رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع
أين ذهب ذلك الإتفاق السخيف بشأن كوننا زوجان محبان؟ أنا لا أرى سوى زوج نذل يعشق إهانتي أمام الجميع وحسب!
تألمت لهذا كثيرا إلا أن الرجل الرزين قال بهدوء: كريس، ما الذي تقوله يا بني!؟
تجاهله كريس وحدق إلى بتحدي وجمود فوقفت مما اثار استنكار الجميع. ظهر بريق الشر في عينيه العسليتين اللتان كانتا أكثر صُفرةً بنظرته تلك، و شقت ابتسامة ماكرة شيطانية ثغره لتنفرج زاويه فمه بخبث أدهشني، ولكن تلك الابتسامة سرعان ما تلاشت تماما وحل مكانها الذهول عندما سكبت على رأسه كوب الماء ليشهق الجميع بتفاجؤ ويتوقف الزمن في لحظة، لترفع الخادمة يدها المرتجفة على ثغرها بعدم تصديق وقد جحظت عينيها بخوف!
بعد فعلتي تلك همست بحقد وصوت حانق: التقطه بنفسك أيها المعتوه.
اعدت الكوب على الطاولة بحزم ليصدر صوتا قوياً مدوياً، اتجهت للباب لأخرج بسرعة من غرفة الطعام وأصفق الباب بسخط وفي خطواتي انفعال شديد وما ان خرجت حتى شعرت بالغصة الشديدة.
تلك الغصة التي تسبق الرغبة في البكاء. تلك الغصة المزعجة والتي سببت ألما في عنقي جراء مقاومة البكاء.
بل تلك الغصة التي أشعرتني أنها قد سدت مجرى دخول الهواء إلى صدري.! أنا لا أبالغ. أعتقد بأنني أختنق!
عضيت على شفتي بحزن أشفق على حالي التي أصبح يرثى لها! لربما كان الوضع سيكون أفضل إن اهانني أمام اشخاص معدودين ولكن أن يهينني أمام خدمه اللذين يعيشون معنا في المنزل ذاته! وأمام تيا تلك الصهباء اللئيمة؟!
هذا لا يغتفر! هذا مؤلم جدا.
كنت أقاوم ولا زلت أقاوم البكاء بصعوبة بالغة. حتى ان جسدي بدأ بالإرتجاف وقدماي بدأتا تنذراني بأنهما لا ترغبان في إكمال السير. أغمضت عيني بقوة محاولة ان أهدأ وأنا أصعد الدرج وعندما وصلت إلى الممر المؤدي لغرفتي انتبهت لصوت خطوات متسارعة فالتفت حتى أجفلت وأنا أراه آت نحوي وعيناه لا تنذران بالخير ولو قليلا.
انتفضت بذعر رغما عني وأسرعت في خطواتي بل ونزعت الحذاء العالي وتركته في الممر وأنا أسابق الريح نحو الغرفة فبدى بأنه أسرع كذلك، اللعنة لماذا أشعر أن الغرفة أصبحت بعيدة فجأة! أطلقت العنان لقدماي أكثر وأنا أرجوها أن تسعفني لأركض كطفلة هاربة من مختطفها، وعندما فتحت الباب ودخلت كدت أغلقه إلا انه دفعه وامسك بذراعي ودفعني على الباب فارتطم جسدي بقوة فتأوهت دون شعور مني وأغمضت عيناي بألم!
كان يلهث وكأنه يكبت أعصابه بصعوبة، بل وكأنه وحش على وشك أن يهيج تماماً، شعرت بحرارة أنفاسه على وجهي فارتبكت وتألمت في آن واحد وفتحت عيناي متجاهلة ألم ظهري لأنظر إليه بصمت وازدراء.
فتفاجأت بكمية حقد وسخط في عينيه أسوأ من كل مرة!
ولكنني قلت بحزم بصوت أجش: اعتقد بأن ما فعلته كفيل بجعلك تستسلم! اليس هذا كثير جدا؟
بل زادني إصرارا!
قالها بنبرة حادة وبصوت مرتجف جراء غضبه!
ازدردت ريقي بصعوبة وعندما زاد من قوة إمساك ذراعي قلت معترضة بإنفعال: انت تؤلمني! ستكسر يدي!
كان على أن أكسرها قبل أن تسكبي الماء!
نظرت اليه بامتعاض وكره: أنت من قادني لفعل هذا!
صرخ بغضب: ألا زلت تجرئين على تبرير فعلتك؟ هل حقاً لا تبالين بالعواقب! أنتِ لستِ نداً لي أيتها الحشرة! كيف تفعلين أمرا كهذا أمامهم بحق الجحيم!
تماما كما تجرأت أنت وأردت إهانتي!
اللعنة عليك يا شارلوت لا تعلمين كم أنا غاضب الآن!
ماذا؟ هل أحرجك ما فعلته أمام زملائك في العمل؟ ماذا عني حين أردت إذلالي أمام الخدم اللذين ينظرون إلى وجهي من الصباح حتى المساء!
سأحطمك إلى قطع صغيرة وستندمين على فعلتك. ، لقد طفح الكيل معك! كما أنصحك بالتوقف عن التظاهر بالقوة، انت ثابتة أمامي ظاهريا، ولكنني أخبرتك بأنك شفافة جدا. أنت ترتجفين من الداخل!
أكمل بجفاء: بالمناسبة كيف كان؟ هل أعجبك؟
شعرت به يحاول كبت غضبه بصعوبة أكبر وما جعلني واثقة هو قيامه بفتح ازرار القميص العلوية وانتزاعه لربطة العنق التي القى بها على الأرض وهو يزفر إلا أنني رمقته بعدم فهم متسائلة بنفسي بما يقصده؟!
اطبقت شفتاي بامتعاض وحدة لثوان حتى تساءلت بنفور: ما الذي ترمي إليه؟!
أوه، ياللبراءة! يعجبني تصنعك هذا.
استرسل ببرود: ربما أفسدنا عليكما تبادل النظرات خفية مع كل حديث، بل وأفسدنا النقاش الجميل المليء برغبة الإفادة والإستفادة، هل أرتب لكما المكان والوقت المناسب!؟
اتسعت عيناي وانا استوعب كلماته، لابد وأنه يقصد ذلك المدعو اليكس ان لم اسئ فهمه، كيف يجرؤ!
أنت ذو تفكير قذر! لا شيء جديد! لن أتعجب من تفكيرك بهذه الطريقة ايها الوقح المتجاسر.
أضفت ساخرة: أخبرني! هل تحمل تفكيرا دنيئا كهذا تجاه أحد زملائك، موظفيك، أيا يكن؟ بصراحة لا يفاجئني صغر عقلك يا كريس طالما ظننت بأنك ستقلب الطاولة بمجرد ان تطلب مني التقاط الزجاج الذي حُري أن يمزق أناملك هذه قبل ان تجرؤ وتدفع بي إلى الحائط أيها الوضيع.
ما ان انهيت جملتي حتى ادارني لألتصق بالجدار!
كان وجهي قريبا جدا من الحائط حتى انني شعرت بألم في وجنتي اليمنى، لم يكتفي بهذا فقام بتثبيت يداي خلف ظهري بيد واحدة واقترب هامساً بنبرة مخيفة: شارلوت توقفي حالا عن الرد على ما أقوله، توقفي عن إرغامي على التصرف بطريقة سيكرهها كلانا، تستمرين في استفزازي ولا تبالين بالعواقب! لا أريد اللجوء لإستخدام القوة معك! أنا لست ذلك الشخص الذي سيستخدم يده معك فلدي طرقي في الإنتقام منك أيتها اللعينة.
انهى جملته وهو يتركني فقلت بغضب مستديرة نحوه: لما لا؟ هيا يا كريس اصفعني! قم بضربي أو نفس عن غضبك قبل ان تُفلت أعصابك لن يكون كبت غضبك أمرا جيداً صدقني. هيا أسرع! لا تقلق لن أقاومك لذا لا تتردد. تفضل! ماذا تنتظر؟
أطبقِ فمك!
قالها بغضب ثم رفع شعره المبلول: فعلتكِ هذه ستدفعين ثمنها غالياً، أعدك.
أنت من سيّرني لفعل شيء كهذا! إن كنت لا تستطيع احتمالي فدعني وشأني! اتركني وحسب!
هل قلت أدعك وشأنك؟ يا لك من متناقضة! الم تقولي بأنك لن تهربي؟
ضحك بخفوت قبل أن يسترسل بصوت كفحيح أفعى: ما رأيك أن تعتذري لي أمام الجميع؟ حينها أقسم لكِ بأنني سأكون أكثر لطفاً.
ابتسمت بسخرية لاذعة: أتعلم. أشفق عليك حين تعتقد بأنني من الممكن أن أعتذر لك على خطأ اقترفته بنفسك يا كريس، بل وأردت من خلاله إذلالي وإهانتي. دعني أوضح أمراً واحداً وحسب. تفكيرك تجاه المدعو اليكس خاطئ تماماً، لست أبرر ولكنني لا أقبل بظنون قذرة ملوثة كهذه!
ثم لا أدري كيف أكملت مبتسمة بملل ظاهري: ولكنني أوافق على اقتراحك في النهاية، لن أعترض على ان تقوم بتدبير مكان وموعداً لنا. هل سيرضيك هذا؟ على الأقل هو يبدو شخص لطيف ومراعي أكثر منك ولن يتجرأ على القيام بما يفعله شيطان وضيع مثلك خرج عن طريق الخطأ من الجحيم التعيس.
تفاجئت به يمسك بمعصمي ويجرني خلفه فدب الرعب في قلبي! م. ما الذي ينوي فعله؟!
أدهشني أنه اتجه نحو الحمام، وفتح ماء الاستحمام وشهقت وانا ارى نفسي ادفع نحوه!
كان الماء مصوبا نحوي فصرخت بغضب: هل جننت!
نظر إلى بسخط: اخرسي!
نبرته تلك جعلتني أطبق فمي تماما بالفعل!
كان الماء ينساب على جسدي بغزارة وبدأت أرتجف جراء برودته.
اعتذري حالا.
أ. أنت تحلم!
قلت لك اعتذري!
وأنا قلت بأنك تحلم.
وقف يحدق إلى واضعا يده على جبينه وبدى وكأنه بلا حيلة أمامي للحظة حتى همس: لا يمكنني الإحتمال أكثر، أشعر بأنني سأنفجر في وجهك وسيندم كلانا. هذا كثير. أنت حقا بحاجة إلى دفع الثمن!
أغلق الماء وجذبني نحوه فالتصقت بصدره، رفع رأسي بيده والأخرى أمسك بها شعري ولكنه لم يمسك به بقوة بل ظل يحاول ان يكون متساهلا كما اظن!
من الواضح أنه انفعل أكثر ويحاول جاهداً تمالك نفسه، ولكن. م. ماذا! ما الذي يريده الآن؟
حاولت ان انزل رأسي فعاود يرفعها ممسكا بذقني فقلت ابعد عيناي عنه وصوتي مرتجف جراء شعوري بالبرد: ما الذي تريده الآن!
انصتي يا شارلوت! الإله وحده يعلم بأنه لا يوجد من يفوقني غضبا الآن. لو كنتِ رجلا فصدقيني لم تكوني لتقفي على قدميك الآن، لكنت أوسعتك ضربا مبرحا حتى يُلقى القبض علي.
نظرت إليه بغيض، بينما بدأت نظراته تتغير قليلا حتى ارتخت ملامحه وهمس بنبرة غريبة: يا له من جسد مثير!
انتفضت مجفلة فجأة بارتباك شديد! لا بد وأنه قال هذا بسبب التصاق الفستان بسبب الماء!
زمجرت بغضب يجوبه ارتباك: أنت وقح، ليس لسانك وحسب فحتى عيناك هذه ينبغي لي أن أقتلعها تماما! كف عن التحديق إلى هكذا!
ولكنه تجاهل ما قلته واحنى رأسه وجسده ليعانقني، وانسدلت يده من رأسي إلى ظهري فأجفلت وارتجفت بين يديه كثيرا إلى أن همس في أذني: تصرفاتك غير معقولة.
شعرت لوهلة بأنني أكاد أسمع خفقات قلبي التي اضطربت كثيرا!
ازدردت ريقي بتوتر ولا أدري لماذا أطبقت فمي والتزمت الصمت!
شعرت بأن الأمر خطير. لو جلبت مكبر صوت ووضعته على صدري فسيود المكان صوت خفقات قلبي الجنونية التي لا ادري ما مبررها الآن!
أريد أن أبتعد. ولكنني لم أعد أشعر بنفسي! بل وأنني أغمضت عيناي بسبب ارتخاء جفناي بشكل تلقائي تديريجيا دون أن أدرك!
عاود يضع يده على رأسي فوجدت نفسي اقترب منه أكثر! وكم فاجأتني ردة فعلي الساذجة هذه!
لماذا يبدو الأمر وكأنني مرتاحة في عناقه هذا!
لماذا؟
همس في اذني بلطف أدهشني: يمكنني الشعور بتوترك، اسمع تسارع خفقات قلبك. يا له من لحن جميل مُغري.
ازدرت ريقي بصعوبة بالغة نظراً لجفاف حلقي جراء الاضطراب الذي هز أوصالي وتساءلت حينها.
لماذا!
إنه. محق. قلبي. يبدو وكأنه يبالغ في سرعته!
فتحت عيناي قليلاً وشعرت بيديه تبعدانني برفق لينظر إلى مباشرة.
إنه. يقترب. هذا. خطير جداً! وجهه قريب!
ولكنني. كل ما أفعله هو التحديق إليه بصمت كفتاة مخدرة، أي لعنة هذه بحق الإله؟ أي تعويذة قد ألقى علي!
لماذا لست قادرة على التحرك؟ لماذا أبدو عجازة عن ابعاد عيناي عنه!
لا يمكن أن يكون لعينيه العسليتان هذه الجاذبية إلى هذه الدرجة!
إنهما بالفعل.
جذابتان جداً بلمعتهما وبريقهما الأصفر.
انتفضت بذهول وارتياب شديد عندما ابعدني عنه بقوة ليفاجئني بنبرة ماكرة خبيثة: كما توقعت! ربما أخذت دروسا من ستيفاني فأنا لا أستبعد ذلك!
أردف بخشونة وهو يبعثر شعره بإشمئزاز وثقة: لا بد وأن أساليب الإغواء تمشي في عروقك كمجرى الدم!
اتسعت عيناي بعدم استيعاب وتسمرت في مكاني أنظر إليه دون كلمة!
احتدت عيناه بإستهزاء: ماذا؟ لا يعقل أنكِ ظننت للحظة بأنني بالفعل تأثرت بك؟! كنت أعلم بأنك مغفلة ولكنني لم أعتقد بأنك بهذا القدر من السذاجة!
ابتسم بخبث وتمتم واضعا يديه في جيبه: إنني أرى قيمتك يا شارلوت. أراها بوضوح! أنت لا تحبينني ومع ذلك. تستسلمين بسرعة فائقة. الست سهلة المنال كثيراً؟!
س. سهلة المنال!
همس وهو يخرج: هذا يثير الغثيان.
بقيت وحدي.
في دهشة وذهول!
غير قادرة على استيعاب ما حدث.
استسلمت قدماي وخانتني فجثيت على ركبتاي أجلس على الأرض بدهشة، ما الذي حدث لي للتو؟
لماذا سمحت له بمعانقتي ولماذا استسلمت بسرعة! كيف أفعل هذا بنفسي؟
لقد. أهانني للتو بكلمات لاذعة لا تُغتفر!
سهلة المنال؟ يرى قيمتي؟ كيف يجرؤ على قول كلمات كهذه؟!
اسندت جسدي على يداي اللتان ترتجفان بسبب حماقتي، لماذا عانقته بحق الإله؟ ما الذي حدث لي! كيف تفعلين هذا بنفسك يا شارلوت وتسلمي نفسك للشيطان على طبق من ذهب؟
لماذا لم أقوى قبل قليل على فعل شيء أمامه!
ما كان على أن اعانقه، كان على أن أعلم بأن كل ما أفعله وكل ما يبذر مني سيستخدمه ضدي!
أنا مشتتة. مشتتة جدا!
لم أعد أفهم شيء.
لم أعد استطع كبح مشاعري الغريبة المزعجة هذه!
هذا بالفعل يكفي.
يتحدث للتو وكأنني فتاة رخيصة!
وكأنني بلا قيمة.
هذا مؤلم ومهين جدا!
بعد فترة وقفت بلا حيلة، اغتسلت بماء ساخن واتجهت للسرير كفتاة تمشي تحت تأثير تخدير قوي فريد من نوعه أو مغيبة عن الوعي.
هذا اللعين فاقد الإنسانية و المجرم عديم المشاعر، لا. بل الشيطان المريض بغروره الكريه. سأجعله يتمنى لو لم يولد. لا أدري كيف. ولكنني سأفعل.
أقسم يا كريس بأنك ستندم. ستعض على أصابعك من الغيض، ستعتذر أمام منزلي، ستكره اللحظة التي خطت فيها قدماي إلى هذا المنزل. ، ستتذوق قليلا من أفعالك وألعنك حتى الممات.
كان هذا ما قررته وانا أحدق إلى السقف بوهن.
مرت فترة تقارب الساعتان وأدركت أنني قد غفوت عندما تعالى رنين هاتفي فرفعت رأسي اواجه صعوبة في النظر بسبب شعري الذي تبعثر على وجهي بشكل فوضوي، اعتدلت بسرعة باحثة عنه. وكذلك استرقت نظرة سريعة إلى الساعة لأجدها تشير إلى العاشرة والنصف.
إنه هناك فوق المنضدة الأخرى.
اسرعت لأخذه ووجدته اتصال من سام.
عاودت استلقي على السرير وأجبت: مرحباً.
شارلوت! لماذا لم تجيبي قبل ساعة على هاتفك! اتصلت بك كثيرا ولكنك لم.
لم أنتبه لهاتفي.
لا بد وأنك كذلك! قبولك في المشفى لا يعني التراخي والتهاون، تعلمين بأن مسؤولية ضخمة بانتظارك.
ليتني أستطيع اخباره بأن كل هذا مجرد وهم وكذب وأنهي المسألة وليحدث ما يحدث.
أغمضت عيناي: أنت محق. أخبرني كيف حالك؟ هل من جديد؟
تبدين غريبة! هل أنت متعبة؟
تساءل بحيرة ولكن رغم ذلك شعرت بأن صوته قد اختلجه شيء غريب!
الأمر ليس بأنه شعرت بنبرتي غريبة، هو يجيد تفسير حالتي من خلال كلماتي ولو كانت أوسع ابتسامة تشق ثغري. إنه الأقرب إلى في المنزل، بل وعلاقتي به أقوى من إيثان بكثير. ربما لأننا مقربان في العمر أكثر، فهو لا يتعدى الرابعة والعشرون تقريباً.
بينما إيثان دائما منهمك في عمله ومشغول جداً ولا أراه سوى في فترات متراوحة.
بصراحة مزاجي قد تعكر قليلا ولكنني بخير الآن. لم تجبني! كيف حالك؟
تنهد بعمق شديد فارتفع حاجباي وفتحت عيناي: ما خطبك تتنهد هكذا وكأنك شخص يوشك على الإنتحار.
وماذا عساي أفعل سوى التنهد، أنا حقا منزعج جدا.
ما الذي حدث لك! ه. هل والداي بخير؟ هل كل شيء على ما يرام!
قلتها بخوف واعتدلت جالسة فاجاب فورا: لا تكوني حمقاء هكذا! نعم كل شيء يسير على ما يرام. إ. إنه ليس بالشيء الكبير.
وما هو! أخبرني فلقد بدأت أقلق.
المعرض.
تقصد معرض الصور التي قمت بالتقاطها؟ ما به؟ أعلم بأن الإفتتاح ينبغي أن يكون قريباً!
ساد الصمت ولم يجب فهمست بإسمه باستغراب ليقول أخيرا: يبدو أنه لن يُفتتح قريباً.
اتسعت عيناي: لماذا!
لا أعلم. أنا حقا لا أعلم. حدث هذا قبل ساعة فقط، عندما اتصل بي مدير المعرض وأخبرني بأن المعرض قد تم إلغاؤه تماما.
هاه!
يبدو أنني سأقوم بتأجيل الأمر قليلا.
ما الذي تقوله يا سام! هذه ليس إحدى دعاباتك اليس كذلك!
لن أمزح في أمر كهذا! تعلمين جيدا بأن المعرض كان طموحي الأكبر دائماً، وتدركين الجهد الذي وضعته في تنقلي وسفري من مكان إلى آخر لإلتقاط مختلف الصور. أنا فقط لا يمكنني استيعاب الأمر حتى الآن ولذلك اتصلت بك.
أضاف بإستياء: لو علم والداي فسيغضبان حتما ولا سيما وأنهما كثيرا الإلحاح على بإيجاد وظيفة أستقر بها بدلا من التصوير.
عقدت حاجباي أنظر للفراغ بحزن وضيق لسام!
تعب كثيرا لأجل هذا المعرض! بل وأنه كان يتنقل من ماله الخاص تحت عدم رضى والداي بسبب مداومته على التصوير وممارسته كهواية عوضا عن إيجاد وظيفة! حتما سيغضب أبي كثيراً.
لا بد من وجود خطب ما يا سام! الوقت متأخر ولذلك عليك الذهاب إلى ذلك الرجل غدا في الصباح الباكر حتى لا ي.
الأمر ملغي. وبشكل رسمي. أردت فقط أن أعلمك بالأمر وإياك يا شارلوت وإخبار أمي وأبي.
أنا لست مغفلة لأخبرهم!
لو لم تكوني مغفلة لما أخبرتهم ذلك اليوم بأن مدير الجامعة قد أوقفني عن الدراسة أيتها اللئيمة!
كان ذلك رغما عني! استدرجني إيثان بالحديث وأخبر أمي وأبي فوراً! لا ذنب لي.
ذلك الوغد إيثان. دائما ما تلاحقني الاعيبه في كل مكان.
ابتسمت بيأس: سام. لا أدري ما الذي على فعله! ولكن. ماذا عن المجيء إليك صباحا ل.
لا داعي لهذا. سأبحث عن معرض أخر قد يكون مناسبا لي أكثر. من يدري.
حينها وبشكل مفاجئ لا أدري لماذا ولكن.
صورة كريس قد ظهرت في مخيلتي دون سابق إنذار!
أيعقل؟
مهلاً! هل يكون انتقام كريس مني لما حدث قبل ساعتان؟
غير معقول!
أسرعت أقول: سام سأغلق الآن. اتصل بي لاحقاً.
لم أنتظر رده بل قفزت من على السرير فورا وخرجت من الغرفة لأنزل الدرج بخطوات متباعدة.
اتجهت إلى غرفة الطعام ولكنني لم أجد أحدا هناك، بل ان الإضاءة كانت مطفئة أيضاً!
أين سأجده!
لمحت إحدى الخادمات التي تعبر الردهة فاستوقفتها: عذرا، أين كريس؟ أنا لا أراه!
أجابتني بلباقة: السيد كريس خرج قبل لحظات آنسة شارلوت.
خرج!
سيسافر الليلة إلى رحلة عمل كما تعلمين لذا عليه أن يسرع و.
قاطعتها بدهشة: هاه؟! ما الذي تقصدينه! أ. أعني. هل.
تلعثمت كثيرا حتى عضيت شفتاي وتمالكت نفسي: منذ متى؟
ما لا يزيد عن الخمسة دقائق فقط. يمكنني اللحاق به لأجلك سيكون في موقف السيارات بلا شك.
شكرا جزيلا سأذهب إليه بنفسي.
خرجت من المنزل أركض بسرعة محاولة إيجاد موقف السيارات ذاك.
الحديقة كبيرة واستبعدت أن يكون المكان في ذلك الإتجاه لذا اتجهت للحديقة الخلفية ونزلت الدرج الحجري المليء بالأعشاب والحشائش الطويلة حتى لمحت موقف يضم سيارات مختلفة في نوعها وألوانها.
استطعت ان أرى إحداها والتي كانت أضواؤها مفتوحة مسبقاً.
إنه هناك بلا شك!
تحركت السيارة فشهقت بدهشة لثوان ولكنني عاودت اركض مرة أخرى لأمر بجانبها بل ووقفت أمامها فجأة أفرد ذراعاي لأمنعه وأغمض عيناي بقوة.
سمعت صوت مكابح السيارة القوي، فتحت عيناي ببطء وما ان فعلت حتى لمحته ينزل منها بغضب: هل فقدت عقلك؟
اقتربت منه ووقفت أمامه مباشرة وسألته بحزم: أخبرني. هل لك علاقة بما حدث لسام؟
كان لا يزال غاضبا وهو يزفر بإنزعاج شديد: هل هذا ما أوقفتني لأجله؟ تلقين بنفسك أمام السيارة فجأة لتسألينني سؤال كهذا! هل تريدين أن القنك درسا حالاً؟ يمكنني أن اطرحكِ أرضا أسفل عجلة السيارات الآن لو أردتِ الموت.
أخبرني! هل انت من اتخذ تلك الخطوة يا كريس؟!
ظل يحدق إلى حتى ارتخت ملامحه وابتسم بهدوء: هل اتصل لك باكيا؟
اتسعت عيناي: إنه أنت حقاً! أنت من فعل هذا بأخي!
صرخت محاولة صفعه: أيها السافل، أيها الجبان لقد تجاوزت حدودك كثيراً!
أمسك بيدي التي رفعتها وقال بسخرية: هل يعقل أن أترك فعلتك تمر هكذا يا عزيزتي؟ أخبرتك مسبقا ألا تستبقي الأحداث ولكنك كنت مفعمة بالحماس والحيوية واندلعت الحرب دون سابق إنذار، أردت منك تأجيلها ولكنك كنت مصرة. وهذه هي النتيجة الآن! أنتِ من تخطى الحدود ودخل إلى ساحتي وهذا بعض مما تستحقينه.
ما ذنب أخي بحق السماء! ألا تعلم كم أنفق من مال وكم تعب لأجل هذا المعرض! ألا تعلم أن عرض هذه الصور كان طموحه دائماً!
بالطبع أعلم! لن أقدم على خطوة كهذه لو لم يكن للأمر قيمة لدى أخيك العزيز.
عضيت على شفتي بقهر شديد وانتزعت يدي هامسة: أنا أكرهك. أكرهك أكثر من أي شيء آخر.
إنه إحساس طبيعي. لا تقلقي لا شيء مثير للقلق بشأن عاطفتك هذه.
اخرس! ولا زلت تتحدث وكأن شيئا لم يكن.
زفر بملل ونظر لساعته في معصم يده: هل انتهيت؟ لدي ما أقوم به لذا اغربي عن وجهي.
تراجع عما فعلته لأخي.
ولكنه سيكون من الصعب لكِ ان تتراجعي عما فعلته لي أمام الجميع. هل ستعودين بالزمن مثلاً؟
نحن متعادلان. أهنتني أمامهم وكانت لي ردة فعلي. إنه تعادل! لذا دع أخي وشأنه.
تكتف مفكراً لثوان ثم قال متظاهرا بالتفكير: بصراحة لن يكون الأمر صعبا أن أتنازل ولكن لا بد وأنه لفعلة شارلوت الشقية ضريبة لتدفعها. على سبيل المثال لو قامت بالتوسل إلى جاثيتا أمام قدماي فسأسامحها فورا وأعفو عن خطأها. وربما سأكتفي بأمر أبسط.
أكمل بخبث وبنظرة احتقار ينظر إلى من الأعلى بطرف عينه: لا أريد سماع اعتذارك سأكتفي بأن تلعقي حذائي فقط.
م. مستحيل! ليخبرني أي شخص أنه ليس في كامل قواه العقلية حتى أرضى قليلاً!
صرخت بإنفعال وتقزز: لن أفعل هذا ولو كانت حياتي معلقة بين يديك هاتان!
تغيرت ملامحه وظهر الجفاء: إذاً فالموضوع منتهِ.
هذا ظلم! هذه المسألة بيني وبينك فلماذا تقحم الآخرون فيها.؟
أنت من أجبرني على هذا. قومي بلوم نفسك وحسب. والآن غادري بسرعة وادخلي فلدي ما أقوم به.
سأخذ بحق أخي منك يا كريس. سأجعلك تدفع الثمن! حتما ستندم عندما أثأر.
أنا بانتظار شعور الندم هذا.
أخبرني إذاً. متى ستعود؟!
هل ستشتاقين إلي؟
قالها بوجهه الجاف ذاك حتى لفت انتباهنا حركة بجانبنا لم يكن مصدرها سوى ذلك الرجل السائق المدعو مايكل فتفاجأت بكريس يجذبني إليه ويقول بصوت مسموع لطيف: لا داعي للقلق يا عزيزتي لن أتأخر. مجرد أسبوع وسيرجوا كلانا أن يمضي بسرعة.
همست له بغيض شديد أرص على أسناني: توقف عن هذا لم أعد أرغب في التظاهر أمامهم. أعطني دور الزوجة القاتلة المختلة وسأرضى به فوراً وأطبقه حالاً.
جذبني أكثر واسند رأسه على رأسي وداعب شعري هامسا: لا تعتقدي بأنني أريد فعل هذا. لدي أهدافي الخاصة ولن أسمح لكِ بعرقلتي.
دفعته عني بحزم: قلت لك هذا يكفي لقد.
ولكنه أخرسني بقبلته تلك فاتسعت عيناي بدهشة!
شعرت بالسيد مايكل يغادر مُحرجا وهو يبتسم بإرتباك وحينها ابتعد كريس عني ينظر بطرف عينه للمكان الذي كان يقف فيه مايكل، عندما لم يجده تنهد ورمقني بلا اكتراث، ثوان فقط حتى اتجه للسيارة ليركبها بكل بساطة وقد تحرك مبتعدا بينما لازلت في مكاني أنظر للأرض مطأطأة الرأس وأطرف بعيني ببطء.
لماذا!
لماذا يفعل هذا بكل بساطة؟ لماذا يعتقد بأنني.
أغمضت عيناي بقوة هامسة دون شعور: عليه أن يكف عن التصرف بهذه الطريقة.
أنا أيضا لي مشاعري ولي الحق برفض أفعاله، أنا أنثى ومن السهل أن.
أن تتأثر عاطفتي بهذا! لأنني فتاة. لأنني فتاة ومن الطبيعي لي أن أتأثر كأي فتاة في هذا العالم.
هذا ما كنت أقنع نفسي به وانا أسير للداخل أرفع أناملي نحو شفتي بضياع وتشتت.
كما أسلفت أنا متأثرة لأنني. فتاة وحسب. لا سبب آخر. لا سبب سيدفعني لهذا التوتر والإرتباك، ولا سبب سيجبرني على الشعور بالضيق، سوى أنني فتاة.
هذا كل شيء.
لا شيء آخر…
مر أسبوع كامل على رحيله وكان أفضل وأجمل أسبوع في حياتي كلها! كنت استيقظ وانام دون أن أرى وجهه وهذا بحد ذاته كان هدية من الإله.
علمت خلال هذا الأسبوع من أولين امور كثيرة.
فلقد أخبرتني بأن اللئيم هو مدير قسم كبير في شركة والده السيد ماكس، ولكن بسبب مرض والده أصبح مسؤولا عن الشركة ويتحمل الأعباء وحده.
وعلمت أيضا بأنه يبحث عن شخص مناسب للإدارة في أحد الأقسام المهمة ليساعده في العمل الذي أصبح يسبب له ضغوطا كبيرة!
كما أنها أعلمتني بأن رحلة العمل هذه مهمة جداً وسيكون مشغولا في كل حين. و إن كنتم تتساءلون أين أنا الآن، فأنا في غرفة جيمي أجلس بجانبه بشرود تام.
لقد كان يرسم مستلقيا على بطنه ومندمجا في ذلك تماما.
رفع اللوحة أمامي فضحكت بخفوت: ما هذا!
أجابني بحماس: إنه أبي. ما رأيك؟
لقد كانت الرسمة طفولية جدا جعلتني أبتسم قائلة: صدقني ستصبح مشهورا عندما تكبر يا جيمي!
علي الرغم من انها رسمة طفولية عفوية إلا أنني استطيع ملاحظة ان بعض اللمسات فيها مميزة نوعا ما.
قلت مقترحة: لما لا تريها لكر. أ. أقصد والدك عندما يأتي؟ لا بد وأنه سيسر بذلك!
سأريه ولكن إن لم تعجبه سأقول بأن ستيف من رسمها.
ضحكت بخفوت ثم تساءلت: بالمناسبة يا جيمي، أنت لم تتناول غدائك اليوم! ما الذي تريده على العشاء؟
زم شفتيه: ولكن يا أمي. لست جائعا و!
قاطعته بحزم مصطنع: هيا يا جيمي، عليك أن تأكل. وإلا شحبت بشرتك وفقدت وزنك!
همس بحزن: ولكنك لا تأكلين شيئا أيضا.
اتسعت عيناي قليلا، إنه يفعل هذا لأجلي أنا؟ لماذا هو متعلق بي إلى هذه الدرجة؟ مرت أيام قليلة فقط على دخولي حياة هذا المسكين ولكنه كثيرا ما يقفز نحوي ويعانقني ويطلب مني النوم بجانبه، حتى ان النوم في غرفته بات طبيعيا بالنسبة لي بل واعتدت كثيرا على هذا.
بعثرت شعره بلطف: دعك مني، وأخبرني ما الذي تريد تناوله.
رفع رأسه مفكرا: أريد كوب شوكولا ساخنه.
وماذا أيضا؟
الخبز بنكهة الحليب والبيض!
وماذا أيضا؟
وفطيرة تفاح!
ضحكت ساخرة: أيها الماكر من الذي قال للتو بأنه ليس جائعا!
تمتم بخجل: ظننت بأن لا ينبغي أن أزعجك بتناولي الطعام أمامك.
أردف بتوتر: فأنت لا تأكلين شيئا!
يا الهي! على أن أقتلع جيمي من حياته البائسة! بدأت أفكر في تحريره من قبضة الشيطان.!
تنهدت بسعادة وعانقته بلطف: أشكرك يا جيمي على اهتمامك، انت لطيف حقا!
ثم ابتعدت وطلبت من آنا تحضير ما طلبه جيمي وبعد ان تناول طعامه وفرش أسنانه جلس على السرير فجلست بجانبه ليقول بحزن: أبي لم يعد بعد.
داعبت وجنته: لا بأس أنت تعلم بأنه مشغول، ربما سيعود الليلة أو غدا!
أمال برأسه ثم تمتم: هل ستنامين معي الليلة؟
تساءلت بخبث: وهل هناك احتمال آخر؟
ضحك بمرح: لا اظن.
أردف بخبث وهو يقلدني: واسردي لي قصة.
لتقلدني دون توقف هاه؟!
ضحكنا في الآن نفسه ثم اندسيت تحت الفراش بجانبه قائلة: ولكنها الثامنة والنصف وعليك ان تنام حالا قبل ان تدخل التاسعة!
ماذا عن القصة؟
سأروي لك قصة ممتعة في الغد!
حسنا إذا.
وما أن قالها ما هي لحظات حتى انتظمت انفاسه فعلمت بأنه قد غط في نوم عميق.
وهذا ما فعلته أنا أيضا بعد أن غلقت الإنارة الخافتة.
مر يومان آخران وكريس لم يعد بعد، أما جيمي فأسئلته المتواصلة تلاحقني في كل وقت عن والده! وبدى بأنه بالفعل يفتقده كثيرا.
بينما الأمر الأكثر إزعاجا هو قدوم الصهباء تيا هذه الأيام بكثرة!
كنت أجلس مقابلها على طاولة الحديقة، كانت الطاولة والكراسي البيضاء ذات تصميم فيكتوري جميل وأنيق، وعليها إبريق القهوة الأبيض بالنقوش الزرقاء وكذلك بعض الكعك وشطائر محلاة، سكبت لها القهوة فتناولتها مني بصمت ثم رشفت بهدوء بينما تجاهلتها ونظرت لجيمي وشارلي اللذان يلعبان بمرح.
رفعت إحدى خصلات شعرها الصهباء ولفتها حول إصبعها متمتمة: ما الأمر؟ هل تفتقدينه كثيرا؟
حاولت ألا ابدو منزعجه بل قلت بهدوء: أفتقده أو لا. ما شأنك أنت؟
كان فضولا فقط. بالمناسبة لما لم تقيما حفل زفاف.
لم يكن إعداده أمرا في غاية الأهمية، نحن متفقان على هذا منذ البداية لظروف خاصه!
ثم راودتني رغبة في الضحك على الحماقة التي تفوهت بها.
كريس يتصرف بغرابة مؤخرا!
قالتها ببرود مردفه: لقد كان أفضل حالا قبل الآونة الأخيرة أتساءل ما السبب.
أوصلت رسالتها لي بطريقتها المعتادة فاستقبلتها واحتملت حديثها المستفز بصعوبة.
واصلت حديثها قائلة: أنا وكريس صديقان مقربان جدا، ويفاجئني بأنه لم يخبرني بشيء عن زواجه منك مع لذا لا انكر انني مازلت مندهشة من هذا الأمر حتى الآن!
لما لا تكونين واضحة يا تيا؟ أشك في أنك تعنين كلمة صداقة بهذا المعنى يبدو الأمر وكأنك تقولين لي بأنك عشيقته!
قلتها بنفاذ صبر وغضب فقالت ببرود: ياللوقاحة! عشيقته؟
علقت بحزم: نعم. ولكن هذا لا يغير بأنها أمور من الماضي فأنا الآن زوجته كما تعلمين.
يالسرعة بديهتك! ولكن يا عزيزتي لا يشترط أن تكون جميع الامور قديمة العهد! لربما كان بعضها معاصرا للأحداث مثلا!
أنت تتجاوزين حدودك! ماذا تكونين تحديدا بحق الإله؟
أنا لا أتجاوز حدودي. على العكس تماما، أخبرتك بأنني زميلته في العمل، صحيح بأننا مقربان جداً ولكنه ليس ذنبي إن كان كريس يشعر بالراحة معي كثيراً! اليس كذلك؟ ولكن دعينا من كل هذا عزيزتي شارلوت فهناك السؤال الأهم بكثير.
اشحت بوجهي بامتعاض فأكملت: لماذا تزوجته علما بأنه أب لطفل في الخامسة يا تُرى؟
تظاهرت بانها تعدد على أصابعها: لوسامته؟ لرد جميل ما؟ لمنصبه؟ لثروته؟ اشعر بالحيرة هل يمكنك مساعدتي في إيجاد الإجابة الانسب؟
هذا كثير جدا!
هل هذا يعني بأن الإجابة جميع ما سبق؟
لم أحتمل المزيد من تلميحاتها فرمقتها بازدراء بينما ضحكت بخفوت وامسكت بحقيبتها: على الذهاب الآن ربما سآتي في وقت لاحق إن تحسن مزاجك!
همست بانزعاج: إنه أفضل ما قمت به!
حين ركبت سيارتها و خرجت من المنزل تنفست الصعداء بارتياح لأتمتم: وأخيراً يمكنني التنفس قليلاً. أراهن على أن هذه الحديقة أيضا تمنت لو تغادر وتخرج بأسرع وقت، إنها تثقل الهواء وتعرقل عملية البناء الضوئي!
ولكن أيعقل بأن كريس وتيا مازالا على علاقة ما؟ أصدقاء؟ أو. أكثر بكثير!
ضربت الطاولة بيدي بخفة وأنا ازفر منزعجة واقنعت نفسي بأنني لست مهتمة.
ثم وقفت متجهة للمنزل لأدخل، عبرت الردهة وامتعضت وأنا أصعد الدرج غارقة بتفكيري بكريس وبتأخر عودته!
ولكن لما أفكر فيه بحق الإله! الست افضل حالا بدونه؟ فأنا أفضل هكذا على الأقل بدون إهانات وبدون.
خلو المنزل من وجوده أفضل بكثير من اندلاع تلك الحرب التي لا نهاية لها، إما يحاول إهانتي وإذلاي او بحرق أعصابي واستفزازي فقط.
انا مرتاحة هكذا، سأتمنى لو اطال في رحلة عمله هذه و يعود بعد عشرة سنوات كاملة.
ولكنني توقفت عن تفكيري وأنا أصرخ بخفة عندما التوت قدمي قبل أن أضعها على الدرجة الأخيرة وحدث ما لم أعهده إذ ترتب على ذلك عدم توازني فوقعت من أعلى الدرج وارتطمت قدمي بالأرض بقوة فصرخت بألم!
عاودت الصراخ مجددا ودوى تردد صوتي في الردهة والمنزل منادية بإسم أولين فأتت بذعر وعندما رأتني اتسعت عيناها بقلق مقتربة: ما الأمر؟ ما الذي حدث! هل أنت بخير؟
قلت متألمة أغمض عيناي بقوة: لقد التوت قدمي!
توترتْ كثيرا ونظرت من حولها بخوف لتنادي بالخدم وعندما أتى الجميع أسرعت إحداهن بإخبار السيد مايكل الذي حملني مباشرة إلى السيارة وأوصلني للمشفى.
لقد لويت قدمك بقوة يا آنسة ولكن لا داعي للقلق فالعظام بخير، إنه خدش بسيط وعليك ان تتحاشي الضغط عليها لأسبوع ونصف على الأقل.
كان هذا ما قاله الطبيب بعد ان لف قدمي بشاش طبي سميك وأعطاني مسكن للألم، ساعدني السيد مايكل وركبت السيارة وبجانبي أولين فما كان مني سوى أن أضع رأسي على كتفها وأنام دون أن أشعر بسبب المسكنات، شعرت بيدها التي رفعتها واحاطت بها كتفي وباليد الأخرى أمسكت بكف يدي هامسة: لا بأس ستكونين بخير. عليك ان ترتاحي وحسب. ألا زلت متعبة؟
نفيتُ برأسي: أنا بخير ولكنني بدأت أشعر بالنعاس إثر المسكن. سيدة أولين لا داع لأخذي إلى الغرفة العلوية، سأرتاح في غرفة الجلوس.
وبعدها اختفى صوتي ثم لا أعلم ما حدث تحديدا.
يبدو انني استغرقت بالنوم طويلا لأنني شعرت بصعوبة شديدة بفتح عيناي، ولكنني نجحت بذلك وتحركت قليلا حتى تأوهت بخفوت. كنت أستلقي على أريكة مريحة وفوقي غطاء ناعم.
ركزت قليلا لأجد أنني في غرفة الجلوس كما طلبت من السيدة أولين بالفعل. كانت المدفأة مقابلي تدفء المكان وتنيره، وبمجرد النظر إليها شعرت بالدفء وهمست محدثة نفسي بلا حيلة: درج شرير. كل شيء تخطو عليه قدم الشيطان ضدي تماما!
ابعدت الغطاء بصعوبة وادرت رأسي قليلا حتى شهقت مجفلة بذعر والتصقت في الأريكة.
م. متى عاد؟! ومنذ متى يجلس على الأريكة الماجورة؟ ولماذا لم يصدر أي صوت!
ثم ما هذا؟ لماذا قلبي يخفق بهذه الطريقة؟ ما هذا الشعور الغريب والمزعج؟ استوعبت الأمر وتداركت نفسي حين طرف بعينه متململا وهو يضع ساقا على الأخرى ويسند وجنته على كف يده فقلت متسائلة باتزان: متى عدت!
أجابني ببرود: ما الذي قد تستفيدينه من الإجابة؟
اول ما لفت انتباهي هو شحوب وجهه! وجهه ليس كالمعتاد! لسبب ما يبدو مرهقا.
أملت برأسي بلامبالاة وقد استوعبت للتو فقط اجابته المستفزة تلك، وتساءلت ما خطب تحديقه إلي!
شبك يديه خلف رأسه متمتما: كيف التوت قدمك؟ التواء كهذا لابد وأنه قد حدث بسبب حماقتك وطيشك! أمر ليس بغريب أو مستبعد أبداً.
رمقته بغيض ولكنني أجبت مشيحة بوجهي بعيدا: هذا لأنها ارتطمت بالأرض بعد التواءها. لا تتصرف كالطبيب المختص بذكرك كلمة التواء كهذا
أنت محقة أيتها الممرضة المرفوضة.
ها أنت ذا.
أردفت بإمتعاض شديد: كم الساعة الآن؟
الحادية عشر.
قالها ببرود مجددا، فاتسعت عيناي مفكرة بأنني نمت ما يزيد عن السبع ساعات!
ظل ينظر إلى بتفحص وتمعن فزفرت بانزعاج: م. ما الأمر؟ متى ستتوقف عن النظر إلى هكذا! هل من مشكلة أخرى؟
ضاقت عينيه وهمس بنبرة حادة: من هو إيثان تحديدا؟
أجبته بتوجس وحذر: وما الذي تريده من أخي الآن!
ابتسم ساخرا: حقا؟ ظننت بأنه صديقك؟
اتسعت عيناي مستوعبة الأمر فاسترسل بحدة: ماذا؟
هو ليس كذلك.
ولكنك قلت هذا.
نعم فعلت.
هذا يعني بأنك كذبت يا شارلوت! لم تكن متقنة هذه الكذبة السخيفة. كان عليك أن تتمتعي بذاكرة قوية على الأقل حتى لا تسقط زلة لسان كهذه. إلى متى كنتِ ستحاولين إخفاء الأمر؟
كذبتي لا تساوي شيئا مقارنة بكل أكاذيبك.
أكملت بحزم: ولا تتظاهر بأنك لا تعلم منذ البداية بالحقيقة.
أصبتِ. ولكنني انتظرتك لتبادري بنفسك، إلا أن هذا لم يحدث.
أنا لا اسمح لك باستجوابي هكذا.
زفر بنفاذ صبر وتحذير: كفي عن مجادلتي.
نظرت إليه لبرهة ثم قلت بحقد: فليكن. ولماذا تتحدث عنه فجأة! لا تخبرني بأنك تنوي بشيء سيء أيضاً
رمقني للحظات ثم قال بجمود: لا شأن لك.
لا أدري هل تخيلت. أم ان عيناه في هذه اللحظة قد لمعتا بكره مفاجئ. يجوبه اشمئزاز وانزعاج شديد حتى بعثر شعره بحركة منفعلة.
لحظات من الصمت بيننا حتى تساءل: هل زارتك تيا اليوم؟
زفرت بضيق وقلت منزعجة دون شعور: فلتعلم ان وجودها هنا لا معنى له إطلاقا مع استمرارها بوصف علاقتكما الحميمة، صحيح بأنك تزوجتني لأسباب محددة ولكن ذلك لا يعطيكما الحق بالاستمرار في هذه المهزلة بوجودي، انتظر الثلاث اشهر حتى تنتهي ثم افعلا ما يحلو لكما! عليك ان تفهم يا كريس أمرا مهما! صحيح بأنني وافقت على الزواج الغريب هذا والذي ليس زواجا حقيقيا حتى وعليك ان تستوعب أن لكل شيء ضريبة! لن أسمح لك بإهانتي هكذا!
لحظت التواء فمه الذي بالكاد يرى وانعكس ضوء المدفأة والنار على عينيه العسليتان مما جعل لونها يميل للأصفر بلمعته المميزة! انتابني ضعف غريب بمجرد التحديق فيهما فأشحت بوجهي بإنزعاج من نفسي ومن ضعفي المفاجئ هذا، قال بهدوء: هل التمس في حديثك غيرة؟
شهقت بخفوت إلا أنني قلت باندفاع فورا: الا تستطيع التفرقة بين الغيرة والمطالبة بالاحترام!
اسند وجنته على كف يده بملل: أيا يكن. بالنسبة للثلاثة اشهر!
نظرت إليه بحذر وترقب فقال مبتسما بمرح: لن تكون ثلاثة.
ازدردت ريقي وقلت بصوت مرتجف: ما معنى هذا!؟
أجاب: لست أفكر في وقت محدد ولكن محال ان تبقي هنا أقل من ثلاث أو أربع أشهر!
أكمل وهو يشير لي بأصابعه بحيرة: لنجعلها سبعة أو ثمانية أو ربما أكثر بكثير.
اعترضت بغضب: أنت تحلم! لقد كان اتفاقنا منذ البداية على ثلاثة أشهر! وبالمناسبة هناك أمر يشغل تفكيري الآن، اتسمي هذا زواج؟ أنا لم أوقع على أي اثباتات مطلقا! لذا لا يجب ان تتمادى فأنت تعرف حدودك جيداً يا كريس. انظر إلى المساحة الصغيرة التي لا يجب ان تقفز من خلالها أيها اللعوب المخادع!
ضحك بخفوت: يعجبني تفكيرك. ولكنني أعتذر نيابة عن استيعابك البطيء الذي يظهرك فتاة ساذجة غبية.
أردف بعد برهة: لقد اتيت لأخبرك بأننا غدا سنعلن زواجنا رسميا في المحكمة. عند العاشرة صباحا! السبب الوحيد هو انني لا استطيع الشعور بالراحة النفسية التامة، نحن نتشارك المنزل ذاته وعلى الجميع ان يرانا زوجان حقيقيان، لن تقبلي ان نكون تحت السقف ذاته يا شارلوت بهذه الطريقة! على الأقل قانونيا حتى تبعدي الشبهات عنك. وإياك وأن تحلقي بخيالك بعيدا فلا سبب آخر قد يقودني للزواج منك.
اتسعت عيناي ورمقته بغضب، ثم وقفت استند على طرف الأريكة وقلت بنبرة حاولت أن اخفي فيها ضعفي: دعني أخبرك بجملة مختصرة جدا. أنت تحلم وعليك ان تفيق من هذا الحلم الوردي حالا. إما ان توجه إلى نفسك صفعة قوية أو أسدي لك معروفا وأفعل هذا بنفسي.
حاولت المشي على قدمي ولكنها آلمتني بشدة فأسرعت أعرج إلى الباب بصعوبة بالغة، لماذا تؤلمني هكذا بحق الإله يبدو الأمر كما لو كان كسرا وليس التواءا!
عندما فتحت باب غرفة الجلوس اشرت إليه بيدي بسخط: جملة أخرى أشد وضوحا، أنا مستعدة للزواج من اسوأ الرجال يا كريس حتى لو كان مجرما او مختلا عقلياً عوضا عن الزواج بك أنت. أوه أسفة يبدو أنني ذكرت صفات موجودة بك بالفعل، لا شيء جديد.
وقفت اصارع نفسي ولا سيما حين ضحك مستمتعا!
وحينها فقط فكرت بعمق، لا حق له بالإعتراض على مغادرتي، صحيح بأنني قلت هذا مسبقا بشأن عدم هروبي وعن كوني لست بجبانه ولكن إن كان هو قد كسر اتفاقنا فلي الحق ان اكسره انا ايضا، على أن أخرج وحسب! وبعدها يمكنني أن اقدم بلاغا عنه! ه. هذا يعتبر إختطافا اليس كذلك؟ و. ولكن، لقد اتيت بمحض إرادتي!
غيرت مساري نحو باب الخروج وتنهدت بتعب لأضع يدي على مقبض الباب لأديره ولكن صوته الساخر اجفلني: أرى قطة صغيرة تنوي الفرار سراً. إلى أين يا تُرى؟
لم استدر وإنما قلت بحقد: وإلى أين برأيك سأذهب؟ سأخرج من جحيمك إلى أي مكان! سأعود إلى منزلي.
شعرت به يقترب فسارعت أفتح الباب ولكنه عاود إغلاقه واضعا يده عليه واقفا خلفي مباشرة قائلا: أنا في مزاج جيد اليوم لذا ارجو الا تعكريه يا شارلوت.
فلتذهب انت ومزاجك لتتعفنا بعيدا عن وجهي!
امسك بي يحاول إرجاعي ولكنني تمسكت بقبضة الباب بامتعاض: دعني وشأني!
تمسكت بقبضة الباب أكثر وبقوة فزاد من قوته كذلك.
استمر الوضع هكذا حتى قلت بغضب: أتركني أيها الطفيلي القذر!
طفيلي!
غريب! تبدو مندهشا.
شعرت بضغطه يزيد على يدي فهمست بسخط متألمة بشدة: ه. هذا مؤلم!
ولكنني لم أترك المقبض بل كنت مصرة على عدم التراجع حتى تفاجأت به ينخلع تماما وبسبب ذلك اختفى مصدر القوة التي كنت اتمسك بها لأدفعه ونقع كلانا!
لحسن الحظ أنني لم أقع على الأرض بل وقعت فوقه، ظهري ملاصقا لصدره لأسمعه يزمجر بغضب وألم: أيتها المتهورة أنظري إلى ما تسببت به!
حاولت أن أعتدل مبتعدة ولكنه فاجاني وهو يثبتني بذراعيه هامسا بشيء من الغيض: ليس بعد، لقد خلعت مقبض الباب!
لا تتحدث وكأنه يعني لك شيئا ثمينا.
في الواقع لا يعني لي شيئاً ولكن الباب الخلفي بعيد لنضطر للخروج منه ريثما يتم إصلاح هذا الباب.
دعني وشاني! أقسم بأنني سأقوم بغرس أسناني بيدك بقوة لتأخذ أشهرا لتتعافى منها!
نعم فأنت مفترسة لا تمانعين استخدام العنف والقوة في سبيل الظهور كفتاة بريئة تحمي سمعتها.
اتسعت عيناي لجملته تلك واجتاحني الغضب لأحاول أن ابتعد مرارا وتكراراً وبالفعل كنت أحاول عضه حتى ذهلت بإحدى الخادمات التي خرجت تفرك عينيها بنعاس مرتدية رداءا أبيضا طويلا قطنيا للنوم بل وأنارت الردهة ليُسلط علينا ضوء الثريا الضخمة فوقنا تماما!
بدى وكأنها أضاءت إنارة على خشبة المسرح ليُسلط علينا الإهتمام ونحن نؤدي مشهداً أحمقاً كهذا!
نظرت إليها متسمرة بدهشة بينما نظرت إلينا بعدم استيعاب!
ه. هذا. محرج!
ولكن ما أذهلني هو قول كريس بلطف فجأة كعادته كلما ظهر احدا ممررا يده في شعري: لا بأس يا شارلوت على رسلك! أعلم بأنك مشتاقة إلى ولكن.
اتسعت عيناي لما قاله بينما تظاهر بأنه استوعب وجود الخادمة للتو وهمس بتوتر مزيف: أعتقد باننا تسببنا بضجة!
ارتبكت الخادمة وتوردت وجنتيها بشدة وهي تقول بتلعثم: لا سيد كريس! لم تسببا أي ضجة، أ. أنا. آسفة! آسفة حقاً! س. سأعود للنوم حالاً! أعتذر على المقاطعة.
اسرعت تعود أدراجها بإرتباك وقد أغلقت الإنارة فوراً وهي تبتسم بوجه متورد!
ما. ما الذي اعتقدته هذه الخادمة؟!
سحقا لهذا الثعلب الماكر!
ابتعدتُ عنه بصعوبة وجلست على الأرض أنظر إليه بغضب بينما اعتدل مسندا نفسه على مرفقيه مبتسما بإستفزاز فقلت بحنق أرص على أسناني: ستعتقد بأنني فتاة وقحة منحرفة بسببك!
اتسعت ابتسامته أكثر وتمتم بسخرية والرضى على وجهه: صدقا يا شارلوت هذه المرة لن يكون عليك التظاهر لذا كوني جدية!
ما الذي تقصده!
أنظري من حولك لا أحد هنا!
حين لمعت عينيه بذلك البريق الماكر فهمت تلميحاته وهمست بعدم تصديق: أنت بالفعل كتلة وقاحة تتنفس على الأرض!
في النهاية اعتدلت ووقفت ببطء بسبب قدمي، فوقف بدوره ولكنني زفرت بضجر شديد حين وقف أمامي مباشرة ليعيد خصلة متمردة خلف أذني، فقلت بنفاذ صبر: كن واضحا معي! ما الذي تريده؟! أنا أعلم بأنك تود مني التصرف بطريقة معينة لتستغلها لصالحك فيما بعد.
رفعت يدي لأبعد يده عني وتحركت بغضب دون ان أشعر وبينما انا كذلك ضغطت على قدمي دون قصد بقوة فصرختُ متألمة!
علق بتبرم: قالت السيدة أولين بأن الضغط عليها سيزيدك ألما!
همست بإستياء: هذا لا يعنيك، فقط دعني وشأني!
هو لا يعنيني ولكن لا يجب أن يشعر أحدهم بأنني مقصر في حق زوجتي.
ارحمني من هرائك.
تحركت ببطء نحو الدرج واستندت عليه لأرفع قدمي بحذر، القيت بكامل ثقل جسدي على مسند الدرج حتى لا اشعر بأي ألم في قدمي، صعدت الدرجة الثانية ببطء كذلك ثم الثالثة.
حتى تفاجأت بجسدي يرتفع بعد ان حملني بين يديه!
قلت معترضة: انزلني.
لو انزلتك وصعدت بنفسك فأراهن بكل ما أملك بأنني سأستيقظ وأراك لا زلت تصعدين الدرج.
قلت لك أنزلني! لا أريد مساعدتك. أنا لست بحاجتك!
كفي عن الصراخ في اذني وكوني هادئة. الجميع نائمون في هذا الوقت.
انزلني إذاً حتى لا يعلو صوتي أكثر! يمكنني الإعتماد على نفسي لذا ت.
ولكنني انتفضت بخوف حين تظاهر بأنه أوقعني فتشبثت به بقوة ليهمس بسخرية: كان التنبيه الأول لك.
زميت شفتاي بإنزعاج واشحت بوجهي بعيداً أنظر للدرج بصمت.
كانت ذراعاي تحيطان بعنقه خشية أن أقع او افقد توازني واتسبب له بذلك أيضاً.
الدرج ليس بقليل فهل سيصعد بي كل هذه المسافة! ا. الست ثقيلة مثلا؟ لقد عاد للتو فلا بد وانه منهك.
بينما كنت أفكر في ذلك لا أدري كيف أرخيت رأسي على كتفه!
ولكنني فعلت ذلك.
وأغمضت عيناي بهدوء. كنت أشعر به يصعد الدرج بخطى متزنة، وحينها تساءلت في نفسي عن سبب شعوري بالإسترخاء فجأة.
كيف ارخي رأسي على كتف الشخص الذي حطم أحلام سام؟ والشخص الذي مزق طموحي أمام عيناي! والذي يستغلني ويترصد لي في كل تحركاتي ليستغلها ضدي! كيف؟
لم أجد الإجابة.
حتى أدركت لاحقا أننا في الغرفة، ذلك حين تركني لأنزلق بقوة على السرير تحديدا على ظهري! فتأوهت بغضب: هل جننت؟
انحنى قليلا وهو يمرر يده على ظهره: أشعر بأن فقرات ظهري قد تغيرت أماكنها!
أ. أنا لم أجبرك على حملي! ثم ما هذه الوقاحة بحق الإله! لماذا القيت بي هكذا؟ ألا تستطيع ان تكمل دور البطل اللطيف المغوار في مشهد مؤقت حتى؟
دور كهذا ومعك أنت؟ لا أريده.
قالها واعتدل ليبتعد متجها نحو القسم الآخر من الغرفة فأدركت بأنه سيستحم.
حتى سمعت صوته من بعيد: لا تعتقدي بأنني سأكون لطيفا معك واتغاضى عن كل شيء لمجرد انني حملتك إلى هنا، إنها هدنة مؤقتة، هذا كل شيء.
التزمت الصمت ولم أعلق.
بل استلقيت على السرير واندسيت تحت الغطاء.
رافضة ان أفكر في أي شيء. ، نعم. لن أفكر بأي شيء إطلاقاً.
وبعدها أدركت أنني غطيت في النوم دون أن أشعر.
غريب.
لماذا أشعر بعدم الراحة وبألم في عظامي!
حاولت التحرك ولكنني واجهت صعوبة والمزيد من الألم.
فتحت عيناي بإنزعاج لأحاول استيعاب مكاني ولم أكد اتقلب على الفراش حتى وقعت على الأرض!
هاه!
ألم أكن نائمة على السرير؟
ل. لماذا أنا على الأريكة؟
اسرعت اعتدل بصعوبة وقد شعرت بألم مزعج في قدمي، استندت على الاريكة ونظرت للسرير.
لأراه ينام بعمق في منتصفه وبكل راحة وبساطة!
اشتعلت غضبا ما ان ادركت انه قام بحملي إلى الأريكة! أنا لم ولن أرى وقاحة بهذا القدر أبداً.
قطعاً لن أرى.
غضبت كثيرا ولكنني لم أعد استبعد اي تصرف كهذا منه، لا بد وانه فعل ذلك حين انهى استحمامه وكنت حينها قد غفوت دون أن أشعر.
لو كنت ضعيفة النفس لقمت بطعنه حالاً وانتحرت بعدها من النافذة.
زفرت بلا حيلة واتجهت للحمام لأغسل وجهي، وعندما خرجت وجدته لا يزال نائما بعمقه هذا وكأنه في سبات شتوي.
حينها تقدمت إلى السرير بحذر، ما حركني لم يكن سوى الرغبة في الإنتقام وحسب.
تذكرت ما قالته أولين بشأن نومه الثقيل جدا، فلم أجد سوى فتح الأدراج باحثة عن قلم مناسب، وجدت قلما أسودا بفرشاة سميكة وأحضرت هاتفي كذلك.
من الواضح أنني قمت بالرسم على وجهه اليس كذلك؟
هو لم يتحرك ولو قليلاً وكم أدهشني نومه هذا!
ابدعت في الرسم والتنويع والتقطت صور عديدة مع وجهه هذا، أنا واثقة بأنني سأحتاج هذه الصور يوماً.
لم أكتفي بهذا بل شعرت بأنني على وشك الغناء بأعلى صوتي مسرورة بنومه الثقيل.
حركتني قدمي الملتوية إلى الحمام بعد ان اخذت في يدي احد أصباغ الأحذية الذي وجدته في الأدراج ووضعته بكل برود في علبة غسول الشعر الخاصة به. حين سيستخدمه سيصرخ غاضبا بلا شك. حينها سأستمتع بإستفزازه.
ابتسمت وخرجت من الغرفة بصعوبة وقد بدأت أشعر بالإنهاك بسبب قدمي.
ما فعلته بعدها هو الذهاب مباشرة إلى جيمي، دخلت غرفته وأيقظته ولكنه لم يسيتقظ بسرعة فما كان مني سوى ان اجعله يشعر بالحماس فأخبرته بأن والده قد عاد في وقت متأخر بالأمس.
شعر بالسعادة البالغة وفز من مكانه معبرا عن فرحته وهو يركض للحمام ليغسل وجهه وأسنانه ويعود إلي: هل استيقظ أبي أيضا؟
نفيت برأسي: ليس بعد. ولكنه سيستيقظ بعد قليل بلا شك، ولكن عليك ان تعذره لو أطال في النوم قليلا فهو يبدو متعبا.
أمال برأسه بسعادة: سأنتظره.
ما حدث بعد هذا هو نزولنا لغرفة الطعام لنتناول افطارنا معاً، وحينها دخلت السيدة أولين غرفة الطعام قائلة بإهتمام: صباح الخير، أخبريني يا شارلوت متى استيقظت في الأمس؟
أجبتها مبتسمة: عند العاشرة والنصف كما أذكر.
هكذا إذاً، هل تشعرين بتحسن؟
أنا بخير.
ماذا عن كريس؟ الم يستيقظ؟
ليس بعد.
تدخل جيمي بحماس: سيدة أولين أبي يحب حساء الذرة كثيرا لماذا لا نعده له اليوم؟ سيسره هذا كثيرا اليس كذلك؟
نظرت لجيمي ابتسم لحماسه الشديد بينما قالت أولين مفكرة: أنت محق، أحسنت يا جيمي سوف أخبرهم بإعداده بجانب شطائر الجبن المفضلة لديه.
أومأ برأسه فبعثرت شعره بلطف: هيا أكمل طعامك.
بعد ان تناول كلانا الطعام غادر جيمي الغرفة بينما بقيت أجلس وحدي أعبث بهاتفي.
مرت فترة حتى دخلت أولين مجددا وامامها الخادمة آنا وهي تدفع عربة الطعام.
ابتسمت متسائلة: لا بد وأنه فطور كريس، هل استيقظ؟
أجابتني أولين متنهدة: سوف أذهب لألقي نظرة عليه وأيقظه.
قالتها وأشارت لآنا: ضعي الأطباق هنا على رأس الطاولة.
أومأت آنا وخرجت أولين، نظرت إلى أطباق فطوره التي كانت تحوي حساء ساخناً وشطائر بجانب كوب وُضع فيه كيس شاي أخضر وبجانبه إبريق للماء الساخن وطبق السكر.
ينام بكل راحة وسيستيقظ أيضا بكل بساطة ليجد كل شيء جاهز ويكمل بقية حياته وكأن شيئاً لم يكن.
علي أن أتصرف بشأن موضوع سام حتى لو كلفني ذلك اختطاف كريس واجباره على الرجوع عن قراره هذا! كل شيء مسموح عدى إيذاء عائلتي. هو يتمادى كثيراً وله ردود أفعال غير متوقعة!
في النهاية هو يستخدم المال والمنصب وإسمه لينتقم مني فقط.
تنهدت بعمق أنظر للهاتف وقد خرجت من غرفة المحادثة التي كنت أتحاور فيها مع سام بشأن المعرض. حتى لمحت رسالة قد وصلت من إيثان كان محتواها السؤال عن أحوالي فأمضيت وقتي بالتحدث معه.
مرت دقائق حتى وجدت نفسي وحيدة تماما في غرفة الطعام بعد خروج آنا.
لويت شفتي أنظر لأطباق كريس.
وللحظة. ابتسم الشيطان الساكن في داخلي بشر واسرعت أقف متجهة إلى رأس الطاولة، دون أي تردد رفعت السكر ووضعت عدة ملاعق في حساءه الساخن وقلبته جيداً ليمتزج ويذوب فيه.
بل ومزجت الملح مع السكر الموضوع بجانب كوب الشاي الفارغ.
لم أكتفي بهذا، إذ قمت برش الملح في منتصف الشطائر لئلا يكون واضحاً وعدت مكاني بكل برود.
لحظات من جلوسي حتى فُتح الباب، ولكن لم يكن من قام بذلك قد فتحه بلطف!
التفتُ لأراه يقف عند الباب بوجه حازم، شعره كان مبللا بعض الشيء وأنفه وعيناه متوردتان قليلاً.
واصلت النظر إليه وكذلك بادلني النظرات ليغلق الباب خلفه وتقدم دون ان يبعد ناظريه عني.
التعليقات