التخطي إلى المحتوى

يظهر شابٌّ نائمٌ على السرير، وهو يشعر بالضيق، وعيونه محمرّة. يدخل صديقه وهو يضحك: “النقيب أدهم يغيب عن شغله! ده مش معقول! ده معجزة! يا ترى مين السبب؟ ومش داخل دماغي إنك وأنتَ بتجيب حاجة من المطبخ وقعت عليك علبة الشطة في عنيك.”

وعد النمر الفصل الرابع

ينظر إليه أدهم بغيظ وهو يتذكر ما حدث معه: “لمّ أفتح زجاجة السيارة، وهو يبتسم؛ لأنّه كان متابع الحديث من البداية، وحبّ يضحك على البنت شوية ويهرج، مش أكتر. لكن جات في…”. يتحدث: “عندكِ حق، هنخسر إيه؟ ما تيجي معايا الليلة دي وتاخدي اللي أنتِ عايزاه، وكده نتساوى.”

انصدمت أماني وتنحت، وهي مبحلّة من مفاجأة وجود صاحب السيارة وردّه المستفز. وفجأة تبتسم بهدوء: “أكيد، بس مش هخرج من العربية الكئيبة دي، ونتكلم ونتفق.”

فكّر أدهم في نفسه: “هي فعلاً ممكن تكون من البنات اللي مشيها بطال، بس كده تبقى بجاحة الواحد. زهقت من المجتمع اللي بدأ ينحط. وكمان لبسها حجاب، ولبسها محترم. أوعى يكون تمويه في توقيع الناس. الأغنية ماشية، نشوف مين الشاطر. أنتِ متعرفيش وقعتِ مع مين؟” يفتح الباب ويخرج أماني. تنسحر ببسمته، طويل، ذو شعر كثيف وناعم، وعيونه عسليّة تسحر القلوب، وبنيانه قويّ، طول وعرض، قمحي البشرة، ويرتدي بدلة سوداء. تفوق أماني على صوته. أدهم يرد: “عايزة نتفق على إيه؟”

أماني تطلع رشّة شطة من شنطتها وترشّه على وجهه وعيونه: “نتفق إنك وقّح ومنحط، وبتفكر بنات الناس لعبة، وبتدخل في اللي ملكش فيه، وبتضحك وتنادى على صحبتك ياللي بسرعة.” وفعلًا، في لحظة، كانت اختفت هي وشهد وهما بيضحكوا. وأدهم يصرخ من عيونه ويتجه إلى شنطة السيارة وهو يلُوش ويطلع زجاجة ماء احتياطيّة ويغسل وجهه. “والله العظيم هوريك مين المنحطّ!”

رجع للواقع وهو بيسأل: “عايز إيه يا خالد؟ أخلص، مجيتك وراك حاجة.”

ابتسم خالد: “بتهرب من الإجابة، مش مشكلة، أهم حاجة إنك واخد أجازة، والحمد لله إنك اتحسنت. تعال معايا المول.”

ردّ عليه بتهكم أدهم: “ليه؟ إن شاء الله، كنت الشايل بتاعك.” ابتسم خالد: “لا معاذ الله، أنت الباشا الكبير. أنا عايز أشتري هدية لعيد ميلاد شهد.”

اندهش أدهم وسأله: “مين شهد دي كمان اللي بتضيع وقتك علشانها؟” ضحك خالد: “عقلك ميروحش بعيد، بتكون قريبة من بعيد.” ضحك أدهم: “هو أنتَ ليك قريبة غيري؟ وأنا مش عارف أبلع ريقي.”

خالد: “طبعًا، أنتَ ابن خالتي. بس أنا ليا أقارب من طرف أبي، وعمي محمود عزمني، وأنا مليش في نظام الهدايا والحاجات دي، مجاملة مش أكتر لبنته عشان أترقى.”

أدهم ينظر إليه بعدم تصديق لكلامه: “عيني في عينك، كده الموضوع مش مجاملة ومصلحة، مش أكتر.”

يحكّ خالد في أذنه وما بين نفسه: “دائمًا يحفظني الواد ده. أنا منكرش إن شهد مميزة، مختلفة عن كل البنات اللي أعرفهم، نوعية غريبة كده، رغم إنّي ولدها مقدم كبير، وكمان ضحكتها تسحر، متواضعة، بتحب كل الناس.”

أدهم يخرجه من هيامه ووصفه للفتاة: “كل مرة الأسطوانة دي، وفي الآخر…”

كل مرة الأسطوانة دي، وفي الآخر بتاخد على دماغك، وتكون البنت مانتيمة مع واحد، أو مخطوبة، وضحك، ولا فاكر اللي طلعت متجوزة…

خالد يبتسم بحرج: لا، ما تقلقش، المرة دي غير كل مرة، أنا قابلتها، وبحس إنها مختلفة.

اتعصبت عتاب وقالت: طب غوري من وشي، وخالي السواق يجهز نفسه.

تكلمت السكرتيرة بخوف: طب مقابلتك مع مدير شركة بيمكو؟

فكرت عتاب وقالت: أجلي الميعاد ده، خليه يوم الخميس.

كتبت السكرتيرة الميعاد: حاضر، أومريني بحاجة تانية يا فندم.

ردت عتاب: لا، خلاص.

كانت السكرتيرة مشي، وقبل ما تفتح الباب نادت عليها: مش مصطفي بيكون خطيبك؟

ابتسمت السكرتيرة: آه يا فندم.

فكرت عتاب وبعد وعي وعقلها وقف، ونفسها تعرف أبوها راح فين وبيخطط على أي، وليه مش جاي، وراءهم وجاءت فكرة مجنونة، وقالت: طب كويس، اتصلي بيه دلوقتي واعرفي هما فين.

استغربت السكرتيرة بصدمة: إزاي يا فندم؟

اتكلمت عتاب بعصبية بدون تفكير: يعني إزاي بقولك اتصلي بيهم بصفتك خطيبته، مش سكرتيرة، مفهوم؟ مع شوية دلع، وقولي لهم، واعرفي هما فين.

اتنهدت السكرتيرة وردت: حاضر، أكلمه وأبلغ حضرتك.

رفضت عتاب وبكل برود: توتو، لأ، هنا أقدمي عيوني ودلوقتي مفهوم.

في الفيلا، بعد انتهاء صلاتهم، طلب عزمي من عليا تيجي، وقال: أنا عايزك تحضري الاجتماع معايا يا عليا.

استغربت عليا: مش أنت أجلت الاجتماع؟

ابتسم عزمي بحب لزوجته: لأ، ده اجتماع ما بينا أنا ووعد والمحامي ورئيس الشؤون القانونية.

سألته عليا باستعجاب أكثر: هو أنت فعلاً هتكتب لوعد حاجة؟

ابتسم عزمي ويضع يده على كتفها: آه، أنتِ نسيتي يا شريكتي عمري، إن أول لما بدأت في فتح الشركة وبعت كل ورثي في البلد، وكان ناقص مبلغ مين إلا ساعدني.

تتذكر عليا: آه كان أخوك عادل، بس أنا افتكرت إنك رديتهم ليه بعد كده، وكان مبلغ صغيرة أوي، كان وقتها 250 ألف تقريبًا.

رد عزمي بحزن: المبلغ الصغيرة دي وقتها كان حاجة كبيرة جدًا. كان ثمن بيعت محصول ليه، ورغم كده متأخرش يساعدني، وقال وقتها يعتبر إن الأرض السنة دي مش جابت اللي مصريفه، بس وفضل يظبط في أموره علشاني.

سألت عليا بتعجب: وأنت مش رديتهم ليه من وقتها؟

اتنهد عزمي: حاولت كتير، ضحك، وقال لي أنا أخوك الكبير وواجبي أقف معاك، والدنيا مستورة معايا، والمزراعة مع الأرض مكفينا، ورفض. ومن وقتها فكرت أخليه شريك معايا، وقلت ليه رد عليا لو أصيرت، يبقى تكون باسم بنتي.

اترحمت عليا: الله يرحمه ويحسن إليه. وأنت هتعمل إيه؟

رد عزمي بحيرة: مش عارف، وأنا كمان محتاج فعلاً تشترك وعد معايا، علشان كل الفلوس اللي عادل حطها في البنك هتساعدني أسد دين كبير، ويحل كل مشاكلي، ومعرفش لو قلت ليها ممكن توافق، ممكن تسيب حياتها القديمة، وبنتك عتاب مش هتعدي الموضوع. ممكن تفتكريني بألف حكاية علشان وعد تفضل في وسطنا.

تفهمت عليا وتبرر موقف عتاب: أنت عارف إن عتاب مبتحبش حد يكون معها.

اتنهد عزمي يرد: أنا كل تفكيري دلوقتي أقنعها تشركني بورثها، ومش عارف ممكن توافق أو لأ، والمحامي جاي، ونشوف الوصية بتقول إيه.

ابتسمت عليا بهدوء وتطمئن زوجها: أكيد هتشترك، بس هو سايب كتير، هتقدر تسد ديونك يعني.

اتكلم عزمي بقلق: إزاي الأمور وصلت إنه ياخد فلوس بنت يتيم؟ ورده: أنا عرفت إن أخي باع كل الفدادين، وحاول فلوسهم في البنك. تعالي معايا، وأنتي هتعرفي.

دخلوا المكتب وبدأ المحامي يتكلم عن ورث وعد وعزمي، وقال المحامي: الشرع بيقول إن حضرتك، يا أستاذ عزمي، وبنت أخوك، الوراثة الأقرب، والبنت الوحيدة بيكون لها النصف.

كما ورد في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف) النساء / 11.

الزوجة (أم البنت): الثمن؛ لقوله تعالى: (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) النساء / 12.

الأخ والأختان (عم البنت وعمتاها): يرثون الباقي تعصيبًا؛ للذكر مثل حظ الأنثيين. وما إن مفيش عمة تورث، يبقى الآنسة وعد هتورث النصف، وكمان هتورث ثمن أمها والعم الباقي.

كانت وعد تستمع جيد لكلام المحامي، وهي بحيرة، وترد: تمام وحق عمي موجود إن كان في المزراعة أو في الأرض. اعتقدت بابا كان عنده 10 فدادين صح؟

رد المحامي: صح، لكن مع الاطلاع على الورث عرفني إن أبوك باع كل أملاكه قبل ما يموت بشهر تقريبًا، ووضعها في ودائع ما بينك وبين عمك.

اتكلم عزمي إنه يعرف بالموضوع: وكمان أبوك طلب مني قبل ما يموت أخلي بالي عليك، وتكون دايمًا أقدم عيوني.

اعترضت وعد: بس يا عمي، أنا حياتي كلها في البلد، وكنت بخطط أرجع تاني هناك جانب أهلي.

اتكلم عزمي بحزن: وتكسر وعدي لابوكي، ويقطع حديثهم.

دخلت عتاب وعمر وهي بتتكلم ببرود: وعد، إيه يا بابا اللي أنت وعدت بيه؟ ومن إمتى في اجتماعات سرية؟ حس عزمي بضيق من بنته ويتجاهلها، ويعطي الحديث للمحامي: كمل يا أستاذ.

رد المحامي: الشرع بيقول إن وعد تمتلك ملايين، ونصيبها أكبر من عمها بكتير، لكن الأب كتب كل الفلوس باسم بنته، وكتب شرط لا يسمح صرف أو أخذ إلا مول اللي بيه.

قطعت عليا حديثه: شرط إيه ده؟

تتابع

الخامس من هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *