رواية هل الضربة قاضية الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم نهال عبدالواحد
رواية هل الضربة قاضية البارت الثامن والثلاثون
رواية هل الضربة قاضية الجزء الثامن والثلاثون
رواية هل الضربة قاضية الحلقة الثامنة والثلاثون
هبط نبيل إلى الأسفل بكامل أناقته ووسامته المعهودة، تُشم رائحة عطره الرجولية الفخمة قبل أن يهل، هبط حيث جموع المدعويين، سلم على الجميع بابتسامة دبلوماسية لكنه كان متجولًا ببصره باحثًا عن شخصٍ بعينه.
قابل أختيه، سلمّ عليهما بحرارة شديدة وقبّل جبهتهما وقد أبدى رأيه بجمالهما الآخّاذ وأناقتهما منقطعة النظير، لكنه لا يزال يبحث عنها حتى لمحها أخيرًا فبدأ يتنفس وقد لاحظتا ذلك أختاه فلم تعقّبا.
وقفت هاجر عن بُعدٍ منزوية عن الجميع لا ترغب في أي احتكاك فحالتها المزاجية ليست بجيدة حتى الآن، ولا تريد الاحتكاك خاصةً بنبيل؛ لقد قررت الابتعاد فرغم ما علمته من طبيعة حياته المعقدة البائسة لكنها ترى أن البعد هو أفضل الحلول وأن استمرارهما معًا لن يجني إلا مزيد من المتاعب والمشكلات.
لكن ماذا عن قلبها الذي أرهقها؟! قلبها الذي كلّ وملّ من كثرة الشكوى، طُعن ولا زال جُرحه ينزف، ليته يُشفى أو حتى يُقضي عليها، لكنه لا هذا ولا ذاك، هل تضغط على ذلك السكين البارد بكل قوتها فتغمده أكثر في قلبها؟ فتستريح وينتهي أمرها!
أم تنتظر ذلك النزف ينتهي حتى تُصفّى من كل دمائها؟! اللعنة عليك أيها العشق! في وجودك آه!
وفي بعادك ألف آه!
ليت للقلب زر يُضغط عليه فينطفئ نبضه ولا يدق لبشر، ليته يعمل بالكهرباء ووقتما ازداد اندفاعه يُصاب بماسٍ كهربي، أين الحل دلّوني؟
كيف أوقف عمله؟!
وقفت جوار البوفيه فأخذت كأسًا من الماء وما أن قربته حتى تفاجئت بنبيل واقفًا أمامها، ومن فجأتها سقط الكأس ولم تشعر إلا بالماء على فستانها.
تلفتت حولها تأخذ شيئًا تجفف به الفستان، فأخرج نبيل منديلًا من جيب كنزة بذته فلم تجد بدًا إلا أن تأخذه بأيدٍ مرتعشة.
انحنت تجفف فستانها فانغرس كعب حذاءها في أرض حديقة القصر فجعلها تكاد تفقد توازنها وتقع لولا ذراعيه التفا حول خصرها فانتفضت انتفاضة أشد من الأولى.
كانت متوترة للغاية تتجول بعينيها في كل مكان؛ تخشى أن يراهما أو يلحظهما أحد، فقالت بصوتٍ هامس يكاد لا يخرج من حنجرتها وهي تبعد نفسها من بين يديه: من فضلك، ما يصحش كده.
فحاصرها بعينيه وداهمها بصوته العاشق قائلًا: وحشتيني.
فقالت بنفس حالتها: من فضلك يا نبيل إحنا مش صغيرين على الحاجات دي.
فأجابها بنفس العشق الذي أبَى وأن يظهر: هم الصغيرين بس اللي لهم قلب يحس ويحب ويشتاق!
فأجابت بقوة مزيفة: ملعون ده قلب ما بيجيش من وراه غير الوجع وقلة القيمة!
فرفع سبابته أمام وجهها وقال: لا عاش ولا كان اللي يفكر يقل قيمتك.
_ وأنا مش هستنى لما ده يحصل.
_ ليه بتهربي مني؟ أنا بحبك وإنتِ بتحبيني يبقى إيه!
_ يبقى نفضها سيرة ونسكت خالص وكفاية لحد كده، وقلبي ده هعرف أتصرف معاه بطريقتي ولازم إنت كمان تتصرف بطريقتك معاه.
فاقترب منها أكثر حتى اختلطت أنفاسهما، تعالت دقات قلبيهما وهمس متيّمًا تحتضن عينيه كل إنشٍ فيها: وأنا طريقتي مش هتعجبك حاليًا.
كانت أشد ما يكون من الاضطراب والتوتر، تتصاعد أنفاسها بقوة تشعر بأن كل من في القصر يسمع صوت أنفاسها ودقات قلبها ثم قالت بصوتها المتحشرج من شدة التوتر: من فضلك ما يصحش كده!
كادت أنفاسها تنقطع وهي تقول كلماتها تلك، فابتسم لها ابتسامة رائعة جعلتها ظلت متأملة لوسامته بل صارت تراودها فكرة أن ترتمي داخل أحضانه وتدفن وجهها داخل صدره؛ هي لم تنكر إطلاقًا حبها الشديد له، شعرت أن هذا المكان هو ملاذها وهو مصدر أمانها وراحتها وقوتها، لكن لا يزال هناك قدر من الاتزان الانفعالي جعلها تدفعه برفق قائلة: لو مراتك نزلت دلوقتي وشافتنا يبقى حلو!
كأنما استيقظ فجأة من حلمٍ جميل فأنزل يده وزفر في ضيق، حتى الآن يرى أنها معضلة لا يعرف كيف يجتازها رغم أن الحل واضح، لكن كثيرًا ما لا نرى طرق الحل مهما كانت واضحة!
أما حبيبة وشاهندة فكانتا تقف مع عمتهما التي طلت بفستانٍ أسود هادئ وحجابٍ صغير على رأسها من اللون الرمادي الفاتح المائل قليلًا للفضي المطفئ مع القليل من مساحيق التجميل.
وقفت بين ابنتي أخيها تلتقطن الصور فشعرت كأنها أم وبناتها خاصةً مع ذلك التشابه في الملامح بينهن وخاصةً هي وحبيبة لدرجة التطابق.
وبينما هن على حالتهن إذ انفرجت شفتا شاهندة بابتسامة عريضة فالتفتت حبيبة فوجدت أسرة رياض وقد وصلت أخيرًا.
فجاءت رباب فسلمت عليهن بحرارة فعرفتها على عمتها ثم اقتربت نادية وهي تعانقها بشدة: حبيبتي حبيبتي حبيبتي! إخس عليكِ يا بيبو قطعتِ بينا!
فابتسمت حبيبة قائلة: ربنا يعلم وحشتيني أد إيه!
ثم التفتت ناحية عمتها وقالت تعرّفها: عمتي حبيبتي، عمتو قوت.
وقبّلتها فابتسمت لها قوت مرحبة: نورتينا يا مدام، بيبو حكت كتير عنك وعن طيبتك ومعاملتك ليها.
فقالت حبيبة: مدام ده إيه! إنتِ تخشي وش كده وتقوللها يا ناني.
فضحكت وضحكن وتصافحتا بحرارة أكثر، فقالت قوت: نورتينا حقيقي و أنا سعيدة إني قابلتك واتعرفت عليكِ وعلى بنوتك القمر دي.
فأجابتها نادية بود: ده أنا اللي أسعد، والله كنت جاية وخايفة من مقابلتكم! أصلنا ما دخلناش سرايات ولا قصور قبل كده.
فنظرت لها رباب، ثم قالت بتوتر محاولة إخفائه: إيه يا ماما! معلش أصلها بتحب تهزر!
فابتسمت قوت وقالت بلطفٍ شديد: لا مفيش حاجة، أنا عذراها أكيد سمعت عن والدي من حبيبة، لكن إطمني لا أنا ولا رأفت ولا ولاده كده.
فتنهدت نادية براحة وقالت: الحمد لله!
فضحكت رباب وهي توجه كلامها لحبيبة: مالهاش حل ماما دي…
ثم اقتربت رباب من حبيبة التي كانت تزوغ بعينيها في كل اتجاه، فأكملت رباب: بس حبيبة إنهاردة محلوية شوية يا ماما ولا إيه رأيك!
فقالت الأم: محلوية شوية واحدة!
فأكملت العمة محتضنة حبيبة: بنوتي حلوة على طول.
تابعت نادية: ومين يشهد؟ ده إنتو فولة واتقسمت نصين!
فاقترب إيهاب وطارق معًا فسلما على الجميع، ولا تزال حبيبة تبحث بعينيها بدرجة لم تستطيع إخفاءها.
وفجأة! رأته أمامها فاختفى الجميع من مجال رؤيتها،
اختفى البشر وأصواتهم، اختفى المكان والزمان، تركا الدنيا والعالم، ركبا آلة الزمان، ورحلا من بين الجميع بروحيهما!
اقتربا كلًا نحو الآخر بخطواته، لا يدري! لماذا طالت المسافة كل هذا؟ رغم أنه يطوي الأرض طيًّا، وهي تركب الرياح لتصل إليه…
وما أن وصلا وهمّا بالمصافحة حتى جاء هادم اللذات ومفرّق الجماعات.
إنها صافي جاءت تركض نحوهما بفستانها الضيق الذي أظهر مفاتنها بشكل مثير للغاية بالإضافة للون الفستان الذهبي الفاتح فيجعل الرائي من أول وهلة يُصدم إذ يظنها بلا ملابس حتى يتبيّن العكس.
تدخلت ركضًا بينهما وقبل أن يتصافح رياض وحبيبة كان كف صافي سابقًا لها بابتسامة عريضة قائلة: بونسوار! مش تعرفينا يا بيبو!
فوجمت حبيبة من هيئتها ومن الموقف بالكامل كأنما ابتلعت لسانها، فتابعت صافي ولا زالت ممسكة بيد رياض ومشددة عليه في مصافحتها كأنما تخشى أن يفلت منها، فقالت: يا ترى مين الشاب الوسيم اللطيف ده!
فأجابت حبيبة على مضض: ده رياض نصّار، صديق.
فأجابت بابتسامة عريضة مع بعض الميوعة: وأنا صافي بنت عم حبيبة.
فأكملت حبيبة: ومرات أخويا.
مدت حبيبة يدها ربما تبتعد صافي بيدها عن يد رياض بطريقة غير مباشرة، لكنها لم تنجح نهائيًّا!
كان رياض واجمًا هو الآخر لا يصدق جرأتها وهي تضحك أمامه وتتغنج بجسدها بطريقة مثيرة، بالإضافة للمستها ليده كانت تشعره بأشياء غريبة فاجأته، وبدأ يتلفت حوله في خجلٍ شديد وتمنى لو يصيح هل من مغيث!
استكملت صافي غنجها معه وهو بالكاد يجيبها ولا زال يريد الغوث.
أما حبيبة ففجأة قد نسيت أنها لاعبة ملاكمة، ربما لو تذكرت وقتها لكانت سوّتها بالأرض! التفتت هي الأخرى فوجدت شاهندة تقف عن مقربة منها مع إيهاب يتبادلان أطراف الحديث، فاتجهت نحوهما مباشرةً ففزعت شاهندة وإيهاب وقالا: إيه في إيه! مالك!
فقالت حبيبة وعيناها تطلق شررًا: إلحقي البلوة دي وشليها من هنا أحسن ما أخنقها خالص دلوقتي.
فقالت بتساؤل ودهشة: بلوة إيه! في إيه…
وسكتت عندما نظرت موضع إشارة حبيبة فتفاجأت بصافي، نظرت الفتاتان لبعضهما البعض بعض الوقت في توتر بينما إيهاب كان لا يزال واجمًا، أما رياض ففي موقف لا يُحسد عليه!
وفي نفس الوقت كان نبيل وهاجر يقفان متجاورين في صمتٍ تام، يسبل كلاهما عينه في عين الآخر بكل ما يفيض من مكنونات مشاعره، يفهم لغتهما الهواء، الزرع والزهور، مهما بحثا عن كلام فلم يجدا، أيقنا وضعهما فلا اقتراب ولا ابتعاد.
لكن…
بينما نبيل وهاجر على حالتهما إذ وجدا حبيبة تحمل فستانها وتجئ إليهما مسرعة هي وشاهندة، فتفاجأ نبيل وهاجر بهما، فقال في ارتياب وقلق: إيه في إيه! مالكم!
نظرت الأختان لبعضهما البعض ولا تدريان كيف تقولا له، هدّأت حبيبة انفعالاتها قم قالت بهدوء مصطنع: لا أبدًا، بس يعني، كل الحكاية…
فتابعت شاهندة: أيوة كل الحكاية…
ثم نظرت لأختها متسائلة: كل الحكاية إيه!
فنظر لهما نبيل شرزًا والتفت لهاجر فضحكت من هيئة حبيبة وشاهندة، فوجم بعض الوقت يتأمل ملامحها وقد نسي الموقف، فتأففت حبيبة قائلة: يا نبيل، أنا قصدي أقولك إن رياض وأهله وصلوا ولازم تكون في استقبالهم.
فنظر لها بنفاذ صبر وسار أمامها فتبعته مسرعة، بينما أمسكت هاجر بشاهندة متسائلة: مالها أختك الهبلة دي!
فقالت لها هامسة في توتر: ربنا يستر! صافي مش هتجيبها البر…
ثم تذكرت أمر هاجر وحساسيتها من صافي فسكتت، ثم حاولت تغيير الموضوع فابتسمت لها وقالت ببعض المكر: هه! كنتوا بتقولوا إيه بأه!
فتنهدت هاجر وقالت بيأس: زي ما شُفتِ كنا واقفين ساكتين، خلص الكلام يا شاهي لا ينفع نقول ولا ينفع نعيد…
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)
التعليقات