التخطي إلى المحتوى

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثالث والعشرون

قيل ذات مرة أن أخذ الحق حرفة، لقد كان صادق القول، لم يكن على خطأ أبدا والدليل الأكبر هو…
اتحادهم.

شعور العجز مقيت، قادر على جعلك بلا روح وأنت على قيد الحياة، حين تختفي الحلول وتقف متحيرا و لا تدري ماذا عليك أن تفعل، كان هذا حال كوثر التي جلست في غرفة علا جوار النافذة تنظر ناحية الخارج بحيرة شاردة في حوارها الأخير مع ابنها الذي حدث بعد أن صرح عيسى لابنها بطلبها من والده، تردد في أذنها هجوم شاكر ونبرته المنفعلة بعد رحيل عيسى: الكلام ده حصل يا اما؟

لم تهتم لانفعاله بل تحدثت بنبرة مماثلة لخاصته: اه حصل، هو أنا هخاف منك يا واد ولا إيه، بس أنا متحايلتش حد، أنا قدمت خدمة قصاد وعد وهو وافق، بس بشرط إنك تقصر الشر.
قطب جبينه وهو يردد خلفها بصدمة: خدمة!، خدمة إيه دي اللي قدمتيها لنصران؟
صاحت بغضب شديد: ملكش دعوة.

قبضت على تلابيب ابنها مستكملة: أنا خدت منه كلمة إن عياله كلهم بعيد عنك طول ما أنت بعيد عنهم، وهو كلمته واحدة، كفاية مشاكل بقى، أنا مش هبقى فرحانة وأنا بدفنك جنب أبوك.
أبعدها عنه وهو يصرخ وقد نفذ صبره كليا: وأنتِ تروحيله ليه؟، وتطلبي منه ليه أصلا.
شايفاني عاجز ومش قادر عليهم؟
ردت عليه تضرب على ساقيها بأعصاب تالفة: أيوه، أيوه شوفتك يوم فرحك وأنت دمك سايح على الأرض ولولا لحقناك كان زمانك ميت.

الضربة دي مكانش معناها إن اللعبة خلصت، أنا ضربتهم قد الضربة دي عشرة.
اتجهت والدته لتقف أمامه وهي تسأله بتعب: وأخرتها إيه اللعبة يا شاكر؟، إيه اللي هتكسبه من ورا اللعبة دي؟
اسمها، فقط اسمها وكأنه يتغنى به، يلقيه على مسامع والدته بنبرة مريضة تسعى إلى الظفر: أخرتها ملك.
يا أخي ربنا ياخدها ملك.

هذا ما صرخت به في وجه ابنها وتابعت تحذره بنبرة حازمة: اسمع يا واد أنت، البت دي تمسحها بأستيكة، وشوف حياتك بقى، أنت خدت اللي غيرك يحلم بربعه بس، اتجوزت هانم بنت ناس اللي جابوا ملك كلهم مكانوش يحلموا يعدوا من قدام بيتهم، ربنا نجاك من آخر وقعة وقومت بصحتك، مال وعندك المال
قاطعها سائلا باستهزاء: مال؟، واستكمل بعدائية: قصدك الورث اللي جوزك كاتب نصه لملك وباعته لل جوزها؟

ردت عليه تهاجمه وتدين أفعاله: ماهو عمل كده بسببك، وخلاص تغور في داهية هي وجوزها باللي خدوه
لانت نبرتها وبان الرجاء فيها وهي تربت على كتفه مستعطفة: علشان خاطري يا حبيب أمك، علشان خاطر أَمك ابعد بقى عن المشاكل، أنت نور عيني يا شاكر مقدرش أعيش وأنت مش موجود، هما يتحرقوا بس بعيد عننا.
كانت نظراته جامدة وهو يصرح دون أن يهتز: أنا مبسيبش حقي يا اما.

حينها فقط احتدت نبرتها لتخبره: لو قربت من ابن نصران تاني، يبقى اعتبر نفسك ميت بالنسبالي.
فاقت من شرودها على صوت ابنتها التي وضعت على الطاولة الحامل المعدني منبهة: قومي يا ماما يلا علشان نفطر.
أخوكي متصلش؟
كان هذا سؤال كوثر الذي ردت عليه ابنتها وهي تصب الشاي في الأكواب: أديكي شايفة أهو ولا عبرنا من ساعة ما رجع القاهرة مع مراته.

صرحت كوثر بمخاوفها لابنتها، هتفت بعينين برز فيهما قلقها من القادم: أنا خايفة من أخوكي أوي يا علا، خايفة يعمل حاجة تضيعه وتضيعنا، تفتكري هيسمع كلامي ويقصر الشر؟
ضحكت علا عاليا قبل أن ترتشف من كوب الشاي الخاص بها وتسأل والدتها: وهو أنتِ كنتي علمتيه من زمان يسمع الكلام؟، شاكر صوته من دماغه يا ماما، هو اتربى على إن مفيش حد يمشي كلمة عليه وإن كل حاجة بتاعته.

بررت والدتها وهي تدافع عن حجتها باستماتة: علشان هو الراجل.
لوت علا شفتيها بانزعاج وقدمت كوب والدتها لها قائلة: خدي يا ماما اشربي، وابقي ادعي ربنا يهدي الراجل اللي مخلفاه، علشان لو ضيعنا ولا ضيع نفسه مش هنعرف نقول ساعتها أصله راجل.
طالعتها والدتها بضجر وردعتها عن الحديث بقولها: طب اسكتي بقى متسمعيناش صوتك.

التزمت علا الصمت وعادت لتناول إفطارها دون اهتمام بوالدتها التي لا يتوقف عقلها عن التفكير لثانية.
الهواء البارد في هذا الصباح لم يمنع نصران من قبول رغبة ابنته التي ذهب للاطمئنان عليها، فطلبت منه تناول وجبة الإفطار في الخارج حيث النظر إلى البقع الخضراء المريحة للعينين والاستمتاع بضوء الشمس المحبب لها.

مقعدان وطاولة في الخارج جلست هي على مقعد ووالدها على المقابل وأمامهما الطعام الذي فقدت شهيتها له مؤخرا مما دفع والدها لقول: لا ماهو أنا معملتش اللي يريحك وجبتك نفطر هنا علشان تقعدي باصة للأكل كده، كلي يلا يا حبيبتي.
ابتسمت وهزت رأسها موافقة فبادلها الابتسامة وربت على كفها قائلا: داخلة على أربع أسابيع أهو، فاضل القليل، وأنا عايزك تعرفي إني من أول يوم عارف إنك جدعة وهتستحملي.

ضحكت وهي تعلق على قوله: ده نفس كلام عيسى.
ضحك والدها وهو يخبرها بمشاعر صادقة: علشان بيحبك، هما التلاتة يتمنولك الرضا ترضي، الواد طاهر من ساعة اللي حصل وهو بقى عامل ولا المساطيل لدرجة إني اغلب الوقت ببعت يزيد عند الست هادية ياخدوا بالهم منه، وأخوكي حسن كل ما ابعته هنا ألاقيه راجع معيط اهنا بنبقى باعتينه يهديكي بس هو بيجي هنا ينهار ويروح.

بزغت ضحكتها وأكمل والدها: وعيسى بقى ماشي يتخانق مع دبان وشه، أخرهم مراته اللي معرفش عاملها ايه وداخلة على الأسبوعين مرجعتش من عند أمها.
سألته بابتسامة أسرت فؤاده: كل ده علشاني؟
كان رده قادر على كسب قلبها حيث قال بحنو: هو أنا عندي أغلى منك؟، أنا مفرحتش بولادة حد قد ما فرحت يوم ما اتولدتي يا رفيدة، طول عمري كان نفسي في بنت قامت جت أول خلفتي ولدين، الله يرحم الغالي.

هتفت باشتياق لمع في عينيها: تعرف إنه وحشني أوي؟
مش قد ما وحش أبوه، وكأن حتة مني اتغربت من بعد ما راح.
كانت جملته مؤلمة بالقدر الذي جعلها توشك على البكاء ولكنها امتنعت حتى لا تُزيد من حزن والدها وهتفت بشقاوة: طب قولي بقى عرفت إن عيسى مزعل مراته منين يا حاج نصران يا سوسة.
ضربها بخفة فعلت ضحكاتها، لم يرد الانصراف عنها أبدا، ولكن أتى عز الذي أخبره بشيء ما جعله ينصرف ويعدها قبل الانصراف بالعودة.

كان عز واقفا جوار الطاولة مما جعلها تردف: مش هطلع اجري متخافش، هشم هوا شوية وأدخل.
ما اضمنكيش بشلن.
كان هذا رده الذي جعل ضحكاتها تتعالى، لم تلحظ تعلق عيناه بها أثناء ضحكتها، بل استدارت له طالبة: طب ممكن نتمشى شوية في الأرض، أرجوك أنا مخنوقة أوي.
هز رأسه موافقا وحثها على مرافقته وما إن تحركا بدأت هي الحديث قائلة: قبل الفترة اللي قعدتها هنا كنت فكراك مستفز.

رفع حاجبيه بدهشة وهو يسألها: وش كده؟، طب وبعد الفترة؟
ابتسمت وهي ترد على السؤال: طلعت مستفز وبارد.
أشار لها ناحية طريق العودة قائلا: طب يلا علشان هنرجع، مفيش حد هيشم هوا.
ضحكت وهي تبرر له سبب قولها هذا: أصل بجد، كنت كل ما افكر في مخرج ألاقيك في وشي.
علشان الحركات دي أنا حافظها كويس.
هزت رأسها تقول: اه ما انا عارفة، مامتك قالتلي إنك كنت مدمن وبابا اللي عالجك.

ضحك بغير تصديق واستنكر فعلة والدته معلقا: أنا أمي دي ما بتسترش أبدا، عارفة أنا لو عملت جناية وقولتلها، تاني يوم هتلاقيني ممسوك والبلد كلها عارفة أنا عملت إيه…
علت ضحكاتها وكان يكمل هو: هي بتبدأ ب يا واد ده أنا قولت لخالتك بس وبتخلص على إن خالتي والبلد كلها عارفة.
هزت رأسها نافية وهي تقول باعتراض: والله خسارة فيك طنط، دي طيبة أوي.

هز رأسه مؤكدا وهو يردف: شوفي هي صحيح فاضحاني، بس هي فعلا أطيب خلق الله…
ملناش إلا بعض.
طالعته رفيدة طالبة: بقولك إيه ما تحكيلي عن نفسك.
أشار على نفسه قائلا: عز.
رفعت حاجبيها بغيظ سائلة: لا والله؟، على أساس معرفش اسمك يعني.
ميكانيكي.
كان رده هذا مثير للاستفزاز بالنسبة لها فهتفت: شوفت بقى إنك بارد، إيه الجديد في كونك عز وميكانيكي ما أنا عارفة ده، احكيلي حاجة جديدة.

تحدث عقب ضحكه على جملتها الأخيرة: حاجة جديدة إيه، ما هو اللي أنتِ عارفاه، عز وميكانيكي وصاحب اخواتك وبعتبر أبوكي أبويا، وأنتِ أختي، اسأليني سؤال محدد.
طب قولي إيه هواياتك؟
كان هذا السؤال استجابة لرغبته فجاوب عليه بشغف: بحب الطبخ والقراءة وركوب العجل.
حتى في هواياته بسيط، هذا جعلها تبتسم وهي تسأله: بتعرف تطبخ؟
رد عليها بفخر: ده أنا بعمل صينية مكرونة بالبشاميل، أمي بتحلف إنها مداقتش في حلاوتها.

علقت على ذلك بقولها الذي أثار غيظه: ما ده علشان هي أمك يا عز فلازم تقول كده.
هز رأسه بلا اهتمام وقال بثقة: اقعدي ساكتة، لما تبقى تعرفي تعملي زيها ابقي اتكلمي.
اقترحت عليه بحماس: طب اعملها وأنا هدوق واحكم ولو طلعت حلوة يبقى ليك حق عندي.
يا ستي من غير حقوق خالص، هعملهالك.
هكذا هتف بابتسامة فابتسمت له ثم طلبت منه: بقولك إيه يلا نرجع، علشان حاسة إني صدعت.

وافقها وحين استدارا للعودة أردف هو: كلميني أنتِ عن نفسك بقى.
أتتها الفرصة على طبق من ذهب لتثير غيظه فقالت بنفس طريقته: رفيدة.
ضحك وهو يخبرها بتحذير: بلاش سرقة، دي إجاباتي، يلا قوليلي حاجة تانية.
لم تهتز بل أكملت بنفس طريقته السابقة: في ال AUC.

وتابعت تشير له: مش لوحدك اللي بتعرف تستفز الناس يا عز، وبعدين إيه السؤال ده ما هو أنا رفيدة بنت الحاج نصران اللي بتعتبره والدك، وأخت أصحابك مفيش حاجة تانية، اسألني لو سمحت سؤال محدد.
رد على ما قالته بضحك: بترديهالي يعني؟
هزت رأسها مؤكدة، ثم قالت بجدية: هقولك حاجة بجد بقى بعيد عن الهزار.
انتبه لها يسمع ما ستقول فأردفت بابتسامة: أنت طيب يا عز وجدع بصراحة، شكرا بجد.

هل تشكره، سيكون مجنون حقا إن أخبرها أن أسعد أيامه هي هذه الأيام لأنه يراها كل يوم، يتسائل هل تسمع دقات قلبه الآن، نفض هذا عن رأسه بصعوبة ورد بابتسامة على امتنانها: على إيه يا رفيدة أنتِ أختي.

تابعا سيرهما بابتسامة يتبادلا أطراف الحديث حتى وصلا من جديد، كانت هي تشعر بالارتياح حقا أما هو فلا يصدق أن من كانت أمنيته في الحياة نظرة واحدة منها، تسير جواره الآن بل وتثرثر معه أيضا، وتمتن له، لا يستطيع فؤاده استيعاب أن من يدق لأجلها هنا في المحيط الآن، ليست خيال بل حقيقة تكاد تجعل من يعايشها أن يفقد عقله بعد قلبه الذي سلبته هي.
هل يأبى الاعتذار وهو على خطأ؟

كان هذا سؤال ملك التي فارقها النوم منذ ذلك اليوم الذي قلب فيه الطبق ونثر غضبه في الأجواء، لم يستيقظ أحد بعد سواها هذا ما ظنته ولكن كانت خاطئة، حيث اعتدلت شهد المجاورة لها في الفراش قائلة: طب احكيلي يمكن أنفع وأقولك حل.
لمعت الدموع في عينيها فنطقت شهد بجدية: لا ده الموضوع شكله كبير.
مفيش حاجة.

كان هذا رد ملك الذي جعل شقيقتها تسأل بتحذير: بت أنتِ هتقولي في إيه ولا أزن؟، وأظن أنتِ عارفة الزن عندي عامل ازاي.
ابتسمت ملك وطالعت شقيقتها التي طلبت برفق: احكيلي يلا.
بالفعل قصت لها ما حدث مما جعل شقيقتها تقول بإنزعاج: لا طبعا هو غلطان إيه غبية ومبتفهميش دي، بس للحق أنتِ كمان غلطانة يا ملك.

رفعت حاجبيها سائلة باستنكار: غلطانة ليه؟، علشان حبيت أخليه ياكلها، تيسير نفسها قالتلي إنه بيحبها بس محرمها على نفسه، كان إيه غلطي بقى؟

وضحت لها شقيقتها مقصدها مردفة: بصي أنتِ نيتك حلوة وكل حاجة بس الطريقة مكانتش صح، هو كنتي تعزمي مرة واحدة بس، هتاكل معانا يا حبيبي؟، لا مش عايز، فخلاص قفلي لكن مكنتيش تضغطي عليه وأنتِ عارفة إن الموضوع مرتبط بأمه وقولتي إنه حساس من ناحيتها، لكن ده ميمنعش برضو إنه غلط لما غلط فيكي، ولما حدف الفتة علشان أرجع أنا من برا ملاقيش معلقة واحدة أكلها، منكم لله أنتم الاتنين.

ضحكت ملك فابتسمت شقيقتها قائلة: أيوه يا شيخة اضحكي كده.
بقاله 9 أيام مكلمنيش يا شهد، ده أول مرة يعملها.
قالت هذا بحزن حقيقي جعل شقيقتها تقترح عليها: استني يومين كمان ولو متكلمش، أنا هجيبهولك على وشه.
كانت ملك تفتح الهاتف متابعة سرد شكواها: لا وبصي، أول امبارح لقيته منزل استوري كاتب فيها: رجاء، حين أعاملك لا تكن أحمق فكائن مثلي يخبرك أن: دماغي مش ناقصة حمقى، ولا ناقصاك أنت كمان.

ضحكت شقيقتها عاليا وهي تدافع عنه: طب والله دمه خفيف، يا غبية ده كده بينكشك، كنتي ادخلي ردي عليه، طب والله أنا متأكدة إنه كتبها علشان تردي.
تسائلت ملك بضجر: أرد على إيه ده حرق دمي.
هتفت شقيقتها بما أثار غيظها: طب تصدقي بقى إنك حمقاء وهو عنده حق.

استدارت ملك تبحث عن شيء ما تقذفها به فهرولت شهد من جوارها وقد تعالت ضحكاتها، بينما عادت شقيقتها من جديد تضع يدها على وجنتها بحزن من فعلته ومن تجاهله المتعمد هذه المرة.
لا تحب الأمور المبهمة، تجعلها مشتتة قلقة، كانت هذه حالتها وهي في السيارة جوار طاهر الذي أتى إلى منزلهم وأخذها بحجة أن والده يريدها.
لم تستطع الصمت أكثر فعادت تسأل: طيب متعرفش عمو عايزني ليه؟

رفع طاهر كتفيه كدلالة على عدم المعرفة وأوضح: هو يا ملك قالي إنه عايزك في حاجة ضروري، هوديكي المكان ده وهو هيكون مستنيكي هناك.
كان آخر اتفاق بينها وبين نصران على أن يقابلا سويا أخصائي نفسي من أجل عيسى ولكن ما حدث لرفيدة منع هذا، توقفت عن التفكير قليلا وانشغلت بمن لم يغب عنها، حاولت عدم فعلها ولكنها وجدت فمها ينطلق بالسؤال: هو عيسى…
بترت عبارتها فاستدار لها طاهر يسألها بحاجبين منكمشين: ماله عيسى؟

هو كويس يعني؟
عاد طاهر ينظر للطريق أمامه من جديد وهو يخبرها: اه الحمد لله هو زي الفل، بس هو في إيه؟
ضحك وهو يقول بمراوغة: المفروض احنا اللي نسألك عنه مش العكس.
لم تعلم بماذا ترد و سريعا ما رفع هو عنها مشقة الرد حين طلب: ملك الله يباركلك اتكلمي مع والدتك في موضوعي أنا و شهد وهتبقي عملتي خدمة للإنسانية كلها، وقولي لمريم كمان تكملها وهفضل شايلهالكم لآخر العمر.
ما هو بصراحة كده، ماما مش بالعة الموضوع ده.

كان هذا ردها الذي علق عليه بقوله: ما هو ده دورك بقى، اتصرفي وخليها تبلعه، اخدميني علشان هو كله سلف ودين وبيترد.
ضحكت وهي تقول: خلاص يا طاهر حاضر هحاول معاها.
أتاه اتصال وما إن أنهاه حتى أوقف السيارة فاستدارت جوارها لتجد أنه توقف أمام مكان يشبه المقهى، التفتت تطالع طاهر ياستغراب فقال: انزلي استنيني جوا، ربع ساعة وهرجع اخدك، هاخد بس حاجة من واحد صاحبي وأرجعلك.

وافقته، لم ترد أن تعرض عليه أن تبقى معه حتى يستطيع الانفراد بصديقه هذا إن أراد، دخلت إلى المكان شعرت واتسعت ابتسامتها وهي ترى البحر أمامها، كان أمام البحر لذلك سارت ناحية البحر وقفت أمامه تتأمله ومشهد الغروب أضفى هيبة، هيبة وطمأنينة، و ابتسامة حزينة ظهرت على وجهها وهي ترفع رأسها تطالع الغروب، شردت في الكثير حتى وجدت أحدهم يحتضنها من الخلف فجأة فشهقت بصدمة وسريعا ما التف هو ليصبح أمامها بضحكته الواسعة على ذعرها، حاربت ضحكتها التي كادت أن تخذلها وتظهر ولكنها لم تفعل.

وابتعدت عنه وعادت تنظر أمامها تتأمل مشهد الغروب وتتجاهله وكأنه غير موجود فاقترب يقف جوارها وهو يقول: وحشتيني طيب.
واضح.
كان هذا تعليقها الذي حمل العتاب في باطنه، ولم تنظر له، فوقف أمامها يحجب الرؤية عنها وهو بعتذر: متزعليش يا ملك.
انفعلت وهي ترد عليه: أنت مدوستش على رجلي بالغلط علشان تقولي
ما ازعلش.
ووجدت أنه لم يقابل هذا الانفعال إلا بنبرة أسرتها حيث أردف: محدش غبي ومبيفهمش غيري، علشان زعلتك.

حين تذكرت ما قاله يومها لمعت عيناها بالدموع فانكمش حاجبيه بحزن وهو يراضيها: أنا مكنتش قادر اتكلم الفترة اللي فاتت، مكنتش هعرف حتى اتكلم معاكي في اللي عملته.
نظرت في عينيه أخيرا فقال: هبعد خالص بعد كده لما أكون متعصب علشان ميحصلش ده تاني، بس علشان خاطري متضغطيش عليا في أي حاجة، وأنا جاي وعايزك تقوليلي إنك مش زعلانة بغض النظر عن الكلام اللي زي الزفت اللي قولته يومها.

ابتسمت على جملته الأخيرة ثم عادت تنظر أمامها من جديد فسألها ضاحكا: طب ما أنتِ ضحكتي أهو، ليه بقى التكبر على خلق الله ده، ليه؟
هتفت بترفع وهي تأبى مطالعته: أنا لسه زعلانة.
اسمعي بقى أنتِ هتتصالحي دلوقتي حالا، وبعدين سؤال، مفيش ولا مرة في الأيام اللي فاتت فكرتي تسألي عليا؟، جالك قلب يا ظالمة تنامي بعيد عن حضني كل ده.

سألته بانزعاج وهي تلقي عليه نظراتها الغاضبة: يعني تبقى غلطان فيا وأنا اللي كلمك، وجالي قلب اه زي ما أنت جالك قلب.
رد عليها بابتسامة واسعة: لا ما هو أنا مكنتش بنام.
أنا كمان مكنتش بنام.
كان هذا ردها الذي جعله يقول بمراوغة وهو يقف أمامها من جديد: ما هو اللي ينام في حضني مرة، ميجلهوش نوم بعيد عنه أبدا.
ابتسمت ثم سألته بعينين يطلبا منه وعد: مش هتقول كده تاني؟
هز رأسه بالإيجاب فسألته: طب ولو قولت؟

طب بنفترض الحاجة الوحشة ليه بقى؟، خلاص يا ملك بقى بدل ما ارميكي في الماية.
طالعته بتحذير فأكمل: وهرمي نفسي وراكي علطول، وأظن إني عملتها قبل كده ومفيش شك في إخلاصي.
ضحكت وهي تقول: خلاص سامحتك.
سحبها من يدها حتى وصلا ناحية الأرجوحة في الزاوية فرفعها عليها وسط غير تصديقها ووقف في الخلف يدفع الأرجوحة قائلا: لا طالما سامحتيني بقى، همرجح بضمير.

اتسعت ضحكتها فهمس جوار أذنها قبل أن يدفعها من جديد: على فكرة الفستان اللي أنتِ لابساه ده حلو أوي.
استدارت تطالع عينيه الصافيتين فأكمل مشيرا نحو عينيها: و أظن أنتِ عارفة إن عينيكِ حلوة أوي.
هربت من الرد وعادت تنظر أمامها وهي تقول بارتباك: طب مرجح وأنت ساكت علشان وترتني.

ضحك وأخذ يدفعها من جديد بسعادة لا تقل عن سعادتها، الآن فقط شعرت بالراحة بعد هجر لم تعتده أبدا، وأخيرا تشعر وكأن السكينة عادت من جديد.
استدارت له كانت ستقول شيء ولكن وجدته يتغنى بكلمات الأغنية الشهيرة بطريقة تمثيلية بارعة: دوروا وشكوا عني شوية كفاياني وشوش.
رفعت حاجبيها وهي تسأله: بقى كده؟
ضحك عاليا ثم سألها: عملتي إيه في الأيام اللي فاتت؟، كنت واحشك صح؟
هتفت بكبرياء: لا.

بغتة وقف أمامها وقد أحاط بالأرجوحة من الجانبين فشعرت باقتراب إحدى أفعاله المتهورة فأسرعت تصرح: كنت واحشني أوي.
ناس تخاف متختشيش.
قالها مازحا وعاد لدفع الأرجوحة من جديد فضحكت وهي تحرك رأسها بمعنى ألا فائدة، وبعد أيام عجاف أخيرا يشعرا بالراحة، راحة افتقدتها هي في الأيام السابقة، وسكينة حُرِمت عليه في غيابها ولم تحضر إلا معها فقط.

الانتظار صعب ولكن عسره يُمحى في اللحظة التي يتحقق فيها مرادك، وأخيرا أتى اليوم الذي انتظره ثلاثتهم كثيرا، الحفل الذي يقيمه صاوي احتفالا بالفرع الجديد، كان الأهم بالنسبة لهم هو تواجد عدسات المصورين في كل ناحية، المكان مُعد بطريقة مبهرة للأعين، كل شيء يخطف الأنظار، دخل جابر برفقة والده إلى الحفل وهو يسأل بانزعاج: أنت شايف إن ده وقته؟، مش لما نلاقي الزفتة الأول نبقى نفضى للكلام ده.

افرد وشك، وبعدين الراجل عزمنا وده بالذات مصالحي معاه مش شوية وميتقالهوش لا.
كان هذا رد منصور الذي رسم ابتسامة مزيفة أثناء دخوله، وتلا دخولهم قدوم باسم الذي أشار إلى صاوي الواقف بعيدا، كل شيء على الوجه الأتم وثلاثتهم في الخارج، بقى اثنان في السيارة وذهب آخر للمراقبة وعاد لهما يخبرهما: كل حاجة تمام.
استدار عيسى ينظر لهالة سائلا بابتسامة مستهزئة: أظن أنتِ حافظة هتعملي إيه.

أكمل طاهر يؤكد عليها: وأكيد عارفة برضو إن الغلطة بفورة.
ثم فتح لها تسجيل تقص فيه كيف دخلت إلى منزلهم وألحقت الضرر بشقيقتهم ثم قال حسن: وسيبك من التسجيل ده، هي لو غلطت الصبح هكون عند أهلها وهعرفهم بنتهم اللي مفهماهم إنها بتشتغل assistant في عيادة دكتور بتعمل إيه.
أوقفت ضغطهم عليها بقولها: هعمل اللي أنتم عايزينه والله كفاية.
يلا انزلي.

كان هذا أمر عيسى لها وما إن تأكد من رحيلها حتى أخرج هاتفه يتواصل مع إحداهن سائلا: أنتِ جوا صح؟
جاوبت عليه بريبة: أنت مقولتش ليه إن باسم جاي، أنا لسه شايفاه حالا.
خطأ فادح وقعوا به، كيف تنساه، حاول تداركه بتحذيره: خليكي في المطبخ يا رزان ومتظهريش خالص غير لما أقولك نفذي.
أغلق المكالمة وقال لطاهر: بقولك إيه، ادخل دلوقتي.
أبدى طاهر استغرابه وهو يقول: بس ده مش اتفاقنا.

أبدى عيسى ضيقه وهو يبرر: حصل غلطة، ولازم حد يدخل دلوقتي.
اقترح حسن عليهما: خلاص هدخل أنا، وكده كده معايا الكاميرا، هدخل على أساس صحفي ومش مشكلة بدري شوية، ومتقلقش هفضل بعيد وصاوي مش هيشوفني.
فكرا لثوان تبعها قول طاهر: طب ادخل يا حسن.
نبهه عيسى مسرعا: وخلي تليفونك مفتوح، أول ما اكلمك ترد.

هز رأسه موافقا، ورحل من أمامهما، حتى الآن كل شيء على ما يرام، حضر الكثيرون إلى الحفل ووقف حسن يراقب من بعيد متصنعا أنه يلتقط الصور، هاتفه شقيقه ففتح حسن سريعا ليسمعه يقول: صاوي فين؟
واقف قصادي أهو بيسلم على الناس، والبت عملت اللي اتفقنا عليه.
رد عليه عيسى قائلا: طب اسمع يا حسن اللي هقولهولك بالظبط.

أملى على شقيقه ما أراده ثم عاد من جديد للاتصال برزان وقال: اخرجي يلا، نفذي دلوقتي، وسيبك من باسم أنا هتصرف.
أنهى معها وهاتف طاهر حسن وترك المكالمة مفتوحة ليسمعا ما يحدث، كانت رزان في كامل تألقها بردائها الأسود القصير وحمرتها القانية وهذه الخصلات التي أعلنت تمردها وبان هذا التمرد أكثر حين وقفت في منتصف الحفل مستخدمة مايكرفون صغير وقالت منبهة الحضور: مساء الخير على الجميع وبالأخص على الباشا.

انتبه صاوي لما يحدث باستغراب، وأصاب الذهول جابر ما إن لمحها، وأكملت هي: أسفة جدا لو بقطع حفلة صاوي باشا عليكم، لكن كنت حابة أقوله مش آن الأوان بقى يا باشا تعترف بالجوازة العرفي.
هنا استدار باسم الذي كان يتناول مشروبه وإثر صدمته أصابه السعال فنزل ما في فمه ونطق بصدمة: يا نهار فضايح.
التفت عدسات المصورين حولها وأكملت هي: كفاية بقى كل السنين دي في السر.
صاح صاوي بغضب: أنتِ مين يا بت أنتِ؟

الله أنا مراتك.
كان هذا قولها الذي جعل أثار الاشتعال في الأجواء، و حسن يضحك في إحدى الزوايا بينما شقيقيه يسمعا من السيارة ما يحدث وهتف عيسى بابتسامة ماكرة: كده هتولع.
غمز له طاهر قائلا بضحك: تولع إيه بس، ده لسه الليلة بتبدأ.
كل خطوة تم دراستها بعناية، لتلقينه درس لا يُنسى.
كانت الخطوة الأولى هامة ولكن الثانية ستكون بالتأكيد حديث الساعة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *