التخطي إلى المحتوى

                                    

عاد أدهم بصحبة ألارا إلى المنزل بعد يوم طويل. وبينما كان يعتزم المغادرة، أصرت عليه بلطف أن يدخل معها. بدا مطمئنًا لعدم وجود مروان، فتردد للحظة، ثم وافق أخيرًا، متخذًا قراره بأن يستغل الفرصة للحديث مع نديم، علّه يجد خيطًا يقوده نحو الحقيقة التي لا تزال غامضة.

+

قادت ألارا خطواته إلى داخل المنزل، وأمسكت بكفه بلمسة دافئة بينما صعدا نحو الدرج المؤدي للطابق العلوي. توقفت أمامه على أولى درجات السلم، وابتسامتها كانت كالسحر الذي سلب عقله، لتقول له بخفوت ناعم:

ـــ استناني في الصالون اللي هنا.. هغير هدومي و انزلك..

+

بينما كانت تستدير للصعود، تأمل المكان من حوله ليتأكد من خلوه، ثم فجأة، تحرك باندفاع. قبض على خصرها وجذبها نحوه، ليجعل جسدها يلتصق به في حركة مفاجئة أربكتها وجعلتها تشهق بخفوت. اقترب وجهه منها حتى اختلطت أنفاسهما، وهمس قرب أذنها بنبرة جعلت كلماتها تتوه في أعماقها:

ـــ هتوحشيني لحد ما اشوفك بكرة…

+

تسللت الابتسامة إلى شفتيها رغم إرادتها، وعيناها كانتا تغوصان في عينيه بوله. ردت بصوت مرتعش لكنه محمّل بالصدق:

ـــ و انت كمان..

+

توهج وجهه بابتسامة عميقة تخفي خلفها عشقًا خالصًا. أغمض عينيه للحظة وكأنما يستمتع بوجودها بين يديه، ثم همس مرة أخرى، وهذه المرة بصوت أكثر نعومة ودفئًا:

ـــ بـحـبـك..

+

تسارعت نبضات قلبها كأنها طبل يُعلن بدء معركة داخلها. وجدت نفسها عاجزة عن النطق، وكأن الكلمات قد هجرتها فجأة. أدرك ارتباكها فربت على وجنتها بحنان، قائلاً بابتسامة مرحة:

ـــ خلاص متتوتريش اوي كدا… عايزك تطلعي دلوقتي تغيري هدومك و…

+

تردد قليلاً. أراد أن يقول لها: “صلي”، لكنه فضل أن يؤجل هذا الحديث، كي يفهم منها أكثر عن حالتها الروحية مع الحياة الجديدة التي فُرضت عليها. قطعت صمته بسؤال بريء:

ـــ و ايه يا أدهم؟!

+

نظر إليها بعينين مليئتين بالحنان وقال بنبرة مطمئنة:

ـــ و تنامي عشان تصحي الصبح فايقة..

+

ابتسمت بحب، وأومأت برأسها دون تفكير. لم يستطع منع نفسه من احتضانها مجددًا، وكأنما أراد أن يطبع هذا الشعور في قلبه للأبد. بينما كانت بين ذراعيه، سألها دون أن يبعدها عنه:

ـــ هو باباكي لسة صاحي؟!.. عايز أسلم عليه و اشرب معاه القهوة..

+

نظرت إليه برقة وأجابت:

ـــ اه هو بينام متأخر… انا هطلع اعرفه اني رجعت و انك مستنيه تسهر معاه شوية..

+

أومأ برأسه وهو يحتضنها مرة أخرى، كما لو كان يخشى أن تذوب بين يديه وتختفي. أخيرًا، تركها على مضض لتصعد. اتجهت إلى غرفة نديم، وأخبرته بأن أدهم في انتظاره ويرغب في شرب القهوة معه. بعد لحظات، هبط نديم بخطوات هادئة، واستقبله بابتسامة بدت ودودة، وإن كانت تخفي ارتباكًا داخليًا. جلسا معًا في غرفة الصالون، حيث طلب نديم من الخادمة إعداد كوبين من القهوة.

+

          

في تلك اللحظة، كان أدهم يشعر وكأن شيئًا قد اقترب من الاكتمال، لكنه في الوقت ذاته لم يستطع أن يتجاهل الشكوك التي تتراقص في عقله. نظر إلى نديم، متسائلاً إن كانت هذه الليلة ستحمل له إجابة واحدة من تلك الأسئلة التي تثقل صدره.

+

بينما في غرفة ألارا في الفيلا، حيث النوافذ المطلة على اللحديقة والديكور التركي البسيط. القمر يضيء المكان، لكنه لا يهدئ من توترها.

+

جلست ألارا على طرف السرير، واضعة رأسها بين يديها. كانت الأسئلة التي طرحها أدهم تتردد في عقلها، وكأنها ألحان مزعجة لا تستطيع التخلص منها.

+

“ليه العدسات؟ ليه لهجتك المصرية؟ مروان مايعرفش لون عيونك الحقيقي؟”

+

كل سؤال ترك أثرًا صغيرًا في قلبها، لكن عندما تجمعت كلها، شعرت وكأنها تحمل عبئًا أثقل من اللازم. رفعت رأسها ببطء، ونظرت إلى المرآة المعلقة أمامها.

+

“أنا… إيه الحكاية؟ ليه كل حاجة دي بتتسأل دلوقتي؟”

+

نهضت ووقفت أمام المرآة، نظرت إلى نفسها بتعمق. كانت تعرف انعكاسها جيدًا، لكنه الآن بدا وكأنه شخص غريب. 

لم تكن تفكر من قبل في لون عينيها، أو اللهجة التي تتحدث بها، أو حتى تفاصيل طفولتها. كل شيء كان يبدو طبيعيًا… إلى أن تحدث أدهم.

+

فتحت درج التسريحة، وأخرجت علبة العدسات. نظرت إلى العدسات الخضراء لفترة طويلة، ثم قالت بهمس:

“بابا كان دايمًا يقول لي إنها بتليق عليا أكتر… بس… ليه أنا ملتزمة بيها للدرجة دي؟”

+

أعادت العدسات إلى مكانها، ثم نظرت إلى الحديقة من نافذتها. حاولت أن تتذكر طفولتها، لكنها شعرت وكأن كل شيء مغلف بضباب خفيف. ذكريات نديم وهو يبتسم لها، صوت ضحكاتهما معًا، ورائحة البيت التركي… كل شيء كان مجرد ذكريات هو من حكاها لها لا تتذكر منها شيئا، لكنه بدا أيضًا وكأنه يفتقر إلى العفوية.

+

“اللهجة… دي اتعلمتها إزاي؟”

+

عادت إلى الجلوس على السرير، تمسكت بوسادة صغيرة، وكأنها تبحث عن نوع من الأمان. لم تكن مشاعرها تدل على شك كامل في هويتها، لكنها كانت تتساءل لماذا بدا كل شيء غريبًا عندما وضع أدهم هذه الأفكار في رأسها.

+

“ليه مروان ميعرفش لون عيوني الحقيقي؟ و ليه بابا مش عايزه يعرف ان عيوني لونها بني مش اخضر؟”

+

“طب، إيه المشكلة لو لهجتي قوية؟ أنا بنت نديم، وبابا كان دايمًا يقولي إن أصلي مصري. بس ليه ماكنش بيخليني أتكلم تركي أكتر؟”

+

ألارا شعرت أن عقلها لا يتوقف عن طرح الأسئلة، وكلما حاولت أن تجد إجابة، كانت تكتشف المزيد من التناقضات الصغيرة. لكنها لم تستطع أن تشك في نديم. “بابا مستحيل يخبي عني حاجة… أكيد فيه تفسير لكل ده.”

+

رفعت رأسها بحزم وقالت لنفسها:

“لازم أعرف أكتر… مش معنى إن أدهم شكّكني إن فيه حاجة غلط… يمكن كل الأسئلة دي ليها إجابة واضحة.”

+

        

          

                

وقفت ألارا أمام نافذتها مرة أخرى، تنظر إلى  الحديقة  أمامها. كان عقلها يصرخ بالأسئلة، لكنها لم تكن مستعدة بعد لمواجهتها كلها. كانت متأكدة من شيء واحد فقط: أدهم زرع بذور شك صغيرة، لكنها لن تسمح لها بالنمو دون دليل.

+

+

أخذ أدهم رشفة من قهوته، لكنه لم يكن يركز على الطعم. عينيه كانتا مثبتتين على نديم، يحاول أن يقرأ أي إشارة قد تساعده في فك لغز ألارا، تلك المرأة التي لا تزال تأسر عقله، وتجعل قلبه في صراع دائم.

+

أدهم (بصوت هادئ):

“حضرتك أكتر واحد يعرف ألارا كويس، مش كده؟”

+

نديم (يرفع حاجبه قليلًا، ينظر إليه بفضول):

“أكيد، أنا أبوها… لو ما كنتش أنا اللي أعرفها، مين هيعرفها؟”

+

كان هناك ارتباك خفي في كلمات نديم. ربما كان قلقًا، أو ربما يحاول أن يحافظ على هدوئه. أدهم، من جهته، قرر أن يلعب على وتر التفاصيل.

+

أدهم (يبتسم بخفة):

“عندها شخصية فريدة… تحس إنها مختلفة عن اللي حواليها… أوقات بحس إن في حاجات مش فاهمها عنها.”

+

نديم (يحاول أن يبدو مطمئنًا):

“كل إنسان عنده جانب مش مفهوم.. حتى أقرب الناس ليه مش لازم يفهموا كل حاجة.”

+

أدهم أدرك أن نديم يحاول التهرب، لكنه لم يتراجع. أراد أن يستفزه قليلًا ليرى رد فعله.

+

أدهم (بتعمد):

“بس أوقات، الواحد بيحس إنه فيه حاجة أكبر من كده… حاجة متخبّية. أنا مثلًا.. سألتها عن لون عيونها. ليه دايمًا بتلبس عدسات خضرا؟ قالتلي إنك بتحب اللون ده.”

+

تغيرت ملامح نديم للحظة، لكنه تماسك بسرعة.

+

نديم (بنبرة جادة، يحاول تحويل الحديث):

“أكيد بتحب تكون مميزة… وبعدين، أوقات الأب بيطلب حاجات بسيطة، لكن مش دايمًا تكون ليها تفسير.”

+

أدهم (يضيق عينيه، يتابع الضغط):

“وهي عاشت طفولتها كلها في تركيا، صح؟ يعني ما كانتش تعرف مصر كتير؟”

+

نديم (بهدوء حذر):

“تقريبًا… بس إحنا كنا بنحاول نعلمها كل حاجة عن جذورها، علشان ما تنساش هي جاية منين.”

+

أدهم شعر أن هناك فجوة واضحة في حديث نديم. كان يحاول أن يبدو واثقًا، لكن نبرة صوته كانت تحمل ارتباكًا لا يخفى.

+

أدهم (يختبره):

“مروان قالي إنه ما شافهاش من وقت ما كانت طفلة… غريب إنها ما اتغيرتش أبدًا بالنسباله… حتى لهجتها المصرية قوية جدًا، كأنها ماسابتش مصر.”

+

نديم (بابتسامة باهتة):

“الطفولة بتسيب أثر كبير… وده طبيعي… المهم إنها دلوقتي مستعدة تواجه الحياة، بغض النظر عن الماضي.”

+

أدهم لم يكن مقتنعًا. كانت كلمات نديم مليئة بالثغرات، وكأن الرجل يحاول جاهداً أن يخفي شيئًا. قرر أن يسأله سؤالًا مباشرًا ليختبر مدى صلابته.

+

        

          

                

أدهم (بجدية، ناظرًا مباشرة في عيني نديم):

“أنت متأكد إن ألارا هي فعلاً بنتك؟”

+

توقف نديم للحظة، كأن الوقت قد تجمد. لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه، وابتسم بثقة مصطنعة.

+

نديم (بصوت حازم):

“أدهم.. لو ما كنتش متأكد، ما كنتش قاعد معاك دلوقتي… ألارا هي بنتي، واللي بينك وبينها ما يخصنيش… لكن لو عايز نصيحة مني، ركز على الحاضر، بدل ما تدور في الماضي.”

+

شعر أدهم أن نديم أغلق باب الحوار. كان الرجل بارعًا في السيطرة على الحديث، لكنه لم يخدع أدهم. الكلمات كانت تقول شيئًا، لكن لغة الجسد فضحت الكثير. كان يعلم أن هناك سرًا أكبر مما يبدو.

+

أدهم (بهدوء، وهو يقوم من مكانه):

“يمكن. بس أنا متأكد إن في حاجات الحاضر مش هيجاوب عليها. لازم نرجع للماضي عشان نعرف الحقيقة.”

+

ترك أدهم المنزل، لكن في ذهنه كان واضحًا شيء واحد: نديم يخفي شيئًا كبيرًا، والحقيقة أقرب مما يظن.

+

+

مازلنا بمنزل ألارا حيث الجو مشحون بالتوتر. كانت ألارا لازالت تجلس بفراشها بعدما جافاها النوم، تقلب صفحات كتاب لكنها لم تقرأ شيئًا. شعرت بثقل غير مفهوم منذ أن تركت أدهم و صعدت لغرفتها. 

+

دخل نديم إلى غرفتها بخطوات ثقيلة. ملامحه كانت متوترة، وعيناه تحملان نظرة قلق حاول إخفاءها. ألقى معطفه على الأريكة وجلس مقابل ألارا، يراقبها بصمت كأنما يزن كلماته.

+

نديم (بصوت هادئ يخفي غضبه):

“انتي اتكلمتي مع أدهم في حاجة النهارده؟”

+

ألارا (تتوقف عن تقليب صفحات الكتاب، تنظر إليه بتردد):

“آه… اتكلمنا كدا في شوية حاجات… ليه؟”

+

نديم (يضيق عينيه، نبرته تزداد جدية):

“كلام عن إيه؟ ليه حسيته كان بيحاول يعرف حاجات عنك أكتر من اللازم؟”

+

رفعت ألارا حاجبيها بدهشة. لم تكن تتوقع هذا الاستجواب، لكنها شعرت أن هناك شيئًا يزعجه بشدة.

+

ألارا (بتردد):

“سألني أسئلة عادية.. عن العدسات، عن علاقتي بمروان، وعن لهجتي المصرية… ليه مهتم بالموضوع ده؟”

+

نديم (يصدمها بنظرة غاضبة):

“وانتي جاوبتيه على كل حاجة؟ قلتيله عن لون عينيكي الحقيقي؟ وعن ماضيكي اللي أنا حذرتك مليون مرة إنك تتكلمي عنه؟!”

+

شعرت ألارا بتوتر يجتاحها.. لم تكن ترى في إجاباتها مشكلة، لكنها أدركت أن نديم ينظر للأمر من زاوية مختلفة تمامًا.

+

ألارا (تدافع عن نفسها):

“ما كنتش شايفة إن في حاجة غلط… هو كان بس بيسألني أسئلة عادية!”

+

نديم (بصوت مرتفع قليلًا، لكنه يحاول السيطرة على انفعاله):

“عادية بالنسبالك، لكن مش بالنسبالي!.. أدهم كان ظابط شرطة… ما ينفعش نستهين بأي سؤال بيقوله… أي كلمة منك ممكن توصله لحاجات أنا مش مستعد إنه يعرفها!”

+

        

          

                

تراجعت ألارا قليلاً في مقعدها، كأنها تحاول الهروب من نظراته الحادة.

+

ألارا (بصوت منخفض):

“مش فاهمة.. إنت خايف من إيه؟ أدهم ليه ممكن يدور ورايا؟”

+

نديم (يتنهد بعمق، يمسك رأسه بيديه للحظة قبل أن ينظر إليها مجددًا):

“انتي مش فاهمة خطورة اللي بيحصل… أي حد يقرب أكتر من اللازم ممكن يكتشف حاجات ما ينفعش تتكشف… أنا حذرتك من البداية إنك ما تتكلميش عن تفاصيل مش واثقة منها.”

+

ألارا (بصوت مبحوح، كأنها تحاول فهم كلامه):

“بس أنا مش فاكرة كتير من الماضي.. كل اللي قلته كان اللي عارفاه.”

+

وقف نديم فجأة، وأخذ يمشي في الغرفة بعصبية، كأنه يحاول أن يهدئ من أعصابه.

+

نديم (بصوت أكثر هدوءًا لكنه يحمل تهديدًا مبطنًا):

“أنا مش هعيد الكلام ده تاني يا ألارا… أي تفاصيل عن حياتك، عن ماضيكي، حتى عن لون عينيكي الحقيقي، ما ينفعش تتكلمي فيها مع أي حد… لو أدهم استمر يسأل، تجنبيه… ما تحاوليش تفتحي مواضيع معاه.”

+

شعرت ألارا بشيء من الخوف و الغموض في كلمات نديم لم تكن مجرد نصيحة، بل كانت تحذيرًا صريحًا.

+

ألارا (بتوتر):

“أوكي، مش هتكلم تاني عن حاجات مش فاهمها. بس… هو ليه مهتم أوي بالحاجات دي؟”

+

نديم (ينظر إليها بثبات، يحاول أن يخفي ارتباكه):

“دي شغلته… يلاحظ الحاجات الصغيرة ويجمعها… وأنا مش هسمحله يوصل لحاجة ممكن تأذيني أو تأذيكي”

+

تركها نديم في الغرفة وغادر بخطوات سريعة، لكنها بقيت مكانها، غارقة في دوامة من الأفكار والشكوك. لأول مرة شعرت أن هناك سرًا أكبر مما كانت تتخيله، وأن حياتها ليست كما تبدو.

+

أصبحت محاطة بصمت ثقيل. نظراتها تائهة، وعقلها مزدحم بالأفكار التي بدأت تطاردها منذ لقاء أدهم. كانت تشعر أن شيئًا غير طبيعي يحدث، أن هناك سرًا مخفيًا بين ثنايا ماضيها، سرًا يخاف نديم بشدة من انكشافه.

+

وضعت يدها على صدرها، كأنها تحاول تهدئة نبضات قلبها المتسارعة. تذكرت كلمات نديم وتحذيراته المستمرة عن الحديث عن ماضيها. “ما تتكلميش عن اللي ما تعرفيهوش.” لماذا كان يخاف لهذه الدرجة؟ ولماذا يبدو أن هناك جزءًا من حياتها مغيبًا عنها؟

+

همست لنفسها:

“كل اللي أعرفه… هو اللي بابا قالي عليه… كل الذكريات دي… هل هي فعلاً حقيقية؟ ليه أنا مش فاكرة حاجة بوضوح؟ الحادثة… ليه كل حاجة فيها ضبابية؟”

+

صورة أدهم في ذهنها لم تفارقها. أسئلته أثارت فيها شكوكًا لم تستطع تجاهلها. لم يعد الأمر مجرد شك في نفسها، بل شعور بأنها لا تعرف حتى من تكون. وقفت فجأة، كأن قرارًا اتخذ داخلها.

+

“لازم أعرف الحقيقة. مهما كان التمن.”

+

خرجت من غرفتها بخطوات سريعة، متوجهة إلى غرفة نديم. طرقت الباب، وعندما لم يرد، دفعته ودخلت. كان يجلس على كرسي بجوار النافذة، ينظر إلى الخارج وكأنه غارق في تفكير عميق.

+

        

          

                

نديم (يرفع نظره ببطء، ملامحه متوترة):

“خير؟ في حاجة؟”

+

ألارا (بصوت متردد لكنه يحمل إصرارًا):

“عايزة أفهم… إيه اللي بيحصل؟”

+

نديم (يتنهد، وكأن سؤالها كان متوقعًا):

“بيحصل إيه؟ مش فاهم قصدك.”

+

ألارا (تقترب بخطوات ثابتة):

“ليه أنت خايف من أدهم؟ أو من أي حد يحاول يعرف عني حاجة؟ إيه السر اللي مخبيه؟”

+

كانت نبرة صوتها مليئة بالقلق، وعيونها تبحث عن إجابة في ملامح وجهه، لكنه لم يظهر سوى توتر متزايد.

+

نديم (ينهض فجأة، يرفع صوته):

“إيه الأسئلة دي؟ أنا قلتلك بلاش تتكلمي عن ماضيكي لأي حد! ليه بتفتحي مواضيع مالهاش داعي؟”

+

ألارا (بصوت متهدج، لكن عيناها مليئتان بالتحدي):

“عشان أنا نفسي مش فاهمة! كل اللي أعرفه هو اللي حضرتك قلتهو لي… طفولتي… بعد الحادثة… كل حاجة زي ما تكون صور مش واضحة في دماغي. أنا مين؟ وليه أنت خايف من الناس تعرف؟”

+

اقترب نديم منها بخطوات بطيئة، لكن نظراته كانت حادة كالسيف. أشار بيده كأنه يحاول تهدئتها، لكنه لم يستطع إخفاء ارتباكه.

+

نديم (بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا):

“اسمعيني كويس يا ألارا… كل اللي يخص ماضيكي مش مهم… المهم هو إحنا دلوقتي… لو فضلتي تسألي الأسئلة دي، مش هتوصلي لأي حاجة غير مشاكل أكبر. وأنا مش مستعد لأي مشاكل.”

+

ألارا (تصرخ وهي تشعر بدموع تغمر عينيها):

“مشاكل؟ مشاكل زي إيه؟ إيه اللي ممكن يحصل لو عرفت الحقيقة؟”

+

نديم (يقترب أكثر، نبرته تصبح أكثر حدة):

“لو فضلتي تسألي كتير كده مش هنقعد هنا ثانية واحدة… هاخدك ونرجع تركيا فورًا، بعيد عن كل الناس اللي ممكن يهددوا حياتنا..تمام؟”

+

صدمتها كلماته.. كان نديم دائمًا يظهر كشخص يحميها، لكن هذه المرة كان يبدو كأنه يخاف منها أو من أسئلتها.

+

ألارا (بصوت مبحوح):

“ليه كل ده؟ أنا بنتك… ولا لأ؟”

+

كانت كلماتها كالسهم الذي أصابه في مقتل. لوهلة، تجمد في مكانه، ثم أدار وجهه عنها، كأنه يخشى أن ترى تعبيرات وجهه.

+

نديم (بصوت منخفض ومتحجر):

“انتي بنتي… دي الحقيقة الوحيدة اللي المفروض تعرفيها.”

+

تركها في الغرفة وغادر، لكنها بقيت مكانها، مشلولة بالحيرة والخوف. هل تصدق كلماته؟ أم تستمع إلى صوتها الداخلي الذي يصرخ بأن هناك سرًا أكبر يُخفيه؟

+

في صباح هادئ يغلفه الصمت المريب، وقف أدهم ينتظر المصعد. كانت عيناه تائهتين في أفكار لا تعرف الهدوء، لكن عقله كان واضحًا في اتجاهه: “ندى… لازم تقربي أكتر، لازم أرجعك”

+

عندما ظهرت ألارا بخطواتها الثابتة، بملامحها التي تحمل خليطًا من البراءة والغموض، شعر وكأن نبضاته تُعلن حربًا داخل صدره.

+

        

          

                

ركبت المصعد بجانبه، والصمت كعادته سيّد الموقف. وبينما كانت تنظر للأمام، كان هو ينظر إليها. فجأة، وقبل أن يصل المصعد إلى الطابق المطلوب، ضغط أدهم على زر الطوارئ.

+

ألارا (بتوتر):

“إيه اللي بتعمله يا أدهم؟.. الاسانسير وقف!”

+

استدارت إليه بتعبيرات متوترة، لكن قبل أن تُكمل كلماتها، خطى خطوة نحوها، كاسرًا المسافة بينهما. كانت يداه ترتفعان ببطء، وكأنهما تستعدان لاحتواء شيء ثمين يخاف عليه من الضياع.

+

أدهم (بصوت خافت ومليء بالحنين):

“شششش….سيبيني براحتي.”

+

قبل أن تفهم كلماته، وجدته يضمها إليه بقوة، بذراعين وكأنهما جدران حصينة تريد أن تُدخلها بين أضلعه.

+

ألارا (بدهشة وصوت مختنق):

“أدهم… إيه اللي بتعمله دا؟! إحنا… إحنا في الاسانسير!”

+

أدهم (بصوت مبحوح وقريب من أذنها):

“عارف… بس مش قادر… مش قادر أكون قريب منك بالشكل ده وما ألمسكيش، وما أقولكيش قد إيه كنت محتاج اللحظة دي.”

+

حاولت أن تُبعد نفسها عنه، لكنها شعرت بأن قوة حضنه ليست مجرد قوة جسدية، بل كانت محملة بشوقٍ ينهش صدره.

+

ألارا (بصوت متردد):

“ليه؟ ليه كل ده؟ إحنا… إحنا لسه كنا مع بعض امبارح.”

+

أدهم (ينظر في عينيها):

“عارف… بس كل لحظة معاكي بتخليني أشتاق أكتر. بحس إني عايز أكون أقرب… أقرب منك لدرجة إنك ما تفارقينيش أبدًا.”

+

شعرت ألارا بالحرارة التي تُحيط بها من كلماته ونظراته… لم تكن تعرف كيف تتعامل مع هذه المشاعر التي تُلقيها في دوامة لا تعرف الخروج منها.

+

ألارا (بهمس مرتبك):

“أدهم… مش فاهماك… إنت بتعمل كده ليه؟”

+

أدهم (بصوت عميق):

“علشان كل حاجة فيكي بتصرخ باسمي… وبتقوللي إنك ليّا، وإنك عمرك ما كنتي لحد غيري.”

+

أغمضت ألارا عينيها للحظة، وشعرت بارتباك يُشبه تيارات بحر عاصف، لكن قبل أن تُكمل أفكارها، ابتعد أدهم فجأة، وكأنه شعر بأنه قد أفرط في التعبير.

+

أدهم (يُحاول السيطرة على صوته):

“اسف… بس كنت محتاج اللحظة دي.. محتاج أحس إنك موجودة معايا “

+

ضغط على زر الطوارئ مرة أخرى، وعاد المصعد للعمل. لكن ألارا لم تعد كما كانت؛ كانت مشاعرها مشوشة، وكلماته تردد في عقلها كصدى لا ينتهي.

+

أما أدهم، فكان يحاول جاهدًا أن يُسيطر على نفسه، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه كلما اقترب، زادت الحاجة إلى البوح.

+

دخل معتصم إلى مكتب أدهم وهو في حالة من التوتر، لكنه فوجئ بوجود ريم تنتظر أدهم هناك، الأمر الذي جعله يتردد قليلاً عند الباب. كانت تجلس على المقعد المقابل للمكتب، وعيناها تعكسان قرارًا كبيرًا اتخذته أخيرًا.

+

        

          

                

معتصم (بتردد): “ريم… كنتي جاية تشوفي أدهم؟”

+

ريم (بابتسامة هادئة): “أيوه… كنت عايزة أتكلم معاه في شوية أمور… بس كويس اني شوفتك.. يعني.. احم.. كنت عايزة اتكلم معاك عن.. “

+

معتصم (بفضول): “عن إيه؟”

+

ريم (بصوت هادئ): “عن الفرصة… بعد كل اللي فات، أخيرًا قررت إني أدي لنفسي فرصة تانية… مش بس ليك، لكن ليا كمان… عايزة أجرب أكون معاك تاني.”

+

ابتسامة معتصم اتسعت على وجهه، وكانت السعادة تعكسها عينيه وهو يقترب منها ببطء.

+

معتصم (بحماس): “ريم.. ده كان حلمي من يوم ما شوفتك تاني! أنا… أنا خلاص مستعد أبدأ من جديد معاكي.. وأي حاجة… أي حاجة هتخلينا مع بعض أنا جاهز ليها”

+

ريم (مراقبة له بنظرة متفهمة): “وأنا كمان… بس لازم نكون صريحين مع بعض.. ما فيش حاجة هتدوم إذا ما كناش فاهمين بعض.”

+

معتصم (بحنان): “أنا فاهم، وعارف كل حاجة عن اللي حصل بيننا.. مش هكرر الغلطات… بس إحنا دلوقتي، كل واحد فينا عارف إيه اللي عايزه.”

+

بينما كان معتصم يقترب أكثر من ريم ليعبر عن سعادته، تمد يدها ببطء لتمسك بيده.

+

وفي لحظة انسجام بينهما، يقترب معتصم قليلاً حتى يلامس وجهها بأنامله، وكأنه يريد أن يطمئن نفسه أنه لا يحلم. 

لكن في هذه اللحظة، دخل أدهم فجأة، وكأن طاقة الغرفة تغيرت لحظة دخوله كالعاصفة حين أخبره السكرتير بأن معتصم و ريم ينتظرانه بمكتبه. 

خلفه، كانت ألارا، التي لاحظت ما يحدث بين معتصم وريم.

+

أدهم (وهو يقترب بسرعة): “إيه اللي بتعمله دا؟!.. ايدك لاقطعهالك يا معتصم “

+

معتصم (بثبات): “اهدى يا أدهم شوية.. ريم كبيرة بما فيه الكفايه وهي حرة في اختياراتها” 

+

أدهم (مشتعلًا بالغضب): “أنتَ مش هتتعدى حدودك! ريم مش ليك!.. وفاكر نفسك تقدر تلمسها؟!”

+

معتصم (رد سريعًا): “أنت فاكر نفسك ايه؟ هو تحلله لنفسك وتحرمه علينا؟”

+

ريم (محاولة تهدئة الوضع): “أدهم عشان خاطري اهدى….. مفيش داعي للعصبية دي”

+

لكن أدهم لم يلتفت لحديثها، وكان يوجه غضبه بالكامل لمعتصم.

+

أدهم (بغضب شديد): “إنت ما بتفهمش؟ ريم مش هتكون معاك تاني… مش هسيبك تلمسها!.”

انقض عليه يمسكه من تلابيبه و هو يصرخ بانفعال: “انت بأي حق تلمسها؟!.. ازاي تتجرأ و تعمل كدا” 

+

ألارا كانت تراقب كل شيء بصمت، تتأمل المشهد بعينين تائهتين. بدأت تفكر في ما يحدث، بين احتضان أدهم لها منذ ثوان قليلة و بين غضبه الشديد الآن. 

هل هو غيرة؟ أم أنه إحساس بالتحكم؟ ولماذا هذا التناقض؟ لماذا يلمسها هو بأريحية تامة بينما يثور على معتصم لمجرد اقترابه من ريم؟

لماذا يعطي هذا الحق لنفسه بينما يسلبه من معتصم؟!.. فما الفارق بينها و بين ريم ان كانتا تقفان في نفس الزاوية؟! 

+

        

          

                

بينما كانت أفكارها تدور، سمعت معتصم يقول بغضب للمرة الثانيه و كأنه يجذب انتباهها لتلك الحقيقة:

+

ـــ “هو حلال ليك و حرام علينا؟! عايز تبقى على مبدأك؟.. تمام..بس المبادئ مبتتجزأش يا أدهم باشا!”

+

ألارا (من داخلها، تنكمش على نفسها): “لماذا كل هذا التناقض؟”

+

أدهم (بحزم): “معتصم، ابعد عن ريم!”

+

في تلك اللحظة، أدهم شعر بأن ألارا أصبحت تراقب الوضع بعينين غاضبتين. 

ثم بدأ يعقل الأمور، فشعر بشيء غريب في قلبه. نظرت ألارا إليه نظرة شديدة الاحتقار، وكأنها قد اكتشفت شيئًا عن مشاعره. لم تطيق أن ترافقه أكثر، فركضت خارج الغرفة، بينما أدهم حاول اللحاق بها، يصرخ باسمها:

+

أدهم (منادياً): “ألارا! استني!”

+

لكنها كانت قد اختفت، تاركة وراءها أسئلة وألمًا في قلبه.

+

خرجت ألارا مسرعة من المصعد، محاولةً كتم دموعها التي تسارعت مثل طعنات غائرة في صدرها. كان عقلها مليئًا بالأسئلة، وقلبها يعتصر ألمًا مما شعرت به من خيبة أمل.

+

صوت خطواتها السريعة جذب انتباه أدهم الذي ركض خلفها قائلاً بصوت يحمل رجاءً واضحًا:

ــ “ألارا… استني! أرجوكي اسمعيني!”

+

لم تتوقف، بل واصلت السير سريعًا حتى وصلت إلى غرفة صغيرة في زاوية الطابق المهجور، دخلت وأغلقت الباب خلفها، محاولة الابتعاد عن مواجهته.

+

طرق أدهم الباب عدة مرات، متوسلاً:

ــ “ألارا، افتحي الباب… مش معقول ننهي الحوار بالطريقة دي!”

+

من الداخل، صوتها كان مكتومًا لكنها لم تستطع منع نفسها من الانفجار:

ــ “إيه اللي هتقولوا؟! إنك مش غلطان؟! إن انت ملاك و هو شيطان؟!”

+

وضع أدهم يده على الباب، يحاول تهدئتها بنبرة جادة لكنها تحمل شفقة:

ــ “مش كده خالص… إنتي فاهمة غلط! والله اللي حصل مع أختي مختلف تمامًا…”

+

قاطعته بصوت مليء بالغضب والألم:

ــ “مختلف؟! آه طبعًا، كل حاجة مختلفة طالما الموضوع يخص أدهم.. الكبير.. اللي دايمًا عنده تبريرات لأي حاجة يعملها!”

+

حاول أن يهدئ من نبرتها قائلاً:

ــ “ألارا، اسمعيني… الموضوع مع ريم ومعتصم ليه ظروفه، وأنا مش ضدها عشان أتحكم فيها، أنا خايف عليها بس، خايف تتوجع تاني.”

+

فتحت الباب فجأة، وجهها مليء بالدموع والغضب، وحدقت فيه نظرة مليئة بالاحتقار:

ــ “و مش خايف عليا أنا؟!.. مش خايف عليا وأنا سايباك بتعمل اللي يعجبك وكأني لعبة؟!..مسكت ايدي..و بعدين حضنتني..لا و عملت اللي اكتر من كدا..كأني مراتك..مكنتش خايف عليا ليه زي مانت خايف على أختك؟!.. أو يمكن مش خايف أصلاً… يمكن لأني مش مهمة عندك… انا مجرد لعبة كنت بتلعب بيها”

+

        

          

                

حاول التحدث، لكنه لم يستطع التماسك أمام نظرتها القاسية. كانت الكلمات تتعثر على لسانه، وكأنه لأول مرة يشعر بعدم قدرته على السيطرة على الموقف.

+

ــ “ألارا، والله الموضوع مش زي ما إنتي فاكرة… إنتي مش لعبة عندي، إنتي… إنتي أهم حاجة في حياتي.”

+

رفعت يدها تمنعه من الاقتراب، وقالت بحدة:

ــ “بلاش الكلام ده!.. كلامك معادش بيدخل عقلي… وأنا مش مستعدة أسمع أكتر… لو فاكرني غبية، يبقى مش هسمحلك تستهين بيا تاني…انا دلوقتي بس حسيت اني ارخص انسانة في الدنيا “

+

استدارت وابتعدت عنه دون أن تلتفت بعدما صرخت بعبارتها الأخيرة بقهر، تاركة إياه واقفًا في مكانه، عاجزًا عن الفهم أو الحركة. 

كلماتها ضربته في مقتل..كنصل حاد هتك شرايينه…. لأول مرة، شعر أن الأمور خرجت تمامًا عن سيطرته، وأن ألارا قد تركت وراءها شرخًا لا يلتئم بسهولة.

+

+

غادر أدهم المكان عائدًا إلى مكتبه الخاص، خطواته كانت ثقيلة، وكأنها تُثقلها مشاعر الغضب والندم التي تعتصره. 

أغلق الباب خلفه بقوة ثم وقف أمام النافذة الزجاجية الكبيرة، يحدّق في اللاشيء، بينما يده تمسح وجهه بعصبية.

+

كان يحاول جمع شتات نفسه، لكنه لم يفلح. صورة الارا وهي تركض هاربة من المشهد ما زالت عالقة في ذهنه، ونظرة الاحتقار في عينيها لم تفارقه. لأول مرة شعر بالعجز المطلق، كأنه فقد السيطرة على كل شيء.

+

جلس على كرسيه، وألقى رأسه بين يديه. همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:

“إزاي عملت كده؟… إزاي قدامها؟! هي مش فاهمة حاجة… هي أصلاً… آه يا ندى..آه…آه يا ألارا.”

+

تنهّد بعمق، لكن أنفاسه كانت متقطعة. الحديث مع نفسه لم يوقف دوامة الأسئلة في رأسه:

“أنا اللي بوّظت كل حاجة… كنت المفروض أستنى، كنت أفكر، مش أتصرف بتهوّر… هي دلوقتي بتبصلي على إني واحد حقير… و معتصم؟! إيه اللي خلاني أواجهه بالطريقة دي قدامها؟!”

+

+

رنّ الهاتف على المكتب، كان معتصم المتصل. للحظة، أراد أدهم أن يتجاهل المكالمة، لكنه قرر أن يواجه الموقف. رفع السماعة وصوته مشحون بالغضب:

ــ “عايز إيه؟”

رد معتصم ببرود:

ــ “عايز أفهم إيه سبب الجنون اللي حصل ده؟! يعني مش كفاية إني بتحمّل عنادك معايا، تقوم تتهجم عليا قدام ألارا و ريم؟!”

صمت أدهم للحظة قبل أن ينفجر:

ــ “أنت اللي جبته لنفسك! ما تفكرش إنّي ناسي اللي عملته مع ريم… أنا مش هسمحلك تقرب منها تاني.”

ــ “ريم هي اللي قررت تدي لنفسها فرصة جديدة، وإنت مش وصي عليها.”

ــ “ريم أختي، وأنا مسؤوليتي أحميها… منك ومن أي حد زيك.”

+

صوت معتصم ازداد غضبًا:

ــ “ماشي يا أدهم، خلي شرف حمايتك ليها ينفعك. بس كفاية تجني عليا، أنت اللي دمّرت كل حاجة النهارده، مش أنا.”

+

أنهى معتصم المكالمة بعصبية، بينما أدهم أغلق الهاتف بقوة وكأن صوت الارتطام سيخرجه من دوامة مشاعره المتناقضة.

+

+

عاد إلى النافذة مجددًا، يحدّق في السيارات المسرعة في الشارع أسفل المكتب.

“أنا السبب… كل حاجة بتضيع مني واحدة واحدة. ندى… ألارا… حتى ريم… حتى نفسي مش قادر أمسكها.”

+

فكر للحظة، ثم همس لنفسه بصوت مبحوح:

“لازم أصلّح كل حاجة… بس إزاي؟!”

+

لحظات مرت، ثم قرر أن يتصل بالارا. أراد أن يسمع صوتها، أن يحاول تهدئة الأمور معها، لكن يده توقفت قبل أن تضغط على الرقم.

“طب لو كلمتها؟ هتفهمني غلط أكتر… مش وقت الكلام.”

+

كان يعلم أن ما فعله معها لم يكن مجرد خطأ، بل كان انكسارًا جديدًا في علاقتهم الهشة، وكان يدرك أن إصلاح الأمور لن يكون سهلاً.

“أنا خسرتكِ قبل كده يا ندى… مش مستعد أخسركِ تاني، حتى لو كنتي مش فاكرة… حتى لو كنتي مش عارفة.”

+

+

يتبع.. 

+

رأيكم يهمني جداً..

مع تحياتي /دعاء فؤاد 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *