رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثامن
شارلوت.
نادت بإسمي بهدوء فالتفت نحوها بترقب: نعم سيدة أولين؟
ليأتي السؤال الصادم والذي ألجمني تحت تأثير نبرتها الهادئة: ما الذي فعله كريس ليجبرك على الزواج؟
اتسعت عيناي الخضراوان ولكنني تداركت الأمر قائلة مبتسمة بتوتر: م. ما الذي يجعلك تقولين ذلك! كريس لم يجبرني على.
لقد نشأ كريس على يدي، كان برفقتي طوال الوقت ويمضي معي وقتا أكثر مما كان يقضيه مع والدته ويمكنني أن أعرف بسهولة بأن هذا الزواج لم يكن بقناعتك. يمكنكما خداع كل شخص في المنزل عداي أنا.
أضافت بشرود: أعلم وبكل بساطة بأنه أجبرك، هذا واضح من تصرفاتك يا ابنتي، أنا أكثر من يعرف كريس وعن شخصيته التي أكثر ما يفوقها هو الرغبة في الحصول على ما يريده مهما كان الثمن، إنه في مقام ابني تماما ولكنني أعترف بأنه أناني ولا يفكر إلا في نفسه! لا تملكين فكرة عن مدى حبي له وشعوري بالأمومة الشديدة الحقيقية نحوه. ويؤسفني كثيرا أن أراه يتصرف بهذه الطريقة من تلقاء نفسه! لم يأخذ برأينا يوما، ولم يتفق معنا مرة، ولم يكترث لنا أبدا! ولكن. أن يتزوجك هكذا فجأة فهو أمر لا أستطيع التوقف عن استنكاره!
س. سحقاً! هذه المرأة ليست سهلة! بل أنها واثقة جداً مما تقوله وكأنها مقتنعة تماماً ولا تخمن!
ما الذي على فعله وكيف سأسوغ الأمر؟ أي مبرر أستخدم؟
ازدردت ريقي بصعوبة وانا اشعر بجفاف حلقي وقلت مبتسمة: غ. غير صحيح سيدة أولين فأنا وكريس تزوجنا بعد عدة لقاءات وشعرنا بأننا متفقان ومنسجمان، لذا.
لماذا تنكرين؟
يا الهي انقذني! ما هذه الورطة؟
اجفلت لصوتها الجاد: أخبريني رجاءً يا ابنتي، كيف أجبرك على الزواج؟ هل عاملك بسوء؟
أخفضت نظري للأرض أنظر للعشب بإرتباك شديد، من الصعب مراوغتها! ولكن. هل يمكنني حقا إخبارها؟ ماذا لو علم كريس بالأمر؟ كيف ستكون ردة فعله!
لا أدري كم مر من الوقت ونحن نمشي في الحديقة حتى وصلنا للأكواخ وابتعدنا عن المنزل فهمست بيأس ونفاذ صبر بعد تفكير عميق: سيدة أولين. لا أعلم ما الذي على قوله.
لا تقولي شيئا، ولكن عليك ان تحتملي تصرفاته.
أكملت بضيق: احتملي تصرفاته أرجوك، لا أريد التدخل في أموركما الشخصية ولا أعلم لماذا تزوجته ولكنني أسدي لك نصيحة فقط.
تنهدتُ بعمق لأسألها بعدم فهم: لماذا يتصرف معي هكذا إذا؟!
دعيني أخمن. هل يقوم بالتسلط عليك او ما شابه؟
لو كان تسلطا فقط لكان أهون بكثير! عذرا سيدة أولين ولكنني أتعامل مع مختل هارب من مصحة نفسية وهذا أمر لا يقبل الشك!
فهمت. أعتقد بأن الأمر فاق الإجبار، لا أدري ما الذي فعله ولكن.
ترددت قليلا ثم ابتسمت بلطف أشعرني بالدفء: اكتشفيه بنفسك طالما أنك زوجته.
تريدينني أن أكتشف سبب إجباره لي؟ أو اكتشف شخصيته هو! ماذا تحديدا؟ صدقيني إنه يتصرف كما لو كان أحجية فريدة من نوعها.
نفيت برأسها بسرعة: هو لا يتعمد فعل ذلك ثقي بي. إنه. هو حتى لا يفهم نفسه!
ارتفع حاجباي بإستنكار ووعدم استيعاب في حين وقفت قليلا تمرر يدها على رأسها بلا حيلة وأردفت بحزن: أعترف بأنه لم ينعم بفرصة ليتذوق فيها طعم معنى الاستمتاع في مرحلة الطفولة وحتى المرحلة الدراسية إلى الجامعة، فعندما رُزق بجيمي اضطر لتحمل المسؤولية مبكرا! ولكنه تعلق به كثيرا، إنه يحبه. مع أنه سيء أحيانا في المعاملة ويغضب على جيمي لأسباب تافهة! لا يمكنه تحمل مسؤولية طفلهِ وحده. يمكنني أن أخمن بأن هذا جزء من سبب زواجك منه!
ابتسمت بلطف: أنت امرأة ذكية سيدة أولين!
أكملت بصدق: لا أدري لماذا الحديث معك يشعرني بالدفء! يمكنني أن أرى لماذا يتحدث جيمي عنك كثيرا!
عندها وصلنا للأكواخ ووجدت جيمي يركض مع صديقه ويلعبان فقلت بهدوء: بالرغم من كل هذا، أنا لا يمكنني مسامحة من يهين كبريائي! هذا موضوع مختلف عن الأمور التي ذكرتها.
ثم همست بضيق: لا تنسي بأن الواقع يقتل المنطق أحيانا.
نظرت إلى بشيء من الإستياء حتى وضعت يدها على كتفي قائلة بحزم: اسمعيني يا ابنتي، لقد أخبرتك بما عليك معرفته بشكل سطحي، ولكنني لن أتدخل في أي شيء، كريس يستحق أن يقف شخص ما في وجهه! لن أمنعك عن ذلك فهو حقك، ولا فكرة لدي عما فعله معك. لذا فأنا لا أملك الحق في منعك!
ابتسمت بهدوء: لقد أقسمت بأنني سأجعله يكره اليوم الذي قابلني فيه، ربما لن أفي بهذا الوعد الذي قطعته لنفسي ولكنني متأكدة بانني سأسترد ما حطمته من كبريائي!
تتحدثين عن الكبرياء كثيرا!
تورد وجهي متمتمه: آه. أعلم! أنا أشبه أخي الكبير في هذا.
ضحكت بخفوت فاسترسلت بتوتر: إنها قضية كبرياء. هذا كل شيء!
حدقت بي بشيء من التعجب والتركيز حتى تساءلت بحيرة وتفكير: اخبريني يا ابنتي. هل هذا حقا لقاؤنا الأول؟
استنكرت ما قالته كثيرا: هاه؟
أقصد. لماذا أشعر بأنك.
ولكنها صمتت لبرهة تتأملني أكثر قبل ان تبتسم بهدوء: لا شيء. لا شيء مهم، حسنا يا شارلوت، استمتعي بوقتك مع جيمي فلدي أعمال أنهيها. أنا كوالدتك هنا فلا تترددي في طلب أي شيء مني. وبالمناسبة أنا هنا حازمة جدا لذا لا تعتقدي بأنني سأكون متساهلة دائما.
قالتها بحزم وحدة وهي تغادر فما كان مني سوى أن احدق بها بحيرة ثم ابتسمت بهدوء!
جلست على أحد المقاعد أنظر لجيمي وصديقه اللذان اقتربا مني مسرعان، وقف جيمي قائلا بفخر: هذه هي أمي التي أخبرتك عنها يا شارلي.
نظر إلى المدعو شارلي بنظرة تقييم وقال بعدم اقتناع: أنت تكذب! إنها تبدو طالبة في الثانوية!
ضحكت بخفوت على تعليقه بينما قال جيمي بغضب: لست أكذب! يمكنك ان تسألها وتتأكد.
نظر إلى شارلي فرمقته بحيرة، اقترب مني وبدى ينظر نحوي بتقييم وقد تكتف وقال بنصف عين: مرحباً.
مرحبا؟!
جيمي يقول بأنك والدته!
رفعت رأسي بتفكير وقلت أنظر للسماء: همم، إنه محق ولكنني لست والدته فقط! فهو صديقي وابني وشقيقي الصغير كذلك!
اتسعت عينا شارلي بينما تورد وجه جيمي اللطيف.
ضحكت بخفوت فعلق شارلي بفخر أضحكني: إنها أجمل من معلمتنا!
قال جيمي متباهيا بثقة: ألم أخبرك؟
واصلا حديثهما المليء بالتقييم والانتقادات وغيرها من الأمور حولي بينما كنت غارقة في التفكير بما قالته لي أولين. إنها تعرف كريس جيدا، ولم تكف عن ذمه! هذا يعني بأنها تعلم بمقدار معاناتي على الأقل.
ولكن. لا أستطيع انتزاع كلمتها من عقلي! ما الذي تقصده بسؤالها ما ان كانت قد التقت بي مسبقا؟
مر الوقت سريعا ولم أشعر به بسبب حديثي مع شارلي وجيمي. لا انكر بأنني بالفعل استمتعت معها!
شارلي يبدو جريئا ومفعما بالحيوية ولديه أسلوب يكبره سنا على عكس جيمي الخجول والطفولي جدا!
فقط لو يتعلم كريس القليل من طفله!
بعد ذلك لم يحدث أمرا يذكر، ولكن بالطبع لن يخلو باقي اليوم من تصرفات كريس المستفزة معي حتى على طاولة العشاء امام جيمي!
عندما اشارت الساعة إلى الثامنة والنصف تقريبا صعد جيمي إلى غرفته لينام في وقته المعتاد وحينها اقترحت على أولين أن تتركني برفقته الليلة.
كانت الغرفة مظلمة سوى من الإنارة الصغيرة على المنضدة بجانب سريره، وما استغربته في البداية هو خلو الغرفة تماما من الألعاب والتسالي ولكنني أردكت لاحقا أن الغرفة الموجودة في الجناح الآخر هي المخصصة لجميع الألعاب التي يملكها جيمي وهذا ما ذكرته آنا مسبقا كما أذكر.
هذه الغرفة طفولية بألوانها وأثاثها الذي طغى عليه اللون الأزرق والأبيض، وكذلك الحائط الذي ينيره رسومات فسفورية بألوان مختلفة بتدرج متناسق من الأبيض والأزرق والأخضر في الظلام فقط. مما جعلني أشعر بالإسترخاء الشديد، بل وانتابني شعور وكأنني أطفو في الفضاء بين مجراته ونجومه اللامعة!
كنت اجلس بجانبه على السرير وضحكت بخفوت: توقف عن هذا وإلا لن أكمل لك القصة.
فضحك هو الآخر وقال: حسنا آسف.
اكملت القصة بينما عاود يقلدني وانا اسرد القصة فتظاهرت بالغضب قائلة: هكذا إذا!
والقيت بالكتاب وانحنيت فوقه لأدغدغه فانفجر ضاحكا ويتوسل لي بأن أبتعد عنه فضحكت مبتعدة.
يمكنني أن الاحظ بان جيمي موهوب في التقليد! إنه بالفعل كذلك إلى حد ما.
أنا واثقة بأنه سيكون شخص مميز عندما يكبر، سيكون شخصا مشهورا بكل تأكيد.
ربما ممثلا وسيما مثلا! أو حتى رسام موهوب فهو يمتلك هذه الموهبة.
هذا ما رأيته في دفتر رسوماته الذي أراني إياه بكل حماس!
رمقته بلطف وقلت: حسنا يا جيمي عليك أن تنام لأن والدك سيغضب إن اكتشف انك لم تنم حتى الآن!
سأنام بشرط ان تبقي بجانبي.
قلت مبتسمة: سأفعل وبلا أي اعتراض او حرف واحد.
وهكذا نام بعمق وحدقت بوجهه البريء اللطيف.
إن أفضل ما حدث هو خروج كريس من المنزل لسبب ما، لا يهمني إن كان عمل أو شيء آخر.
الأهم بأنه ليس هنا ليحرق اعصابي كعادته!
بعدها لم أشعر بنفسي وأنا أغط في نوم عميق بجانب جيمي.
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا عندما نزلت لغرفة الطعام لأتفاجأ بوجود الصهباء تيا مجددا! وكالمعتاد كان كريس يجلس بجانبها ولكنه ما أن رآني حتى قال بهدوء: على الذهاب الآن.
أمالت تيا برأسها بينما خرج دون أن ينظر إلى حتى! استغربت الأمر وانزعجت قليلا ولكنني لم اعلق بل جلست قائلة بتهكم: مرحبا.
مرحبا.
قالتها ببرود وهي تمضغ الطعام ببطء بعين ترتكز علي!
تجاهلت نظراتها وقلت لجيمي الجالس بصمت: لا تأكل بسرعة يا جيمي!
أمال برأسه وابطء في تناول الطعام فقلت مبتسمة: لماذا تبدو مستعجلا؟ هل ستلعب مع شارلي اليوم أيضا؟
إبتسم بمرح مفاجئ: نعم، لقد طلب مني أن أزوره في منزله ولكن أبي اعترض لذا سيأتي اليوم ايضا.
بعثرت شعره محدقة به بحب ولطف، هذا الطفل جعلني اتعلق به بسرعة!
بتُ أشعر بالمسؤولية تجاهه بشكل عفوي!
تنهدت وبدأت بتناول الطعام حتى قالت تيا ببرود: بالمناسبة يا شارلوت، هل تعلمين بأن هناك ضيوف سيزوروننا الليلة؟
ولماذا تتحدثين بصيغه الجمع!
لأنني سأكون متواجدة على العشاء.
قالتها مترقبة ردة فعلي فابتسمت بسخرية أخفي غيضي ورغبتي في فرك شعرها الأصهب في طبق الحساء: حقا؟ تبدين ملمة بكل أخبار وأمور المنزل!
آه، نعم أنت محقة. عليك ان تعتادي على هذا، فأنا تقريبا فرد مهما جدا في هذه العائلة.
قالتها بإستفزاز وهي ترفع حاجبها الأيسر بثقة.
حسنا. وما المطلوب مني الآن؟
لقد نسي كريس إخبارك بان تتأهبي للعشاء بمظهرمناسب لاستقبال الضيوف.
بالرغم من الإهانة التي حملتها جملتها إلا انني قلت بلامبالاة: أنا أعلم ما على فعله.
بعدها ساد الصمت المطبق وقال جيمي: أمي. سأخرج للحديقة!
ابتسمت له: حسنا يا جيمي. كن حذرا، وإن أراد شارلي شيئا أخبرني فقد يكون جائعا او بحاجة لشيء آخر.
أمال برأسه بسعادة وعندها قالت تيا بلطف شعرت به يستفزني لأقصى درجة: عزيزي كن حذراً.
ركض جيمي للباب مبتسما: حسنا آنسة تيا.
خرج من غرفة الطعام حتى تغيرت ملامحها تماما وتساءلت فجأة بإنزعاج وتهكم: كيف تزوجت كريس بحق الإله؟!
قلت ببرود: لست مجبرة على الإجابة عن سؤال يخصني أنا وكريس، ظننتك ملمة بكل ما يحدث في هذا المنزل؟!
لوت شفتيها محدقة بي بتمعن ثم أكملت تناول الطعام هامسة: أدهشني ذوقه قليلا.
ارتفع حاجباي بحنق وتساءلت بغيض لم استطع كبته: ما الذي تقصدينه؟
أبدا يا عزيزتي، قصدت بأنني لم أكن لأتخيل بأنه سيتزوج طفلة لترعى طفلهُ!
ط. طفلة!
نعم، الا ترين تصرفاتك؟ لا أستطيع التنازل وأقول بأنها تصرفات شخص ناضج! بالرغم من أنك في الحادية والعشرون إلا أنك تبدين في سن المراهقة بسبب تصرفاتك الغير مسؤولة. لديك لسان سليط وتفتقرين إلى الذوق العام.
أنا لست طفلة! وأعلم بأنني أتصرف بنضج ومسؤولية، لن أنتظر منك أن تعلميني بما على فعله وكيف أتصرف! ثم الفرق بيننا ست سنوات فقط فلا تتحدثي كما لو كان عجوزا في السبعون!
غريب.
وما الغريب فيما قلته؟!
ابتسمت ساخرة بغموض: لماذا بدت جملتك الأخيرة دفاع عنه؟ ظننتك تحاولين الدفاع عن نفسك!
استوعبت ما تقوله هذه الصهباء وسرعان ما نظرت للطبق بصمت وتوتر.
هل حقا دافعت عنه؟!
أنا لم أفعل!
بل قصدت فقط. أنني لست طفلة كما تزعم! اليس كذلك؟
تمتمت متظاهرة بالهدوء: مؤكد! فهو زوجي في النهاية.
زوجك؟ يمكنني أن أرى انكما تعاملان بعضكما بطريقة لا يتعامل بها أي زوجين جديدين!
هذا راجع لك إذا.
قلتها وأنا أقف بإنزعاج متمتمة: لقد شبعت!
ابتسمتْ بصمت وثقة واضعة قدم على الأخرى مما أغضبني كثيرا واسرعت أخرج من هذه الغرفة التي اصبحت تفقدني شهيتني بدلا من أن تفتحها للأكل!
أشك أن علاقتهما مجرد زمالة عمل. مستحيل، أي أحمق سيصدق هذا ولكن ليس أنا. هذه الصهباء سأخنقها بكلتا يداي لو واصلت استفزازي أكثر.
عند الساعة السابعة مساءا.
كنت أعلم بوصول الضيوف لأن آنا أخبرتني بذلك وطلبت مني أن أتأهب للقائهم، ولكنني رفضت تماما فغادرتْ الغرفة، كما كنت واثقة بأن تيا مازالت بالأسفل مع كريس.
إلا أنني لم أرتدي شيئا ولم أجهز نفسي بل جلست على الأريكة في غرفة النوم هامسة بملل: هذا لا يطاق.
طُرق الباب وقد عادت آنا مجددا قائلة بتوتر: آنسة شارلوت، السيد كريس أخبرني بأنه لن يطلب منك النزول مجددا! أرجوك سيدتي افعلي ما يقوله، أنت لا تعرفين كيف يغضب!
قلت بلامبالاة: وما الذي سيفعله مثلا؟
لقد بدأت أفقد أعصابي بسببه وحتى انني اتجاهل التصرف والتظاهر بأنني تلك الزوجة المحبة له. هذا ليس بيدي فالضغط الذي أشعر به أقوى مما أستطيع تحمله.
آنستي!
قالتها برجاء فقلت: أرجوك يا آنا. أخبريه بأنني لا أريد مقابلة أحد ولا رغبة لدي في تناول العشاء!
تنهدت بيأس: آنستي. لماذا تواصلين عنادك!
لم أعلق فخرجت قائلة بلا حيلة: أمرك.
حينها زفرت بضيق وارتميت على الأريكة مجددا أعبث بخصلات شعري ادندن بصوت هادئ.
وتساءلت لماذا لا أريد النزول!
هل لأنني لا أريد مقابلة أشخاص غريبين؟ أم أنني أقوم بمعاندة كريس؟
أو لأن تلك الصهباء ستكون برفقته؟
حينها أدركت بأن الإحتمال الأخير هو السبب حقا! لا اريد رؤيتها أو سماع صوتها، ولا أريد تلويث عيناي برؤيتها تلتصق به طوال الوقت وكأنهما توأم ملتصق فهذا يثير اشمئزازي!
وقفت متجهة للحمام بغية الاستحمام ثم النوم ولكنني وقفت عندما فُتح الباب مجددا فقلت بإنزعاج وتهكم شديد: هذا يكفي يا آنا، لن أنزل وأخبريه بأنني نائمة م.
تريدينني أن أصعد بنفسي في كل مرة!
قيلت بنبرة غاضبة فاستدرت مجفلة لأراه يقف محدقا بي بجمود!
كان يرتدي بدلة سوداء رسمية مما جعل مظهره مختلفا وأنيقا جداً! لا يمكنني أن أكذب أو أنكر أن لهذا الشيطان حضور قوي.
ازدردت ريقي لمهية وقلت بهدوء: أنا لن أنزل. لقد كنت واضحة!
وأنا قلت بأنك ستنزلين، هذا أكثر وضوحا.
رمقته بإمتعاض وتجاهلته مستديرة ولكنه تقدم و اوقفني وهو يمسك بمرفقي بقوة وجذبني نحوه قائلا بتحذير: أسرعي وارتدي ما لديك وإياك وأن تمتحني صبري!
ابعدته عني بحقد: لا تلمسني! لست مجبرة على النزول! لست جائعة.
عليك أن تأكلي!
اوه!
قلتها بسخرية وأردفت: وهل بدأت تهتم بي فجأة!
أهتم؟ لا تكوني سخيفة وتلقي طرفة كهذه، اضرابك عن الطعام سيفقدني لذة تعذيبك وحسب.
قالها بإزدراء واقترب مكملا: حينها لن يكون الأمر ممتعا كما تظنين لذا أفضل أن تكوني بكامل قواك الجسدية والنفسية وتتأهبي لكل ما قد يحدث.
ثم وقف أمامي واحاط خصري بكلتا يديه هامسا بعينان عسليتان تلمعان ببريق ماكر أخافني: أعلم أنك لا تريدين النزول لأسباب محددة. لأختصرها في سطر صغير ينص على الآتي. جميلتي شارلوت تشعر بتحطم كبريائها ولا رغبة لها في رؤية زميلتي المقربة تيا. صحيح؟
انتفضت لما قاله بل وأدهشني قراءته لأفكاري بسهولة ولكنني همست بحزم: اسمح لي بإضافة تصحيح ينص على ان هذه الجملة مقتبسة من كتاب الأحلام المستحيلة.
أضفت هازئة: لا شيء كهذا سيمنعني من النزول.
يا الهي يا شارلوت. أخبرتك مسبقا أنك شفافة جداً! أعلم بأنك تكذبين.
ارتبكت قليلا رغما عني ولكنني سرعان ما أجفلت وأنا أراه ينحني أكثر فدفعته بسخط: ابتعد عني أيها الوغد المنحرف! إياك وأن تلمسني. لقد حذرتك مسبقا!
ضحك بخفوت ولمعت عينيه ببريق مستمتع: كما أخبرتك. لست مهتما بما قد يحدث لك ولكنني مهتم في ألا أخسر متعتي في تعذيبك!
تعذيبي، ألا تعتقد انك تستخدم هذه الكلمة وكأنها مصطلح عادي؟
رفع كتفيه ببرود: إحتملي أخطاء والدتك يا شارلوت. أنا لم ولن أسامحها على أخطائها! عليك فقط ان تلزمي الصمت وتشاهدي ما يحدث لك بإذعان ورضوخ.
أضاف بصوت فيه جفاء غريب: حين أنال كفايتي منك سألقي بك بعيدا. ساتركك محطمة تماماً. أريد رؤية والديك يذرفون الدموع لأجلك. طموحي ليس بصعب أو كبير!
لم أحتمل كلمة أخرى فوجدت نفسي ابتعد عنه بسخط واتجه للأريكة القي عليه بوساداتها بقوة وهو يمسكها بإنزعاج!
صرخت بسخط: الست مجرد طاغية؟ أكرهك، كل ما تتحدث عنه هو الكراهية والانتقام وأمور مثيرة للغثيان! ما هذه الهالة السلبية المريبة التي تحيط بك أنت بالفعل تصيبني بالإشمئزاز وتثقل الهواء على صدري! لا أدري كيف لي أن احتملك دقيقة أخرى! فلتختفي من أمامي وحسب.
بعدها أمسكت بصندوق خشبي متوسط الحجم على الطاولة المقابلة للأريكة ولم أشعر بنفسي وأنا القيه نحوه، حتى تفاداه وارتطم بالجدار ليتهشم جراء ارتطامه بقوة! كنت الهث بغيض وانفعال شديد بينما نظر كريس نحو الصندوق بدهشة ليهمس: أيتها المجنونة!
عاود ينظر إلى بغضب وتدارك: هل فقدت عقلك؟
ليس بعد!
ظل يرمقني بنظرات غريبة لم أستطع تفسيرها ولو قليلا مما جعلني أشعر بالقلق أكثر! إلا أنني لم أظهر ذلك ولو قليلا.
حتى قال بهدوء وهو يرتب مظهره ويمرر يده في شعره: اسرعي بارتداء ملابسك وانزلي لتناول العشاء!
فلتأكله وحدك أيها الأناني!
هذا الأناني لا تحلمي أن يرجوكِ لتتناولي الطعام معه ولا اريد أن أكرر كلماتي مجددا. اللعنة قد يبدو مظهرك لطيفا ولكنك لست كذلك!
أضاف بنبرة بعيدة كل البعد عن المزاح أوالسخرية: لا ترهقيني في تكرار حديثي. انزلي وتناولي العشاء خلال ربع ساعة. وإلا أقسم بأنني سألبسك بنفسي يا شارلوت.
ثم خرج وترك الباب مفتوحا فأسرعت أصفق الباب خلفه بقوة انفس عن غضبي.
هكذا إذا! يبدو أنه يعلم كيف يقوم بتهديدي.
للأسف لن يجدي إغلاق الباب وتركه موصدا نفعا فهو قادر على جلب نسخة مفتاح آخر أو حتى كسره.
ولن ينفعني العناد بهذه المسألة ولكن. سيندم. حتما سيدفع ثمن تهديدي بهذه الطريقة.
زفرت ونظرت للصندوق الذي تهشم إلى قطع منفصلة.
لا أدري كيف تهورت هكذا والقيت به على الحائط! أغضبني لدرجة انني فقدت أعصابي وهذا لا يحدث عادة.
كان على ان أكون أكثر صبرا وتمهلا. ماذا لو أصابه؟ ماذا لو لم يتفاداه وارتطم برأسه حينها؟ لوقع مغشيا عليه وبعدها سيفيق ويقلب حياتي رأسا على عقب وينتقم بأبشع الطرق المحتملة ليرسلني إلى الجحيم الذي خرج منه.
لويت شفتي بلا حيلة و أسرعت نحو الخزانة أنظر إلى الملابس المعلقة، قالت لي السيدة أولين ان كل ما في هذه الخزانة تم تجهيزه لي مسبقاً. لا أدري ما دافع كريس لفعل هذا ولكنني وضعت الإحتمالات الكافية كإظهاري بصورة جيدة حتى لا أحرجه مثلا أو ليظهر لي كم هو شاب كريم ذو عطاء لا محدود ليذلني لاحقا، احترت قليلا محدقة إلى الفساتين المعلقة المختلفة في تصاميمها والوانها وخاماتها.
لكنني في النهاية ارتديت فستانا قصيرا ذو لون أسود، لقد كان بسيطا وانيقا وأعلاه يوجد قطعة دانتيل تحيط بالكتف حتى العنق! كنت قد التقطته بطريقة عشوائية ولم اكلف نفسي عناء الاختيار، ثم ارتديت حذاء كعب عالي أسود و سرحت شعري ولا أنكر بأنني خفت من أن يأتي غاضبا في أي لحظة! كانت اللمسات الأخيرة فقط حيث وضعت أحمر الشفاه ذو لون هادئ غير مبالغ به وظلا للعيون بألون ترابية وأرجعت شعري للخلف تاركة غرتي تنسدل.
نظرت لنفسي برضى وحينها سمعت طرقات على الباب فاسرعت أقف باستقامة متأهبة لأي شيء! ولكنها لم تكن سوى أنا التي نظرت إلى بدهشة وإعجاب!
ابتسمت متسائلة: ما رأيك آنا؟
أجابت بدهشة ولطف: آنسة شارلوت! أنت جذابة جدا!
أردفت ضاحكه: أراهن بأنني لو كنت رجلا لوقعت في حبك حالا.
ضحكتُ بخفوت: شكرا جزيلا على هذا الإطراء اللطيف. لا تبالغي هكذا!
لست أبالغ! تبدين متألقة جدا. أنا متأكدة بأنك ستخطفين الأنظار! سيكون السيد كريس فخورا بك!
سخرت من جملتها الأخيرة في نفسي ولكنني ابتسمت متسائلة: أخبريني يا آنا، كم شخص بالأسفل.
قالت مفكرة: دعيني أتذكر، الآنسة تيا، وامرأتين أخرتين، وزميل السيد كريس في العمل ورجل كبير بعض الشيء.
أملت برأسي بفهم قائلة: حسنا. سأنزل الآن!
أمالت برأسها وسبقتني.
بقيت قليلا أنظر لنفسي للمرة الأخيرة ثم زفرت بتوتر وخرجت من الغرفة.
لماذا بدأت أشعر بالتوتر هكذا! لا يمكنني تمالك نفسي. أنا حقا مرتبكة!
نزلت واتجهت لغرفة الطاعام لأقف أمام الباب محاولة تهدأة اعصابي!
حاولت أن أجمع رباطة جأشي ودخلت غرفة الطعام مرفوعة الرأس بثقة ظاهرية لأرى كريس يجلس وكالعادة تيا بجانبه والمقعد الآخر بجانبه فارغا كما رأيت شاب يبدو في أواخر العشرين من عمره يحدق بي بحيرة وتمعن، وامرأتان كذلك تبتسمان بلطف ورجل يبدو في عقده الرابع هادئا جدا حتى في نظراته.
اجبرت نفسي على ان ابتسم بلطف وأقول: مرحبا، مساء الخير!
أجابوا جميعهم في الوقت آنه: مساء الخير.
ثم وقفوا فما كان لي سوى أن أصافحهم جميعهم واحدا تلو الأخر!
لست معتادة على أجواء كهذه، أشعر بالنفور الشديد.
صافحت المرأتين اللتان كانتا تبدوان لطيفتان وطيبتان جدا! ثم ذلك الرجل الذي يتصرف بهدوء ورزانة واضحة!
وبعد ذلك. الشاب الذي أشعر بنظراته المحدقة بي!
إنه شاب طويل القامة ذو ملامح حادة، وأول انطباع اخذته بشكل تلقائي هو انه ذلك النوع المهتم بالنساء فنظراته المتفحصة هذه لم تشعرني بالراحة كثيراً. بدى وكأنه يقيمني!
التعليقات