رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السادس
توجّه صالح ناحية سُفيان والذي ابتسم له مطمئنًا حينما لاحظ نظراته القلقة، سفيان إنت كويس؟
سأل صالح سفيان وهو يحتضنه بأخوة فربت سفيان على كتفه بمُزاح، إيه يلا الدخلة دي، منا زي الوحش قدامك أهو، أجابه سفيان بنبرة ساخرة ليدحرج صالح عينيه قائلًا، وحش، طب يلا قدامي يا جحش. أقصد يا وحش، نظر له سفيان شرزًا ليلاعب صالح حاجبيه بغيظ، خرج الإثنان مُتجاوران من قسم الشرطة ليجدوا أدهم يتحدث مع احد الأشخاص بطريقة ودودة قليلًا، أدهم…
صاح سفيان باسمه لينظر له أدهم بإبتسامة ثم صافح الرجل وتوجه ناحيتهم، سفيان، عملك حاجة؟، قولي وأنا هفرتكوا قدامك دلوقتي، قال أدهم وهو يتفحص جسد سفيان بعينيه، يبحث عن خدش واحد فقط ليذهب ويشعل النيران في أرجاء القسم كله، أيه يا جدعان وأنا عيّل صغير يعني!، ده إللي بيبصلي بصه وحشة بخزقلوا عينه، قال سفيان متذمرًا بنبرة غاضبة، فنظر له أدهم بسخرية، يا عم إتنيل، ده البت علّمت عليك ومقدرتش تتكلم، رزعتك قلم مُحترم، قال أدهم مثيرًا غضب سفيان والذي زاد غضبه حينما قهقه صالح بتفاجؤ فهو لم يكن حاضرّا أثناء ضربه، أوبا مين البت دي يا معلم؟
قال صالح بأعين متسعة فنظر أدهم لأخاه مرّة أخرى وحينما لمَح في عينيه جحيمًا سيُفتح عليه ولن يتوقف أغلق فمه بخوف زائف ورفع يديه بإستسلام، آه يا جبان، خايف منه، أومال ظابط على إيه، باللّه إنت ما محصل ظابط إيقاع أصلًا.
قال صالح بنبرته الساخرة المُعتادة ليقهقه سفيان بخفة عليهم خاصًة حينما ضرب أدهم قدم صالح بقوة جعلته ينحني بألم، مُزاح هذا الأدهم غشيم مثل شخصه، المُهم، يلا نروح علشان البيت مولّع نار، هايدي أغم عليها، وأمك قاعدة بتصوت، زوبة كانت هتيجي معايا بس الحج منعها، إيه تاني يا ربي، آه خالتك جات تعيط مع ماما تقريبًا بيسلوا بعض، والبت شيما إشترت ليك حلاوة وبعتتها معايا، تقريبًا كده واللّه أعلم شمتانة فيك.
قال أدهم حديثه بجدية شديدة ثم سرعان ما فقد تلك الجدية وهو يتذكر الملامح الخبيثه التي إرتسمت على وجه الشيماء وهي تعطيه العُلبة، أدهم، إدي دي ل سُفيان وقوله قلبي معاك يا أبيه، ردد أدهم تلك الجملة التي أوصته هي أن يقولها لسفيان، البت دي هموتها في إيدي في يوم، عيلة تلمة ومببلعهاش بجد، قال سفيان بقرف وهو يتخيل ملامحها الخبيثة فإزداد غضبه منها، عيلة تلمة؟!، سُفيان لم نفسك، إنت إزاي تتكلم عن مراتي مستقبلًا يعني بإذن اللّه كده، قال صالح بجدية لينظر له سفيان بقلة حيلة بينما أدهم لا زال يقهقه عليهم، أقسم باللّه أنا خايف من علاقتكوا دي، البشرية هتكون في خطر، ويالهوي عالإنتاج هيبقا خيار مخلل خالص، قال سفيان مُمازحًا صديقه الذي ابتسم على حديثه داعيًا بداخله أن تكون تلك الشيماء من نصيبه.
وصلت السيارة التي تحمل الثلاثي بداخلها إلى الحي، وحين دخلت السيارة إلى السوق وجدوا تجمّع طفيف وصوت سُباب عالي بطريقة مشمئزة، يا ربي بجد، حارة غم، إيه القرف ده، قال سفيان بكُره وهو يضغط على فخذه بقبضته القوية، تعالى صوت الصراخ فجاة وللصدمة فقد كان صوت صراخ رجل، فتذكّر سفيان صراخ فرغلي حينما ضربته تلك الفتاة، الفتاة الغريبة التي لا يعلم أي أحد عنها شئ، سفيان، الحوار شكله والع، تعالى نشوف في إيه ونحل المُشكلة ونروح، قال صالح بقلق وهو ينظر ناحية سفيان الذي ضغط على فكه بقوة شديدة وقد تعصبّ للغاية، هو حقًا لا يُحب أن يتدخل ولكن هو لا يستطيع أن يسيطر على نفسه، يا اللّه، والمُشكلة بيرجعوا يقولوا بلطجي، قال سفيان بتنهيدة غاضبة، نظر أدهم لسفيان قائلًا.
سفيان متتهورش لو سمحت، مش كل مرّة هتسلم الجرة، متنساش إني ظابط والمفروض تتعاقب على شغل البلطجية ده، بس أنا سايبك وبعدي.
تنهد سفيان بضجر من حديث أخيه، وعلى الرغم من صحة حديثه خرج سفيان من السيارة وهو يشمّر عن اكمامه لتظهر عضلات ساعده الأسمر القوي، هوينا يا حاظابط، روح طمنهم في البيت وقولهم إبنكوا لا مؤاخذه عنده طلعه، قهقه صالح بقوة وهو يضرب فخذه عدّة مرات بينما زفر أدهم انفاسه بقوة ونظر لأخاه بتحذير ليبتسم سفيان ببرود وهو يحك شفته السفلية بإبهامه، إيه يا أستاذ هتروح معاه ولا هتيجي معايا.
قال سفيان بتساؤل لينظر له صالح بسماجة قائلًا، إيه أستاذ دي، أنا مُهندس، نظر له سفيان بسخرية وهو يضرب كف بالآخر، مُهندس، فعلًا اللّه يكفيك شر المصدي لما تلمّعه الأيام.
قال سفيان بقرف لتتسع أعين صالح بتفاجؤ، أنا مصدي؟!
أجابه ادهم مُمازحًا، والأيام لمعتك، نظر صالح للإثنين بغضب شديد ثم رفع يديه بحركة شعبية بيردح.
إيه إيه، إنتوا كلكوا عليّا ولا إيه، قال صالح ليبتسم سفيان وأدهم على تصرفاته التي تتسم بالطفولية في كثير من الأحيان.
هبط صالح من السيارة بعد عدّة ثواني وحذّر أدهم أخاه للمرة المائة بعد المليون، إستعنا على الشقى باللّه.
قال سفيان وهو يدعك يداه ببعض بحماس، أول مرّة أشوف بلطجي عارف ربنا، قال صالح بسخرية ليجيبه سفيان بنفس النبرة، أنا أساسًا مش بلطجي، بس الظروف أقوى مني، قهقه صالح بخفه وتركه سفيان واقفًا ثم إتجه ناحية الشجار والذي لا زال قائمًا بل وإزداد الصراخ، إيه ده، إنتِ؟!
قبل مُدة صغيرة، كانت عائشة تسير ببطئ شديد وهي تتفحص السوق بأعين لامعة، في حياتها بأكملها لم تنزل لتلك الأماكن، صحيح بأنهم لم يكملوا تعليمهم ولكنهم عاشوا طوال حياتهم في أماكن راقية للغاية، لفت نظرها ورقة صغيرة مُعلقة على الحائط البعيد نسبيًا عنها. كانت تبدو كإعلان عن وظيفة أو شئ مثل هذا، دققت عائشة النظر للورقة فوجدتهم يطلبون آنسة أو رجل للعمل كمساعد للطبيب الخاص بالحي، لمعت أعينها بسعادة شديدة، إذا حصلت على هذه الوظيفة سيُزاح عبئ كبير من على كتفيها، أخرجت عائشة الهاتف الصغير خاصتها لِتسجل الأرقام المكتوبة على الورقة وحينما إنتهت وأرادت إدخال الهاتف إلى حقيبتها مرّة ثانية وجدت شخص ما يسحبه من يديها وهو يركض بسرعة كبيرة، تصنمت عائشة عدّة ثواني وهي تستوعب ما حدث، لتتسع عينيها فجأة ثم سُرعان ما ركضت وراءه وهي تردد كلمة حرامي بصراخ عالي للغاية،.
عودةً لسفيان الذي تصنم في مكانه بدهشة كبيرة، كان يرى تلك الفتاة التي ضربت فرغلي فقط تُمسك بشعر رجل ما وتهبط على جسده بالحذاء الأسود خاصتها، آه يا كداب، يعني مش كفاية حرامي لأ، بتكدب عيني عينك كده، قالت عائشة بصراخ عالي ليسبها الرجل مُتألمًا، المرأة المجنونة تضربه منذ ما يُقارب الربع ساعة وحينما يقترب أحد منهم ليخلصه من يدها تصرخ فيه بتهديد بأنها ستتركه وستأتي وتُمسك فيه هو ليبتعد مرّة أخرى، إلحقوني يا عالم، أنا آسف يا ستِ، واللّه آسف، كان يوم أخبر يوم أخدت تلفونك، خلاص.
قال الرجل بتوسل وهو يصرخ في نهاية جملته حينما هبطتت بقوة على رأسه، يا راجل يا ناقص لففتني وراك السوق كله وبتقولهم إني بجري وراك علشان أشحت، أنا شحاته؟
قالت عائشة بغضب فنظر لها صالح بتساؤل، إنتِ زعلانة علشان بيقولك يا شحاته مش علشان بيسرقك؟!
قال صالح لتنظر له عائشة بغضب، لأ طبعًا علشان الإتنين، ده أنت نهارك مش فايت، قال عائشة مُوجهة حديثها لصالح وفي آخر جملتها نظرت للص مرّة ثانية وحينما اكملت جملتها تقوست شفاه الرجل ببكاء فنظرت له عائشة بتفاجؤ، واللّه أنا آسف حرّمت، سيبيني بقا باللّه عليكِ، قال اللص لتنظر له عائشة بندم وقد أثر فيها بكاء الرجل، نظر سُفيان للموقف بأكمله، هذه الفتاة مغناطيس للمشاكل، هو إنتِ بتحبي تضربي الرجالة أوي كده، قال سفيان بسخرية فنظرت عائشة حولها بإستغراب تبحث عن مصدر الصوت وحينما إلتفتت وراءها صُدمت و نظرت للآخر بإرتياع شديد، إيه القطة كلت لسانك ولا إيه؟
قال سفيان ببرود شديد وهو يضع يديه في جيبه، إبتلعت عائشة رمقها بفزع، كان هو.
الوحش الذي كاد يقتل الرجل المدعو بفرغلي، الشخص المُخيف الذي ضربته وكاد يقتلها، وفي هذه الأثناء تعتقد عائشة بأن الهروب هو أصل الشجاعة، ما تردي يا آنسة، أنا كل ما أقابلك ألاقيكي ماسكة فراجل وهاتك يا ضرب!، قال سفيان بضجر لينظر لها صالح بصدمة، حسبي اللّه ونعم الوكيل، عايزة إيه مننا يا ست؟ فعلًا صنف بغل بيكره إللي احسن منه. أعوذ بالله، قال صالح بقرف شديد لترفع عائشة حاجبها بسخط ولا تعلم كيف إستعادت أنفاسها الخائفة ووقفت لتواجه الوحش و صديقه تقريبًا، ريح نفسك يا هندسة، وبعدين فين الرجالة لا مؤاخذه؟
قالت عائشة بداية الجملة لصالح ثم وجهت حديثه لسفيان الذي ينظر لها ببرود شديد، في تلك الأثناء انتهز اللص الفرصة وزحف أرضًا بتسلل ليهرب وقد إستطاع دون أن يهتم احدًا به، فقد كانوا يناظرون الشجار البارد أمامهم بين طبيب الحي والغريبة، إحترمي نفسك يا أستاذة، قال سفيان بغضب طفيف ولا يعلم كيف تستطيع هذه الفتاة إخراجه عن شعوره في كل مرة، شوف إنت بتدخل في إللي ملكش فيه إزاي وبعدين تعالى حاسبني. أنا كنت بضرب عمو ده. إيه ده هو راح فين؟
قال عائشة بداية الجملة بتوبيخ وتسائلت عن مكان الرجل حينما لم تجده في مكانه، يا مُغفلة هرب منك، قال صالح بسخرية لعائشة التي نظرت له بإشمئزاز ليبتسم هو في وجهها ببراءة، بس يا اسمك إيه إنت كمان، إنت ملكش دعوة بيا خالص يبتاع إنتَ، قالت عائشة لصالح الذي نظر لها بدهشة مشيرًا إلى نفسه، بتاع، أنا؟!
نظرت عائشة وراءه بسخرية ثم نبذت، واللّه مش في حد وراك يعني بكلمك إنتَ، حدث كل هذا أمام أعين سفيان الغامضة، عيناه الزيتونية دققت النظر لها وهو الذي لم يرفع نظره نحو فتاة منذ أن أخذ على نفسه عهدًا بهذا، فتاة متوسطة الطول بأعين بنية لامعة وآه من عينيها تلك، كانت مُسكرة، وخمارها الطويل حجب جسدها عن الأعين، بشرتها البيضاء نسبيًا ووجنتاها الوردية والتي إزداد إحمرارها بسبب أشعة الشمس التي كانت قوية للغاية، خدلك صورة أحسن يا كابتن، قالت عائشة ببرود وهي تكتف يديها على صدرها، وعندها أغمض سفيان عينيه بغضب من نفسه، كيف أنقض عهده هكذا؟، ياللّه لقد تغلب عليه شيطانه. استغفر سفيان في سره وقد شعر صالح بصراعه الداخلي مع نفسه فتوجه نحوه ساحبًا إياه للخروج من السوق، نظرت عائشة لهم بعدم إهتمام وإنحنت لتأخذ حقيبتها الساقطة أرضًا وهاتفها ثم توجهت نحو منزلها مُتجاهلة كل تلك الأحداث التي حدثت معها…
التعليقات