إليها، فقالت لها الفتاة بالأسبانية: المؤتمر الصحفي سيبدأ بعد قليل، الوفود والجميع في انتظارك يا آنسة.
فابتسمت حبيبة وقالت مومئة برأسها: حسنًا! أنا قادمة الآن.
ثم التفتت ناحية رياض فابتسمت قائلة: المؤتمر هيبدأ ومضطرة أستأذن، أشوف وشك بخير، أشوفك في اسكندرية بأه، مع السلامة.
فتصافحا بعمق وهو يحاول إخفاء ضيقه ثم انصرفت وهي تشعر برجفة شديدة تسري داخلها، لكنها لم تعد تقوى على قوة ضربات قلبها تلك، فأخذت تتنفس بهدوء ربما تنظم ضربات قلبها…

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *