التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع

أنا لست في شقة أخرى صحيح؟ ولا عالقة في حلم ثلاثي الأبعاد! إذاً. من هذا!
ابتسم الصغير بمرح ولطف، واقترب مني وقال بوجنتين متوردتان: صباح الخير آنسة شارلوت!
عجز لساني عن التحرك بينما كانت عيناي متسعتان أحدق به، وفي اللحظة التي لمحت كريس يخرج فيها من الغرفة بابتسامة واثقة لاحظت بأن الصغير ليس سوى نسخة مصغرة منه!
اسرعت أجلس بدهشة انظر إليهما حتى همست أخيرا بإستيعاب وريبة: أ. أنت. لا بد وأنك جيمي؟!

تمتم كريس بحيرة: جيمي يبدو بأنك لم ترحب بها بعد، اليس كذلك؟!
أجابه الصغير متداركاً بتوتر: لقد استيقظت للتو فقط! أ. أمي، أنا جيمي. و. هكذا فقط.
قالها بخجل وبدى مرتبكاً، بينما لا زلت أحدق به وإلى ملامحه التي تشبه ملامح كريس كثيراً!
لون عينيه العسليتان وشعره كذلك. كوالده تماماً! بشرته البيضاء الصافية واهدابه الطويلة.
كل شيء فيه. يبدو مثل هذا الوغد الذي أحضر ابنه إلى هنا دون علمي! بأي حق يتخذ خطوة كهذه؟

احترت قليلاً لملابسه التي كانت. أنيقة؟
هذا سيكون أفضل وصف لها، فلقد كان يرتدي زي ملفت بخامته التي بدت مريحة ولونه البني الداكن وكذلك قميصه الأبيض القطني والذي كان شديد البياض! بالإضافة إلى ربطة العنق التي يضعها دون ياقة بتصميم طفولي ولائمت الزي كثيراً وحذائه الأسود الرياضي الصغير اللامع!
لحظة!
لنترك كل هذا جانباً! هل أتخيل أم أنه قال لي أمي؟

وجهت عيناي نحو كريس بشيء من الحيرة والرغبة في الاستفسار فرمقني بمكر!
همست بتوتر وحزم: م. ما معنى هذا!
ابتسم ابتسامة شعرت بأنها مستفزة جدا، ولكنه بعثر شعره ونظر بعينيه العسليتين نحو الصغير ليقول بهدوء: جيمي، ما رأيك ان تذهب إلى غرفتي وتلقي نظرة أخيرة على الأغراض التي جمعتها في الحقيبة؟
أمال الصغير برأسه ورمقني بحيرة ثم فعل ما أمره به دون اعتراض!

استوعبت الأمر ونظرت نحو كريس الذي استند على الحائط القريب من شرفة غرفة الجلوس متمتماً: الأمر لا يحتاج إلى شرح!
قلت باندفاع وارتياب: بالطبع يحتاج إلى شرح! ما الذي تحاول فعله؟
شقت ابتسامته الهازئة طريقها نحو ثغره وقال: يبدو أن جيمي يرحب بك بسعادة معتبرا إياك والدته الآن، ألا يبدو مسرورا برأيك؟
كيف! كيف يكون بهذا البرود؟ ألا يدرك ما يقوم به!

ابتعد عن الحائط واقترب نحوي وهو يكمل بلامبالاة: لنختصر الأمر ونقل بأنه منتهي وحسب، أنتِ الآن والدته يا شارلوت ولا داعي لتعقيد الأمور أكثر من اللازم! عليك أن.
ولكنني قاطعته وأنا أقف وأرفع يدي بحنق وقد فقدت أعصابي تماما محاولة صفعه إلا أنني تفاجئت بشدة عندما أمسك بيدي ودفع بي نحو الأريكة مجددا منحنيا فوقي بعينين باردتان!

حدقت به بتوتر وغضب في آن واحد لأقول ممتعضة: ما الذي تهذي به بحق الإله من سمح لك بذلك! لقد اعترضت على هذه الفكرة وأوضحت رأيي كما ينبغي وقلته مباشرة فلماذا تصر على.
ولكنني أغمضت عيناي بسرعة وبقوة أشيح بوجهي بعيدا عندما شعرت بوجهه يقترب فجأة، وعندما طال الأمر ولم يحدث شيئا فتحتهما ببطء وحذر شديد!
نظرت نحوه لأجده يكتم ضحكته!، ما كان ليصدر مني إلا أن أدفعه بغضب فابتعد ضاحكا بخفوت! اللئيم.

رفع كتفيه بلامبالاة وكأنه تذكر أخيرا ما كنت أقوله ليقول: نعم أنت محقة، ولكن لا يهم فما حدث قد حدث وجيمي بحاجة إلى والدة مؤقتة يا شارلوت، أخبرتك من قبل بأن الأمر لن يتجاوز الثلاثة أشهر على الأقل فلماذا تعقدين الأمور وتصعبينها كثيرا؟!

قلت ثائرة: أين عقلك! أخبرني فقط إن كنت بكامل قواك العقلية أم لا، أنا لم ولن أوافق على أمر كهذا! ثم ما الذي قد يجبرني على الموافقة بقرار كهذا، كف عن العبث والتهور واستمع إلى الناس ورغباتهم ولو قليلا أيها المتهور!
اقتضب بغيض: أنا أفعل هذا لمصلحة جيمي لذا لا تتحدثي وكأنني.
أنت تفعل هذا لنفسك فقط!

أنا أعلم ما ينبغي على فعله، سينتهي الامر كما أخبرتك بعد ثلاثة أشهر فقط! لا تلقي اتهاما كهذا وتقولين بأنني سأفعل هذا لنفسي وأنا أحاول جاهدا توفير رغبة مؤقتة له! لست أهتم سوى به وحسب!
لو كنت تهتم به لما فعلت شيء كهذا! انت لا تفكر بالعواقب المستقبلية إطلاقا! من أي كوكب أتيت، بل من أي كابوس خرجت؟! كيف تكون أنانياً إلى هذه الدرجة!

تغير وجهه للغضب الواضح ورص على شفتيه بأسنانه فازدردت ريقي أنظر إليه بحدة لأكمل: ماذا؟ هل أزعجك ما قلته! إنها الحقيقة! أنت أناني. لم تأخذ برأيي بعين الاعتبار ولم تهتم لما سيحدث لابنك بعد انقضاء الثلاثة أشهر، أين نوع من الآباء أنت عليك أن تتوقف عن.
ولكنني انتفضت عندما أمسك بمرفقي بقوة وقال بغضب مكبوت: تتفوهين بالكلام ذاته مجددا ويبدو أنكِ لا تسئمين تكراره، لقد أوضحت لك أسبابي سابقا، الم أفعل؟!

حدقت به بريبة فعاود يقول بنفاذ صبر: اليس كذلك!
همست بألم: لست مجبرة على الموافقة. أنا مصرة على موقفي!

بدى بأنه استوعب شعوري بالألم فترك مرفقي إلا أنه لم يبتعد بل بدى بأنه يحاول ان يكون هادئا: أنت محقة ولكن. أنظري لبساطة الأمر وحسب! إنه مجرد زواج مؤقت، ستمنحين جيمي ما يحتاجه!، إنه بحاجة لأم أو حتى من يشعره بالشعور الذي افتقده كثيرا، كوني صداقة بصحبته، كوني علاقة قوية معه!، كان على أن أفعل هذا عاجلا أم آجلا ولكنني اخترتك أنتِ، لا يجب أن يكون مع كلارا يا شارلوت، أنت لا تريدين لطفل في الخامسة من عمره أن يعاني من شيء كهذا! إنه بحاجة لأم في هذه المرحلة. امنحيه هذا ولو كان الأمر مؤقتا! انه متحمس جدا، منذ أن أحضرته وهو لا يكف عن سؤالي عنك كل الأسئلة التي قد تخطر في رأسك!

همست بصوت أجش: كن منطقيا أرجوك! سيحزن فيما بعد!
أؤكد لك بأنه سيعتاد لاحقا، توقفي عن تعقيد الأمور وخلق مشكلة من لا شيء.
جلست على الأريكة بإحباط شديد هامسة: أنت غير معقول!
أردفت بتلعثم: أنت. آه يا الهي، كيف تفعل هذا! أفرض مجرد افتراض لا أكثر بأنني وافقت فماذا عن أسرتي وماذا عن.
إيثان؟
قالها ببرود وجمود فحدقت به بحيرة!
مهلا.
هو لا يعلم بأنه أخي. فلماذا لا أستخدمه كمبرر؟ لعلي اتخلص من هذا الهراء.

قلت حازمة: صحيح، جيد بأنك تذكر ذلك!
ابتسم ابتسامة بالكاد ترى وقال بخفوت: هذه ليست مشكلتي أبدا، أنت والدة جيمي الآن، اما ايثان هذا فاتركيه في زاوية الصفر وأخبريه ب.

أنا لست والدة طفلك! أنا حتى لا أستطيع تخيل نفسي زوجة لك! لذا لا تقحمني قي حياتك أو مشاكلك الشخصية من فضلك! وبالمناسبة انا مستعدة للعودة إلى مدينتي طالما انك ستواصل الضغط على في هذا الموضوع! لا أمانع العودة في ظل هذه الظروف لذا يؤسفني افساد ما تريده لأنني سأذهب إلى منزلي الليلة. لا بل حالا! اما انت ف.
أ. أبي!
قيلت بنبرة خافتة وطفولية محتارة، ليهمس بتردد: هل تتشاجر مع أمي؟

خفق قلبي وازدردت ريقي أنظر إلى الصغير الملتصق بزاوية الباب، بينما اتجه كريس إليه و نزل جاثيا على ركبته محاولا الوصول لمستواه وقامته الصغيرة، وبعثر شعره قائلا بهدوء: لا يا جيمي كنت أناقشها ببعض الأمور لا أكثر، اسمع. على مقابلة العمة كلوديا ولا أعلم إن كنت سأتأخر، ستعتني بك الآنسة شارلوت، ربما من الأفضل ان تبدأ في مناداتها بأمي!

أردف يرمقني بمكر: ستكون فرصة رائعة للتعارف على ما أعتقد! أراكِ لاحقا، جيمي ليس فتى مشاغبا لذا لا تقلقي!
م. مهلا! إلى أين تذهب! انتظر.
ولكنه تجاهلني تماما وخرج!
تنفست بعمق محاولة تمالك نفسي وتهدئة أعصابي، لذا لم أجد سوى أن أبعثر شعري بقوة، محاولة تفريغ كل ما بداخلي من غضب ودهشة.

ثبت ناظري على جيمي الذي يحدق بالأرض بصمت وبدى بأنه متوتر وهو يمسك جانب بنطاله بيديه الصغيرتان ثم رفع يده ليعبث بربطة العنق الصغيرة وهو ويرمقني خفية!
من الواضح انه مرتبك جداً!
ذلك النذل تركني مع ابنه. ما الذي على فعله!
أن أقوم باتخاذه كرهينة لأجعله يدفع ثمن تصرفه هذا؟
ولكنني محيت كل الأفكار وأنا أواصل التحديق إليه.

كم يشبهه! الفرق الوحيد بينهما أن هذا الكائن اللطيف الصغير عيناه مليئتان بالبراءة، بينما ذلك الثعلب لا يجيد سوى
النظر إلى بسخرية ومكر ويهزء بي طوال الوقت!
ابتسمت بصدق وأنا أرمقه بلطف: انت في الخامسة إذا يا جيمي!
بادلني الابتسامة بتوتر وأجابني بخفوت: نعم.
سألته باهتمام: هل أنت هنا منذ الصباح الباكر؟
أومأ برأسه وتمتم يهز قدميه: لقد أحضرني أبي بعد ان استيقظت.
اقتربت نحوه انحني باهتمام: ومتى تستيقظ تحديدا؟

فكر مبعدا يديه عن ربطة العنق: أنا أستيقظ بعد أن تشرق الشمس مباشرة لأن أولين تعد لي الفطور باكرا.
ارتفع حاجباي وسرعان ما ضحكت بخفوت مميلة برأسي: ومن هي أولين؟
المرأة التي تهتم بمنزلنا!
لا بد وأنه يقصد مدبرة المنزل إذاً.
هاه!
م. مدبرة منزل؟!
لماذا قد يكون لدى كريس مدبرة منزل!
حُري به ان يجد من يدبر حياته الفاسدة قبل ان يدبر منزله.
تساءلتُ باستغراب: وهل تحبها؟
ابتسم ببراءة: نعم، أبي أيضا يحبها كثيرا!

هكذا إذاً. لماذا؟!
لا أعلم، أبي يناديها بأمي بعض الأحيان!
آه! هكذا إذا، يبدو أنها امرأة كبيرة وتعمل لديهم منذ زمن.
ابتسمت له وبعثرت شعره: حسنا يا جيمي هلا انتظرتني ريثما أقوم بتغيير ملابسي على الأقل؟ فكما ترى غفوت بالأمس بهذا الفستان.
أردفت بلطف: ما رأيك أن نجلس معا بعدها ونشاهد التلفاز؟
طرف بعينه بعدم استيعاب ليتساءل بصوت خافت: نجلس معاً؟

أومأت بلطف وحيرة فعاود يسألني بشك طفولي: حقاً؟ نتحدث ونشاهد التلفاز؟
ضحكت بخفوت: نعم يا جيمي. نتحدث ونشاهد التلفاز.
بدى وكأنه شعر بالحماس والسرور وهو يحدق إلى بعدم تصديق مما جعلني أستغرب كثيراً! إلا أنه قال بسرعه: حسنا.
هذا الصغير، محبوب بالفعل!

أسرعت إلى الغرفة لأفتح الخزانة واخرج ملابس داكنة قطنية بسيطة لأرتديها، كما غسلت وجهي بسرعة ورفعت شعري بإهمال وحين عدت لغرفة الجلوس كان يجلس على الأريكة بصمت وقدميه المرتفعتان عن الأرض يحركهما بعشوائية، قلت باستغراب: لماذا لم تفتح التلفاز؟
أجاب مبعدا شعره عن عينيه: حذرني أبي ألا أزعجك أو أقوم بأمر خاطئ.

حدقت به بشرود وتقدمت إليه واضعه يدي على كتفه مبتسمة: عزيزي جيمي أنت لن تزعجني هكذا إطلاقا أخبرني فقط ما الذي تفضل فعله؟ هل نتحدث وحسب أم أنك تريد فعل شيء آخر؟
ابتسم مجيبا بلهفة: لنتحدث.
ابتسمت وجلست بجانبه مبعثره شعره قائلة: حسنا سنتحدث إذا، ما رأيك أن نتحدث عنك؟
عني؟!
نعم. لنرى! أخبرني بالمزيد عن أسرتك وعن منزلك!

بدى غير مستوعبا كثيرا فقلت مبسطة الأمر: أقصد. لا يبدو أن لك شقيقا أو شقيقة اليس كذلك؟ من غير أولين تود التحدث عنه؟
لا أشقاء لدي. والجميع طيبون ولطيفون، الطباخ يعد طعاما لذيذا دائما وآنا تحضر لي العابا كثيرة وعمتي تذهب معي للتنزه وستيف يقوم بأخذي معه إلى النادي والملاهي دائماً، وعمي جوش أيضا يشتري لي أشياء كثيرة. جدي ماكس لطيف جداً ويأخذني معه للتسوق.
تضمن حديثه أسماء كثيرة!

ولكن. لماذا لم يذكر كريس؟ الا يفترض أنه بحماسه هذا ان يتحدث فوراً عن والده؟
لحظة.
علي ان استوقف هذا الحوار بيني وبينه قليلاً، هل قال طباخ؟ مدبرة وطباخ ونادي؟
عقدت حاجباي وانا احتضن الوسادة رغبة مني في التفكير ولكنه أسرع يكمل: أتعلمين؟! ستيف أحيانا يأخذني للتنزه برفقة أصدقاءه من الجامعة ويشتري لي الكثير من الهدايا.
ومن ستيف هذا؟
إنه ابن العمة كلوديا!
آه! هذا يعني أنه ابن عمة كريس. أقصد والدك.

ابتسم بسرور وهو يميل برأسه فسرعان ما ارتفع حاجباي وأنا لا أزال في حيرة شديدة من أمري، لماذا لم يذكر كريس في حديثه حتى الآن؟
ترددت متسائلة ببطء: ماذا عن والدك؟
شعرت بحماسه قد بهت كثيراً وبعينيه تلمعان ببريق مستاء وهو يزم شفتيه وبدى يبحث عن الكلمات حتى أجاب: أنا لا أراه كثيراً.
هاه!
هو لا يصطحبني حيثما يذهب، دائما مشغول ولا يمكنني اللعب معه!

اتسعت عيناي محدقة به، كريس بالفعل ذو قلب متحجر! لماذا يتجاهل طفله؟ ذلك اللعين كيف يجرؤ على كسر قلب هذا الكائن اللطيف؟
هل هو مشغول إلى درجه تنسيه واجبه كأب؟!
ثم هو ليس كبير وإنما في السابعة والعشرون فقط ولكن أموره واشغاله أو أصدقاءه لا يجب أن يشغلوه عن صغيره!
هذا. محزن!
وضعت يدي على كتفه قائلة بلطف: لا تحزن جيمي، لابد وأن والدك مشغول جدا لأجلك!
أمال برأسه بيأس دون أن يعلق.

أشعرني بالحزن كثيرا فقلت مخففة عنه: لا بأس هون عليك إنه يحبك كثيرا ويحاول ان يتفرغ لك أنا واثقة مما أقوله!
استرسلت باهتمام: وماذا عن أصدقاءك؟
امتعض قليلا وقد مط شفتيه بطريقة مضحكة: واحد فقط.
هذا جيد! واحد أفضل من لا شيء، صدقني كلما كان عدد أصدقاءك أقل كلما كانت العلاقة بينكما أقوى وأفضل!
نظر إلى بحيرة: حقا؟

أملت برأسي مبتسمة: نعم، أنا شخصيا لا أصدقاء كثيرون لدي! علاقاتي دائما ما تتجدد مع أصدقائي ولكنني لست مقربة كثيرا لأحدهم! تخيل يا جيمي لو كان لديك عشرة أصدقاء! الن تشعر بالتشتت؟ كثيرا ما ستفكر بكيفية ارضاء الجميع، عليك ان تحفظ مولد كل منهم لتحظر لهم الهدايا وعليك معرفة ما يحبونه ويكرهونه، ولكن ان تحظى بصديق او اثنان لهو أفضل، لأنك ستكون متفرغا أكثر وستحظى بوقت ممتع وستصنع ذكريات كثيرة لا تنسى!

اتسعت عيناه بسعادة وهو يميل برأسه بإقتناع: هكذا إذاً! أجل هذا صحيح!
ابتسمت بلطف فأسرع يقول: أمي. هل ستأتين معنا للمنزل؟
اتسعت عيناي قليلا وأدركت ان كريس تخطى حدوده واخبر جيمي بأكثر مما تصورت! ارتبكت قائلة: أ. أنا! ر. ربما، أقصد لست.
ضهر وميض في عينيه يعكس حزنا واضحا ليقول: قال لي زميلي لا تجبر أي امرأة على ان تكون والدتك.
أكمل بهدوء وجدية وكأنه يطمأنني: لذا لن أجبرك.
أدهشني ما قاله كثيرا!

وجعلني أدرك أمرين!
جيمي قد يكون متعرضا للمضايقات من زملائه، وثانيا هو بالفعل بحاجة لأم! لا بد وأنه يرى أصدقاءه مع أمهاتهم ويشعر بالنقص لذلك.
هذا. محزن جدا!
تنهدت مبتسمة لأغير الموضوع: أخبرني يا جيمي، ما الذي تجيد فعله؟ هل انت موهوب في أمر ما؟
تورد وجهه وتمتم: نعم.
أردف بتلعثم: آنا تقول بأنني أجيد الرسم.
هذا رائع! وماذا أيضا؟
أخبرني ستيف بأنني جيد في التلوين.
ضحكت قائلة: ولكنها الموهبة نفسها!

إلا أنه وبشكل مفاجئ عاود يغير الموضوع بسؤاله: هل ثلاثة أشهر فترة طويلة؟
قطبت حاجباي باستغراب متمتمة: لماذا تسأل هذا السؤال؟
أجابني بتردد وهو يهمس: سمعت أبي يقول بانك ستبقين معنا ثلاثة أشهر.
أردف بانزعاج: هل ثلاث أشهر ستكون طويلة أم قصيرة؟
ثم بدى وكأنه تدارك أمرا ليرفع يديه ملوحا: أقصد. لن أجبرك! أنا لا أقصد شيئاً بسؤالي!

اتسعت عيناي وتوترت كثيرا! هذا الصغير. ما الذي سمعه من كريس تحديداً! لماذا ورطني بحق الإله! ابنه يشعر بالنقص والرغبة في التعويض عن أمور كثيرة، أراه متلهفا لكل هذا بشدة!
أجبته مبتسمة بلطف: هي ليست طويلة ولكنها ليست قصيرة أيضا. كما أنك لا تجبرني.
بدى اكثر اهتماما وهو يضع يديه على يدي اليمنى: هل ستكون فترة كافية لنستمتع معاً!

نظرت إلى يديه الصغيرتين ولم أستطع كبت ابتسامتي الدافئة للحظة قبل أن أضحك بخفوت ثم بعثرت شعره بلطف: نعم، دعنا نستمتع في هذه الأشهر حسنا؟
حقا؟ سنستمتع معا؟ ستبقين معي؟
املت برأسي ضاحكة فابتسم بمرح: أنا حقا سعيد جداً.
هآآه! ما الذي قلته للتو! كيف بحق الإله أقول له بأننا سنستمتع معاً! لا يمكنني ان اكون جادة.
سيعتقد بأنني كاذبة!
بالتفكير بالأمر مجددا، فكريس لم يُذكر في كلمات جيمي.

كما أنه طوال هذه الفترة التي قضاها هنا لم يرى ابنه!
ما الذي يفعله بحق الإله! أي أب يكون هذا الأحق؟
ترك ابنه وهو يجلس هنا بلا عمل او شيء مهم.؟!
نظرت إليه لبرهة قبل أن أقترح بحماس: جيمي ما رأيك أن نعد شيئا بسيطا نتناوله؟ هل ستساعدني في إعداد بعض الشطائر؟
نعم!
قالها بلهفة وحماس مماثل فقلت واقفة: هيا إذا لنعدها ونستمتع في آن واحد.

دخلنا إلى المطبخ وأحضرنا المقادير وما يلزم، ولكننا اتجهنا إلى الركن التحضيري القريب من غرفة الجلوس، كنت ارتب المقادير على الطاولة التحضيرية وهو يساعدني بوقوفه على الكرسي ليصل إليها ويرتب ما يستطيع ترتيبه من أشياء بسيطة.
حتى سمعته يقول مفكراً: المطبخ صغير مقارنة بمطبخ المنزل. اعتدت الإختباء فيه عندما ألعب أنا وستيف لعبة اللص ورجل الشرطة.

ضحكت بخفوت وقبل أن اتعمق معه في الحديث تعالى صوت رنين هاتفي الذي وضعته على زاوية الطاولة فأسرعت إليه لأنظر إلى الشاشة وإذا بي أرى رقما غير مسجل مسبقاً، عقدت حاجباي بحيرة ورفعته لأجيب: مرحبا؟
أتى صوت غير مألوف: الآنسة شارلوت؟!
نعم هذه أنا، عفوا من معي؟

قلت هذه العبارة وانا اقترب مجددا نحو جيمي وامد يدي للطحين لأضعه في الوعاء حتى قال الرجل: انا من المعهد الطبي للتدريب يا آنسة واتصلت بك لتأكيد تقييمك الممتاز في التدريب، بناءً على ذلك لقد تم قبول اسمك في مشفى آشفورد لل.
قاطعته بصرخة سعادة وحماس علت أرجاء الشقة!

لم أشعر بنفسي وانا اقول بصوت عالي بسرور وانفعال: مشفى آشفورد! هل أنت جاد؟! أخبرني بأنك لا تمازحني أرجوك! هذا ليس اتصال من سام وليست إحدى حركاته السخيفة اليس كذلك!
اتى صوته وكأنه يبتسم: لقد تم قبولك بالفعل، من الجيد انك ضمنتي وظيفتك قبل التخرج.
عاودت أصرخ بعدم تصديق!
مشفى اشفورد.
مشفى المدينة الذي لطالما حلمت بالعمل فيه!
أتيت إلى هذه المدينة لاجله فقط!

حلمي بات حقيقة! اريد ان يقرصني شخص ما لأستوعب ما يحدث!
ظل جيمي يحدق إلى باستغراب ودهشة وانا أقفز في مكاني حتى اتى صوت الرجل: لقد تم تحديد موعد المقابلة، ستكون غدا عند الساعة التاسعة صباحاً، سنكون في انتظارك.
أملت برأسي بسرعة بإنفعال كما لو كان أمامي وقلت: سأكون هناك قبل الموعد بساعة كاملة!
ضحك بهدوء وانهى المكالمة: هنيئا لك.

اغلقت الهاتف وانا اعاود القفز لأصرخ: وأخيراً! على إخبار الجميع. سيسرهم سماع خبر كهذا!
ولم أتردد في إرسال هذا الخبر إلى مجموعة مشتركة بيني وبين سام وإيثان وكذلك أمي وأبي في موقع التواصل الإجتماعي لأقول وانا أسجل لهم رسالة صوتية: لقد كسبت الرهان يا أمي وتم قبولي في مشفى أشفورد! غدا ستكون مقابلتي عند التاسعة صباحاً، تمنوا لي الحظ الجيد!

بعدها ابتسمت ووضعت الهاتف على الطاولة واستوعبت وجود جيمي الذي لازال ينظر إلى لأقول له مازحة بسعادة: هل يمكنك تخيل مظهري يا جيمي برداء الممرضة الأبيض!
ارتفع حاجبيه: رداء الممرضة! هل انت ممرضة يا أمي؟!
أملت برأسي بثقة وانا اضع يداي على خصري بغرور ظاهري: سأكون كذلك قريبا جداً!
ثم عاودت ابتسم وأغمض عيناي بقوة: يا الهي. اقرصني يا جيمي من فضلك!
لو فعلت هذا سيغضب أبي ويوبخني.

بمجرد ذكر كريس امتعضت وتبخرت هالة الفرح الوردية التي كانت تحيط بي بل وامتدت في كل ارجاء الشقة، زفرت بغيض: حسنا فليكن. هيا لنكمل ما توقفنا عنده!
أمال برأسه بحماس: هيا.
عاودنا بدء اعداد الشطائر، إذ كنت اعجن العجينة واضع المقادير كالدقيق وغيرها، حتى قمت برشه دون قصد على وجه جيمي فانفجرت ضاحكه بينما نظر إلى بحيرة!
لقد كان وجهه مضحك ولا يتضح من ملامحه سوى عينيه العسليتان والطحين ملتصق على أهدابه الطويلة!

قلت من بين ضحكاتي: ليتك ترى وجهك يا جيمي!
قلتها وأنا أركض لغرفتي واحضر مرآة صغيرة بسرعه وحينها ضحك بمرح: أنا أشبه المهرج! لما لا أضع معجون الطماطم على فمي سأبدو مهرجاً حقاً!
ثم فاجأني وهو يضع القليل في يده ثم يهم برشه على وجهه فأغمضت عيناي وشهقت.
انفجر ضاحكا فابتسمت بمكر!
هكذا إذا!
وبعدها بدأت حرب الطحين وملأت ضحكاتنا المكان ليبدو المطبخ وكأنه تعرض لقنبلة تركت أثار الدخان في الأرجاء.

بعد لحظات نظرت لوجهي في المرآة الصغيرة وابتسمت: يا للهول! وجهي مضحك ومخيف. ما كان عليك ان ترشه على شعري أيها اللئيم.
ضحك ضحكته الطفولية وحينها أسرعت أنهي الشطائر ولم يغسل أحدنا وجهه.
كنا نقف امام الفرن ننظر إلى صينية الشطائر مبتسمين بثقة حتى قلت: لنرى. ريثما تنضج الشطائر، وبعد ان انتهت حرب الطحين علينا أن ننظف المطبخ وبعدها ننظف أوجهنا بعد ان نلتقط صورة تذكارية ما رأيك؟
حسنا وسوف أريها لأولين وستيف.

أملت رأسي مبتسمة واسرعت أنظف المكان من الفوضى حتى سمعت جيمي يقول بحماس: أبي!
استغربت واستدرت فتفاجأت بكريس واقفا عند باب المطبخ ومحدقا بكلينا بإستغراب شديد!
متى وصل! أنا لم أشعر بدخوله!
ظل يحدق إلى وإليه فاستوعبت أمر وجوهنا الملطخة بالطحين ولكنني لم أصدر أي ردة فعل.
أسرع جيمي يقول وهو يقفز من على الكرسي بحماس: لقد استمتعت كثيرا في مساعدة أمي باعداد الشطائر يا أبي.

نظر كريس نحوي فأشحت بوجهي وأكملت التنظيف ببرود، بينما قال كريس مخاطبا جيمي: هذا جيد! على ان اتذوق شيئا مما اعددته! والآن أخبرني ما سر قناع الطحين هذا!
ضحك جيمي: لقد خضت حربا مع أمي. أبي لنأخذ صورة تذكارية ليراها الجميع!

ارتفع حاجباي وعندما حدق كريس بي توترت إلا أنني تظاهرت بعدم الإكتراث، أخرج كريس هاتفه وحمل جيمي ليرفعه على الكرسي مجددا ثم تفاجأت به يجذبني بذراعه ليحيطني مبتسما بمرح وقال: لنبتسم جميعنا!
امتعض وجهي الذي لم يكن واضحا أصلاً بسبب الطحين ولكنني عندما تذكرت أمر جيمي أسرعت أبتسم بمرح وأنا أرفع إصبعي الوسطى والسبابة بمرح.
وهكذا.
التقطنا صورة جماعية!
بعد ذلك غسلنا وجوهنا، وكانت الشطائر جاهزة.

كنا نجلس في غرفة الجلوس والشطائر على الطاولة التي تتوسط الغرفة.
جلست على الأريكة بجانب جيمي الذي يتناول الطعام ويشرب العصير باندماج.
شعرت بتحديق كريس بي طوال الوقت فلم أجرؤ على رفع عيناي نحوه إطلاقا وكم استنكرت هذا!
حتى أنه جعلني أشعر بعدم الإرتياح في جميع أفعالي! يمكنني حقا الشعور بنظراته تخترقني! أنا أشعر بالضغط!

ولكنني تخطيت الأمر وتجاهلت كل شيء ولم أكف عن الإبتسام كالبلهاء كلما تذكرت أمر مشفى آشفورد.
لا بد وانه لاحظ ذلك أيضاً، أنا شخصيا اشعر بالتعب وتشنج ثغري لكثرة التبسم!
بطريقة ما، مرت الساعات وانا اكتب الرسائل في المجموعة العائلية في موقع التواصل واتلقى ردود الجميع على امر قبولي في المشفى!

أبي كان سعيداً جداً وهو لا يكف عن وصفي ب (فتاة أبيها العبقرية) بينما إيثان يهنئني، أما سام وأمي لم يكفا عن تحبيطي واستنكار
قبولي بهذه السرعة.
ياللغيرة! هاذان الإثنان لن يكفا عن هذا.
ولكنني لا أدري كيف انقلب الأمر وانعكس الحال بشأن أبي الذي بدأ يذم الكثير من الأمور المتعلقة بي فجأة.

نظرت لهاتفي ببلاهة وملل ولم أشعر بالوقت ولا سيما وانني بعد ذلك جلست مع جيمي ووالده لمشاهدة التلفاز حتى حانت الساعة التاسعة والنصف، كنا قد أطفئنا إضاءة غرفة الجلوس واغلقنا النوافذ وجلسنا على الأريكة ذاتها لمشاهدة فيلم مسلي هادف، جيمي يتوسطنا ممسكا بوعاء الفشار الذي اعددته ويبدو مستمتعاً كثيراً حتى أتى صوت كريس: جيمي، لقد حان موعد نومك!

نظرت إليه باستغراب وكذلك اعترض جيمي بحزن: أبي. دعني اجلس معكما قليلا أرجوك!
يمكنك ان تكمل استمتاعك غدا! لقد مرت نصف ساعة على موعد نومك في الواقع.
لا! أريد أن أجلس قليلا. لست أشعر بالنعاس!
جيمي لا داعي لتعترض على هذا فأنت تعلم بأنك ستنام عاجلا أم آجلا.
أبي!
قالها وهو يقوس شفتيه للأسفل بحزن شديد.
لا تحاول.
أبي أرجوك.
قلت لا.
لماذا؟
توقف عن هذا يا جيمي!
قالها وقد تغيرت نبرته للحدة والحزم!

أسرعت اتدخل بمرح: جيمي! لقد مرت نصف ساعه على موعد نومك هذا يعني ان موعدك المعتاد يحين عند التاسعة!
أمال برأسه بيأس: ولكنني يا أمي أريد البقاء قليلاً!
تريد البقاء؟ هذا يعني انك ستتجاوز موعد نومك! اتعرف ما يعنيه هذا!
ماذا؟!
اسرعت اقترب منه قائلة بنبرة مخيفة ووجه مرعب: لك ان تتخيل كيف سيكون مظهرك حين تحيط بعيناك الهالات السوداء المفزعة!

ثم اشرت لعيناي: بل وأنها ستنفر الجميع منك! انت لا تريد للجميع ان يشعر بالفزع!
عقد حاجبيه باهتمام: حقاً!
بكل تأكيد! وبعدها ستبدأ بالزحف حتى تنتشر في كامل وجهك وتسيطر عليك! لذا تصرف بسرعه واخلد للنوم وفاجئها!
اتسعت عيناه: هكذا إذاً!
وقف يقول بحزم طفولي: سأنام واحافظ على الناس من حولي!
كتمت ضحكتي: هذا صحيح! أسرع. من الواضح انها سعيدة وتحاول الخروج هيا أسرع وفاجئها!

أمال برأسه فأضفت: اتجه للغرفة فوراً وقبل ان تذهب إلى سريرك لا تنسى تفريش أسنانك. واعدك بأنني سنقضي وقتنا معا في الغد!
ارتفع حاجبيه للحظة قبل ان يبتسم بسعادة: حسنا.
ثم أضاف بسرور: تصبحين على خير أمي.
بادلته الإبتسامة بلطف: أحلاما سعيدة.
نظر إلى كريس لثوان وقد امتعض وجهه قليلا وهو يمط شفتيه: تصبح على خير يا أبي.

بعدها غادر غرفة الجلوس وهو يسرع في خطاه فتنهدت بعمق ونظرت لشاشة التلفاز، ولكنني شعرت بالنظرات التي تكاد تخترقني
فنظرت إليه وليتني لم أفعل فلقد شعرت بالارتباك لتحديقه بي!
م. ماذا هناك!
زم شفتيه وتمتم: لديك أسلوب جيد في التعامل مع الأطفال.
هه. شكرا على الإطراء! لم أكن أفعل هذا لأجلك، بل لأجل جيمي اللطيف والمسكين.
نعم هذا واضح.
أضاف: كانت الشطائر لذيذة.
أملت برأسي مختصرة: هذا يسعدني.

قلتها متظاهرة بالاندماج مع التلفاز، هل أتخيل يا ترى أم انه يبدو اكثر هدوءاً اليوم؟ منذ ان عاد وهو يبدو شخص آخر! هو ليس نسخة ثالثة من كريس اليس كذلك؟ ما الذي حدث له بحق الإله! أولا ذلك المرح الساخر ثم ذلك المخيف الغاضب والآن النسخة الهادئة الرزينة!
هدوءه هذا يسبب الريبة كثيراً.!
هذا ما كنت أفكر فيه حتى همس بخفوت: اعتقد بأنني سأتوقف عن سؤالك بشأن الزواج بي.

ادهشني ما سمعته ولكنني لم امنع نفسي عن الابتسام بثقة وعيناي لا زالتا على التلفاز: من الجيد انك استسلمت أخيراً!
لأنك لم تعودي مُخيرة يا شارلوت.
اسرعت انظر إليه بعدم فهم: هاه؟ ما الذي تقصده ب.
ولكن لساني انعقد عن الحديث حين وجدته يرفع شاشة هاتفه أمامي وفي عينيه نظرة عميقة خبيثة بمعنى الكلمة!
اتسعت عيناي بدهشة: ما هذا بحق الإله! متى حدث هذا؟

انفرجت زاوية فمه بسخرية وهو يطرف بعينه ببطء وكأنه يترقب ردة فعلي راغبا في التمعن والتركيز في كل حركة قد تبذر مني!
ارتجفت شفتاي هامسة وانا أركز في الصورة: أخبرني ما هذا!
اليس الأمر واضحاً؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *