عاد أدهم إلى المنزل بعد الحفل، مشاعره متأججة وصور ألارا لا تفارق ذهنه. تلك الفتاة التي أشعلت في صدره نارًا قديمة وأيقظت ذكرى ندى، حبيبته الراحلة. بمجرد أن فتح باب المنزل، وجد عائلته جالسة في الصالون. والدته تيسير، وشقيقتاه ريم وروان، ينظرن إليه بفضول، كأنهن يشعرن بأن شيئًا ما تغيّر.
جلس بجوار أمه بعدما ألقى عليهن تحية المساء ثم
أدارت تيسير دفة الحديث قائلة بسرور بالغ:
ـــ ألف مليون مبروك يا حبيبي و دايما في نجاح يارب..
انحنى يقبل يدها ثم رد عليها ببسمة محبة:
ـــ الله يبارك فيكي يا ست الكل… طول ما انتي جنبي و بتدعيلي اكيد هكون ناجح..
مسدت على شعره بحب وافر ثم أجلت حنجرتها لتقول بتردد:
ـــ طب مش ناوي بقى تفرحنا الفرحة الكبيرة؟!
نظر لها بوجوم لوهلة بعدما فهم مقصدها ثم تنهد بحزن ظاهر و قال:
ـــ لسة مقابلتش اللي ممكن أسمحلها انها تدخل قلبي جنب ندى..
في تلك اللحظة لمعت عينيه ببريق من الأمل حين تذكر شبيهتها، تمنى لو تكون هي ندى بأي طريقة و بأي سيناريو اوصلها لهذا الشكل… فقلبه يخبره أنها ندى رغم استحالة الاحتمالات..
+
كانت شقيقتيه تتابعان الحوار و هما يرسلان لبعضهما النظرات بخصوص تلك الفتاة…فضولهما يقودهما للسؤال و لكنهما يخشيان فتح الجراح القديمة….
+
لكن قبل أن تغوص تيسير في المزيد من الحديث تغيرت ملامحه فجأة.
التفت نحوهم وقال بصوت منخفض لكنه مشحون بالمشاعر:
ـــ “شوفت واحدة النهارده في الحفلة… شبه ندى لدرجة تخض.”
+
توقفت الأحاديث والابتسامات دفعة واحدة. رفعت ريم حاجبيها بدهشة مصطنعة:
ـــ “شبهها؟ إزاي يعني؟”
+
نظر إليها أدهم مباشرة، وكأنه يبحث عن إجابة في عينيها:
ـــ “مش شبهها وخلاص… هي ندى بكل تفصيلة. نفس الضحكة، نفس الحركات… حتى طريقة كلامها!”
+
روان، التي كانت تراقب بصمت، حاولت تهدئته وهي تقول بهدوء:
ـــ “ممكن تكون صدفة يا أدهم، في ناس كتير بيتشابهوا.”
+
لكن أدهم هز رأسه بعنف، وكأنها لم تفهم:
ـــ “لا… دي مش صدفة. دي أكتر من كدا… لما شفتها حسيت إن الدنيا وقفت.”
+
ريم (بتردد وكأنها تحاول إقناعه):
ـــ “بس يا أدهم، ندى راحت… البنت دي لو شبهها، دا مش معناه إنها هي… إحنا عارفين الحقيقة، وانت أكتر واحد عارف إن ندى ماتت.”
+
تنفست تيسير بعمق، ثم قالت بنبرة مليئة بالحزن:
ـــ “ياابني ليه بتعذب نفسك؟ ندى خلاص راحت يا حبيبي، و ربنا أراد إنها تسيبنا… مفيش داعي نفتح جراحنا تاني.”
+
لكن أدهم كان مختلفًا هذه المرة. وقف فجأة، عينيه مليئتان بالغضب والألم:
ـــ “مش قادر! مش قادر أقتنع إنها راحت… البنت اللي شوفتها مش ممكن تكون مجرد شبه… قلبي بيقولي إنها ندى.”
+
روان (بحذر):
ـــ “طيب افترض إنها مجرد شبيهة… وبعدين؟ هتعمل إيه؟”
+
صمت أدهم لبرهة، ثم قال بثقة:
ـــ “لازم أعرف… لازم أوصل للبنت دي وأعرف قصتها. لو في أي احتمال، حتى لو واحد في المية… مش هسامح نفسي لو تجاهلت ده.”
+
الأم (تضع يدها على رأسها بحسرة):
ـــ “يا ابني، انت هتتعب نفسك على الفاضي. ندى ماتت، ومش هترجع!”
+
لكن أدهم لم يلتفت هذه المرة… نظر إليهن جميعًا، وكأن قراره أصبح حاسمًا:
ـــ “حتى لو كله بيقول إن ندى راحت، أنا مش هصدق إلا لما أتأكد… البنت دي مش عادية، وأنا مش هرتاح إلا لما أعرف الحقيقة.”
+
تركهن واقفات في ذهول بينما ذهب إلى غرفته بخطوات ثابتة، تاركًا خلفه عاصفة من الأسئلة والقلق.
+
—
بينما ريم عادت الى غرفتها بعدما استأذنت من أمها بحجة النوم..
+
كان المساء هادئًا، لكن داخليًا، كان الصخب يتردد في أرجاء عقل ريم وقلبها. جلست وحدها في شرفتها الصغيرة، تتأمل المدينة التي تضج بالحياة أسفلها، بينما كانت هي أسيرة للحظة واحدة في الحفل، اللحظة التي التقت فيها عيناها بمعتصم.
+
كيف عاد هكذا فجأة؟ عامان كاملان قضتهما تحاول دفن ذكراه، دفن كل شيء يخصه. واليوم، بكل بساطة، يعود ليشعل ما اعتقدت أنه قد تحول إلى رماد.
+
تنهدت ريم، وعيناها تهيمان على فنجان القهوة البارد بين يديها، وكأنها تحاول البحث عن إجابة وسط هذا الشرود.
+
“يا ترى ليه رجع؟” قالت لنفسها بصوت متردد، وكأنها تحاور طيفه. “مش كان المفروض كل حاجة خلصت؟ أنا قررت خلاص، الجواز ده مش ليا. كان حاجة باردة، مفيهاش أي شغف، أي حياة… ومع ذلك، ليه قلبي بيتشد ليه تاني؟ ليه مش قادرة أنسى اللي شوفته في عينيه؟”
+
نظرت إلى الأفق، وكأنها ترد على نفسها:
“يمكن… يمكن علشان هو الوحيد اللي عرفني بجد. الوحيد اللي شافني على حقيقتي، ورا قناع القوة اللي دايمًا بلبسه. بس يعني إيه؟ الحنين ده هيعمل إيه؟ هيغير الماضي؟ هيرجعني ليه؟”
+
هزت رأسها، محاولة إبعاد أفكارها:
“أكيد لأ… ده مجرد وهم. هو اللي مشي. لو كان عايزني، مكانش سابني من الأول!”
+
لكن صوتًا داخليًا قاومها، هامسًا:
“طب مش يمكن… يمكن هو كان مضطر؟ يمكن هو كمان كان بيفكر فيك طول السنتين دول؟ شوفتِ نظرته ليك؟ كأنه كان عايز يقول حاجة.”
+
ابتسمت ريم بسخرية، وضحكت ضحكة خافتة:
“بلاش سخافة، يا ريم! إنتي لسة بتفكري فيه ليه؟ إيه اللي رجع الحاجات دي كلها؟ الحب ده مش ليا… مكنش ليّا من الأول.”
+
وضعت رأسها بين يديها، تحاول طرد الأفكار المتزاحمة التي كانت تملأ عقلها. لكن عبثًا، كلما حاولت الهروب، كلما زاد الحنين ثقلاً، يطرق على أبواب قلبها المغلق.
+
“طب لو قرّب مني تاني؟ لو حاول يرجع؟” تساءلت بصوت شبه مسموع، “هقدر أبعد؟ ولا… هضعف؟”
+
انتفضت فجأة وهزت رأسها بحزم، محاولة إنهاء النقاش الداخلي:
“لأ، مش هسمح لنفسي. ده مجرد حنين عابر… رؤية حد كان جزء من حياتي. بكرة هفوق، بكرة هرجع لحياتي، وكأن مفيش حاجة حصلت.”
+
لكن الحقيقة التي لم تستطع إنكارها كانت تهمس من أعماقها: الحنين لا يعرف الغد، ولا يحتاج إذنًا ليبقى.
+
عقب انتهاء حفل الدمج الذي كان آسر و مودة و معهما والدها مدعوين فيه أصر محمد على آسر أن يكمل سهرته معهما في منزله قاصدا من ذلك تصليح العلاقة بينه و بين مودة التي انقطعت لأكثر من عامين ما أثر بالسلب على نفسية ابنته، و أكثر ما يخشاه أن يرهق قلبها من ذلك الحزن و تعود لنقطة البداية..
آسر فهم محمد تماما، فكم من مرة لمح فيها ترحيبه بوجود علاقة بينهما ربما تنتهي بالزواج.
+
في غرفة المعيشة، الجو كان مشحونًا بالصمت الثقيل، كأن كل الأنفاس معلقة بانتظار شيء مجهول.
مودة جلست على الأريكة، يداها مشدودتان على صدرها، وعيناها تائهتان.
أما آسر، فوقف قرب الطاولة، عينيه مليئتان بالغموض والغضب، لكنه يحاول أن يسيطر على مشاعره التي تكاد تفلت منه.
كان محمد قد أشعل فتيل الحوار حين قال:
ـــ لحد امتى يا ولاد هتفضلوا تهربوا من مشاعركم… انا عارف يا مودة انك بتحبي آسر.. و انت يا آسر.. أنا متأكد انك بتميل لمودة بس بتحاول تقاوم بسبب احساسك بالذنب تجاه ميري الله يرحمها.. بس لحد هنا و كفاية يابني.. كفاية تعذبوا في نفسكم… هو انتو هتعيشو العمر كام مرة؟!
+
تنهد آسر بعمق ثم قال و هو ينظر في اللاشيئ:
ـــ عندك حق يا عمي… و أنا مستعد أكمل معاكي يا مودة..
+
مودة (بصوت متحشرج ومشبع بالألم):
ـــ “آسر… أنا مش فاهمة، إزاي هنقدر نكمل وإحنا كلنا محبوسين في الماضي؟! أنا بحبك، بس بحس إنك مش شايفني أنا… كأنك بتدور على ميريهان فيا.”
+
آسر (يضرب الطاولة بقبضة يده، صوته متحشرج بالغضب):
ـــ “مش عارف أهرب من إحساسي يا مودة! كل مرة ببصلك… كل مرة، بحس إن في حاجة مش متكاملة. بحس إني مش قادر أحبك بالطريقة اللي تستحقيها… وأنا بكره نفسي على ده!”
+
مودة (تنفجر بالبكاء، وتضع يدها على قلبها):
ـــ “وإنت فاكر إن ده سهل عليا؟! أنا كمان بحارب… بحارب إحساس إنك بتحبني بس علشان أنا شبهها، علشان قلبي…”
+
(محمد، الذي كان جالسًا في الزاوية، ينهض فجأة، عينيه تفيض بالحزن، وصوته يرتعش حين يتحدث):
ـــ “كفاية! كفاية بقى… اللي بتقولوه دا ليه أسبابه”
+
(يلتفت إليه الاثنان بذهول. مودة تنظر إليه وكأنها لا تفهم، بينما آسر يخطو خطوة للأمام بتوتر.)
+
مودة:
ـــ “إيه اللي تقصده يا بابا؟ ليه بتقول كده؟”
+
محمد (يتنهد بعمق، وعينيه تترقرقان بالدموع):
ـــ “لأنكوا لازم تعرفوا الحقيقة… الحقيقة اللي أنا خبيتها عنكوا التلت سنين اللي فاتو.”
+
آسر (بصوت صارخ):
ـــ “حقيقة إيه؟! إنت عايز تقول إيه يا عمي؟!”
+
محمد (يمسح على وجهه بتعب):
ـــ “مودة… قلبك اللي بينبض ده… مش قلبك. ده كان قلب ميريهان.”
+
(تتجمد مودة مكانها، عينيها تتسعان من الصدمة، فيما يخطو آسر خطوة للوراء، وكأن الأرض قد انشقت تحت قدميه.)
+
مودة (بصوت مختنق):
ـــ “إزاي؟! إزاي ده حصل؟!”
+
محمد (بصوت متحشرج):
ـــ “كان لازم اعمل كدا …و انا كنت شايف بنتي التانية بتموت قدامي… وكان الحل الوحيد إننا ناخد قلب أختك ونزرعه في صدرك عشان ننقذ حياتك بدل ما تموتي انتي كمان”
+
آسر (ينظر إلى محمد بعينين غاضبتين):
ـــ “وليه معرفتنيش؟ ليه مخبي علينا كل ده؟!”
+
محمد (بعينين دامعتين):
ـــ “كنت خايف… خايف الحقيقة دي تدمر حياتكوا أكتر ما هي مدمرة… كنت فاكر إني بحميكم.”
+
(تمر لحظة ثقيلة، مودة تسقط على الأريكة، وعينيها تغرقان بالدموع.)
+
مودة (بصوت مخنوق):
ـــ “يعني… أنا عايشة بقلب أختي؟!”
+
آسر (ينظر إليها، وعينيه تفيض بالحيرة):
ـــ “مودة… كل ده…”
+
محمد (يقترب منهما، صوته مليء بالرجاء):
ـــ “الحب الحقيقي ما بيعرفش الحدود دي… مودة، إنتي شجاعة… وإنت يا آسر، لو بتحبها بجد، قلبها مش هو اللي هيغير ده.”
+
(آسر ينظر إلى مودة، وعينيه تمتلئان بالعاطفة المختلطة بين الحيرة والشفقة، بينما مودة تحاول أن تستعيد أنفاسها، وعينيها تغرقان في عينيه، تبحث عن إجابة.)
+
غرفة المعيشة أصبحت الآن ثقيلة بالصمت، بدأت مودة تتحرك ببطء، يدها ترتعش وهي تمسك بطرف الأريكة وكأنها تبحث عن ثبات.
+
مودة (بصوت مكسور): “أنا… أنا محتاجة وقت… محتاجة أفكر… كل حاجة حواليا بقت غريبة… حتى قلبي مش ليّا… أنا عايزة أختفي شوية… لو سمحتم، ما حدش يكلمني.”
+
أدارت وجهها، والدموع تنساب بهدوء، ثم خرجت بخطوات متعثرة، تاركةً والدها وآسر يتبادلان نظرات مليئة بالقلق.
+
آسر (موجّهًا كلامه لمحمد، بصوت منخفض ومليء بالغضب): “ليه؟ ليه ما قلتش؟ كانت تستحق تعرف… وأنا كمان كنت أستحق أعرف.”
+
محمد (بتنهيدة ثقيلة):
ـــ “عارف يا آسر، وعارف إن اللي عملته مش سهل عليكم… بس كنت باحاول أحميها. ميريهان راحت، وما كنتش عايز أفقد مودة كمان. أنت ما تعرفش إحساس أب يشوف ولاده بيموتوا قدام عينيه.”
+
آسر يمرر يده على شعره بعصبية، ثم يجلس على الكرسي وكأنه يحاول استيعاب الصدمة. يرفع رأسه بعد لحظة، وفي عينيه بريق جديد.
+
آسر (بتصميم):
ـــ “لكن مودة… مودة عايشة. ومش المفروض تفضل تعيش في ظل ميريهان طول عمرها. لازم تعرف إنها هي اللي تستحق تكون هنا، وإنها مش مجرد بديل.”
+
محمد (بصوت مليء بالأسى):
ـــ “ولو كانت ميريهان جزء منها؟ إنت تقدر تفصل ده؟”
+
يستقيم آسر ببطء، وكأن الإجابة تضيء في عقله لأول مرة.
+
آسر: “مش لازم أفصل… أنا محتاج أتعلم أحب مودة… مودة نفسها، مش قلبها… ده القرار الوحيد اللي ممكن أعيشه.”
+
في هذه اللحظة، تدخل ابو آسر الذي كان يستمع بصمت من بعيد حين اتى ليتحدث مع محمد في نفس الشأن.
تقدم بخطوات هادئة، صوته يقطع الجو المشحون.
+
الأب (بحزم):
ـــ “لو فعلاً عايز تعمل كده، لازم تبدأ دلوقتي. لأن مودة محتاجة حد يكون سندها… مش عبء إضافي.”
+
نظر آسر لوالده، ثم إلى الباب الذي خرجت مودة منه، وكأن الكلام أصابه في قلبه. وبخطوات ثابتة، يتوجه نحو الباب، تاركًا محمد و أبيه في الخلف.
+
محمد (بهمس): “ربنا يهدي النفوس، ويصلح القلوب.”
+
خرج آسر لمواجهة مودة، وفي داخله تصميم على إعادة بناء العلاقة، بعيدًا عن الماضي، وأقرب إلى الحاضر الذي يجمعهما.
+
في صباح اليوم التالي، كان أدهم يمشي بخطوات ثابتة نحو شركة معتصم، يملأه تصميم لمعرفة المزيد عن ألارا. كانت الحقيقة تلاحقه كظلٍ ثقيل، تُلح عليه بأن يكتشف أبعادها.
+
دخل المكتب، واجه معتصم بابتسامة ودودة لكنها لم تخفِ بعض الحذر.
استقبله معتصم بحرارة قائلاً:
“نورت مكتبي للمرة التانية يا أدهم بيه.”
+
رد أدهم بابتسامة ساخرة وهو يجلس على الكرسي المقابل:
“دايما منورة بيك يا باشا.”
+
أخذت عينا أدهم تجول في المكتب، تتذكر تلك المرة الأولى التي دخله فيها. كان ذلك عندما واجه معتصم بكذبته حول زواجه من أخرى وطلبه الزواج من ندى. تملكه شعور بالندم العابر، فقد حال بين معتصم وأخته… ربما كان قاسيًا عليه حينها. لكن سريعًا ما استعاد تركيزه. الآن لم يكن الوقت مناسبًا للغرق في الماضي.
تطلع اليه معتصم بابتسامة باهتة، ما دفع أدهم إلى استهلال حديثه بنبرة مليئة بالأسف:
ـــ معتصم، أنا عرفت بس في الحفلة عن وفاة والدتك… عبدالله بيه هو اللي قالي… سامحني جدًا لأني ماقدرتش أجي وأعزي، خصوصًا إنك قدمت لي العزاء لما ندى ماتت.
+
تغيرت ملامح معتصم قليلاً، بين الحزن والشكر، وهو يرد بهدوء:
ـــ ولا يهمك يا أدهم، العزاء الحقيقي في وجود الناس اللي بتسندنا.
+
هز أدهم رأسه موافقًا، ثم أضاف بصوت منخفض:
ـــ ربنا يرحمها، ويجعلها آخر الأحزان… عارف إن الفقد صعب قوي، وأنا مجرب إحساسك.
+
صمت كلاهما لوهلة، وكأن لحظة الصمت تلك حملت بينهما إحساسًا عميقًا مشتركًا بالخسارة.
+
بعد دقيقة من الصمت، بادر أدهم الحديث مباشرة، مختارًا كلماته بحذر:
“بمناسبة الدمج مع شركة عبد الله بيه وكونك طبعًا من أهم عملائه، كنت حابب نفكر في شراكة أوسع بينا.”
+
نظر معتصم إليه بحذر، قبل أن يرد بابتسامة مُرحبة:
“فكرة جميلة جدًا، وأنا طبعًا يشرفني نتعامل مع بعض.”
+
لاحظ أدهم أن معتصم بدا أكثر مرونة من المعتاد. شعر أن الوقت مناسب للانتقال إلى مبتغاه الأساسي، فاسترسل قائلاً:
“تمام… بس كنت شايف إننا نوسّع دايرة الشراكة. مثلًا لو ضفنا شريك ثالث من مجال مختلف. دا هيفيدنا جدًا.”
+
أبدى معتصم اهتمامًا صادقًا وهو يرد:
“فكرة ممتازة. عندك حد في بالك؟”
+
كانت هذه الفرصة التي انتظرها أدهم، فمال بجسده قليلاً للأمام وكأنه يهمس بسرٍ ما:
“صاحبك اللي كلمتني عنه امبارح في الحفلة… إيه رأيك تقنعه يشاركنا؟ مجال السياحة هيخلي مشروعنا أقوى.”
+
قطب معتصم حاجبيه للحظة: “تقصد مروان؟”
+
“بالظبط… نفسي أتعرف عليه شخصيًا… ألارا قالت إنه متميز جدًا في شغله، وبتعتبره نموذجًا يحتذى به.”
+
بدا على وجه معتصم شيء من الدهشة، ثم قال بعد تفكير قصير:
“هي قالتلك كده؟ غريبة… كنت فاكر إنها مالهاش في جو الشغل ده!”
+
استغل أدهم هذه اللحظة، مستفسرًا بنبرة تبدو غير رسمية لكنها تفيض فضولاً:
“ليه؟”
+
رد معتصم بعفوية:
“من كلامي معاها حسيت إنها هادية جدًا، بتحب القراءة أكتر.”
+
ارتعش قلب أدهم عند الكلمة. القراءة… ذكرى ندى استيقظت فجأة، لكن رغم اضطرابه الداخلي، حافظ على هدوء مظهره وقال:
“بصراحة، ألارا لفتت نظري. مختلفة… وحابب أتعرف عليها أكتر.”
+
لم يخفَ على معتصم المغزى في كلامه، فرد بابتسامة مليئة بالمكر:
“أخدت بالي.”
+
ثم استرسل وكأنه يختبره:
“لكن… القلب ممكن يحب تاني حتى لو كان متيم بحب الأولاني؟”
+
تجمدت ملامح أدهم للحظة، لكن سرعان ما استعاد هدوءه وقال بنبرة متزنة:
“ساعات القلب بيدق لما يقابل نسخة تانية من روح حبيبه، رغم اختلاف الشكل والطباع. وبعدين، ندى لو كانت موجودة، استحالة أي بنت غيرها تلفت نظري.”
+
هز معتصم رأسه وكأنه يتفق معه تمامًا، لكنه أردف بلهجة تخفي مقارنة مبطنة:
“معاك حق. عشان كده، مفيش أي بنت قدرت تلفت نظري طول ما ريم موجودة.”
+
أدهم لم يعجبه ذلك. نبرة معتصم كانت تحمل شيئًا من التحدي أو الحنين الذي لا يريد الخوض فيه. غابت عن ملامحه الابتسامة، وحل محلها الجدية. قال بنبرة صارمة:
“معتصم، يا ريت تطلع ريم من حساباتك. ريم مرت بتجربة فاشلة، ومش هتعيدها تاني.”
+
تبدلت ملامح معتصم سريعًا، وظهر عليه القلق أو ربما الأمل وهو يسأل بصوت منخفض:
“تقصد إنها اتطلقت؟”
+
تردد أدهم للحظة، ثم قال بنبرة مختصرة وهو ينهض من كرسيه:
“أنا مضطر أمشي دلوقتي. هستنى ردك على الشراكة قريب.”
+
نهض معتصم خلفه، وكأنه لا يريد تركه يغادر دون إجابة واضحة. ناداه بصوت ملح:
“استنى يا أدهم! ما قولتليش ريم موقفها إيه دلوقتي من جوزها؟”
+
التفت أدهم إليه، نظرة حادة في عينيه جعلت معتصم يتراجع قليلاً، قبل أن يقول بحدة:
“دي حاجة متخصكش… وطلع ريم من دماغك!”
+
خرج أدهم بخطوات واثقة، تاركًا معتصم غارقًا في دوامة من التساؤلات. لكن الأخير لم يصمت، بل قال بصوت مليء بالتصميم:
“لو كنت قدرت تطلع ندى من قلبك، كنت أنا كمان قدرت أطلع ريم.”
+
توقفت خطوات أدهم عند الباب لثوانٍ، لكنه لم يلتفت. أكمل طريقه تاركًا كلماته الأخيرة تتردد في الأجواء كنبضات عنيدة.
+
لم يفكر معتصم كثيراً في عرض ادهم.. فقد رأى أن شراكته ستفتح له الباب بينه و بين ريم خاصة بعدما فهم أنها قد تكون انفصلت عن زوجها..
و لكن ماذا عن ابنتها؟!.. لا يهم فهو على أتم استعداد أن يكون أباً لها.
+
اتصل بمروان و اتفق معه على موعد مساءا بمنزل عمه بمصر الجديدة..
+
في المساء استضاف مروان معتصم بحديقة المنزل التي كانت مجهزة على أعلى مستوى لاستقبال الضيوف..
فيما انشغل مروان بتقليب كوب قهوته، بينما كان معتصم يراقبه بنظرة مركزة، مستجمعًا أفكاره حول الموضوع الذي يود طرحه.
+
ابتسم معتصم أخيرًا وقال:
ـــ “أنت عارف يا مروان، فكرت كتير الفترة اللي فاتت في فرص التعاون اللي ممكن تجمعنا… الحقيقة، في شركة لفتت انتباهي جدًا، وأعتقد إنها ممكن تضيف لنا كتير لو دخلنا في شراكة معاها.”
+
رفع مروان عينيه بتساؤل:
ـــ “شركة مين؟”
+
أجاب معتصم بنبرة واثقة:
ـــ “شركة أدهم للأمن… صاحبها أدهم كان معرفة قديمة و هو صاحب حفلة امبارح.. الراجل عنده خبرة طويلة في الأمن وعمليات الحماية الخاصة، واللي بيقدمه حاليًا مختلف تمامًا عن المنافسين في السوق.”
+
ظهرت على وجه مروان علامات الاهتمام، لكنه طرح سؤاله بحذر:
ـــ “أدهم؟ الاسم ده سمعته أكتر من مرة… هو مش كان ظابط شرطة قبل كده؟”
+
أومأ معتصم برأسه:
ـــ “بالظبط… كان في العمليات الخاصة لفترة طويلة، وبعدين سوى معاش مبكر و قرر يفتح الشركة دي… أنا عارفه كويس، كفاءته مش محل شك، لكن التعامل معاه محتاج فهم لشخصيته.”
+
توقف للحظة، ثم أضاف:
ـــ “بصراحة، أدهم مش مجرد شريك أعمال… هو عنده ماضي معقد وتجارب أثرت على شخصيته… من بعد وفاة مراته، اتغير كتير، وانعزل لفترة.”
+
تردد مروان للحظة قبل أن يسأل:
ـــ “وهو دلوقتي؟… أقصد، مرتبط بشغل معين أو ممكن يبقى فيه فرصة لتعاون جديد؟”
+
فكر معتصم قليلاً قبل أن يجيب:
ـــ “أعتقد إنه جاهز لخطوة جديدة… شركته بدأت تتوسع، وهو مهتم بدخول مجالات مختلفة، بما فيها السياحة… لو توصلنا معاه لاتفاق، ده هيفيدنا كتير.”
+
ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه مروان وهو يقول:
ـــ “فكرة مثيرة للاهتمام… بس أكيد الدخول في شراكة مع حد زي أدهم هيكون له شروطه.”
+
ضحك معتصم وقال:
ـــ “طبعًا… أدهم مش سهل، لكنه شخص محترف جدًا. وأنا واثق إنه هيشوف المنفعة المتبادلة لو عرضنا عليه الموضوع بطريقة مناسبة.”
+
نظر مروان إلى الازهار من حوله، وكأنما يفكر في الخطوة المقبلة، ثم قال بهدوء:
ـــ “خليني أفكر وأرتب أوراقي… لو فعلاً الشراكة مع أدهم هتضيف لينا، أنا مستعد.”
+
ابتسم معتصم، وكأنه ينتظر هذه الإجابة تحديدًا، ثم قال بنبرة مطمئنة:
ـــ “مش هتندم… الخطوة دي ممكن تفتح لينا أبواب كتير.”
قتربت ألارا بهدوء، خطواتها الخفيفة بالكاد تُسمع على العشب. ألقت التحية بصوت ناعم، وجلسَت قبالة معتصم بعد أن استأذنت.
+
ألارا:
ـــ “مساء الخير، أرجو ألا أكون قد قاطعت حديثًا مهمًا.”
+
ابتسم معتصم بلطف وقال:
ـــ “أبداً… انا طلبت اقابل مروان عشان نتكلم عن أفكار جديدة، وأكيد رأيك هيكون مهم.”
+
نظرت ألارا نحو مروان بابتسامة خفيفة وقالت:
ـــ “بصراحة، كنت بتكلم مع مروان قبل كده عن فكرة إنّي أحب أتعلم وأشتغل في مجال السياحة… سمعت منه عنك حاجات كتير حلوة، ومتحمسة أستفيد من خبرتك.”
+
رفع مروان حاجبيه باندهاش، متسائلًا:
ـــ “السياحة؟..لا لالا.. مجال مش بسيط، وبيبقى فيه منافسة شديدة… و انتي معندكيش اي خبرة فيه”
+
هزّت ألارا رأسها بابتسامة متحمسة:
ـــ “ما عنديش خبرة كبيرة، لكن عندي شغف إني أتعلم وأبني مستقبلي في المجال ده… وأعتقد إني ممكن أضيف حاجة جديدة بأسلوبي.”
+
معتصم، وهو ينظر إلى مروان بنبرة تشجيع:
ـــ “وأنا شايف إن وجود ألارا معانا هيكون إضافة قوية… عندها طموح كبير، وممكن تعمل دور مميز، خصوصًا إنها عندها نظرة مختلفة بتناسب السوق الجديد اللي إحنا بندخل فيه.”
+
فكر مروان للحظة، ثم قال بنبرة متأنية:
ـــ “طيب، لو فعلاً ناوية تتعلمي وتكوني جزء من الفريق، محتاجين نبدأ بخطة واضحة… في حاجات كتير ممكن تضيفيها، بس لازم يكون في تدريب.”
+
ألارا، بابتسامة واثقة:
ـــ “أنا مستعدة لأي حاجة… عارفة إن البداية مش سهلة، لكن متأكدة إنها هتكون ممتعة ومليانة بالتحديات.”
+
نظر مروان نحو معتصم، الذي أومأ برأسه مؤيدًا:
ـــ “صدقني، ألارا مش مجرد وجه جديد. هتشوف إنها ممكن تكون عنصر فعّال في أي مشروع تشارك فيه.”
+
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه مروان وقال:
ـــ “طيب، خلينا نبدأ خطوة بخطوة… وأنا هنا مش بس عشان أعلّم، عايز أشوف شغف حقيقي وإبداع.”
+
حين أنهى معتصم مقابلته بمروان اتصل بأدهم يخبره بقبول عرضه و استعداد مروان للشراكة و تنسيق مقابلة معه للاتفاق على الأساسيات.. ودَّ ادهم لو يسأله عن ألارا و حضورها من عدمه.. و لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة.. عليه ان يتمهل، فإن لم تحضر فحتما سيجد طريقة أخرى لمقابلتها مجددا طالما معتصم هو الوسيط بينهما..
+
قاعة الاجتماعات كانت تغمرها هالة من الجدية، مع ضوء النهار يتسلل عبر النوافذ الزجاجية الكبيرة، وانعكاس المدينة يظهر في الخلفية.
بمجرد ان دلف قاعة الاجتماعات بشركته و رأى ألارا تجلس بمقعد بالطاولة تنهد بارتياح بالغ و حاول كبت ابتسامته الفرحة بصعوبة..
جلس أدهم عند رأس الطاولة، مظهرًا هدوءًا وتماسكًا. كانت عيناه تراقبان ألارا بين الحين والآخر، وكأنما يحاول فك شيفرة ملامحها التي تُعيد إلى ذهنه شبح ندى، زوجته الراحلة.
+
بدأ معتَصم الحديث بابتسامة متحمسة مُظهرا مبادرته هو للشراكة و ليس أدهم:
ـــ “أدهم، بشكرك على استجابتك السريعة للدعوة… كنت متأكد إنك هتكون الشخص المثالي للشراكة دي.”
+
رد أدهم بصوت هادئ ولكن حازم:
ـــ “العفو يا معتَصم… أي مشروع فيه مصلحة للجميع يستحق الدراسة… أنا هنا عشان أسمع رؤيتكم.”
+
تحدث مروان مباشرة، محاولًا توضيح النقاط الرئيسية:
ـــ “فكرتنا تعتمد على الدمج بين خبراتنا في السياحة وبين خدماتكم الأمنية المميزة. السوق دلوقتي محتاج حلول مبتكرة تحمي السياح وتوفر لهم تجربة مريحة وآمنة.”
+
أدهم، بنظرة ثاقبة نحو مروان:
ـــ “الفكرة ممتازة، لكن أي شراكة بتحتاج توازن دقيق. عشان نضمن النجاح، لازم نحدد أدوار واضحة ونبدأ بمشروع تجريبي نقدر نقيس نتايجه.”
+
قبل أن يرد مروان، تدخلت ألارا بصوت خجول لكنه واثق:
ـــ “لو تسمح لي، أعتقد إننا نقدر نضيف قيمة كبيرة بتقديم خدمات مخصصة، زي خطط الأمان الشخصي للسياح ومتابعتهم عبر تقنيات حديثة. ده هيخلي التجربة مختلفة تمامًا.”
+
نقل أدهم نظراته نحوها، وعيناه تمعنان النظر في تفاصيل وجهها، حركة يديها، وحتى الطريقة التي تلتقط بها أنفاسها بين الجمل. شعور ثقيل غمره، وكأن روحه تهفو إلى كشف السر وراء هذا الشبه الغريب.
+
قال بصوت منخفض يحمل نبرة اهتمام:
ـــ “أفكارك حلوة… واضح إنك بتدرسي التفاصيل كويس… هل عندك خبرة في المجال الأمني؟”
+
ابتسمت ألارا بحرج:
ـــ “لا.. بس بحب الاطلاع وبعتبر نفسي متحمسة لتعلم كل جديد، خاصة في المجالات اللي بتهمني.”
+
واصل أدهم حديثه دون أن يحيد نظره عنها:
ـــ “الحماس مهم، لكن التخطيط والتدريب بيعملوا الفارق… لو بدأنا بالمشروع التجريبي، هنحتاج أشخاص زيك يقدموا رؤية جديدة، بس لازم يكونوا جاهزين للعمل الميداني.”
+
شعر معتَصم بأن أدهم يركز على ألارا أكثر مما هو معتاد، فحاول كسر الأجواء:
ـــ “أدهم، ألارا إضافة قوية لأي فريق. إحنا شايفين إنها بتقدر تجمع بين الحماس والأفكار المبتكرة.”
+
رد أدهم بنبرة أعمق:
ـــ “أنا ما عنديش شك في ده… بس خليني أوضح حاجة… الشراكات اللي بتنجح هي اللي بتتبني على ثقة كاملة بين الأطراف… عشان كده محتاجين شفافية مطلقة من البداية.”
+
نظر مروان نحو ألارا مشجعًا، ثم قال:
ـــ “متفق معاك تمامًا… وأعتقد إننا كلنا هنا بنسعى لنفس الهدف.”
+
نهض أدهم قليلًا من مقعده، وعيناه لم تفارق ألارا:
ـــ “كويس… خلونا نحدد الخطوات الأولى للمشروع، وبعدين نتفق على الأدوار والمهام.”
+
غادر الجميع الاجتماع متفقين على بداية قوية، لكن ألارا شعرت بثقل نظرات أدهم التي بدت وكأنها تبحث عن شيء أعمق مما هو ظاهر.
أما أدهم، فخرج وعقله مثقل بالأسئلة… من هي ألارا؟ ولماذا تبدو وكأنها ظل حيٌّ من ماضيه؟
+
غادروا جميعا على أن يتم البدء في اجراءات الشراكة و اتخاذ طابق من شركة أدهم كمقر للشركة الجديدة.
و بما أنه تم الاتفاق على أن الارا ستنوب عن مروان في حال سفره للبحر الأحمر اقترح أدهم بتخصيص مكتب لها حتى تتمكن من التركيز أكثر على الجزء الخاص بافكارها و مقترحاتها و مواصلة الاجتماعات لحين اتمام التفاصيل..
+
في لقاء آخر سبق ترتيبه في شركة أدهم
أدهم يدخل إلى قاعة الاجتماعات لمتابعة الاتفاقيات المتعلقة بالعمل. عند وصوله للمرة الثانية يرى ألارا بين الحضور، ويشعر بشيء غريب بداخله بمجرد أن تقع عيناه عليها.
رغم أنه يحاول الحفاظ على برودته، إلا أن ملامح وجهه لا تخفى عليها شيئًا، فهي تستطيع أن تلمح الاهتمام غير المعلن في عينيه.
+
الجلسة كانت رسمية لكنها لا تخلو من الألفة بين الحضور. مع بداية الحديث، يبدأ أدهم في متابعة حركة ألارا بصمت، بينما كانت هي تشرح لهم بعض التفاصيل المتعلقة بالخطة الجديدة.
+
ألارا، بابتسامة هادئة: “إحنا محتاجين تحديد الجدول الزمني لكل مرحلة في المشروع، لأن التنفيذ في الوقت المحدد هو مفتاح النجاح هنا.”
+
أدهم، بنظرة مُركّزة: “تمام. نقدر نبدأ من الأسبوع الجاي. هتكون هناك بعض التعديلات البسيطة لكن مش هتأثر على الخطة الرئيسية.”
+
بينما كان أدهم يتحدث مع معتصم، كانت نظراته تتنقل إلى ألارا بشكل غير مباشر، ولكن بطريقة لم تخلُ من الاهتمام.
كانت عيونه تتابع كل حركة تقوم بها، وتراقب تعابير وجهها وكأنها تعني له أكثر مما يُحتمل.
في لحظة، أدار رأسه فجأة ليلتقي بعينيها، فأصابته نظرتها الهادئة، لكنه سرعان ما تراجع ليخفف من التوتر الذي شعر به.
+
مروان، الذي كان يراقب المشهد عن كثب، شعر بشيء من الغيرة يطفو على سطح مشاعره. رغم أن ألارا لا تعير أدهم أي اهتمام غير ما هو متوقع من شريكة عمل، إلا أن مروان لا يستطيع أن يتجاهل نظرات أدهم الموجهة إليها، ويشعر بشيء من الانزعاج من الطريقة التي يتعامل بها معها.
+
مروان، بتهكم خفيف، وهو يلتفت إلى معتصم:
ـ “واضح إن عندكم خطط كبيرة… بس المهم، لازم نحرص على إنه كل واحد يعرف دوره تمامًا… و إلا هنتخبط في التفاصيل.”
+
معتصم، الذي لاحظ التوتر بين مروان وأدهم، تجاهل تعليقاته وانتقل إلى الحديث عن تفاصيل أخرى تتعلق بالشركة والعمل.
+
معتصم، وهو يحاول تهدئة الأجواء:
ـــ “الهدف الأساسي هو التنسيق بين الجميع. كل واحد فينا عنده دور كبير في نجاح المشروع ده.”
+
أدهم، وهو ينظر مرة أخرى إلى ألارا بينما تواصل حديثها مع معتصم: “موافق تمامًا. المهم هو التنسيق، وده اللي هنركز عليه في المرحلة الجاية.”
+
مروان، في داخله، بدأ يشعر بمشاعر متضاربة. رغم أن ألارا لا تظهر أي اهتمام، إلا أن هذه النظرات المتبادلة بين أدهم وبينها تثير فيه الغيرة. كان يعرف أن في هذه الأجواء قد تنشأ علاقات غير متوقعة.
+
بينما كان الجميع في الحديث، كانت اللمسات الصغيرة من التوتر تتسرب بين نظرات أدهم و مروان تجاه ألارا، وهو ما سيشكل بداية لصدامات لاحقة.
+
—
+
قاعة الاجتماعات كانت تغرق في صمت ما بعد النقاش، عندما غادرت ألارا نحو استراحة قريبة. كانت تشعر بارتباك يثقل صدرها دون سبب واضح. لم يمر وقت طويل حتى لحق بها مروان، ملامحه متوترة وعيناه تحملان أسئلة لم تُطرح بعد.
+
مروان (وقد جلس أمامها مباشرة): “مش باين عليكي مرتاحة النهاردة، في حاجة شاغلاك؟”
ألارا (بتحفظ): “لا، يمكن تعبت شوية… الاجتماع كان تقيل.”
مروان (بصوت ينضح بغيرة خفية): “ولا تقيل ولا حاجة… هو أدهم اللي مريحكيش؟”
ألارا (بتوتر واضح): “إيه الكلام ده؟ أدهم كان بيتكلم في الشغل عادي.”
مروان (بحدة مكتومة): “الشغل؟ بصراحة، أنا مش شايف إن نظراته ليكي كانت مجرد شغل.”
ألارا (وقد بدت متفاجئة): “إيه اللي بتقوله ده؟ يمكن إنت فاهم غلط، كلنا كنا مركزين في المشروع.”
مروان (وهو يقترب قليلاً): ” ألارا أنا مش غبي… أدهم مركز معاكي بطريقة… مش طبيعية. وأنا بصراحة، مش فاهم إيه اللي بيحصل.”
ألارا (محاولة قطع الحديث): “مروان، أنا شايفة إنك مكبر الموضوع… كل حاجة واضحة، ما فيش أي حاجة خارج الشغل.”
مروان (بتنهيدة طويلة): “أتمنى إنك تكوني صح… بس بصراحة، أنا حاسس إن أدهم عنده حاجة تانية في دماغه.”
+
في تلك الأثناء، كان أدهم قد عاد إلى مكتبه، محاولًا تحليل مشاعره الغامضة تجاه ألارا. في كل مرة يراها، يتجدد داخله إحساس لم يعرفه منذ سنوات، وكأن شيئًا مفقودًا يُبعث من جديد.
+
لاحقًا، عندما اجتمع الثلاثة مجددًا في غرفة الاجتماعات لمراجعة تفاصيل المشروع، كان مروان أكثر يقظة. لاحظ كيف كانت نظرات أدهم تتسلل بين الكلمات لتتوقف عند ألارا، وكيف أن الأخيرة بدأت تشعر بهذا الثقل في الهواء.
+
أدهم (متحدثًا بينما ينظر نحو ألارا): “لو هنبدأ بالمشروع التجريبي، محتاجين حد يراقب التنفيذ عن قرب، حد فاهم التفاصيل وعنده رؤية شاملة.”
مروان (متدخلًا بسرعة وبنبرة غير معتادة): “وأكيد دي مهمة فريقنا بالكامل، مش فرد واحد.”
أدهم (بهدوء مريب): “طبعًا… بس في بعض المواقف، بتكون القرارات الفردية أسرع.”
+
لم يكن النقاش الذي تلا ذلك مجرد كلمات عن العمل، بل كان ساحة لتبادل غير مرئي بين الثلاثة. مروان، الذي بدأ يشعر أن أدهم يمثل خطرًا على مكانه، وأدهم، الذي بدا وكأنه يكتشف في ألارا شيئًا لم يتوقعه، وألارا، التي باتت تدرك أن هذا التوتر ليس مجرد خيال في عقلها.
+
ألارا (في داخلها): “لماذا أشعر أن هناك ما يختبئ خلف كلماته؟ وما سر هذا الارتباك الذي يحيطني كلما نظر إلي؟”
+
—
+
يتبع…
هستنى رأيكم
مع تحياتي /دعاء فؤاد
التعليقات