رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الرابع عشر
بينما كنت غارقة في أفكاري اتسعت عيناي بعدم تصديق!
أنظر إلى الشخص الواقف أمام أحد المتاجر، شخص ذو شعر أسود داكن ويبتسم ابتسامة مألوفة جدا!
همست بعدم استيعاب: م. ما الذي يفعله هنا؟
قلتها وأنا أنظر لكلوديا لأقول بحزم: كلوديا، على أن أنزل هنا يمكنك الذهاب لستيف لا تقلقي سأعود للمنزل وحدي!
هاه!
قالتها بعدم فهم وحيرة ففتحت الباب عندما أصبحت الإشارة خضراء وقلت: هناك من على مقابلته، سأعود للمنزل ولن أتأخر!
م. مهلا شارلوت! كيف ستذهبين وحدك؟ هل تعرفين طريق العودة حتى!
لا تقلقي سأعود، اعتمدي على أرجوك.
بدت قلقة ولكن عندما تعالت أصوات السيارات التي بدى على أصحابها نفاذ الصبر والانزعاج ابتسمت لها وأسرعت أغلق الباب مبتعدة نحو الرصيف أحدق بذلك الشخص لتخرج مني تنهيدة ارتياح عميقة جدا.
اتجهت نحوه بحركات بطيئة ووقفت خلفه لأسمعه يقول بمرح: حقا؟ حسنا إذا اعتمد على في كل شيء.
فقال الرجل الذي يبدو أنه صاحب المتجر: بالطبع، أنا واثق بأدائك.
أراك لاحقا إذا.
إلى اللقاء.
قالها الرجل ودخل المتجر بينما قام بدوره برفع الحقيبة التي لم تكن سوى عدة التصوير على كتفه لأسمعه يخاطب نفسه بتذمر: لا زال على أن أتفق معه على امور بشأن المعرض.
قالها واستدار ولأنني كنت خلفه مباشرة فاستدرت ليواجه ظهري محاولة مفاجئته ولكن الأحمق قد اصطدم بظهري فأسرع يعتذر: آسف لم أنتبه!
لم يرى وجهي حتى الآن! أتساءل كيف سيتصرف!
أسرع يردف بنبرة جذابة: هل أنت بخير يا آنسة؟ أخبريني رجاءً لو تعرضت لأي أذى.
زفرت بنفاذ صبر مستديرة: أنظر إليك كيف تتحدث بلسان معسول مع جميع الفتيات عدى شقيقتك!
أجفل مبتعدا للوراء بذعر: ش. شارلوت!
ابتسمت بسخرية: بشحهما ولحمها. ماذا؟ هل خاب أملك؟
اتسعت عينيه الداكنتين وقال بعدم استيعاب: م. ما الذي تفعلينه هنا؟!
ضربت كتفه بخفة: كف عن هذا يا سام ولا تجعل الأمر يبدو وكأنك ترى شبحا!
أردفت ضاحكة: ما كنت أفعله أنني رأيتك صدفة ولم استطع منع نفسي من شوقي إليك وهرعت إليك ولكنني وقفت استرقت السمع في آخر لحظة.
لا تكوني سخيفة.
قالها مبتسما باستخفاف وتساءل بحيرة: صدقا ما الذي تفعلينه هنا! الم تكوني في معهد التدريب الطبي! هو ليس قريب من هنا على حسب علمي.
توترت وداعبت شعري محاولة البحث عن أي كذبة بيضاء ولكنني وقبل أن أختلق واحدة وجدته يركز النظر إلي.
إنه يحدق إلى بعينان متمعنه جدا!
وعلى من سأكذب؟ على سام؟
علي الوحيد الذي لا يفوته أي شيء ويحلل تصرفاتنا دائما؟
تنهدت بعمق واستياء: إنها قصة طويلة.
وأنا مستعد لسماع هذه القصة الطويلة.
قالها مبتسما بشيء من الحماس وأردف: ولكن. لنبحث عن مكان مناسب لنستطيع التحدث جيداً!
يا الهي، ما الذي على قوله له؟ هل أخبره بالحقيقة؟
أنا لا أمانع ولكن. ماذا لو غضب مني؟ كيف ستكون ردة فعله عندما يكتشف أنني كنت أعيش مع كريس وحدنا! لا يجب أن أخبره بهذا. قد أُقتل بلا شك.
أنا واثقة بانه قد لا يقتنع بنصف الحقيقة!
هل على أن أخبره وحسب؟
الأمر لن يدوم طويلا على أي حال، وسيكتشفه عاجلا ام آجلا.
لا أعتقد بأنني سأستطيع التكتم على الأمر. سأخبره.
وليحدث ما يحدث! لست مخطئة في أي شيء كل هذا خطأ كريس وحده. نعم.
كان هذا قراري المبدئي بالفعل.
دخلنا إلى أحد المطاعم القريبة، كنا سنجلس على الطاولات الخارجية للمطعم ولكننا فضلنا الدخول نظرا لبرودة الطقس، فدخلنا وجلسنا بجانب النافذة المطلة على الشارع والرصيف، كانت إنارة المطعم خافتة نوعاً ما ومريحة جدا للأعصاب، وحينها فكرت بأنه من الأفضل لأي شخص متورط مثلي ويرغب بالإعتراف بمصيبة أن يأتي إلى هنا ويخرج ما في جعبته، طلبت القهوة بينما طلب عصيرا طازجا كعادته، سام يكره المشروبات الساخنة على عكسي تماما. إنه مستعد لشربها حتى لو كانت ليلة مثلجة رعدية.
عندما رشف من العصير تمعن النظر إلى فقلت بملل: لا تنظر إلى بهذه الطريقة كما لو كنت مجرمة هاربة من السجن!
مازلت مستنكرا لتوترك قبل لحظات، لست أحمقا كان هذا واضحا جداً، أخبريني. أعلم بأنك استئجرت شقة هنا ولكنك فيما بعد ذهبت للمعهد الطبي، ماذا عن السكن هناك؟
أردف بحذر: أيعقل يا شارلوت؟
ماذا!
هل هربت من التدريب هناك؟!
ضحكت بسخرية: ياللتفكير السطحي!
وماذا عساي أفكر؟
سأخبرك بكل شيء ولكن دعني أشرب القهوة قبل أن تبرد!
حينها أتت النادلة وقالت بلطف: مرحبا، أتريدان المقبلات أولا أم أنكما ستطلبان وجبة كاملة؟
نظر سام نحوها وقال هامسا مبتسما بجاذبية كالعادة مع الفتيات: سنكتفي بالعصير فقط. بالمناسبة أنتم تعدون نكهة مميزة لذيذة!
تورد وجه النادلة بينما رمقتهُ بملل وبلاهة!
أمالت برأسها وذهبت بعد أن تمتمت بوجه متورد و بصوت خافت: ا. استمتعا بوقتيكما.
قلت بغيض: كف عن هذا أنت تصيبني بالغثيان!
إنها طبيعتي!
لا تكذب، أعلم بأنك تحب جذب الفتيات نحوك فقط، هذا ليس أسلوبك المعتاد معنا.
هل من مشكلة؟
إطلاقا! فقط أردت أن أوضح لك بأن ما تفعله يؤذي عيناي وأذناي.
لم تخبريني حتى الآن ما الذي حدث ولما أنت هنا؟
تنهدت بيأس ورشفت من القهوة، فمرر يده بشعره الداكن الذي يميل للون الأسود كأبي، وقال: فلتأخذي وقتك، سأصغي إليك لا تقلقي.
أملت برأسي بتفهم.
حسنا يا شارلوت تشجعي، أنت بحاجة للتحدث إلى شخص ما، تحدثي حتى لا تنفجري لاحقا وتندمي!
ثم إنه سام. أثق به وأعتبره بئر أسراري منذ صغري!
وحينها سردت له كل شيء!
نعم، باستثناء أمر الانتقام و عما حدث لإيثان. أخبرته بشأن لقائي بكريس وزواجي منه.
اخذت شهيقا منهية ما أقوله: وهذا ما حدث!
ردة فعله كفيلة بإخباري أنه من الصعب تصديق هذا، ظل ينظر إلى بعينين متسعتين بل وأسرع يرشف من العصير يطرف بعين حائرة حتى همس بشك: تمزحين!؟
نفيت برأسي أنظر لكوب القهوة متحاشية التقاء عيناي به مباشرة خشية أن يغضب أو يتضايق وقلت بتردد: هذا ما حدث بالفعل.
لقد زدت الكثير من الامور الغير واقعية، بأن كريس تزوجني لأنه يحبني مثلا! وبأنني وافقت فورا لأنني أحببته بسرعة، واخبرته بشأن جيمي كذلك، إنه مصعوق بسبب هذا فقط فماذا لو أخبرته بالأمر كله؟ ماذا لو علم بأن كريس يكرهنا!
استمر بصمته المطبق فنظرت له بقلق، ظل يحدق إلى بوجه خال من التعابير المحددة حتى تغيرت ملامحه لتصبح أكثر حدة وتساءل بجدية: ما معنى هذا يا شارلوت كيف تجرؤين على اتخاذ خطوة كهذه وحدك؟ منذ متى أصبح الزواج أمر فرديا يعني الشخص وحده! ماذا عن والدانا ألم تفكري بردة فعلهما إن علما بالأمر؟ إلى متى كنتِ تنوين إخفاء الزواج هذا عنا؟ أعتقد بأنني ما كنت لأعرف شيئا لو لا اننا تقابلنا صدفة اليوم.
أطرقت برأسي بضيق: سام الأمر ليس هكذا فقط! هناك أسباب أجبرتني على التكتم عن الأمر، أنا. لم أخبرك بكل شيء بعد. ثم أنت محق في كل كلمة ولكن أنا لم أعد صغيرة و.
ولكن حدة عيناه فجأة ونظرته الغاضبة جعلتني الزم الصمت بتوتر وأدرك حماقتي وجهلي في جملتي الأخيرة، فقال بجدية وهدوء: مكانك لما أكملت.
أضاف بحزم: تتركين التدريب والعمل في المشفى لأجل زواجك منه! أكاد لا أستوعب كلمة من كل هذا وما زلت آمل أن تقولي حالا بأنك تمزحين! وما الذي مازلت لا أعرفه؟ هل ستخبرينني الآن بأنك حامل مثلا وتنتظرين إنجاب ط.
قاطعته بتوتر: توقف عن هذا! بالطبع لا. الأمر ليس هكذا!
أردفت متنهدة: الأمر أخطر بكثير. سأحاول التلميح لك فقط ولكنني لا أستطيع اخبارك بكل شيء لأسباب عديدة ولكنني أعدك بأنني ما أن اجد الفرصة المناسبة حتى أخبرك الموضوع بأكمله. أعلم جيداً بأن الأمر لن يتجاوزك بسهولة ولذلك لن أكذب وأقول بأن ما سردته لك للتو هي القصة الكاملة.
تحدثي إذا!
للأمر علاقة بأمي وأبي وإيثان كذلك، ستتساءل ما شأنهم وستشعر بأن الأمر غير معقول ولكنني أقسم لك بأنه منطقي تماما.
ما شأنهما بهذا الزواج!
قالها بعدم فهم واستنكار فزفرت: أ. أنا، لا أستطيع إخبارك الآن.
لماذا؟
لأنني ما زلت لا أعرف السبب!
هاه!
أضاف بغيض واستغراب بنبرة عالية: ما الذي تقولينه يا شارلوت؟ هل تلعبين معي لعبة ما لأحزر بنفسي ما يحدث!
أكمل وهو يضع العصير على الطاولة مشيرا إلى باصبعه السبابة: بغض النظر عن كل هذا، لديه إبن يبلغ الخمس سنوات!
وما المشكلة!
ستفقدينني عقلي، كيف تتزوجين من رجل كبير ولديه طفل! هل فقدت عقلك بحق الإله؟ لم.
قاطعته باستيعاب: مهلا! كريس ليس كبيرا!
وكم يكون عمره هذا السيد الفاضل؟
إنه في السابعة والعشرون من عمره فقط!
اتسعت عينيه بعدم تصديق مرددا: في الس. سابعة والعشرون!
أملت برأسي فبعثر شعره بغضب: ما الذي يحدث تحديدا!
حين نظرت إليه بضيق واستياء بدى وكأنه يحاول تلطيف الجو مبتسما: حسنا إذا وهل تحبينه؟
تورد وجهي دون شعور ورشفت من القهوة بصمت فضحك بخفوت: أنظري إليك! حسنا الإجابة واضحة ولكن ماذا عنه؟
خفق قلبي وآلمني كثيرا لمعرفة الإجابة أساسا ولكنني ابتسمت متظاهرة بالهدوء وأزور الحقيقة راجية أن لا يلاحظ: أخبرتك للتو بأنه كذلك!
أمال برأسه بصمت ثم تنهد بيأس: آخر شخص توقعت منه تصرف كهذا هو أنت يا شارلوت. يمكنني تجاوز كل شيء وتجاهل ما قلته ولكنني لا أستطيع تصديق تخليك عن العمل في المشفى الذي لطالما طمحت إليه وانتظرنا هذه اللحظة بفارغ الصبر. شارلوت لم تكوني هكذا أبداً! كانت معظم قراراتك تعتمد على التفكير الصائب والمتزن. هل أنتِ حقا من فعل أمرا كهذا؟ يمكنني أن أقوم بشيء من هذا القبيل فالطيش من طبعي، إيثان قد يفعل هذا أيضا فهو متهور كثيرا ولكن. أنتِ!
أضاف بتهكم: وأي شارلوت تحديدا؟ التي دائما ما تقارني أمي بها ودائما ما تقول أنها الابنة المثالية والمجتهدة والحكيمة في تصرفاتها!
انفجرت ضاحكة ومازحته محاولة الخروج من الجو المشحون: انت تغار مني لذلك تبدو غاضبا!
ولماذا أغار منك؟
أضاف بثقة: وما الذي ينقصني حتى؟!
لماذا تبدو واثقا إلى هذه الدرجة، ابتسام الفتاة أو خجلها منك لا يعني بأنك الشخص الجذاب الوسيم بل فقط بسبب كلامك المعسول.
هل تنكرين بأنني وسيم؟
تمتمت بملل: أنا أرى إيثان أوسم منك بكثير.
لا تقارنيني به! هذا ما ينقصني. أنا هو أنا وحسب. لا يوجد إثنان مني في هذا العالم وتعلمين بأنني أكره المقارنة.
ضحكت ساخرة ثم قلت متذكرة: بمناسبة الحديث عنه، هل تعلم بأنه انفصل عن كاترين؟ لقد أخبرني بهذا في المرة السابقة فقط!
آه نعم لقد علمت بالأمر منه.
ثم قلنا في آن واحد: إنه حر أخيرا!
ضحكنا بخفوت فعلقت: صحيح بأنه قد يبقى متضايقا لفترة قصيرة ولكنه سينساها بسرعة فهو لم يكن جادا جدا بشأنها!
كنت أعلم بأنه سينفصل عنها عاجلا أم آجلا، على كل حال أنا سعيد بما فعله.
وهكذا كان حديثنا مليئا بذم وانتقاد كاترين حتى أومأت واضعة كوب القهوة على الطاولة قائلة محاولة كتم ضحكتي التي باتت تزعج من حولي: نعم أذكر هذا اليوم جيدا، لقد قمت بإحراجها أمام أبي يا سام! ولوهلة شعرت بالشفقة عليها بسببك.
اتكأ على الطاولة بسخرية: أقسم لك بأنها كانت تعبث بمحفظة أبي حينها! وكان على التصريح بذلك حتى تشعر بالذنب على الأقل!
لم أستطع منع نفسي من الضحك مجددا وأنا أتذكر ملامح وجهها بسبب إحراج سام لها.
تمتم مستمتعا بفخر: لقد كانت تنظر إلى بنظرة ملأها الكره والحقد.
أضاف متكتفا بابتسامة غرور: حينها ابتسمت لها وقلت بأن السرقة أمر سيء وتصرف غير أخلاقي. بل وصنعت حيلة صغيرة وقلت لها بأن منزلنا محاط بآلات التصوير في زوايا عمياء ولا أمانع التأكد من خلال المشاهدة فنفيت بسرعة وخرجت وهي تحاول جاهدة محاورتي بلطف.
ثم رفع حاجبه الأيسر مسترسلا: ربما لا تعلمين ذلك ولكن هذه العابثة في اليوم التالي اتجهت إلى غرفتي وحاولت التقرب مني! تلك المنحرفة السيئة. لا فكرة لدي عن مدى حماقة إيثان عندما أعجب بها، ثم لم يكن ينوي مواعدتها حقاً، ولكن يظل ذوقه سيء جدا
أتوق لمعرفة ذوقك أنت.
أنا أيضا! أخشى فقط أن اكون أسوأ من إيثان!
حينها لن أكف عن الضحك!
جربي هذا لأبوح بسرك حالا لأمي وأبي. سأجهز مراسم الدفن منذ الآن. صدقيني يا شارلوت سيتصدر هذا الخبر عناوين الصحف والمجلات.
أكمل مشيرا بيده في الهواء: الإبنة التي تزوجت سراً ولقيت مصرعها بعد اكتشاف والديها للأمر.
نفيت برأسي: لا أحد سيضع عنوانا طويلا هكذا!
شابة وُجدت مشنوقة بعد كشف سرها الصادم لوالديها.
سيء جداً في اقتناء العناوين!
أضفت مفكرة: ربما سيكون خيانة شقيقها قد كلفتها حياتها أو الثقة العمياء لم تكن في محلها.
انفجرنا ضاحكين وضربت كفي بكفه بمرح، وبعدها مر الوقت سريعا حتى أننا ذهبنا للتنزه معا ولشراء بعض من عدة تصويره، ثم ذهبنا لأحد متاجر الحلوى واشترينا صندوق صغير لنا نحن الإثنان وتناولناه بينما نمشي في المتنزه. وعندما أشارت الساعة للعاشرة مساءا قلت باستيعاب: بالمناسبة لقد تذكرت للتو، ما الذي كنت تفعله أمام ذلك المتجر ولماذا في هذه المدينة؟!
أجابني مبتسما بسرور: أتذكرين أمر المعرض الذي تم الغاءه مؤخراً!
إنه يقصد فعلة الحثالة كريس!
أومأت برأسي إيجابا: ما خطبه؟ هل تم النظر في الأمر؟
لا. أخبرني أحد أصدقائي بشأن المعرض الذي سيقام هنا خلال أشهر معدودة فأتيت بنفسي للبحث وقابلت صاحب المعرض الذي سأشتري منه الإطارات وغيرها من المعدات. وبعدها سأتوجه للموقع الذي سأخذه لاحقاً وأناقش تفاصيل الأمر. باختصار لقد تم قبولي بعد ان القوا نظرة على الصور.
ابتسمت بسعادة وقد وقفت عن المشي: حقاً! هذا حقا. رائع! وأخيراً. أنت على بعد خطوتين فقط يا سام عليك أن تجتهد أكثر لتضمن تحقيق ما تريده.
تنهد بعمق ووضع يده على كتفي ليجبرني على المشي مجددا وقال: أخبرت إيثان أولاً لأنه اتصل بي صباحا وعلم بأنني متجه إلى هذه المدينة فاضطررت لإخباره بالأمر. أعتقد بأنها ستكون فرصة جيدة لأن بعض القنوات الفضائية ستكون متواجدة لتوثيق الحدث، إنها فرصتي.
هكذا إذاً. ماذا عن أمي وأبي هل أخبرتهما؟
ليس بعد. سأخبرهما مباشرة عندما يعودان من الإجازة التي لا نهاية لها.
ضحكت بخفوت ولكنني سرعان ما شهقت وأنا أنظر للساعة في هاتفي وانتفضت قائلة بتدارك: سام. لقد تأخرت كثيرا وعلى العودة إلى المنزل!
تأخرت؟
نعم!
سأوصلك إذا.
أسرعت أنفي: لا داعي للقلق بشأني يمكنني الذهاب وحدي لذا اذهب انت و.
قاطعني وهو يجرني خلفه: لو حدث لك مكروه لن يتوقف والداي عن توبيخي أنا، فأنا المُلام في كل شيء حتى لو كانت ظاهرة فلكية أو كارثة طبيعية. حتى في انقاطع الكهرباء المفاجئ او في اندلاع حريق في مطعم مجوار للحي.
ضحكت متذكرة: بل وقاما بلومك بشأن فساد تلك النزهة التي خرجنا جميعا فيها.
آه! أتذكرين هذا الحدث المأساوي! قررنا الخروج واقترحت المكان عليكم وعندما وصلنا هطل المطر فجأة. ما شأني أنا بحق الإله! من أعطى لهم فكرة خاطئة عن كوني مسؤولا في الأرصاد الجوية والأماكن السياحية!
ماذا عن ذلك المخيم؟
وما أدراني أنا أن موقع المخيم كان قديما والجبل الثلجي عرضة للإنهيار!
ماذا عن حفلة الشواء؟
هذا لم يكن ذنبي لقد اشتريت ذلك اللحم الفاسد من المتجر وكان على تبليغ الشرطة وأبلغ عنه، كل ما يفعله إيثان فقط هو الأمر الجيد والمناسب، هذا لا يطاق.
ضربت كتفه بسخرية: إيثان يحظى بالإهتمام لأنه الأكبر، وأنا أحظى بالتدليل لأنني الفتاة الوحيدة، أنت تحظى ب…
رمقني بطرف عينه بإنزعاج فأضفت أكتم ضحكتي: حسنا إنهما يحاولان جعلك تتحمل المسؤولية وحسب. هذا لمصلحتك أنا واثقة من هذا.
ما حدث لاحقا أنني قررت الذهاب معه للمشفى لأتذكر طريق العودة من هناك فوقفنا أمام البوابة وبعدها بدأت اتذكر الطريق وفضلنا السير على الأقدام بدلا من أخذ سيارة أجرة.
وصلنا أخيراً إلى الحي الراقِ وسرنا لنصعد المنحدرات التي على جوانبها المنازل الفخمة والضخمة.
حتى وصلنا إلى المنزل أخيراً، كان الأكبر حجما ومساحةً بكل تأكيد، وقفنا أمام البوابة فقلت مبتسمة: حسناً يا سام سأدخل الآن.
أشار للمنزل بدهشة: هل هذا هو المنزل!
أومأت برأسي ثم قلت ساخرة: كان الأمر متوقعا ونحن ندخل إلى هذا الحي من البداية أيها الأحم.
قاطعني بحاجبين معقودان: هذا المنزل. ألم نقم بزيارته ذات مرة!
عُقد لساني مؤقتاً بينما أضاف مفكراً: نعم! أذكر بأنني كنت في الثالثة عشر تقريباً! ألا تذكرين يا شارلوت؟ لقد ذهبنا جميعنا عندما قال أبي بأنني سنذهب للقاء أحد أصدقائه القُدامي! لقد مكثنا هنا ليلة كاملة أنا واثق مما أقوله! إنها البوابة ذاتها. كل شيء كما كان يبدو حينها!
اتسعت عيناي بعدم استيعاب: أتينا إلى هنا برفقتهما؟! اليس منزلا مشابها وحسب؟
نفي برأسه بسرعة: لا! ذاكرتي في الطفولة ليست سيئة، كما أنه عالق في ذاكرتي لأنه مميز كما ترين والتصميم لم يتغير. إنه هو!
ارتجفت شفتاي قليلا، مكثنا هنا ليلة كاملة!
أنا وسام وإيثان وكذلك والداي. أيعقل!
هل هذا يفسر الشعور الذي ظل ينتابني؟ صحيح! بدى المكان مألوف لي. هذا هو تفسير ما شعرت به إذاً! ولكنني. لا أتذكر أي شيء. لماذا! إن كان سام في الثالثة عشر فقط فسأكون حينها في العاشرة وهو ليس زمنا لن تستطيع ذاكرتي فيه على تخزين هذه الذكريات!
حاولت جاهدة ان ابتسم بهدوء: بصراحة لا أتذكر ولكنني لن أكذب عليك، انتابني شعور بأن المكان مألوف بالنسبة لي.
ولكننا لم نسمع شيئا من والداي لاحقا عن هذه العائلة، لازلنا لا نعلم عنهم شيء حتى اليوم.
ثم تكتف وعقد حاجبيه محدثا نفسه: أتذكر بأنني رأيت فتى قريب من عمري آنذاك. أو لأكن أكثر دقة كان أقرب إلى عمر إيثان. ولكنني لا أتذكر شيئا آخراً، مر زمن طويل جداً والزيارة لم تتكرر.
هل يقصد كريس! فهو يصغر إيثان بعام واحد فقط، وسام في الرابعة والعشرون ولا فرق بينهما سوى ثلاثة أعوام.
بلا شك!
ما الذي يحدث! لماذا قد نقوم بزيارة منزل السيد ماكس ونحن صغار!
من سيجيبني على سؤال كهذا!
أسرع يصرخ بدهشة: أنت متزوجة من شاب ثري يا شارلوت بل وربما تكون لعائلته علاقة بنا! اليس الأمر غريباَ!
أومأت برأسي بتشتت وضياع هامسة: بل غير مفهوم البتة.
ثم أخذت شهيقا عميقا وأطلقته بقوة لأضرب كتفه: حسنا يا سام سأدخل الآن أسرع أنت أيضا وغادر.
أردفت بخبث: أعلم بانه عليك الذهاب لمكان ما فأنت لا تكف عن النظر إلى ساعتك.
ضحك بخفوت: أيتها اللئيمة! يبدو أنك يقظة تماما.
ثم أمال برأسه: أنت محقة على زيارة مكان ما وسأعود في الغد إلى المنزل. اعتني بنفسك جيداً وراسليني إن كنت بحاجة لأي شيء. سأتصل بك لاحقاً.
سأفعل، لا تقلق على الذهاب.
زم شفتيه للحظة ثم ابتسم بصمت اتحرك لأقترب من البوابة ففُتحت بشكل تلقائي، نظرت لسام نظرة أخيرة ولوحت له مبتعدة فغادر هو أيضاً بعد ان القى نظرة أخيرة على المكان.
قمنا بزيارة هذا المنزل منذ زمن طويل. لماذا؟ بدعوة مِن مَن؟
هذا يفسر سؤال السيدة أولين عندما قالت لي ذات مرة إن كانت قد تقابلت معي في مكان ما أو لا.
لماذا لا أسألها؟ فكرة جيدة. ولكنني سأنظر في الأمر أكثر فلربما لا يجب أن افتح هذا الموضوع.
تحركت ببطء وأنا غارقة في أفكاري، مازال المنزل بعيدا! لماذا على أن أسلك المزيد لأصل إليه، أنا متعبة وأريد التفكير بتأني.
ولكنني في النهاية استسلمت ومشيت محدقة بالحديقة التي كانت مظلمة، حتى المنزل يمكنني أن أراه من بعيد ويمكنني أن أعلم أن معظم من فيه قد خلدوا للنوم فعلا فلا أرى سوى ما لا يزيد عن الثلاث نوافذ مضائه!
وأخيرا وصلت إلى النافورة!
أكملت طريقي بغية صعود الدرج ولكنني تفاجأت بالباب يُفتح ليخرج منه كريس الذي كان يمسك بمفتاح سيارته ويبدو الغضب ونفاذ الصبر على ملامحه.
نزل درجات قليلة حتى استوعب وجودي بينما أنظر إليه بحيرة!
هل كان سيخرج؟ ربما.
أكملت صعود الدرج ولا أنكر أنني توترت قليلا بسبب وقوفه وتحديقه إلى بعينيه اللتان احتدتا.
ما خطبه؟ لماذا ينظر إلى بهذه الطريقة الآن!
عندما وصلت إلى الدرجة التي يقف عليها فوجئت بيده التي أمسكت بذراعي وأجبرني على أن أقف أمامه مباشرة وهمس مقربا وجهه مني بغضب: ما الذي تظنين نفسك فاعلة؟
حاولت إبعاد يده عني بألم وعندما لم أفلح قلت بإنزعاج متمالكة نفسي: ما الذي فعلته هذه المرة؟!
رص على شفتيه ولمعت عينيه العسليتان ببريق مريب فازدردت ريقي إلا أنني نظرت له بحدة مماثلة.
لا أرى شيء يبرر غضبه هذا! ما الأمر الخاطئ الذي فعلته حتى؟!
أين كنتِ؟
في مكان ما.
قلتها مشيحه بوجهي بعيدا فأمسك بذقني يجبرني على النظر إليه فتأوهت وقلت بغضب: توقف عن هذا! أولا ذراعي والآن فكي ما الذي تريده مني، أن تُكسر عظامي واحدة تلو الأخرى.
لقد سألتك. أين كنتِ؟ مراوغتي فكرة سيئة جداً فأنا الآن انتظر حُجة مناسبة لأنفجر في وجهك.
قالها بنبرة جعلتني ارتعد وانتفض فلم أجد سوى أن أتظاهر بالبرود: مع شخص ما.
كفي عن استفزازي بأجوبتك.
لماذا تريد معرفة كل شيء، كف عن التدخل في امور لا تعنيك! فأنا لست مجبرة على.
مع من كنت؟! لماذا لم تعودي مع عمتي؟
أخبرتك بأنني كنت مع شخص ما!
سؤالي تضمن هوية الشخص إن كنت حمقاء إلى هذه الدرجة يا شارلوت.
ح. حمقاء!
زاد من ضغط يده على ذراعي فزمجرت بغضب وألم: كنت مع أخي.
بدت الحيرة في عينيه إلا أن الحدة لم تختفي بعد ليهمس: أخاك؟
تمتمت بإنزعاج يجوبه ضيق: إنه سام.
أردفت بعد برهة: هل تنزهي معه أمر خاطئ؟ أيعد جريمة! ليس وكأن رأيك يهمني يا كريس.
وهل يفترض أن لقائك به كان صدفة؟
هذا بالفعل ما حدث! وماذا سيكون إذا؟ لقاء بتدبير مسبق؟
لما لا، فأنا أتوقع منك كل شيء.
أضاف بشيء من السخرية: غريب، ظننتك قد هربت مثلا ولكنك عدت بنفسك! ما الذي يعنيه هذا؟
أنا لا أفهمك! أنت الكائن الوحيد في هذا العالم الذي يحوي رأسه عقلان مختلفان وللأسف كلاهما صغيران متخلفان، لماذا قد أهرب بحق الإله؟!
قلتها بإنزعاج وانا ابعد يده بقوة فضحك بإزدراء وتهكم: لماذا قد تهربين؟ أليس هذ واضحا!
أضاف محدقا بعيناي: لترتمي في أحضان ستيفاني مثلا باحثة منها على القليل من الاطمئنان، ثم ما الذي يجدر بي أن أصدقه؟ بأنك كنت مع أخاك طوال هذا الوقت مثلا؟ لماذا؟ هل مرت سنوات على آخر لقاء جمعكما؟ لا يمكنني سوى أن أفكر بأنك كسبت وقتا لتحضي به بصحبة ما، ربما إلى مكان ما قد يكون مأوى مناسب لفتاة مثلك ل.
لم أستطع البقاء كمستمعه فقط وأنا أفهم ما يعنيه بتلميحاته لأرفع يدي محاولة صفعه بقوة ولكنه بدلا من ذلك قربني إليه وهمس في أذني: أنت تعلمين أن صفعة واحدة ستحملك ضريبة ضخمة أنتِ عاجزة عن دفعها.
رصيت على شفتاي بقوة حتى أنني شعرت لوهلة بأنني سأغرس أسناني فيهما! قلت بسخط: أنت حقا ذو تفكير منحرف قذر، هذا كثير جداً!
أضفت محاولة تحرير نفسي: وما الذي ظننته بأنني سأذهب إلى شخص ما مثلا؟ بأنني سأقطن في منزله كما يحلو لي! أنت بالفعل أقذر مما تبدو يا كريس.
أردفت بغضب: أترك يدي أيها الحثالة.
قلتها وأنا أرفع يدي الأخرى نحو وجهه بغية صفعه مجددا ولكنه أدارني وثبت ذراعيه على يمنعني من الحركة ليرتطم ظهري بصدره! بدى الأمر كما لو كان يعانقني وهو يهمس مريحا ذقنه على كتفي: وهل هذا مستحيل؟ الست ابنة ستيفاني؟ أنت أيضا لديك القدرة على إغواء الرجال كما ينبغي!
أيها الحقير!
وهل أمر كهذا سيكون مستبعدا؟ كم من الأساليب والدروس قمت باكتسابها من والدتك؟
لا تتحدث عن أمي بهذه الطريقة وإلا.
وإلا ماذا؟ ما الذي ستفعلينه!
استرسل بصوت لا مبالي: هل تحاولين إقناعي بأن وجهك البريء هذا لا يعرف شيئا؟ هل تحاولين إقناعي بأنك الفتاة ذات القلب الطاهر؟ هل أنت حمقاء؟! وكأنني لا أعرف شيئا عن عادات عائلتك وعن صفاتكم المثيرة للاشمئزاز، ولا سيما ستيفاني التي لا تتردد بغرس مخالبها في فريستها! ما الذي تسعى إليه، بل ما هو هدفها، الرجال؟ المال؟ كسب الثقة؟
لا أستطيع.
لا يمكنني تحمل ما يقوله!
لا أستطيع أن أقف هكذا بينما يواصل إهانة عائلتي باستمرار.
يمكنني أن أفهم بأنه يكره إيثان ولكنه يهاجم أمي طوال الوقت.
لماذا ليس إيثان؟
ولكن.
هذا يؤلمني!
يؤلمني أن أسمعه يقول أمور كهذه طوال الوقت. لماذا على أن أسمع اشياء كهذه!
لماذا على كريس أن يكون الشخص الذي يلقي بهذه الكلمات علي؟
لماذا ليس شخص آخر.
قلبي. سينفجر في أي لحظة!
بينما كان يواصل قول كلماته المسمومة تلك وجدت نفسي أخفض رأسي لأعض يده بقوة! تأوه وأبعد يده فنزلت الدرج بسخط شديد وأنا أصرخ: لم أعد أستطع الصبر على أفعالك. سأغادر وليكن. افعل ما تريد يا كريس لقد طفح الكيل! لقد مللت كل هذا.
نزلت الدرج بالفعل وعندما وصلت إلى النافورة أوقفني وهو يديرني ممسكا بذراعي بحزم: إلى أين تظنين نفسك ذاهبة!
إلى أي مكان لا أرى فيه وجهك. دعني وإلا صرخت بأقوى ما لدي!
ستهربين ببساطة؟
استفزتني جملته هذه فصرخت بغيض منتزعة يدي: سمِه هروبا أو ما تريد تسميته أنت حر في إطلاق الأسماء. لا تنسي بأنك الأكثر إبداعا في هذا المجال وهذا اختصاصك.
وجدت نفسي أكمل حديثي دون قدرة على التوقف وأنا أرجع للوراء محدقة إليه: أنت محق فيما قلته للتو، إنني مجرد عابثة، مجرد فتاة تنتظر فرصة تسنح لها بالكذب والاحتيال على الرجال، أنا هكذا تماما، ولطالما خدعتهم دون مراعاة، الأمر لا يهمني فهذه هي أنا، مجرد لعينة تسعى خلف المال، مادية ولا يهمني سوى نفسي، نعم أنا أنانية يا كريس هذه هي حقيقتي التي تسعى جاهدا لكشفها ولدي شهادة امتياز في الكذب والإغواء، سبق وحصلت على جوائز بشأن نجاحي بتقمص شخصية الفتاة اللطيفة، هل يسعدك اعترافي الآن؟ إنني م.
هذا يكفي.
يكفي؟ ما الذي يكفي! عن ماذا برأيه؟ عن التظاهر بالبراءة ولعب دور الفتاة التي لا ذنب لها! أم عن الإستياء والصراخ الذي يظنه تمثيلا ويراه حوارا مبتذلا؟
أتوقف عن ماذا تحديدا! ولماذا هذه النبرة الهادئة فجأة!
ابتلعت ريقي وكنت قد أشحت بوجهي بحزم لأردف بسخرية: كل شيء فاق حده معك! لا بد وأنك سعيد الآن وأنا أظهر على حقيقتي! لا أسمع تصفيقك! أبهرني بسرعة ودعني أسمعه ولا مشكلة أيضا في جلب باقة أزهار ضخمة لإعترافي الناجح الصريح! مؤسف يا كريس صحيح؟ ربما كان لديك أملك في أن أكون في الحقيقة فتاة بريئة بالفعل. ولكنني خيبت أملك تماماً! خرجت للتمشية مع أخي بالفعل ولكن. اتعلم إلى أين ذهبت بعدها؟
نظرت إليه ببرود وجفاء فبادلني النظرات بهدوء تام، ثم وضع يديه في جيبه هامسا: أنتِ مجنونة حين ينبغي ذلك.
تجاهلت تعليقه مبتسمة بثقة: ذهبت إلى ملهى لأقضي وقتا ممتعاً وأغير الأجواء قليلا، احتسيت بعض النبيذ ورقصت قليلا لأغير من الأجواء المملة، ذهبت بعدها مع شخص ما و.
شارلوت. يكفي كذباً.
لست أكذب! إنها الحقيقة! ألا تصدقني؟ لقد ذهبت بالفعل وقضيت وقتا رائعا ومسلياً! يمكنني إثبات ذلك بطريقة أو بأخرى ليسرك الأمر. لم أكن أنوي العودة إلى هنا وترك كل هذه التسالي! كان الأمر ممتعا ومسليا جداً وأود العودة الآن! اليس هذا ما قلته للتو بنفسك؟ لماذا تراجعت! لا أنصحك بتغيير أقوالك صدقني إنني مجرد فاسدة وقد تسوء سمعتك يا حضرة المدير ذو السلطة الضخمة في شركة العائلة العريقة! عليك أن تخشى نظرة الموظفين الموجهة نحوك و ل.
أطبقِ فمك الثرثار قليلاً.
م. ما هذا! ما يظن نفسه فاعل بتقبيلي هكذا! بحق الإله؟!
لا. هذا كثير جداً. لا يجب أن يرى بي أي نقطة ضعف تجاهه ولا أي ردة فعل ساذجة.!
مع أن مشاعري تجاهه تجعل الضعف يجتاحني رغما عني! على أن أبتعد عنه.
هذا لن أتمكن من فعله. ولكن على أن أبعده عني إذاً! هذا يشكل فارقا لدي. فأنا عاجزة عن الإبتعاد بنفسي.
ابتعد بعد ثوان من قراري وهو يتأوه ممررا كف يده على فمه وقد القى شتيمة وصرخ بصوت عال: أيتها العنيفة! أقسم بأنك لو كنتِ رجلا يا شارلوت للكمتك وأرسلتك للمشفى حالاً.
ارتجفت مبتعدة قليلا وانا انظر إلى الدماء التي سالت من شفته! هو من أجبرني على هذا. لا يجب أن يقوم بلومي. لم أكن قادرة سوى على جرح شفته بقوة بأسناني وهذه أفضل وأسرع طريقة قد الجأ إليها قبل أن اتصرف بحماقة واظهر مشاعري.
مسح الدماء وعيناه متسمرتان على ثم ثبت اصبعه الإبهام على الجرح في شفته وتمتم بجفاء متهكم: هل تقبيلك يستحق كل هذا الدفاع والهجوم؟ اللعنة أي أنياب تمتلكين!
حذرتك مسبقا من التقرب إلى ولكنك مصر على رؤيتي بطريقتك الرخيصة. هذا جزاؤك. أرني ما لديك لست خائفة منك.
قلتها بالرغم من هاجس خفي سيطر على وحاول إخباري ألا أتجاوز حدودي معه في هذه اللحظة.
كنت محقة إذ اقترب مني فجأة وجذبني من يدي وكانت المفاجئة وأنا أرى نفسي أُدفع نحو النافورة لأسقط في الماء وأشهق بقوة وأصرخ بصوت عال: هل فقدت عقلك!
لست قادر على ضربك ولكنني قادر على ردة فعل بسيطة كهذه. أنظري إلى لن أتمكن من شرب القهوة الساخنة أو كوب من الشاي، أنت حقاً مندفعة كطفلة حمقاء عاجزة عن استخدام عقلها الذي لا يتجاوز حجمه حبة فاصولياء.
أنت آخر من يتحدث فأراهن على أن عقلك يبكي من سوء إستخدامه! أنظر إلى نفسك وإلى طريقة تفكيرك! لن أبالغ لو قلت بأن الطفل ذو السابعة قادر على استخدام عقله بشكل سليم أكثر منك بل وله نظرة أوسع وأفق أبعد.
أعتقد بأنه لا داع لأضيع المزيد من وقتي معك.
قالها وهو يعاود وضع ابهامه على شفتيه بوجه متألم ممتعض فرمقته بحقد وانا اخرج من الماء ارتجف بسبب البرودة وصرخت بحنق: دعني أعرض عليك مساعدة وأرافقك إلى طبيب يكشف على صحتك العقلية أو نفسيتك المجهدة بدلا من تضييع وقتك في العمل.
قلتها وانا اخلع المعطف المبتل والقيه عليه بقوة فتجاوزه ببساطة وتمتم مبتعدا بإستخفاف: لا أمانع إن كنا سنذهب بعد ذلك لزيارة من يستطيع التأكد من حقيقة شهادة ميلادك يا عزيزتي.
أنا شابة ناضجة ولست بحاجة لهرائك، بل ومسؤولة عن تصرفاتي وأعلم جيدا أنني لم أخطئ بأي شيء. فليكن لقد ضقت ذرعا منك هذا كثير جداً.
كنت اتحدث بصوت عال بسبب تجاهله لي وهو يبتعد ليصعد الدرج فصرخت بغضب وانا اشعر بتقطع حبالي الصوتية: أنت جبان لإستخدام أموالك في ردود أفعالك، أتمنى أن أراك يوماً متسولاً على الرصيف لنرى بعدها كيف ستدافع عن نفسك وأي حرب شريفة سنخوضها معاً. هل تسمعني أيها الثري المدلل!
ظل يتجاهلني فارتجفت وانا احتضن نفسي احاول تدفئة نفسي والتقطت المعطف المبتل عن الأرض وأُسرع للدخول فوراً قبل أن أتجمد في هذا الجو البارد.
كان قد سبقني ورأيته يتجه إلى الجناح الآخر نحو مكتبه للعمل فباشرت لدخول الحمام لأستحم بماء دافئ وعندما اردت وضع غسول الشعر حلت على الكارثة وشهقت وانا اصرخ بغضب و بتقزز حتى أنني ركلت حوض الإستحمام مرارا وتكرارا بقدمي إثر انفعالي.
اللعنة على غبائي لقد نسيت أنني وضعت صبغة الأحذية الملونة في غسول الشعر هذا! كنت أرغب في أن يستخدمه ذلك الشيطان ولكنني وقعت في شر أعمالي! أسرعت أغسل شعري وكم أجهدني ذلك.
القيت بالعلبة في سلة المهملات وخرجت من الحمام الف المنشفة وانا اتحرك بخطى واسعة غاضبة من نفسي ولم أشعر يوما في رغبة لقتل أحد ما أكثر من هذه اللحظة! أردت حقا التوجه إليه وطعنه! لماذا دائما ينتهي بي الحال منهكة الأعصاب بسببه!
في النهاية نجحت في تهدئة أعصابي وارتديت ملابسي واندسيت تحت غطاء السرير متناسية ومتجاهلة رغبته في نومي على الأريكة.
بعد فترة ليست بقصيرة كانت عيناي قد اعتادت على عتمة ظلام النوم الدامس وثقل كلا جفناي حتى شعرت بوجود كيان بجانبي، ولأن نومي ليس ثقيلا سمعت صوت متهكم: أخبرتك بأن مكانك على الأريكة.
إنه هو. الكابوس الأسوأ على أرض الواقع.
فكرت في هذا دون قدرة على الإستيقاظ بالرغم من ان عقلي أرادني وبشدة ان استيقظ وأركله ليبتعد عني ويتركني وشأني. ولكنني شعرت بيده التي أزعجتني وهو يمررها على كتفي محاولا إيقاظي.
كم الساعة الآن يا ترى؟ ما هو الوقت تحديداً! لا بد وأنه متأخر كثيراً. هل ظل يعمل وانتهى الآن ويرغب في النوم بكل راحة على فراشه ويتركني أجهد جسدي على الأريكة؟
رفضت هذه الفكرة وأنا افتح عيناي أنظر إليه بتهكم ونعاس وقلت فوراً بضجر وصوت مبحوح: لن أنام على الأريكة، ولو أردت ذلك فدبر لي مكانا حالاً في المنزل ولو كان سريراً أمام بوابة المنزل.
زفر بنفاذ صبر: تحركي فوراً أنا بحاجة للنوم لساعات معدودة.
لن أفعل. أريد سريراً.
لست في مزاج يسمح لي بإحتمالك الآن! تحركي.
أنا واضحة جدا.
وأنا أرفض. لن أقبل أن ترى عمتي أو زوجها أننا ننام في غرف منفصلة.
اسمح لها إذاً أن تعلم بأنني أنام على الأريكة بينما تنام أيها الشاب الشهم على السرير!
عندما انهيت جملتي وجدته يجذب يداي ليرفعني من على السرير ويجبرني على التحرك فانتزعت كلتا يداي وصعدت فوق السرير بغضب لأقف عليه وقلت بحدة: لن أنام على الأريكة هذا يكفي! أنا إنسانة ولي كامل الحق في الحصول على الراحة التي تحصل عليها أنت! لن أقبل أن تتم معاملتي بهذه الطريقة أبداً.
ما الذي ستفعلينه مثلا؟
قالها مبتسما بسخرية يجوبها إرهاق السهر فأجبت هامسة بتحذير: سأصرخ بأعلى صوتي في الممر ليستيقظ الجميع واعترف بكل ما تفعله لي.
ثم يضطر والدك المسكين للبحث عن عمل آخر! هيا يا شارلوت هيا يا جميلتي تعلمين أن البحث عن عمل في هذا الوقت أمر مستحيل تقريباً!
لا زال يهددني! لا زال يدوس بكلتا قدميه على الغصن المكسور. من الظلم أن يستغل نقاط ضعفي!
أخفضت رأسي قليلاً وأومأت برأسي متمالكة نفسي بصعوبة: معك حق. اتعلم أمراً؟ أنا لن أنام على هذه الأريكة ولو جلبت حبالا وكبلتني بها.
قلتها ونزلت من على السرير متجهة للباب فاستوقفني واقفا امامي يمنعني من الحركة فلم أرفع رأسي نحوه حتى أتى سؤاله ببرود: إلى أين؟
رفعت يدي اليمنى نحو صدري دلالة الضيقة متمتمة: بات الهواء ثقيلا جداً في هذه الغرفة، لم تعد رئتاي قادرتان على ادخاله و تحويله والفضل يعود لك، سأذهب للنوم بجانب جيمي ولا يهمني إن اعترضت فأنا على شفا حفرة من الإنفجار. صدقني يا كريس قد أفقد أعصابي بالفعل ويندم كلانا على هذا!
ابتسم وكأنه يستمتع برؤيتي أحاول السيطرة على نفسي وانفعالي وقال مميلا برأسه متجها نحو السرير: فكرة جيدة، سيرى الجميع كم تعمل شارلوت اللطيفة لتكون أما مناسبة لجيمي.
تجاهلت تعليقه وخرجت من الغرفة متعمدة ترك الباب مفتوحا فسمعته يصفق الباب بقوة، اتجهت لغرفة جيمي واستلقيت بجانبه على السرير.
إنها الثامنة صباحا وأجلس مع جيمي والجميع في غرفة الطعام، في الحقيقة انهينا تناول الطعام ولكننا لا نزال نجلس ونتحدث في أمور مختلفة بإستثناء كريس وستيف، كريس قد اتجه مباشرة للعمل دون ان يتناول إفطاره بينما ستيف لم يظهر من غرفته حتى الآن!
بعد ذلك استئذن جوش للذهاب للعمل هو أيضا عندما اتصل به كريس من الشركة وأخبره بضرورة تواجده، أما كلوديا فها هي ذا معي نجلس في غرفة الجلوس المجاورة، جيمي منهمك بجانبي باللعب باللوح (الحاسوب) الإلكتروني.
لحظات حتى فُتح الباب وأقبلت إحدى الخادمات نحو كلوديا متنهدة بتعب: سيدة كلوديا أنا عاجزة عن إيقاظ السيد ستيف. لقد حاولت مرارا وتكرارا ولكنه كاد ينفعل وأغلق الباب.
زمت كلوديا شفتيها فتساءلت بحيرة: ما خطبه!
نفيت الخادمة بلا حيلة فهمست كلوديا بملل: لا بأس سأتصرف معه لاحقاً. أراهن على أنه أطال السهر ليلة الأمس.
اعتذرت الخادمة وخرجت فقلت بإستغراب: كريس كذلك أطال السهر بالأمس في المكتب ولا أدري كم كانت الساعة آنذاك، ولكنه غادر مبكراً جداً.
أومأت: ستعتادين على هذا لاحقا، أحيانا يكون مضطرا للذهاب مبكراً لإجراء بعض الترتيبات ولكنني لا أفهم إعتماده على نفسه بشكل كلي بالعمل! جوش قادر على أخذ بعض المسؤوليات منه ولكنه يرفض. تيا كذلك لديها إستطاعة ولكنه لن يقبل.
آه. فهمت.
مرت لحظات صمت حتى سألتني كلوديا بحيرة: متى عدت بالأمس يا شارلوت؟ لقد كنت قلقة جدا من تأخرك وانتظرتك حتى العاشرة تقريبا ولكن كريس أخبرني بألا أبالغ في التفكير!
ابتسمت بتوتر: آه! لقد عدت بعد العاشرة بقليل، كنت مع أخي سام لقد قابلته صدفة، أعتذر على إقلاقك!
لا بأس يا عزيزتي كنت خائفة من ألا تستطيعي العودة وحدك! فأنت لا تعرفين المدينة وضواحيها جيداً! لقد ظل كريس متوتراً وأخذ مفتاح سيارته وكان سيخرج للبحث عنك!
هاه! الهذا كان ممسكاً بمفتاح سيارته آنذاك!
ما هذا؟ يحاول الظهور كبطل؟ لا بد وأنه فعل هذا أمام عمته فقط. على كل حال هو بارع جدا في التمثيل.
ابتسمت بإحراج: شكرا جزيلا لإهتمامك ولكنني استطعت تدبر أمري، لقد حفظت الطريق الذي سلكته، هذا كل شيء.
وقفت كلوديا وقالت مبتسمة: سأجلس في الحديقة قليلا لأحتسي كوب القهوة، بالمناسبة ألم يخبرك جيمي بشأن ذهابه إلى منزل شارلي؟
ارتفع حاجباي بحيرة ونظرت لجيمي: كيف هذا؟
انفعل بحماس وترك ما بيده مميلا برأسه: صحيح يا أمي! لقد أخبر أبي السيدة أولين بأنه يمكنني الذهاب إلى منزل شارلي اليوم بشرط أن أعود قبل الظهيرة!
وافق على ذهابه! أتذكر بأنه لم يكن يسمح له بذلك أبداً. غريب!
ابتسمت بلطف مداعبة شعره: اليس هذا رائعا! لا بد وأنكما ستقضيان وقتا ممتعا جداً.
نعم! سأذهب برفقة آنا بعد قليل.
كن حذراً إذاً وتأكد من استغلال كل لحظة! ألم أخبرك بأن والدك يهتم بك ولكنه قلق فقط ويفكر كثيراً!
ابتسمت كلوديا وخرجت من الغرفة لتجلس في الحديقة وبعدها جيمي الذي اصطحبته آنا للخروج برفقة السائق مايكل.
عندما وجدت نفسي أجلس وحيدة في هذه الغرفة اتجهت للباب لأخرج منها ولكنه كان قد فُتح ببطء شديد وكأن شخص يحاول التسلل! ارتبت قليلا حتى رأيت ستيف يطل بوجهه وعندما رآني بذرت منه ردة فعل قد استنكرتها كثيراً!
لا أدري كيف أصف ذلك. ولكن. وكأنه قد أُحبِط، أو تفاجأ قليلا. شيئا من هذا القبيل!
ابتسمت مقتربة: صباح الخي.
ولكنه أسرع يخرج مجددا بعد ان قال بصوت بالكاد مسموع: سأذهب للبحث عن أمي.
أغلق الباب فوقفت في مكاني باستغراب شديد!
ما هذا فجأة!؟
ارتفع حاجباي واقفة في مكاني بحيرة ولكنني في النهاية خرجت وذهبت لأصعد الدرج، مررت بجانب خادمتان وحينها التقطت أذناي صوت إحداهما التي همست بتفكير: إنه يتصرف بغرابة!
أيدتها الأخرى: أخبرني أن أجلب له طعام الفطور للغرفة. السيد ستيف لم يعد واضحا في تصرفاته!
وقفت في منتصف الدرج في حيرة من أمري.
أراد تناول طعامه في غرفته؟ بصراحة رفضت أن أضخم المسألة في عقلي وخمنت أن لديه أسبابه التي تخصه وحسب ولم أتمادى في التفكير.
أكملت طريقي وحينها وقفت عندما وصلت لنهاية الدرج مبتسمة فورا وأنا أرى أولين تقول بحزم وهي تنظر لليمين لأحد ما: كن حذرا في تنظيف المكتب وترتيبه، هناك ملفات للعمل في غاية الأهمية ولا يجب أن تغير ترتيب تسلسل أرقام الملفات، أخبرك بهذا للمرة الثانية.
سمعت صوت والذي خمنت بأنه أحد الخدم يقول بهدوء يجوبه توتر: سأكون حذرا.
تنهدتْ ونظرت للأمام فانتبهت لي، أسرعت أتقدم وأصعد آخر درجة قائلة: صباح الخير سيدة أولين.
نظرت إلى بهدوء وابتسمت ابتسامة سريعة: صباح الخير عزيزتي.
ثم تغيرت نظراتها للتمعن قليلا وقالت: من الجيد أنكِ هنا. هل يمكننا التحدث؟
ارتفع حاجباي: بالطبع.
استغربت قليلا ولكنني شعرت بالحماس والفضول واسرعت اتبعها، كنا قد ذهبنا بالقرب من المطبخ هناك حيث غرفة بجانبه تقريبا، كان ممرا طويلا وعلى الجانبين الكثير من الغرف وأيقنت أنها للخدم، دخلنا إلى غرفة السيدة أولين التي كانت مرتبة وكبيرة نسبيا وأثاثها بسيط انيق بألوان داكنة دمجت بين البني والماروني، النافذة كانت مفتوحة ومطلة على موقف السيارات وهناك استطعت لمح ستيف الذي يتحدث على الهاتف وصاح بغيض بنبرة عالية: حدثت مشكلة في الآونة الأخيرة وبناءً على ذلك أبي يبالغ ورفض أن أخرج بالسيارة ولكنني سأنتظرك لتصحبني لذا إياك وأن تتأخر.
قالها وتحرك ليصعد الدرج الحجري واختفى فاعدت انتباهي لموقع أولين التي جلست على السرير متنهدة فأسرعت أقول مبتسمة: غرفتك مريحة وواسعة سيدة أولين.
نظرت من حولها وهي تضع راحة يديها بجانبها وأومأت: إنها على حالها منذ ما يزيد عن العشرون سنة. أكره التغيير وأفضل التقيد بالروتين.
ابتسمت بهدوء: هكذا إذا.
تفضلي بالجلوس!
املت برأسي وجلست على كرسي مقابل للسرير وأمامه طاولة عريضة فوقها بعض الكتب بسُمك كبير.
نظرت إليها وقلت بإهتمام: كلي أذان صاغية.
شارلوت، لقد زرت السيد ماكس بالأمس، هل أخبركِ بشيء؟
في الحقيقة. ن. نعم!
هو لم يتحدث عن الراحلة باتريشيا، صحيح؟
نفيت برأسي بحيرة متمتمة: لا! لماذا؟
شارلوت، ربما آن الأوان لتعرفي نبذة عما حدث. قد تستنكرين سبب جلبي لك إلى هنا وأطلب منك الإستماع إلى ولكن. تصرفات كريس باتت تزعجني كثيراً! هناك هالة غريبة تحيط به مؤخرا ولا يمكنني فهمه! وبصراحة أنا أرى أملاً كبيراً فيكِ، لا أعلم لماذا أجبرك كريس على الزواج منه ولكن الأمر واضح ولا داعي للتظاهر أمامي بذلك.
أحرجني عمق معرفتها ولكنني لم أعلق فأردفت: كما تعلمين. أنا أعتبر كريس كابني تماما بل وأحيانا أصدق ذلك كثيرا دون شعور مني. لا فكرة لديك كم أنا متعلقة به وأهتم به، لطالما شعرت بهذا وكنت سعيدة ليظهر لي في المقابل الإحترام وقبول هذه المشاعر، ولكنني أشعر بأنه صار أبعد بكثير. أن يتزوج فجأة. أمر غير معقول، لن أجبرك على إخباري بأي شيء لا تقلقي ولكن اسمحي لي بأن أعطيك نبذة فقط عن المتهور الذي تزوجتهِ. أشعر بأنك فتاة يمكنني الإعتماد عليها. ولا تنزعجي مني يا عزيزتي عندما أوضح ان هذا الزواج بالفعل غريب مفاجئ.
أملت برأسي مبتلعة ريقي بقلق وترقب هامسة: أنا أنصت.
ابتسمت لي بلطف ثم نظرت للأرض بشرود للحظة وبعدها حملقت بي وقالت: لقد كنت أعمل في هذا المنزل قبل ولادة كريس، أي منذ زواج الراحلة باتريشيا بماكس، بل وأنني كنت أعمل منذ أن جلبني السيد إفليك للعمل هنا بينما لا أزال في التاسعة عشر من عمري فقط، باتريشيا في الواقع لم تكن لتتزوج السيد ماكس لولا ظروف معينه قد حدثتْ. كانت ظروف صعبة جداً يا شارلوت ولن أبالغ لو قلت بأن زواجهما كان كارثياً وغير مخطط له. أرى المشهد وكأنه قد حدث في الأمس فقط! لقد كنا قد قمنا بترتيب حفل الزفاف في حديقة المنزل وحضر المدعوين جميعهم. الشخص الوحيد الذي لم يأت للحفل هو الزوج نفسه! الشخص الذي كان سيتزوج باتريشيا لم يظهر في ذلك اليوم.
اتسعت عيناي: لم يظهر! شخص آخر غير السيد ماكس؟ هل هذا ما تقولينه!
تماماً.
فغرت فاهي بذهول وشعرت بفكي يكاد يسقط على الأرض! ومع ذلك تمالكت نفسي وهمست: حسنا!
أعلم جيداً بأنه شعور صعب جداً، تخيلي كونك عروس تشعر بالحماس والخجل ليلة زفافها وتنتظرين بكل شوق الشخص الذي سيكون الزوج وشريك الحياة ولكنه لم يظهر. أصيبت باتريشيا بصدمة قوية جداً ولك ان تتخيلي الفوضى التي حدثت في الزفاف، الحل الأمثل لكل هذه المهزلة لم يكن سوى تدارك ماكس للأمر معلنا أنه زوج باتريشيا وأنها كانت مفاجأة أرادوا إعدادها.
فغرت فاهي بدهشة مجددا فأكملت بأسى: أراد ان يتعامل مع الوضع وألا يحرجها أمام المدعوين ففعل ذلك بنية طيبة، بالطبع لم يصدق الكثيرون الأمر نظرا لردة فعل باتريشيا ولكن القليلون جدا قد اقتنعوا بالأمر ولكن الأقاويل بدأت ولم تنتهي حتى اليوم.
ح. حتى اليوم!
كريس دائما ما يقابل رجالا ونساءً كبارا كانو مدعوين إلى الحفل. ولا زال يسمع منهم جمل مهينة مستفزة تذكره بأنه وُجد في المكان الخاطئ لأن الزواج نفسه لم يكن صحيحا. بل وأن بعضهم تمادى ليقول بأنه وُلد بعد أن تستر ماكس على فعلة رخيصة ارتكبتها باتريشيا مع الزوج الغائب. يشيرون إلى أنه ليس ابن ماكس.
ما هذا بحق الإله!
تنهدتْ بضيق شديد ثم نظرت إلى بعين مستاءة: صحيح بأن ماكس تستر على ما حدث وحاول تدارك خيبة باتريشيا في زفافها وغياب ذلك الرجل ولكن. ما أعرفه جيداً يا شارلوت أن الزوج الذي لم يحضر كان صديقا مقربا لماكس وشخص مميز جدا ومحبوب لباتريشيا. غاب واختفى فجأة مما ترك أثرا قويا في نفسها. ولكن هذا ليس موضوعنا. ما أريد قوله هو أن أصف لك ما كانت عليه باتريشيا طوال الوقت، بل وحتى قبل الزواج!
أومأت برأسي بقلب مقبوض أترقب ما تقوله واتوقع سماع أي شيء فاسترسلت: سأكون واضحة جداً ومختصرة. باتريشيا لم تكن يوماً امرأة واعية! لم تكن يوما مدركة وعاقلة! كانت تعاني من مشكلة ما منذ صغرها ومرض نفسي تفاقم وبشدة بعد حادثة الزفاف التي كانت واقعة كارثية بالنسبة لها. بدأت تتغير وتصبح شخص آخر تماما. كنا نستيقظ دائماً في أوقات متأخرة من الليل على أمور كثيرة كمحاولتها للإنتحار، تكسيرها للأثاث، صراخها وانفعالها، لمحاولتها إيذاء نفسها بينما كانت حاملاً بكريس وأيضا لإيذائها المتكرر له عندما أنجبته. قد يفاجئك هذا ولكن كريس كان ضحيتها طيلة هذه السنوات حتى قبل وفاتها قبل بضعة سنوات فقط.
م. ما الذي.
جميعنا ندرك أنها لم تكن طبيعية منذ صغرها، وجميعنا نعلم جيداً أن ماكس تعلق بها منذ طفولته بناءً على أن الأسرتين كانتا مقربتان وكان يحظى بفرص كثيرة لا تعد ولا تحصى لرؤيتها والتقرب منها. ولكن شغف باتريشيا بذلك الرجل الذي خذلها وخيبتها ظلت تطاردها وتفاقمت كثيرا مؤثرة على حالتها الصحية والنفسية. إنها وبكل وضوح مريضة من الناحية العاطفية، ترغب في تملك كل شيء وتصاب بنوبات غضب وانهيار غريبة في حالة وقوعها تحت ضغط لأي ظرف من الظروف.
سكتت قليلا فقلت أحثتها باندماج واهتمام: أكملي سيدة أولين!
شارلوت. لو واصلت وصف ما مر كريس به فلن أنتهي! تحمل الكثير منذ طفولته! رأى أمور لا يجب أن يراها وسمع الكثير من الأصوات التي ظلت تلاحقه في كوابيسه.
أضافت بحزن: عندما ولد كريس كانت أول خطوة خطتها باتريشيا للجنون هي محاولتها لخنقه بينما كان رضيعا لم يتجاوز عمره الثلاثة أيام فقط!
شهقت بدهشة وريبة أرفع يدي نحو ثغري وقد شعرت بارتجاف شفتاي فأكملت بنبرة ضعيفة: هذا ما فعلته بالفعل، لقد كانت ماتزال في المشفى بعد ولادته ولحسن الحظ أن الممرضة قد رأتها تحاول خنقه وهي تضع الوسادة على وجهه مرددة أنه ليس ابنها هي!، لقد أُهلك الجميع وأُجبرنا على مراقبتها ومراقبة كريس في كل حين خوفا وقلقاً، مرت السنوات واصبح كريس لا يزيد عن العاشرة، لقد كان طفلا يسهر بشكل يومي على صراخها ونوباتها الهستيرية ليلا، كان طفلا يتحمل صراخها عليه وبكاءها المفاجئ أمامه، ولسوء الحظ أن باتريشيا دائما ما كانت تنعت ماكس بالظالم المجرم والمتآمر الخائن أمام كريس! نشأ وهو يكن الحقد المختلط بالخوف تجاه ماكس، بل كان دائما يتجاهله ولم نسمعه يناديه بأبي بعد سن العاشرة، ولكن عليك ان تدركي أنه وقبل ان يتجاهله بهذه الطريقة كان يخشاه ويعتقد أنه سيكون ضحية أخرى لوالده كما هو حال والدته، كان هذا مؤلما كثيرا لماكس الذي احتمل الأعباء وحده واحتمل تصرفات باتريشيا وصبر عليها، ما حدث لاحقا أن كريس بدأ يكتسب شيئا من تصرفات والدته، حب التملك مثلا وتقلب المزاج، كان كأي طفل سيكتسب تصرفات من أمامه التي سيكون لها دور في تشكيله، وبسبب هذا ساءت علاقاته في المدرسة، وعلمنا فيما بعد بأن الطلاب هناك يتجنبون الجلوس معه او حتى مخاطبته وينعتونه بطفل باتريشيا المختلة! لم يقتصر الأمر على هذا بل صار يتصرف بجفاء وبرود شديد مع جميع من في المدرسة وأحيانا يلقي بكلمات جارحة تؤدي إلى دخوله في شجار ينتهي بتوسط ماكس للمشكلة ليخرجه منها ببساطة، لكي أن تتخيلي حياة الوحدة والضيق التي كان يعيشها بسبب باتريشيا، ومع ذلك لقد كانت تسرد له أحيانا بعض القصص وللأسف كانت أغلبها تظهر ماكس كمخلوق متوحش ويقوم بتعذيبها دائما، لم يحتمل ماكس ما يحدث ولاسيما عندما ساءت حالتها فلم يجد إلا أن يقوم بأخذها إلى طبيب نفسي مختص، أرادها ان تتعالج وتعود لرشدها ولكن الأمر لم يكن كما أراد الجميع، لأن كريس أضرب عن الطعام نهائيا حتى انهك جسده، كان يتعمد فعل هذا ليعيد والده باتريشيا بجواره، وعندما حدث هذا وعادت.
دمعت عينيها فدمعت عيناي دون شعور ولكنني تمالكت نفسي بسرعة!
أنا حقا لا أدري ما على قوله! فأنا أجلس تحت تأثير الدهشة الآن!
زمت شفتيها بقوة لتكمل: عادت بعد شهر فقط من ذهابها للمشفى، في ذلك الوقت كان كريس لا يزال في الثانية والعشرون، عادت وليتها لم تعد! في الليلة ذاتها ذهبنا إلى مكتب العمل في الجناح الأيسر إلى لنجدها غارقة بدمائها وكريس يجلس أمامها ولا يمكنني أن أنسى نظرات التشتت والريبة والألم في عينيه حينها!
ا. انتحرت أمامه كما قالت كلوديا لماكس في المشفى! م. ما هذا؟ قلبي يؤلمني كثيراً! رفعت يدي على صدري محاولة تخفيف هذا الألم. رفعت رأسي نحوي لأجدها تخفض عينيها للأرض بأسى شديد فوقفت متجهة إليها و ما كان مني إلا أن اجلس بجانبها مربتة على كتفها بحزن وهمست بصوت مبحوح: لا بأس سيدة أولين!
قالت بنبرة تكاد تكون باكية: تغير كثيرا بعد تلك الحادثة. لم أعد أفهمه ولم أعد أستطيع فهم ما يريده حقاً! منذ ذلك اليوم وهو لا يكف عن جدال ومشاجرة ماكس! حتى تعب ماكس في الشجار الأخير ونقل للمشفى، وبعدها ظل كريس في منزله المقابل للشاطئ ما يزيد عن الأسبوعان ثم عاد من أجل جيمي، وهو يرفض باستمرار زيارته في المشفى، أشعر بالأسى تجاه السيد ماكس. لا يمكنني احتمال هذا! كريس كابني تماما يا شارلوت ولا يمكنني أن أراه يتصرف بهذه الطريقة!
وجدت نفسي أبكي بخفوت ومسحت دموعي هامسة: هذا مؤسف، ومؤلم جدا!
نظرت إلى متمتمة ببكاء: ستعلمين جيدا لماذا أخبرتك بكل هذا في بعد، ولكنني كل ما سأطلبه منك يا شارلوت أن تهتمي به وتصبري عليه فقط! أعلم بأنك مجبرة وأعلم بأنه يخطط لأمور كثيرة ولكن أرجوك. ربما يكون لك يد في تغيير طريقة تفكيره أو في إدراكه للأمور الأهم التي ينبغي أن ينظر إليها! حاولت مرارا وتكرارا أن أجعله يلتفت لجيمي ولكنني. لم أعد أعلم ما على فعله! صدقيني يا ابنتي هو ليس بهذا السوء! إنه فقط يتألم ويكبت مشاعره لنفسه!
قاطعتها بلطف: اطمئني سيدة أولين! لا عليك، أعلم ما على فعله، ولكن كفي عن البكاء.
نظرت إلى بعينان تلمعان بالأمل مما جعلني أشعر أن حجم المسؤولية على عاتقي قد باتت أثقل! إنها تعتمد على ولكنني لا أعلم إن كنت قادرة على تحقيق ما تريده حتى! أنا. مقابل كريس مجرد فتاة تزوجها لأسباب خاصة فكيف لي أن ألفت نظره لجيمي أو أقدم دعما للسيدة أولين؟! ماذا لو خيبت أملها!
ولكن ما سمعته الآن أمر من الصعب استيعابه! الأمر لم يقتصر على انتحارها أمام ابنها لتخلق امام عينيه مشهدا لن يتمكن عقله من إخراجه أبداً! بل حولت طفولته إلى جحيم! أولين لم تخبرني بتفاصيل طفولته ومع ذلك يمكنني تخيل الأسوأ!
رفعت يديدها ومسحت آثار الدموع فمررت يدي على ظهرها بحنان مبتسمة بتشجيع: كل شيء سيكون بخير.
أومأت برأسها ثم همست وعلى محياها ابتسامة هادئة: كان ينادني بأمي دائما. ولكنه توقف عن هذا قبل سنوات معدودة وبات ينادني بالسيدة أولين. منذ تلك اللحظة والخوف ينتابني. ماذا لو ابتعد عني ولم يعد ينظر إلى كوالدته! لن أنكر شعوري بالغيرة عندما كنت أسمعه ينادي باتريشيا بأمي، تقمصت دوري لدرجة انني نسيت حقيقة أنه ليس ابني. أتعتقدين بأنه أدرك هذا أيضا!
نفيت بسرعة وانا امسك بيدها بين كلتا يداي: لا تفكري بهذه الطريقة! أنا واثقة بأنك تعنين له كل شيء، ولكن أنظري إليه. حتى طفله جيمي بعيد عنه كثيراً! إنه أولى بالإهتمام ولكنني عاجزة عن فهم طريقة تفكيره ورأسه المتحجر ذلك! ينتابني شعور أحيانا ولكنني لا أعلم كيف على صياغة ذلك.
حملقت بي بترقب فابعدت يدي عنها وهمست بتردد: سيدة أولين. أشعر بأن كريس يخاف التقرب من جيمي.
اتسعت عينيها مرددة: يخاف التقرب من ابنه!
أنا حقا لا أدري كيف وصلت إلى استنتاج كهذا. هذا ما شعرت به. ولكن لأكون صريحة معك فأمر جيمي يهمني كثيراً، أريده أن يشعر بأن عينا كريس مصوبة نحوه ومازلت عاجزة عن البدء بخطوة أولى!
ما الذي تعتقدينه؟
أعتقد بأنه على أن أتقرب إليه أكثر، ومع ذلك فلا علم لدي بكيفية هذا فهو يضع حواجز غريبة وشخصيته متقلبة ولا أدري متى على التقرب إليه حتى. دعيني أعلمك بأنه سألني عن حالة والده.
اتسعت عينيها وأسرعت تعتدل في جلستها بلهفة وتمتمت بعدم تصديق: ما الذي قاله تحديداً؟
لويت شفتي قليلا ثم تنهدت بعمق وقلت بصوت خشن محاولة جعله رجوليا عميقاً: كيف كان.؟
طرفت بعينها بعدم فهم فضحكتُ بسخرية: هذا ما قاله سيدة أولين. كل ما قاله كيف كان؟ أشار إلى السيد ماكس دون ان يكلف نفسه عناء ذلك واكتفى بتلك الجملة فقط. ذلك البخيل.
هل أنت جادة! هذا كافِ جداً بالنسبة لي! يكفي أنه سأل عنه ورغب في معرفة حاله.
قالتها بسعادة ثم استرسلت بحيرة: سألكِ سؤال كهذا. كان بإمكانه سؤال عمته أو حتى أي شخص آخر.
ربما لا يريد ان يتنازل أمام أحد أفراد العائلة. صدقاً سيدة أولين آسفة لقول هذا ولكن عقلية كريس تتكون من حذاء قديم بالي بالإضافة إلى خلايا عصبية من دماغ طفل لم يبلغ الثلاثة أعوام.
ضحكتْ بخفوت رغما عنها ممررة يدها على رأسي لتداعب شعري فابتسمت بصمت.
ظلت تنظر إلى حتى مدت أناملها نحو وجنتي التي كانت قد ابتلت ببضعة دموع ذرفتها ولم أنتبه لها قبل قليل، ارتخت ملامحي وشعرت بالدفء كثيرا لفعلتها هذه!
في حين ظهرت الراحة الشديدة والتي باتت واضحة في صوتها وهي تقول: سأعتمد عليك إذاً. كوني متحفظة فقط للأمور التي أخبرك بها ولا تدعيه يعلم بأنني أبوح لك بأشياء متعلقة به.
رفعت يدي بثقة: هذا لن يحدث.
وقفتْ بهدوء وتلك الإبتسامة لا تغادر محياها ثم قالت: على أن أذهب لأكمل عملي، بعض الخدم جدد وعلى الاشراف على عملهم.
أملت رأسي بلطف: شكرا سيدة أولين، كل ما أخبرتني به يشير إلى أنك تثقين بي، لا يسعني وصف سعادتي بذلك! ولكن. أريد فقط أن أسألك سؤالا بسيطا.
تفضلي؟!
هل ما قلته قبل قليل مجرد أمور سطحية؟ أقصد. هل هناك أمور أكثر وأعمق لم تذكريها بشأن طفولته؟
هذا مجرد تلخيص صغير يا ابنتي، ما مر به كريس من أحداث لا يمكنني سرده في دقائق معدودة، وبصراحة لا أشعر بالراحة وانا أسرد تلك الأحداث فهي تؤلمني وتشعرني بانقباض شديد في قلبي.
فهمت.
نظرت إلى بنظرات لطيفة جدا وهمست: أخبرتك مسبقا بانك طيبة ومناسبة وهذا ما دفعني لأخبرك ببعض التفاصيل، سيكون لنا حواراً آخر.
أضافت متجهة للباب: أعذريني عزيزتي لا أستطيع التأخر أكثر.
حسنا.
خرجت فوقفت متنهدة، بوحها لي بأمر باتريشيا جعلني أفكر بكل منطقية بأن تصرفات كريس قد يكون وراءها عذر مناسب قد يشفع له تصرفاته. ولكن، هل هذا كل شيء حقا؟ أنا أعلم بأنها لن تخبرني بالتفاصيل ولكنني مازلت أشعر بأن وراء تصرفاته أسباب أخرى، هل كل ما يفعله له علاقة بوالدته وحسب؟
لم أعرفه منذ فترة طويلة ولكنني لا أطيق أسلوبه واستفزازه أبداً، لذلك لم يحصل على أصدقاء ولذلك هو كتوم أيضاً، أعترف بأنه من المؤسف ان تنتحر والدته أمامه، بل وخيانة كلارا له بقضية إختلاس أموال الشركة وتخليها عن جيمي وهو لا يزال رضيعاً، ليس هذا وحسب بل يعتقد ان السيد ماكس مسؤول عن انتحارها ومسؤول عن تعذيبها، إنه يظن أن صراخها اليومي كان بسببه! لماذا لم يبرر السيد ماكس كل شيء؟ هل كريس عنيد إلى درجة أن يرفض الاستماع إليه ولو قليلا؟
لماذا هو متعلق بباتريشيا إلى هذه الدرجة؟ بل ما الذي كانت تحكيه له ليقتنع بأنها مظلومة في كل شيء؟
لا أنكر بأنها تجارب مؤلمة. ما الذي تخبأه أكثر يا كريس؟
والدته حاولت خنقه منذ البداية! لماذا؟
صحيح بأنها عانت كذلك بسبب تخلي ذلك الرجل عنها في يوم زفافها ولكنها كانت مريضة قبل ذلك حتى.
هل يحبها السيد ماكس إلى درجة أنه قام باستبدال مكانه بذلك الرجل؟ هل يحبها ليصبر عليها كل هذه الفترة؟
زفرت بضيق واستياء، وخرجت من الغرفة مفكرة بما على فعله؟ كيف على أن أتصرف مع كريس بعد الآن؟ هل أواصل طريقتي أم على تغييرها مثلا؟ ولكنه يجيد استفزازي ومن الصعب أن أسيطر على نفسي وعلى أعصابي.
أنا أمام عقبات كثيرة، أولها هي مشاعري نحوه والتي لا أرى لها مبرراً، والعقبة الثانية هي صعوبة التعامل معه! والعقبة الأهم هي نذالته التي تجري في دماؤه بمواصلته تهديدي بعمل أبي بعد فعلته بتحطيم حلمي وطموح سام.
ما حدث بعدها هو خروج السيدة كلوديا للقاء إحدى صديقاتها، ستيف كذلك قد اصطحبه أحد أصدقائه وخرجا معاً، جيمي لم يعد بعد.
ولم أجد سوى الجلوس وحدي في غرفة الجلوس في الطابق السفلي، إنها الغرفة ذات الحائط الزجاجي المطلة على الحديقة.
أمضيت وقتي في المراسلة على الهاتف مع سام وجوردن وإحدى زميلات الجامعة.
وبعد ذلك اندمجت في الحديث مع جوردن حتى اتصل بي لنتحدث بدلا من الكتابة المتعبة.
ضحكتُ بخفوت: أيها اللئيم لقد طلبت منكما انتظاري للذهاب معكما، سام الخائن قابلته في الأمس ولم يخبرني شيئا بشأن ذهابكما لقضاء الوقت في المركز التجاري الجديد. لن أسامحكما.
مر شهر فقط على الإفتتاح ويوجد عروض كثيرة كما تعلمين. يمكنكِ إخباري بما تريدين شراؤه!
اتسعت عيناي: حقاً؟ لا بأس لديك؟
شعرت به يبتسم: منذ متى عليك معاملتي برسمية هكذا! سأذهب في الغد أو بعد يومان لا تقلقي إنني متفرغ هذا الأسبوع.
هكذا إذا! حسنا إذا سأعطيك قائمة ما أريد شراؤه وسأطلب من سام أن يعطيك النقود حتى أعود أنا وأعطيه المال. الأهم ألا أفوت فرصتي!
لا تفكري بأمر النقود، بالمناسبة والديك لم يعودا بعد!
لا زالا يقضيان إجازة قد تمتمد إلى اللانهاية، لا تسألني يا جوردن فهما حتى لا يجيبان على اتصالاتنا، وإنما تكتفي أمي باسكاتنا بإرسال رمز لوجه منزعج في المجموعة التي نتحدث بها.
علق بسخرية: تذكري ما قاله والدك عندما وضع الأمتعة في السيارة قبل أن ينطلقا في طريقهما.
أسرعت أقول مقلدة لصوت أبي: سنصنع شهر عسل جديد ونبتعد عن كل المسؤوليات، لا تبحثوا عنا ولا تهدروا وقتكم بمحاولة الإطمئنان علينا. ابذلي جهدكِ يا شارلوت، اعمل بجد يا إيثان، سننساك يا سام.
انفجر ضاحكا: تجيدين تقليد نبرته العميقة. مسكين سام لازال يبحث عن مصدر حقيقي للحنان!
أيدته اكتم ضحكتي: لا بأس هذا ما يميزه.
بعدها حل الصمت بيننا لم أجد ما أقوله فاستلقيت على الأريكة محدقة إلى الحديقة اترقبه ليتحدث حتى قال أخيرا: ش. شارلوت.
ما الأمر؟
أتذكرين ما قلتِه بشأن انشغالك في الدراسة؟
آه نعم! ولكنني انهيتها الآن كما تعلم إنني فقط بانتظار اختبار تطبيقي ونظري سيُجرى بعد فترة وبناءً عليه سيُحدد مصيري. على أن أدرس بجد لهذا الإمتحان.
صحيح، ولكنك ستكونين متفرغة بعد التخرج. أقصد، لن يكون هناك أعباءً كالدراسة و.
ظل يتحدث بتلعثم فغرقت في أفكاري.
أعلم ما يلمح إليه وما يريد الوصول له. أخبرني مسبقاً بطريقة غير مباشرة إن كان هناك من يواعدني ولكنني أجبته بلا، كان هذا قبل فترة، بعدها شعرت به يحاول التقرب إلي. ليس وكأنني أتجاهل أن جوردن يكن لي مشاعر خاصة ولكنني لطالما أخبرته بأنه في مكانة سام وإيثان بالنسبة لي! لا أدري حقا ما ينبغي على فعله مع مشاعر جوردن! لا أريد أن أخسر صديقا مثله.
ليس صديق وحسب، إنه أخ وجار كذلك!
وجدت نفسي أقاطعه متظاهرة بالدهشة: جوردن تذكرت أمراً قد نسيته! على أن أغلق الآن.
بصراحة أغلقت الهاتف بسرعة والقيت به لأزفر بضيق. لا أريد إزعاجه أو مضايقته ولكنني لا اريده أن ينظر إلى بنظرة خاصة كتلك أيضاً! يكفي أنني واقعة في حب ذلك الشرير الذي أنهكني التفكير بشأن ما مر به والطريقة المناسبة للتعامل معه.
زميت شفتاي بإنزعاج وفكرت في ضرورة إخباره بطريقة مباشرة بأنه ليس أكثر من أخ عزيز ومقرب لي وحسب!
مع أنني قررت هذا. ولكنني سبق وأن قررته أكثر من عشرة مرات قبل هذه اللحظة ولم أفلح.
خرجت من غرفة الجلوس بملل وعندما وصلت إلى منتصف الردهة صادف خروج إحدى الخادمات التي ما ان رأتني حتى اتجهت نحوي بسرعة: آنسة شارلوت.
نظرت إليها بحيرة وابتسمت: ماذا هناك؟
ابتسمت لي بلباقة: كما ترين لا أحد في المنزل سواك، أتى أحد زملاء السيد كريس في العمل وقال بأنه بحاجة لترك بعض الملفات المهمة هنا لذا تساءلتُ إن كان بإمكانك لقائه!
أ. أنا؟!
إنه مصر إلى تسليم أوراق العمل لأحد افراد الأسرة، أخبرته بأنني استطيع أخذ الملفات للمكتب في الأعلى ولكنه يرفض.
ولكنني.
تلعثمت فارتفع حاجبيها باستغراب، ردة فعلها كفيلة بجعلي أتمالك نفسي مفكرة بعقلانية بأنني الآن في عينيها زوجة كريس التي من الطبيعي ان يكون لها نصيب في تحمل مسؤولية أعماله ولو قليلاً!
ولكنني لا أعرف كيف من المفترض مقابلة ذلك الرجل حتى.
تظاهرت بالهدوء: حسنا إذاً. هل هو هنا؟
أشرت إلى غرفة الضيافة فأومأت: نعم، سأحضر كوبان من القهوة.
غادرت فوقفت بتردد أنظر لباب الغرفة، أشعر بأنه لا يجب أن أقحم نفسي في أمور كهذه!
التعليقات