رواية قيد القمر للكاتبة نهى طلبة الفصل التاسع عشر
كيف حالها الآن؟
كان هذا أول ما سألته شموس لنورا عند وصولها الى منزلها.
أشارت نورا إلى باب جناحها: أنها في جناحي. وحالتها سيئة للغاية. مازالت تبكي باستمرار، لقد تشاجرت مع منذر مشاجرة عنيفة. وتعالت أصواتهما. و.
استحثتها شموس: وماذا؟
ردت نورا بحرج: أمي. من الأفضل أن تسألي سهير.
وأين منذر الآن؟
لا أدري. لقد استقل سيارة رؤوف وانطلق بها بسرعة كبيرة ولم يستطع رؤوف اللحاق به. ولكنه ذهب ليبحث عنه.
أغمضت شموس عينيها بقوة. فهي تدرك أن معركتها مع سهير قاسية وما تواجهه في زواجها أكثر صعوبة مما واجهته نورا يوماً. فتنهدت بقوة وهي تسحب نفس عميق. وقالت لنورا: اتركيني وحدنا. واعدي لها شراباً بارداً
أومأت نورا بصمت بينما اتجهت شموس إلى حيث توجد سهير والتي وجدتها متقوقعة على الأريكة شاردة في الفضاء وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وتحيطهما بذراعيها. ودموعها تهطل بلا توقف.
اقتربت منها بهدوء وجلست خلفها لتلفها نحوها وتضمها إلى صدرها بقوة.
ماذا هناك يا سهير؟ ماذا حدث؟
أجهشت سهير في البكاء وهي تغمغم بكلمات غير مترابطة:
انتهى. كل. شيء. أنا. آذيته. حطمته. دمرت. كل شيء.
زادت شموس من ضمها وهي تهدئها:
اهدئي يا سهير. اهدئي حتى أستطيع أن أفهم. ماذا حدث؟
أخبرتها سهير من وسط شهقاتها:
ضاع كل شيء. انتهى. منذر. وأنا. انتهينا. انتهى زواجنا.
مسحت شموس على رأسها بهدوء:.
لماذا تقولين ذلك؟ إن منذر يحبك.
ابتعدت سهير عن أحضان أمها وأخذت تهز رأسها:
لا. لا أعتقد أنه من الممكن أن يستمر في حبي بعد الآن.
ثم عادت تجهش في البكاء وهي تهمس:
لقد أضعته. انتهى كل شيء.
سألتها شموس بحزم:
ماذا حدث يا سهير؟
رفعت عينيها لأمها وهي تخبرها بألم:.
لقد أخبرته. ألقيت الحقيقة في وجهه. لم أستطع تجميلها أو تخفيف وقعها. لقد سأمت من التظاهر وأرهقت من الإدعاء. فصارحته. و، و. انتهى كل شيء. سيتركني الآن. سيبتعد. ويتركني.
سألتها شموس بارتياب:
وما هي تلك الحقيقة التي أنهت كل شيء؟
هزت سهير رأسها وهي تختنق بشهقاتها:
الحقيقة. أنني عاجزة عن الاقتراب منه كما يجب. أنني عاجزة عن حبه كما يريد. أنني زوجة فاشلة. وأقل من أي امرأة. أن هناك دائماً ما هو ناقص بيننا.
شهقة قوية من شموس أوقفت سهير عن الاسترسال في الكلام. فرفعت عينيها لأمها بحيرة:
لقد خرجت الكلمات بدون أن أسيطر عليها. أردت أن أخبره انني امرأة غير مكتملة. فاشلة وباردة. أردت أن أوضح له أنني لست تلك الفتاة الساذجة والسطحية التي يظنها. ولكن. لكن خرجت الكلمات بأبشع صورة ممكنة.
تنفست شموس بعمق. وهي تحاول التحكم في غضبها، فابنتها منهارة بالفعل وحياتها بأكملها على المحك. وما أخبرته لزوجها أقسى من أن يتحمله أي رجل.
رمقت دموع ابنتها في شيء من الحزن وهي تسألها: ولم أخبرته ذلك الكلام؟ لم تعتقدين أنكِ عاجزة عن منح زوجك ما يستحق من حبك؟
عادت سهير تجيب بأسلوبها الشارد وكأنها غائبة عما حولها: لأن تلك الحقيقة. أنا غير قادرة على حبه كزوجة عاشقة! أو كأي امرأة أخرى طبيعية. كيف أفعل؟ وجدتي قامت بما قامت به نحوي كي لا أشعر هكذا. أنتِ لم تكوني موجودة بجانبي، وكذلك والدي. كنت وحيدة ولم أدرك لم فعلت ذلك. حتى تفسيرك لي كان مبتوراً مشوهاً. فلم أفهم. لم أفهم. أحياناً أشعر أن عقلي سينفجر. فهو مشطور إلى أجزاء. جزء يحثني أن أصبح تلك الزوجة العاشقة لزوجي. وجزء آخر يمنعني ويكبح تلك المشاعر. وهناك ذلك الجزء الآخر الذي يقف حائراً غير قادر على اتخاذ أي رد فعل.
تهالكت شموس على أقرب مقعد وهي تهمس بألم: يا الهي! إن المشكلة أكبر مما ظننت. لقد كنت أعتقد أنكِ تعانين من خوف غير عادي أو ما شابه. و
قاطعتها سهير: ولكني خائفة. أنا خائفة على الدوام.
نهضت شموس وهي تمسك بذراعي ابنتها: سهير يا بنتي. إن عقلك صور لكِ ما حدث قديماً بتلك البشاعة التي تتصورينها لأن جدتك اتبعت أسلوباً عتيقاً، بل يكاد يكون بدائياً. وكونك طفلة صغيرة في ذلك الوقت هو ما ضخم تلك المشاعر بداخلك.
رمقتها سهير بضياع: أمي. أنا لا أفهم. لا أعرف كيف اتصرف.
ضمتها شموس بقوة لصدرها وهي تهمس بحزم: أتمنى لو كنتِ صارحتني من مدة لكنت استطعت مساعدتك. ولكن الآن. لا مفر من البحث عن مساعدة مناسبة ومحترفة.
ابتعدت سهير عنها بخوف:
ماذا تعنين يا أمي؟
رفعت شموس ذقنها بحزم وهي تخبرها:.
أعني أنه يجب علينا الذهاب إلى طبيبة. على الأقل في البداية تكون طبيبة نسائية. ثم. طبيبة نفسية متخصصة ومأتمنة، وأعتقد أنني أعرف واحدة.
تملصت سهير من أمها بقوة وهي تصيح بها:
ماذا! هل تعتقدين أنني مجنونة؟!
خبطت شموس كف بكف متعجبة:.
من يسمعك يعتقد أنكِ أُمية جاهلة! أنتِ تعلمين أنكِ بحاجة إلى مساعدة. أتمنى لو كنت أستطيع تقديمها لكِ. ولكني أخشى أن تزداد الحالة سوءً. واللجوء إلى الطب النفسي لا يعني بالضرورة وجود مرض عقلي. لقد لجأت إلى مساعدة طبيبة نفسية بعد فقداني لأخيكِ وفقداني لرحمي.
برقت عينا سهير بذهول:
ماذا؟!
أخذتها شموس من يدها وجذبتها ليجلسا على الأريكة معاً:.
نعم. لقد حدث هذا. لقد عارضت في البداية ولكن أبيكِ أقنعني بضرورة الذهاب، فحياتنا كانت على المحك.
هزت سهير رأسها بذهول:
كلا. كلا.
فصاحت بها شموس:.
بل نعم. هل تعتقدين أن ما مررت به كان سهلاً. أو هل كان من الممكن أن أتغلب عليه بمفردي. وحتى مع دعم أبيكِ مررت بوقت عصيب جداً ولولا تلك الطبيبة التي أخبرتك عنها. والتي أصر طبيبي في ذلك الوقت على مقابلتي لها وأضيف له اصرار أبيكِ، لما كنت تغلبت على حسرتي. وأنتِ يا حبيبتي في أمس الحاجة لها.
حاولت سهير الرفض:
ولكن ماذا عن منذر؟
أجابتها أمها بحسم:
يجب أن تستعيدي ثقتك بنفسك أولاً. حتى تستطيعين استعادة زوجك.
سألتها سهير مرة أخرى:
هل من الممكن أن يغفر لي؟
طمأنتها شموس:
لا تقلقي. سأجعل والدك يتكلم معه.
صرخت سهير:
كلا.
تكلمت شموس بحزم وجدية:
سهير، سوف نحاول إصلاح المشكلة. والبداية عندكِ أنتِ. يجب أن تقتنعي بالتخلي عن تلك السرية والكتمان. ودعي والدك يصلح الوضع مع منذر. ولا تقلقي. إن والدك لن يتسبب بأي جرح أو إحراج لكِ.
بدت سهير غير مقتنعة ومترددة في الموافقة على ما اقترحته والدتها. وعادت تلتمع عينيها بنظرات الحيرة والضياع. فهي تخشى ذهابها لتلك الطبيبة. وفي نفس الوقت لم تعد قادرة على التعايش مع طوفان الأفكار والمشاعر المختلطة التي تجيش بها. شعرت أمها بها فربتت على كتفها برقة:
ارتاحي قليلاً. وسأطلب من نورا أن تأتيكِ بشيء لتتناوليه. ثم نقرر ما سيحدث. ولكني سأتصل بأبيكِ حتى يتحدث مع منذر. لا. لا أريد أي اعتراض.
طأطأت سهير رأسها في صمت. وهي تراقب أمها تهاتف أبيها وتشرح له ما حدث باختصار وأخذ صوتها يخفت وهي تبتعد وتفتح باب الجناح متوجهة إلى الخارج حتى تكمل محادثتها. فدخلت نورا حاملة صينية مأكولات. ووضعتها أمام سهير وأخذت في اطعامها بهدوء. وسهير ساهمة وكأنها في عالم آخر.
انطلق منذر بالسيارة على غير هدى.
غضب. صدمة. ألم. مرارة. ضياع. ذهول. حيرة. قهر
كل تلك الأحاسيس لا تستطيع وصف هامش بسيط مما يعتمل بداخله. لم يفهم. كيف يمكنها أن تكون بتلك القسوة؟ كيف يمكنها نطق تلك الكلمات؟ والأدهى أن هذا ما كانت تفكر فيه وتشعر به لشهور. وهو من كان يظن أن كل مشكلتها نفور من العلاقة الزوجية. لكنه لم يتخيل للحظة أنه هو السبب!
يا الله! كيف لم يلحظ ذلك؟ كيف؟ ولكن. لكن حتى لو لاحظ إن أبشع كوابيسه لم يكن ليتصور فيها أن تصفعه سهير بتلك الكلمات…
سهير الرقيقة جداً. الخجلة على الدوام. لا ترضى به رجلاً.
ترقرت دموع القهر في عينيه وكاد أن يذرفها بالفعل. ولكنه رفض أن يمنح نفسه الراحة بتلك القطرات الدامعة. فهو يحتاج لكل ما بداخله من غضب. لا يمكن أن يسقط منهاراً فيثبت لها فعلاً أنه ليس رجلاً. لم يعرف ماذا يفعل. أو أين يذهب. فقط ظل يجوب الشوارع لساعات بدون هدف وجملتها القاسية تتردد في اذنيه.
أنا لا اشعر بأي شيء. وأنا معك. وأنا بين ذراعيك. هناك شيء ناقص. هناك دائماً شيء ناقص.
ضغط على دواسة الوقود بقوة وكأنه يفرغ غضبه فيها. فازدادت سرعة السيارة بخطورة. ولفحت نسمات الهواء وجه منذر لتهدأ من حرارة الدماء المتصاعدة بغضب إلى رأسه. وبدأت الأفكار تتوارد الى رأسه.
هل معنى كلامها ما فهمته؟، هل لا تشعر بأي شيء بالفعل؟ هل هي لا تراني رجلٌ كفاية لإسعادها؟ وما الذي ينقصني لإسعادها؟ هل يمكن إن تجد ذلك الشيء الناقص مع رجلٌ آخر؟،.
زاد من سرعة السيارة وهو يرغب في الهروب من صورتها مع أي رجل سواه. وأخذ يلوم نفسه.
كيف له أن يتألم هكذا من مجرد خيال لها مع غيره. بينما هي لم تتردد في إلقاء الحقيقة في وجهه بكل قسوة؟
ثم يعود ليراجع نفسه.
كلا. لقد حاولت الهروب من المواجهة طويلاً. وكانت تعود لقوقعتها وترضى بتلقي نظرات اللوم مني. دون أن تصرح بشيء. أنا من ضغطت عليها وسببت ذلك الانفجار
ضحك من نفسه بسخرية.
أيها الغبي هل تلتمس لها الأعذار. تلك القاسية. جامدة القلب. عديمة المشاعر. نعم. نعم. أنها معدومة المشاعر وسأثبت لها أنه توجد الآلاف غيرها يرغبن في حبي الناقص الذي لا يشعرها بشيء
أوقف السيارة وأخذ يبحث عن هاتفه في جيوبه ولكنه تذكر أنه ترك بين يدي سهير. فزفر بضيق. ثم لمح هاتف رؤوف ملقى على حاجز السيارة الأمامي. فأمسك به بلهفة. وهو يضغط الأزرار التي حفظها عن ظهر قلب طوال الشهر الماضي.
وما أن جاءه صوت وداد، حتى هتف بها:
وداد. أنا في طريقي إليكِ. الآن. الآن يا وداد.
أغلق الهاتف وارتسمت على ملامحه علامات التصميم وهو يوجه السيارة للطريق المؤدي إلى قصر الجيزاوي. بينما على الجهة الأخرى ارتسمت على وجه وداد ابتسامة انتصار واسعة.
تمددت نعمات على فراشها في غرفتها القديمة بقصر الجيززاوي، والتي مكثت فيها بعد وفاة عبد الرحمن.
دارت عيناها على معالم الغرفة وهي تبتسم بسخرية.
لقد عدت إلى نقطة البداية. فهنا. بين جدران تلك الحجرة بدأ كل شيء. بدءً من حالة الضياع التي مرت بها بعد وفاة عبد الرحمن ووصولاً إلى تلاعب قمر بها لتقنعها بالزواج من رؤوف. تلاعب سمحت هي به في ذلك الوقت. فهي لم تكن تعرف ماذا تفعل بحياتها. كانت في حالة ضياع استغلتها قمر ببراعة. لتزج بها في ذلك الارتباط مع رؤوف. والذي لم يثمر عن أي شيء.
أغمضت عينيها للحظة. وهي تخاطب نفسها.
لا تغالطي نفسك يا نعمات. كيف لم يثمر عن شيء. إن رصيدك المصرفي الآن مكون من رقم ذو ستة أصفار.
وهذا هو الفارق عن حالتها بعد موت عبد الرحمن. فهي بالفعل امتلكت الكثير كميراث شرعي لها. إلا أنه كان أسهم. وأنصبة مختلفة في أملاك وعقارات الجيزاوي. ولم تكن تمتلك الخبرة. أو القوة على التصرف في أي شيء. أما الآن فهي معها ثروة لا بأس بها. فعلى ما يبدو أنه لم يكتب لها الذرية. ولكنها تستطيع تأمين سنين عمرها القادمة بتلك الثروة الصغيرة. بالإضافة إلى أسهمها البسيطة في شركة الجيزاوي.
تعجبت من نفسها ومن أفكارها السلسة في تدبير حياتها القادمة. هل معنى هذا أنها قررت بالفعل ترك رؤوف؟ هي تعلم أنه حضر صباحاً لرؤويتها ولكنها تعللت بتعب أعصابها حتى لا تراه. ظنت لوهلة أنه سيصر على رؤويتها ولكنه لم يفعل. وهي لم تتعجب لذلك فيبدو أنه قال ما عنده في مواجهتهما الأخيرة وأنهى تلك المرحلة من حياته والآن سيتفرغ لأسرته الصغيرة وابنه القادم في الطريق.
كم كانت تتمنى لو أنها قاسية بما يكفي لتحرمه فرحته بذلك الطفل، ولكنها ليست بتلك القسوة أو الحقارة فمهما بلغ حقدها على نورا إلا أنها غير قادرة على ايذاء الروح الصغيرة بداخلها. لكن هذا لا يعني أنها لا تريد العثور على أي وسيلة فقط لتعكر سعادتها. وسعادة الجميع أو تسلبهم تلك السعادة. فقط هي غير قادرة على سلب روح بريئة. كل ذنبها أنها نبتت في الرحم الخطأ.
صوت سيارة تندفع بسرعة بالغة داخل الطريق الداخلي لقصر الجيزاوي هو ما أخرجها من تأملاتها فتحركت بفضول لترى من الذي اقتحم القصر بتلك الطريقة، ولكنها فوجئت بسيارة رؤوف تصتف في الممر وبتلك الفتاة التي تعتني بالرجل العجوز وهي تركض حتى وصلت إلى جانب الباب الأمامي الذي خرج منه قائد السيارة وانقض على الفتاة بقبلة عاصفة.
جحظت عينيّ نعمات وهي تتابع المشهد. وشلت الصدمة حركتها للحظات. لم تستطع تصديق عينيها. هل من المعقول أن يكون يخدعها هي وفتاته الصغيرة معاً ليقيم علاقة مع تلك الممرضة. حاولت الرؤية من زاوية أوضح ولكنها لم تتبين سوى خيال لشبح رجل لم تستطع تبين ملامحه. وأخيراً استعادت قدرتها على الحركة فالتقطت هاتفها وتحركت بسرعة نحو الشرفة الخارجية للفيلا لتستطيع الرؤوية من زواية أفضل وبدأت تسجل بعدسة الكاميرا الخاصة بهاتفها كل ما يدور. بين الفتاة والرجل الذي يرافقها. والتي تبينت ملامحه الآن وعرفته على الفور. وعرفت أيضاً كيف يمكنها تعكر سعادة غريمتها. ولكن بطريق غير مباشر.
تهالك رؤوف بتعب على أول مقعد قابله في بهو منزله. وزفر بحنق وهو يخبر نورا:
لم أجده في أي مكان. وكأن الأرض ابتلعته!
سألته نورا:
هل ذهبت إلى منزل جدي؟
بالطبع. لقد كان أول مكان أذهب إليه. ولكنني لم أجده هناك. أو في الشركة. أو في منزله. لا أعلم أين ذهب! لعله يجوب الطرقات. أو سافر خارج البلدة بأكملها.
وهمس بصوت منخفض لم تسمعه نورا:
أنا لا ألومه.
ورفع صوته ليسألها:
هل خالتي شموس هنا؟
نعم. لقد تحدثت مع سهير وبعدها قامت بعدة مكالمات أخرى والآن تعد لسهير شيئاً لتأكله، أعلم أنك تحتاج للراحة. لم لا تصعد إلى الطابق العلوي وترتاح قليلاً. فيبدو أن سهير باقية في جناحنا الليلة.
سألها بدهشة:
حقاً؟!
اجابته وقد عادت غيرتها تغلبها:
نعم. ولكن اختر أي غرفة غير غرفتك القديمة!
قبل أن يرد عليها سمعا صرخة مكتومة. صدرت من جناح نورا التي اندفعت على الفور لتتفقد ما يحدث مع شقيقتها، فوجدتها ترمق هاتفها بذهول وهي تضع يدها على فمها حتى تكتم مزيد من الصرخات والدموع قد تجمدت في مآقيها. ولكن لم تكن فقط دموعها ما تجمدت. كانت كل ملامحها متجمدة وهي تتابع ما يعرض على شاشة هاتفها.
تحركت نورا نحوها وضمتها بقوة لصدرها. وهي تنصحها:
سهير توقفي عن مشاهدة تلك الصور. لا تعذبي نفسك أكثر.
لم تجبها سهير بأي كلمة. ووظلت عينيها تتحرك تتابع شاشة هاتفها. ثم غمغمت بصوت خافت مجروح:
لقد ذهب إليها.
ثم رمت هاتفها وهي تلتفت لنورا:
أريد أن اذهب إلى منزلي!
سألتها بدهشة:
ماذا؟!
تحركت سهير بسرعة لتخرج من الجناح فاصطدمت برؤوف الذي كان يقف خارج الباب قلقاً مما يحدث بالداخل. نظرت لرؤوف للحظة قصيرة وكأنها تتعرف على ملامحه، ثم أخبرته بلهجة آمرة:
اصطحبني إلى المنزل. الآن!
سألها بتوجس:
إلى بيت عمي عبد السلام؟
أخبرته بحزم:
بل منزلي.
جاءت شموس مهرولة من المطبخ لتستمع إلى كلمات سهير الأخيرة. فحاولت إثنائها:
سهير. من الأفضل أن تبتعدي عن منزلك ليومين فقط. ثم.
قاطعتها سهير وهي تدفع بذراع رؤوف:
سأذهب الآن. رؤوف. هل ستصطحبني؟ أو أذهب بمفردي؟
صاحت شموس مرة أخرى:
سهير. انتظري.
تحركت سهير بالفعل في طريقها للباب وكأنها لم تسمع شيئاً، وخاطبت أمها:.
لن أنتظر يا أمي. ومن فضلك. أنا أحتاج أن أكون مع منذر بمفردنا عند عودته. سأتصل بكِ قريباً.
ثم سألت رؤوف بجدية:
رؤوف. هل ستأتي؟
تحرك رؤوف ليصطحبها في السيارة التي عاد بها من الشركة:
حسناً. سآتِ.
ما أن خرج رؤوف مصطحباً سهير حتى سمعت شموس صوت نورا وهي تصيح بصوت مذهول:
لا أصدق. لا أصدق. كيف وصلت بها الدناءة لتلك الدرجة؟!
دلفت الى جناح ابنتها لتراها ممسكة بهاتف سهير وهي تتمتمم بكلمات غير مفهومة. فجذبت الهاتف منها لتصدمها صور لمنذر وهو يقبل وداد بحرارة وهي تبدو ذائبة بين ذراعيه. تصفحت الهاتف بسرعة لترى مزيداً من الصور لوداد مع منذر. وفي النهاية ظهرت لها بضع كلمات لم تصدق عينيها لرؤيتهم.
كما اكتويت بنار شقيقتك. سأحرق حب زوجك في قلبك.
بالطبع لم تحتج شموس أن تبحث عن الرقم الذي جاءت منه الرسائل فقد كان واضحاً أن نعمات هي من أرسلتهم. فتمتمت بذهول:
لقد جنت المرأة بلا شك.
سألتها نورا بقلق:
ماذا سنفعل؟ هل سنترك سهير بمفردها مع منذر؟
اجابتها شموس بحيرة:
لست أدري. لست أدري. كيف يمكنني أتواجد معها وهي تواجه زوجها بخيانته؟ لست أدري ما العمل؟ أنا في غاية الحيرة. لكني يجب أن أحادث أبيكِ. يجب أن يعثر على منذر بأقصى سرعة.
ترددت نورا وهي تقول بخوف:
وهل سنخبر رؤوف؟
اجابتها شموس:
بالطبع سوف نخبر رؤوف. لقد تعدت نعمات كل الحدود. لم يكن عليها ادخال زواج سهير في انتقام ليس لها أي علاقة به. تلك السيدة يجب ايقافها. وزوجك هو الوحيد القادر على ذلك. الآن. دعيني أحادث والدك لأرى إذا كان وصل لمنذر أو لا.
جلس منذر في كرسي القيادة بسيارة رؤوف خارج قصر الجيزاوي وهو غائب عما حوله. لقد كاد أن يسقط في الفخ. فخ الخيانة. حمداً لله على نعمة العقل الذي نبهه في آخر لحظة أنه على وشك خسارة كل شيء. زوجته. ونفسه والأهم. إيمانه. بل حمداً لله على نعمة الإيمان.
فهو لم يستطع أن يصدق ما كاد أن يفعله منذ دقائق. لقد انقض على وداد ما أن رآها محاولاً تضميد جراح رجولته والتي أدمتها سهير بشدة. وهي استجابت له بطريقة لم يتوقعها. طريقة انبأته بما لا يدع مجالاً للشك أنها أكثر من جاهزة لتلبية رغباته. بل أنها أكثر رغبة وربما أكثر خبرة أيضاً.
ضحك من نفسه بسخرية. فهو اتبع طريقة رجال الكهوف ليثبت أنه رجل. وهذا بالضبط ما أوقفه عن اكمال ما بدأ مع وداد. فهو للحظة لم يدرك ماذا يحاول اثباته؟ ولمن؟ لنفسه. أم لسهير؟
أنه لا يسعى اثبات أي شيء لنفسه فهو أدرى الناس بحاله، فهل يسعى لإثبات أنه رجل لسهير عن طريق خيانتها؟!
أي منطق أعوج استحوذ عليه حتى يأتي إلى منزل جده ويجر وداد إلى المقعد الخلفي لسيارة رؤوف ليحاول اغراق ألمه في وقاحة أنوثتها.
انطلق فجأة في ضحك هيستيري. قهقهات عالية انطلقت منه ودمعت لها عيناه. مما أثار تعجب وداد فسألته بحيرة:
منذر. ماذا بك؟
استمر بالضحك وهو غير قادر على تفسير سبب قهقهاته. فهل يخبرها أنه جاء لها في محاولة لإثبات رجولته لزوجته. وتخيل نفسه يخبر سهير.
سهير حبيبتي. أنتِ مخطئة. أنا رجل بكامل عنفواني. ودليلي على ذلك أنني قمت بخيانتك في المقعد الخلفي لسيارة رؤوف الذي سوف يقتلني ما أن يسمع بذلك. أو سيتركني لشقيقتك لتسلخني حياً. هذا إذا لم تسبقيها إنتِ. فلقد قتلتني حياً بكلماتك بالفعل.
لم يستطع كبح جماح نفسه. واستمر في ضحكاته العالية مما تسبب في اغضاب وداد التي صاحت به:
منذر. توقف. توقف عن تلك الضحكات.
اعتدل في جلسته. وهو يحاول التحكم في ضحكاته:.
وداد. اخرجي من السيارة واجمعي أشيائك واتركي قصر الجيزاوي الليلة.
بهتت وداد وهي تسأله:
ماذا؟
أجابها بجدية:
ما سمعتِ. الليلة. لن تمكثي ليلة اضافية في القصر.
سألته بلهفة:
هل تعني أنك ستستأجر لي مكاناً بعيداً عن عائلتك؟
اجابها بقوة:
اعني أنني لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى. اغربي عن وجهي.
شهقت بقوة وهي تخبره بوقاحة:
حسناً. لنكف عن اللعب. أنت تريدني خارج القصر وخارج حياتك. كم ستدفع لي مقابل ابقاء فمي مغلقاً؟!
ردد بذهول:
ماذا؟
أجابته وهي تكتف ذراعيها:
ما سمعت يا حبيبي. كم ستدفع حتى لا أذهب إلى زوجتك الحلوة الرقيقة وأخبرها عن مغامرتنا معاً. وأطلعها على رسائلنا ومكالمتنا أيضاً؟
خرج منذر من السيارة كالعاصفة وفتح الباب الآخر المجاور لوداد وهو يصرخ بها:
اخرجي.
عادت لتسأله:
كم ستدفع؟
جذبها من ذراعها بشدة ليخرجها من السيارة وهو يجرها عبر الممر الخارجي للقصر وصولاً إلى درجات السلم الخارجي فكانت تتعثر بشدة بفعل جذبه لها حتى أنها سقطت أكثر من مرة. فارتفعت صراختها بشدة وهي تصيح به:
دعني. دعني أيها المتوحش. سوف أخبر زوجتك أي حيوان أنت.
ضحك بسخرية:
لا داعي لخدماتك العظيمة. فهي بالفعل تعرف كل شيء.
وجد منذر نفسه فجأة وجهاً لوجه مع جده. الذي سأله:.
هل قررت أخيراً تطهير قصر الجيزاوي من العقربة التي سكنته؟
تلعثم منذر بشدة. ولم يعرف بم يرد على جده الذي أوضحت كلماته بأنه كان على دراية بما يدور حوله. فعاد جده يخبره وهو يشير إلى وداد التي تهالكت أرضاً:
اتركها لي. واذهب إلى زوجتك.
والتفت الجد إلى المرأة الملقاة أرضاً وهو يسألها:
والآن هل ستجمعين أشيائك وترحلين. أم استدعي الشرطة. فقد تبين لي أنني فقدت عدة آلاف من الجنيهات.
صرخت وداد:.
لكنني لم أسرق أموالك.
جذبها العجوز بقوة لم تظن أنه يملكها وأخبرها بصوت مرعب:
لقد كنتِ على وشك سرقة أحد أحفادي. فإذا كان العقاب لسرقة أموالي هو السجن، فإن العقاب على سرقة أحد أحفادي هو الموت.
جذبت وداد ذراعها منه وهي تقول بخوف:
سأذهب. أنا سأذهب…
أما منذر فقد استقل السيارة ليخرج بها خارج القصر. ويصفها بعيداً عنه بمسافة معقولة. ليجلس ويحدق في الفراغ. محاولاً التفكير فيما عليه فعله. فالذهاب إلى زوجته ليس بالبساطة التي أطلق بها جده الأمر. أنه يحتاج إلى تفكير عميق ولكنه مرهق بشدة. لكنه يجب أن يصل لحل. وهو غير قادر على التفكير على الإطلاق. أرهقه ما حدث للتو مع وداد، لقد كان غبياً ليتورط معها في المقام الأول. ترى هل سيبلغ جده سهير؟!
كلا. كلا. من المستحيل أن يقوم الجد بأمر كهذا. ولكنه سقط من عيني جده. وربما للأبد. وهذا ثمن كبير ليدفعه مقابل نزوة حمقاء. لكنه يستحق. لايستطيع أن ينكر. لقد حذره رؤوف مراراً وهو لم يصغِ.
أخذ يلكم عجلة قيادة السيارة بقبضته. وهو يصرخ بنفسه.
غبي. غبي.
انتفض جسده فجأة وهو يسمع صوت خاله عبد السلام وهو يفتح باب السيارة ويستقر في الكرسي المجاور له ويسأله:
لماذا تنعت نفسك بالغباء يا منذر؟
همس بصوت خافت بعد أن اطمئن قليلاً:
خالي!
أجابه خاله:
نعم خالك يا منذر؟ أين أنت يا ولدي؟ لقد أرهقتنا بحثاً عنك!
أجابه منذر محاولاً تغيير الموضوع:
كنت أجوب الطرقات قليلاً. ماذا فعلت بقاسم اليوم يا خالي؟
سأله عبد السلام قائلاً:
ماذا تعتقد؟ هل تظن أنني قتلته! لقد سلمته لوالدتك. وهي ستعرف كيف تقنعه بالرحيل. وإلا سيتدخل جدك. ويقنعه بطريقته. لا تقلق على شقيقك.
ساد الصمت لفترة. ثم سأل منذر خاله:.
هل كنت ترغب في الحديث مع جدي؟
كلا يا ولدي. لقد كنت أتمشى قليلاً. فهواء الليل ينقي الأفكار. ويجلي العقل.
عاد منذر يسأله:
هل ترغب أن اصطحبك إلى المنزل؟
اجابه خاله وهو يصطنع التبرم:
كلا. فالمنزل أصبح خالياً بعد زواج البنات. ولم أعد أجد من أتسامر معه. ولكن الله بعثك لي الليلة. فهي فرصة لاسترجاع بعض ذكريات الماضي التي أصبحت شموس تتبرم من سماعها.
سكت عبد السلام لحظات ثم رمق زوج ابنته بجدية متسائلاً:.
هل توافق على مشاركتي بعض ذكرياتي القديمة؟
تلعثم منذر لثوانٍ ثم اجاب:
نعم. نعم بالطبع يا خالي.
أرجع عبد السلام رأسه الى الخلف. وأغمض عينيه وهو يسترسل في الكلام:
إن أكثر ذكرياتي ألماً وقسوة. تلك المتعلقة بالفترة التي خسرنا فيها أنا وخالتك شموس. ابننا. الطفل الذي مات قبل أن يولد. لذلك لا أستطيع ذكرها كثيراً أمامها. فهي ذكريات مؤلمة كما تعلم.
أومأ منذر برأسه ولم يتحدث فهو لا يعلم إلى ما يهدف خاله. ولكن عبد السلام لم يرَ حركة رأسه فهو استمر باغماض عينيه وأكمل:
هل تعلم أن في ذلك الوقت أرسل لي جدك رؤوف ليعرض عليّ مرة أخرى الزواج من نعمات. وقد عزز عرضه بأن شموس فقدت رحمها وبالتالي فرصتها في الإنجاب. بالطبع تستطيع الاستنتاج أنني رفضت ذلك العرض.
ثم فتح عينيه فجأة وهو يسأل منذر:
هل تعلم لماذا رفضته؟ وجلبت على رأسي غضب جدك. الذي لم يتوقف.
أجاب منذر بواقعية:
من أجل خالتي شموس بالطبع
أومأ عبد السلام موافقاً:.
نعم من أجل خالتك شموس. ولكن لم يكن ذلك لضعف أو تخاذل مني كما اتهمني جدك. فلو تغيرت الأوضاع وفقدت شموس الولد فقط واحتفظت برحمها، ربما طاوعت جدك حتى لا أكون عاصياً لأمره وعاقاً له. فالذرية هبه من الخالق. ولقد ذاقت شموس حلاوة تلك الهبة، ولكن فقدانها لرحمها غير قواعد اللعبة فأنا لم أرد لها أن تشعر بأي نقص. لم أرغب أن أعرض المرأة التي أحببتها لاحساس أنها امرأة أقل من غيرها. فقط لأن القدر شاء أن تفقد رحمها. قد لا تعلم احساس الأنثى بأنها أقل من غيرها. أو بأنها لا تمنح رجلها ما يحتاجه. ولكنه احساس قاتل. لم أعشه أنا بالطبع ولكني رأيته بوضوح في عيون زوجتي. رأيته بوضوح شديد حتى خُيل إليّ انني عشته، فرفضت عرض جدك على الفور.
سأله منذر بغضب:
خالي. هل تلمح لعلاقتي بسهير؟
سأله خاله بهدوء:
لماذا تظن ذلك يا منذر؟ هل تعتقد أن سهير ترى أنها امرأة أقل من غيرها؟
رفع منذر رأسه فجأة وقد برقت في عقله إحدى جمل سهير والتي تغاضى هو عن تفسيرها لشدة غضبه. واخذت تلك الجملة تتردد بقوة.
لأنني عاجزة عن الشعور بك. عاجزة عن منحك مشاعر الزوجة العاشقة لزوجها. عاجزة عن حبك بالطريقة التي تريدها أنت.
ثم عاد صوت خاله يعلو على صوت أفكاره مرة أخرى:.
بمناسبة الذكريات التي صاحبت تلك الفترة. هل تعلم أن سهير قد مرت بتجربة سيئة للغاية في تلك الفترة؟
نظر منذر إلى خاله باستفهام فأضاف الأخير:.
لقد قررت جدة أمها أنه حان الوقت لاجراء عملية ختان لها، وللأسف استخدمت سيدة بدائية وجاهلة للقيام بتلك العملية. بدلاً من اللجوء لطبيب مختص حتى لاستشارته إذا ما كانت الفتاة بحاجة إلى تلك العملية. لقد تعرضت سهير لصدمة رهيبة، وآلام مبرحة. حتى أنها تعرضت للنزف. ولكن بفضل الله كان نزيفاً بسيطاً.
همس منذر بصدمة:
يا الهي! لماذا لم تخبرني؟
اجابه خاله:.
لقد عانت سهير لفترة طويلة من الكوابيس. ربما ما زاد الموقف سوءً عدم وجود والدتها بجوارها لفترة طويلة بسبب ظروفها الصحية في تلك الفترة. ولكن سهير دفنت تلك الحادثة في عقلها وقررت تناسيها تماماً. ربما لذلك لم تخبرك. أو.
سأله منذر باستفهام:
أو ماذا يا خالي؟
أو هي استشعرت عدم رغبتك في سماعها.
حاول منذر معارضة خاله، لكن عبد السلام قاطعه:.
شيء أخير أريد اخبارك به. أعرف أن موافقتي على زواج رؤوف بنورا عرضتني للكثير من الشائعات. حتى أن البعض اخبرني صراحة أنني قدمت ابنتي قرباناً للصلح مع أبي.
قال منذر بحرج:
خالي.
قاطع عبد السلام كلماته وكأنه لم يتحدث على الإطلاق واستمر في حديثه:.
لم يكن هذا صحيحاً على الإطلاق. فأغلى ما أملك هن بناتي. ولا يمكن أن أقامر على سعادتهن أبداً. لقد وافقت لأن رؤوف طلب نور القمر بالاسم. لم يتصرف كما هو معتاد منه وطلب الزواج من سهير لأنها الكبرى وهو بالمناسبة لم يكن يعلم على الإطلاق بحبك لسهير. ولكنه طلب الزواج من نور القمر لأنه أرادها هي. لم يطلب رؤوف لنفسه أي شيء طوال خمسة وثلاثون عاماً. وعندما طلب ابنتي، علمت أنه سيحافظ عليها وسيسعدها. وحمداً لله لم يخب ظني.
ثم ضغط على كتف منذر بجدية:
منذر يا بني. لا تجعلني أتمنى لو أن رؤوف كان أتبع الطرق التقليدية.
اتسعت عينا منذر من قسوة الكلمة. ولكن خاله عاد ليربت على كتفه بحنان:
اعذرني يا ولدي. فأنا أب يحاول حماية سعادة ابنته. ومما آراه أن سعادتها معلقة بك. فلا تخذلني. ولا تخذلها. هيا. أدر تلك السيارة حتى تصطجبني لمنزلي.
وهذا ما فعله منذر. فقد قام بايصال خاله إلى منزله ثم ترك سيارة رؤوف بجوار المنزل وأخبر خاله أنه سيذهب إلى منزله مشياً على قدميه. ولكنه لم يتوجه إلى منزله، بل ذهب إلى مكتبه بالشركة ليجلس أمام حاسوبه ويتصفح كل ما أمكنه من مواقع تتحدث عن الختان وآثاره المختلفة. تابع بنهم جميع المعلومات التي تظهر أمامه من آراء فقهية وآراء علمية وتجارب مختلفة لإناث تعرضن لتلك التجربة. وتجارب أخرى لأزواج عانوا في علاقتهم مع زوجاتهن وخاصة ممن تعرضن للتجربة بطريقة بدائية ووحشية مثلما تعرضت سهير.
التهم بحثه معظم ساعات الليل. بعض الأبحاث جعلته يظن أن الحل سهلاً. والبعض الآخر ضخم من حجم المشكلة. حتى أنه لم يعد يعرف ماذا يفعل!
التعليقات