رواية أنا لها شمس الجزء الأول للكاتبة روز أمين الفصل العاشر
خرجت من الحمام مرتدية ثوبًا مثيرًا يكشف عن فتحة ص. درها وفخ. ديها لتتحرك إليه بدلال متحدثة بابتسامة وهي تشير بكفيها بتفاخر على حالها: -أنا جاهزة، إيه رأيك في جمال وسحر مراتك؟
وقفت أمام ذاك المتصلب الج. سد ليخرج يده من خلف ظهره ويسألها وكل ذره بج. سده تنتفض بقوة من شدة إشتعالها: -إيه ده؟
انتفض ج. سدها فور رؤيتها بشريط الدواء وظهر الرُعب بعينيها ليتأكد من شكوكه وقبل أن تنطق بكلمة كانت تصرخ شاعرة بألمٍ شديد عندما هوت يده على وجنتها لتلطمها بقسوة ترنح ج. سدها على أثرها وتُطرح أرضًا.
تجرد من شخص رجل القانون الحكيم الكامن بداخلهُ ليرتدي ثوب رجلاً شرقيًا طعنته أنثاه بمنتصف قلبه بخنجر الغدر، شعر بنارًا تسري بجميع أوردته عندما هاجمته فكرة رفض شريكته حمل قطعةٍ منه داخل رحمها، كم كان شعورًا قاسيًا بالنسبة لشخص ك فؤاد، أفرط بعشقه وماله ولم يبخل عليها بشيء ليجني بالأخير تلك الخيانة الكُبرى.
اندفع نحوها بشراسة ليجثو على ركبتيه وهو يمد يده قابضًا على شعرها بقوة ليهمس بفحيحٍ غاضب أوحى لبركانه الكامن بداخله: -قولي لي سبب واحد يخليكِ تاخدي برشام يمنع الحمل اللي مستنيه يحصل ليا سنين؟!
كانت ترتجف منكمشة على حالها تنظر إليه برُعبٍ ك غزالةٍ ضئيلة وقعت فريسة بقبضة أسدٍ جائع، شهقت عدة مرات ليخرج صوتها المرتجف وهي تقول بحروفٍ متقطعة: -إديني فرصة أشرح لك يا فؤاد.
اشتعلت عيونه بشرارات ال?ضب ليشدد من قبضته على شعرها لتخرج منها صرخة متألمة وبحدة يهدر قائلاً: -هتشرحي لي إيه بعد ما شوفت كل حاجة بعنيا.
بعينين متوسلة صرخت بكلماتٍ توحي لمدى تألمها من جذبه القوي لخصلات شعرها: -إنتَ فاهم غلط، والله فاهم الموضوع غلط، سيب شعري بس واديني فرصة أشرح لك.
لم يرأف قلبه لدموعها الغزيرة بل زاد من ضغطه ليجيبها من بين أسنانهِ بفحيحٍ مخيف: -مفيش أي كلام في الدنيا ممكن يشفع لك ويخليني أغفر لك جريمتك في حقي وحق عيلتي
صرخت وهو يزيد من ضغط قبضته لتصيح وهي تحاول تخليص خصلاتها من براثنه: -شعري هيتخلع في إيدك يا فؤاد، أرجوك خلينا نتفاهم بالعقل
واستطردت في محاولة منها لاستعادة وعيه: -من إمتى وإنتِ بتتعامل معايا بالهمجية دي؟
امتعضت ملامحه لتقسو نبرات صوته القاسية مع شرارات الغضب التي ظهرت بعينيه ليصيح قائلاً بفحيح: -من ساعة ما حسيت بطعنة غدرك في ظهري.
نطقها ليدفعها للخلف بعنفٍ انبطحت على أثره أرضًا ليهب واقفً وبدأ يدور حول نفسه كالأسد الحبيس يجذب خصلات شعره الفحمية بحدة مفرطة للخلف ترعب من يراه، مسح على وجهه بجنون ليتحدث بغضبٍ عارم قائلاً: -مش قادر أتخيل إن مراتي اللي قدمت لها كل حاجة ممكن يقدمها راجل لست، يبقى جزاتي إنها تحرمني من إني اكون أب.
بينما هو يدور حول حاله كالأسد الجريح طرأت على ذهنها فكرة سريعة حيث تذكرت صديقتها ملك حينما تعرضت لمشكلة في الهرمونات أدت إلى لغبطة بمواعيد الدورة الشهرية مما جعلها تذهب إلى طبيبة خاصة بأمراض النساء والتوليد لتصف لها حبوب مانعة لحدوث الحمل كي تساعدها على إعادة تنظيم الهرمونات والدورة الشهرية لتتحدث بشهقاتٍ متقطعة إتباعًا لخطتها: -من فترة حصل لي لغبطة في الهرمونات والبريود مواعيدها اتغيرت، واضطريت أروح لدكتورة أمراض نسا وهي اللي كتبت لي على الحبوب دي.
رمقها بنظراتٍ ساخطة ليهتف بإنكار لروايتها: -إنتِ فكراني راجل أهبل علشان أصدق الكلام الساذج اللي بتقوليه ده؟
صرخت بدموعها المفتعلة لتقول بزيفٍ: -أنا بقول لك الحقيقة ولو مش مصدقني تقدر تيجي معايا وتسأل بنفسك الدكتورة وهي هتأكد لك على كلامي.
توقف بمكانه ليتطلع عليها يسألها بنبرة تشكيكية: -ومن إمتى وإنتِ بتاخدي الزفت ده؟
هتفت سريعًا حينما تذكرت: -من حوالي شهر تقريبًا، يوم ما جيت تصحيني وأنا قولت لك وقتها إن،
صمتت لتُكمل بتلهُف مستشهده بحديثه حينها: -حتى إنتَ بنفسك قولت لي إن ده مش ميعادها.
قطب بين حاجبيه ليتذكر تلك الليلة ليهديء قليلاً حين تيقن صحة روايتها لكنه مازال غاضبًا منها ليهتف بنبرة شديدة اللهجة: -ولما هو الموضوع كده، مخبيه البرشام في دولابك الخاص بمجوهراتك ليه؟!
واستطرد بعينين مازال بهما شكًا: -والسؤال الأهم يا مدام، حاجة مهمة زي دي مجتيش قولتي لي عليها ليه؟!
-دي حاجة خاصة جداً، أنكسف أقولها لك، نطقتها برأسٍ منكس مدعية الخجل ليصيح هو مقاطعًا: -وإحنا من إمتى بقى فيه بينا حاجات خاصة؟!
واستطرد بصوتٍ حاسم دب الرعب بأوصالها: -أي حاجة تتعلق بيكِ وبالاخص لو كانت متعلقة بموضوع مهم زي الخلفة يبقى مش خاصة يا هانم
ابتلعت لعابها لتجيب بنبرةٍ منكسرة وهي مازالت متسطحة على الأرض: -أنا أسفة يا فؤاد، أرجوك سامحني، غلطة ومش هتتكرر صدقني.
-ده شيء مفروغ منه يا ماما، نطقها باشمئزاز ليسترسل بقامة مرتفعة: -الغلطة التانية عند فؤاد علام فيها قطع رقاب.
ساد الصمت لثواني ليرمقها باشمئزاز وهو يشير على الباب الخاص بالجناح ليهتف بسخطٍ: -تلبسي هدومك حالاً وتروحي تنامي في الجناح الشرقي.
حدقت عينيها لترفعهما تطالعه بذهول لتسأله بتيهة: -إنتَ بتقول إيه يا فؤاد؟
-اللي سمعتيه، نطقها بقوة وهو يواليها ظهره لتتحامل على حالها مستندة بكفيها على الأرض لتنهض ثم تحركت صوبه إلى أن وقفت خلفه مباشرةً، أخذت نفسًا عميقًا وهمت بفتح ذراعيها لتلفهما حول خصره وما أن لامسته حتى انتفض ج. سده مبتعدًا وكأن لدغته حية ليبتعد ويهتف بقوة ومازال مواليها ظهره: -قولت لك إلبسي هدومك وروحي الجناح الشرقي ومشوفش وشك هنا تاني غير لما أبلغك بنفسي.
همست بانكسار وهي تتلفت من حولها بأعين مندهشة: -إنتَ بتطردني من أوضتي يا فؤاد؟
لم يعيرها عناء النظر لوجهها وتوجه لخزانة ملابسه وبدأ بخلع ثيابه البيتية ملقيًا إياها بعنفٍ على الأرض وإبدالها بأخرى تصلح للخروج وبعد الانتهاء توجه إلى الكومود ليختطف عُليقة مفاتيحه وحافظته الخاصة متوجهًا صوب الباب تحت ذهول نجلا ليهتف بقوة وحزم دون النظر إليها: -أنا خارج برة البيت، عاوز أرجع ملاقيش لوجودك أثر في الجناح.
أنهي كلماته الصارمة وإندفع نحو الباب كثورٍ هائج لا يري أمامه ليخرج غالقًا إياه بغضب ليصدر منه صوتًا جعلها تنتفض رعبًا.
كانت تشهق و دموعها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وما أن خرج حتى تنفست بقوة وكأنها كانت تكظم أنفاسها، وضعت يدها على صدرها وباتت تتلفت حولها بفزع لتهرول تُسرع في ارتداء ثيابها ولملمت ما تحتاجه لقضاء ليلتها خارج الجناح بعدما قررت مغادرته في الحال قبل عودة ذاك الغاضب والفتك بها إذا رأها أمامه، فهي باتت تحفظه عن ظهر قلب، فذاك ال فؤاد برغم رُقيه وسمو أخلاقه لكنه يتحول لغولٍ حين يغضب والجميع يعلم ذلك لذا يتجنبوه خشيةً من أن يحدث صدامًا يخسر فيه كل الأطراف.
أما فؤاد فكان يشعر بنارًا شاعلة بجميع ج. سده بات يزفر مراتٍ متتالية بقوة عله يهدأ وهو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعه جنونيه لتجوب شوارع القاهرة دون وجهة، كان يقود بجنون لا يعلم أين وجهته كل ما يريده هو أن يصرخ لعله يخرج ما في جوفه من نارٍ تكاد تحرق روحه وكل ما يقابله، ظل يجوب الشوارع لمدة لا يعلمها حتى خارت قواه وشعر بالإنهاك ليعود مرةً أخرى لقصر والده ليجد جميع ساكنيه نائمون، ولج لجناحه وجد الهدوء يعم المكان فهدأت روحه حين وجده خاليًا من تلك المخادعة ليذهب لفراشه ويُلقي بحاله فوقه بإهمال، تنفس وأغمض عينيه عله يستطيع الدخول بغفوة تريح صدره من تلك الحالة التي وصل إليها بفضل عديمة المسؤلية المسماة بزوجته.
عودة للوقت الحالي.
حمل صغيره بعدما ودعاه جديه بقلوبٍ مفطورة وذهب إلى منزل جده غانم ليسلمهُ له حسب إتفاق إيثار التي هاتفت المحامي وابلغته بأن يسلم نجلها لأبيها كي يأتي به إلى القاهرة، ترجل من السيارة حيث صفها أمام المنزل مباشرةً ولف للجهة الاخرى ليحمل صغيره وتحرك متجهًا صوب الباب الموارب لينادي على وجدي الذي خرج مبتسمًا وهو يقول بترحاب لابن شقيقته: -أهلاً يا يوسف، إدخل يا عمرو.
حمل عنه الصغير وولجوا للداخل ليجد غانم بانتظاره مرتديًا ثيابه، حمل صغير إبنته وقام بتقبيله ليقبل عليه عمرو الذي تحدث باشتياق وهو يصافحه: -إزيك يا عم غانم.
أجابه بصوتٍ بارد: -الله يسلمك يا عمرو، اقعد يا ابني واقف ليه؟
جلس بعدما صافح عزيز وأيهم ليتحدث الصغير إلى جده: -هتوديني أمتى لمامي يا جدو؟
ليرد الجد بوجهٍ بشوش: -هنمشي الوقت يا يوسف
خرجت منيرة من المطبخ لتُقبل على عمرو بوجهها الضاحك وهي ترحب به بتهليل: -إزيك يا عمرو، عامل إيه يا ابني؟
وقف سريعًا ليصافحها بترحاب ليقف غانم قائلاً بحزم: -تعالى معايا يا عزيز إنتَ ووجدي.
خرج بصحبة أنجاله الثلاثة وترك الطفل يجلس بأحضان عمرو الذي اقترب هامسًا ل منيرة بعدما جاورته الجلوس: -عملتي لي إيه في موضوعي يا خالتي؟
-إصبر يا عمرو، أنا مش ساكتة وبضغط عليها بقوتي ومش هستريح غير لما ترجع وأطمن عليها معاك، نطقت كلماتها لتطمأنه ثم استرسلت وهي تجز على اسنانها: -بس لو تسمع كلامي وتطلق العقربة اللي إسمها سُمية
تنفس بيأس ليُجيبها: -حاولت كتير أكلم أبويا في الموضوع ده، بس هو رافض والحاجة إجلال كمان، بتقولي مينفعش علشان بنتي لما تكبر هتتعاير إن أمها متطلقة.
واستطرد بملامح مكفهرة وضيقٍ ظهر بعينيه: -أنا أصلاً لولا البنت كنت رمتها من ساعتها، هي اللي كاسراني قدامها ومكتفاني.
لوت فاهها لتقول متهكمة: -وهي أمها أول واحدة هتطلق، ما البلد مليانة مطلقين وأولهم بنتي.
أخذت نفسًا عميقًا ثم حولت مجرى الحديث قائلة بعتاب: -يرضيك اللي عمله الحاج نصر مع عزيز ووجدي ده يا عمرو، مكنش العشم يمشيهم كده قدام الرجالة
-حقك عليا أنا يا خالتي متزعليش، أبويا زعلان من اللي حصل لي ومحمل إيثار الذنب، قالها مبررًا ليهتف بعينين متلهفتين: -بس كل ده هيتغير بمجرد ما إيثار ترجع تنور بيتها من تاني
-على الله يا ابني، نطقتها بتمني.
أما بالخارج، وقف غانم أمام أولاده الثلاثة ليهتف محذرًا بسبابته بوجه عزيز: -أنا رايح أقعد عند اختك يومين، قسمًا بالله يا عزيز ما تعمل أي حاجة تضر بيها أختك لاتبرى منك قدام البلد كلها
واستطرد مشيرًا للجميع: -والكلام ليكم إنتوا الثلاثة، وعزة وجلال الله لو طاوعتوا شيطانكم لاكون كاتب البيت والكام قيراط اللي حيلتي ل إيثار وطايحكم برة إنتوا وعيالكم، وإبقوا خلوا نصر وعياله ينفعوكم ساعتها.
احتدمت ملامحه ليهتف بعصبية مفرطة: -إيه يا أبا الكلام اللي بتقوله ده، بيت إيه ده اللي هتكتبه للبت؟
هتف غانم مؤكدًا على تهديده: -زي ما سمعت يا عزيز وده مش تهديد، وخليك فاكر إن أنا حلفت بالله، وإنتَ عارفني لما بحلف على شيء.
هتف بعينين متسعتين ذهولاً: -كل ده علشان عاوز الستر ل اختي؟!
ليرد عليه مستنكرًا: -وهو الستر مش موجود إلا في بيت نصر البنهاوي؟
-أه يا أبا وإنتَ عارف كده كويس، قالها بتأكيد ليسترسل بتذكرة: -ولا نسيت قوانين بيت نصر، اللي بتتجوز واحد من عياله بتتحرم على غيره، واللي عمله عمرو ونصر في الباشمهندس عبدالعزيز اللي إتقدم لها يشهد على كلامي، ولا ناسي إن نصر أجبره يسافر السعودية ويسيب البلد كلها.
واكمل مستطردًا باستعراض جبروت أل البنهاوي: -ولا معتز إبن حسن المنسي اللي بس قال على القهوة في وسط أصحابه إنه بيفكر ييجي يطلبها منك، عمرو راح له بيته ومسبهوش غير ورجليه الإتنين متكسرة بعد ما الغفر بتوع ابوه كتفوه قدام أهله ومفيش مخلوق من البلد كلها قدر يخلصه من إيد عمرو.
نكس الأب رأسه لتيقنه من صحة حديث نجله عن إفتراء وتجبر نصر وأنجاله بأهل القرية ليقطع شروده صوت وجدي الذي قال مؤكدًا على حديث شقيقه: -عزيز عنده حق يا ابا، اختي لسة صغيرة ومش معقول هتكمل حياتها من غير جواز تاني، ده غير إن أهل البلد مش مبطلين كلام علينا، وإن إزاي أربع رجالة بيناموا بالليل قافلين عليهم بابهم وسايبين بنتهم في الغربة لوحدها مايعرفوش عنها حاجة.
واسترسل بتأكيد: -إيثار مقدمهاش حل غير إنها ترجع لعمرو.
ابتلع المتبقي من كلماته بجوفه لمقاطعة غانم بكلماته اللائمة: -خلاص، روحوا هاتوها بالعافية ورجعوها له علشان تموت نفسها زي ما حصل قبل كده.
ابتلع وجدي وأيهم لعابهما ونكسا رأسيهما لذكر والدهما لتلك الذكرة الأليمة عدا ذاك الجاحد الذي لم يتأثر حتى أنهُ هم باعتراض ليوقفه غانم قائلاً بحزم ونبرة حادة وكأن الضعف مل من ضعفهِ وثار عليه: -اللي عندي قولته وإنتوا أحرار، أنا مش هفضل واقف اتفرج على بنتي وهي بتتذل أكثر من كده.
-لحد هنا وكفاية يا عزيز، لحد هنا وكفاية، نطق كلماته الاخيرة بتهديدٍ خفي ليشير إلى أيهم قائلاً: -هات إبن اختك من جوه علشان نلحق نوصل قبل الدنيا ما تليل علينا.
-خليني أجي معاك أوصلك يا ابا، نطقها أيهم ليجيبه بمعارضة: -هروح لوحدي يا أيهم، عاوز أخد راحتي مع بنتي.
خرج عمرو حاضنًا صغيره واقترب ليطالع غانم قائلاً: -يلا يا عمي أنا هوصلكم.
-لا يا ابني كتر خيرك، أنا هركب مواصلات وهروح لوحدي، قالها بذات مغزى ليفهم عمرو مقصده وبأنه يخشى غضب إيثار لو علمت لذا إنصاع لرغبته.
إنتباااااه
«عودة للماضي»
مرت ثلاثة أسابيع منذ إكتشافه لتعاطيها لحبوب منع الحمل في تجاهلٍ تام منه، حيث كان يتجنبها ولم يجمعهما مكانًا سوى حجرة الطعام وهما يتناولاه بصحبة العائلة، عاد من عمله في تمام الرابعة عصرًا وولج لجناحه يشرع بخلع ثيابه، استمع لدقات خفيفة فوق الباب ليهتف بصوتٍ عالي نسبيًا: -إدخل.
فُتح الباب لتظهر وهي تتحرك ببطيءٍ نحوه بعدما أغلقت الباب لتقول على استحياء برأسٍ منكس: -ممكن نتكلم
لم يعير لدخولها إهتمام وتابع تبديل ملابسه بملاح مقتضبة لتقترب منه وكادت أن تضع كفها على صدره ليوقفها صوته الحاد حيث هتف بصرامة مشيرًا بكف يده للتوقف: -إبعدي إيدك.
ارتعدت لتتسمر مكانها تحاول تنظيم أنفاسها للحفاظ على ثباتها لتكمل ما أتت إليه، تحدثت بنبرة مرتجفة خشيةً إثارة غضبه من جديد، فمنذ ذاك اليوم وقد تغيرت نظرتها له وقررت التعامل معه بحذرٍ تام، ف إلى الأن لم تستوعب ما حدث وعقلها رافضًا تصديقه، فهل يعقل أن يتحول رجل القانون الرزين والرومانسي إلى رجل همجي يحركه غضبه ويجعله يصفع زوجته ويقوم بتعنيفها ج. سديًا ونفسيًا: -كفاية يا فؤاد، حرام عليك اللي بتعمله فيا ده.
واستطردت وهي تذرف دموع التماسيح لاستقطابه نحوها: -اللي يشوف معاملتك ليا يفتكر إني عملت جريمة
واسترسلت بدفاعٍ عن حالها: -أنا واحدة تعبانة وكنت باخده ك علاج، ليه بتحاسبني على إني باخده بغرض إني أحرمك من الخلفة.
-أنا بعاقبك على إنك خبيتي عليا، قالها بصرامة لتتحدث على عجالة: -أول وأخر مرة، صدقني مش هتتكرر
صمت وتابع ارتداء أخر قطعة لينتهي فاقتربت منه بعدما وجدت ملامحه قد لانت قليلاً وتحدثت وهي تداعب وجنته بأناملها: -للدرجة دي مش فارق معاك وجودي من عدمه.
لتستطرد بدلال وهي تمط شفتيها بطريقة مثيرة: -أنا كنت فاكرة إنك بتحبني وراهنت نفسي إن مش هيمر على بعادنا يومين إلا وألاقيك جاي تاخدني من الجناح وتدخلني لحد هنا وإنتَ شايلني بين إيديك
لتستطرد بصوتٍ أنثوي: -بس يا خسارة، خسرت الرهان مع نفسي
واستطردت بعينين رسمت بداخلهما الخجل بمنتهى البراعة: -أنا روحت للدكتورة وقالت لي إن البريود إتظبطت وبطلت خلاص الحبوب
رفع حاجبه يسألها بخبثٍ: -إنتِ عاوزة إيه يا نجلا؟
عوزاك، كلمة نطقتها باحتياج وكانت كفيلة لإذابة جبل الجليد الذي بُني ليفرق بينهما طيلة الفترة المنصرمة، اقتربت عليه لتلتصق به فاستجاب للمساتها المثيرة ليغوصا معًا بعالمهما الخاص بعد فراق دام لأكثر من ثلاثة أسابيع، لاحظت خلال لقائهما أن به شيئًا مختلفًا، لم يكن معها ذاك الحنون الرومانسي كما كان بالسابق، بل كان يتعامل معاملة رجل بأنثى وليس حبيب بحبيبة كما عاهدته، شعرت حينها أنها أفتقدت إحترامه وجزءًا كبير من عشقه لها.
بعد مرور حوالي شهر أخر، لم يعد فؤاد معها كما كان، فقد تغيرت معاملته معها وأصبح أكثر جدية وصلابة وتخلى عن مرونته بعدما اكتشف عدم مسؤليتها، ليلاً داخل شقة واسعة يبدو من أثاثها الفخم إنتماء ساكنيها لأعلى مستوى من الطبقة الوسطى، تتكيء على الأريكة بجانب والدتها التي تفوهت بنبرة جادة: -وبعدين في عقلك اللي هيخرب عليكِ عيشتك ده، مش ناوية تعقلي وتبطلي تهور؟
زفرت بضيق لتهتف فايزة ناصحة لنجلتها المتهورة والتي لم تكن على علم بعملية الإج. هاض ولا بحملها من الاساس: -يا بنتي جوزك لو عرف إنك ضحكتي عليه ولسة بتاخدي الحبوب هيخرب الدنيا ومش بعيد يطلقك
يطلقني؟! نطقتها نجلا باستهجان لتكمل بكبرياء: -يا حبيبتي ريحي نفسك، انا عارفة أنا بعمل إيه كويس قوي.
واستطردت بكثيرًا من الثقة وصلت لحد الغرور: – أولاً فؤاد بيعشقني مش بس بيحبني، وميقدرش يبعد عني أبدًا، بدليل إنه بعد ما عرف زعل له كام يوم ورجع معايا تاني زي الاول وأحسن.
ابتسمت ساخرة لتجيبها بدهاء: -فؤاد راجل ذكي ولئيم ومش من النوع اللي بينسى ويغفر الغلط في حقه بسهولة، وعمره ما هيرجع معاكِ زي الأول، وإنتِ بنفسك لسة بتشتكي إنه قلل لك مصروفك الشهري لعشر ألاف بدل عشرين
احتدمت ملامح نجلا حين تذكرت لتسترسل والدتها بنُصح: -إلحقي نفسك وبطلي الزفت ده وفاجأيه بخبر حملك، يمكن فرحته تنسيه عملتك السودة.
أغمضت عينيها بتملل لتجيبها باستسلام: -هبطله يا مامي، أساسًا مبقاش قدامي حل تاني بعد ما فؤاد عرف
لتستطرد بكثيرًا من الانانية والتفاهة: -هستنى بس شهرين لحد ما فرح ناريمان صالح يتم وبعدها همنعه.
رمقتها والدتها بنظرة حادة لتهتف الاخرى باسترسال موضحة: -أظن مش معقول يا مامي هروح فرح صاحبتي وبطني قدامي قد كده؟
اتسعت عيني فايزة لتقول باستنكار: -بطنك إيه اللي هتبقى قدامك يا نجلا بعد شهرين، دي البكرية بطنها مبتظهرش غير بعد الشهر السادس.
-بلاش موضوع بطني، قالتها بلامبالاة لتسترسل باعتراض: -خلينا في الإرهاق والتعب اللي هحس بيهم و أوردي هيأثروا على نضارة بشرتي
زفرت فايزة لتهب واقفة وهي تقول بعدما فقدت صبرها من تلك البلهاء: -أنا هقوم أعمل لي أي عصير فريش بدل ما انجلط جنبك.
-ماتخلي الشغالة تعمل لك، نطقتها باستنكار لتهتف الاخرى بسخطٍ: -هي دي بتعرف تعمل حاجة، دي ملهاش أي نفس في أي حاجة، اديني كلمت المكتب علشان يغيروها لي.
استمعت لصوت جرس الباب لتخرج العاملة لاستقبال الزائر ليلج إليها محسن إبن خالتها قائلاً بمرح: -إزيك يا نجلا
إعتدلت بجلوسها لتجيبهُ بابتسامة خافتة: -هاي يا محسن.
-كويس إني لقيتك هنا، انا كنت هكلمك في التليفون علشان نتقابل برة البيت، نطقها وهو يتلفت من حوله بترقب خشيةً من أن يستمع عليه أحد.
-ليه، فيه حاجة ولا إيه، نطقتها مستفسرة باستغراب ليجيبها بنظرة متلهفة: -فيه خير كتير قوي جاي لك ومتقدم لك على طبق من ذهب
ضيقت بين عينيها ليسترسل هو بشراهة: -خمسة مليون جنية.
سألتهُ بعدم استيعاب: -مش فاهمة؟
أجابها بنهمٍ ليزرع الطمع بداخلها: -فيه حد عارض عليكِ خمسة مليون جنية مقابل خدمة بسيطة هتقدميها له.
-أنا، نطقتها وهي تُشير على حالها بلمعة لهفة ظهرت بعينيها ليهز الأخر رأسهُ بتأكيد فاسترسلت باستفهام: -وأنا إيه اللي عندي يستاهل المبلغ ده.
-مش عندك إنتِ، عند جوزك، نطقها بإبهام لتهمس بتيهة: -فؤاد
-ورقة، حتة ورقة هتبدليها من ملف معاه في شنطته، قالها بسهولة لتهتف بارتعاب: -إنتَ شكلك إتجننت، إنتَ عاوزني ألعب مع فؤاد في شغله، ده أنا أبقى بكتب شهادة وفاتي بإيدي.
لتسترسل بإبانة: -يا ابني شغل النيابة بالنسبة لفؤاد أهم من أي حاجة في حياته، ده أهم من حياته هو شخصيًا، إنتَ مش فاهم علاقة فؤاد بشغله وملفاته اللي بيجيبها البيت، ده بيعامل شنطته معاملة البيبيهات، ده لو اكتشف ضياع ورق منها هيهد البيت على اللي فيه لحد ما يوصل للي عملها.
-ومين قال لك إننا هناخد ورق، قالها بهدوء ليسترسل بدهاء: -إحنا هنبدل مستند بمستند تاني يغير مجرى القضية ويبعد التهمة نهائي عن المتهم
ابتلعت ريقها وصمتت ليسترسل كالشيطان: -هتاخدي تلاتة مليون النهاردة، ولما تسلمي الورقة اللي بدلتيها هتستلمي باقي الخمسة مليون.
سألته بذكاء: -وإنتَ إيه اللي هتستفاده لو الموضوع ده تم؟
أجابها بهدوء: -ليا نسبة هاخدها من الطرف الاول، يعني هستفيد بعيد عن فلوسك اللي هتاخديها خالصة مخلصة
سال لعابها من هول وضخامة المبلغ لتسأله بتردد ظهر بمقلتيها: -طب الموضوع مفيهوش خطورة عليا.
أجابها بثقة عالية: -ولا على فؤاد نفسه، فؤاد هيكتب تقريره بناءًا على المستندات والإثباتات اللي متقدمة له واللي موثوق من مصدرها جداً.
سألته بذكاء: -طب الفريق اللي مقدم المستندات مش هيشك بعد الحكم ببراءة المتهم؟!
أجابها ليطمأنها: -يا بنتي النيابة العامة دي فرق شديدة التنظيم، وكل فريق ليه شغله اللي بينتهي عند نقطة معينة، وملوش أي علاقة ولا متاح ليه يتابع باقي الإجراءات بعد ما يسلم شغله.
-أنا خايفة ومش مطمنة يا محسن، نطقتها بارتياب ليرد عليها بجشع: -الخمسة مليون هيطمنوكي لما تاخديهم في حُضنك
سال لعابها لتجيبه بتردد: -إديني فرصة أفكر.
أجابها بحزمٍ: -للأسف يا بنت خالتي، رفاهية الوقت مش متاحة لينا، جوزك هيروح بملف القضية في شنطته النهاردة، يعني لازم تقولي كلمتك حالاً، سواء بالموافقة أو بالرفض علشان يلحقوا يتصرفوا.
-هيتصرفوا إزاي، قالتها باستفهام ليجيبها بما دب الرعب بقلبها: -ده شغلهم مش شغلنا، هما عندهم طرقهم المختلفة، ولعلمك مش هيغلبوا، هياخدوها عن طريق ساعي أو كاتب النيابة ولا حتى شغالة من عندكم في البيت، دي ناس إيديها طايلة وجرابهم مبيخلاش.
عمى شغفها للمال عينيها ونظرت له بعدما حسمت أمرها وقررت دخولها بنفق الخيانة للحصول على أموالٍ طائلة تستطيع من خلالها شراء كل ما تشتهي له بعيدًا عن تحكمات فؤاد بها وبالأخص بعدما خصم منها نصف مصروفها الشهري كعقابًا لها، لتهتف بلهفة ظهرت بعينيها: -وأنا موافقة، هاخد فلوسي إمتى.
أجابها بصوتٍ رزين: -هتنزلي معايا حالاً نقابل الراجل في شقته، هناخد منه الورقة والتلاتة مليون، وبكرة الصبح تسلمي لي الورقة اللي بدلتيها ونسلمها له وناخد باقي فلوسنا، ولا من شاف ولا من دري
واستطرد بمداعبة: -شفتي الموضوع بسيط إزاي.
نظرت له بارتياب لتسألهُ: -لازم يعني موضوع شقته ده، ما نتقابل في أي مكان عام.
رمقها بازدراء قبل ان يقول متهكمًا: -علشان الكاميرات اللي بقت في كل مكان تصورك معاه وإنتِ بتسلميه الورقة وبتاخدي شنطة الفلوس، ونروح في داهية كلنا.
زفرت باستسلام لصحة حديثه وبالنهاية وافقت فطلب منها ذاك الشيطان لأن لا تخبر حتى والدتها وقامت لتستعد بعدما ودعت والدتها التي حضرت للترحيب بابن شقيقتها الذي انتظر قليلاً قبل ان يستأذن ليلحق بالتي خطت للمضي قدمًا بأولى خطوات الخيانة لله وللوطن قبل زوجها.
التعليقات