التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الحادي عشر

نهضت روان بفزع من مكانها وأغلقت الحاسوب بأيدٍ مرتجفة من الخوف، أخاها من فعل ذلك الجُرم الذي غيّر حياتهم تقريبًا، أخاها من لوث يده بدماء ابن خالتهم.
استغفرت روان ربها وأعينها الدامعة تنظر حولها بتيه شديد، لا تعلم ماذا تفعل، أتبلغ عنه؟
أتصارح والدها ووالدتها؟

أعينها تدمع بخوف، أصابعها ترتجف كإرتجاف روحِها، تشعر بالخواء والفراغ يسيطر عليها، لا تعلم ماذا ستفعل ولكنها حتمًل لن تُخبئ الموضوع، هي ستحصل على حق مروان لقد أقسمت على هذا سابقًا وحان وقت تحقيق القسم…

في قسم الشرطة؛
كانت عائشة تحتضن سليم غير مصدقة بأنه أمامها، تبكي بقوة وتطلق شهقات عالية كأنها تُخبره بما عانته حين ذهب وتركهم، رهف، ضرب رهف وموت عم فيصل.
قالت عائشة بهستيرية ليشدد سليم عليها وهو يقبض على يديه وترتسم ملامح غامضة على وجهه، ليه مشيت وسيبتنا يا سليم، مش مروان كان موصيك علينا، ليه منفذتش وعدك ليه، ليه؟

نبست عائشة بتساؤل باكي، هي تعلم بأنه لن يجيب على سؤالها، لو كان سيفعل لكان أجاب على سؤالها الذي سألته له قبل سبع سنوات، من فعل هذا بأخي؟

لازالت لم تحصل على إجابة سؤالها ولكنها ستفعل دون شك، لن تيأس حتى تعلم من تسبب في تدمير عائلتهم، إهدي يا عائشة، إهدي وإحكيلي كل حاجة حصلت معاكوا، قال سليم بتصميم وهو يربت على كتفيها بحنان وعينيه ترسم أبشع صور الغضب، الغضب الذي لاحظه صالح فنظر له بتوتر لا بعلم مصدره، هو لا يثق بهذا الرجل، أما هايدي فنظرت لهم بصدمة، لا تعلم كيف يدور كل شيء يحدث معهم حول هذه الفتاة، ومن أين يعرفها سليم؟

نظر سفيان بضيق شديد ليد سليم التي تحتضن كتف عائشة، كيف يجرؤ على لمسها؟
أساسًا كيف تركته هي يفعل هذا؟
لاحظت عائشة الأعين التي تنظر لهم بترقب فتنحنحت بخفوت ثم أردفت قائلة بهدوء شديد، آسفة بجد نسيت أعرفكم، سليم ابن خالتو وأخويا في الرضاعة، ألقت عائشة جملتها وتحركت خارجة مع سليم الذي سحبها للخروج من مكتب أدهم، غير عابئ بنظرات الصدمة والدهشة التي رُسمت على وجوه الثلاثة مع إختلاف الأسباب…

بالإسدال يا هايدي،؟
قالها سفيان وهو ينظر لأخته بسخط فأخفضت رأسها بخجل منه ولم تعلم ماذا تقول…
سفيان، أنا قررت قرار
قال صالح بتوتر فنظر له سفيان وهايدي بترقب، أستر يا رب، آخر مرّة قررت قرار فيها أباظة كان هيطلق أمك ويتبرى منك، قال سفيان بسخرية فقهقهت هايدي بخفوت على ملامح صالح التي تحولت للإشمئزاز، فاكر يا صلوحة قرارك كان إيه؟

قال سفيان بإستفزاز ليركض صالح ناحيته يكمم فمه وهو يقول بغضب، أبو إللي يعرفك تاني يا شيخ، إفرض أختك راحت قالت لشيما؟
قالتلي إيه؟
قالت شيما والتي دخلت لغرفة المكتب تنظر لهم ببرود ساخر وهي تفرقع العلكة بإستفزاز، ولا حاجة، إزيك؟
قال صالح بخجل وهو يحك رقبته من الخلف، نظر سفيان له بسخرية، الحمدلله.

قالت شيما بهدوء ثم استعادت عينيها اللمعة الخبيثة وأردفت لهايدي، إيه يا دودة، كنتِ بتجري في الشارع زي المجانين ليه منصور فضل ينادي عليكِ علشان يستفسر؟
اشتعلت أعين صالح بغضب وهو يتمتم بإسم منصور، منصور مين؟
قالت هايدي ببلاهة لتتوسع أعين شيما بغضب وهي تتوعد لها، منصور ابن طنط فكيهة.

قالت شيما بمرح مصطنع وهي تنظر لهايدي بنظرات مستغيثة علّها تفهم عليها، آه، الولا إللي بيدور على عروسة ده، قالت هايدي بعدما تفهمت نظرات الأخرى لتبتسم شيما بخجل مصطنع تحت أنظار سفيان المُشمئزة منها وصالح الذي يكاد يشتعل في وقفته، منصور ابن طنط فكيهة ها؟
قال سفيان بتوعد وهو يشمر أكمام قميصه ويقبض على ملابس شيما وأخته يمسكهم بغضب واضح، ثم أردف بنفس النبرة.
فاكرين نفسكوا واقفين مع سوسن؟

سُفيان، عيب تقول على نفسك كده
قالت شيما بتوتر لتلعنها هايدي بعدما رأت ملامح الآخر التي اشتعلت أكثر من إستفزازها، ماله منصور ابن طنط فكيهة يا شيما يا حبيبتي، قال سفيان بترقب فإبتعلت الشيماء رمقها برعب، هي لا تعلم من هو منصور ابن طنط فكيهة، بل هي لا تعلم من هي فكيهة أساسًا؟
بيسلم عليك.

قالت شيما ببلاهة فرفعت هايدي أنظارها نحو السماء وهي ترسم ملامح باكية على وجهها، مين منصور ابن طنط فكيهة، قال صالح بتساؤل لتنظر له شيما برعب خاصًة مع ملاحظتها لأعينه التي إحمرت بقوة وقبضة يده البيضاء من شدّة ضغطه عليها، معرفش، إسأل هايدي، قالت شيما بخوف شديد فصرخت هايدي برعب حين سمعت آخر الجملة، وأنا مالي أنا، سفيان إنتَ هتتحول؟
قالت هايدي برعب حين لاحظت حالة أخيها الغاضبة، قدامي إنتوا الإتنين، يلا.

صرخ سفيان بهم بغضب فركضت شيما تجذب يد هايدي بقوة ولكن لأن إسدال الصلاة الخاص بها كبير نسبيًا سقطت هايدي على وجهها وهي تصرخ بألم، نظرت لها شيما وحين لاحظت حالة الوحش الكاسر خلفها ركضت تاركة إياها تُحاول الوقوف مجددًا، آه يا حقيرة، ربنا يسامحك، قالت هايدي جملتها بصراخ وهي تنادي على شيما والتي تركتها وخرجت تسير بسرعة كما تسير الدجاجة، سفيان حبيبي إهدى باللّه عليك وروق كده على أعصابك، قالت هايدي بخوف حين قبض سفيان عليها مجددّا، روحي يا هايدي وإخفي من قدامي خالص، قال سفيان بغضب فأومأت هايدي برأسها بقوة وركضت للخروج هاربة من قبضة أخاها، قهقه سفيان عليهم وهو يضرب فخذه بقوة، فنظر له صالح بتعجب وإنزعاج، مالك يا صلوحة؟

قالها سفيان بإستفزاز لصالح فنظر له صالح بقرف وقال له، مين منصور ابن طنط فكيهة ده؟
ابتسم سفيان بخبث شديد، يا عبيط إنتَ صدقت التمثيلية الهطلة دي؟
نظر له صالح بصدمة، تمثيلية، يعني أنا إنضحك عليّا، قهقه سفيان بهستيرية، لأ يا حبيبي إنتَ إتختم على قفاك.

نظر له صالح بغضب ثم ركله بغل وخرج عازمًا على تنفيذ قراره، بعد عدّة دقائق كان سفيان قد تخلص من ضحكاته الهستيرية ثم خرج من الغرفة وحوّل نظره نحو غرفة سليم المُسلماني ينظر لها بهدوء شديد، يا ترى وراكوا إيه إنتوا الإتنين،.

بعد مرور ساعتين تقريبًا خرجت عائشة من غرفة أدهم وهي تنظر حولها بهدوء شديد أثار الريبة في نفس سفيان الذي كان يراقب الباب بترقب واضح، هو كان يخشى عليها من سليم، زي ما اتفقنا يا عائشة، ده الأفضل ليكوا دلوقتي، قال سليم بهدوء وهو يقبض على يدها بقوة فنظر سفيان له بغضب خاصًة حين لمح ملامح وجهها التي انكمشت بألم فتحرك ناحيتهم، إيه يا وحش، إرفع إيدك عنها كده لتوحشك، قال سفيان بغضب وهو يقبض على يديه يزيحها عن عائشة بقوة، ابتلعت عائشة رمقها بفزع، هي تخاف منه حقًا، متدخلش في إللي ملكش فيه يا دكتور، هتزعل.

قال سليم بإستفزاز وهو يغمز بعينه فإبتسم سفيان بغضب عينيه إسودت بشكل أثار الرعب في أواصر عائشة، سليم، هكلمك بعدين وإنتَ إعمل إللي وعدتني بيه، عاوزاك تجيبه بأسرع وقت، قالت عائشة بتوتر فأومأ لها سليم بهدوء وتجاهل سفيان كليًا وأردف لها، عايزك إنتِ تهدي خالص كده، ولمي هدومك كلها هاجي أخدك على بالليل يبقا إبعتيلي العنوان على الواتس، رقمي معاكي أهو، قال سليم وهو يمد لها بورقة صغيرة فأخذتها عائشة بسرعة وتحركت للخروج دون الإلتفات لسفيان الذي إشتعل واقفًا حين تجاهلته، ابتسم سليم له بسخرية وربت على كتفه قائلًا، أعصابك يا إكسلانس، فيه عصير لمون تحفه هنا أطلبلك؟

إخفي من قدامي خالص يا سليم، علشان المرّة إللي جاية هزعلك، قال سفيان ببرود مصطنع وهو يحاول ألا يلكمه، سفيان، ملكش دعوة بعائشة خالص، كفاية إللي عملته فيها زمان، قال سليم بغضب حينما لاحظ في نظراته شيئًا غريبًا، شيئًا يُشبه الغيرة، ابتسم سفيان بهدوء وقال، كُلنا عارفين مين إللي عمل يا باشا، أما عائشة فأنا مش راجل ناقص علشان أبص ليها بصّة وحشة، الكلام ده كان زمان والحمدلله توبنا إلى اللّه، نظر له سليم ببرود فإبتسم الآخر بإستفزاز وخرج يُحاول اللحاق بالمجنونة الأخرى التي تخاف منه كما يظن…

بسبسبس، إنتِ يا أستاذة، ممكن تقفي تكلميني طيب، قال سفيان بهدو وهو يحاول اللحاق بها، إمشي يا كابتن بعيد عني، عايز مني إيه؟
قالت عائشة بخوف وهي تكاد تركض تقريبًا للهروب منه، يعني ده جزاتي إني أنقذتك منه؟، كنت أسيبه يموتك، قال سفيان بسخط وهو يحدثها وينظر أرضًا لكي لا يراها فيضعف كما يحدث معه في كل مرّة يراها، هذه الفتاة تثير بداخله مشاعر غريبة؟

هذه الفتاة خطر على قلبه، إنها فتنة نعم هي كذلك، أهذا إختبار من اللّه له؟
إستغفر سفيان بصوتٍ عالي فنظرت له عائشة برعب حين لاحظت تشدد جسده وهو يركض ليقف أمامها يسد عليها الطريق، أنا بس عايز أساعدك ممكن تسمعيني؟
قال سفيان بغضب، فإزداد خوف الأخرى وقبل أن يفتح سفيان فمه للتحدث صرخت عائشة بخوف وهي تقول مُتحرش.

توقف عقل سفيان لوهلة ورفع نظره لها بصدمة وقبل أن يهدئها أو يستوعب ما قالته، وجد نفسه يُضرب بقوة من الناس وفجأة رجال الشرطة هجموا عليه يأخذوه من وَسَط الناس الغاضبة ليقضي ليلته داخل القضبان، كان سفيان هادئًا، مصدومًا، ولكنه رفع نظره لها بنظرة جعلتها تتصنم من الخوف وتبتلع رمقها من القادم، ما الغباء الذي فعلته؟، حسنًا هو سيقتلها هذه المرّة لقد رأت في عينيه التوعد لها…

الألم…

كان الشعور الذي إعتادته رهف منذ الصغر ولهذا حين نهضت من غيبوبتها قصيرة المدى لم تُظهر أي مشاعر مُتألمة على وجهها، لقد إعتادت هذا الشعور، ولكنها نهضت من سريرها ببطئ شديد ولم تهتم حقًا أين هي، لقد اعتقدت بأنهم في الإسكندرية مجددًا، اعتقدت بأنهم عادوا للجحيم مرّة أخرى، نظرت للباب بخوف شديد وهي تضم قدميها ناحية صدرها، وفي لحضة من اليأس مدت قدميها للنهوض من على السرير فتآوهت بصوت منخفض من الألم، لم تبالي بأي شئ، لم تبالي بأختها، لم تبالي بأمها، لم تبالي بدينها ولا ربها، هي ستتخلص من حياتها، هي سترتاح من عذابها، لقد فقدت رهف الأمل مُجددًا، تسلل اليأس لروحها الباردة وإنطفئت شعلة الحماس في عينيها، أختها لن تستطيع حمايتها من رائف ولهذا هي ستحمي نفسها، لقد عادت حالتها النفسية مجددًا بعدما حدث معها، هي ستفعل كما كانت تفعل في الماضي للهروب من واقعها، رهف أقدمت على الإنتحار للمرة العاشرة بعدما ظنّت أنها نجت، وقعت أنظارها على علبة الإسعافات الأولية الموضوعة على الطاولة الصغيرة فأجبرت نفسها على النهوض مُتحاملة على نفسها، هي لن تسمح لهم بتعذيبها مُجددًا، هي ستذهب لخالقها بالتأكيد هو سيكون أرحم بها منهم، فتحت الحقيبة ببطئ شديد بسبب إرتجاف يدها وأغمضت عينيها حينما تجسدت الهلوسات أمامها مجددًا، لم تأتها تلك الحالة منذ هروبهم قبل شهر تقريبًا، لقد ظنت بأنها شُفيت، صرخت رهف فجأة حين تجسد أمامها صورة رائف بهيئته الشيطانية ولم تستمع لوقع الأقدام التي تقترب من الغرفة، فتحت الحقيبة برعب وصوت بكائها يشق السكون من حولها، وحين اقترب منها خيال رائف وهو يبتسم إبتسامته التي تخيفها أمسكت الموس الطبي الذي لمحته في الحقيبة، لم ترى رهف سُعاد التي فتحت الباب بسرعة تطمئن عليها بعد صراخها…

لم ترى أي أحد من الذين ركضوا من أجلها، زينبوا، أمجد، وأدهم الذي كان قد عاد ليأخذ بعض الأوراق المُهمة في عمله، أدهم الذي رأى حالتها الغير مُستقرة وهي تصرخ برعب من اللاشيء أمامها، صرخت سعاد برعب حين لاحظت حالة التهيج التي أصابتها، أمسك أمجد الذي استغفر ربه بتوتر بها يكمم فمها خاصًة حين لاحظ نظرات الأخرى الغير مستقرة، وزينبو كانت تقف مصدومة وتبكي بشفقة عليها، بينما أدهم تسلل من جانب الباب يقترب منها بهدوء شديد وهو ينظر لها بخوف، يدعو اللّه أن لا تفعلها، هو لا يعلم ما بها ولكنه متأكد بأنها واجهت شيئًا لم ينبغي عليها أن تواجهه، هذه الفتاة مريضة نفسيًا وهذا واضح جدًا من الطريقة المختلة التي تنظر بها أمامها، علي صوت صراخها فجأة حينما رأت جسد أدهم أمامها ولكنها للأسف رأت فيه رائف فأغمضت عينها بخوف وفتحت الموس بسرعة شديدة ثم وجهته ناحية يده التي مدها نحوها، صرَخ أدهم بألم وهو يجز على أسنانه بغضب شديد وقبل أن يستوعب أحد من الموجودين ما حدث شقت رهف معصمها بعدما سيطر عليها شيطانها، لقد فقدت نفسها مُجددًا، كالعادة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *