التخطي إلى المحتوى

رواية الهجينة الجزء الثاني للكاتبة ماهي أحمد الفصل الحادي والأربعون

كان لابد من لقاء يجمعنا سوياً يوماً ما، ساورتني شكوكي قليلاً، ولكن تملكني يقيني أكثر، كل شىء بغيابك عادي وبوجودك مبهر، تجمعت مشاعرنا دون لقاء، كما التقت عيوننا دون معاد ياصاحبه العيون الخضراء.

كانت النهايه عند وقوعها دون قصد بأحضان أخر شخص ممكن أن تتوقعه وأول شخص كانت تتمنى أن تراه مجدداً وجدت نفسها بأحضان ياسين رفعت عيناها لتطالعه فقد احتضن بؤبؤ عيناها عيناه، لم تعرف ماذا تقول صدق من قال أن للعيون لغه، فقد فضحتها عيناها عند رؤيته من جديد، ابتسم لها هو ابتسامه بسيطه زادت من وسامته فتراجع قليلاً حتى يعطي لها فرصه في الوقوف مستقيمه بعدما مالت عليه نظر للأسفل ليجد رباط حذائها المفكوك كالعاده ليبتسم من جديد وهو ينحني يربط لها رباط الكوتشي وهو يقول:.

رباطك ياشمس.
هوى قلبها أرضاً عند سماع جملته، فهذه الجمله لم تسمعها قرابة العشر سنوات هذه الجمله الخاصه ب عمار وقف واستقام بعدما عقد لها رباط الكوتشي من جديد نظرت للأسفل على حذائها فوجدته نفس ربطه عمار المعقده فأكمل هو جملته بإبتسامه حنونه أخرى:
ربطهولك كويس عشان مايتفكش منك تاني.

كانت ومازالت لا تستطيع الحديث فلم تنطق ببنت شفه حتى الأن ولكن بداخل رأسها في هذه اللحظه اسئله كثيره وزحمه أكثر بداخلها ولكن تود أن تسأله سؤال واحد فقط يراودها على طرف لسانها وهو من أنت حتى كادت أن تنطق بهِ ولكنها صمتت عن الحديث فجأه عند سماعها صوت الطبيب قادم من خلفها ناطقاً بأسمه بدهشه وعدم تصديق ما يراهُ الأن:
ياسين
اضاءت ملامحه أحدى أبتسامته الرائعه بقوله:
وحشتني ياطبيب.

فرد الطبيب على ذراعه والأبتسامه تملىء وجهُ يضمه الى صدره فقد اشتاق إليه حقاً ظلت شمس تطالعه فطالعها هو الأخر بنظره سريعه ثم تجاهلها على الفور، شعرت الخاله بوجوده التقطت رائحته من بين الحشود ابتسمت ووقع العكاز من يدها على الأرضيه شعرت بروحها تعود من جديد الى جسدها فوجدت قلبها ينطق قبل لسانها
أبنى.

توقف الطبل والمزمار وظل الجميع يسأل نفسه في حيره ينظرون هنا وهناك تحركت الخاله بينهم ازاحت الأشخاص الذين يحولون بينه وبينها أخذ يزن وبربروس وساره الجميع بلا استثنا يتابعون خطواتها بعيونهم حتى وجدته يعطيها ظهره وهو بحضن الطبيب وضعت كف يدها على كتفه تطالعه بدموع ترقرقت بعيناها فألتفت هو ينظر لها بابتسامه حانيه:
وحشتيني ياما
ها قد وقعت على مسامعها كلمه ياما من جديد ضمتهُ.

الخاله الى صدرها بعنف حاوطت عنقه بذراعين حوت حنان العالم أجمع فقد عاد ولدها المفضل لديها من جديد أخيراً بعد غياب بعيد، ألتف الجميع حوله رحب كل واحد منهم بهِ على حدا فتركتهم شمس وغادرت الى المنزل شعرت بمزيج مثير ومميز من الشعور الذي يراودها الأن أغلقت باب غرفتها قرعت دقات قلبها كالطبول، خرجت كلماتها مرتعشه من بين شفتيها بعدما أغلقت عينيها وهي تردد على شفتيها باستغراب ما قالهُ لها منذ دقائق قليله:.

رباطك ياشمس!
مازال الجميع يرحب بهِ بفرحه عارمه حتى أتت لهُ غدير وهي تسرع بخطواتها تبعد الجميع من أمامها والسعاده تملؤ وجهها دفنت رأسها بداخل صدره وهي تنطق بأسمه
ياسين، أنا مش مصدقه نفسي، أنت فعلاً هنا
فأستغرب هو مما يحدث لم يعد يعرفها، رفعت رأسها إليهِ تنظر لهُ بابتسامه عريضه فتفحص هو ملامحها لثواني قليله ثم نطق باستغراب على ما أصبحت عليه الأن:
الذبله.

ضربت بكف يدها على كتفه بخفه يرتسم على وجهها ملامح الأندهاش فقد تذكرها للتو:
بالظبط
أشارت على جسدها بكف يدها بعدها استرسلت حديثها:
كبرت مش كده
فأشار لها بعينيه بأعجاب:
مهما كبرتي هتفضلي في عيني الذبله الصغننه
ابتسم الجميع فسأل هو عن بربروس فأجابه هو:
أنتظرت للأخير حتى تذكر أسمي أيها اللعين
ضحك ياسين بهدوء على كلامه قبل أن يرد:
وانا لا يمكن انساك ياشيخ عجوه.

أخذه بالأحضان الحاره، وقد شعر بالأرتياح بداخل أحضانه فذهب ليزن بعد ذلك
مبروك ياعريس، عارف أني جيت متأخر بس
بتر يزن حديثه:
المهم أنك جيت يا ياسين دلوقتي بس حسيت ان عمار معايا
نظر له ُ ياسين نظرت أمتنان، فنظرت الخاله حولها تبحث بعيناها عن شمس:
هي شمس لسه ماجابتش الحنه، ياسين هو اللي هيحطها في ايدين العريس
أنا هاروح أجيبها ياخاله.

هرولت غدير مسرعه فأتت بالحنه على الفور أرتفع صوت الطبول والمزمار من جديد وهو يضع الحناء في يد يزن العريس كان الجميع سعداء الجميع بلا استثناء ماعادا زُهره فقد انقبض قلبها وشعرت بالحزن عند مجيئه، كانت أعين جميع من بالفرح عليه فالجميع انتظر لسنوات عديده ليرى من هو ياسين بعدما ظلت تحكي عنه الخاله للعديد من الناس فالكل يعلم بأنه وريث عائله الصاوي من بعد الخاله شعر بهماساتهم ولمح أعينهم المسلطه عليه ِ حاول مراراً تفاديهم حتى تنتهي هذه الليله على خير، كانت هذه الليله من الليالي الصاخبه بالقريه، لم ينم أحد تلك الليله، فظلت هذه الليله مستمره حتى طلوع الفجر وأخيراً خفت الزحمه قليلاً، وأنتهى اليوم على خير حتى ظل شباب العائله من جديد، فالجميع الأن اصبح من العائله هكذا دائماً تخبرهم الخاله، يجتمعون جميعلً حول ياسين من جديد فأمرتهم الخاله بالرحيل فرد الطبيب: عايزانا نرجع البيت ليه ياخاله دلوقتي احنا ماصدقنا نتجمع من جديد.

فرد بربروس على كلام الطبيب:
هناك أناس لا يمكن أن نرفض لهم طلب ومنهم الخاله ومن المؤكد انها تريد أن تجلس مع هذا اللعين بمفردهما قليلاً
اشارت الخاله بعينيها الى الطبيب:
شايف الناس اللي بتفهم، يالا كل واحد عارف فين مطرحه
كان اليوم شاقاً فذهب كل منهم على حدا ليستريح فغداً يوم جديد.

حاول أن ينفرد بنفسه قليلاً بعدما غادر الجميع من حوله، ينظر هنا وهناك فكل شبر بالقريه يحفظه عن ظهر قلب، وجوده بالقريه يذكرهُ بأشياء بش عه يريد نسيانها، فالنسيان أحياناً نعمه وأحياناً أخرى نقمه شرد قليلاً في الماضي ولكن سرعان ما أفاقته الخاله من شروده
ياسين، عايزاك معايا ياولدي في كلمتين تعالى ورايا
وقف واستقام وهو يضع يده في جيبه الخلفي بعدما تنهد:
الكلمتين دول ماينفعش نأجلهم لبكره ياما.

أشارت برأسها بالنفي:
لاء ماينفعش ياولدي
أشار برأسه بالموافقه ورحل خلفها في صمت حتى وصل الى قب ر عمار أشارت بعكازها على ذلك اللوح الرخامي الذي دون عليه أسم عمار قائله:
كتبته على أسمك بالكامل عمار ياسين بن يزيد الصاوي فاكر عيله الصاوي ياولدي ولا نسيتها
أشاح بنظره عن اللوح بعدما طالعه قليلاً:
جيباني هنا ليه ياما
فردت الخاله عليه بسؤال أخر:
ومجبكش ليه ياولدي؟

وضع كف يده بين خصلات شعره الكثيفه يحاول أن يتجاهل قبر أبنه بقوله:
عشان مش وقته ياما، أنا جاي هنا عشان خاطر فرح يزن
نظرت لهُ باستغراب قائله:
وقبر ابنك مش عايز تشوفه، ابنك ماوحشكش ياياسين
فرد على سؤالها بسؤال أخر:
عايزه توصلي لأيه ياما؟
كانت ستنطق بكلماتها ولكنهُ بتر حديثها قبل أن تنطق فجاوب هو:
أنا هقولك أنتِ عايزه توصلي لأيه
أشار بعينيه الى اللوح الرخامي:.

أول حاجه تخليني أشوف قبر عمار عشان تفكريني باللي فات بعد كده تاخديني جوله في البلد وقد أيه قريه الصاوي كان ليها معانا ذكريات فكل شبر من ارضها وان ابويا وجد جدي والناس اللي عيشنا معاهم ونشوفهم بيتولدوا ويعيشوا ويمو توا واحنا لسه احياء هما موجودين وهيفضلوا موجودين طول ما الأرض والقريه بخير بريحتهم وهيبقوا مرتاحين في تربتهم، واخر وسيله بقى أنك هتعرفيني على الناس هنا من جديد وتعرفيهم بيا وقد ايه هما غلابه ومحتاجين اللي يحميهم عشان تفضل قريه الصاوي بخير مش كده ياما، أنا وفرت عليكي كل شىء وعايز اقولك اني جاي أحضر حنه يزن وفرحه وهرجع مكان ما جيت عشان انا مابقاش ليا مكان هنا.

نظرت لهُ الخاله باستغراب قليلاً مع الكثير من الحيره فهو يعلم جيداً ما يفعل نظرت في عينيه وجدت بهما اصرار على مايقول يكفي لعدم مناقشته في هذه اللحظه فضر بت الأرض بعكازها وهي تنظر له نظرة تتحداهُ فيها:
ماشي يابن الصاوي، فرح يزن بعد شهر، بعد الشهر ما يخلص وقتها نقرر أذا كنت هترجع مطرح ما كنت ولا لاء
استغرب هو مما قالته فأدارت الخاله ظهرها لهُ لتكمل طريقها فوقف هو بلحظه أمامها ووقف بطريقها:.

أنتِ قولتي أيه؟ شهر!
الفرح المفروض يابكره يابعده بالكتير
فارتسمت على وجهها نظره تتحداهُ بها:
هو أنا ماقولتلكش مش احنا أجلنا الفرح يابن الصاوي
ومش هتمشي من هنا قبل ما تحضر فرحه وده أخر كلام عندي.

تركته ورحلت يراها هو تبتعد عنه رفع كف يديه الاثنين ووضعها خلف رأسه بعدما تنهد بعمق وقد شعر بضيق في صدره مما قالته الخاله منذ قليل فاحتاج للقليل من الهواء النقي لكي يفكر قليلاً على أنفراد، أخذ يسير هنا وهناك بين الحقول والغيطان فقد أشرق يوم جديد فجلس بين الخضرا والزرع وفرد ظهره ينظر الى السماء الصافيه بلحظه الشروق يستنشق القليل من الهواء.

هي فين شمس؟
هذا كان سؤال ساره لمارال وهي تضع فستانها بالدولاب الخاص بها
مش عايفه من أول ما ياسين ظهى في الفيح وهي أختفت
طيب ما حد يشوفها في أوضتها
فردت غدير مسرعه:
سيبوها انا لسه شيفاهه في أوضتها من شويه لاقيتها نايمه على السرير
فردت ميرا بقلق:
لا تكون تعبانه
تؤ. تؤ مافتكرش عشان كانت نايمه عادي، وبعدين أنتوا سايبين أن ياسين رجع وماسكين في شمس راحت فين
فردت عليها ساره:.

ايوه ياذبله أنتِ مش لازم نطمن عليها
رفعت غدير شعرها تعقده بالتوكه المشبك الخاصه بها:
والله شوفتها نايمه واطمنت عليها ماتقلقوش انا حتى ماردتش اصحيها
فسألت سؤال أخر:
بس أنا ملامحي ماتغيرتش أصل ياسين عرفني على طول
لاء ماتغييتش لسه عيله صغييه زي ما أنتِ.

هو أخوك هيمشي أمتى؟
أنكمش حاجب الطبيب باستغراب فاعتدل في نومته يطالع زهره:
هو لحق يرجع يازهره عشان يمشي
قامت من على الفراش والقلق يأكل من قلبها:
أنا بس بسأل يعني ماتعرفش اذا كان هيحضر الفرح وهيمشي على طول ولا هيقعد شويه
جلس على الفراش وكانت هي تقف في الجهه المقابله لهُ:
وأنتِ ليه عايزاه يمشي وبعدين يمشي منين ده بيته
أغلقت عيناها بعدما أخذت نفس بعمق:.

ما انا عارفه انه بيته ياعلي أنا بس بسألك مش أكتر ايه المشكله في كده خلاص السؤال حُرم
هز الطبيب كتفيه بعدم فهم:
ماتحرمش ولا حاجه بس استغربت مش أكتر
ظلت واقفه مكانها وشردت بتفكيرها قليلاً فسألها هو:
أيه مش هتنامي؟
فأفاقت من شرودها وأشارت برأسها بالموافقه ففرد هو يديهِ لكى يأخذ ابنته الصغيره بين أضلعه كالعاده.

هو الأن أمام المنزل الكبير خطى أولى خطواته على الدرج فكلما صعد على الدرج يتذكر ما كان يفعله بالماضي بين جدران هذا المنزل من سفك الد ماء فوقف على الدرج لم يستطع أن يستكمل طريقه ولكن شعور ما بداخله أجبره على الدخول، نظر الى بهو المنزل فقد تغير كثيراً عن أيام الضبع نعم نفس الجدران ولكن أصبح هناك حياه بداخل هذا المنزل الكبير فقد حرصت الخاله أن تعيد المنزل كما كان في عهد الصاوي الكبير، فتح باب غرفته وجلس على طرف فراشه وضع يدهُ على الفراش وأغلق عيناه فراودته ذكرى مخيفه وهو يحمل شمس بين ذراعيه يريد أن يختلي بها حتى جاءه الضبع وقد نحت الغ ضب معالم وجهُ:.

أنت بتعمل أيه ياياسين؟
دي مراتي يعني اعمل فيها اللي انا عايزه يابوي
مش دلوك ياولدي، اللعنه تتفك وبعديها أعمل اللي أنت عايزه.

فاق من شروده على تلك الذكرى المؤلمه حقاً، يؤنب نفسه دائماً وابداً عما كان يفعله بالماضي دون وعي، حل زراير قميصه يحاول خلعه ليجد من تخرج من باب الحمام بداخل الغرفه تنظر لهُ بصدمه لتعلى صوت أنفاسها وهي ترى جسده العاري من القميص فأستدارت على الفور عند رؤيته فأنكمش حاجبه قليلاً بعدما نظر الى الأسفل ليجد نفسه عاري الصدر فوضع يدهُ على قميصه يضمه بيديه الأثنتين قائلاً بسخريه مع ابتسامه بسيطه:
يامصيبتي.

فردت هي ومازالت تعطيه ظهرها والتوتر يعلو نبرة صوتها:
أنت، أنت بتعمل ايه هنا ياياسين
تقدم خطوه نحوها وهو يزرر قميصه قائلاً:
دي أوضتي ياشمس أنتِ ناسيه، وبعدين تقدري تفتحي عنيكي أنا قفلت القميص
استدارت لكي تنظر لهُ:
أنا مش ناسيه أكيد بس
تحدث بعدما بتر جملتها:
بس استوليتي عليها صح
أنا ماستولتش عليها ياياسين كل حاجه زي ما هي ما تغيرتش من يوم ما سيبتها
أتجهت نحو الدولاب فتحت الدلفه قليلاً لتريه ما بداخلها:
شايف.

نظر بداخل الدولاب ليجد ملابسه بالكامل مازالت موجوده مرتبه ونظيفه:
فأكملت حديثها بعدما هزت كتفها:
سريرك وموجود حتى ما حاولتش أغيره مع أنه قديم ويقرف
رفع هو حاجبه باستغراب فقد علم من حديثها بأنها حرصت أن تبقى غرفته كما كانت منذ أن تركها ورحل فقال ببجاحه:
وياترى القبو كمان سبتيه زي ماهو ولا ده غيرتي فيه.

القبو، فهي تشعر بشعور مخيف عند سماع أسمه فما بالك من أن تنزل بهِ وتغير فيه، ففيهِ عاشت أسوء مراحلها وفيهِ فقدت عمار
تنهدت ببطىء وهي تحاول أن تستجمع شتات نفسها قليلاً:
والله لو أنتَ عرفت تغير فيه اللي حصل، يبقى أنا كمان هنزل أغيره
تركته واتجهت ناحيه الدولاب تأخذ منه أغراضها التي تحتاجها من الدلفه الأخرى ذهبت بأتجاه الباب ووقفت قائله:
أوضتك ورجعتلك ياياسين، انا ماباخدش حاجه مش بتاعتي.

خرجت من الغرفه صافعه الباب خلفها بقوه، تاركه أياه ينظر لها وهي تبتعد عنه.

صباح يوم جديد كانت زهره وميرا يحضرون لوجبه الأفطار يضعون الطعام على الطاوله الكبيره فسمعوا صوت ساره المرتفع يأتي من غرفه الضيوف قائله:
أيه! يعني أيه الفرح اتأجل ياخاله؟
نظر الجميع لبعضهم البعض باستغراب فلم يستوعب أحداً منهم ما قالته ساره للتو:
أقعدي ياساره وأهدي لما نشوف ليه الخاله عايزه تأجل الفرح.

كانت هذه جمله يزن بعدما أمسك بكف ساره يحاول تهدئتها قليلاً فجلست ساره على المقعد وبداخله الف سؤال ولكن أهمهم هو ما سألته للتو وكان رد الخاله كالأتي:
عشان أنا قولت أكده يابتي، فرحك كمان شهر على يزن
يعني أيه هو حكم قرقوش ياخاله
نطقت جملتها بغ ضب فضر بت الخاله عكازها بالأرض
بعن ف:
يزن شوف مرتك
هو انا لسه بقيت مراته عشان يشوفني
هتبقي يابتي هتبقي والله، مالك متسربعه على أيه؟

علق يزن على الحوار بأكمله مستهجناً:
ياخاله الحكايه مش حكايه متسربعه بس على الاقل ساره عايزه تفهم وانا كمان عايز أفهم ده من حقنا على الأقل
استدعت الخاله كامل اتزانها وهي ترد بثبات:
أنتَ مش واثق فيا يابني
قالت جملتها فوجدت ياسين يفتح الباب ويجلس على المقعد أمامها ينظر لها بُخبث يتحداها قائلاً:
ياما كلنا واثقين فيكي بس على الأقل العرسان عايزين يعرفوا السبب ليه عايزه تأجلي جوازهم
هز رأسه ببراءه:.

كلنا محتاجين نعرف
فردت ساره مسرعه وبلهفه:
قولها ياياسين، على الأقل لو هأجل فرحي أعرف ليه لكن أأجله وخلاص ده يبقى ظلم ولا أنت ايه رأيك ياياسين
تفحص ياسين الخاله الجالسه أمامه بعينين ثاقبتين لم يهزه ثباتها حتى وهو يقول:
بصراحه قمه الظلم، واحنا لازم نتستأنف في القضيه دي
قالت الخاله بتحدي:
اطلع أنت منها ياياسين سيبني انا معاهم هعرف أتصرف.

نظر لهما يزن وهما يتبادلان نظرات التحدي كل منهما الأخر فقطعت خاله هذه النظرات بقول:
روح مع حسان هو مستنيك بره عاملينله استدعاء ولي امر في المدرسه وعلى مش فاضي
كمش حاجبه باستغراب وهو يطالعها ويردد:
استدعاء!
أشار بأصبعه على نفسه فاستكمل حديثه:
انا اروح استدعاء ده الجيش معملهاش
قالت كلماتها بحزم:
أنا قولت روح ياياسين، حسان مستنيك بره
تنهد بعمق وهو يطالعها من جديد فحنى رأسه قليلاً دليل على الطاعه:.

اللي تشوفيه ياما
خرج يصفع الباب بقوه من خلفه ليجد حسان وغدير أمامه يقفون بجانب بعضهم البعض بالبهو فسألهما:
مين فيكوا حسان
فنظر كلاً من غدير وحسان الى بعضهما البعض باستغراب فرد حسان قائلاً:
أنا طبعاً
فتحرك ياسين أمامه وهو يقول:
تعالى ورايا.

هل يوجد أجمل من نسمات هواء الصباح مع زقزقه العصافير والزرع والخضرا يحاوطون الكوخ الذي تحيا فيه، حياه هادئه بسيطه يعيشها رجل مسن بالثمانينات من عمره يحاول الوقوف فقد أهلك الزمن جسده فأتت اليه ِ شمس قائله:
أنا جيت ياعم نصير وجيبتلك الفطار معايا
ابتسم وهو يحاول الجلوس على المقعد المستطيل بخارج الكوخ:
وياترى جبتيلي معاكي ايه ياست البنات النهارده
وضعت الصينيه أمامه بعدما أحضرت الطاوله قائله:.

االفطار اللي بتحبه فطير مشلتت سخن مولع وعسل وبيض وجبنه قريش
فابتسم لها عم نصير بامتنان وهو يضع عكازه بجانبه يشمر يده يستعد لتناول وجبه الأفطار:
أنا مش عارف من غيرك كنت عملت أيه ياشمس عشر سنين وأنتِ مش سيباني أبداً
أشارت لهُ برأسها على الطعام:
طيب يلا كل بقى قبل ما الفطير يبرد وانا هدخل جوه أنضف الكوخ على ما تاكل.

هو الأن يقف أمام مدير المدرسه الخاصه بحسان فتح باب غرفته دون استئذان وجلس على المقعد وهو ينظر للمدير قائلاً:
الواد ده عملينله استدعاء ليه؟ هو مابيجيش المدرسه
فرد عليه المدير باستهجان:
ييجي فين ياأستاذ احنا في اجازه
رفع حاجبه باستغراب مما قاله للتو بعدما نظر لحسان:
ولما انت في اجازه عاملينلك استدعاء ليه؟
هز حسان كتفه بعدم فهم يشاور بأصبعه الى المدير:
معرفش أسأله هو
فأجاب. المدير قائلاً:.

قبل ما تسألني انا عايز اسألك أنت مين أنا اول مره أشوفك في القريه
أنا ياسين الصاوي
قالها بثبات فتوتر المدير قائلاً:
هو حضرتك رجعت من السفر
لاء لسه
فابتلع المدير ريقه وهو يقول:
نورت القريه يااستاذ ياسين
فرد هو بلا مبالاه
هنورها ازاي وانا لسه ماجيتش
ضحك المدير بهدوء على كلامه ليجامله وهو يقول:.

انا عملت للطالب حسان استدعاء لمصلحته حسان شايل مواد السنه دي ودي تاني سنه ليه في تالته ثانوي ولو مامتحنش السنه دي المواد دي هيترفض من المدرسه وحرام السنين دي كلها تضيع ومايبقاش معاه الثانويه على الأقل فحبيت اقولكم وخصوصاً انه من شباب عيله الصاوي
فنظر لهُ ياسين نظره مشبعه بلوم:
أنت مكنتش ناوي تدخل الأمتحانات
رفع حسان رأسه فقابلت عيناهُ بعين ياسين ففتح فمه لكي ينطق فقاطعه ياسين قائلاً:.

هيدخل امتحاناته هيدخلها ماتقلقش
مد كف يده للمدير:
متشكرين لاهتمامك
فمد المدير يده ليسلم عليه:
علي أيه انا معملتش غير الواجب
رحل ياسين وبجواره حسان عائدين للمنزل بجوارهم الغيطان فبدأ ياسين بالحديث:
أنت مين؟
فنظر له حسان يطالعه
أنا ابن زهره واخو شمس
رفع حاجبه باستغراب فحاول الا يحرجه وهو يعلم جيداً أن شمس ليس لديها أخوه فاستكمل حديثه:
طيب ومش عايز تكمل تعليمك ليه ياحسان
فقال بزهق:.

أنا ماليش في العلام قولت الكلام ده الف مره لجوز امي
هو مين جوز امك ده
سأله بحيره فرد عليه بما لايتوقعه:
دكتور علي، مش بقولك انا ابن زهره هي زهره متجوزه حد غير دكتور علي
أشار برأسه بالايجاب:
أه معلش تاهت عني دي، طيب ليك في ايه ياحسان غير العلام
رد متلهفاً بعدما أتسعت عيناه:
في الفلاحه، انا بحب الأرض اوي وافهم فيها سيبني في أرض بور هتلاقيني بعمرها للخضار على طول.

طيب ما ده حلو جداً بس أنتَ شايف أنك لما تعمر الأرض البور وأنت مهندس زراعي ومعاك شهادتك أحسن ولا لما تبقى جاهل وممعكش شهاده
وهتفيد بأيه الشهاده ياياسين وانا كده كده عارف كل حاجه
أشار بيديه لحسان:
ياسين كده حاف كنت بلعب مع اللي خلفوك انا جوز شطرنج
هز كتفه قائلاً:
ما انا مش عارف اقولك ايه؟ ما أنت شكلك صغير على كلمه عم دي انا دكتور على لو مكانش دكتور كنت هقوله ياعلي.

اشار برأسه بالموافقه ثم أمسك به من ياقة قميصه
لا ياروح امك انا تقولي ياأنكل عايز اسمعها منك أنكل انت فاهم
فقال له بنبره صوت خشنه بعدما نظر له بغضب:
وانا مش دكتور على انا معنديش صبر اتكلم بالذوق لما تبقى راجل ومعاك شهادتك وتشتغل اللي بتحبه أحسن ألف مره ماتبقى جاهل في الدنيا يادوبك بتفك الخط، الحياه محتاجه أنك تتعلم عشان تقدر تواجهه بالعلام اللي اتعلمته أنت فاهمني طبعاً
أشار حسان رأسه بخوف وهو يقول:.

حاضر. حاضر يا أنكل ياسين
اشار ياسين بعينيه للمغادره فرحل حسان وهو يركض من أمامه مسرعاً أبتسم ياسين وهو يقول:
عيال تخاف ماتختشيش
نظر بجانبه ليجد الكوخ الصغير شعر بحنين لهذا الكوخ فتذكر عم نصير وزوجته أخذتهُ قدمه في أتجاه الكوخ ليجد عم نصير لا يزال على قيد الحياه يجلس على المقعد الذي صنعهُ لهُ منذ زمن فجلس بجواره:
عم نصير أنت مش عارفني.

ترك عم نصير الطعام من يده ونظر له أخذ يطالعه يتأمل بملامحه فاتسعت البسمه على وجهُ ودخل الفرح الى قلبه فقال جملته متقطعه وكف يده يرتعش:
ياسين، ياسين أنت رجعت
هز رأسه بابتسامه واسعه
لا مارجعتش
حاول عم نصير الوقوف فلم يستطع فضمه ياسين الى صدره
بحب:
وحشتني ياعم نصير وفين مراتك
رد عليه عم نصير والدموع تترقرق بعينيه:
مراتي تعيش أنت ياياسين، ما تت وسابتني لوحدي
ابتلع ريقه بعدما ظهرت على ملامحه الحزن:.

الله يرحمها كانت ست طيبه
كانت شمس بداخل الكوخ فسمعت صوت ياسين حاولت ان ترحل دون يراها فسارت على اطراف أصابعها من خلفه حتى وجدت عم نصير ينادي بأسمها:
تعالي ياشمس ياسين رجع
اغلقت عينيها وضغطت على شفتيها فنظر هو خلفه ليجدها تقف على اطراف اصابعها قائلاً:
أنتِ هنا بتعملي أيه؟
فرد عم نصير بدلاً منها:
من ساعه ما انت سيبت البلد من عشر سنين وهي اللي بتيجي تشوف طلباتي من ساعه ما أخدت الم
قاطعته شمس بصوت مرتفع:.

من ساعة ما أخدت منك ياعم نصير المش وانا بحب أجي هنا، اصل عم نصير كان بيبع مش زمان فكنت بحب اشتري منه فشوفته وحبيت أكون معاه دايماً مش كده ياعم نصير
نظرت له نظره تستعطفه بها أن يوافقها عما قالت فأشار برأسه:
أيوه كده يابتي
وانت من أمتى بتبيع مش ياعم نصير
من زمان يابني من ساعه مامشيت
علي كده بقى بتعمله حلو؟
علي قدي
طيب ما تعلمني
فرد عليه هو:
هبقى أديك بلاصه بحالها.

فقال ياسين جملته بأصرار دليل على عدم تصديقه لعم نصير:
لاء انا عايزك تعلمني
فرد هو عليه مؤكداً:
طيب اول حاجه لازم تصحى بدري
فقاطعه ياسين
خلاص هات البلاصه
ابتسم عم نصير عما قاله ياسين جلس معه قليلاً فقالت شمس
انا خلصت ياعم نصير لازم اروح بقى
فرد عليها ياسين:
استني هانروح سوا
لاء انا همشي لوحدي
فرد هو مسرعاً:
تمام ماتزنيش جاي معاكي.

ابتلعت ريقها وهو يسير بجوارها بين الغيطان لا يوجد سوا الصمت ببينهما والهواء يتغلغل بين خصلات شعرها مسكت هي شعرها بيدها تحاول أن تربطه جيداً فنطق هو أخيراً
مابقتيش تتكلمي زي الاول ليه؟
تقصد ايه؟
هز كتفه قائلاً:
بالفصحى زي بربروس
رفعت شمس رأسها فتقابلت عينها بعين ياسين:
مهتم أنك تعرف
فرد بلا مبالاه:
عادي الطريق طويل بنتسلى لو مش حابه تقولي براحتك
دعمت شمس حديثه بعصبيه:
خلاص مش هقول.

براحتك انا بس مش عايز اضايقك وعلى فكره مكانش قصدي اخنقك لما كلمتك عن القبو حسيت انك اتخنقتي اول ما سمعتي كلمه القبو
اومال كان قصدك ايه لما قولتها
فجاوبها بصدق وهو ينظر لها ببراءه:
أخنقك بصراحه
فابتسمت هي ابتسامه بسيطه ونظرت للاسفل لتجد من يجذبها من ذراعها لهُ بقوه ويقول:
اللاه، اللاه ما انتِ عايشه حياتك أهوه ومقضياها اومال مالك مضيقاها عليا ليه؟
قالت وهي تحاول جذب يدها منه بالقوه:
سيبني يافريد.

جذبها ياسين خلفه فوقفت هي تحتمي بذلك الجدار البشري فنظر لهُ ياسين نظره بها من الكلام مايكفي فوقفت شمس أمامه تترجاه بأعين دامعه فهي تعلم جيداً ما الذي يحدث اذا فقد تركيزه:
اهدى ياياسين أرجوك ماتتعصبش
حاول ياسين تهدئه نفسه قليلاً فوجد فريد يقول لهُ باستهجان:
أنتَ مين أنت كمان ياحيلتها عشان تبصلي كده وعاملك أزمه ليه؟
ولم يكن يعلم أن رده هذا سيكون رده عليه موجعاً حيث هتف قائلاً:.

أخذ نفس عميق وهو يبعد شمس من أمامه قائلاً:
أزمه! أنا مقاس أزمتي 46 واللي هقلعها واديك بيها حالاً دلوقتي لو مابعدتش عني
استشاط فريد غض باً وهو يصك على أسنانه وقد أشتعلت النيران في عينيه:
أنتَ عارف أنت بتكلم مين وابن مين
فرد عليه ببسمه صفراء وقد ارتسمت نظره خبيثه على ملامحه:
عنيا مش شايفك عشان اعرفك
رفع فريد سلا حه على ياسين يوجهُ على رأسه قائلاً:.

أنا ممكن أدفنك حي حالاً وأنت واقف مكانك دلوقتي وماخدش فيك يوم واحد
وبحركه سريعه منه لف كف يد فريد وأخذ منه سلا حه وفي لحظه فك السلا ح الى اجزاء يلقيه أمامه على الأرض فاستغرب فريد من سرعته المهوله فأمسكه ياسين من ياقه قميصه وقربه منه وضربه برأسه ضربه قويه جعلته يفقد الوعي في لحظه
صرخت شمس قائله:
فريد
نظر لها ياسين باستغراب على صرختها له ُ:
خايفه على الواد ده عشان صرختك دي.

شعرت بنبضه لتجده مازال حياً فنظرت له قائله:
أنا خايفه عليك أنتَ، أنت ماتعرفش ده ابن مين ده ابن وزير الداخليه.

دخل ياسين الى غرفته يغير ملابسه فتح دولابه يفتح زرار القميص ليأخذ قميصاً أخر بدلاً منه أغلق الضلفه ليجده أمامه، انفزع قليلاً من رؤيته فنظر لهُ باستنكار وهو يلقي بقميصه على الفراش:
أنتَ مش قولت أنك مش هتيجي القريه جيت ليه ياعمار
نظر لهُ وهو يربع يدهُ بدا الضجر على وجه عمار وتنهد بضيق قبل أن يرد:
أحنا مش اتفقنا أنك مش هتقربلها
انتزع قميصه من على جسده وأمسك بالقميص الأخر وقال هو يرتديه:.

وانا مقربتلهاش، أنا روحت لعم نصير ولق
فبتر عمار جملته
ولما لقيتها ماخليتهاش تمشي لوحدها ليه
ابتلع ريقه وهو يقول بصدق:
عشان كده كده كنت مروح فروحنا سوا صدقني ياعمار دي حاجه في العادي، انا اصلاً مكنتش عايز أجي انت اللي أصريت اني اجي احضر فرح يزن
فقال عمار وهو يضغط على أسنانه:
وهو تحضره عشان ده يزن
وانا وافقت وجيت عشان انت طلبت وشمس انا مابفكرش فيها ولا هفكر في يوم
انت كذاب.

قالها عمار يؤكد بكلامه انا سيبت كل حاجه عشانك عشان نفضل سوا سيبت شمس عشانك يابويا، ياياسين وانت اول ما شوفتها ريلت عليها
فنفى هو جملته بصوت مرتفع:
ماحصلش وزي ما انت ضحيت علشاني انا كمان ضحيت علشانك اكتر عشان افضل جنبك ومحدش يفرقنا
مش مصدقك ياياسين انا ماشي ومش هتشوفني تاني واعرف ان انت اللي اخترت
نادى هو على اسمه بخوف وهلع فبمجرد عدم رؤيته من جديد يدب الرعب بقلب ياسين:.

عمار، وحياتك عندي يابني ما قصدي حاجه شمس هنا واكيد هكلمها
فرد عمار ببرود قائلاً:
علي الأقل ماتظهرش قدامها بمظهر الهيرو مره تانيه خليك جبان عشان تكرهك
تنهد ياسين قائلاً:
حتى لو
فقاطعه عمار بحزم:
حتى لو لاقيت حد بيغت صبها مالكش دعوه وابعد عنها
وده هيريحك
كانت هذه جملة ياسين فرد عليه عمار بابتسامه بارده:
مش ده بس أنت غلطت ولازم تعاقب نفسك، اللي بيغلط بيتعاقب ولا انت ايه رأيك.

تنهد ياسين بعمق يهز رأسه بالموافقه فأتى بالسكين من جانبه.

وغرزها بكل قوه داخل جسده أطبق عينيه بشده والألم يأكل جسده جثا على ركبتيه من شدة الألم فهو لم يشرب دم بشر منذ سنين طويله فهذا يجعله ضعيف يشعر بالألم الشديد فجلس عمار أمامه القرفصاء ينظر لباقي جسد ياسين وهو عليه علامات كثيره من طعنه السكين فهذه ليست المره الأولى التي يطعن بها ياسين نفسه من أجل عمار حتى لا يتركه ويرحل نظر لهُ عمار فقال بنبرة ساخره:
شاطر يابابا.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *