التخطي إلى المحتوى

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والستون

احتل قرص الشمس كبد السماء، غامرة الكون بأشعتها الذهبية، خاطفة خيط من خيوطها، لنافذة تلك السيارة، أزعجت ذلك الذي يغفو على آليتها، فتح جمال عينيه بانزعاجٍ، والألم يطمس أنحاء جسده بأكمله، من نومته الغير مريحة بالمرةٍ، أحاط رقبته بيده، وحركها بخفةٍ حتى يخفف من حدة الألم المتركز بنسبةٍ كبيرةٍ بها، بينما عينيه تراقب شرفتها بحزنٍ جعله يكبر عمرًا فوق عمره، يشعر، وكأنها فارقته منذ عشرة أعوام، يشعر ولأول مرة بأنه يتيمًا، لا يملك مآوى ولا رفيق.

عقد عزمه على المواجهةٍ، مهما كانت النتائج، جذب هاتفه، وحرر مكالمة لرقم يوسف، انتظر حتى أتاه صوته الناعس:
-خير على الصبح يا بشمهندس؟ إفتكرت كارثة جديدة نسيت تبلغني بيها، فقولت أصبح عليه.

تجاهل حديثه الساخر، وسأله بجديةٍ:
-دكتورة ليلى فوق عند صبا؟

اتسعت مُقلتيه، وانتفض بجلسته يأمره بغضب:
-إرجع عن اللي في دماغك ده يا عبحليم، اهدى وسبها تهدى وبعد كده آآ…
قاطع دور الناصح العقلاني، وصاح:
-أيه اللي مش مفهوم في كلامي! سألتك سؤال جاوبني!

زفر وهو يضم أعلى أنفه بضجرٍ:
-لا يا جمال، ليلى هنا مبتتش عندها النهاردة، بس صدقني اللي بتعمله ده آ…
بتر حديثه فور سماعه صفارة إنهاء المكالمة، ألقى يوسف هاتفه وتمتم بانزعاجٍ:
-غشيم ورأسه رأس صعايدة صعب يقتنع!

طرق جمال بابها، وصوت اضطراب أنفاسه يختلج داخل رئتيه، يخشي تلك اللحظة التي يحملها ضغينة فوق قلبه، لا يريدها أن تأتي لمخيلاته، ولكنها آتية لا محالة، سيواجهها بنهاية الأمر!

سقطت عنه الكلمات، وتلاشت، فور أن وجدها تقف أمامه، تطالعه بصدمة جعلتها تكاد أن تغلق الباب بوجهه مجددًا، ولكنه كان الأسرع حينما ولج للداخل، مغلقًا الباب من خلفه، وعينيه تتفقدها بشوقٍ، بينما يهتف بهمسٍ:
-مقدرتش أصبر أكتر من كده يا صبا.
مازالت الصدمة تسيطر عليها، ولكنها لم تترك لها بالًا، وهدرت منفعلة:
-إنت عرفت مكاني إزاي؟

رنا إليها يفوه بحزنٍ:
-مش مهم، المهم إني قدامك دلوقتي، وطمعان إنك تسامحيني يا صبا.
أغدفت مُقلتيها بازدراء منه، بينما مازالت تتراجع للخلف، وهو يقترب إليها، فأوقفته بإشارة صارمة:
-متتخطاش حدودك وتقرب أكتر من كده، الأفضل ليك إنك تمشي حالًا، ومتورنيش وشك تاني.

توقف محله بينما عينيه تضم ملامحها بشغفٍ، احتفظ برغبتها بالابتعاد عنه بمسافةٍ، وكان راضيا في سبيل رؤيتها، أجلى صوته العالق بين حنجرته، وقال:
-أنا لسه مفقدتش الأمل إنك هتسامحيني، في يوم من الأيام.
ضحكت بصوت مسموع، رغم هطول أمطار عينيها، وقالت بسخريةٍ:
-إنت بتحلم يا بشمهندس اللي بينا مفهوش سماح ولا غفران.

واستطردت، وهي تصرخ بجنون:
-وياريت تطلع من هنا حالًا، وتقدر إني مش طايقة أشوف وشك.
نغز قلبه دون رحمة، وقرر أن يغادرها الآن حتى تهدأ قليلًا، فتنهد وهو يخبرها:
-هشوف ابني وهمشي على طول لو ده هيريحك.
عارضته بكل قوةٍ، وصاحت:
-مش هتشوفه حتى لو فضلت واقف مكانك العمر كله.
ابتلع مرارته، وقال في محاولةٍ لاستعطافها:
-مرة واحدة بس يا صبا، ملحقتش أحفظ ملامحه ولا أخده في حضني.
وأضاف بوجعٍ:.

-ده ابني وليا فيه زيك بالظبط، حرام تحرميني منه!
راق لها رؤيته منكسرًا كذلك، ولأول مرة منذ دخوله تقترب هي منه، وتجابهه بكل شموخٍ:
-غريب إنك بتهين نفسك وبتقلل من كرامتك قدامي عشان تشوف طفل مش طفلك.
وضمت شفتيها بشفقةٍ:
-إنت صعبان عليا يا جمال، معشم نفسك إنه ابنك والحقيقة غير كده.

احتقنت حدقتيه بجحيمٍ كان ليحرقها حية، ولكنه بالرغم من ذلك تمسك بكل ذرة صبر داخله، كفه ينطبق حول بعضه بشكل جعل أوردته على وشك الانفجار، مازالت عينيه تطالعه والصمت لا يتناهى عنه، إلى أن تحرر صوته أخيرًا:
-بلاش يا صبا، أنا عارف إني وجعتك وجع عمره ما هيتنسى، بس صدقيني اللي بتحاولي تعمليه دلوقتي ده نتيجته أنا مش ضامنها.

دفعته بكلتا يديها على صدره بقوةٍ فجأته، بينما صراخها الباكي يعلو ليصمم أذنيه:
-هتعمل أيه يعني؟ أيه هتضربني تاني وتكسر ضلوعي؟ هتعمل أيه المرادي عرفني!

واستطردت وهي تسير له بابتسامة شملت كل كسر مسها كأنثى:
-المرة اللي فاتت ثقتك في صاحبك كانت كبيرة، وكل اللي إنت شايفه إن أنا اللي وصلته لخيانتك، المرادي مفيش حجة مقنعة هتلاقيها لصاحبك التاني، هو اللي جابني هنا وهو اللي بيصرف عليا وعلى الولد، تفتكر ليه؟ يمكن أكون خنتك معاه هو كمان والله أعلم يمكن الولد يكون ابنه!
وبابتسامة متشفية قالت:
-أنت محتاج تعمل DNA يا جمال، لإن الولد مستحيل يكون ابنك.

دفعها للحائط بقوةٍ، وبساقه دفع الطاولة الزجاجية حتى سقطت محتوياتها، ناشرة شظاياها كقلب تلك الأنثى الجريحة، وصراخ جرح رجولته الهادر بغضبٍ:
-اخرسي يا صبا، اخرسي!
لم تتأثر بسمة سخريتها، حتى وهو يقابلها وجهًا لوجه، بملامح وجه خطيرة، أعين ضائعة، كل شيءٍ به يوحي بمدى معاناته وتشتته، ومع ذلك لم ترأف به مثلما لم بمنحها هو من الرأفة وسامًا، فإذا به تنزع مئزرها الشتوي عنها، وبابتسامتها التي أطاحت به رددت:.

-هتعمل فيا أيه أكتر من كده؟ إتفرج وشوف!

انتقلت عينيه لكدماتها الزرقاء التي تحيط بذراعيها، الجيبرة البيضاء تغلف أكثر من نصفها العلوي، ربما بدأ وجهها بالتعافي، ولكن ما تخفيه أسفل جسدها لا يهول على عقل بشري، عجزت عينيه عن مواجهته، مازال يتطلع لجروحه بألمٍ، تساقطت دموعها رغمًا عنها وبحشرجة كالعلقم قالت باستهزاءٍ طعنها:
-كتر خيره صاحبك لولاه كان زماني أنا واللي بتقول عليه ابنك تحت التراب.

أغلق عينيه يعتصر دمعاته بعنفٍ، وهمس بقهرٍ وهو يميل برأسه على كتفها:
-سامحيني بالله عليكِ، عاقبيني زي ما تحبي أقسملك بالله ما هنطق بحرف لإني أستاهل، شيطاني عماني وخلاني مش شايف قدامي.

دفعته عنها بشراسةٍ، وباحتقارٍ قالت:
-وشيطاني عميني عن إني أرحمك.
وتابعت بحقدٍ وكرهٍ تلألأ بمُقلتيها:
-إنت لو بتموت قدامي يا جمال وبإيدي أريحك من عذابك عمري ما هريحك، إنت مسبتش ليا شيء ممكن يشفعلك عندي، إنت مش بس هنتني وكسرتني قدام أصحابك، إنت منعت عني الرحمة وكنت عايز تقف لدكتور يوسف لما كان عايز ينقذني أنا واللي في بطني فبأي حق أرحمك؟

واستطردت بدموعٍ كالسيل لم تستطيع السيطرة عليها، رغم أنها ثابتة أمامه:
-اخرج من هنا أنا بمجرد ما بشوفك بقرف من نفسي إنك كنت في حياتي في يوم من الايام، ولو لسه جواك شيء من الكرامة هتخرج من هنا على أقرب محامي وتعتقني لوجه الله.
اقتربت إليه تلك الخطوة الفاصلة، وسألته بقهرٍ:
-ينفع تعتقني لوجه الله يا بشمهندس؟

أي حديث سيشفع له الآن، كل شيء يتلاشى، حتى الأمل بأن تصفح عنه يومًا، إتجه للخروج بآلية تامة، وقبل أن يفتح باب الشقة، أخرج من جيب جاكيته مبلغًا ضخمًا من المال، وضعه على الطاولة القريبة منه، استكمل طريقه للخارج مغلقًا الباب من خلفه، فإذا بها تفتحه من خلفه وتوقفه قائلة:
-استنى عندك.

وقف محله دون أن يستدير لها، خرجت صبا إليه، ووقف قبالته، ألقت المال إليه، وقالت:
-أنا مبقبلش صدقة من حد، من بكره هنزل اشتغل وهصرف على نفسي وعلى ابني، وفر فلوسك لجوازتك التانية يا بشمهندس.
واستدارت تعود لشقتها، وقبل أن تدلف قالت بتشفي:
-آه قبل ما أنسى، عشان متقولش عليا ظالمة ومعنديش قلب، لو عايز تشوف الولد انا معنديش مانع، بس لما تدق بابي هات معاك نتيجة التحليل، ويمكن وقتها ابقى أسمحلك تصرف عليه.

وتابعت دون رأفة:
-استنى هنا، شوية ورجعالك.

ولجت للداخل بينما اهتز جسده بضعفٍ، فاستند على الدرابزين يدعم من وقوفه، كل شيءٍ يتلاشى من حوله، عادت له من جديد تقترب منه، تلاحظ إرهاق وجهه الشديد، اختلال وقوفه، لطالما كان ينصب عوده بشموخٍ، تراه يحمل من الانكسار ما جعله يشاركها حالتها، دفعت كيسًا بلاستيكًا له، وضعته بيده، وقالت:
-هتحتاج دي عشان الDNA.

قالتها وغادرت بهدوءٍ، صافقة الباب من خلفه، بينما يتطلع هو لتلك الشعيرات الصغيرة الموضوعه بين كفه بوجعٍ، أطبق عليها بحنانٍ، وكأنه يضم بذلك صغيره، وفجأة أبدل طريق هبوط الدرج للمصعد المجاور له، وما ان ولج حتى لكم حائطه بكل قوته وهو يصرخ بآنينٍ:
-الرحمة يا رررب، الرحمة!
لكزه برفقٍ وهو يناديه لمرته الثالثة، وحينما لم يجيبه، هدر منفعلًا:.

-ما تفوق بقى يابن الشيخ مهران، هنقضي النهار كله على السطوح ولا أيه؟
فتح فيروزته بانزعاجٍ، واعتدل بجلسته يسأله بنومٍ:
-هي الساعه كام؟

رفع عُمران معصمه يتفحص ساعته، وبفتورٍ قال:
-ستة ونص.
رمش بعدم استيعاب:
-بتقول كام؟
ضيق رماديته بضيقٍ:
-أعتقد إنك سمعتني، ولا أيه؟
هز رأسه يؤكد له، ثم طرح سؤال أخر:
-مصحيني في الوقت ده ليه يا باشا؟
منحه ابتسامة صغيرة، وقال:
-تعجبني لما تخش مباشر من غير، لف ودوران.
واستطرد وهو يجذب قميصه الملقي جواره:
-قوم نلف شوية، أنا مش جاي أنام أنا!
جحظت عينيه في عدم استيعاب:
-دلوقتي!
زفر في ضجرٍ، وردد:.

-هتقوم ولا أنزل لوحدي؟
قال وهو يبحث عن حذائه:
-لا طبعًا هنزل معاك، لتوه مني!
زرر قميصه والبسمة الساخرة تحيطه، فدغمها بقوله:
-أمك ممكن تخاف إنك تضيع منها في زقاق حارتكم يابن الشيخ مهران، لكن عُمران الغرباوي ميتخفش عليه، حتى لو راح أرض الجن هيعرف يتعامل!
ضحك رغمًا عنه، وقال مؤيدًا:
-في دي عندك حق يا طاووس.
أحاطه بنظرة حملت إنذار خطير، ومن ثم أعاد خصلاته للخلف وهو يهتف بتذكرٍ:
-على ذكرك للطاووس.

جذبه فجأة لينهض عن الأرض، فقال متفاجئًا من فعلته:
-في أيه يا عُمران، ما كنا كويسين؟

يمتلك نقطة ضعف تجاه هذا الشاب المتدين، كلما ثأر تجاهه غاضبًا تهدأ ثورته في نفس ذات اللحظةٍ، يكن على أتم الاستعداد لاحراق الكوكب بأكمله لأجله، هدأ من انفعالاته، تهدلت مسكة يديه الشرسة حول رقبته، بل أخذ يهندم ملابسه بنفسه ويربت على كتفيه متصنعًا ابتسامة يخفي من خلفها غيظه الملحوظ إلى آيوب:.

-طول ما أنا معاك هنا تفكك من حوار الطاووس الوقح ده، إحنا هنا في بيت الشيخ مهران، براه اتمادى زي ما تحب، كلامي مفهوم؟

أومأ برأسه وهو يتابعه بدهشةٍ، منحه الطاووس ابتسامة فخورة بسرعة استيعابه، وإتجه ليمضي بطريق هبوطه، ثم استدار يخبره:
-آه نسيت، طول ما أنا هنا حاول تمنع رجل صاحبك المستفز ده من هنا، لإني مبقدرش أسيطر على نفسي لوقت طويل.

اتسعت ابتسامته فرحة، وقال:
-ده أنا هجيبه هنا كل يوم، ولو مشكلتك الشيخ مهران مش هخليه يرجع البيت طول اليوم، المهم إيثو يتربى.
وضع يديه بجيوب جاكيته الأسود، وقال بمكرٍ:
-شكلنا هنتفق ولأول مرة يابن الشيخ مهران!
أزاح خصلاتها المنسدلة على عينيها بحنانٍ، وناداها برفقٍ:
-فريدة.
أسبلت بجفونها بتثاقلٍ، فعاد يناديها:
-فيري!
كشفت عن زُرقتها الساحرة، تطالعه بانزعاجٍ، وبصوتها الناعس تساءلت:
-في أيه يا أحمد؟

جذب الصينية المسنودة على الكومود، ووضعها على قدميها، فركت عينيها بنومٍ، وتفحصت ما وضعه على ساقيها بدهشةٍ:
-أيه ده؟
رد عليها بابتسامةٍ مشرقة:
-فطار يا حبيبي.
عبثت بأهدابها بذهولٍ، وهتفت وهي تشير على ساعة الحائط:
-دلوقتي!
جذب الشطيرة يغميها بالجبن، ووضعها بفمها قائلًا بابتسامة، وفرحة أعادته عشرون عامًا مضى:.

-وفيها أيه؟ أنتِ عارفة إني هنزل الشركة على الساعه 8 ومش هرجع غير بليل، فحبيت أخطف وقت معاكِ ومع حبيبة قلب بابي، وبالمرة أدوقها فطار، من صنع إيدي.
أبعدت الشطيرة عن فمها، وقالت باسترابةٍ:
-تدوقها أيه يا أحمد، حرام عليك أنا من غير حاجة وتخنانة تلاته كيلو من بداية الحمل، وبحاول أقاوم الجوع بأقصى ما بوسعى، تقوم تفطرني الصبح بدري كده!
كبت ضحكاته بصعوبةٍ، وقال مدعيًا البراءة:
-مش ليكِ يا فريدة، بأكل بنتي!

ربعت يدها أمام صدرها بغيظٍ، وأجابته:
-لما تجيلك أبقى غذيها براحتك، لكن دلوقتي أنا بقاوم ومحتاجة اللي يدعمني مش يزيد من ابتلائي.
زم شفتيه بحزنٍ مصطنع، وقال:
-وفيها أيه لما تزيدي خمسة، ستة كيلو وتحرقيهم بعد الولادة! أنا كده مش هعرف اشيل بنتي وأخدها في حضني، وزنها مش هيتشاف يا فريدة.
راقبته بصدمة، ومن ثم انفجرت بالضحك، بينما يتابعها بضيقٍ، لحق نبرته المتعصبة:
-إنتِ بتسخري مني يا فريدة هانم!

أمسكت كفه وهي تهز رأسها نافية لما يقول:
-أبدًا والله أنا مستغرباك بس، أحمد إنت فكرتك عن الحمل كلها غلط، وبعدين دي مش أول مرة ليا دي الرابعة يا أحمد باشا!
ابتسامته انبلجت على شفتيه، بينما يردد بعشقٍ:.

-بالنسبالي مش شايف غير إنها الأولى، حاسس آننا بنعيش اللحظات اللي اتحرمنا منها، مش شايف قدامي غير حب طفولتي، من سنين فاتت كنت حاسس نفسي عجزت وكبرت مية ألف سنة، دلوقتي وأنا جانبك بحس إني شاب عشريني، عايش عمره من تاني يا فريدة.
أدمعت عينيها تأثرًا بكلماته؛ فمالت تزيحهما عن جفنيها، ثم قالت بحب:
-طيب ممكن تأكلني بسرعة عشان البيبي جاع!

اتسعت ابتسامته فرحة، وعاد يجذب الصينية إليها، ثم جذب الطعام يضعه بفمها بسعادة وصلت لقلبها قبل أن تمسه.
اختنقت أنفاسه داخل تلك الغرفة المستطيلة المعدنية، حاول أن يستكشف المكان المحتبس به، ولكنه كان يضيق به كالزنزانة، نهض يطرق على الحوائط؛ فاكتشف أنه حبيس آحدى سيارات الكرفانات الضخمة، واصل الطرق وهو يصرخ بانفعالٍ:
-انتوا يا بهايم ياللي برة، انتوا اخدتوني على فين؟ حد يرد عليا!

لم يجيبه أحدٌ، وكأنه نكرة، لقد بُح صوته منذ أن ألقوا به هنا منذ المساءٍ، يأس من محاولته الثامنة باستفزازهم للحديث، أتجه نعمان للسرير المنجرف بنهاية الكرڤان، جلس عليه يتطلع للفراغ بشرودٍ، فإذا بالباب يُفتح، ويدلف منه أحد الرجال، حاملًا بيديه الطعام، وضعه على الطاولةٍ بحدة، وأمره:
-كُل وإقعد عاقل في يومك اللي مش معدي ده.
وتابع بازدراء:.

-اهدى ولينها لو طبيت ساكت مننا هتجبلنا الكلام مع الباشا، فاقعد عاقل كده وراعي سنك، آحنا عندنا عيال عايزين نربيهم.
استقام بوقفته وهرع له، يسأله بغضب:
-أنا عايزك تكلملي الباشا بتاعك ده وتقوله يجي يواجهني وش لوش، مهي الحركات ال دي متطلعش الا من أحمد الغرباوي.
زمجر الرجل بعصبية:
-وبعدين معاك يا جدع إنت، أنا دماغي مصدعة ومش ناقصك مناهدة، اتنيل اقعد في جنب لحد ما يجيلي تعليمات تخصك.

وتركه وغادر وهو يتمتم بنفورٍ:
-معرفش أيه البلا اللي اترمى عليا ده، بلا هم!
اعتراه غيظًا كفيلًا بأن يقتله، دفع نعمان المقاعظ المحاطة للطاولة الصغيرة بجنونٍ، وهدر بعنف:
-مش هسيبكم، وربي لأخلص عليكم واحد واحد.
استمتع بالهواء النقي بين أجواء الحارة الشعبية، تبادل برفقة آيوب الكثير من الأحاديث التي نجحت أن تخرجه من الحالةٍ التي كان آسيرها، وبينما يمضيان معًا بالطرقات، أشار له آيوب قائلًا:.

-أقف هنا يا عُمران، هجيب عيش سخن من الفرن عشان نفطر.
زوى حاجبيه بدهشةٍ:
-هتفطر عيش بس!
ضحك وهو يخبره:
-لا طبعًا ودي تيجي!
ومضى يشرح له:
-هجيب من عمي عثمان العيش وهنروح للست أم عزت، نأكل أحلى فول وطعمية وبتنجان مخلل إنما أيه يستاهل بوقك.
وبقلقٍ تساءل:
-أوعى تكون معدتك معدة أجانب متودكش زيوتنا! لو كده هجبلك جبنه ولنشون!
ضحك بصوته الرجولي، وقال يسايره:
-روح هات العيش وتعالى بسرعة يا آيوب.

أشار له بحماسٍ، وغادر على الفور، ارتكن عُمران على الحائط من خلفه، يتفحص هاتفه باهتمامٍ، فاذا بصوتٍ من خلفه يناديه:
-بقولك يا حليوة.
نزع نظارته السوداء عنه واستدار يراقب من يناديه بدهشةٍ، فإذا بسيدة عجوز تشير له بالاقتراب، فردد متسائلًا:
-أنا؟
هزت رأسها تؤكد له، اقترب منها عُمران باستغرابٍ، فاذا بها تشير على الاسطوانة المعدنية قائلة:
-ساعدني أطلع الأنبوبة دي لحسن تقيلة ملح بحاول أحركها مبتتزحزحش.

ضيق عينيه مندهشًا، وهمس:
-تقيلة ملح إزاي!
دعه من التفكير بمصطلحاتها، وانحنى يرفع الأنبوب على كتفه بذراعٍ واحد، توسعت مُقلتيها بانبهارٍ وهتفت بحماسٍ:
-يا ما شاء الله عليك، ربنا يحميك ويديك الصحة يابني.
سيطر على خوفه الهيستري من أن يتسخ قميصه الأبيض وجاكيته، وقال يسألها في تهذبٍ:
-شقتك الدور الكام يا حاجة؟
أشارت ومازالت تراقبه:
-بالتاني.

تركها وصعد للطابق الثاني، وضع ما بيده داخل الشقة، ثم إتجه، ليغادر، فأوقفته تسأله بفضولٍ:
-إنت ابن مين يابني؟
رد عليها باستغراب:
-ليه؟
شملته العجوز بتفحصٍ، وقالت مبتسمة:
-عندي ليك حتة عروسة إنما أيه مال وجمال وأخلاق، وإنت شكلك ابن حلال.
تنحنح يخفي ابتسامته، ليت الأمر لا ينكشف لزوجته، حينها ستحمل الأنبوب المعدني وستهشم رأسه بها.

طال صمته، ومازالت العجوز تترقب سماع اجابته، فقال وهو يرفع كفه لها، يريها دبلته السوداء:
-متجوز وعندي عيلين وطافح الكوتة عشان أربيهم يا حاجة.
ظهر الحزن باديًا على ملامحها، وتمتمت بانزعاجٍ واضح:
-ربنا يرزقك برزقهم يابني.
كبت ضحكاته وهو يردد بحزن مصطنع:
-أيوه ادعيلي من قلبك لإني محتاج الدعوات طول فترة قعادي هنا!

بالأسفل.
عاد يبحث عنه بريبةٍ، وقد جن جنونه لاختفائه السريع، جذب آيوب هاتفه يحاول الاتصال به، فأتاه صوته المشاكس من خلفه:
-حاجة تاهت منك؟
ابتهجت معالمه فرحةٍ:
-عُمران.
أحاطه بنظرة ساخرة، اتبعت مزحه المضحك:
-مش هقدر أقولك حبيب قلبه عشان ملهوش غيره.
واستطرد بتسليةٍ:
-جبت العيش؟
ضحك وهو يحرك رأسه بتأكيدٍ، فسبقه الطاووس يشير له:
-أنا جعت، هتفضل واقف عندك طول اليوم؟
تعالت ضحكاته وصاح بسخرية:.

-أم عزت طريقها من هنا يا وقح!
مدد ذراعه بحنان لمحلها، حينما افتقد وجودها داخل أحضانه، ولكنه تفاجئ بالطرف الآخر من فراشه فارغًا، كشف عن رماديته يبحث عنها جواره، وبصوت الناعس ناداها:
-فطيمة؟

استقام علي بجلسته بفرك عينيه، جذب نظارته الطبية عن الكومود وارتداها، ثم تأمل ساعته والدهشة تحتله كليًا، نهض عن الفراش يبحث عنها بأرجاء جناحه، وحينما لم يجدها هبط للأسفل يبحث عنها، توارى إليه بصيص ضوءًا من غرفة مكتب أخيه، انكمشت تعابيره بدهشةٍ:
-عُمران!

إتجه إليه، وجد الباب غير منغلق كليًا، فكشف له عن زوجته التي تجلس محل أخيه، تتابع العمل من حاسوبه، وأمامها عدد مهول من الملفات، كانت تعمل كسيدة أعمال ناجحة، من يراها لا يصدق أنها نفسها تلك الأنثى الجريحة، كسى رماديته فخرًا وحبًا لا يحملانه إلا لها، تلك التي تغنيه عن كل نساء العالم.

-اللي قدامك ده مكافآة تعبك ودليل نجاحك يا علي.
استدار خلفه تجاه الصوت الذكوري الهادئ، فوجد عمه يقابله بابتسامة شملت فخرًا عريقًا به، ابتسم علي وقال باسترابةٍ:
-متوقعتش إني مهما بذلت مجهود معاها إنها هتوصل لده.
ربت على كتفه بحبٍ أبوي يحمله خصيصًا لذلك الرفيق المشابه له:.

-وصلت وحققت الأكبر من المستحيل يا علي، إنت مكنتش الأمل اللي اتمسكت بيه فاطمة للنجاة، إنت كنت النجاة ليها من المهالك اللي خاضتها وهتخوضها، ونفس النجاة لفريدة هانم وقت احتياجها لصديق، ولعمران وقت احتياجه لأخ، ولشمس وقت احتياجها لأب.
واستطرد ببسمةٍ هادئة:
-إنت كنت دايمًا قارب النجاة لكل اللي حوليك يا علي!
سيطر على تلك الدمعة التي كادت بالانسدال على وجهه، وردد بمرحٍ:.

-أيه يا أحمد باشا إنت صحيت لقيت فريدة هانم نايمه قولت تكتب قصيدة شعر فيا ولا أيه، ده أنا بنفسي اللي مسلمك الديوان عشان تتعلملك كلمتين، يوم ما تتعلم تجربهم فيا أنا ولا أيه؟

انفجر بنوبة من الضحك الرجولي، وشدد بحزمٍ مصطنع:
-إنت بتفضح أسرارنا على الملأ يا دكتور، هيبقى وضعنا أيه لو اتكشفنا إننا بنقلش من قصايد الشعر؟
شاركه الضحك، وقال:
-وماله يا باشا، على الاقل التهمة تشرف، وأهي كلها محاولات لرفع مستوى الثقافة في العلاقة.
هز راسه ساخطًا:
-شكلي هفكني من كتبك وقصايدك دي وأشوفلي سكة مع الوقح أخوك، يمكن يعلمني ازاي ألف فريدة هانم زي مهو زمانه لافف نص ستات مصر دلوقتي!

راقب علي الطريق من حوله، وهتف بحنقٍ:
-لو هتتبع طريقه يبقى هتعتزل الساحة بدري مع فريدة هانم يا أحمد باشا، اعقل وكل بقصايدي عيش، بدل ما ترجع تعتزل تاني والله أعلم هترجع تعتكف كام سنة المرادي؟
حك ذقنه النابتة بتفكيرٍ:
-إنت شايف كده؟

أومأ عدة مرات، مؤكدًا:
-ومش شايف غير كده.
صاح وهو يستعد للرحيل:
-طب سلام يا بتاع الكتب، أشوفك بليل.
انبلجت ابتسامة جذابة على وجهه، وقال:
-في رعاية الله.

غادر أحمد لعمله، بينما اتجه علي للمطبخ، يعد فنجانين من القهوة، وشطيرة من الجبن لزوجته، يعلم بأنها تفعل كل شيءٍ لتساعد أخيه بعمله، لعلمها بما حدث بينه وبين جمال، وحاجته الماسة بالابتعاد عن لندن، استدار يسكب الأكواب، ويضع الجبن على الشطائر، ولجت مايسان للمطبخ بإرهاق شديد، فرددت باستغرابٍ:
-علي! بتعمل أيه؟
تفحص وجهها الشاحب بقلقٍ، وأجابها:
-بعمل فطار سريع.
وسألها باهتمامٍ ومازال يتطلع لاصفرار وجهها:.

-إنتِ كويسة؟ وشك مجهد ومخطوف!
جذبت أحد المقاعد القريبة من رخامة المطبخ المرتفعة، وجلست قبالته تحاول أن تبدو طبيعية أمامه:
-مفيش أنا بس مفتقدة عمران مش أكتر.
تدفقت دموعها على وجهها رغمًا عنها، أزاحتها مايا سريعًا، وقالت بحزنٍ:.

-أنا زعلانه إني مش قادرة أخفف عنه اللي مر بيه يا علي، ومش قادرة أتقبل بعده عني لمجرد إنه عايز يتعافى من اللي مر بيه، كنت متوقعة إنه هيفضل يكون معايا، بس هو قالهالي صريحة، إنه عايز يكون لوحده.

ترك ما يفعله وإتجه يجذب مناديل ورقية من الباقة، تركها أمامها وقال بصوته الرخيم:
-قبل أي كلام، امسحي دموعك وبطلي بكى لأن ده مضر للي في بطنك قبل ما يضرك.
انصاعت إليه، وجذبت المناديل تزيح ما علق بأهدابها، وتنظم انفاسها المضطربة، شهيقًا وزفيرًا حتى هدأت تمامًا.

وضع علي كوب الحليب الساخن أمامها، وبعض البسكويت المملح، وآمرها بحسمٍ:
-اشربي ده عشان تقدري تفهمي اللي هقوله كويس.
يا لقدرته الماكرة بالاقناع، ربما كانت سترفض أي شيء يقدمه لها، لعدم رغبتها بتناول أي شيء، ولكنه يخبرها بأنه أن تناولته سيخبرها بشيءٍ ربما يفيدها، سياسية خبيثة للاقناع، تناولت مايا بعض البسكويت وارتشفت نصف كوب الحليب، ووضعته جانبًا وهي تسأله بلهفة:
-عايز تقولي أيه يا علي؟

جذب أحد مقاعد طاولة المطبخ الضخمة، ووضعه على الجانب المقابل لها، بينما تفصل الرخام بينهما، جلس قبالتها يستمد نفسًا طويلًا ثم قال:
-بصي يا مايا، أنا مش هقولك إن تصرف عُمران صح مية في المية، كده مش هكون عادل لا معاه ولا معاكِ، بس اللي هقولهولك يمكن يريحك.

أنصتت له باهتمامٍ، رأه يملأ حدقتيها، فاضاف:
-مفيش حد فينا شبه التاني يا مايا، أنا قدرت أحلل شخصيتك من نص كلامك اللي قولتليه، أعتقد لو مريتي بنفس مشكلة عُمران هتفضلي تتخطيها معاه لأنه هو العزيز على قلبك واللي هيساعدك إنك تخرجي من اللي إنتِ فيه، صح ولا كلامي غلط؟
هزت رأسها بتأكيدٍ لصحة حديثه، فاستطرد برزانةٍ:.

-طريقتك للتعافي مش غلط، بس بالنسبة لشخصية عُمران أكبر غلط، عُمران يا مايا مبيحبش العزاز على قلبه يشوفوه ضعيف ومهزوز أبدًا، وكون إنه بعدك عن حالة الاضطراب اللي هيعشها بسبب اللي حصل فده لحبه وخوفه الشديد عليكي، عايز يحميكِ من نفسه وقت إنكسارها، الإنسان المجروح يا مايا مبيبقاش عنده طاقة ولا خلق لأي شيء حوليه، ممكن ببساطة يخسر أكتر من علاقة في حياته بسبب اللي بيمر بيه، عشان كده البعد للشخصيات اللي زي دي بتفادي كل المقربين منه من غضب خارج عن إردته.

صمتها يبرز اقناعها بكل حرف تفوه به، لم تناقشه بما قال، ولكنها سألته مباشرة:
-وهتستمر حالته دي لحد أمته؟

أجابها بهدوءٍ:
-أعتقد إنه هيحاول يتخطاها بأقصى ما بوسعه، عشان عُمران ميقدرش يبعد عن جمال ولا عن المحيط اللي صنعه لنفسه.

وأضاف ببسمةٍ ماكرة، وهو يقرب نصف كوب الحليب لها:
-والله أعلم لو كملتي الكوباية والكام توست ده أنا هيكون عندي أيه أقوله!
زحفت اللهفة إليها، فأيقظت دمويتها الهادرة، سحبت مايا الكوب ترتشفه بأكمله، بينما نهض علي يستكمل صنع القهوة، وهو يتابعها باهتمامٍ، وما أن انتهت حتى وضعت الطبق والكوب أمامه، وسألته بحنقٍ حينما طال بصمته:
-ما تتكلم يا علي!
ضحك وهو يمازحها:
-طيب مثلي عليا أنك مش واقعه وهصدقك طيب!

سددته بنظرة مشتعلة، فازدادت ضحكاته وأردف بتسليةٍ:
-طيب خلاص، هتكلم.
ترك الصينية عن يده، وقال بنبرة ماكرة:
-والله أنا كدكتور شايف إننا نديله يومين تلاته يريح فيهم أعصابه، وبعدين نطب عليه بربطة المعلم، مهو بصراحه اللي بيعمله ده لا ينفع كزوج مسؤول ولا كأخ ملزوم من إنه يطمن اخوه الكبير، ونشوف فريدة هانم وشمس هانم هيشاركوا معانا في المبادرة دي ولا أيه؟

-شوف فريدة هانم لكن أنا لأ يا علي متشكرة!
قالتها شمس التي ولجت للداخل تحمل الكتب، وتستعد للذهاب لجامعتها، زمت مايا شفتيها بسخطٍ، وصاحت بنفورٍ:
-وإنتِ معترضة على أيه بقى؟
اقتربت منهما، ووضعت الكتب على الرخام قائلة بارتباكٍ:
-مش هينفع، بينا أنا وعُمران مصالح مشتركة اليومين دول، لما تتفض أبقى أنضم لحزبكم.
وأضافت بابتسامة واسعة، كأنها تخبرهما قرارًا جمهوري:.

-أنا وآدهم شايفين إن مش من مصلحتنا نعارض عُمران في أي شيء عشان كده أنا خارج أي اتفاقات.
رمقها علي بنظرة ساخرة، وبشكٍ فاه:
– هو لسه موصلش الهدية؟
اعتلاها الضيق والغيظ، وانفجرت بما تخبئه:.

-زلني يا علي ومش راضي يدي لآدهم الهدية اللي خليته يطلبهاله على ذوقه، ندمني إني طلبت منه يساعدني، كل ما اقوله يقولي أنا لسه واصل، لما أستريح من السفر أبقى افتح الشنط واديله الهدية بتاعتك، كأنه كان مسافر على جمل في الصحرا مش على طيارة درجة أولى!

ضحكت مايا وشاركها علي بالضحك، تركهما تتناقشان وحمل الصينية، ثم أتجه لغرفة المكتب، طرق على الباب المفتوح لتنتبه له، وقال بحب:
-ممكن أدخل يا سيادة المديرة.
ابتسمت فاطمة ونهضت تهتف على استحياءٍ:
-علي!

أبعد الحاسوب والأوراق من أمامها، ثم وضع ما يحمله، مشددًت بحزمٍ:
-مفيش شغل دلوقتي من غير لما تفطري وتشربي قهوتك كمان، ومش أي قهوة ده بن مخصوص من تحت ايد دكتور علي الغرباوي، وسرها مبيطلعش غير للغاليين وحياتك، تحبي نكتشفه مع بعض؟

جذبتها رائحة القهوة، فجذبتها إليها تشم رائحتها بإعجابٍ:
-ريحتها باينة من قبل ما أدوقها.

فصلها عن ارتشافها، وأبعد الكوب من يدها، واضعًا الشطيرة:
-مش هتخدعيني يا روح قلبي، نفطر الأول وبعدين أسيبك تستكشفي قهوتي براحتك.
هزت رأسها في استحسانٍ، فتناولت شطيرة من الجبن، ثم تناولت منه الكوب وارتشفته بإعجاب طرد على لسانها:
-أممم، جميلة أوي بجد.
ابتسم ومازال يجلس على المكتب جوارها، ومن ثم استقام بوقفته وقال باحتواءٍ:
-هسيبك تكملي شغلك وهطلع أغير عشان المركز.
منحته ابتسامة رائعة، وهي تهم بالنهوض:.

-طيب ثواني هطلع أحضرلك هدومك.
أعادها للمقعد برفقٍ:
-خليكِ حبيبتي أنا هعرف أدبر نفسي.

ومال يطبع قبلة أعلى رأسها ثم صعد للأعلى على الفور، ولج لحمام الجناح، يغتسل، ثم خرج يلف جسده بمنشفة سواء قطنية.

وقف علي أمام الخزانة ينتقي حلة هادئة ليومه، اختار واحدة، وارتداها، ثم فتح الجزء الآخير المشترك بينه وبين زوجته؛ ليتنقي جرفات مناسب لها، سحب واحدة باللون الأسود، تحمل خطين من اللون الرمادي، وما كاد بغلق باب الخزانة، حتى وجد ما لفت انتباهه بصندوق المجوهرات الخاص بها، فكان مفتوح على مصراعيه، وما يحمله داخله جعله يتصنم محله من شدة دهشته.

جذب علي شريط الأقراص الموضوع بالعلبة، يطالعه بصدمةٍ، لا يصدق ما يراه، بل أخر ما توقعه أن تختار فطيمة عدم الانجاب منه وبرغبتها! كيف تناولت تلك العقاقير، ولم تخبره حتى بذلك!

أعاد علي الشريط للعُلبة مجددًا، وأغلقها بهدوءٍ كأن لم يكن، حتى الخزانة اغلقها، واتجه يربط الجرفات أمام المرآة، ومازال شاردًا، مال يستند على السراحه ليقابل المرآة بشكلٍ أقرب، وهمس بدهشةٍ:
-ليه يا فطيمة؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *