رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل العاشر
في الصباح نزل كلًا من سفيان وصالح رفقة أدهم للذهاب للقسم حيث تم استدعائهم صباحًا، هايدي أجلّت لقائها مع سليم بسبب ما حدث ولأنها تريد أن تكون بجوار رفيقتها، سُعاد غاضبة وقلقة من وجودهم في منزلها، وهذا كان واضحًا لأعين زينبو التي تراقبها بتوتر، حيث أن سعاد لا تعلم ما حدث في ماضي سفيان ولا تعلم أن هؤلاء الفتيات لهم علاقة بسفيان القديم أساسًا…
قص أمجد على زينبو ما حدث ووعدته هي بأنها ستتولى جميع مسؤلياتهم، ولن تدع سعاد تعلم أي شيء منهم حيث أنها فضولية الشخصية قليلًا، استيقظت عائشة بفزع شديد لترى نفسها في غرفة مألوفة لها، تذكرها بالغرفة الموجودة في منزل الوحش حينما انتقلت إليها، ماذا حدث؟، هل استطاع الوحش إنقاذها من رائف؟!، حسنًا هو قوي حقًا ولكن كيف يعلم رائف؟
لقد سمعته ينادي بإسمه! هذا غريب حقًا.
نظرت حولها ببطئ لتجد أمها مستلقية بجانبها، والدتها تنام ولا تشعر بسبب الدواء الذي تأخذه، هو لا يجعلها في وعيها طوال الوقت، ولكنه مفيد لها ولهذا هي تأخذه كما أخبرها الطبيب…
نهضت من على السرير بسرعة حينما تذكرت حالة أختها السيئة بسبب ما فعله بها رائف، الغرفة تبدو مضيئة، فأيقنت بأنهم في الصباح، نادت على أختها بصوت منخفض ولا تعلم لما فعلت هذا، قلقة…
خائفة…
ومضطربة…
كانت تلك حالتها وهي تخرج من الغرفة ببطئ شديد وتنادي على أختها وصغيرتها بصوت هامس هيستيري، صوتها عالق في حنجرتها، ولهذا فهو يخرج مبحوح ومنخفض، رهف، رهف إنتِ فين؟
قالت عائشة ببكاء وهي تستند على الحائط بجوارها لتدعم جسدها في المشي، لماذا أختها لا تجيب، عائشة لا تستطيع التفكير في أي شئ إلاّ في سماع صوت أختها والإطمئنان عليها، رأتها هايدي من الصالة وهي تمشي بعدم إتزان وتتنظر حولها بخوف شديد، عائشة.؟
قالت هايدي بإستغراب ثم نهضت مسرعة لتسند الأخرى التي على وشك فقدان وعيها بسبب قلقها، فين رهف، هي كويسة؟ أرجوكِ فين أختي
قالت عائشة بصوت مبحوح وباكي فأشفقت عليها هايدي وأخذتها لترى أختها.
بعد مرور ساعة تقريبًا نهضت عائشة من جانب أختها وفي عينيها يرتسم أسوء أنواع الغضب، لقد رأت حالة أختها، دامية، جروح تملئ جسدها، وكدمات عديدة، لم يرحمها الشيطان الآخر وهي لن ترحمه أيضًا، لقد علمت من هايدي أنه في السجن كما أخبرها سفيان صباحًا، والآن هي ستريه كيف يكون الغدر؟ عائشة أيضًا ليست سهلة كما يظن، هي فقط جبانة حين يصل الأمر لمن تعرفه…
في قسم الشرطة، كان سفيان يجلس بملل في مكتب أخيه وصالح أيضًا يتحدث في الهاتف ويبدو عليه القلق وملامحه غاضبة نوعًا ما.
أدهم مشغول في التحقيق في هذه القضية والتي لا تبدو سهلة كما إعتقد، رائف سيخرج منها كما تخرج الشعرة من العجين، نهض سفيان بتثاقل متجهًا نحو صديقه و ربت على كتفه بدعم، أيه يا أباظة مالك؟
قال سفيان بمزاح، فنظر له صالح بغضب…
شيما جاي ليها عريس، أمي رايحالهم العصر…
قال صالح بغضب وهو يلقي الهاتف أرضًا بغل شديد، إيه، شيما مين، شيما بنت خالتي؟
تساءل سفيان فأومأ صالح بحزن هو فقط كان ينتظر فرصة صغيرة ليتقدم لها، ولكن الظروف في كل مرّة لم تكن في صالحه، وهو لا يعلم ماذا سيفعل الآن، قهقه سفيان فجأة فخرج صالح من شروده ينظر له بإستغراب، صالح، فوق يا حبيبي، إزاي شيما هيتقدم ليها عريس من غير ما أبويا يعرف. إنتَ عبيط!
تلاقي شيما قالت لمامتك عايزة تعمل فيك مقلب وزودت العيار شوية، قال سفيان بمرح فنظر له صالح بصدمة، آه يا بنت ال
نبس صالح بصدمة ليصرخ بألم حين لكمه سفيان على غفلة منه، ألفاظك يا هندسة…
قال سفيان بغضب فأجابه صالح بخجل وهو يحك رقبته
آسف يا عم. بس أنا بهزر
الكلام ده مش فيه هزار يا أستاذ، متنساش إن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال:
– ليس المُؤمِنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ.
اخفض صالح رأسه بخجل حيث أنه دائمًا ما يسب دون قصد هكذا، ربنا يجازيك خير يا شيخ سفيان، قال صالح بمزاح ليبعد الجو المتوتر من حولهم، عارف إنك عاوز تهزر وكده، بس أنا مش شيخ يا صلوحة، أنا ساعات بشتم برضوا بس بستغفر ربنا في ساعتها، علشان حتى لو لساني بيغلط وكده أتوب من الذنب ده.
قال سفيان بهدوء فإحتضنه صالح وهو يستغفر اللّه عما خرج من فمه.
دخلت عائشة قسم الشرطة بغضب دون أن تهتم بهايدي التي تركض ورائها بسرعة، لم تبالي عائشة بأي شيء هذه المرة، لم تبالي بالهروب كعادتها هي ولأول مرة تفكر في الإنتقام والثأر لها ولأختها، طب أقفي كلميني طيب. عائشة إحنا لابسين الإسدالات يا بنتي، طيب فهميني عايزة تعملي إيه وأنا هخلي أدهم يعملهولك، قالت هايدي وهي تحاول تهدئتها، ولكن عائشة لن تتراجع هذه المرّة، عايزة حقي، وحق بابا وماما وأختي، عايزة حق أخويا، عايزة حق عم فيصل، عايزة حق كل الناس إللي ماتوا أو إتأذوا بسببي، عايزة حقي ومش عايزة أهرب تاني.
قالت عائشة ببكاء وهي تنظر لهايدي بأعين مهتزة، لم تتكلم معها هايدي فقد بدت مصممة للغاية وهي تمتلك رأسًا عنيدًا حقًا ولهذا هي ستلحق بها فقط، اجل هذا ما ستفعله، نظرت عائشة حولها ببكاء وروحها الباردة تستغيث بداخلها، هي تعلم بأن تلك الخطوة ستكون نتيجتها مؤلمة عليها، وأن رائف سينتقم منها أشد إنتقام ولكنها حقًا لم تهتم، هي ستثأر لهم.
لمحت عائشة اسم أدهم الدرملي معلقًا بجانب إحدى الأبواب فتوجهت له تتبعها هايدي والتي رفعت رأسها بخوف للأعلى تستغيث بخالقها، هي لم تخرج أبدًا بالإسدال وحين فعلتها جاءت لمكان عمل أخيها، لن تستغرب لو تبرأوا منها!
فتحت عائشة الباب بقوة دون طرقه فلطمت هايدي وراءها بفزع، تلك الفتاة تفعل أي شئ لتجعل أخويها غاضبين حقًا…
أنا عايزة أرفع قضية ضد رائف عبد القادر الشافعي بتهمة القتل.
قالت عائشة كلامها بسرعة وصراخ وهي مغمضة الأعين وكأنها ستحارب خوفها إذا لم تفتح عينيها، عائشة.!
ثلاث أصوات نادت بإسمها كلٌ بتعبير مختلف
سفيان، بإستغراب
صالح، بتعجب
سليم، بدهشة!
توقفت عائشة في مكانها بصدمة حين رأته أمامها، لم تصدق ما تراه عينيها فرددت اسمه بهمس وعينيها تنظر له بدهشة، سليم…
قالتها عائشة بصراخ وهي تركض ناحيته و تحتضن جسده ببكاء وحين أفاق هو من صدمته بادلها الإحتضان وعينيه تنظر لها بنظرات مبهمة، هذا لم يكن ضمن الخُطة…
بينما تصنم كلًا من هايدي وسفيان وصالح ينظرون لما يحدث أمامهم بصدمة.
في منزل سليم المسلماني، كانت روان أخته جالسه في غرفته تنتظر مجيئه بترقب لتعلم منه ماذا حدث في موضوع صديقتها، ولتأخذ هاتفها منه، حيث أنها كانت مُعاقبة فخبئ منها هاتفها، ولا تعلم لما استمعت لعقلها الباطن الذي أمرها بالتفتيش في غرفته فنهضت وهي تتسحب نحو الباب وأغلقته ببطئ لكي لا تسمع والدتها، ثم إنطلقت تبحث عن هاتفها في كل مكان، هي لم تترك مكان ولم تبحث فيه، المكتب
الدولاب
مكتبة الكتب المعلقة.
الكومود الموضوع بجانب السرير، أسفل السرير، وحسنًا لقد وجدت شيئًا ما، سحبت روان الصندوق الصغير الموضوع أسفل سرير أخيها سليم وناظرته بإستغراب، هل هذه قنبلة؟ وضعها سليم ليتخلص منهم، ولكن أخاهم يحبهم!
قهقهت روان بمرح على إستنتجاتها المرحة في نظرها، ثم فتحت الصندوق وقد كان يبدو قديمًا وهي تذكرته، هذا صندوق الذكريات الخاص بأخيها، لمعت عيناها بمرح وهي تنظر لدفتر الصور الموجود بداخله، ثم أخذت منهم ثلاث صور وخبئتها معها، وقهقهت بشر مصطنع وهي تتخيل ردة فعله على فعلتها، بالتأكيد سيغضب وسيخرج عن شعوره، خواتم فضية رجالية، لفافت ورق فارغة لا تعلم فائدتها، وفلاشة صغيرة، ابتسمت بحنين وهي تخرج الفلاشة، بالتأكيد هي تحتوي على ذكرياتهم سويًا، من الممكن بأن يكون حفل زفاف والديهم، أرادت وضعها حقًا ولكن فضولها غلبها كما يفعل دائمًا، فأخذت الفلاشة ثم خبئت الصندوق مكانه مرّة أخرى وتوجهت ناحية غرفتها بحماس شديد، هي تحب الفيديوهات القديمة التي تراها عن حياتهم في الماضي، أخرجت روان الحاسوب المتنقل خاصتها ثم فتحته ووضعت فيه الفلاشة وتوجهت ناحية الفيديوهات لتشاهد الذكريات التي عليها، واختارت الفيديو الوحيد الموجود عليها.
ولم تعلم روان أنها على وشك إكتشاف الحقيقة المُرة، حقيقة أخيها سليم، مرّة دقيقة كاملة ولم تحضر الشاشة أي شئ، فقط شاشة سوداء وأصوات متداخلة ببعضها فبعثت في داخلها خوف غريب، نظرت روان للشاشة حين بدأت في عرض المحتوى، ولكن أين الأغاني الصاخبة الموجودة في هذا الزفاف؟ صرخت روان فجأة حين ظهر أمامها شيء لم تستطع تحمله، شيء كان فوق قدرة صبرها فصرخت، نظرت للشاشة بأعين متوسعة من الصدمة وامتلئت عينيها بالدموع.
ثم كممت فمها بفزع وهي تناظر شاشة الحاسوب مجددًا، لقد كان أخيها يقف ويمسك بمسدس ما وأمامه تقبع جثة شخص ما، شخص مألوف لنظرها، لقد كان مروان، ولكن كيف؟
أهذا مقلب أم أن سليم كان هو المتهم الأول في قضية مروان؟
التعليقات