الجزء الثالث| “تاهَت عيوني في بحور عيونِها
وأختَار قلبي أن يغوص فيغرقَ
أوَّاهُ من رِمشٍ أحاط بعينها
سهمٌ توغَلَ في الوَريد فَمزقَ
العَينُ بحرّ والهيامُ قواربٌ
والشرع واجبها بأن تتمزقَ
حَتى إذا ركب الفؤادُ هيامه
شَاء الإلهُ بأن نغوص فنغرقَ”..
* * *
العناد غالبًا يقود المرء لأفعال جنونية
لا يدرك إن كانَت صائبة أو خاطئة، والغرور قد يعمي للحد الذي يجعلك تواجه الكثير مِن العقبات، وترى كل ما حولك يحاربك، ليونيد لَم يكن رَجُل مغرور وحسب!، بل كان عنيد يرغب بالحصول على كل شَيء، وكان هذا ما صنعه والده فيه مُنذ الصِغر، رُبما لِهٰذا لم يكن يرى أن أفعاله خاطئة، لأنه ترعرع على أن من الطبيعي أن يكون عَلى هٰذِه الهيئَة، أن يكون له الحق في الحصول على كل ما يريد..
7
بمزاج سوداوي دخل لقصر عائلته، لايزال مبللًا بسبب إنقاذه لروسيل، خطواته تُعبِّر عن غضبه، كان الوَقت باكرًا على نوم أي أحد من أفراد العائلة لذا حاوَل تجنب اللقاء بأيًا منهم، ولكن حالما أصبح قريبًا من السَلالِم هاجمه أحد أخوته التوأم من الخلف يمسك بساقه، بينما يَصرُخ بصوتٍ عالٍ لاهث..
2
” ليو..ليو، لقد حطم لوكا كوبك المفضل..”
26
إستَدار ينظر للأسفل حيث كان شقيقه ذو عمر الستة أعوام يتمسك ببنطالهُ المُبلل، وينظر للأعلى بعيناه الزرقاء الواسعة، لم يكن في مزاج مناسب لإزعاج التوأم له، وقد كان كوبه المفضل آخر ما يهتم به في هٰذِه اللحظة، ولكن قبل أن يقول أي شيء جاء لوكا يركض نحوهما هو الآخر بينما يهتف بغضب قبل أن يهجم على شقيقه..
5
” نيكولاي أيُّها الوغد!..أنت من دفعتني أرضًا ليسقط مني..”
9
جذب لوكا نيكولاي من شعرهُ بِقوّة ليترك نيكولاي ساق ليونيد يَصرُخ بألم، وقد كان يَعلَم ليونيد حينذاك بأنهما سيجذبان إهتمام العائلة وحينذاك سيكون مجبرًا على مواجهتهم ومواجهة أسئلة والدته، أخذ نفس عَميق ثُم هسهس من بين أسنانه مهددًا..
1
” سأعد للخمسة، إن لم تغرب أنت والشيطان بجانبك من أمامي سأقوم بأخذ جهاز الألعاب عنكما..”
20
ترك لوكا شَعر نيكولاي حينها، يَنظُر كلاهما لبعض ثُم لليونيد برعب، قبل أن يبدأ بالعد..
+
” واحد..إثنـ…”
+
لم يكمل العد حتى بدأ التوأم بالركض للأعلى بعيدًا عنه، وحينها توجه لِغرفة نومه الكبيرة، والتي كانت بديكور عصري أنيق، كما كان حال بقيّة الغرف، الجدران باللون الأبيض، والأزرق، تزينها لوحات فنية حصلت عليها العائلة من الكثير من الفنانين المعروفين، أغطية السرير باللون الأزرق الغامق، متناسبة مع لون السرير الذي كان رماديًا، بجانب الشرفة أريكتان بيضاء وطاولة خشبية دائرية تتوسطهما، حال دخوله قام بإشعال الأضواء ثُم دخل لحمامه، ليغتسل بمياه باردة تطفئ ما كان يَشعُر بِه مِن غضب، تجاه إبنة غوركي المجنونة، والتي وبطريقة مُزعِجة بدأت بالإستحواذ على تفكيره، أصبح الأمر كتحدي خطير بالنسبة له، يَعلَم بِأنّها ممنوعة، وأن هناك نِساء أسهل بكثير حوله، ولٰكِنه لا يريدهن، الآن يُريد الأُنثى الوَحيدَة الخطرة التي تتحداه، وتضع يديها على عنقه لتخنقه، لتسلب منه روحه، الأُنثى الأكثر متعة، هي مِن يريدها..إبنة غوركي..لن يقف شيء أمام وجهه ليمنعه..حتى هي..
24
إنتهى من الإستحمام ليلف منشفة حول خصره، متجهًا نحو غُرفَة الثياب الخاصّة بِه، ينتقي ثياب مناسبة للنوم، سروال طويل قطني أبيض مع قميصه، بأكمام طويلة، ثُم خَرَج مِن غرفة نومه، ليتجه حافيًا نحو الأسفل، لايزال غير قادِرًا عَلى نسيان نَظرَة عَينيها له، نَبرَتها وهي تخاطبه، إنّها عالقة في ذهنه بطريقة لا يستطيع السيطرة عليها، متلاعبة بركوده ومزاجه الصعب، وبالرغم مِمّا تَبدو عَليه فهي أخطر بكثير من أي أحد عليه، عَينيها بإمكانها تقييد قلبِه، صوتَها بإمكانه أن يوقعه في سكرة لا صحوةً بعدها، طريقتها في إنهاء ذٰلِك الإنجذاب نحوها كانت تزيده شغفًا نحوها، لم يجرب يومًا أن تأخذه أُنثى من نفسه، وهذا الشعور الجديد الغريب عَليه كان يجعل منه أكثر رغبةً في إكتِشاف ماهيته، والغوص فيه..
13
حال نزوله طلب من أحد العاملات أن تصنع له كوب من القهوَة السوداء، وحينذاك جاء صوت شقيقه الذي عاد من العمل من خلفه يخاطبه بِنَبرَة حائرة..
3
” ليونيد!..ظننت بأن لديك موعد الليلة لِماذا عدت باكرًا؟..”
+
إلتَفَت نحو فلاديمير الذي كان ينظر له بشك، وقد كان ذٰلِك الحوار هو آخر ما يريد خوضه حينها، فلاديمير كان يمتلك ذات لون الأعين الزرقاء ولكن أفتح بكثير من أعيُن ليونيد التي كانت تَبدو قاتمة في الليل، بينما الآخر فقد كانَت عيناه تَبدو وكأنها مضيئة في كل الأوقات، شعره لم يكن أسود كحال ليونيد، كان أشقر غامق، وملامحه أقل حدة من ليونيد، كما كان أقصر منه بقليل، بذات البنية العضلية، دون أن يهتم بالإجابة عَلى ذٰلِك السؤال، رَمى ليونيد بسؤاله بِنَبرَة منزعجة..
4
” هل أبي في مكتبه؟..”
10
لاحظ فلاديمير مزاج شقيقه ولأنه يعلم بأنه لن يخفي شَيء عنه لفترة طويلة تجاهل الأمر، يجيبه وهو يضع يداه في جيوب بنطاله..
1
” هو مع أمي في صالة الجلوس..”
20
أومَأ له قبل أن يتجه بخطواته نحو صالة الجلوس، مستمعًا لصوت الموسيقى من هناك، وحينما وصل شاهد والده يراقص والدته، ويضحكان معًا، كالعادَة مزاجهما كان يَجعل منه في حالَة أفضل حتى وإن كان يواجه يومًا سيء، والدته كانت تمتلك شَعر أسود متوسط الطول، وعينيها خضراء غامقة، لم يرثها سوى شقيقته المتزوجة، أما والده فكانوا جمعيهم يشبهونه، بعيناه الزرقاء الحادّة، حاجباة الكثيفان، شعره الأشقر والذي أصبح الآن يتخلله الرمادي، طويل القامة بأكتاف عريضة وجسد لايزال محافظًا على لياقته، بِالرُغم مِن حقيقة كونه خمسيني كان يمتلك نشاط لا يمتلكه عشريني يافع، إبتَسَم ليونيد مقتربًا منهما، وحينما لاحظ والده قدومه إتَسَعَت إبتسامته يشاهد ليونيد يتقدم ليحيط بخصر والدته يخاطبه بِنَبرَة متلاعبة..
62
” عذرًا سآخذ السيّدَة لوسيانا مِنك..”
1
ضَحِكَت السيّدَة لوسيانا مع سماعها لصوت ليونيد، مبتعدة عن زوجها الذي حال إبتعادها عنه وأخذ ليونيد لها ليراقصها جاء صوتَهُ متذمرًا..
1
” هٰذا الفتى لطالما قام بإفساد لحظاتنا معًا..أنا أُخبِرَكِ يا لوسي..عليكِ أن تجدي له زوجه مناسبة لينشغل عنا..”
24
مع إبتعاد والده نحو رف المشروبات، ضَحِكَت لوسيانا لتعليق زوجها، بينما تحيط بعنق ليونيد الذي كان مبتسمًا بإنتصار، كان يُحِب إزعاجه، ومع طبيعة والِدَهُ المتساهلة تربى على أن تكون علاقتهما كصداقة أكثر من والد وإبنه، كما كانت علاقته بوالدته، والتي أحاطت وجهه بكلتا كفيها بينما تخاطبه ردًا على كلمات والده..
30
” ليون هو من سيختار زوجته..إنه في الواحد والثلاثين الآن، راشد بشكلٍ كافٍ ليختار شريكته..”
49
هٰذا النِقاش كان معتادًا على خوضه معهما، ولكن في هٰذِه اللحظة كان الحديث فيه مزعجًا، ولم يبدي ذلك لهما، لذا إلتزم الصَمت محافظًا عَلى إبتسامته، يستمع لتعليق والده الذي جاء من خلفه والذي جلس على أحَد الأرائك يضع قدم فوق أُخرى بينما مشروبه في يده..
+
” إنه إبني وأعرف جيدًا أي مجنون هو، ليتحمل مسؤولية إختيار زوجته..”
10
رمقته لوسيانا بِنظرَة حادّة حينذاك توبخه، ليرفع كتفاه بِلا مبالاة ثُم رفع كأسه أمامها قبل أن يرتشف منه، عادَت عينيها نحو ليونيد الذي كان مستمرًا في مراقصتها، لمست كتفاه تتمايل معه قبل أن تخاطبه بنبرتها الناعمة مبتسمة..
+
” ليون.. لا عليك من والدك، أخبِرَني..هل هُناك امرأة تراها مناسبة لك؟..”
5
حيَنما تسأله هٰذا السؤال لا تخطر في باله أي امرأة، ليس لأنه متلاعب!، بل لأنه لطالما شاهد كَيف يلهثن خلفه لأجل الشكليات، ولأنه لا يحب إهدار وقته مع نساء لا يملكن شيء، لَم يكن يروق له أن يواعدهن، وهذا جعل منه يأخذ لقب الشيطان الذي بلا قلب، بإمكانه إغراء من حوله، ولكن لا أحد بإمكانه إغراءه، عدا الأُنثى التي ظهرت أمامه صباح اليوم فقط، والتي دون أن تتعمد قامت بإغراءه، ورُبما كانت تتعمد!، كيف يثق بإبنة غوركي!، لا يمكنه الوثوق بها، حتى وإن إدّعت رغبتها بالسلام، حتى وإن أخبرته أن لا أحَد دفعها للذهاب إليه، هل يصل خداعهم إلى هٰذِه المنطقة!، أن يخاطروا بإبنة العائلة الوحيدة!، لا يستطيع التفكير بإتزان، رُبما هي أخطر بكثير مِمّا يتخيل أحد، لذا لن يسمح لنفسه بأن يُخدَع ويقع في فخ إغراءها..
7
” ما رأيكما أن تتركان هٰذا الأمر المُزعج الآن؟، أنا لن أتزوج حتى أبلغ الخمسين..”
26
كان صوتَهُ يثبت بأنه بالفعل منزعج من الحديث في ذٰلِك الأمر، وقد كان إنزعاجه الآن مضاعفًا مع تذكره لما حَدث الليلَة وكيف قامت روسيل غوركي بالهجوم عليه، لايزال يَشعُر بثقل جسدها ضد جَسدَهُ ويديها الباردتان المرتجفتان على عنقه، وصوت والدته المنفعل أخرَجَهُ من ذٰلِك الشعور بقولها مستنكرة..
+
” تبلغ الخمسين!..ما هٰذِه الأفكار الغريبة!، ليون صارحنا نَحن والداك..هل أنت شاذ؟..”
94
بِصدمة إندفع بجسده بعيدًا عَنها متوقفًا أمامها بينما يهتف بلا تصديق..
+
” ماذا!!..أمي!!، كفاكِ حقًا هذا شَيء جنوني!..”
1
ضحكة والده العالية جعلت مِن كلاهما ينظران نَحوَهُ بينما يقول من بين ضحكاته..
+
” شاذ!!، لوسي عزيزتي أنتِ لا تملكين فكرة عن سجل مواعدات إبنكِ الحافل..”
5
زفر ليونيد الهواء منزعجًا، والده لطالما فسر الأمور كما يرغب، وفي هذا الوَقت خصيصًا لن يجادله فيما يقول، هُناك ما هو أهم بكثير في رأسه، ويحتاج لِتنفيذ ما يرغب به، لذا قبل أن تقول والدته أي شيء ردًا على والده، مشى نحو الأريكة المنفصلة بينما يقول يشتتهما عن الحوار ذلك..
+
” حسنًا كفى..لنجلس، أُريد أن أحادثك في شيء مُهِم..”
+
حينذاك وصلت قهوته مع جلوسه، وقَد جَلست السيّدَة لوسيانا كَذٰلِك بفضول؛ لتستمع لِحوارهما، أخذ قهوته يرتشف منها القليل، بينما والده ينتظر سماع ما يريد قولَهُ ليونيد، يرتشف من كأسه، مراقبًا كيف كان يبدو عليه الإنشغال بالتفكير بشيئًا ما، وقد أكد له ظنونه بقوله بعد مُدّة مِن الصَمت، بِنَبرَة ثقيلة مُصممة..
+
” أريد أن يكون أمر الأرض تحت تصرفي..”
1
رَفَع والده حاجباه، يأرجح كأسه ولايزال يراقب ليونيد الّذي ينظر له وفي عَيناه الزرقاء القويّة شَيء خفي، كان يَعلَم جيدًا عن أي أرض يتحدث، ولكنه يجهل الهدف خلف طلبه، لذا حائِرًا سألَهُ..
+
” الأرض التي حتى الآن لازلنا في حرب مع غوركي لأجلها!..لِماذا؟..”
+
كَيف يخبر والده بِأنّهُ يريدها ليتلاعب بإبنة غوركي، وهل كان يتلاعب بها!، إنه لا يَعلَم ما الذي يريده مِنها، ولرُبما يدرك ما يريده ولكنه لا يرغب بالإعتراف لأحد بأنه مُنجذب لإبنة غوركي، وأنه شغوف لإغرائها، وإكتشاف ما تخفيه عَينيها عنه، لَقد قابلها اليوم وحسب، وأصبحت كُل ما يُفكِّر فيه مُنذ سَقطت عيناه عَليها، حتى هٰذِه اللحظَة لايزال تَحت تأثيرها، ويرغب في إكتشاف إن كان هذا الشعور مؤقت وسيزول مع معرفته لنواياها، أم أنها تَجرُبَة جديدة ستشعل روحه وتُثير حواسه، قبل تأكده لن يكتشف أحد ما يَحدُث، لذا تهرب من النَظر لوالده يجيبه قبل أن يرتشف من قهوته..
1
” أظُن بِأنني أحتاجها الآن..”
+
مع نبرَتَهُ تِلك أدرك والده بأنه يخطط لشيء، وكالعادة كان يعطيه الضوء الأخضر لفعل كل ما يرغب به، أجاب بينما يقف مُجددًا ليملأ كأسه..
+
” هي لك إذًا..”
+
” فاليري!..”
3
صَوت السيدة لوسيانا جاء حادًا، ليضحك فاليري وهو يصب لنفسه كأس آخر من الويسكي، يجيب نداءها بينما يستدير حاملًا كأسه..
1
” ماذا؟..”
+
مع جلوسه مُجددًا، نَقلت لوسيانا نظراتها بينه وبين ليونيد الذي كان يشرب قهوته برضاء على ملامحه الحادّة، مع سَماعَهُ لموافقة والده، ثُم جاء صوتَها مُنتقدة بِحِدّة..
+
” ألا ترى بِأنّك أنت وأبنائك متسلطين قليلًا!، لماذا لا نترك الأرض لهم!، نحن لا نحتاجها كثيرًا ولٰكِنّك مُدمن على إمتلاك كل شَيء تريده..وقد رسخت هٰذا فيهم..”
43
لوسيانا بالرغم مِن كونها الأم المُحِبّة، إلّا أنّها كانت تعارض الكثير من أساليب فاليري في تربية أبنائهم، لَم يَكُن يروق لها كَيف يُحب إعطائهم كل ما يريدونه، حتى ما كان ممنوع، وليس لهم كانوا يأخذونه بالقوة، لقد كبروا على إمتلاك كُل ما يحبونه، قطعة أرض، سيّارَة، منزل، حيوانات، مطاعم، فنادق، وحتى النِساء، وهذا كان يَجعل منهم متسلطين بطريقة مُزعجة، كما كانوا مجانين كليًا حيَنما يعترض أحدَهُم طريقهم، حتى اليوم لا تفهم أساليب زوجها في تربيتهم، ولقد كانَت إجابتَهُ دائمًا هي ذاتَها حيَنما تنتقده..
1
” أنا أريد منهم أن يكونوا أقوياء، أن يقوموا بحماية هٰذِه المملكة، ألّا يسمحوا لأحد بأخذ ما هو لنا..”
4
مَلامِحها أصبحت تُعبر عَن إنزعاجها وهي تزفر أنفاسها، بينما تعيد ظهرها للخلف، تُعارضه بِنَبرَة متوجسة..
+
” هل تعلم أي عائلة خبيثة هي غوركي!، إنهم طغاة، قُساة، وقتلة، ماذا وإن خططوا لأذيتنا!..”
17
بدأت بالعبث بعقدها ألماسي، وقد كانَت تِلك الحركة الإشارَة الأولى للتعبير عَن توترها، كان ليونيد يراقب والدته منصتًا لها وهو يشرب قهوته السوداء، مدركًا أنّها على حق في ما تقوله، ولٰكِنّها عَلى خطأ في خوفَها، فحتى وإن خاطر باللعب في المنطقة المحظورة، سيحرص على عدم تعريض عائلته لأي خطر، مع أفكارَهُ تِلك إستمع لصوت ضحكات والده، ثُم تعليقه الساخر..
+
” هل تسمعين نفسكِ يا لوسيانا!، إن حاولوا فقط سأهدم عالمهم وأحول حياتهم لجحيم..”
2
بطرف عينه نَظر لوالده الذي إبتلع ما تبقى في كأسه، ثُم أعاد بصره نحو والدته التي دَحرَجت عَينيها، يَعلَم كَيف يزعجه أسلوبه في الحديث معها حيَنما تعرض عليهِ أفكارها، ومخاوفها، بِالرُغم من أنّهُ لطالما كان على حق، إلّا أنّها تكره عدم الأخذ بالحذر، وليونيد كان ذات طِباع والده، فقد أيّده بقوله وهو يضع كوب قهوته الذي إنتهى عَلى الطاولة..
+
” أبي على حق، لَن يجرؤ أحدَهُم على فعل شيء، علاقاتنا أقوى بكثير من علاقاتهم، ولن يخاطروا بخسارة شيء أمامنا..”
+
حينذاك لم تتفاجأ بكلماته، ولٰكِنّها إنفعلت محتدّة عليهما بقولها بغضب..
+
” يا إللهي!..أنتم لا تسمعوني جيدًا، هَل لديكم فكرة عن كم هو رَجُل دموي هو دينيس! الإبن الأكبر لغوركي!..”
11
بِالتأكيد كانوا يعلمون أي رجل دموي لا يمتلك ضمير، دينيس غوركي كان هو المشكلة وليس آركادي، تردده في أمر الأرض كان يتعلق بدينيس وليس كما تظن الإبنة الوَحيدَة روسيل، مَن يريدها هو آركادي ولكن من يحاربهم هو دينيس، ورُبما خلف كل هٰذِه الفوضى كانَت هناك حرب أُخرى بين الأخوة للحصول عَليها، وهل سيحصل أحدَهُم عَليها!، الأمر بيده هو الآن، سيستمتع بخوض هٰذِه الحَرب، وسيحيك المؤامرات المُسليّة، ثُم سيحصل على كُل ما يريده، الأرض..وروسيل..
45
إبتَسَم مع التفكير بِكُل ذٰلِك، بينما يشاهد والده يَقِف ليتجه بخطواته نحو والدته يخاطبها بِنَبرَة مطمئنة..
+
” لوسي عزيزتي لا ترهقي ذاتك بِهٰذِه الأفكار، لَن يؤذينا أحد، لقد خضنا الكثير مِن الخلافات بسبب الأراضي، إنها لَيسَت المرة الأولى وليونيد بإمكانه التصرف في الأمر بسلاسة..”
+
إنحنى يأخذ بيديها ثُم قام بسحبها يجبرها لتقف وهي تصرخ بِإعتِراض على حركته تلك، مستمعة له يكمل محاولًا تشتيتها عن التفكير بالأمر..
+
” هيا لنصعد لننام..وكفاكِ تفكير بهذا التشاؤم..”
10
قبّل ثَغرَها وقد أشاح ليونيد عَيناه حينذاك منزعجًا، كارهًا رؤيَة لحظاتهم الحميمية كعادته مُنذ الصِغَر، ولم يخطئ والده حيَنما إتهمه بإفساد لحظاتهما معًا، ولا يفهم لماذا كان يُحب فِعل ذٰلِك وما علاقته بالأمر، حيَنما أعاد بصره نحوهما كان والده يحيط بخصر والدته، بينما يتجهان معًا للصعود للأعلى، قبل أن يتمنيان لَهُ ليلة سعيدة، وهل سَتكون ليلة سعيدة مع أفكارَهُ الشيطانية!، إن عقله لا يهدأ مُنذ اللقاء بإبنة غوركي صباحًا، وواقع أنّها وَضعت يديها على عنقه تريد خنقه وقتله لايزال يتلاعب بِسلامته القلبيّة، إنّها أُنثى غير إعتيادية، وهُنا يكمن التعقيد، كما أنّهُ يَعلَم بِأنّها لَيسَت غبية كما يظهر عَليها، وهُنا بشكلٍ خاص تكمن المُتعة، والآن بينما أمر الأرض في قبضته، سيتلاعب بالجميع بطرقه، وسيشاهدهم يحترقون أمامه، الأهم من كُل هذا هو ألّا تمس هٰذِه النيران عائلته، لِأن حينَها وحسب سيشعل حرب لا تنطفئ حتى تلتهم الجَميع، فَرجُل مِثلَهُ حيَنما يمس الأذى من يُحِب، يحرق العالم حتى يأخذ بثأره..
12
* * *
+
الخامس مِن إبريل الإغراءات | الثامنة صباحًا بتوقيت الجنون | سانت بطرسبرغ..
26
مُنذ إستيقاظ روسيل وهي غَير قادِرَة عَلى الخروج من تَحت الأغطية، تَشعُر بجسدها سيذوب مِن الحرارة، وبأنها ستموت مع شعورها بالمرض، إن لن يمر أحدَهُم من غرفتها ليتفقدها تَعلَم بأنها لن تتمكن من الحركة لإستدعاء أيًا كان، في داخِلَها تثرثر مَع نفسها وتلقي باللعنات عَلى ليونيد فولكوف المتسبب بكل هذا، متوعدة له بالكثير فَقط ستوافق على ما يُريد لتنتقم منه، ومع صراعها الداخلي جاء صَوت بابها يُفتح، ثُم صَوت شقيقها آركادي الثقيل يوبخها..
1
” روسيل!، هل لازلتِ نائمة يا كسولة!، لقد حان موعد الإفطار والجميع في الأسفل..”
2
زفرت أنفاسها براحة مَع سماعها لصوته، ليتقدم هو منها ملاحظًا عدم حركتها أو ردها، وحينما إقترب ليقف أمامَها تغيرت ملامحه، مع رؤيته لحالتها وكيف كانَت شاحبة وعينيها أصبحتا جاحظتان، متمسكة بغطائها حاوَلت التبسم، تراه يقترب مِنها أكثر حتى جلس على طرف سريرها بِجانِبَها متسائلًا بقلق..
+
” روسيل!!..ما الأمر؟..”
+
مع سؤاله حاوَلت التحدث، تَشعُر بكفه عَلى جبينها قبل أن تجيبه بصوتٍ مُتعب ضعيف..
+
” أشعُر بأنني لَست بِخير..رُبما سأموت..”
18
كانَت على وشك البُكاء حيَنما أخرج آركادي هاتِفَهُ من جيب بنطاله الأسود، بينما يوبخها بِنَبرَة صوتَهُ القوي..
+
” ماهذه التراهات!، ما الذي حدث لتمرضي؟، أين ذهبتِ أنتِ وفيليكس في الأمس؟..”
+
مَع تذكرها لما حدث شَعرَت بِأنّها ستنفجر بِسَبب حرارة المَرض والغضب، حيَنما عادَت ليلًا كانت خطتها بِالفِعل قد نجحت، الجَميع نيام، ولٰكِنّها خاضت شجار عنيف مع فيليكس الّذي تركها لِثوانٍ ليجيب الهاتف، تلك الثواني القليلة كان بإمكانها أن تسلب حياتها، لم تستطع النوم مَع تذكرها لشعورها تَحت الماء، تُحاوِل الحفاظ عَلى حياتها والتشبث بها، بِالرُغم مِن أنها لم تكن تمتلك ما تَرغب في العيش لأجله، إلّا أنّها أدركت حينذاك أنّها لاتزال شابّة يافعة وتريد أن تعيش الكثير مِن التجارب، وأهمها قتل أحد كليونيد فولكوف الذي كان السبب لسقوطها في المياه، بينما كانت غارقة في أفكارها شاهدت آركادي يضع سماعة الهاتف في أذنه ينظر لها منتظرًا سماع ردها، والذي جاء بَعد مُدّة من الصَمت بصوتٍ خافت..
+
” كالمعتاد..”
+
رؤيتَها بِهٰذِه الهيئَة كانَت مؤذية له، روسيل لَم تَكُن الفتاة التي تبقى في السَرير لوقتٍ طويل وتكره التقييد، كان يَعلَم بِأنّها ستبكي في أي لَحظَة بسبب ما تعاني منه الآن، فعينيها التي أصبحتَ جاحظتان كانتا دامعتان، منتظرًا من الطرف الآخر الإجابة خاطبها وهو يزيح خصلات شعرها بعيدًا عن ملامحها..
6
” إنتظري فَقط..سأتحدث مع الطبيب، وسأخبرهم في الأسفل لتحضير الإفطار لكِ..”
+
راقبتَهُ ينهض متحدثًا مع الطبيب، مغادرًا غرفتها، كانَت تُريد حينَها أن تنهض ولٰكِنّها تَشعُر بجسدها أثقل من المعتاد، بينما شعور الذنب يطاردها منذ الليلَة الماضية مَع تذكرها لكلماتها التي وجهتها لفيليكس حال ترجلها مِن السيارة، ووقوفها أمامه، حيَنما جذبته مِن ياقته، ولاتزال قبضتها مرتخية مَع شعورها بالغضب والخوف معًا، تصرخ في وجهه وملامحها تعبر عن الجنون..
+
” كيف تتركني معه هٰكذا!!..لَقد كدت أموت هل تعلم ما الذي عليّ فعله الآن!، أن أقتلك، أضع رأسك في برميل مياه وأجعلك تَشعُر بأنفاسك تنقطع شيئًا فشيء، بينما رئتاك تمتلئ بالمياه..”
18
دون أن ينظر لِعينيها كانَت نَبرَتها كفيلة بجعله يبادر بقول أي شَيء يجعلها تهدأ، يَعلَم بأنه أخطأ في تركها، ولكن الخطأ الأكبر هو أنه رافقها في هٰذا الجنون مُنذ البداية، لذا بِنَبرَة نادِمَة أجابَها يَنظُر ليديها وحسب..
+
” أنتِ على حق آنِسَة روسيل، هذا ما عَليكِ فعله..”
+
تجاهله للنظر لها، كان أكثر فِعل يزعجها لذا بعلوٍ أمرته وهي تجذبه أكثر من ياقته نحوها..
+
” فيليكس!..إنظر لي وأنا أتحدث إليك..”
7
واجهها بعيناه الخضراء الحادّة، كان هو الآخر منزعجًا عاقدًا حاجباه الكثيفان، ولٰكِنّها كانَت تَشعُر بالأسوأ، ولم تهتم لأي شَيء سوى الإفراج عَن غضبها، بِالرُغم من ضخامته، واجهت عَيناه تتمتم من بين أسنانها تذكره بما هو عَليه..
+
” حياتي مُقابِل حياتك لا تَنسى هذا..إن كان الموت أمامي فأنت من عليك مواجهته وليس أنا..”
81
نَظر لِعينيها الواسعة، وكَيف كانَت عَلى وشك البُكاء بسبب ما واجهته، أيًا كان يَقِف أمامها وهي في هٰذِه الحالة، كان سيستسلم لكل أوامرها، وسيلبي كل رغباتها، ولن يعارضها، ولِماذا سيعارضها وقد كانَت تِلك الحَقيقَة التي يعرفها، لذا أجابَها بِنَبرَة مُطيعة..
+
” بِالتأكيد آنِسَة روسيل..”
4
حينذاك نَظرَت لَهُ لِثوانٍ بصمت، ثُم دفعته عَنها ليبتعد خُطوَة واحِدَة، يَنظُر لها تنتزع معطفه ثُم ترميه على صدره، قَبل أن تتركه واقفًا هناك يراقب خطواتها الغاضبة نحو باب الدخول لقصر عائلتها بينما تحتضن جسدها، وحينما دخلت لِلداخِل لم تَهتَم بشيء سوى الوصول لغرفة نومها، وتغيير ثيابها للنوم، ولكنها لم تتمكن من النوم، بينما حوارها مَع ليونيد لم يغادر أفكارها، وموعدها الأول لم يسير كما تَخيّلت، هل كان فكرة سيئة وحسب!، لا بل كان أعظم خطأ إرتكبته، والفخ الذي سارت لَهُ بقدميها، وسقطت فيه دون أن تعي، لقد كانت هيئته المغرية هي السبب في جَعلها ضحية، والآن طالما هو من بدأ هٰذِه الحرب ستجعله ضحيتها، إن وافقت على عرضه، سيكون كل شيء تَحت سيطرتها بينما يظن أنه هو المسيطر، وهو من يمتلك القوة، ستقتله على مهل، بنعومة، تجعله لا يميز إن كان في الجحيم أو النعيم، إنّها قادِرَة على أن تكون أخبث مِن أي امرأة في عالمه..
4
حيَنما وَصل إفطارها كانَت بيلا زوجة دينيس بِجانِبَها ومع وصول الطبيب كان قد غادر آركادي بعد الإطمئنان عَلى حالتها، ولم تتحسن حتى أعطاها الطبيب حقنة ووصف لها دواء لتشربه بَعد الإفطار، إنتَهت مِن طعامها وشربت الدواء، قبل أن تُغادر سريرها، تَشعُر بحرارتها تنخفض ولكن شعور المرض لايزال مكانه، أخذَت وقتها في الإستحمام، لتطرد ذٰلِك الخمول، عَليها أن تعيد قواها للتفكير بما هي مُقدِمَة عليه، وللخروج من المأزق الذي وَضعت ذاتَها فيه، حيَنما إنتَهت من الإستحمام إرتدت ثياب ثقيلة، بنطال جينز فاتح وقميص صوفي أحمر، بِالرُغم من الجو اللطيف، إلا إنها لاتزال تَشعُر بالبرد الّذي داهمها بعد غرقها، جففت شعرها، وتركته حُرًا، وبينما كانَت تَضع ملمع الشفاة جاء صوت طرقات عَلى بابها، لتسمح للطارق بالدخول ولم تكن سوى أحد العاملات، تحمل باقة كبيرة من الورد الجوري الأحمر، عَقدَت حاجبيها، ووضعت ملمع الشفاه عَلى طاولة الزينة، تصب كامل إهتمامها على تِلك الباقة مستمعة لصوت العاملة تقول..
+
” وصلت هٰذِه الباقة بإسمكِ يا آنِسَة روسيل..”
+
لَم يَكُن ذٰلِك فعل مألوف بالنسبة لروسيل، فهي لم يسبق وتلقت باقة ورد من أحد، وحتى هدايا عيد ميلادها لَم تَكُن بِهٰذِه الرقة، كانت تحصل على مجوهرات، هاتف جديد، حاسوب جديد، أشياء تستفيد منها، ولكن باقة ورد!، كان الأمر يبدو لها خيالي، وخاص بشكلٍ يثير رعبها، لذا إقتربت لتأخذها، وقد وجدت بطاقة بيضاء، أخذتها لتقرأ محتواها وحينذاك شَعرَت بالمرض يتفاقم..
+
| نِهايَة الأمسية كانَت خطأ لَن يتكرر، أعتذر لكِ عمّا بدر مني،
أتمنى أن تقبلي إعتذاري..
في إنتظار موافقتكِ على عرضي، أتوق لرؤيتكِ مُجددًا
يا حسناء..|
14
تاركًا رقمه في نِهايَة كلماته، كانَت ترغب في إحراقه، كيف يجرؤ عَلى إرسال باقة ورد لها!، ماذا وإن إستلمها أحد أخوتها!، ماذا وإن إستلمتها زوجة دينيس!، حينذاك لن يكفيهم قتلها، بِالرُغم من حبها لهذه الورود الجميلة، لم تَستَطِع الإحتفاظ بها، لم تتمكن من ذٰلِك، تعلم بِأنّها لا تملك الحق في عيش أبسط التفاصيل الطبيعية، والتي تعيشها أي أُنثى في عمرها، لذا وهي تَشعُر بالأسف نحو هذه الباقة أعادتها للعاملة وهي تأمرها بِجمود..
9
” قومي بالتخلص مِنها دون أن يراكِ أحد..”
5
أخذتها العاملة منها وقد أومَأت لها، قبل أن تستدير على وشك الخروج، حينذاك خرج صوت روسيل مترددًا ليوقفها عن المغادرة..
+
” إنتظري..”
1
إستدارت نَحوَها، لتتقدم روسيل بِخُطواتها المتمهلة، وقفت أمامَها تلمس الورود لِمرّة واحِدَة أخيرة، تستشعر ملمسها الناعِم، تحفظ هٰذا الشعور، تَعلَم بأنه لن يتكرر مجددًا وأن مصيرها سيكون مع رَجُل يختاره والِدَها، من عالمها القاسي، والذي لا يؤمن سوى بالموت، إبتسمت قبل أن تأخذ وردة تخطفها من بين رفيقاتها، ثُم أمرت العاملة بالخروج، لتجلس هي أمام المرآة تنظر للوردة في يَدها، والذي يطابق لونها لون قميصها الصوفي ووجنتيها حينذاك، لا تَعلَم لماذا رغبت بالإحتفاظ بها، لربما لأنها الوردة الأولى التي تحصل عَليها، وليس لأي سبب آخر، فالذي أرسلها كان الآن في قائمة الأعداء، ولن تفضل أن تحصل منه على شيء، مُجددًا نظرت للبطاقة، تقرأ الكَلِمات التي كانَت تستفزها، تعلم بأنه يسخر منها وحسب، متباهيًا بثقته، ولٰكِنّها لن توهبه ما يريد الآن، ستجعله ينتظر، وستقابله بالصمت، حتى تقرر متى تريد هي مهاجمته..
6
* * *
+
التاسع والعشرين مِن إبريل الإهتياج العاطفي | التاسِعة ليلًا بتوقيت الشر | سانت بطرسبرغ..
19
جالسًا في رأس طاولة الإجتماع ببذلته البيضاء الرسمية، ينقر بأصابعه على الطاولة بتفكير، بعيدًا تمامًا عن كل الذين حوله، يتحدثون في أشياء هو لا يهتم بها في اللحظة التي هو فيها الآن، لقد مرت ثلاثة أسابيع ونِصف مُنذ اللقاء الأول بإبنة غوركي، وحتى الآن لا وجود لأي إجابة منها، لقد تَعلّم الصبر منذ الصغر، ولكن صبره معها بدأ بالتلاشي، حاوَل إقناع نفسه بِأنّهُ سيختفي هذا الشغف نَحوَها مع مرور الوَقت والأيام، وسينسى تمامًا وجودها وظهورها أمامه، سينسى عينيها، نَبرَتها، صَوت ضحكتها، سينسى جنونها المغري، وتحديها له، سينسى شعوره بيديها تحيط عنقه، وجسدها ضد جَسدَهُ، كان يظن بأنه سينسى وسينتصر آخذًا الأرض دون أي جهد، ولكن كل ظنونه خابت، وسقط خاسرًا منذ الجولة الأولى، والآن هو تحت رحمتها، منتظرًا ردها، لا يستطيع السيطرة عَلى هذا الشعور الغريب، ولا يَعلَم لِماذا قلبِه منجذب نحو أكثَر النِساء خطورة، والأنثى الممنوعة المحظورة عليه، وأكثر ما يزعجه هو أنه تَحت تحكمها، يَشعُر بِأنّها ستعذبه كثيرًا، ولكنه العذاب الذي يتوق لتجربته..
25
لَم يعد يَعلَم ماذا يفعل بَعد ليجعلها توافق على عرضه، كان يرسل باقات ورد لها بشكلٍ يومي، يَشعُر بِأن عَليه الإعتذار بأي طريقة متاحة، فما حدث لها لَم يَكُن شَيء بإمكانها تخطيه بسهولة، لَقد كانَت على وشك الموت، وهو من تسبب بذلك بتحديهِ لها، ظن بأنه أثار خوفَها بتهديده ذٰلِك، كان واثقًا من أنها ستقبل بعرضه طالَما لا يمس شقيقها أي أذى، ولٰكِنّها على عكس ذٰلِك، أو لربما عليه تنفيذ تهديده ليرى إن كانَت ستستجيب له!، أشعلت تِلك الفِكرَة حواسه بِالكامِل ليبتسم إبتسامة خبيثة، أنهى إجتماعه، ليعود لمكتبه برفقة شقيقه فلاديمير، وحال وصولهما للمكتب أغلَق ليونيد الباب وإستدار نحو فلاديمير ليمسك بكتفاه مواجهًا إيّاه مُبتسمًا، يخاطبه بِنَبرَة متزنة..
4
” آركادي غوركي لَديهِ الليلَة عقد مع أحَد الفنادق، قُم بإلغاء العقد وتأكد أن يعرف بأننا خَلف الأمر..”
19
عَقد فلاديمير حاجباه مع طلب ليونيد ذٰلِك، كان يَشعُر بأن هُناك سبب آخر خلف ما يرغب في فعله، فالنظرة التي في عَيناه تخبره بأنه يخطط لشيء مجنون، لم يسأله حينذاك عن أيًا كان ما يشغله، حيَنما يطلب ليونيد شيء عليه فَقط أن يلبيه، كما يفعل ليونيد إن طلب هو منه شيء، أخرج فلاديمير هاتِفَهُ من جيب معطفه، وبينما هو يقوم بمكالمته إبتَعد ليونيد عنه نحو سماعات مكتبه الكبيرة، قام بتشغيل مقطوعة carl orff-carmina burana- Ofortuna، والتي حال تشغيلها كالعادَة شاهد فلاديمير يجفل مع سَماعَهُ لبدايتها، إبتسم وهو يصب لنفسه ولشقيقه كأس من الويسكي، مَع إنتِهاء فلاديمير مِن مكالمته، كان قَد وَقف ليونيد أمامه يمد له بكأسه الذي أخذه، بينما يتحدث معه بِنَبرَة فضولية..
8
” أخبِرني الآن..ما الذي يَحدُث معك!، لقد لاحَظَت شرودك في الفترة الأخيرة وكأن هُناك ما يشغل تفكيرك..”
+
إبتلع ليونيد كل ما يحتويه كأسه بجرعة واحِدَة، ثُم عاد مجددًا ليملأ كأسه، وبينما هو موليًا ظهره لشقيقه أجابه بِنَبرَته الثابتة..
+
” بِالتأكيد تَعلَم بِأنني خَرَجَت بِرِفقَة إبنة إيغور غوركي..”
+
جلس فلاديمير على الأريكة الجلدية الكبيرة، يرتشف من مشروبه، يراقب شقيقه الذي إستدار يواجهه، مستندًا بجسده على رف المشروبات خلفه، وقد كان محقًا في ما قالَهُ، مدركًا بأن مَع رؤيَة رفاقه لِروسيل غوركي سينتشر الخبر سريعًا، إبتَسَم فلاديمير يضع قدمًا فوق الأخرى، بينما يرد على كَلِمات ليونيد بِنَبرَة ساخرة..
+
” رِفاقَك لا يتركون شَيء مخفي..يثرثرون أكثر من عشيقاتهم..”
+
قهقه ليونيد، قبل أن يرتشف من كأسه، يَشعُر الآن بشعور أفضل مع تنفيذه لتهديده، رُبما كان عليه أن يفعل هذا مُنذ الأسبوع الأول، ولكنه إنتظر يوهبها فرصة للتفكير، الآن إنتهى الوقت، عَليها أن تنفذ ما يريده، لَيس لديها حل آخر، أو منفذ آخر للهروب منه، لأنه سيطاردها حتى تصاب بما أصابته بِه، هٰذا الشعور الغريب الجديد لا يرغب بأن يكون هو وحده ضحيته، لم يعتاد على أن يكون ضحية، ولن يكون ضحية إبنة العدو، نَظر لأعين فلاديمير المتفحصة، منتظرًا سماع بعض التفاصيل، ولكن ليونيد كان أبخل مِمّا إعتاد عليه، حيَنما خَرَجَت كلماته مختصرة..
1
” لَقد جاءَت للمساومَة..”
+
بطريقة مجهولة كان لا يرغب في مشاركة تفاصيل موعده مع روسيل بِرِفقَة أيًا كان، حتى شقيقه الذي عقد حاجبيه مرددًا بِنَبرَة حائرة..
+
” المساومة!..”
2
لقد كان هو من ساومها، بينما هي فجاءت لغرض الحديث وحسب، الآن أصبح الأمر أكبر بكثير من مُجرَّد حِوار ومساومة، أصبحت هناك عاطفة معقدة في داخله، تجعل منه في حالَة صعبٌ عَليه تفسيرها، غَير رافضًا لِكُل هذه العواطف المعقدة، كان يرغب في الخوض فيها، ليرى إلى أين سيصل، نظر لكأسه بينما يَقول هازئًا..
+
” إنّها تظن بِأنّها قادِرَة عَلى أخذ هٰذِه الأرض بالسلام..”
1
الإدراك كان جليًا على مَلامِح فلاديمير حينذاك، وقد كانت الفكرة الأولى التي طرأت على ذهنه هي ذاتَها التي داهمت ليونيد في موعده مَع روسيل، وهي أن غوركي قد أرسلوا إبنتهم لإغراء شقيقه، وللتخلي عن الأرض التي يريدها كُلًا من غوركي وفولكوف، والتي لن يتخلى عنها ليونيد بسهولة لأجل أي شيء، كان يَعلَم فلاديمير كيف يعمل عقل شقيقه، ويعلم جيدًا أن روسيل وقعت في مصيدته، ولَن يتركها في حال سبيلها حتى يصل لمبتغاه، راقبه يرتشف من كأسه قبل أن يذهب نحو الزجاج المُطِل على المدينة، يتحدث بنبرة مستمتعة..
3
” أخبِرني هل تعلم ماذا يعني السلام؟..أو متى يَعُم السلام؟..”
+
إنتظر فلاديمير في صمت سَماع ليونيد الذي كان يتأمل أضواء المدينة مستمعًا للمقطوعة التي يحبها، والتي يعلم كم تُزعِج فلاديمير الذي لا يحب الضجيج، أو سماع الموسيقى، بمزاجه السوداوي، كان يستفزه كم كان ليونيد في مزاج مناسب دائمًا للمزاح والضحك وحتى في أن يحيك المؤامرات، بينما هو فلا يحب أن يزعج ذاته بكل هٰذِه الأشياء، فَقط يشارك في التنفيذ، أما ليونيد فقد كان العقل المدبر، راقبه من خلال إنعكاسه على الزجاج يبتَسِم، إحدى يداه تحمل كأسه والأخرى في جيب بنطاله، بينما يجيب على السؤال الذي طرحه..
6
” بعد أن تُسفَك الدماء، تُهدم المنازل، تُهدر أرواح الأبرياء، يُسلب كل شيء منهم بالقوة، وينتصر الأقوى والأكثرهم تسلطًا، حينذاك فقط يَعُم السلام بعد أن تصمت الفوضى..”
29
كان بإمكان فلاديمير رؤية الشر في مَلامِح شقيقه، بينما يرتشف من كأسه، علق ساخرًا يعلم ما يُفكِّر بِه ليونيد..
+
” أنت لا تنوي شَيء حميد..”
1
ضحكة مستمتعة هربت من فمه بينما يستدير مواجهًا فلاديمير الذي كان لايزال جالسًا مكانه بذات الوضعية، مشى بِخُطوات واثقة نَحوَهُ حتى جلس على الأريكة التي أمامه، واضعًا قدمًا فَوق الأخرى أردَف مُبتسمًا..
+
” تكمن المتعة الحقيقية في الأفكار الشريرة..”
4
رفع حاجباه الكثيفان ورفع كأسه أمامه، قبل أن يبتلع محتواه بِالكامِل، إنه لا ينوي خيرًا، لديه الآن الكثير من المخططات وكلها لا تحمل سوى الشر، سيستمتع برؤية الجَميع يحترق، أبناء غوركي، وهذه الشعلة التي سيشعلها ستجعل روسيل تستنجد به ليقوم بإخمادها، ولكن وحدها هي من بإمكانها إخماد كل هٰذِه الفوضى إن جاءت له، فَقط خُطوَة واحِدَة نَحوَها وهي من ستقترب منه لتنال مرادها ولتنقذ شقيقها من شره، سيكون كل شَيء كما يُريد كالعادَة وستندم روسيل على تجاهله وتحديه، سيريها عواقب العبث مع النيران..
31
” أنا سأجلس متفرجًا لما ستفعله كالعادَة..”
4
كَلِمات فلاديمير جاءَت بَعد مُدّة من الصمت، يراقب إبتسامة ليونيد، ويعلم جيدًا أنه يُفكِّر بكل ما يرغب بفعله في الأيام القادمة، مدركًا أن إبنة غوركي وقعت بين أيادي لا ترحم، الخَطر الأكبر يكمن في حيَنما يبدأ ليونيد بالتوقف عن التلاعب بمن حوله، ولا ينكر فلاديمير حبه لمشاهدة كيف يقوم شقيقه بِكُل هٰذِه الكوارث التي تعود لهم بالفائدة في نِهايَة المطاف، ولٰكِن هٰذِه المرّة، لَم يَكُن الأمر يتعلق بأي مؤامرات عاديّة، كانت مؤامرات توقع بالقلوب، لا يَعلَم الماركيز ليونيد أن حيَنما يدخل القلب في أي مسألة تتغير القواعد، ويصبح الأقوى هو الأكثرهم تنازلًا، من يترك السلطة للآخر ليقوده نحو متاهة العشق..
2
* * *
+
الثلاثون مِن إبريل المكائد | الثامنة صباحًا بتوقيت الفوضى | سانت بطرسبرغ..
4
صَوت كعب روسيل العالي كان يعلن قدومها لطاولة الإفطار، لاتزال تَشعُر بالنعاس، وقد حاوَلت إخفاء أعراض نومها بمستحضرات التجميل، لا تَرغب في إكتِشاف أحد بِأنّها كانت في سهرة صاخبة مع بعض الرفاق لِلشُرب والرقص، ولكن حال جلوسها عَلى طاولة الطعام كانت أعيُن دينيس المتفحصة عليها، يَنظُر لهيئتها بينما هي تتجاهل النَظر للجميع وهي تأخذ بعضًا من الخبز المحمص لصحنها تَضع عَليه الزبدة، حينذاك خَرَج صوتَهُ الثقيل متسائلًا..
2
” متى عُدتِ في الأمس؟..”
12
كان يرغب أن تكذب، ليريها الجحيم أو ليعرضها لعقوبة أخرى، وقد كانَت روسيل تعرف جيدًا ما كان يُفكِّر بِه، تعلم بأنه يسألها وهو لديه الإجابة مُسبقًا، لذا لم توهبه ما كان يطمح للحصول عليه، وأجابته بِنَبرَة باردة قبل أن تقضم قطعة الخبز التي في يدها..
+
” الثانية بعد منتصف الليل..”
+
حينذاك كانت تعلم بأنه يَشعُر بالغيظ نَحوَها، فإبتسمت تواجه نظرته بينما تمضغ طعامها، الهُدوء الذي كان يحيط بهم، جعلها تشعر بأن ليس هُناك سواهما، ولم يَكُن والِدَها وزوجة دينيس عَلى الطاولة معهما، والدها كان صامِتًا كالعادَة مسلمًا القيادة لدينيس الّذي يتولاها بكل تسلط ودكتاتورية، عَيناه الخضراء كانت تشتعل بينما يقول بِنَبرَة خافتة غاضبة..
6
” لقد كنت واضحًا مَعكِ حيَنما أخبرتك بأن تنتهي جميع مواعيدكِ التافهة قبل الثانية عشر أليس كَذٰلِك!؟..”
3
أخذَت عَصير الفواكة الذي أمامها لتشرب منه، برودها ذٰلِك كان يستفزه بِالرُغم من شعورها الآن بالغضب ورغبتها في قتله إلّا أنها كانت تزيف لا مُبالاتها لتجعله يشتعل غضبًا، أجابته بذات نَبرَتها متعمدة أن تبدو وقحة..
+
” فيليكس معي..لذا لا أرى بأن هناك أي مانع في التأخر قليلًا..”
+
لا أحد بِإمكانَهُ رؤية كم كانت ترتجف في داخِلَها خوفًا، شجاعتها الزائفة كانَت تجعلها تقع في المشاكل، وتثير غضب من أمامها، بالرغم من معرفتها بأن دينيس ليس بالرجل الذي عَليها التلاعب بأعصابه، إلّا أنها لم تكن تستطيع أن تحبس كلماتها أو التحكم بما تَرغب بقوله، وقد واجهت عواقب كَلِماتَها تلك في الحال حينما جاء رد دينيس بِنَبرَة جَعلتَها تَشعُر بالقشعريرة تنتشر على جسدها..
+
” قليلًا إذًا!..ها أنا ذا أحذركِ لِلمرّة الأخيرَة، إن عُدتِ متأخرًا في المرّة القادمة ستبقين في الخارج وتنامين على عتبة الباب، وسأمنع أن يفتح لَكِ أحد..”
7
مع إرتباكها ضَحِكَت غَير قادِرَة عَلى حبس ضحكتها، الجَميع يَنظُر لَها بحذر وقد كانت بيلا تُحاوِل أن ترسل لها إشارات للصمت، ولٰكِنّها تجاهلتها بينما تقول ساخرة مبتسمة، وهي تأخذ قطعة خبز أخرى..
1
” ستكون تَجرُبَة مُثيرة، النوم على عتبة الباب..سأجرب شعور المتسولين..”
19
” روسيل!..”
+
كان ذلك صَوت والِدَها التحذيري، الذي جَعلها تجفل تَنظُر نَحوَهُ لِثوانٍ وكأنها أدرَكت للتو بأنه معهم على ذات الطاولة، كان غاضبًا هو الآخر، ولٰكِنّها لم تبالي وهي تشيح بنظرها عنه، تقوم بوضع المربى على قطعة الخُبز، لم تكن علاقتها بوالدها جيدة، ولم تُحاوِل حتى إستعطاف أي شعور في داخله، مع مرور الأعوام كانَت تُدرِك كل الأسباب التي دفعت والدتها للهروب منه، فقد كانت هذه رغبتها هي كذلك، ولٰكِنّها تعلم بأنها إن أقدمت على فعلًا كهذا ستكون نهياتها الموت، ومع ذِكر الموت جاء صَوت دينيس مُجددًا وهي تقضم خبزتها، بذات النبرة الهادئة التي تحمل شر خفي..
+
” هل تعلمين ما الّذي سأفعله بكِ إن قمتِ بإفتعال أي فضيحة؟..سأقتلكِ يا روسيل..”
65
كان يقولها ببساطة جَعلتَها تبتلع لقمتها بصعوبة، تَنظُر لَهُ بطرف عينها، وتتذكر موعدها مع الماركيز ليونيد، إن إكتشف، سَتكون نهايتها، ولَن ينقذها أحد، كان يبتَسِم حيَنما أنهى كلماته يعود لينشغل في طعامه ليس وكأنه كان يهددها بالقتل، حينذاك ظهر آركادي بحالة يرثى لها، شعره مُبعثر وثيابه غير مهندمة، يبدو عليه بأنه لم ينام، نَظرَت لَهُ بقلق بينما تمضغ طعامها، ولم تَكُن قادرة على السؤال، ليتولى الأمر والدها الذي نظر له بنظراته القاسية المتفحصة متساءلًا بِنَبرَة حادّة..
3
” تبدو في حالة مزرية، ما الأمر؟..”
+
خرج صَوت آركادي متعبًا وهو يتخذ مقعده بجانبها..
+
” الماركيز ليونيد فولكوف، قام بإفساد عقد الفُندق الجديد..”
+
حينذاك إختنقت روسيل بالطعام وبدأت بالسعال بِعُنف، تَشعُر بأنها ستموت إختناقًا، لينظروا جميعًا نَحوَها، آركادي أخذ كوب الماء الخاص به في الحال ليجعلها تشرب منه، فأخذت الكوب بأنامل مرتجفة، لتشرب البعض بينما يضع آركادي يده عَلى ظهرها يربت بخفه، هامسًا بِنَبرَة مبحوحة أدركت من خلالها بأنه قضى ليلته بالصراخ..
24
” تمهلي يا روسيل..”
+
أومَأت له وقد بدأ يخف سعالها، ولكن داخِلَها كان يرتجف خوفًا، مدركة أن ما حدث لآركادي هو نتيجة تجاهلها لعرض الماركيز ليونيد، تعلم بأنه نفذ تهديده، وإن إكتشف أحدَهُم أنها خلف الأمر ستكون نهايتها، لقد ظنت بأنه تراجع عَن الفِكرَة، وتخطى رغبته في إستمالتها، ظنت بأن ما كان يرغب بِه هو أن يتلاعب بها بِهٰذِه الصعوبة لتترك أمر الأرض ويحصل عليها دون عوائق، ولٰكِنّها الآن تدرك بأنه كان يمهلها الوَقت وحسب، وهي أخطأت في كُل أفكارها عنه، لرُبما إستهانت به قليلًا، وإبتزازه لَها للخروج معه في الخمسة المواعيد كان حقيقيًا، لم تعرف ما الّذي عَليها أن تَشعُر بِه، السعادة لإصراره عَلى الخروج بِرِفقتَها، أم الحزن والغضب لما أصاب آركادي بسببها..
+
” لا يمكنه أن يفعل هذا بِك!..إن مشكلته الأساسية مَعي أنا..”
16
صَوت دينيس خَرَج منفعلًا، لتنظر له وكأنها ترغب في قتله حينذاك، راقبت في صمت منصته لِذٰلِك الحوار وهي تستأنف تناولها للإفطار، وقد إستمعت لصوت آركادي المرهق وهو يخاطب دينيس بِحِدّة..
+
” إنه ليس إفتراض، لقد تأكد مِن أن أعرف بأنه خَلف الأمر..”
1
مَلامِح والِدَها كانَت مُظلمة، تعرف بأنه يرغب بالذهاب لملكية فولكوف لإحراقها ولكن أيًا من تلك النوايا لم تكن ممكنة، الرَجُل محمي، ومملكته مُحاطَة بالجنود، الوصول له كان مستحيلًا، وهذا كان يجعل من دينيس يفقد أعصابه ليهتف مخاطبًا والده بِنَبرَة غاضبة عالية..
+
” أرأيت!..أخبرتك أن أقتله ونتخلص منه..”
+
يقتله!، بِهٰذا القدر من السهولة!، كَلِماته جعلت من معدتها تتلوى توترًا وخوفًا، الإستماع لأفكار دينيس كان شيء كارثي، وصوت والدها القوي القاسي، جاء موبخًا مخاطبًا دينيس ليجعل منها غير قادرة على إبتلاع طعامها..
+
” تقتل الوريث الأول لمملكة فولكوف!، دينيس!..ليس كل من يعترض طريقنا نقوم بقتله، موته سيجعلنا نخسر الكثير والجميع سيعرف بأننا خلف هذا..”
+
والِدَها كان متمهل في إتخاذ قراراته، ودينيس لم يكن يفهم تلك الإستراتيجية، كان فَقط يعرِف حل واحد لكل مشاكله ولكل من يعترض طريقه، وهو القتل دون رحمة، وكما كان متوقع منه أردَف بنبرة حادة معارضًا والده..
+
” أنا أرى بأن الأمر سيجعلنا أكثر قوة وسلطة، سيخاف حينَها الجَميع مِنّا ولَن يجرؤ أحدَهُم على الوَقوف ضدنا..”
+
إبتسمت روسيل ساخرة، كانَت تَرغب بِالضِحك فجأة، بالرغم من أنها فكرة خاطئة وتوقيت خاطئ، همست تَحت أنفاسها لنفسها دون أن يسمعها أحد..
+
” كيف بِإمكان غباء العالم أن يجتمع في رجل واحد..لا أصدق بأنه شقيقي..”
17
عَضّت على شفتها السفلى تحاول أن تمنع ذاتها من الضحك، فعائلتها الآن تواجه شر يسمى فولكوف، وقد يأخذ كل ما يريده منهم، السياسين، أهم رجال الأعمال، والشخصيات التي تمتلك السلطة والقوة كانت في صفه، لقد كان يمتلك نصف سانت بطرسبرغ، ولن تمنعه أي قوة من أخذ ما يريده، فهل ستكون هي قادرة!، مع التفكير بالأمر كانَت تَشعُر بالإثارة في داخِلَها، قد تحقق حقًا ما لم يحققه أحد!، نظرت نحو آركادي الذي كان جالسًا وشاردًا في عالمه الخاص بعيدًا عن نقاش والدها ودينيس، وحينذاك شَعرَت بالذنب لأنها المتسببة في الأمر، لقد سلَّط ليونيد أنظاره على آركادي الآن بطريقة أعنف من السابق، وكل هذا بسبب رفضها لعرضه، مدت يدها نحو يده التي فوق فخذه، لتتمسك بقبضته القوية، حينذاك نَظر نَحوَها بعيناه الخضراء القاتمة، ينظر لها تبتسم بينما تهمس له تمده ببعض الإيمان..
+
” سيكون كل شَيء بخير..لا تقلق..”
+
لَم يَكُن آركادي في حالة تسمح لَهُ بالتفاؤل، وروسيل لم تكن تعلم كيف كان الوضع سيئًا، لذا فقط ضغط عَلى يَدها يبادلها إبتسامة باهتة لم تصل لعيناه، ثُم عاد بأنظاره نحو دينيس الذي طلب منه أن ينهض ويتبعه ليقوموا بحل هٰذِه المسألة، شاهدتهما يغادران معًا، وحينذاك تركت هي الأُخرى طاولة الطَعام، لتصعد لغرفتها مجددًا، متجاهلة نظرات والداها المتفحصة نَحوَها وهي تغادر، حيَنما دلفت لغرفتها وأغلقت الباب، وَضعت كفها عَلى فمها، تَرغب بالصراخ غيظًا، وقد كتمت صرختها المحبطة، قبل أن تسرع نحو درجها تبحث فيه عن البطاقة التي جاءت مع الباقة الأولى، إنها محظوظة بأن لم يستلم أيًا من تِلك الباقات أي أحد مِن عائلتها، فقد أخبرت فيليكس أن حال وصول أي باقة يقوم بالتخلص منها، كان الأمر يجعلها تَشعُر بالحزن لعدم قدرتها على وضعها في أي مكان في غرفتها، كل تلك الزهور أُهدِرَت دون أن تلمسها، وهذا يجعلها تشعر بالحقد نحو كل فرد من أفراد عائلتها، جلست على طرف سريرها، وأخذت هاتفها تقوم بالنقر على رقمه، ثُم دون أن تتردد لِلحظَة مع إنفعالها، طلبت رقمه وإنتظرت عشرة ثواني بقلبٍ راجف، وحينما رفع الخط قبل حتى أن تَستَمِع لصوته هسهست بغضب كلمتها الوَحيدَة تلك..
+
” سأقتلك..”
12
إستمعت حينذاك لضحكته العميقة، كان يبدو مستمتعًا بما فعله، ويشعر بالإنتصار، لتحطيم شقيقها، كان ذلك كفيلًا بجعلها تشتعل غيظًا، ثُم إذ بصوته المُستفِز يخاطبها بِنَبرَة أدرَكت فيها كم كان يشعر بالبهجة..
+
” أنا في إنتِظارَكِ لِقتلي..تَعلمين أين تجديني..”
17
دون أي كلمة أُخرى أغلق الخط، مانعًا إياها من قول أي شيء، لتنظر لشاشة الهاتف بِصدمة، غَير قادِرَة عَلى فِهم هذه الرغبة والإصرار لِلخروج بِرِفقتَها، كأنثى لا تمتلك تجارب ومغامرات عاطفية سابقة كان الأمر مخيفًا، مُربكًا لحواسها، وشجاعتها الزائفة تدفعها نحو هذا الشعور الذي يشعل حماسها، لِتجربة هٰذِه العاطفة، حتى وإن كانَت نهايتها لا مفر منها، حتى وإن كانت تعلم بأنها ستصل لطريق مسدود، وأنها ستدخل في متاهات لا مخرج منها، كانَت تريد الخروج عن هٰذِه الرتابة التي تعيشها، تَرغب بِالشعور بهذه الأُنثى المُجبرة على عيش حياة السجناء، العصيان كان مغريًا، والهروب من هٰذِه الزنزانة كان أجمح رغباتها، لذا خَرَجَت لتواجه فيليكس الذي كان يَقِف في مكانه المعتاد، مستعدًا لسماعها تطالبه بأخذها حيث تريد، وقد كان موليًا ظهره لها، حتى نقرت على كتفه بإصبعها، ليستدير مواجهًا إبتسامتها المجنونة التي مِن خلالها كان يَعلَم بأن هناك كارثة تخطط لفعلها، أشارت له بأن ينحني نَحوَها كي تكون قادِرَة على الهمس في أذنه، لينحني هو مستمعًا لكلماتها تأمره دون أن تتلاشى إبتسامتها..
1
” ستأخذني حيث هو الماركيز ليونيد الآن..أُريد قتله..”
4
حيَنما إبتَعدَت إرتدت نظارتها الشمسية، وقد إعتدل هو في وقوفه، ينظر لها بتردد، قبل أن يقول بصوته الحاد الجدي..
+
” الأوضاع لَيسَت جيدة آنِسَة روسيل..رُبما بإمكاننا الذَهاب يومًا آخر حتى تصبح الأجواء هادئة قليلًا..”
2
رَفعَت روسيل حاجِبيها ثُم أنزلت نظارتها قليلًا لتنظر لفيليكس، بنظرات متعالية وقد كان العناد جزء منها، لتردف بِنَبرَة ضجرة..
+
” عزيزي فيليكس!..في عمق الفوضى لن يهتم أحد بأين أنا، لذا هذا هو الوَقت المناسب..”
+
رَفعَت نظارتها مُجددًا ولم تسمح له بالإعتراض، فقد مشت أمامه نحو السيارة، ليراقبها بعيناه الخضراء مستسلمًا هامسًا تحت أنفاسه..
+
” لنرى إلى أين سيقودنا هٰذا الأمر في كُل الأحوال أنا ميت..”
42
لَم يَكُن هناك رادع لروسيل سوى شقيقها دينيس
وفيليكس لن يذهب له ليخبره، حتى وإن كان سيده، حتى وإن كان يجب عليه ذلك، لأنها وظيفته، كان ولاءه لروسيل دائمًا، لحمايتها حتى من شقيقها، يَعلَم بأن دينيس لن يكون رحيمًا نَحوَها بالرغم من أنها شقيقته، إلّا أن الجَميع يعرف أي رجل هو دينيس غوركي، وكيف لا يُبالي حتى برابط الدم حيَنما يمس الأمر سلامة مصلحته، ومكانته، وما تَفعلَهُ روسيل كان أخطر بكثير مِمّا تظن، لٰكِنّها أعند بكثير من التراجع وإدراك ما تُقدِم عليه، لقد أخبرها مرارًا بذلك، ولكنه الآن مجبر على الإنقياد خلفها وحمايتها، يَعلَم بِأنّها إن لم تذهب معه ستجد طريقة لتذهب وحيدة، لذا كان هذا الإختيار الذي أحلاه مُر بالنسبة له وهو يقود نحو ملكية فولكوف لِلمرّة الثانية، بعد معرفته لِمكان ليونيد فولكوف في هٰذِه الساعة، كان متعارف عليه بأنه يقضي ثلاثة أيام مَع العائلة، وبقية الأسبوع كان من نصيب العمل، ومن حُسن حظ روسيل كان يصادف اليوم الذي يَكون فيه في قصر العائلة يمارس هواياته مع رفاقه، ولن تضطر لمواجهة الشائعات التي ستنتشر سريعًا إن رأها أحدَهُم مع ليونيد..
5
” ظننت بِأنّكِ تركتِ الأمر بعد موعدكِ معه..”
+
خرج صَوت فيليكس جادًا وهو ينظر لها من المرآة ملاحظًا شرودها، ما يحدث داخِل عقلها بِالتأكيد كان شيء لا يُريد أن يعرفه، ولكنه يملك فكرة عمّا تفكر به، وما كانت تفكر به هو شقيقها آركادي الذي سيواجه عواقب تهورها، وأفكارها ألّا منطقية، حيَنما رَفعَت عَينيها لتنظر لأعين فيليكس الخضراء الحادّة أعاد هو نظره للطريق بينما تخبره بِنَبرَة منزعجة..
+
” لقد نفذ تهديده، آركادي سيخسر كل شيء إن لم أفعل ما يريده..”
+
إبتَسَم وهو يستمع لها، كان قَد أخبرها بأنها لا تفهم قواعد هذه اللعبة جيدًا، وأن الرَجُل الذي تريد أن تقنعه بالسلام لا يؤمن بشيء كهذا، يمتلك مفهوم آخر للسلام في عالمه، وسُتجبر على مواجهته، إنها صغيرة جدًا على فهم ما يُفكِّر بِه..على فهم قواعد هذا العالم..
2
” أخبرتكِ بأنه خبيث..آنِسَة روسيل هٰذا الرَجُل لا يلعب بعدل..”
+
خاطبها مركزًا في الطريق، روسيل لا تعترف بفشلها، بالإخطاء أو حتى بِأنّها متهورة، كانت تظن بِأنّها أذكى بكثير من الوقوع في الخطأ، وأن حتى أخطاءها تخرج مِنها رابحة، وتهورها ذلك تراه ثقة، ورُبما كانت محقة في نقطةً ما، أمّا الآن فقد تزعزع شَيء داخِلَها وهو ما قادها لإثبات أنها لم تخسر شيء بعد، لذا بِنَبرَة واثقة أردَفَت وهي تنظر للطريق من نافذتها..
3
” عزيزي فيليكس..إن كان لا يلعب بعدل، فأنا أكثَر أُنثى تُحِب الغش، بِإمكاني الفوز في هٰذِه اللعبة راهن على هٰذا وشاهد..”
24
إنها تعامل الأمر وكأنه لعبة مسلية، ولم يَكُن لديه طريق آخر سوى المشاهدة ليرى أين ستكون نهاية هذا الجنون، ولكنه يَعلَم بأن نهايته لن تكون حميدة أبدًا، بينما يدخل مجددًا مِن بوابة ملكية فولكوف وهذه المرّة لم يسأله أحدَهُم أي شَيء، فقد كان ليونيد في إنتظارها، وهي كانَت تَشعُر بِأن قلبها سيصرخ فاضحًا إرتباكها لرؤيته مُجددًا بَعد موعدهما وما حدث، كان لايزال مستمرًا حتى اليوم في إرسال الزهور التي تُرمى دون لمسها، تَشعُر بالذنب نحو الزهور البريئة التي تُهدر في سبيل أُنثى لا تراها أو تلمسها، وتشعر بالحقد نحو السبب، عائلتها، تمسكت بحقيبتها وهي تمشي أمام فيليكس وأمامها كان أحد الرجال يقودها نحو مكان ليونيد الذي كان كما اللقاء الأول يلعب الجولف، في تلك المنطقة الواسعة بعيدًا عن أنظار العائلة، وهذه المرّة كان وحيدًا، رُبما لأنه لم يروق له تحديها له أمام رفاقه، هكذا سيكون من السهل عليه التعامل معها، إبتسمت مَع إدراكها، كان يَعلَم جيدًا ما سيواجهه، حيَنما وصلوا حيث كان يقوم بمزامنة عصاه مَع الكرة في الأرض، إقترب منه الرجل الّذي رافقهما وهمس شيء في أذنه ليترك المكان بعد ذلك، تاركًا روسيل وفيليكس مع الماركيز ليونيد الذي لَم يستدير بعد لمواجهتها، كل ما فعله هو دفع الكرة ومراقبتها تدخل في الهدف، حينها وحسب رَفَع عصاه على كتفه مردفًا بِنَبرَة متلاعبة..
+
” ها أنا ذا أمامكِ إقتُليني..”
6
تزامنًا مع نِهايَة كلماته إستَدار يواجهها مبتسمًا، ينظر لها تَقِف بضجر وخصلات شعرها الكستنائي تتلاعب به الرياح، مجددًا ذات الشعور يراوده، وكأنها المرّة الأولى، قلبِه يعنفه، ويشعر بأنه تحت تأثير شَيء قوي لا قدرة له على السيطرة عليه، كانَت جميلة نعم، ولكن ليس هذا كل ما في الأمر، فقد كان محاط بالجميلات دائمًا، هٰذِه الأُنثى تجعله يشعر بأنه تحت تأثير تعويذة قوية، تستحوذ عليه، دون رحمة، وتعبث بِسلامته القلبيّة بطريقة خَطِرَة متعمدة، لم يشعر يومًا بأنه مسلوب الأنفاس أمام أُنثى من قبل، وها هو الآن يجرب كل هٰذِه العواطف الغريبة مع أكثر أنثى ممنوعة ومحرمّة عليه، لقد كانت يافعة أصغر بكثير مِمّا يُفضِّل وهذا أكثَر ما يثير غضبه من نفسه، راقَبها تَقتَرِب مِنه خطوة خُطوَة ومع كل خُطوَة تَقتَرِب كان يشتعل في داخله شغف آخر لإمتلاكها، متجاهلًا وجود حارسها الشخصي الذي بقى واقفًا مكانه ولم يتبع خطواتها، كان وجوده مُزعِج وبالرغم من ذلك لَم يَكُن يقيد ذاته في قول ما يرغب وفعل ما يريد، وقفت روسيل أمامه ورفعت عَينيها نحوه عميقًا تَنظُر لَهُ بطريقة جعلته يشعر بِأن العالم حوله يتلاشى ليضيع في نَظرَتها، همست له بصوتٍ ناعم لا يحمل البراءة التي تحملها ملامحها..
4
” صدقني أنت لَن تَرغب بأن تكون عدوي..”
10
مُبتسمًا أنزل عصاه من كتفه، ثُم بحركة سريعة لم تدركها كان قد أحاط عصى الجولف خاصته بظهرها ليدفعها بها نَحوَهُ ويحبس جَسدَها بجسده بطريقة جَعلتَها تصرخ بفزع مع الإقتراب المفاجئ وتلامس جسديهما بتلك الطريقة الحميمية، حينذاك لاحظ إقتراب فيليكس خُطوَة واحِدَة تحذيرية دون أن يزيح عَيناه الزرقاء القاتمة عنها، مَع محاولاتها للإبتعاد دون جدوى، همس هو الآخر بِنَبرَة أثارت ضجيج في داخِلَها..
27
” أنا لَست عدوكِ..حتى هٰذِه اللحظة أنا أطمح للسلام مَعكِ..”
21
حينها أدركت أن تعبير السَلام في قاموسه آخر عن ذاك الذي تعرفه، وأنه لا يطمح لأي شَيء سوى الإستحواذ عَليها لفترة من الزمن، وإن كان هذا كل ما يريده وكل ما يتطلبه الأمر للحصول على الأرض، ستفعل، ولكن بشروطها الخاصّة وبطريقتها هي، حتى وإن كانت غَير خبيرة مِثله، طالَما أثبت لها رغبته في خوض هذا معها، ستلبي رغبته، وهكذا ستقتله رويدًا رويدًا دون أن تسمح له بالإعتراض، نَظرَت للمسافة القصيرة بينَهُما لاتزال سجينة بينه وبين عصى الجولف، سجينة نظرته نَحوَها وكيف كان قريبًا حد الربكة، حد اللهفة، لَم تَكُن ترغب بإظهار إرتباكها من ذٰلِك الإقتراب الذي لم تجربه يومًا مع رجل آخر، لذا حاوَلت الحفاظ على مَلامِحها خالية وهي تَبتَسِم لَهُ قائلة بِنَبرَة متحدية..
1
” يجب عليك أن تعرف ما الّذي ستقع فيهِ..لأنني قادرة على فعل أي شَيء، لا تستهين بي..”
+
” أنا لا أستهين بكِ يا إبنة غوركي..”
+
تِلقائيّة رده جَعلتَها ترتبك، وقَد كَرِهَت نعته لها بإبنة غوركي، لا تعلم لِماذا فيليكس يقف بعيدًا هكذا دون أن يحاول إبعاده عَنها، وهل كانت تريد أن يَبتَعِد عنها!، رُبما فيليكس كان يشعر بهذا، يشعر بالشعلة التي داخِلَها، وكيف كانت كأي أُنثى تَحت رحمة إغراء هٰذا الرَجُل، أو رُبما كان يريدها أن تتصرف هي، ليرى الحقيقة، لأنه يَعلَم جيدًا بِأنّها ليست ضعيفة، وأن بإمكانها دفعه بعيدًا عنها، وركله، وهذا يخبره بالكثير، هذا يفضح الكثير، لذا إبتَلعَت بتوتر قبل أن تقول بِنَبرَة مستفزة..
+
” هل تَقتَرِب من نساء أعداءك بِهٰذِه الطريقة في العادَة!، بِإمكاني إخراج سكين الآن من حقيبتي وأنت تنظر لي هٰكذا ثُم أغرسها في قلبك، وتموت بكل هٰذِه البساطة..”
3
قهقه ليونيد دون أن يبتعد عنها أو يحررها، ثُم رفع أحَد حاجباه الكثيفان قائلًا بثقة..
2
” أنتِ لا تحملين سكين في حقيبتكِ..”
+
هو مُحِق، ولكنه لا يعرِف بِأنّها تخفي شيء آخر في حقيبتها، لن يقتله ولكن سيطفئ شيء من غيظها نحوه، لذا أردَفَت بِنَبرَة ناعمة متلاعبة..
+
” ليس سكين ولكن شَيء آخر..”
+
حينذاك بدى لها الحذر في عَيناه حيَنما ضاقت نظرته عليها، بينما يسألها بفضول..
+
” ما هو؟..”
+
أشارت له للمسافة بينَهُما دون أن تتلاشى إبتسامتها تِلك، كان فضوليًا نحو معرفة ما تخفيه في حقيبتها، لذا مَع حركتها تِلك حررها مكرهًا، لَم يَكُن يَشعُر بالتهديد كما كان يَشعُر بالمتعة، ليرى ما تخفيه في حقيبتها، يعلم فَقط بِأنّها أذكى من محاولة قتله، وبينما كان يراقبها منتظرًا إلتفتت روسيل نحو فيليكس والذي كان هو الآخر مترقبًا، حيَنما شاهد تِلك النظرة في عَينيها أدرك جيدًا بِأنّها ستقوم بفعلٍ غبي، ولكنه لَن يردعها، جزء منه يرغب بِرؤية أيًا كان ما ستفعله بالماركيز ليونيد فولكوف لتطيح بالقليل من غروره، لقد كانَت نَظرَة خاطفة نَحوَهُ وحسب قبل أن تعود للنظر لليونيد الذي كان يَقِف مراقبًا أصغر حَركَة تَقوم بها، وقفت أمامَهُ مرتبكة بالرغم من كل ما كانت تَبدو عليه من ثقة، ثُم فتحت حقيبتها لِتُخرِج منها أكثَر الأشياء التي بإمكانها جعل أي رجل في مكانه يضحك حتى البُكاء، ولأنه لم يتمكن من كبح ذاته، ضَحِك بِقوّة وكأنه لم يضحك مُنذ زمن، للحد الذي جَعلها تبتسم غَير قادِرَة عَلى كبح ضحكتها هي الأُخرى، وقد خَرَجَت كَلِماته الهازئة تلك من بين ضحكاته..
16
” لا يعقل!!..هل ستقتليني بمسدس ماء!، لقد توقعت شيء أعنف من هذا يا إبنة غوركي..”
132
وقد كان ذٰلِك بِالفِعل خارج عن توقعاته، كأنثى تنتمي لأكثر العائلات إجرامًا في روسيا، وأقوى العائلات، كان عَليها إحترام ذٰلِك اللقب أكثر من هذا، كأخذ سلاح حارسها الشخصي وتهديده به، خنقه كالمرة السابِقَة رُبما!، ولكن مسدس ماء!، كان الأمر وكأنها تسخر منه ومن ذاتها، نَظرَت روسيل لما بين يديها تقلبه بنظرة مترددة، دون أن تختفي إبتسامتها، ثُم رَفعَت نَظرَتها نَحوَهُ قائلة بِنَبرَة مُتحمسة..
+
” نعم إنه مسدس ماء..ولكن ليس بالضرورة أن يحتوي على ماء!..”
2
حينذاك لَم تمهله لَحظَة واحِدَة لفهم المغزى، فقد ركزت عَلى هدفها وأفرغت محتوى ذٰلِك المسدس نحو قميص ليونيد أولًا، ليدرك بأنه طين وليس ماء، ومع إدراكه لِذٰلِك كانت قد أصابت وجهه ليغلق عيناه تجنبًا لدخول الطين لعيناه، كُل ذلك وهو يَقِف مكانه مستمعًا لصوت ضحكتها المنتصرة، وهي تقوم بإفساد هيئته، لسببٍ ما لم يوقفها أو يتحرك من مكانه، رُبما لأنه رأى كم كانت مستمتعة بما تفعله به، وإن كان هذا أعنف ما يمكنها الوصول له فلم يكن هو في خطر، بل هي من كانَت تحت خطر لا تدركه، حيَنما شَعر بتوقفها أدرك بأن محتوى مسدسها أفرغته بالكامل، ليرفع إحدى يداه نحو عَيناه يزيح بعضًا من ذلك الطين ليستطيع النَظر لها، وحينما فَتح عَيناه شاهد نَظرَة الرِضاء في عَينيها وملامحها، روسيل لا تعلم كم كان ليونيد رجل لا يطيق حتى أن يرى ثيابه ليست مرتبة بالشكل الصحيح، أو بها شيء خاطئ، كان مهووس بالنظافة بطريقة تجعل من الجَميع في حالة من الحذر تجاه ثيابه وغرفة نومه، بطريقة تجهلها روسيل أصابت هدفها بِالفِعل، فقد كاد يفقد عقله من الغضب وهو يشعر بالطين في ثيابه ووجهه وحتى شعره، إن لم تَكُن أنثى كان قَد خنقها حتى تغادر روحها، وقد رأت روسيل ذٰلِك في عيناه القاتمة وهو ينظر لها، ولأنها كانت تحت تأثير نشوة الإنتصار إقتربت من الأسد الغاضب لتقف أمامَهُ قائلة بإبتسامة مستمتعة إستفزته..
36
” إنه أمر تافه نعم..وفِعل طفولي رُبما..ولٰكِنّها الطريقة الوَحيدَة لإطفاء البعض مِن غضبي..”
+
زم شفتاه مَعًا يكبح ذاته من الإمساك بها، لا يَعلَم ما الذي سيحدث إن وضع يداه عليها في هذه اللحظة، ولا يرغب في إكتشاف ذلك الآن، كُل ما فعله هو أنه حافظ على هدوء نبرَتَهُ وهو يخاطبها بِنَبرَة متسلطة..
+
” جَيّد عليكِ أن تتخلصي من غضبكِ..فأنا أتوقع منكِ أن تكوني هادِئَة الليلة في موعدنا..”
+
ضَحِكَت مع إبتعادها عنه خُطوَة، ثُم خُطوَة أخرى، ثُم أخرى وبينما تتراجع لوحت له قائلة بطريقتها المجنونة..
+
” أنت تتوقع المستحيل..”
+
حينذاك إستدارات وغادرت أمامه مع فيليكس الذي رَمى بنظرة أخيرة نحوه، قبل أن يتبع روسيل، شاهدها تغادر وهو يمسك بعصى الجولف بِعُنف، يَشعُر بالغضب لأنها تغادر بذات الطريقة في كُل لقاء، تتركه خلفها بقلبٍ مُضطرب، بعد العبث بسلامته القلبية، تَتلاعب بِه بنعومة وجنون، دون أن تدرك بأن الغزال لا يجِب أن يعبث بذيل الأسد المفترس، وإن إختلفت نوايا الغزال سيبقى الأسد جائعًا مطاردًا لا يرغب سوى بالإفتراس، قانون الغاب لطالما كان مع الأقوى ولا يحمي الضعفاء، وملك الغابة قد يتعرض للهجوم مِن الأضعف بسبب غروره، والعِشق بإمكانه إخضاع أقوى الرِجال تَحت رحمته، كما أن أُنثى واحِدَة وَحسب قادِرَة للإستيلاء والسطو على أكثر الرِجال إنتقائية، تختطِف قلبِه على غفلةً مِنه، ليبقى رهن إشارة مِن عَينيها، وكم كانَت عَينيها قادِرَة على جعله يسقط في ثمالة لا صحوةً منها، كان يَعلَم بأنه في خطر، خطر الإحتراق شغفًا بِها، وهاهو يجازف بالكثير، يجازف بقلبه للحصول على لَحظَة واحدة مع الأُنثى الوَحيدَة المحرمة عَليهِ، كان مؤمنًا بأن المحرمات خُلِقَت لإرتكابها، وهي كانت ذنبه في شيء لا دين له..العِشق، لادين للعشق..
13
___________________________
نِهايَة الجزء..
1
مرحبًا يا رِفاق
أتمنى تكونوا بخير وأمور حياتكم تسير على خير ما يُرام ..
3
سعيدة بردود فعلكم الجميلة على الرواية وأتمنى تستمر ذات الردود إلى النهاية حتى وإن تغيرت مجرى الأحداث وأخذت منحنيات أخرى..
8
آرائكم بالجُزء ؟
10
عائلة ليونيد؟
13
عائلة روسيل؟
14
هل كان تعامل روسيل مع فيليكس صائب لإهماله؟
4
وهل مخاوف السيدة لوسيانا نحو دينيس غوركي قد تكون في مكانها؟
2
أفضل موقف؟
التعليقات