التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السابع

حينما تحركَ صالح وهو يجذب سفيان لخارج السوق، كان حينها سفيان سرحًا في حاله، وتسلل اليأس لقلبه كعادته حينما يُخطئ، تلك الأحاسيس البشرية التي يبثها الشيطان بداخل الشخص المُلتزم ليدك صمود نفسه أمام وسوسته، اللّهم إني أستغفرك من كل ذنبٍ أذنبته.
قال سفيان بهمسٍ خافت، أطلق صالح حمحمةً خافتة، إيه يا وحش، فيك إيه؟
قال صالح بهدوء ليجيبه سفيان بنفس النبرة
مفيش، تيجي ننزل القاهرة؟

توسعت أعين صالح وأجابه بسخرية، والعزا المعمول في البيت على حسك مش ناوي تروح تفضه!
تنهد سفيان وقد تذكّر ما يحدث في منزله، تلك الفتاة هي حقًا كارثة على عقله، لم يُقابلها سوى مرتين وقد شغلت عقله بها وأنسته كل شئ…

كانت عائشة جالسة على الأريكة في الصالة بجوار والدتها وهي تبكي بصمت، سفيان خرج بخير ولكن قلبها لا يزال منقبض، تريد أن تراه أمامها بخير واقفًا وعلى وجهه ترتسم تلك الإبتسامة الهادئة خاصته، وقفت هايدي مفزوعة حينما فُتح الباب فجأة ونادتها شيما تخبرها أنَّ أخاها قد وصل، هايدي، سفيان برّة بينادي عليكِ تعالي بسرعه، ركضت هايدي للخارج مسرعةً وهي تريد ان تلمح جسده، كان واقفًا يحتضن جسد والدته وهو يربت على ظهرها بحنان شديد، بينما خالته قد أطلقت عدّة زغاريد فرحة بخروجه سالمًا من ذلك المكان الموحش، أدهم يسند جدته التي تنظر لسفيان بألم، لا تصدق بأنه خرجَ دون أي مشاكل، لقد أعتقدت بأنهم على وشك تكرار تلك التجربة البشعة مرّة أخرى، إيه يا أمي في إيه، مش واثقة في برائة ابنك مثلًا.

قال سفيان بمرح لتنفي سعاد برأسها بخفة شديدة، ركضت هايدي ناحية أخبها تسحبه من أحضان والدتها فتوجهت ناحية أمجد الذي يقف وهو يرفع رأسه ناحية السماء مرددًا جميع أدعية الشكر التي يعرفها، ليه خدوك تاني، مش كانت كل حاجة إنتهت يا سفيان. ليه بيفتكروك تاني؟

قالت هايدي بإنهيار بين يدي سفيان الذي تنهد بإرتجاف وقد لمعت أعينه بالدمع ولكنه يجب أن يكون واثقًا أمامهم لكي يطمئن قلبهم، إهدي يابت بقا اللّه، وسعي كده وسيبي أخوكِ ليا.
قالت زينبو وهي تنكز هايدي في كتفها لكي تصمت عن الحديث، تلكَ الحركة التي أشعلت الغضب في قلب أدهم، أكل الناس تعرف ما حدث مع أخيه عداه؟!

تلفت سفيان يبحث عن أخيه بأعينه، لقد كان يعلم ما في أواصره، يعلم بأنه يريد تفسيرًا عمّا حدث وسيحدث مستقبلًا، لقد تركَ سفيان حقهُ مرّة ولكن يقسم بأنه سيأتي بحقه كاملًا وإن كان في فم السبع، حينما تقابلت أعينهم سويًا ابتسم سفيان في وجه أخيه، وجذبه ناحيته مربتًا على ظهره، إيه رأيك في سهرة صبّاحي انا وإنت وصالح النهاردة، بعد ما أروح العيادة اللي أهملتها الإسبوعين دول، أومئ أدهم براسه متنهدًا بخفة، ماذا يُخفي أخاه في داخله؟، ما هو الشئ الذي يجعل قلب أخاه الجامد يرتجف بألم؟، ما الشئ الذي غير حال أخاه المتهور الطائش إلى رجلٍ يبحث عن الإستقامة والإلتزام، هذا ما سيعرفه اليوم، حمدالله على السلامة يا أبيه، إن شالله عدوينك يا رب، قالت شيما وهي تنظر له بسخرية، نظر لها سفيان بغيظ وهو يعض على شفتيه، عقبالك يا حبيبتي. أقصد شكرًا ليكِ.

قهقت شيما بمرح شديد وألقت نفسها في أحضانه، واللّه إنتَ لا تُطاق، ابتسم سفيان بهدوء وبادلها هو الآخر متنهدًا، مش عارف انا أمي رضعتك مع هايدي ليه، هي المشرحة ناقصة قتلة، نظرت له شيما برفعة حاجب، قصدك ايه يا سفيان ها، إنت تطول إني أبقا أختك أصلًا…

أجابها سفيان بإستهزاء، يا ريتني ما طولت يا حبيبتي، يا ريتني ما طولت كان زماني عايش في روقان بدل حرقة الدم دي، قهقهت شيما بمرح، هي حقًا تعشق إثارة غضبه ولا تعلم السبب، ذلك الرجل الذي كان في يوم من الأيام رفيقًا ومساعدًا وداعمًا لهم حينما توفى والدها منذ سنواتٍ طُوال، أمي، أنا نازل العيادة، ساعتين كده وهاجي تمام؟

قال سفيان مخاطبًا والدته التي أومئت له بحنان شديد، خلي بالك من نفسك يا دكتور، متكسرش قلبنا عليك، قال أمجد ليتجه سفيان ناحيته مقبلًا يده، ما عاش ولا كان إللي يكسر قلبك يا حج، ثم إن قدر ربنا نافذ نافذ ولا إيه؟

قال سفيان ليهز أمجد رأسه مجيبًا إياه بنعم، خالتو، بنتك بعتت علبة حلاوة ليّا، شوفتي الندالة، قال سفيان بمشاكسة لتتوسع أعين شيما بلؤم، لقد أخبر والدتها التي لن تترك فرصة دون أن تستغلها لمعاقبتها، صرخت شيما بفزع حينما ضربتها والدتها على كتفها بقوة، فقهقه سفيان بخبث وهو يغمز لها لتسبه شيما بداخلها…

نظر سفيان لهايدي التي تفحص هاتفها بأعين متوسعة فاقترب منها سائلًا إياها عمّا حدث، ولا حاجه يا حبيبي. روح إنت شوف مصالحك وأنا هنزل علشان عندي حصّة كمان ساعة كده، قالت هايدي بنبرة متوترة أثارت قلقًا في نفس أخيها وحينما همّ أنا يسألها عمّا بها رنّ هاتفه فركضت هايدي من أمامه مستغلة إنشغاله بالإجابة على الهاتف،.

دلفت عائشة للمنزل بتعب شديد وهي تخلع خمارها، وتنادي على أختها التي كانت في الغرفة مع والدتها، عائشة اتأخرت ليه كده؟، العشاء هتأذن خلاص، قالت رهف بتساؤل بعدما خرجت على أثر صوت أختها، طب ألحق أصلي المغرب وهحكيلك تمام؟

قالت عائشة بتنهيدة لتومئ رهف لها بخفة، بعد دقائق ليست بقصيرة كانت عائشة تجلس على سجادة الصلاة وتحمد الله كثيرًا في سرها، تلك الوظيفة إذا حصلت عليها ستساعدهم كثيرًا في حياتهم، ستجعل نقود الدواء الخاص بوالدتها من الورث خاصتهم، وتلك النقود ستأتي لأختها ولها بكل ما يحتاجونه من أكل وشرب وأشياء المنزل، ها يا ستِ إحكيلي كل إللي حصل من الألف للياء، قالت رهف بتقرير وهي تناول أختها كوب الشاي و قطعة الخبز بالجبن لتسد جوعها حتى ينضج طعام الغداء، ولا حاجه، أنا بس لقيت شغل وهروح أقدم عليه، وتوهت علشان كده إتأخرت شوية ومتقلقيش ما حدش عمل فيّا حاجة، أجابتها عائشة وهي تقضم من الساندوتش بجوع، أنا عارفة إن مش ده إللي حصل، بس هسيبك على راحتك يا أستاذة عائشة، قالت رهف بهدوء شديد لتبتسم لها عائشة بمرح ولكزتها في كتفها، شكرًا على تفهم سيادتكم، انا بكرة هنزل علشان أشوف إيه الشغل ده، يا رب يقبلوني، قالت عائشة آخر جملتها بدعاء فربتت عائشة على كتفها بخفة، خير يا حبيبتي بإذن اللّه، ربنا يجعلك الخير فيه، أمنّت عائشة على دعاء أختها ونهضت من مكانها متجّه نحو ملجأها الوحيد في هذه الدنيا، أهلًا خدوچ ، عاملة إيه زعلانة مني صح؟

قالت عائشة بمرح وهي تتجه نحو والدتها التي تجلس على السرير الخاص بها سارحة في ملكوتها الآخر، رفعت عائشة يد والدتها تقبلها بقوة وقد فاضت أعينها بالدمع حزنًا على حالتها، والدتها القوية، الجميلة والتي كانت سابقًا تمتاز بالمرح، تجلس أمامها لا حول لها ولا قوة، فاقدة لعقلها وهي تنظر للفراغ وتهمس باسم ابنها الفقيد مروان وزوجها مُختار.

عائشة، الغدا جهز ولا لأ، أبوكِ على وصول هو ومروان، قالت والدتها وهي تنظر لها فإزداد بكاء الأخرى وشهقاتها، يا أمي فوقي لينا باللّه عليكِ، بابا مات خلاص، ومروان كمان. فوقي لينا بقا، إحنا بناتك باللّه عليكِ، فوقي أرجوكِ، فوقي، قالت عائشة بإنهيار شديد لتبدأ والدتها بالصراخ كعادتها حينما تواجهها عائشة بتلك الحقيقة البشعة، ركضت رهف لداخل الغرفة تسحب عائشة المنهارة للخارج ثم دفعتها بخفة لتجلس على الأريكة، ونظرًا لحالتها المُنهارة لن تستطيع أن تعنفها على فعلتها، استمعت عائشة لصوت رهف وهي تُهدئ والدتها التي خفت صوت صراخها وبدأت في البكاء بصوتٍ عالي وهي تُنادي على والدهم فبكت عائشة أكثر وهي تكتم أذنها عن صوتها المُتألم، بينما رهف احتضنتها تهدئها بقلبٍ مكسور وأعين باكية…

حينما دخلت هايدي لغرفتها إنهارت قدمها امام الباب ولم تستطع حملها أكثر، لقد رأت أبشع شئ من الممكن أن تراه فتاة في حياتها، رأت صورًا لها في وضعٍ مخل للغاية، أرسلها الأستاذ المُختل الذي تقدم لخطبتها منذ شهرين ورفضته، صورًا لو رآها أحدًا لصدقها من شدّة دقتها، إرتجف فم هايدي بخوف، ماذا ستفعل؟ لا تعلم، إلى من ستلجأ؟ هي أيضًا لا تعلم، أدهم متهور، وسفيان أكثر تهورًا منه، والدها لن يتحمّل تلك المُصيبة، من الممكن أن يُصاب أزمة قلبية مجددًا، وصالح هي ليس لها إحتكاك معه، وبالتأكيد سيخبر أخوتها الذين سيذهبوا لقتل ذلك المريض، أمسكت هايدي الهاتف مُجددًا وركزّت بأنظارها على الرسائل الأخرى المرسلة لها، تخيلي ردة فعل أخوكِ على الصور اللذيذة دي كده، ولا أبوكِ مثلًا، طب أبعتها على صفحة مدرستك ولا على جروب الشباب بتاع الحي؟

لو مش عايزة أي حاجة من دي تحصل كلميني على الرقم ده، أما لو ميهمكيش سمعتك ولاسمعة أبوكِ عرّفي حد باللي حصل، أوعدك مهكملش دقيقتين وتكون صورك الحلوة دي منشورة في كل مكان، ومفيش مانع نطبعها برضوا ونوزعها على الناس، يلا باي باي يا مزة.

فاضت أعين هايدي بالدموع ولطمت خديها بقوة شديدة وهي تردد يا رب ماذا ستفعل؟ هذه اول مرّة تخاف هكذا من شئ، لن توّرط أخوتها في تلك المُصيبة، هي أساسًا خائفة من ردّة فعلهم، إلى من ستلجأ؟ فلا ملجأ لها من تلك الكارثة إلّا اللّه، وسليم رُبما.

كان يجلس مخمورًا في غرفته ويمسك بين يديه صورة لتلك الهاربة منه، عيوش، إللي فاكرة إنها قدرت تهرب مني، أنا قربت أجيلك يا حبيبتي، تكّة واحدة بس، قال رائف بجنون مُخاطبًا الصورة، دلف الخادم إلى غرفته راكضًا، رائف باشا، في واحدة عايزة تقابلك، بتقول إنها عارفة مكان الهانم وأختها، انتفض رائف من جلسته بترنح شديد، وحينما تقدّم خطوة واحدة سقط أرضًا فاقترب منه الرجل ليساعده ولكنه رفض بغضب وهو يبعد يد الرجل ويسبه بصراخ، خرج رائف من الغرفة متحاملًا على نفسه، فقابلته تلك الفتاة الباكية، فين أبويا يا أستاذ رائف، بقاله فترة مختفي فين، ومتقوليش في شغل، قال الفتاة ببكاء لينظر لها رائف بسخرية، فين عائشة الأول، إنت عارفة إنه هربهم مني، وأنا بوعدك يا ستي لو قلتيلي مكانهم هقولك على مكان أبوكِ، قال رائف فتنهدت تلك الفتاة ببكاء، هي لا تُريد أن تفعل هذا بعائشة ولا برهف، ولكنها مضطرة أن تفعلها لإنقاذ أبيها من براثن هذا الشيطان، أنا سمعت أبويا بيقول لأمي إنه هيهربهم على حي السيدة إللي في القاهرة عند ناس قرايبنا وده عنوانهم، قالت الفتاة بخفوت شديد وهي تمد له بورقة صغيرة وقد كرهت نفسها آنذاك، انفرجت ملامح رائف بسرعه وأخذ الورقة مُخبئًا إياها في جيبه، ثمقهقه بجنون وهو يضرب جبينه بقبضته ويردد اسم عائشة بهوس شديد، ظلّ يدور عدّة دقائق حول نفسه غاضبًا ولكنه يضحك ضحكة مرعبة جعلت من الفتاة تسد أذنيها بخوف شديد، القاهرة، علشان كده مكنتش لاقيها، آه أخيرًا، عالعموم يا ستِ أنا عند وعدي، قال رائف جملته بإبتسامة مرعبة ثم حينما خاطب الفتاة تحولت ملامحه للخبث وخاطبها ببراءة، أبوكِ موجود في الحديقة، لو حفرتي مترين كده هتلاقي جسمه تحت التراب أما روحه، البقاء لله بقا طلعت للي خلقها، للأسف قدر ربنا نافذ نافذ ومقدرش يستحمل يومين تحت إيدي، فمات، توسعت أعين الفتاة بفزع وقد شحب وجهها وحينما بدأت بالصراخ بدأ هو بالقهقهة بقوة واقترب منها على حين غفلة ثم أمسك وجهها بين قبضتيه، أششش، أنا قلتلك على مكانه زعلانة ليه ها؟، علشان مات؟ كلنا هنموت، بس لو إنتِ عايزة تموتي بدري عرّفي حد باللي حصل، ماشي يا قطة؟

قال رائف بهدوء شديد وهو يربت على رأسها ببطئ بينما فمها مكمم بواسطة يده الأخرى، تنظر لأعينه فزعة من ملامحه الشيطانية وتلك الضحكة السوداء المرسومة على وجهه، منصور، روح وصّل الآنسة بيتها، وراقبها كويّس أووي ولو فكرت بس، فكرت تعرّف حد باللي حصل. موتها، هي، وأمها، وأخوها الصغير وقطتها. اسمها لوسي صح؟

قال رائف مُخاطبًا الرجل الذي جاء على أثر صوته بجسد يرتجف من الخوف، راقب الرجل ما يحدث وأغمض عينيه حينما جذب رائف خصلات شعر الفتاة بقوة شديدة جعلتها تصرخ، ردي عليّا، قطتك اسمها لوسي؟

قال رائف متسائلًا، فأدمعت أعين الفتاة وهزت رأسها بالإيجاب، أوبس، نسيت إني قافل بقك، أنا آسف مش تزعلي مني، قال رائف وهو يترك وجهها بقوة شديدة فشهقت الفتاة بألم ثم نهضت راكضة للخارج وهي لا تعلم ماذا ستخبر والدتها حينما ستسألها عمّا حدث،
في إيه يا هايدي، عايزة سليم ليه؟

قالت روان بقلق من حالة صديقتها والتي كانت متوترة على غير العادة، مفيش حاجه يا روان، قوليله بس هايدي عوزاك، قالت هايدي وقد شحب وجهها حين دلف سليم للغرفة ينظر لها ببرود وتساؤل واضح في عينه، روان ممكن تعمليلي فنجان قهوة؟

قال سليم وهو يجلس على الكرسي المواجه لهايدي والتي أغمضت عينها بخوف من نبرتها، هي تندم على مجيئها ولم تخبره بعد، نهضت روان متنهدة من مكانها وقد علمت أن أخيها يريد أن يُخرجها من الغرفة دون أن يحرجها أمام صديقتها، تنهد سليم بملل شديد فقد مرّت عدّة دقائق وهايدي لا زالت صامتة، أستاذة هايدي، ممكن تعرفيني في إيه؟

سأل سليم بتملل واضح وحينما فتحت هايدي فمها لتتحدث فاضت أعينها وتعالت شهقاتها ببكاء أفزع سليم الذي نهض من مكانه متوجهًا نحوها، هايدي في إيه؟

سألها سليم بفزع شديد وهو يجلس أمامها تاركًا مسافة بينهم، التلفون، في. صور، أنا مش عارفه أعمل إيه، قالت هايدي ببكاء شديد أدمى قلب الآخر والذي شدّ على قبضته بغضب شديد، ممكن تهدي، صرخ سليم بغضب أفزعها فكممت فمها بيدها ولا زالت عينيها تدمع، إشربي المياه دي وفهميني إللي حصل واحدة واحدة، نظرت هايدي لعينه تبحث عن الآمان فتنهد سليم بخفة، هايدي، إنتِ عارفة إني عمري ما هأذيكِ، أنا مش وحش زي ما إنت فاكرة، قال سليم بهدوء فتنهدت هايدي ببكاء وبدأت في حكي ما حدث بخوف وهي تراقب ملاح الآخر التي تسود بغضب شديد وحينما إنتهت نهض سليم غاضبًا من جلسته معنفًا إياها، يعني بيترصدلك في المدرسة، ومش أول مرّة يهددك، وإنتِ ساكتة ليه، إنت غبية؟

قال سليم صارخًا فإزداد بكاء الأخرى، متزعقليش، والله أنا مش كنت عايزة أعمل مشاكل، أخواتي لو عرفوا هيدوا نفسهم في داهية، قال هايدي ليتنهد الآخر بغيظ من تفكيرها، لكي لا تفتعل المشاكل تركت رجلًا مريضًا يحوم حولها حتى كاد أن يدمرها، هاتي رقم الزفت ده واسمه، قال سليم بهدوء مصطنع فنظرت له هايدي بخوف، متخافيش مش هعمل حاجه، أنا بس هقرص ودنه وأمسح صورك من عنده، قال سليم بغضب طفيف، هو لا يعلم لما لا تثق به، ألأنه يعاملها بخبث ويكون غاضبًا طوال الوقف تخاف من غضبه، هو حتى يظهر غضبه الطفيف أمامها، مدّت هايدي الرقم له ولا تعلم لما وثقت به، هايدي وثقت بعدو أخيها والذي تسبب في حبسه، هايدي دقّ قلبها له ولهذا تتهرب منه، هايدي لا تعلم مع من تورطت هذه المّرة، بينما سليم الذي كان يراقب ملامحها بحب لم يكن يعرف بأنها أخت سفيان، ولا يعلم بأنه لو عرف أخاها بأنه يحبها سيُهربها إلى أبعد مكان، لم يكن يعلم بأن قصتهم مستحيلة وأن الجميلة لن تكون من نصيب الوحش أبدًا في الحقيقة،.

وعندما حلّ الليل عليهم جميعًا وكان كل واحدٍ منهم سارحًا في أفكاره، لم يكن أحد منهم يعلم بأن تدابير القدر لا تتماشى أبدًا مع تدابيرهم، وأن هُناك عاصفةً هوجاء قادمة ستطيح بذلك الهدوء الذي يُحيط حياتهم، عائشة، رهف، سفيان، أدهم، سليم، صالح والشيماء، كلٌ منهم سيواجه ما لا يطيق، وذلك ابتلاء من ربهم لهم، فإما النجاح وإما النكسة، ذلك الليل كان يحمل في طياته رسالة لكلٍ منهم، رسالة بالصبر على ما سيحدث وإن كان فوق تحملهم، دقة خافتة تتبعها أخرى على باب ذلك المنزل وحينما نهضت عائشة من مضجعها وتوجههت ناحية الباب بتوجس شديد وعندما اقتربت من العدسة الصغيرة لترى من الطارق تراجعت بعدم تصديق وخوف وهي تكتم تلك الصرخة الفزعة التي كادت تخرج من فمها، توقف عقلها عن العمل وهي تنظر أمامها بفزع، لقد جاء الشيطان، وبدأت اللعبة فمن المنتصر؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *