التخطي إلى المحتوى

ضمت فيروز هادية المنهارة بالبكاء، أخذت نفسا عميقا وأصابعها تسير بين خصلات شقيقتها وهي شاردة بعالم آخر، لعنة أولاد أبو الدهب أصابت عائلتها ولو وضعت اللوم على أحد ستكون هي المذنبة الأولى..

ذهب عقلها ببحر من الذكريات متذكرة ليلة طلاقها..

فلاش باااااك…

سقط جسدها المزين بفستان قصير من الستان الأسود على أرضية الغرفة بين الورود، فكان اليوم عيد زواجها الأول فعلت كل شي ليكن الأمر رائعا خالدا بالذاكرة وبالفعل سيظل خالدا، ألقى عليها جملة ظلت دقيقة كاملة تحاول فهمها :

شعور غريب لم تتخيل بأبشع كوابيسها أن تشعر به، جسدها ينتفض من البرودة رغم حرارة أغسطس من حولها، قلبها يضعف وقدرتها على التنفس تقل مع نغزة سامة بمنتصف صدرها، أطرافها بدأت تفقد شعورها بهم، أمر مرعب غير مفهوم، خرج صوتها مثل الغريق الذي يلفظ جملته الأخيرة :

كانت إجابته الأصعب، لو لم يحبها يوما وكان يلعب بها هل قلبه أيضا خالي من القليل من الرحمة؟!.. نبرته أهانتها :

_ تقبلي تبقي نمرة اتنين؟!..

حركت رأسها برفض لتلك الفكرة وهي غير واعية لما يحدث حولها ليقول بهدوء :

_ ولا أنا أقلبها عليكي يا فيروز أنتِ بالنسبة ليا أغلى من كدة بكتير، عايزك تنسى السنتين اللي فاتوا من حياتك وتبدأي من جديد، كل حقك هيوصل لك..

تركها وذهب أو ربما يكون فر من المواجهة، ظلت ثلاث ليالي بعد تلك الليلة تجلس كما هي دون طعام أو شراب تدلف للمرحاض وتعود بعدها بمحل جلوسها، على أمل عودته على أمل أن يضمها ويعتذر، فاقت عندما أتت إليها والدتها تأخذها مردفة :

_ أنتِ قاعدة هنا بتعملي إيه إبن أبو الدهب فرحه الليلة..

انتهى الفلاش باااااك..

_ تفتكري عطر هترجع يا فيروز..

خرجت من دوامة ذكرياتها على صوت هادية، تنهدت بتعب مردفة :

_ متخافيش عليها عطر بمية راجل وهترجع..

شهقت هادية بقهر :

_ هما ليه بيعملوا فينا كدة عشان إحنا غلابة من غير راجل الراجل ده وعياله شياطين..

_ نطمن على عطر وهنسيب إسكندرية كلها ليهم ونمشي..

صمتت هادية وهي بداخلها رغبة ترفض الهروب بتلك الطريقة، ترفض الهزيمة والخسارة من تلك العائلة، أغلقت عينيها تحسم قرارها بداخل اللعبة مع الإبن الأصغر ومن هنا ستبدأ حرب من نوع خاص..

_____ شيماء سعيد _____

بمحل وجود عطر ونوح، فزعت من سقوطه أمامها، أمسك برأسه وهو ينظر لها بذهول، كيف للعبته الرقيقة ان تخرج من تحت جناحه وتتجرأ عليه؟!.. اشتد عليه الألم ليغلق عينيه مردفا بتقطع قبل أن يقفد الوعي :

_ نصيحة مني تهربي قبل ما أفوق لك..

انهارت ببحر من الخوف منه وعليه، اقتربت منه بخطوات مترددة لتجلس بجواره على الأرض مردفة ببكاء :

_ نوح فوق أبوس أيدك كل ده من فازة أمال لو رشيت عليك مياة نار هيحصل إيه، فتح عينك أنا خايفة..

ارتخاء جسده أسفلها جعلها تنتفض، جذبت خصلاتها ولم تجد أمامها حلول، نطرت إليه بقلة حيلة قائلة :

_ قوم يا حبيبي أنا من غيرك أموت يا نوح..

ببريق من الأمل سحبت هاتفه الساقط بجواره لتحمله وتقوم بالاتصال على والدتها مردفة :

_ ماما أنا عطر..

قدرت ثريا أخيراً أخذ أنفاسها، ردت عليها بنبرة ملهوفة :

_ أنتِ فين يا قلب أمك قوليلي هكون عندك..

ارتفعت شهقاتها وهي تكتم دماء رأسه بكفها مردفة :

_ نوح بيموت يا ماما أنا ضربته ومش عارفة أعمل إيه..

جاء إليها صوت والدتها القوي وهي تقول :.

_ سبيه واهربي..

حركت رأسها بذهول :

_ مستحيل أسيبه يموت..

أغلقت الخط وقامت بالاتصال على الإسعاف، رغم خوفها من السجن إلا أنه عندها أهم بكثير، ضمته لصدرها وقبلت رأسه عدة مرات هامسة :

_ متخافش يا حبيبي الإسعاف جاية، خليك معايا يا نوح أنا ريحة قلبك زي ما بتقولي على طول…

_____ شيماء سعيد ______

دلف فريد إلى محل والده لأول مرة منذ طلاقه لفيروز، وجد كمال يجلس بهدوء وبيده بعض الحسابات، ابتسم فريد على والده وقال بمرح :

_ ولا كأن في مصيبة بتحصل قاعد على المكتب برنس..

ترك كمال ما بيده وضحك مردفا :

_ أخيراً دخلت المكان هتفضل خايف من بنت ثريا لحد أمتا؟!..

جلس على المقعد المقابل للمكتب وقال :

_ عيب عليك يا كبير هو أنا وش خوف برضو، ها ناوي تعمل إيه في إبنك جلاب المصايب..

أجابه كمال وهو يرتشف فنجان القهوة بلذة :

_ الواد نفسه في البت وأمها دماغها جزمة، يبقى اللي مايجيش باللين ييجي بالشدة، نوح ملوش في الحرام البت هترجع سليمة يضمن وجودها معاه مش أكتر..

حرك فريد رأسه بمعنى لا فائدة، بعدها نظر بطرف عينه للشارع أمامه، وجدها تسير بخطوات سريعة وكأنها تركض خلف أحد، قام هو الآخر وذهب خلفها ليقول كمال بسخرية :

_ وقال عيب عليك يا كبير، الواد ده واخد قلب أمه مش زيي لأ..

بالخارج وقف فريد أمام فيروز يمنعها من تكملة طريقها، رفعت وجهها إليه ويا ليتها لم تفعل، سنوات حياتها وهي مخدوعة بحب أعمى قلبها عن الحقيقة، أرتفع صدرها وهي تحاول كتم أنفاسها، أما هو كان منبهرا من جمالها الذي يزيد كل يوم، مشتاق للمسة شفتيها، لتمرير يده على جسدها الناعم، ليكن صريحا كان يهرب من رؤيتها وها هو يقف أمامها متلهفا، حلت بعينه من جديد، يريدها ليطفئ تلك النيران التي أشتعلت بجسده، شهر واحد فقط بين أحضانها يرتاح قليلا ويأخذ أكبر قدر من الطاقة وبعدها يعود لحياته وزوجته..

سألها بنبرة حانية :

_ أخبارك إيه يا فيروز..

بداخلها غل لو خرج من قلبها لحرقته، ردت عليه ساخرة :

_ أحسن منك ومن عيلتك كلها..

معذورة لذلك تحدث بهدوء :

_ وحشتيني يا فيروز..

طوال حياتها معه وهي بين يديه مثل قطعة البسكويت يفعل بها ما يشاء، لأول مرة يراها بتلك القوة و الكره، عنيفة هي ولكن كل هذا غير مهم يكفي أنه مستمتع :

_ وحشك قطر لما يلهفك أوعى من طريقي..

مسك كفها سريعاً يمنعها من الذهاب لتنظر إليه بحدة محاولة الإبتعاد عنه، زاد من ضغطه على كفها مردفا بوقاحة :

_ أحلويتي بقيتي شبه الكريم كراميل، وأنا بصراحة بضعف قصاد الحلويات..

_ بطل أسلوبك ده، الجو ده خلاص شبعت منه أبعد من طريقي بدل ما ألم عليك الناس كلها..

بالفعل ابتعد وغمز لها قبل أن يعود لداخل محل والده :

_ فوق الجمال كمان شراسة يا بت الموضوع بنا هيبقى محتاج المطافي… الواحد بدأ يتحمس..

______ شيماء سعيد _____

أغلقت على نفسها الباب بإحكام وهي تفكر وتفكر حتى جذبت هاتفها من فوق الفراش وبدأت في البحث عن صفحة خاطر الخاصة على الفيسبوك، وجدتها ومن هنا شعرت بالقليل من القلق قبل أن ترسل إليه طلب صداقة..

أغلقت بعدها الهاتف وألقت جسدها على الفراش، أولاد أبو الدهب لابد لهم من لعنة حب تصيبهم كما أصابت فيروز وعطر..

______ شيماء سعيد _____

بمنزل خاطر وصلت سيارة الإسعاف لتحمل نوح، تمسكت عطر بيده أكثر وقالت من بين شهقاتها :

_ عايزة أروح معاه أنا مستحيل أسيبه لوحده..

أومأ إليها الطبيب وسألها بهدوء :

_ هو حصل فيه إيه؟!..

أبتلعت ريقها بخوف، لو قالت الحقيقة ستؤخذ للسجن، أزالت دموعها بطرف أكمامها مردفة بنبرة مترددة :

_ الفازةوقعت على دماغه من غير ما يأخد باله..

نظر الطبيب لهيئتها بشك ورد :

مرت ساعتان على وجودها معه بقلب المشفى، تجلس على المقعد المقابل للفراش الخاص به تبكي دون حديث، لم تتخيل أن تفعل بحبيبها هذا ولكنها كانت مجبرة، نوح غيرته أعمت قلبه وكان سيصل بها للنهاية، رفعت كفها المترجف وبدأت تمر به على ذقنه بحنان، سقطت دمعة منها على كف يده مردفة :

_ حقك عليا، أو حقي عليك، بصراحة مش عارفة مين فينا اللي مفروض يعتذر من التاني يا نوح بس صدقني أنا مكنش عندي حلول تانية…

تقريبا سمعها، بدأ مفعول المخدر يذهب منه بالتدريج حتى وصل لأرض الواقع مرة أخرى، فتح عينيه ورآها بجواره باكية ليرفع يده ممرا أحد أصابعه على خدها الأحمر المتوهج من انفعالها، همس بتعب :

_ اشششش مش عايز أشوف دموعك انتِ عارفة هي غالية عليا ازاي..

أومأت إليه عدة مرات بابتسامة متلهفة :

_ عارفة عارفة يا حبيبي، سامحني يا نوح بس أنت وقتها وضعك مكنش طبيعي خالص..

ابتسم إليها قائلا بتعب :

_ كنت زي المجنون عايز بس أثبت لنفسي إنك ليا ومش هتكوني لحد تاني، لو حد المفروض يطلب السماح هيبقى أنا يا حبيبتي مش أنتِ..

عضت على شفتيها بخجل مع قوله لكلمة حبيبتي، نوح قادر على أخذ روحها من بين ضلوعها من مجرد كلمة صغيرة تخرج من فمه، تحبه وتعترف أنه نقطة ضعفها الوحيدة، أزالت دموعها سريعاً وقالت :

_ أنا مش زعلانة منك بس خوفت أوي يا نوح، أرجوك مش عايزة أشوف منك الوش ده تاني خليك دايما نوح حبيبي..

ضحك بمرح مردفا :

_ ده وش الغيرة يا قلبي مش عايزة تشوفيه اياكي تثيري غيرتي عليكي..

أومأت إليه بطاعة وقبل ان ترد دق باب الغرفة ليأذن نوح للطارق بالدخول، دلف أحد الضباط مردفا :

_ المستشفى بتقول إن اللي حصل لحضرتك بفعل فاعل، عايزين نفتح محضر لو حابب تتهم حد..

_ الآنسة عطر هي اللي عملت كدة وأنا فعلاً عايز أفتح محضر لأني مش هسيب حقي..

_____ شيماء سعيد _____

أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *