التخطي إلى المحتوى

رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الرابع والعشرون

كيف لمعتاد الضلال أن يهتدي؟
كيف لأجناد الشرود ألا تضل؟
هل تسمعي آهاتي يا من ملكتي ليلتي؟
إن قلت اسمع كاذبة فإذا سمعتي لصرختي آه.
ولكنكِ لم تصرخي.
حين تستعين بالدقة وتتحلى بالصبر ربما تصبح نتائجك هي الأفضل.
كان هذا ما تمناه عيسى و طاهر أثناء دلوفهما إلى الحفل حيث استوقفهما الواقفان أمام البوابة وقال أحدهم مشيرا على عيسى: حضرتك واللي معاك ممنوع تدخلوا.

أخرج طاهر بطاقة الدعوة فهز واحد من الواقفين رأسه نافيا: حتى لو معاك Invitation Card أستاذ عيسى
واللي معاه ممنوع يدخلوا.
أخرج عيسى هاتفه وأتته الإجابة سريعا فسأل عيسى ساخرا: إيه يا باسم؟، جوز عمتك مدي أوامر إني مدخلش ليه؟، للدرجة دي خايف مني؟، ده أنا حتى جاي أهني وأعمل الواجب.
رد عليه باسم بغضب: لا واضح إنك جاي تهني، إيه الكلام اللي رزان الزفت واقفة بتقوله ده؟، أنت اللي باعتها؟

رد عليه عيسى وقد ابتسم بمكر: طب ما تخرج كده تقولهم يدخلوني علشان أسمع بنفسي هي بتقول إيه، أحسن نفسي أسمع أوي
أكمل عيسى ما يفعله بنبرة متسائلة: ونفسك أنت كمان؟، مش كده؟..
دي حتى يا شيخ من ساعة ما هربت منك مظهرتش غير النهارده، يرضيك يفوتني اللقاء المهيب ده؟
رد عليه باسم بانفعال: عيسى أنت اللي باعتها؟
رد على السؤال بسؤال مثله مردفا: اخلص هتدخلني ولا امشي؟

كان بالفعل قد تحرك باسم ناحية البوابة الخارجية وما إن وصل حتى قال وهو يطالع عيسى بانزعاج: دخلهم.
رد عليه أحدهم بآلية: دي أوامر يا باشا.
وأنا بقولك دخلهم، ولا عندك كلام تاني غير كلامي؟

أمام نبرته التي بان فيها الغضب الجلي، تنحى الواقفان وأفسحا الطريق فدلف طاهر وتبعه عيسى الذي سمع قول باسم: يعني أنا كنت صح وأنت اللي كنت مخبيها، ولما حبيت تظهرها علشان مصالحك ضحيت بيها، وأنت عارف إنها هتبقى هنا قصادي وهطولها.
ضحك عيسى وأشار له بالنفي غامزا: عيسى نصران مبيضحيش بحبايبه يا باسم.
بادله باسم الضحكة معلقا بسخرية: ده كلام خطير ده لو وصل لمراتك؟، ولا هي عارفة عادي إن ليك حبايب غيرها؟

تحدث طاهر ناهيا هذا الحوار: بقولك إيه هو مش ده جوز عمتك؟، اتفرج عليه بقى.
قال هذا وهو يشير ناحية صاوي الذي تجمع المصورون حوله وحول رزان التي أخذ الحضور كله يتهامس عن علاقتها بصاحب الحفل وخاصة مع إصرارها وهي تهتف من جديد في مكبر الصوت: بجد أنا أسفه يا جماعة، مكنتش أحب أبدا الناس تعرفني بالطريقة دي، لكن الباشا المحترم اللي بيتجوز بنات الناس ويضحك عليهم ويرميهم في الشارع هو اللي اضطرني لكده.

سحب صاوي المكبر منها بغضب، وضرب منصور ابنه في كتفه مردفا: قوم ابعد الناس اللي بتصور دي، اعمل أي منظر.
ترك جابر مكانه مسرعا ليس من أجل إبعادهم، بل من أجل رؤيتها، من أجل التيقن من أنها هي، رزان تلك التي رافقها منذ فترة قصيرة، واعتاد التردد على منزلها، التي مع رفضه المتكرر لطلبها بأن يتزوجها، اختفت تماما ولم يعد يعلم لها طريق.

توجه باسم أيضا لإبعاد المصورين وصاح صاوي بانفعال لإحضار الأمن، كان حسن يتوسط هذا الحشد من المصورين، وما إن لاحظ اتصال طاهر به، قرر فعل الخطوة التالية، وقبل أن يصطحب الأمن رزان هتفت وهي ترفع حاجيها لصاوي بابتسامة: أنا قولت اللي عندي، وهطلع لوحدي يا حبيبي.
كان تتوجه للخروج بالفعل ونجح حسن في اللحاق بها أثناء انشغال باسم و جابر وما إن خرجا وابتعدا قليلا حتى حثها حسن مشيرا على السيارة: اركبي بسرعة.

ركبت مسرعة ودلف هو جوارها بينما في الخلف كان باسم قد خرج للبحث عنها وضرب على رأسه بانفعال وهو لا يجد لها أثر.
في اللحظة ذاتها كان صاوي في الداخل يبحث عن باسم ليصرف الحضور وحين لم يجد أمامه سوى جابر تمتم بانزعاج: من فضلك شوفلي باسم فين.
لاحظ جابر وجه الرجل الذي يتصبب عرقا، فطالعه باستغراب خاصة وهو يقول: أنا مش عارف الجو حر كده ليه.

تبع قوله هذا خلعه لجاكيت حلته السوداء أمام نظرات جابر المستغربة وخاصة و صاوي يكمل ويفك أزرار قميصه، فسأله جابر: حضرتك بتعمل إيه؟
ارتفعت ضحكات صاوي التي لفتت انتباه الكثير من الحضور فانتبهوا لما يحدث بذهول، كيف تكون هذه ردة فعله بعد ما حدث منذ قليل، أشار صاوي على إحدى الطاولات متسائلا بضحك سعل من فرطه: مين اللي حاطط الجزم على الترابيزات كده.

كرر جابر خلفه: جزم و ترابيزات؟، جزم إيه اللي على الترابيزات؟
كانت قسمت تتابع من شرفتها كل ما يحدث في الأسفل، وحين ظهر عيسى في الأجواء أصبحت على يقين من أن كل هذا بتخطيط منه، لا تعلم ماذا حل بوالدها وكأنه فقد عقله حيث رأته وهو يقف في الأسفل ويسير بغير اتزان ضاحكا بشدة وهو يشير على الطاولات، وحين حضر باسم شاهده وهو يحاول خلع قميصه فهرول ناحيته سائلا بغير تصديق: يا باشا بتعمل إيه؟

استدار يوزع ابتسامات متوترة على الحاضرين وهو يحاول معالجة الأمر، في حين صاوي يستكمل محاولاته هاتفا وقد بان في نبرته عدم الاتزان: الجو حر أوي.
تحرك ناحية واحد من المشروبات المتراصة على إحدى الطاولات فقال أحد ضيوفه بابتسامة: ولا يهمك يا صاوي باشا، أكيد البت دي مزقوقة عليك.
مسك صاوي الكوب وعلى حين غرة سكب ما بداخله على وجه ضيفه سائلا بغضب لا سبب له: أنت مالك أنت.

ثم جذب الرجل من سترته سائلا بضحكات عالية وكأنه لم يغضب منذ لحظات: أنت لابس الجاكيت بتاعي ليه؟
تمتم باسم وهو يحاول عدم النظر إلى أي أحد من الحضور: لا هو خلاص اتفضحنا وش، وأنا مش هينفع أعمل حاجة تاني.
استدار مسرعا يحاول إبعاد عمه عن الضيف الذي صاح بغضب: إيه اللي بتعمله ده يا صاوي، أنت اتجننت، أنا مش هسكت على اللي حصل ده، واعتبر أي شغل بيننا اتلغى.

تحدث باسم إلى الرجل مهدئا: احنا اسفين جدا والله، هو بس صاوي باشا تعبان شوية، أنا بعتذر لحضرتك جدا.

أنهى الجملة وأبعد صاوي أخيرا وفي نفس اللحظة كان عيسى يتابع ما يحدث بتشفي، و طاهر جواره يتابع من يلتقطون الصور ولم ينصرفوا على الرغم من محاولات صرفهم وردعهم وتحدث بسخرية: عشر دقايق و مصر كلها هتبقى بتتكلم عليه، اللي يعرفه واللي ميعرفهوش كمان، وكفاية بس إنه بيتصور وهو عامل كده، هياخد اللقطة شهر ولا حاجة والفيديوهات اللي بتتصورله دي كمان ساعة هتلاقيها تريند.

استدار له عيسى قائلا بضحك: وبيتعمل عليها ميمز كمان.
نظرا من جديد ناحيته فكان هذه المرة يترنح وقد كاد أن يسقط على الأرضية وباسم يقوم بمساعدته هاتفا بضجر: اقعد بقى، اقعد الناس كلها بتتفرج.

كان الحضور قد بدأوا في الانصراف بعد كل ما يحدث، ورفع عيسى رأسه نحو الأعلى فالتقت عيناه بعينيها الدامعتين، لم يلحظ قسمت قط إلا في هذه اللحظة، وحينها سمع هاتفه وما إن أجاب حتى سمعها تقول بنبرة باكية: ممكن توقف المهزلة اللي بتحصل تحت دي؟، ولا لسه في فقرة تانية؟
تصنع الاستغراب وهو يسألها: فقرة إيه مش فاهم معلش؟
اطلعلي يا عيسى.

بعد قولها هذا أغلق هاتفه وهمس لطاهر: لو عايز تمشي، اطلع على المعرض استناني هناك، هخلص كام حاجة وجاي.
تمكن الخدر من صاوي كليا وسحبه باسم ناحية الداخل وحين مر عيسى ليدخل معهما صاح باسم بغضب: أنت داخل فين؟، هي وكالة.
تخطاه عيسى قائلا بهدوء: بنت الباشا اللي أنت ساحبه ده هي اللي طلبت مني أطلع، أنا لو عليا مقعدش دقيقة كمان هنا.

ومع بداية الدرج استدار منبها وقد وجد أن صاوي شبه بدأ في فقدان الوعي كليا: واه صحيح متحبلهوش دكتور، كفاية عليه فضايح كده، سيبه ينام والصبح هيفوق، ده لو مفاقش كمان كام ساعة.
صعد إلى الأعلى وأخيرا هو في غرفتها، أدارت مقعدها تسأله بعينين التمعا بالدموع والخوف: أنت اديت بابا إيه؟
رفع كتفيه متحدثا ببراءة وهو يشير على نفسه: أنا؟، أنا يا كيمي كنت واقف تحت زيي زي أي حد…
تلاقيه بس هو اللي مبلبع حاجة.

صاحت بغضب شديد: أنت كداب.
رد على صياحها بنفس النبرة الغاضبة: و أنتِ كمان كدابة، أنتِ و هو كدابين، بتضحكوا على نفسكم وتشيلوني ذنب اللي حصلك، مع إنه ذنبك وذنبه قبل ما تربطوني بيه.
مال حتى أصبح في نفس مستواها وهو يتابع: عملتلك اللي ميتعملش علشان حاجة مليش إيد فيها، شيلت نفسي الذنب، ورغم رفضك لمحاولات إني اتكلم معاكي، بقيت بدعمك من بعيد، ووقت ما تحتاجي حاجة أول واحد ببقى موجود كان المقابل إيه يا قسمت؟

سألها بعينين طغت عليهما الحمرة وهو يردف بحرقة: أقولك أنا؟، المقابل إنه صاوي باشا فتح حسابات قديمة هو كان براها، جدد خلافته بينه وبين أبويا اللي مردوم عليها من مية سنة علشان يزاولني، جه لحد بيتنا ورفع السلاح علينا وقولت معلش، بعت اللي خطفوا مراتي ورموها في حتة مقطوعة لوحدها علشان يوريني نبذة من اللي ناويلي عليه، ولولا لحقتها مكانش بعيد حد يطلع عليها يعملها حاجة، تعرفي تبقي في موقفها يا قسمت؟

كانت تبكي بصمت وهي تستمع إلى حديثه الذي أكمله وهو يلقي على مسامعها ما اقترفه والدها: ولا بلاش موقفها، تعرفي تبقي في موقف إني أجبلك دلوقتي شلة بلطجية من بتوع أبوكي يضربوكي ويكهربوكي؟..
جحظت عيناها فهز رأسه بالإيجاب: اه عمل كده، بعتلي رجالته واتكاتروا عليا وضربوني وكهربوني كمان ومسكتلهوش على فكرة، ضربتله شغله ساعتها ضربة بيعاني منها لحد النهارده.

ابتسم وقد بان الألم في عينيه: عرفتي الفرق بيني وبينه؟، هو لما حاول يأذيني أذاني في مراتي، مراتي اللي بعد ما رجالة أبوكي عملوا فيا كده كنت مرمي بين ايديها، تستحمليها يا قسمت؟
هزت رأسها نافية وهي تبكي بشدة فأضاف عيسى بحزن: أذاني وأذى أبويا في أختي، اللي زيها زي ملك ملهاش ذنب في أي حاجة، كل ذنبها إنها كانت بتعطف على ال اللي أبوكي بعتها.

لانت نظراته وهو يرى انهيارها و لكن كانت إرادته لإتمام هذا الحديث أقوى من أي شيء فأخبرها ولم يخش شيء: زعلانة ليه؟، أنا ردتله الضربة بس، هو مش العدل بيقول إن نفس البت اللي كانت بتحط لاختي القرف اللي بعتها بيه، تدخل النهاردة الحفلة على إنها واحدة من الطقم اللي بيضايف الناس وتحطله في العصير من نفس اللي كان بيحطه لاختي؟

نفذت هالة ما أمرها به تماما وعند الاقتراب من طاولة صاوي ناولت لزميلتها قائلة: ممكن تقدمي أنتِ لصاوي باشا علشان عايزة أروح الحمام ضروري؟
لم تعترض الفتاة وتم تقديم المشروب له الذي شرب منه أمام نظرات حسن الذي ما إن تأكد من شربه حتى هاتف شقيقه لتدخل رزان وتبدأ في تنفيذ دورها.

عاد لها من جديد وهو يقول: أنا معملتش فيه زي ما عمل فيها، أنا حطتله مره واحدة بس علشان أطلعه على المسرح وأفرج الناس عليه، أنا صفيت حساباتي معاه هو مستخدمتش طريقته وأذيته فيكي…

حين طالعته بعينيها الدامعتين أخبرها بكلمات تدرك جيدا أنها صادقة: علشان أنتِ تهميني، علشان أنا عملت حساب للعشرة اللي بيني وبينك، علشان أنا من أول ما قعدتي على الكرسي ده وأنا بسعى إنك تبقي كويسة و تبصي لحياتك ومستقبلك و تعرفي إن النهاية مش قعدتك على الكرسي خصوصا لواحدة في وضعك المادي، أنتِ مش هتشوفيني تاني يا قسمت، أنا مش ههتم بأي حاجة عنك تاني، علشان أنتِ نفسك مش مهتمة تبقي أحسن.

خفق قلبها بخوف لجمله الأخيرة وتعلقت نظراتها به وهي تسأله بغير تصديق: حتى لو احتاجت أشوفك؟، حتى لو احتاجتك؟
أشار على هاتفها ناطقا بابتسامة: رقمي على تليفونك، و مكان بيتي في اسكندرية أظن إنك عارفاه، لكن أنا مش ههتم بإني أكون وراكي من نفسي طول الوقت زي ما كنت بعمل، مش هبقى مهتم حتى إني أدور ماشية في حياتك ازاي، كان فيه وخلص، وزي ما قولتلك لو احتاجتيني عندك اللي توصليلي بيه.

توجه ناحية باب عرفتها ليخرج وقبل الخروج استدار ينبهها: و اه صحيح ابقي قولي للباشا، عيسى بيقولك كده نبقى خالصين، و مبروك عليك ال Trend للمرة التانية.
كان حديثه هذه المرة غير كل المرات السابقة، حرك داخلها أشياء ساكنة دفعتها للانهيار، دفعتها للاعتراف بحقيقة تنكرها بكل قوتها ولكنها في النهاية حقيقة…
و هي أنها مخطئة.

كان في طريقه للمغادرة وأمام البوابة الخارجية استوقفه باسم الذي سأله و قد نفذ صبره: رزان فين؟
ضحك عيسى وهو يقول له: مش قولتلك مش بسيب حبايبي؟، بقولك إيه يا باسم
سيبك من رزان، خليها تشوف أكل عيشها بدل ما أنت عاملها زي عفريت العلبة كده، و اعتبر اليوم اللي سرقتك فيه ده تخليص حق، ما هو أصل أنت لو مهنيها مكانتش قلبتك يعني.

طالعه باسم بغضب، كان سيلكمه ولكن أوقف عيسى يده وهو يقول بملل: لا، مش النهارده، علشان مزاجي رايق ومش عايز لا اضرب ولا اتضرب، خليها مره تانية أكون متضايق فيها وأجيلك نرسم على وش بعض براحتنا.
زفتة فين يا عيسى؟
تأفف عيسى ورد بضجر: ما خلصنا بقى، هتعملها إيه يعني لما تلاقيها، هتضربها؟، ولا هتحبسها ولا هتعمل إيه؟
تحدث باسم بانفعال: اه هطلعه عليها، علشان رخيصة وباعتني بالرخيص.

سأله عيسى بغير تصديق: لا والله؟، هي باعتك وأنت يعني اللي اشترتها ولا إيه؟
أدار باسم مسار الحوار بأكمله حيث سأله وهو على يقين من أنه الفاعل: أنت السبب في اللي حصل النهارده، صح؟
أشار عيسى على نفسه سائلا بتصنع الاستنكار: أنا؟، الله يسامحك.
لا أنت، علشان أختك.
إجابة ضربت عيسى في مقتل، في لحظة تحول تماما وتبدل مزاجه كليا وهو يسأله: أنت كنت عارف اللي بيعمله في أختي؟

هز باسم رأسه وقبل أن يقول أي شيء دفعه عيسى فتقهقر للخلف وهو يسمع عيسى يقول: كنت فاكر إن عندك حتة نضيفة بس طلعت وسخ.
هاجمه باسم بقوله: مش أوسخ منك يا عيسى، عارف في نفس اليوم اللي قررت أقولك فيه، روحت المعرض وسمعت صاحبك بيكلمك عن رزان اللي أنت وهو مخبينها علشان مطولهاش، فعرفت إنك متستاهلش، اليوم اللي جتلك فيه وأنت هناك في المكان بتاع الاسكيت.

شرد عيسى لثوان في لقاء له بصديقه قبل أكثر من أسبوع، بعد أن أتى بشير له خصيصا إلى الاسكندرية، استطاع سماع تبريرات بشير في أذنه: يا عيسى أنا مالي؟
باسم عرف المكان وجالي على هناك منين يا بشير؟
من جديد شرح له صديقه: أنا مقابلتهوش أصلا، أنا لقيت واحد من الموظفين طالع يقولي إن باسم كان طالع، لكن وقف قدام الباب و دقايق وراح ماشي، أكيد سمعني وأنا بكلمك.

فاق عيسى من شروده وألقى على باسم نظرات محتقرة وهو يقول: أنا لما خبيت رزان منك ده كان علشان أنا السبب في المشكلة، وعلشان أحميها من أي جنان هتعمله، لكن أنت كان في إيدك تلحق واحدة ملهاش ذنب في أي حاجة ومعملتش ده، كان في إيدك إنك تبقى راجل يا باسم.

قال جملته الأخيرة وهو يطالعه باستحقار وغادر المكان بأكمله تاركا خلفه من لم يعترف له بأنه كان على وشك إخباره للمرة الثانية ولكن كان كل شيء أسرع منه، حيث اكتشف اليوم أنه قد عرف بالفعل، وأنه كان متأخرا جدا.

يوم جديد من الأيام التي تعدها رفيدة كل يوم حتى تعرف لكم يوم استمرت محاربتها، اعتادت على الدوار والغثيان وغيرهم من الأعراض التي رافقتها في الأيام الماضية وبدأت تقل تدريجيا بمرور الوقت، حتى هذا اليوم، دلفت سهام بابتسامة مشرقة وهي تقول: صباح الخير يا حبيبتي.
ردت عليها ابنتها ثم أخبرتها: أنا دماغي وجعاني أوي.

كانت قد أحضرت لها الإفطار والدواء ووضعتهم أمامها قائلة: خدي دواكي وكلي، وهتبقي زي الفل يا حبيبتي…
خلاص يا رفيدة مفاضلش كتير، والدكتور امبارح قال لبابا كلام كويس أوي وإنك أسبوع بالكتير كمان وخلاص.

ابتسمت رفيدة بحنان على دعم والدتها الدائم، وتناولت ما اعتادت كل يوم على تناوله مرغمة على الرغم من فقدان شهيتها، حيث دست الملعقة داخل طبق العسل وتناولت الملعقة الأولى، كانت مرغمة، وبعد أن تناولتها أشرق وجهها حين سمعت دقات على البوابة تبعها دخول عز الذي سمحت له والدتها بالدخول، كان بيده طبق بداخله خضروات طازجة، قام بوضعه على الطاولة وهو يوصي سهام: أكليها منه، ده كويس ليها، ونص ساعة كده وأمي هتجيلك يا ست سهام.

شكرته سهام بلطف: شكرا يا عز.
أعطاها ضحكة وقبل أن يرحل نادته رفيدة بنبرة ظهر فيها تعبها: عز.
مجرد نطقها لاسمه يصيب قلبه باضطراب تعجز جميع الأقلام مهما بلغت بلاغتها عن وصفه.
استدار لها بابتسامة فقالت: أنا مش ناسية المكرونة بالبشاميل على فكرة.
ضحك على قولها ووعدها: متقلقيش، قبل ما تمشي من هنا هكون عاملهالك…
علشان تعرفي بس إني كنت على حق.
بادلته الضحك فأخبرهم هو بأنه سينصرف: طب أنا همشي بقى.

وأكمل الجملة فؤاده ليسمعها هو فقط: علشان أنا لو فضلت هنا هيبقى خطر عليا.
ما إن رحل حتى سألتها والدتها باستغراب: مكرونة إيه؟
قبل أن تجاوبها اقتحم طاهر جلستهما قائلا بمرح: معقول كده؟، يعني الواحد يصحى النهاردة ويجي يشوف أكتر اتنين حلوين في حياته؟
اقترب من والدته وقبل يدها ثم توجه ناحية شقيقته التي غاب عنها سائلا: بقى في حد تعبان ويبقى قمر كده؟

ردت على سؤاله بحزن: أنا زعلانة منك، حسن بشوفه كل يوم، لكن أنت وعيسى بتختفوا بالأيام، هو الأصيل اللي فيكوا.
أشار لوالدته سائلا: عاجبك؟، الأخلاق بقت في النازل.
ضحكت سهام فطلب منها بتصنع الجدية: قومي بقى لو سمحتي اعمليلي كوباية شاي عقبال ما أشوف حل للموضوع ده.
بالفعل تحركت والدته التي علقت على قوله بمزاح: وأنت تحب حل المواضيع دي زي عينك.

عقب مغادرتها كان رفيدة تطالع شقيقها وهي تضع كفها على وجنتها فسألها بغيظ: أنتِ هتصالحيني ولا لا؟
لا.
كان هذا ردها الذي نطقت به بإصرار ولكن لا تعلم كيف تبدل الوضع تماما ليصبح بعد دقائق يحتل موقع على الفراش جوارها ويبث لها شكواه مختتما بحزن: أعمل إيه بقى؟
انكمش حاجبيها بحزن أيضا واقترحت عليه: طب ما تخلي بابا يكلمها.
هز رأسه نافيا وهو يخبرها بما لديه: مش عايز أدخل بابا، أنا اللي المفروض أصلح.

مش هو اللي يلم ورايا.
أتته رسالة عقب قوله هذا فأخرج هاتفه ليرى من، فتح تطبيق المحادثات فوجدها منها حيث أرسلت: تلات أيام معرفش عنك حاجة؟..
اسمها إيه يا كابتن سفيه؟، اسمها إيه اللي مطنشني علشانها.
ضحك وحين أتت شقيقته لترى قال لها: بصي الجنان.
اقترحت رفيدة بحماس: تعالى نعمل فيها مقلب.
انتشلت منه الهاتف وأرسلت لها: طاهر مش موجود، أنتِ تعرفيه؟

لم يرض طاهر عن فعلة شقيقته وقال بغيظ: الله يسامحك يا رفيدة هتعمليلنا مشاكل هقعد أحلها أسبوع.
ضحكت رفيدة وخاصة مع رد شهد: أنت بتهزر؟
تفتكر هتعرف صوتي لو بعتت ريكورد؟
مط شفتيه بسخرية وهو يرد على سؤالها بقوله: لا هو الشيطان في اللحظات دي مش هيخليها تعرف غير حاجة واحدة بس.
أكمل بابتسامة صفراء: مكان سكينة المطبخ.

تجاهلته رفيدة بعد أن ضحكت وأصرت على إكمال ما بدأته فحاولت قول جملة مختصرة مع تغيير نبرتها قليلا حيث سجلت: هو الكابتن يعرفك منين؟
كان طاهر بعد إرسال شقيقته للتسجيل متحفزا أكثر من شقيقته لرد شهد والتي لم تخيب ظنونهم حيث أتتهم رسالتها: و أنتِ مين بقى يا حبيبة قلب الكابتن ياللي سايبلك تليفونه؟
ضحكت رفيدة عاليا وهي ترسل لها: هو جنبي على فكرة، تحبي أديله التليفون؟

ردت شهد وقد أخذت تغلي من الغضب والغيظ: لا يا عيوني، خليلك التليفون، والكابتن كمان فوقه…
كانت تكتب شيء آخر فجذب طاهر الهاتف مسرعا وهو يقول: منك لله يا رفيدة، ولا هتصدق في سنتها إنه بنهزر.
هاتفها طاهر مسرعا فأغلقت، ومع التكرار ردت وهي تلقي عليه كامل غضبها: عايز إيه يا كابتن سفيه، أنا اللي غلطانة علشان اديتك فرصة تانية، أنا كان لازم أدور على الأستيكة وامسحك.

رد على جملتها بغيظ: أستيكة إيه وقلم رصاص إيه، وبعدين هو أنا لسه عرفت أتكلم مع أمك حتى علشان أخونك!
ردت عليه بنبرة سمعتها رفيدة: مين البت الملزقة دي؟
ضحكت رفيدة عاليا وقالت بغنج: متتأخرش يا تيتو عليا.
استدار طاهر يرمقها بتوعد فزاد هذا من ضحكاتها في نفس اللحظة التي سمع فيها شهد من الناحية الآخرى تقول: تيتو؟، بقيت تيتو كمان!

ثم قلدت بميوعة: و متتأخرش عليا يا تيتو؟، طب اقفل بقى، اقفل ومش عايزة أشوف وشك تاني يا طاهر.
يا شهد استني رفيدة بتهزر.
قبل أن يتم حديثه أغلقت المكالمة فقال لشقيقته وهو يخرج من الغرفة لمهاتفتها من جديد: الله يسامحك يا رفيدة على الوقعة الزفت دي.
وخرج هو ليعيد المحاولة بينما غرقت هي في ضحكاتها على كليهما في غرفتها.

و أخيرا التقت بابنة عمها، لا تصدق أنها معها الآن، احتضنت ندى بيريهان بشدة والتي عاتبتها بقولها: كده برضو يا ندى؟، طب عرفيني حتى؟
بابا هو اللي قالك إني هنا، صح؟
كان هذا سؤال ندى الذي جاوبت عليه بيريهان قائلة: أيوه هو، وطلب مني أجيلك، إيه اللي حصل يا ندى؟
تنهدت بتعب وهي تقول: اللي حصل كتير أوي.
بدأت في سرد ما حدث منذ قيامها بسرقة ما يخص والدها من عند منصور حتى مكوثها هنا واللقاء مع والدها أمس.

وكان أول سؤال ل بيريهان بعد كل ما سمعته: طب هو عمو عمل إيه؟، بعد ما قولتيله إنك عارفة؟
ابتسمت ندى بحزن وهي تخبرها: أول ما وريته الشيكات، وقولتله بتلومني ليه أنا عملت كده علشان دول، سابني ومشي.
استكملت بأسى: بابا اتكسف يا بيري، حسيت إنه اتكسر ومش قادر يبص في عيني.

ربتت ابنة عمها على كتفها مطمئنة بابتسامة: إن شاء الله كل حاجة هتتحل، متشيليش نفسك الهم، احنا حلينا نقطة الفلوس أنا هتكلم مع بابا هقوله يخلي جابر يطلقك.
وجابر هيطلق كده بالساهل؟، وأنا سارقاه؟

هزت بيريهان رأسها وهي تقول: أبوه علشان مصلحته هيخليه يطلق، عمو منصور مش عايز يخسر بابا يا ندى، علشان كده عمل محضر انك اختفيتي، مش إنك سرقتي حاجة، هو يطلق وعمو يسدد الفلوس على مهله، أنا هستلف من بابا مبلغ ومش هقول إنه ليكي، وهاخد الفلوس اللي في حسابي في البنك، و أنتِ بيعي الشبكة بتاعتك ونديهم لعمو يسدد جزء، أهم حاجة إن الشيكات اللي كانوا بيستخدموها علشان يفضلوا رابطينك بيهم بقت معانا.

بالفعل اطمئنت ندى وخاصة حين ربتت ابنة عمها على كتفها قائلة: اطمني، أنا هحل الموضوع ده، بس لازم أمشي دلوقتي، وخلي بالك من نفسك.
احتضنتها قبل أن ترحل وودعتها ندى بحزن وقد رغبت في أن تبقى معها أكثر، و ما إن رحلت حتى حضر باسم، أتى وبيده الأكياس البلاستيكية وقد احتوت على الطعام وسأل بابتسامة: هو هينفع ناكل مع بعض صح؟، أنا بقول أكل معاكي النهاردة أحسن أنا خايف عليكِ تتجنني و أنتِ قاعدة لوحدك.

ابتسمت بغيظ على جملته الأخيرة فبدأ في إخراج الطعام ورصه على الطاولة وهو يقول: هو أنا عارف إن السكوت علامة أي حاجة إلا الرضا، بس أنا هعتبره الرضا.
هزت رأسها موافقة وهي تقول بزهو: ماشي هسمحلك تعتبره المرة دي الرضا.
لا ده كده أنا اللي مرضي عني.
ضحكت ندى، وبالفعل جلست على الطاولة لتتشارك معه الطعام، سألته قبل أن تتناول من طبقها: قولي صحيح، شغلك وصل فين دلوقتي؟

أخذا يتبادلا أطراف الحديث في كل الموضوعات، كانت تعطيه الأمان ولا تتوقع منه أي خداع وعلى حين غرة أثناء حديثهما داهمها الدوار، فتصنع القلق وهو يسألها: ندى أنتِ كويسه؟
جاوبته وهي تضع يدها على رأسها بتعب وقد تشوشت رؤيتها: مش عارفه حاسة إني دايخة، ومش شايفة قصادي.
عرض عليها مسرعا: تحبي أساعدك طيب تدخلي أوضتك؟
رفضت وقالت وهي تحاول الوقوف مستندة على المقعد: لا، أنا هدخل، ابقى اقفل الباب.

شعرت بأن الحديث ثقيل عليها، لا تستطيع التفوه به ولكن تابعت: اقفله بالمفتاح وأنت خار…
لم تكد تكمل جملتها حتى سقطت تماما فالتقطتها يداه، وحينها فقط علا وجهه ابتسامة ماكرة وقد نوى استكمال ما خطط فعله ومن أجله قام بتنويمها إجباريا.
أنا نيمت يزيد يا عمو وجيت لحضرتك.

هذا ما قالته ملك التي دخلت غرفة مكتب نصران والذي قام مسرعا بإغلاق هاتفه وقد كان يشاهد مقطع انتشر كالنار في الهشيم خاصة خلال الساعات الأخيرة ل صاوي، كان يتابع بغير تصديق وينتظر على أحر من الجمر ابنائه ليسمع من ثلاثتهم ما حدث، ولكنه لم يلتق بهم حتى اللحظة.
انتبه لملك وحثها على الجلوس قائلا: اقعدي يا ملك.
جلست وبدأ هو الحديث بسؤاله: عيسى كان مزعلك صح؟

أخبرته بصدق وقد نال منها الأمر أيضا فأنهكها: عمو والله العظيم عيسى أحسن واحد في الدنيا…
رفع نصران حاجبه الأيسر فقالت بابتسامة: بعدك يعني
ضحك والد زوجها قبل أن يحثها: كملي يا بكاشة.
أكملت ما أرادت قوله حين أردفت: بس لازم نتصرف، ونقنعه، عيسى بقى بيفقد أعصابه كتير ودلوقتي بيفقد السيطرة وتحكمه في غضبه في مواقف متستاهلش أصلا ده، أكتر من المواقف اللي تستاهل…

بدأت في الشرح لتستطيع إيصال الصورة كاملة له: يعني الأول كان قبلها بيبقى حصل حاجة تعصبه أوي وقليل لما يهب كده من نفسه، لكن دلوقتي بقى حاجة عادية إنه ميبقاش فيه حاجة تستدعي إنه يتعصب، وتلاقيه اتعصب وعمل مشكلة وبدأ تكسير.
تحدث نصران بتعب: آخر مرة كانت قدام يزيد صح؟
هزت رأسها فاستكمل نصران بحزن: يزيد اشتكالي منه وقالي إنه مش هيكلمه تاني، وقالي إنك قولتيله ميقولش لطاهر.

أنا مكنتش حابة الموضوع يكبر يا عمو، أنا نفسي ألاقي حل والله العظيم، بس نلاقيه ازاي؟، ازاي وأنا خايفة أصلا أقوله عيسى أنت عندك كذا كذا ولازم تروح تتعالج.

شعرت فجأة بالغثيان، وبدا الألم على وجهها من شدة تقلصات معدتها، والوخز في ظهرها، عرفت سريعا ماهية هذه الأعراض، إنها عادتها الشهرية بألمها الغير محتمل، وأتى بالفعل من أنقذها حين دق الباب وأخبرت تيسير رب المنزل بقدوم أحدهم فصعدت ملك سريعا إلى غرفتها ولكن قبل صعودها طلبت من تيسير بتعب: تيسير معلش ممكن تشوفيلي أي مسكن للمغص عندك؟

لم تستطع الوقوف على قدميها حيث قالت: أنا مش قادرة أقف، معلش يا تيسير دوري وطلعيهولي بسرعة.
صعدت مسرعة إلى غرفتها، و بعد دلوفها إلى المرحاض والخروج منه انكمشت على نفسها في منتصف الفراش، الألم غير محتمل، وتأخرت عليها تيسير لدرجة جعلتها شبه أوشكت على البكاء وهي تحتضن معدتها بذراعيها حتى وجدت الباب يُفتح فسألت بلهفة: جبتي يا تيسير؟

لم تكن هي، كان عيسى، طالعته بغير تصديق وقالت ما شعرت بحماقتها بعد قوله: أنت جيت ليه؟، قصدي اشمعنا دلوقتي يعني رجعت من القاهرة؟
لم تعرف بما تتدارك أقوالها فنظرت للأسفل بتعب، بينما تجاهل هو الرد على هذه الاسئلة وهو يضع داخل كفها ما طلبته: تيسير بعتالك المسكن ده.
اه أنا فعلا مصدعه شوية فطلبت منها مسكن.
بررت هذا مسرعة، لشعورها بالحرج الشديد، فابتسم وهو يعلق: غريبة.

انكمش حاجبيها وسألت بعدائية غير مبررة: إيه هي اللي غريبة دي؟
توجه ليجلس على الفراش أمامها قائلا بعد أن وضع كفه أسفل ذقنه: أصل تيسير قالتلي إنه للمغص مش للصداع.
لأول مرة تشهد شيء هكذا وهي هنا، بعيدا عن منزلها الذي يشهد شكواها بلا أي حرج وسط والدتها وشقيقتيها ولكن هنا كان الحرج رفيق لها.

حمدت الله حين سمعت دقات الباب، فقام عيسى من مكانه وتركها بعد قوله ونظراته التي أربكتها ولكنه سريعا ما عاد وبيده مشروب ساخن قدمه لها قائلا: خليت تيسير تعملك ده، ده حلو أوي للصداع.

قال جملته الأخيرة وهو يضحك لها، فشعرت وكأن دلو ماء بارد سُكِب فوقها، بينما قام هو وجذب ملابس آخرى وتوجه إلى المرحاض لتبديل ملابسه، وحين خرج كانت قد انتهت من شرب ما قدمه وتمددت على الفراش متدثرة جيدا وكأنها تحاول بكل جهدها الاختفاء عن أنظاره، كانت تدعي الله في سرها أن ينزل لوالده ولكنها وجدته يتمدد جوارها على الفراش ويحيطها بذراعه من الخلف وهو يلقي على مسامعها بنبرة خطفتها: مش حاجة عيب علشان تتكسفي إني عرفتها، أو تنزلي تستخبي تحت البطانية كده.

تجمدت مكانها وكست الحمرة وجنتيها وهو يكمل من خلفها: لما كنت عايش مع ميرت وأنا صغير وكانت بتتعب كل شهر، كنت بعمل حاجات كتير بدالها، حاجات لما بتطلبها مني في الأيام العادية كنت ببقى بتخانق وأنا بعملها، ولما كانت بتتعب كانت بتقولي عادي علشان اساعدها، ضحك وهو يكمل: ميرت كانت بتجيب من الآخر، هي أول ما تتعب كانت بتلبسني الليلة كلها.
قبل أن يتابع نادى بنبرة حانية: ملك.
يالهوي على ملك وسنين ملك.

هذا ما همست به بعد أن سمعت ندائه الرقيق والذي لم تستطع الصمود أمامه أكثر، وما إن طلب منها أن تطالعه: بصيلي طيب.
حتى استدارت له مسرعة فاستراحت رأسها على ذراعه وتاهت في عينيه الصافيتين وهو يتابع: ارتاحتي شوية؟
هزت رأسها بالإيجاب فابتسم وهو يضرب بإصبعه بخفة على أنفها: كدابة، أنتِ لحقتي أصلا، هو المسكن لحق يعمل حاجة.

هو على حق، وهي تكذب فمسح على وجنتها قائلا: شوية وهترتاحي، هقوم أخلي تيسير تعملك حاجة تاني تشربيها.
رفضت هذا وهي تخبره: لا خلاص، أنا شوية وهبقى كويسة.
ابتسمت وهي تقول: شكرا.
سألها ضاحكا: على إيه؟، مفيش حاجة تشكريني عليها، الطبيعي لما الإنسان يبقى تعبان يقول إنه تعبان، وإن اللي حواليه يساعدوه.

هو من فتح المجال أولا، اتسعت عيناها بتفكير ثم سندت رأسها على صدره سائلة بحذر وكأنها لا تعرف الإجابة: بجد ده الطبيعي؟
ضحك بغير تصديق وهو يسألها: أنتِ بتهزري؟، دي بديهيات.
ضمت كفه وكأن القوة كامنة فيه فتستمدها منه قبل أن تطالعه وقد قررت بعد عناء سلك سبيل المواجهة: طب ما أنت تعبان، مش المفروض أنا أقف جنبك؟
انكمش حاجبيه باستغراب وهز رأسه نافيا وهو يرد على سؤالها: لا يا بنتي أنا زي الفل.

ردت على هذا وقد ابتلعت ريقها بتوتر: لا يا عيسى…
أبعدت نظراتها عنه وهي تقول بتردد: أنت عندك IED.
أرادت وبشدة معرفة التعبير الظاهر على وجهه فرفعت عينيها ببطئ حتى التحمت نظراتهما وحين شعرت بأن تعبيره مبهم أكملت: عندك اضطراب انفجاري متقطع، وأكملت شارحة: نوبات مفاجأة من الغضب غير المبرر.

انتظرت رده على أحر من الجمر، توقعت أي رد عدا الرد الذي قاله حيث صدمها حين تحدث بابتسامة ساخرة: براو حافظة الاسم بالعربي، و حافظة الاختصار بالانجليزي كمان…
اقترب بوجهه منها متعمدا إرباكها وهو يسألها: حافظة الاسم على بعضه بالانجليزي كمان؟

هل هذا هو الرد!، ما قاله كان كافي ليصيبها هي بنوبة غضب ولكنه مبرر تتخلص منه فيها نتيجة لردوده هذه، ونتج عن إثارته لغيظها قولها بإصرار: Intermittent Explosive Disorder
IDE
اضطراب انفجاري متقطع
واستكملت بعد أن نطقت كل ما أراده أمام عينيه التي لا تحيد عنها وكأنها تحفظ كل تفصيلة في وجهها: حافظة كويس أوي يا عيسى.
بعد قولها هذا مال على أذنها هامسا: بس معرفتيش عيسى كويس أوي يا ملك.

وعقب أقوالهما كان التحدي هو السائد في نظراتهما، تحدي في عينيها يخبره أنها قادرة، يعلن أن صاحبته قررت أن تكون المحاولة هذه المرة مستميتة، وتحدي في عينيه جعلها تشعر بمدى الرفض الذي ستقابله، جعلها لوهلة تحس وكأنه آخر غير ذلك الحاني الذي حاول جاهدا قبل لحظات مداواة وجعها، بريق في عينيه يُعرف عن صاحبه من جديد، ليثبت وفي كل مرة أنه ملك المفاجأة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *