رواية أنشودة الأقدار الجزء الثالث للكاتبة نورهان العشري الفصل السابع والعشرون
و إن صِرت نيران تحرقني أُحِبُك.
و إن بات عشقك مصدرًا ل أحزاني أُحِبُك.
و إن غدت عيناك بئِرًا من الآلام تسحقني أُحِبُك.
لو تاه الأمل، و كثُر الوجع و صار جمرًا، سأدفنه بطيات قلبي و لن أتوقف عن حُبك.
نورهان العشري.
داهمتها جملته لتستقر ك طلق ناري اخترق منتصف قلبها الذي ارتج داخلها حين استمعت الى جملته التي اختطفت الحياة من وجهها ليبدو شاحبًا، مبهوتًا، ساكناً لتمتد يديه تُحيط بخصرها يقربها منه بحنو لامس كلماته حين قال
يعني اول ما خلاص ابتديت ادخل جنتك عايزة تجيبيلي عزول ياخد مكاني فيها!
كان مُزاحًا ذو مذاق قاس على قلبها الذي استنكر كلماته ولكن من شدة الألم لم تقو على الاعتراض فبدا وجهها كساحة حرب لم يعرف أيًا من خصومها الإنتصار يومًا لذا قام بسحب أكبر قدر كافي من أكسجينها الدافيء داخل صدره قبل أن يقول بلهجة خشنة
مش هينفع يا جنة. مش هينفع دلوقتي خالص. جسمك مش هيتحمل.
زئير الوجع بداخلها انتفض لتُجيبه بحدة اجفلته
و انت مالك؟ معلش أنا اشتكتلك!
مش هستناكِ تشتكي.
قاطعته ب قسوة مُطعمة بالألم
و أنت تستناني ليه؟ في حين انك عادي تاخد قرار انك تقتلني و تقتل جزء مني بمنتهى الهدوء!
ابتلع وقع كلماتها بداخل قلبه قبل أن يقول بهدوء
انا ممكن اموت روحي لو طلبتي يا جنة. لكن مش هتحمل عليكِ الهوى، و قراري دا مش من دماغي، ولا بإيدي ولا بإيديك بردو.
ضاقت ذرعًا بكل تلك التناقضات المُشبعة بالأسى فنزعت نفسها من بين يديه وهي تصيح باعتراض
يعني ايه مش بايدي ولا بايدك؟ فهمني.
جذبتها يديه لتُعيدها إلى مكانها بين طيات صدره فيما أخذت أنامله تُمسد عضلات ظهرها المتشنج وهو يُجيبها بنبرة تحمل الكثير من الطُمأنينة
مينفعش يحصل حمل بعد ما تخلصي رحلة الكيماوي غير لما يمر على الأقل ست شهور، و دا كلام الدكتور نفسه انا اتواصلت معاه لحد ما نروح و يشوف الحالة بس بنسبة كبيرة لازم البيبي ينزل لإنه هيكون مشوه.
يموت الإنسان في حياته مرتين. مرة حين يأتيه الأجل، و آخرى حين يتعلق قلبه بحبال الأمل و إذا بها شواظ من نار تكوي ثم تقتل.
سقطت الكلمات فوق ساحة قلبها كالأسهم المشتعلة
التي سرت كالهشيم في أوردتها لتفر العبرات من مُقلتيها هاربة من ثقل الوجع الذي كان أضعافه بقلبه فشدد من عناقها وهو يقول بنبرة مُهتزة
قولي الحمدلله يا جنة. قولي الحمدلله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.
خرجت حروفها مُهتزة مُتألمه راضية.
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.
تنهيدة حارقة خرجت من جوفها وهي تستند على ساحة صدره الواسع الذي احتوى آلامها و عبراتها طوال الساعة المنصرمة إلى أن هدأت غيومها و هي بين يديه فوق مخدعهما مستكينة ولكنها برغم الألم راضيه
رفعت رأسها تناظره لتصطدم بجمرتيه المُشتعلتين و كأن غيومه هي الأخرى ذرفت كثير من الوجع ولكنها لم تشعُر به فهمست باسمه بنبرة مُتحشرجة
سليم.
شعرت بأنامله تُمسِد بطنها المسطحة بحنو لامس كلماته حين قال
أصعب حاجه على الراجل في الدنيا أنه يحس بالعجز قدام اللي بيحبها، وانا حسيت الاحساس دا معاكِ مرتين. مرة لما طلبتي مني اجيبلك حقك منه، و النهاردة وانا شايف وجعك و عاجز اني أخفف عنك.
بارود كلماته تفجر في قلبها الذي انتفض لتهب جالسه نصف جلسة وهي تستند فوق صدره قائلة بنبرة موقدة.
اوعى تقول كدا تاني. انت مش فاهم حاجه. انت لو مش موجود و بتتنفس انا كان زماني ميتة. ميتة بالحيا يا سليم. مجرد جسم عايش يتألم و بس.
مدت أناملها تُلامس شعيرات ذقنه الغزيرة وهي تقول بصدق كان كشعاع نور اخترق ظلمته فأضائها
انت الوحيد اللي بتفرح قلبي بتخليه يحس أنه عايش. لو كنت سمعت الكلام دا من الدكتور وانت مش جنبي كنت هقع من شدة الوجع. لكن وجودك هو اللي سندني.
جذبها لتستقر فوق موضع صدره واضعًا قبلة دافئة فوق جبهتها قبل أن يقول بخشونة
احنا مننفعش من غير بعض. دي الحكمة اللي دايمًا بطلع بيها من كل اللي بيحصلنا.
استكانت على صدره و استكان بين ضفاف عشقها كليهما يتألم ولكن غفوة العشق الذي جذبتهما كانت كالبلسم الذي تطيب به الجراح…
دوا ايه اللي بتاخديه دا؟
كان هذا صوت« طارق» الخشن الذي اخترق سكونها فانتفض جسدها مُرتعبًا لتلتفت إليه غاضبة
في حد يخض حد كدا؟ مش تكح!
حدتها اغضبته ولكن ذبول عينيها و بهوت ملامحها كانوا سببًا في تراجعه عن غضبه ليقترب منها بجسده الضخم يحصرها بينه و بين طاولة المطبخ ليقول بنبرة شغوفة
سلامتك من الخضة. لو اعرف ان الجميل ه يتخض كدا كنت خبيته في حضني.
ارتج قلبها لكلماته رُغم ثقل اوجاعه فأخذت تناظره بعينين تشكوان الألم صمتًا فلم تجد من الحروف ما يُمكن أن يُعبر عنه ولكنه كان أكثر من يشعُر بها لذا احتوت كفوفه كفها الذي اغلقته على حبة دواء لمعالجة الإكتئاب الذي ظنت انها هجرته و هجرها ولكنه الآن يُعيد هجومه السابق بطريقة أشرس فعادت لها نوبات الصداع مُجددًا فلجأت إليه عله يُريحها.
دوا ايه دا يا شيرين؟
لم تستطِع الكذب فصارحته بملل.
مُهديء اتعودت اخده زمان.
تراقص شبح الغضب في نظراته لثوان قبل أن يحتل محله العبث الذي تجلى في نبرته وهو يقول
مُهديء! و هو انا قصرت معاكِ في حاجه يا بنتي؟
ابتسامة خافتة لون ثغرها ثم قامت بجذب يدها من بين يديه وهي تقول بنبرة جافة
مصدعة، وعايزة انام يا طارق.
لم يُفلت يدها انما شدد من قبضته فوقها وهو يقول بنبرة ساخرة
و دا اللي هينيمك يا روح طارق؟
سيب ايدي.
لم يستجيب لها انما اخترقها بنظراته ويديه تلامسان ملامحها بحنو و بلهجة يطفو عليها الإعجاب تحدث
عارفه كل ما بقرب منك اكتر بتأكد انك طفلة. حد بريء معندوش أي خبرة في اي حاجه. كل ثانيه بتمر عليا جنبك بتثبتلي اني اختارت صح.
كلمات ليست كأي كلمات انما هي رخات مطر حانية احتوت تصدعات قلبها و روحها التي اهترأت بسبب ماضي مُشين و حاضر أليم و مستقبل تظنه جحيم كونها تحمل اسم ذلك الرجل كأب و كأنه طبيب بارع أتقن تشخيص المرض و قام بمداواته لتنهمر مياه عينيها بغزارة و تنفلت الكلمات من بين شفاهها مجروحة كحال قلبها.
انا كنت وحشة اووي يا طارق. كل الناس اللي هنا دي اتأذت بسببي. بس اقسم بالله غصب عني. كنت فاكرة أنه على حق و أنهم على باطل. كان نفسي يرضى عني و ياخدني في حضنه. كان نفسي اقدر ارفع راسي قدامهم. والله يا طارق ما كنت اقصد أأذي حد.
كان انهيارها لأمرًا جلل على قلبًا لم يعرف للعشق سبيل سوى على يديها لذا احتضنها بقوة وهو يُهدهدها كطفل صغير يرتجف بين ذراعي أبية و كم كانت تتوق لذلك الإحساس الذي حاربت لأجله في الماضي و ضحت بالغالي و النفيس ولكنها لم تجني سوى الخزي و الألم.
تفتكري لو أنتِ وحشة كان ربنا هيعرفك حقيقته؟ لو أنتِ كنتِ وحشة كان ربنا هيحنن قلوب الكل عليكِ بالشكل دا؟
رفعت عينيها تستجدي الصدق في نظراته فكان لها ما أرادت ف تهدلت أكتافها وهي تقول بحرقة
انا مش قادرة استوعب كل اللي بيحصل دا. بقى بعد السنين دي كلها يطلعلنا أخ. لا و ايه؟ دا كاره ماما و مفكر أنها رمته. مش كفاية كل العذاب اللي شافته بسببه كمان لسه مكمل في تعذيبها! هو دا يرضي ربنا؟
«طارق» بحنو
ربنا كبير يا شيرين و يمكن دا يكون عوض عمتي بعد كل العذاب اللي شافته معاه.
«شيرين» بتهكم مرير
عوض ايه يا طارق! دا مش طايقها و فاكر أنها رمته. تقولي عوض.
«طارق» بإصرار
مهمتنا أننا نعرفه الحقيقة عشان يقدر يحكم صح.
جال استفهام «طارق» على عقلها فهتفت مُتسائلة
انت كنت عارف بوجوده قبل ما ييجي هنا؟
لا يعرف كيف الهرب من ذلك الاستفهام الذي كان يحمل همه كثيرًا وها هو الآن يصطدم به
ايوا كنت عارف.
شهقت بصدمة
كنت و عارف و مقولتليش يا طارق؟
مش كل حاجه ينفع تتقال يا شيرين. أنتِ شوفتي بعينك الوضع كان لازم نتأكد الأول قبل ما نقول كل حاجه.
همست بخفوت
و اتأكدتوا؟
«طارق» باختصار
أتأكدنا.
في ايه كمان معرفوش؟
هكذا استفهمت بجفاء قوبل بالغضب من جهته حين قال
مفيش حاجه متعرفيهاش، و بعدين تعالي هنا. أنتِ توهتيني عالموضوع الأساسي. متاخديش الزفت دا تاني. سامعه ولا مش سامعه؟
«شيرين» بسخط.
علي أساس اني باخده دلع! انا باخده عشان ارتاح من كل اللي انا فيه دا
باغتها استفهامه الذي أفتعل عاصفة هوجاء بين حنايا صدرها
و حضني كان قصر معاكِ في حاجه يا هانم؟
برقت عينيها و تفشى الخجل في أوردتها حتى ترك بصماته فوق وجنتيها لتخفض رأسها وهي تُتمتم بتلعثُم
انا. يعني. محبتش اضايقك بهمومي.
بدأت أنامله بالعزف فوق خصرها فيما غازلتها حروفه حين قال.
مش قولتلك اني كل ما بقرب منك بتأكد انك بريئة و طفله مبتعرفيش تستغلي مواهبك لصالحك أبدًا ولا تستعملي صلاحياتك.
انهى كلماته بغمزة عابثة دغدغت مشاعرها فهربت الحروف من فوق شفتيها تأثرًا بحديثه الذي أضرم نيرانًا أخرى داخل قلبها الذي اجتاحه شعور عارم من الذنب تجاهه و تجاه تلك النظرة التي يراها بها وكشخص في موقفها أما أن تربح الجولة كاملةً أن تخسر بشرف لذا نظفت حلقها قبل أن تقول بنبرة جريحة.
في حاجه مهمة لازم تعرفها قبل ما تقرر اني فعلا حد بريء ولا لا؟
تنبهت جميع حواسه لحديثها و ظهر الاهتمام بنظراته قبل أن يقول بلهجة ثابتة
ايًا كان اللي هعرفه انا نظرتي فيكِ مش هتتغير.
كان يخشى من الذي أضرم نيران القلق بجوفه لذا اختار أن يبثها الأمان الذي يفتقده في تلك اللحظة حتى ينجو كلاهما من ما هو آت و قد شعرت هي به و بمحاولته في بثها ما يحتاج إليه كليهما لذا تحلت بفضيلة الشجاعة قبل أن تقول بنبرة هادئة
لما كنت في ألمانيا حصلت مشكلة بيني و بين أحمد و روحت عند بابا و هو مكنش موجود و حازم كان لسه هناك و استغل موقفي و خدرني و صورني معاه صور مش كويسه.
كانت تطوف بداخل غرفتها وهي هائمة بمشاعر جديدة كُليًا عليها. لأول مرة بحياتها ترى رجلًا مثله. رجلًا كامل الرجولة وذو عنفوان و شكيمة، فظ، قوي، مُسيطر ولكن يكمن خلف السنة اللهب المُطلة من عينيه حنان كبير لامسته في نظراته إلى تلك المرأة الحامل.
كلماته لازالت تتردد في أذنها. نظراته إليها و إلى الجميع انطبعت داخلها. وعوده لتلك المرأة والده«، هارون» و عنفوانه في التعامل معه، و تلك الهيبة التي تُحيط به تجعل الجميع يخشونه. كل تلك الصفات الرائعة التي اجتمعت به ألهبت مشاعرها و حركت غرائزها بصورة لم تعتدها من قبل.
تلك النظرة الخاصة التي حدجها بها زعزعت شيء ما لطالما كان مدفونًا بين طيات صدرها أيعقل أن يدق قلبها عشقًا؟
لم تعرف العشق يومًا وهي بصحبة ذلك المسخ بل لم تعرف معنى أن تذوب المرأة بين ذراعي رجلها فقد كان الأمر حلمًا اكبر من حدود خيالها فهي منذ أن وقعت أسيراً له وهي قد نست كل ما يخص أحلام المراهقة و حتى عنفوان الشباب، ولكن و بنظرة واحدة إلى ذلك الرجل كانت كالتيار الكهربائي الذي أيقظ جميع حواسها دفعة واحدة، فطرأ استفهام مُثير في عقلها
كيف يُمكن للمرأة أن تشعُر و هي بين ذراعي رجل مثله؟
انتشى قلبها من مجرد التخيل و تعالت دقاته ل تنتابها رغبة قوية لخلق فرصةً لها معه ولو كلفها ذلك الكثير
طرق على باب الغرفة أخرجها من خضم تخيلاتها لتتقدم وهي تفتحه بهدوء فوجدت أحد الخادمات تقول بلهجة أجنبية ركيكة
السيد يُريدك في الأسفل.
فهمت أنه يُريدها فارتسمت ابتسامة هادئة على ملامحها فقد أرادها في نفس التوقيت الذي كانت تُفكر به في كيفية امتلاكه و اعتبرتها ضربة حظ لذا اومأت برأسها و أغلقت الباب تنظر إلى جمالها في المرآة و الذي كان مُشعًا رغم بساطة ذلك البنطال و تلك الكنزة الباهتة و قد قررت انها ستحاول استغلال كل ما تملك ل تجلبه إليها في أقرب فرصة.
كانت تحمل قدح القهوة التي كانت تتفنن في تحضيرها له كأي شيء تفعله معه. دائمًا ما تجعل كل شيء منها مُميز يترك بصمة واضحة و علامة جيدة داخله لذا بالرغم من ذلك الألم في ظهرها إلا أنها تحاملت على نفسها واعدتها له لتتوجه رأسًا الى غرفة مكتبه فإذا بها تجد تلك الفتاة تقف بمنتصف البهو تتلفت حولها و كأنها تبحث عن شخص ما فبادرتها« فرح» القول بلهجة جامدة
هل تبحثين عن شيء؟
التفتت جوهرة إلى ذلك الصوت الآتي من خلفها فإذا بها تجد تلك المرأة الحامل التي تُعد الآن غريمتها فيبدو أنها زوجة فارسها النبيل ف شملتها بنظرة كلية لم تُعجب «فرح» ولكنها لم تُعلِق إنما انتظرت حتى تُجيبها جوهرة التي قالت بنبرة هادئة مُترفعة
أراد السيد سالم رؤيتي، ولا اعرف أين أجده هل يُمكن أن تُرشديني إليه؟
اختلفت نبرتها حين نطقت اسمه او هكذا ظنت «فرح» ولكن لا تعلم لما تولد بداخلها شعور بعدم الراحة لتلك الفتاة التي تبدو نظراتها كبحر ازرق عميق يُشعرك بالرهبة و لكن بنهاية الأمر حسمت أفكارها و تحدثت بترفع
تعالي خلفي.
تقدمتها «فرح» بحركة مقصودة لتدلف إلى غرفة المكتب التي كانت خالية إلا من «مروان» و «سالم» الذي رقت نظراته وهو يراها تتقدم إليه حاملة أكثر ما يحتاجه في تلك اللحظة فتقبل منها القهوة بابتسامة هادئة قابلتها بأخرى دافئة تُشبه لهجتها حين قالت
شفتني وانا طيبة و جيبالك القهوة لحد عندك.
لاح العشق في سماء عينيه لوهلة قبل أن يتبدل للجمود الذي تنافى مع لهجته العابثة حين قال.
لا شفتك وأنتِ زي القمر و بتسمعي الكلام.
انتشى القلب بكلماته التي عززت من غرورها كثيرًا و خاصةً بوجود تلك الحسناء التي كانت تُتابع ما يحدث بترقب تخفيه جيداً عن الأعين ولكن للقلوب بصيرة لا تُخطيء أبدًا
تفضلي بالجلوس.
هكذا تحدث« سالم» بفظاظة وهو يُناظرها بجمود أستلذت به كثيراً فملامحه الخشنة ونبرته الفظة و عينيه الجامدة كانا مثال للرجل المُثير الذي تتمناه الكثير من الفتيات لذا أطاعته وهي تُتمتم بعبارات شكر مختصرة ليبدأ «سالم» الحديث فور أن غادرت «فرح» التي شعرت بأنه من اللائق أن تغادر حتى ولو كان قلبها يقرضها من الداخل للمكوث معه وعدم تركه مع تلك الفتاة ولكن وجود «مروان» هدأ من روعها كثيرًا على الرغم من أن ذلك الوغد أراد استفزاها حين قال بجانب أذنها وهي تغادر.
متخافيش يا ام منصور معاهم محرم.
زجرته بحنق فتابع بتسلية
الكبير في أمانتي. الصاروخ يخصني انا. حطي في بطنك بطيخة صيفي.
لم تُعيره أي انتباه على الرغم من انها غضبت من وصفه لتلك الفتاة بأنها جميلة ولكنها في نهاية الأمر غادرت مرفوعة الرأس ليبدأ «سالم» الحديث قائلًا بجدية
لم أحب الطريقة التي جلبناكِ بها من ألمانيا، ولكنك تعرفين لدينا نزاعات مع سيدك، و أنتِ بدون قصد اُقحمتي بها لذلك اعذريني.
كانت هائمة بداخلها من هيئته و رجولته الفظة و طريقته الخشنة في الحديث حتى في الاعتذار يبدو رائعًا لم تُمس هيبته أبدًا، و قد كان هذا يروقها كثيرًا ولكنها كانت تُتقن إخفاء جميع شعورها خلف ذلك البحر الأزرق الهاديء في عينيها لتقول بلهجة يشوبها الإنزعاج
أقدر لك إعتذارك كثيرًا، ولكن ما الفائدة منه و أنا الآن بلا أي شيء. لا مال ولا مسكن و لا أوراق، و سيدي يرقد هناك بين الحياة و الموت.
يعلم أنها إمرأة لعوب ذلك الهدوء القابع خلف زرقتها الداكنة لم يُريحه أبدًا ولكنه قرر أن يصل معها إلى أقصى ما يُمكنه الوصول لذا قال بخشونة
كل ما ذكرته يُمكن تأمينه عدا حياة سيدك فهي ليست بذات قيمة حتى أنظر لها.
اعجبها حديثه فقالت بنبرة رفيعة جذابة
إذن سأنظر لها انا، و سأطلب منك الإفراج عن هارون و إرجاعنا إلى بلدنا في اقرب وقت.
«سالم» بسخرية.
بإمكاني اعادتك الآن لو أردتي، ولكن هارون ليس زائر لكي يعود أنه و لأول مرة بموطنه الأصلي لذا اخرجيه من حساباتك.
«جوهرة» بتخابُث اخفته جيدًا خلف ستار الاستنكار الغاضب
انت تتحدث عن كونه بجانب والدته التي ضحت به وهو رضيع. حبًا بالله انت رجلًا ذكي كيف تتوقع منه أن يتقبلها؟ أو حتى يشعر تجاهها باي مشاعر؟
هذا ليس من شأنك.
اجفلتها جملته لثوان فتابعت السير على خطتها باحترافيه وهي تقول بسخط.
بلى أنه من شأني فأنا من عاشر هارون لسنوات و أكثر شخص يعرفه، وهو صديقي لذا فأنا يحق لي أن اقف امامك الآن و أخبرك بأن تُطلق سراحنا.
تأكدت شكوكه حولها و وصل إلى مبتغاه معها لذا رقق من لهجته قليلًا حين قال
إذن أن كنتِ صديقته وأكثر من يعرفه فهذا يعني أنك في بيتك، و إلى أن يصل هارون الى معرفة الحقيقة و يختار في أي جهة عليه الإنضمام أنتِ ضيفتنا ما رأيك؟
كان النرد في صالحها و حسمت جولتها الاولى ل تترسم مكانها في ذلك البيت بجانبه فانتابتها سعادة قوية خبأتها جيدًا في جوفها قبل أن تقول بنبرة يغلب عليها الانزعاج
وهل وضعت أمامي اي خيار آخر؟
«سالم» بدهاء أخفاه جيدًا خلف نبرته الجامدة
انا لا اطرح الخيارات جوهرة. أنا اختصرها في طريق واحد يصل بي حيثُما أُريد.
رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى هكذا رددت بداخلها وهي تناظره بعينين التمع بهم بريق الإعجاب الذي سرعان ما اطفأته وهي تقول بحنق مُفتعل
كلاكمَ انت و السيد ناجي تملكان تلك العجرفة، ولكني سأتغاضى عنها مُقابل البقاء بجانب هارون و مساندته. و هذا لا يعني أنني سأكون شخص مُتساهل مع أي خطأ بحقي أو حقه.
شملتها عينيه بنظرة اوقدت حمية الرغبة بقلبها التي تضاعفت حين قال بفظاظة.
يُعجبني كون هارون يمتلك شخص مثلك بجانبه.
اشكرك. هل يمكن أن أخرج الان؟
تفضلي.
التفتت تنوي المغادرة ولكن لم يفُتها نظرات «مروان» التي يتساقط منها الإعجاب الذي تجلى في نبرته حين قال ما أن غادرت
بقى البت دي مطولة معانا؟ يخربيتك يا سما. طلقها قرب بنت الفقرية. انا كدا اتأكدت أنها بومة.
«سالم» بحنق
ليه أن شاء الله؟ بقى بتقارن سما بالبنت دي؟
«مروان» باندفاع.
ليه اهبل! مفيش وجه مقارنه اصلًا.
قول لنفسك هو في زي بنت عمتك!
الحمد لله أن مفيش، وبعدين دي مقارنه غير عادلة زي بالظبط لما تقارن بين كفر الشيخ و شرم الشيخ كدا. الاتنين عندهم شيخ اه بس الأول شيخ جامع و التاني شيخ منصر وانا بما أني فلاتي ف هختار شيخ المنصر.
«سالم» بتقريع
تصدق حلال اللي بتعمله فيك عمتك.
ماهو ربنا خدلي حقي و رضاني. شوف سبحان الله عشان أنا نيتي طيبة ربنا بعتلي هارون يخلص تاري و جوهرة تطفي ناري. والله فعلا الأعمال بالنيات.
ناظره «سالم» بحنق تراجع على إثره «مروان» الذي قال بتملق
بس سيبك انت سنترتها. البت يا قلب امها مكنتش عارفه تروح فين منك؟ بس انت ليه يا كبير هتقعدها معانا؟ بتكافئنا يعني ولا ايه؟
قال جملته الأخيرة باستفهام جعل «سالم» يقول بنفاذ صبر.
بكافئك على ايه على لسانك اللي عايز قطعه! البت دي ضيفة هنا اياك حد يقربلها و خصوصًا انت. خلينا نشوف اخرتها ايه مع ناجي و أشكاله اللي شبهه دي.
«مروان» باندفاع
لا شبهه ايه. بقى لهطة القشطة دي شبهه؟ سما اللي طلعت شبهه مناخيرها كبيرة زيه.
لم يستطِع منع ضحكة انفلتت منه إثر كلمات« مروان» العابثة ليصيح الأخير مازحًا
شوفت اهو انت بتضحك تبقى شبهه. حسرة عليا و على بختي الاسود.
زجره« سالم» قائلًا
أتلم يا مروان، و خلي بالك من سما هي محتاجلك الفترة دي.
«مروان» بجدية
اه مانا واخد بالي طلعت اطمن عليها قفلت الباب في وشي. قال ايه عمتي نايمه. طب ماهو دا المطلوب أنها تبقى نايمه عشان اعرف اواسيها. هواسيها ازاي و عمتي صاحية!
تفهم« سالم» لسخطه فقال بتعقُل.
سما اقرب واحدة لعمتك، و دا مخليها عايزة تخفف عنها بأي طريقة عشان كدا هتلاقيها رخمت عليك لكن هي محتاجلك.
«مروان» بحنق حاول إخفاءه قدر الإمكان
مانا عارف، و خصوصًا أن العبد لله حنين بس هي اللي غشيمة هو انا اللي خبيت البغل دا و داريته عنهم؟
يا ابني أفهم هي بتحاول تفهم و تستوعب اللي حصل.
هكذا تحدث «سالم» فصاح «مروان» حانقًا.
اشمعنى طارق داير يطبطب و يحضن و يفهم و يستوعب مفيش أوكرة حتى اتقفلت في وشه! ولا انا مكتوب على وشي حزين الدنيا حزين الآخرة!
ضاق ذرعًا بعناده فهتف غاضبًا
سما غير شيرين، و يالا من هنا صدعتني.
ما أن خرج مروان حتى أعلن الهاتف عن اتصال كام من
«صفوت» الذي ما أن أجاب «سالم » حتى صاح غاضبًا
انت بتستهبل يا سالم ازاي تسهله الدنيا عشان يهرب افرض مكنش جه القصر كان هيطير منك؟
«سالم» بجفاء
مكنش هيغيب عن عيني و هو عارف الكلام دا. كنت محتاج اعرف هيتصرف ازاي و تفكيره هيوديه فين؟
«صفوت» بحنق
بس كانت مجازفة يا سالم، و انت شفت همت و اللي حصلها.
«سالم» بخشونة
الخيرة فيما اختاره الله يا صفوت ربنا أراد أنها تعرف عشان مبقاش ينفع حاجه. خلي اللعب عالمكشوف.
«صفوت» باستفهام
طب أنت ناوي على ايه؟
«سالم» بغموض.
مش ناوي. هبقى رد فعل المرة دي.
بمعنى؟
«سالم» بخشونة
احنا قدام احتمالين. يا اما ناجي قاصد أن كل اللي حصل دا يحصل. يا اما أننا فاجئناه، و موضوع أنه في العناية المركزة دا مش داخل دماغي. طارق عارف كان بيضرب فين بالظبط.
يعني تفتكر هو قاصد يزرعه جوانا؟
هكذا استفهام «صفوت» فأجابه «سالم» بخشونة.
وارد. كل شيء وارد. بس خلينا معاه لحد الآخر. هو ساكت وانا ظاهريًا ساكت لكن ه ستغل الهدية اللي بعتهالي سواء بقصده أو لا. لحد ما كل واحد يضرب ضربته الأخيرة.
تفاجيء «صفوت» من حديث« سالم» الذي يحمل حقدًا واضحًا فاتبع معه منحنى الهدوء قائلًا
تقصد ايه انك ه تستغل هديته؟
«سالم» بقسوة
الواد دا هو اللي هاخد بيه طار أخويا اللي ضيع مستقبله، و حرمنا وحرم أمي منه.
التعليقات